خاتمة الدراسة
و فيما مضي كانت دراسة مبسطة تلقي الضوء للقاريء الكريم عن جوانب قد تخفى عنه في شخصية داعية النصرانية الأول ( بولس ) فدراسة الشخصية هام جدا لفهم الدعوة و سبر أغوارها .. فالرسالات لا تنفك عن شخصيات الدعاة الذين يقدمونها للناس لا سيما في عهدها الأول . و قد رأينا دعوة بولس من خلال دراستنا لنصوص العهد الجديد و كتابات المؤرخين و المفكرين النصارى . و رأينا أن بولس و أتباعه من دعاة ألوهية المسيح كانوا في البداية قليلون قد وسمهم معاصروهم بالفرقة المارقة ، و قد ظل الوضع كذلك حتى مجمع نيقية عام 325م فتحكي كتب التاريخ أن عدد من حضروا المجمع كانوا قرابة الألف شخص من مختلف الطوائف النصرانية المعروفة أنذاك و منهم 318 أسقفا على رأي بولس و قد ناصرهم الإمبراطور قسطنطين بإنحيازه لرأيهم و فرض عقيدتهم على غيرهم بقوة السلطان .
و منذ ذلك التاريخ فُرضت عقيدة بولس على النصارى بأنها العقيدة الصواب و ما خالفها هرطقة ، و كان الزمن كفيلا بانتشارها في كافة أرجاء الإمبراطورية الرومانية و دفع ما سـواها من عقائد أخرى حـتى صـارت اليوم – و على اختلاف طوائف النصارى – مصدر للعقيدة المعتبرة لدى المسيح u .
و رأينا كذلك شخصية بولس طبقا لما ورد في رسائله و سفر أعمال الرسل و رأينا أيضا لماذا يختلف الباحثون المسلمون مع النصارى في عدم اعتبار بولس رسولا ! ؛ إذ كيف يكذب الرسول ؟.. أو كيف يتلون بكل لون ؟.. أو كيف يختلف مع معاصروه و بني دعوته في مسائل من صميم الدعوة و لا مجال فيها للأراء أو للإجتهادات الشخصية ؟.. و هذا كاف لإنتفاء صفة الحق على دعوته . فلا يثبت في معيار العقل و الفكر إلا ما هو معقول و مقبول .. و لا يؤثر في ضمير العقلاء إلا موضوعية البحث و حسن التقدير ، و لم نعمد في دراستنا هذه إلى تجريح أو نقد فليس هذا هدفنا على الإطلاق بل ما استوجبه النظر العقلي و التفكير المنطقي ، و قد كانت النصوص هي محور نقاشنا و استنباطنا ، و لم يكن للإفتراض الوهمي مجالا إلا إذا كان مناقشة وجهات نظر ، فأننا نسوق الإحتمالات المختلفة و رائدنا في ذلك الحقيقة و محاولة كشف جوانبها بغض النظر عن أفكار المؤيدين و المعارضين تاركين الحكم للقاريء ليحكم بعقله في ما كان الإختلاف . إن شخصية بولس على أهميتها ذات مكان رفيع في الفكر النصراني ، و من منطلق هذه الأهمية كانت دراستنا ؛ إذ أنها شخصية عالمية يعيش الملايين ما غرسه من أفكار ، و من ثم كان اهتمامنا لبيان مبلغ هذه الأفكار من الصواب . فإذا قيل أن هذه الدراسة قد أساءت لشخص القديس بولس و من ثم إلى النصرانية ككل .. فأقول : إن كانت هناك إساءة فهي من النصوص التي اقتبستها من كتاباته فأنا لم أأت بشـيء من عندي ! .. فتلك النصـوص إما أن تكون صحيحة فلا دعوى للإساءة مني ، و إما غير ذلك فنسأل لمَ هي مقدسة ؟
إن دراستنا متواضعة أقدمها لطلاب الحقيقة الذين يحبون أن تتفتح عيونهم على نورها ، و يرون أن نفوسهم لا تنتعش إلا بها .. أما الذين يكرهون الحقيقة و يعادون نورها فالباب لا يزال مفتوحا لتبادل الرأي و الإقناع .
و لا يساعني في الختام إلا أن أقدم الشكر لكل من قرأ الدراسة بعين الموضوعية و اتصل بي لينبهني لخطأ بها كبيرا كان أو صغيرا ، أو ليناقشني في أفكارها و أنا على أتم الإستعداد لذلك .
أللهم اهدنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنك إنك نعم المولى و نعم النصير .. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
طارق محمد الشافعي
engi_build@hotmail.com
المفضلات