حوار مع المعارضين القائلين بوجوب ستر الوجه 27
يقولون : ورد عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت : كنا نغطي وجوهنا من الرجال, وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام.فإذا كانت الصحابيات الكريمات يغطين وجوههن من الرجال في الإحرام والأصل فيه الكشف , فالستر في غير الإحرام أولي ويقولون أيضا - بناء علي حديث أسماء هذا وأحاديث أخري مشابهة – إذا كان كشف المرأة وجهها في الإحرام واجبا كما يقرر أكثر أهل , والواجب لا يترك إلا لما هو أوجب منه , فلولا وجوب ستر الوجه عن الأجانب ما ساغ ترك الواجب وهو كشفه حال الإحرام.
الجواب:
1- ينبغي أن يحمل تغطية الوجه هنا علي الإسدال من طرف الثوب علي الوجه , فرسول الله نهي عن الانتقاب.وفي جواز الإسدال جاء قول عائشة:"وتسدل (المحرمة) الثوب علي وجهها إن شاءت".
2- وقول أسماء:"كنا نغطي وجوهنا" يحتمل أن التغطية كانت تقع عند مرور جماعة من الرجال من أخلاط الناس , وقد يكون فيهم من ينظر ويطيل النظر إلي النساء , فيسبب حرجاً للمرأة ولو لم تكن تألف الستر في حياتها العادية.أي أن هذا الفعل منها حياء فقط.
ويؤيد هذا ما رواه الحاكم عن أسماء رضي الله عنها قالت (كنا نغطّي وجوهنا من الرجال حياء) أي حياء منهن وخجلاً لا تشدداً ولا تغالياً في الدين. (المرأة بين النقاب والحجاب للشيخ جاد الحق)
وهكذا يتبين أن قول أسماء ليس قاطعا في أن تغطية وجهها كان ديدنها في حياتها العادية أي في غير الإحرام
3- قول أسماء قد ورد للتدليل علي جواز تغطية المرأة وجهها في الإحرام بطرف ثوبها ولو فرضنا أنه كان من عادة أسماء أو غيرها ستر الوجه في غير الإحرام فهل يدل هذا علي وجوب الستر علي النساء وجوبا مطلقا؟ إن الفعل , مجرد الفعل , لايدل علي الوجوب , كما يقول الأصوليون , انما يدل علي الجواز فحسب.
4- وإذا كانت هناك أحاديث مشابهة لحديث أسماء تفيد إسدال بعض النساء علي وجوههن مـن أطراف أثوابهن , فهذه الأحاديث لا تفيد ترك المحرمات واجبا لما هو أوجب منه , لأن الواجب في حقهن عدم تغطية الوجه بنقاب ونحوه.وهذا الواجب حاصل مع الإسدال , لأن الإسدال لا يعني تغطية الوجه , بل هو بمثابة إقامة حاجز أو حجاب بين أبصار الرجال وبين وجه المرأة.
5- هناك نص آخر أورده أبو الأعلي المودودي في كتابه(الحجاب).فعن فاطمة بنت المنذر قالت :
"كنا نخمر وجوهنا من الرجال ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر فلا تنكره علينا" رواه مالك في الموطأ في الحج. وقولها "فلا تنكره علينا" إن صح يفيد أن أسماء نفسها ما كانت تغطي وجهها في الإحرام إذ لو كانت تفعل ما كان هناك حاجة لذكر عدم إنكارها الذي يفيد أن مسألة تغطية الوجه في الإحرام محصورة في الإباحة , ولا محمل للقول فيها بالوجوب , إذ مع الوجوب لا مجال لوقوع الإنكار.ويحتمل أن أسماء كانت تكشف أحيانا وتغطي أحيانا لحديثها السابق.
والخلاصة أن مثل هذه الأخبار عن أسماء وفاطمة لا يصح الاستدلال به على وجوب تغطية الوجه لسائر نساء الأمة , إنما هي حكاية أفعال قمن بها , وغاية ما فيها مشروعية الإسدال علي الوجه في الإحرام , ولا تدل علي أي حكم بشأن غير المحرمة.
المفضلات