السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شارك معنا – رجال مدرسة الليل فداء الرسول
· رجال مدرسة الليل
ولكن تمام التذكر يكون مع الهدوء والسكون .
فمن ثم كانت مدرسة الليل .
وكان ترغيب الله للمؤمنين أن يجددوا سمت الذين {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون} وإذا انتصف الليل ، في القرون الأولى ، كانت أصوات المؤذنين ترتفع تـنادي :
يارجال الليل جدوا **** رب صوت لا يرد
مـا يـقـوم الـلـيل إلا **** مـن لـه عـزم وجِـدُّ
و إنها حقاً لمدرسة ، فيها وحدها يستطيع رجالها أن يذكوا شعلة حماستهم ، وينشروا النور في الأرجاء التي لفتها ظلمات الجاهلية .
و إنها تجربة إقبال يوجزها فيقول :
نـائح والـلـيـل سـاج سادل **** يـهجـع الناس و دمـعي هـاطل
تصطلي روحي بحزن وألم **** ورد ( يا قوم ) أنسي في الظلم
أنـا كالـشـمع دمـوعي غـسـلي **** في ظلام الـليـل أذكي شعـلي
مـحفـل الناس بـنوري يشـرق **** أنـشر النور و نـفسي أحرق
و إن دعوة الإسلام اليوم لا تعتـلي حتى يذكي دعاتها شعلهم بليل ، ولا تشرق أنوارها فتبدد ظلمات جاهلية القرن العشرين مالم تلهج بـ( يا قيوم ) .
ما نقول هذا أول مرة ، وإنما هي وصية الإمام البنا حين خاطب الدعاة فقال :
" دقائق الليل غالية ، فلا ترخصوها بالغفلة "
أفعيينا أن نعيد السمت الأول ، أم غرنا اجتهاد في التساهل و التسيب و الكسل جديد ؟
إن القول لدى الله لا يبدل ، ولكنا أرخصنا الدقائق الغالية بالغفلة ، فثقـل المغرم ولم يجعل الله لنا من أمرنا يسراً .
إن انتصار الدعوة لا يكمن في كثرة الرق المنشور ، بل برجعة نصوح إلى العرف الأول ، ومتى ما صفت القلوب بتوبة ، و وعت هذا الكلام أذن واعية : كانت تحلة الورطة الحاضرة التي سببتها الغفلة المتواصلة .
ذلك شرط لا بد منه .
و كأن النصر حجب عنا لأننا نادينا من وراء الحجرات ، وجهرنا رافعين أصواتـنا نوجب على الله لنا هذا النصر بادلال ، نبيعه و نثبت لنا حقاً عاجلاً في الثمن من دون أن نقدم بين يدي بيعنا همساً في الأسحار ، ولا الدمع المدرار ، و إنما النصر هبة محضة ، يقر الله بها عين من يشاء من رجال مدرسة الليل في الحياة الدنيا ، ولا يلت الآخرين المحصرين من ثمنهم في الآخرة شيئاً ، ويوقع أجرهم عليه .
إن تعلم الإخلاص ، وفضح الأمل الكاذب الدنيوي أجلى أعطيات مدرسة الليل ، كما يقول وليد ، وذلك ما توجب تربيتـنا تركيزه وتعميقه في النفوس . قال ، والحق ما قال :
ياليل قيامك مدرسة **** فيها القرآن يدرسني
معنى الإخلاص فألزمه **** نهجاً بالجنة يجلسني
و يبصرني كيف الدنيا **** بالأمل الكاذب تغمسني
مثل الحرباء تلونها **** بالإثم تحاول تطمسنى
فأباعدها و أعاندها **** و أراقبها تتهجسني
فأشد القلب بخالقه **** والذكر الدائم يحرسني
وأكثر من هذا فإن من يتخرج في مدرسة الليل يؤثر في الأجيال التي بعده إلى ما شاء الله ، والمتخلف عنها يابس قاس تـقسو قلوب الناظرين إليه، والدليل عند بشر بن الحارث الحافي منذ القديم ، شاهده وأرشدك إليه, فقال :
" بحسبك أن قوماً موتى تحيا القلوب بذكرهم ، وأن قوماً أحياء تـقسو القلوب برؤيتهم " .
فلم كان ذلك أن لم يكن ليل الأولين يقظة ، وليل غيرهم نوماً ؟ ونهار الأولين جداً ، ونهار الآخرين شهوة ؟
المفضلات