حوار مع المعارضين القائلين بوجوب ستر الوجه 21
يقولون: إن كثيراً من الفقهاء قالوا بوجوب ستر الوجه سداً للذريعة ولأمن الفتنة , وهذا الزمان الذي نعيش فيه زمان فتنة وفساد.
الجواب:
1- هذا القول من بعض الفقهاء هو اجتهاد منهم لأمن الفتنة وليس هو الحكم الأصلي الوارد من الشارع في شأن الوجه. إن الشارع أوجب ستر العورة فحسب ، فأما ما لم يكن عورة فلا يجب ستره أصلا. ولكن قد يجتهد الفقيه ويحكم بوجوب ستر الوجه أو ندبه - وان لم يكن عورة - في حال معينة ، وهذا الحكم الاجتهادي قد يكون صواباً وقد يكون خطأ والعبرة بالدليل الذي اعتمد عليه في اجتهاده ، كما قد يكون هذا الحكم الاجتهادي قد راعي مصلحة زمنية معينة.
2- إن حد زمن الفتنة غير منضبط , فمنذ عصر التابعين وهناك من يقول زماننا هذا زمان فتنة:
قال القرطبي : ... فهذا أقوي في جانب الإحتياط لمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها.
وسؤل ابن عقيل الحنبلي عن كشف المرأة وجهها في الإحرام مع كثرة الفساد اليوم.
كما أن الجمال أمر نسبي , وأين الأمر بغض البصر؟!!
ثم أن درء المنكر علة مشتركة بين الرجال والنساء , فهل سمعنا من قال بتغطية الرجل الجميل لوجهه؟!
3- بعض الفقهاء جعل معنى الفتنة زائدا على مجرد النظر بشهوة وذلك أن يجد المرء في نفسه من النظر إلى المرأة ما يدعوه إلى الجماع أو مقدماته.
فمن أين للمرأة أن تعرف قصد الرجل للذة أو وجدانها؟!
إن ضبط مسألة افتتان الرجل بالمرأة مما يصعب ، لأنها تتعلق بأمر باطن ، لا يطلع عليه سوى صاحبه ، فكيف نلزم المرأة بأمر باطن يصعب ضبطه ؟ وأولى من ستر الوجه أن تنسحب من مجال الفتنة وتبتعد عنه، إذا لاحظت ذلك.
4- إن فتن الحياة كثيرة ومن أخطرها فتنة النساء وفتنة المال وفتنة الأولاد ومع ذلك فلا غني للبشر عنها .فالمال مثلا أصله حلال ولا يجوز أن نحرم هذا الأصل الحلال ونعطل دوره في تعمير الأرض من باب سد الذريعة. ولكن الذي ينبغي أن يحرم أمورا حرمها الشارع قد تصاحب المال سواء في كسبه أو في إنفاقه. وكذلك النساء في التعامل الجاد معهن في مختلف مجالات الحياة حلال وهن كاشفات الوجوه, فلا يجوز أن نحرم هذا الأصل الحلال , ونعطل دوره في تعمير الأرض, ولكن الذي ينبغي أن يحرم مثيرات الفتنة التي بينها الشارع , وليس منها سفور الوجه,مثل الزينة الصارخة في الوجه والثياب أو التطيب برائحة فواحة , ومثل الخضوع بالقول والمزاحمة والخلوة.
5- ألم تكن الفتنة قائمة في العهد النبوي؟! نحسب أنها كانت قائمة والدليل علي ذلك:
قوله تعالي {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}
وقوله تعالي {يعلم خائنة الأعين}
وأحاديث كثيرة تأمر وتحض علي الغض من البصر
وأحاديث تفيد وقوع بعض الصحابة في النظر المحظور , ومنها حديث الخثعمية.ومع وجود الفتنة اكتفي الشارع بالأمر بالغض من البصر ولم يأمر بستر الوجوه ولا فرق في ذلك بين الجميلة وغيرها فالفتنة حاصلة في جميع الأحوال.
وإذا كان الشارع قد ترك هذه الفتنة ولم يغلق بابها رحمة بالناس وتوسعة , فينبغي أن تظلا قائمتين مصونتين دون حظر , إذا كنا مؤمنين بحكمته مسلِّمين لشرعه , وإذا كان الأمر كذلك فكيف نُعمل قاعدة سد الذريعة لحظر فتنة قديمة عرفها الشارع وأدرك خطرها ولم ير سدها.إن إعمالها في هذه الحال يبدو وكأنه استدراك علي الشارع.
قد يقول قائل: صحيح أن الفتنة قديمة منذ زمن التشريع , ولكن الجديد زيادتها بدرجة كبيرة عما كانت عليه في العهد النبوي , ذلك أن الرجال قد غفلوا عن أمر الله تعالي بالغض من الأبصار , فأرسلوا أبصارهم وحملقوا في وجوه النساء , وفي إرسال الأبصار فتنة للرجال وإيذاء لنساء المؤمنين.
فما العلاج في مثل هذه الحال؟ والجواب نستلهمه من سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم.فعندما أرسل الفضل نظره إلي امرأة وضيئة في حضرته صلي الله عليه وسلم حول الرسول الكريم نظر الفضل ولم يأمر المرأة بستر وجهها بالإسدال عليه من طرف ثوبها إن كانت محرمة أو بتغطيته بنقاب أو غيره إن كانت غير محرمة.وفي هذا الفعل تثبيت قاعدة عامة تقرر مشروعية كشف المرأة وجهها وأن علي الرجال المجاهدة والغض من أبصارهم.وهذه المجاهدة أيا كانت درجتها هي المواجهة الإيجابية لفتنة وجه المرأة.
يقول القرضاوي: أن العصر الأول وإن كان عصرا مثالياً حقاً , ولم تر البشرية مثله في النقاء والارتقاء , لم يكن إلا عصر بشر مهما كانوا, ففيهم ضعف البشر , وأهواء البشر , وأخطاء البشر,ولهذا كان فيهم من زني , ومن أقيم عليه الحد, ومن ارتكب ما دون الزني , وكان فيهم الفساق والمجان الذين يؤذون النساء بسلوكهم المنحرف, وقد نزلت آية سورة الأحزاب التي تأمر المؤمنات بإدناء الجلاليب عليهن , حتي يعرفن بأنهن حرائر عفيفات فلا يؤذين{ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} .
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله قال: (فما بال أقوام إذا غزونا يتخلف أحدهم عنا له نبيب كنبيب التيس) .فيه دليل على أنه كان في ذلك الزمان أناس يتتبعون النساء للفاحشة.
ووردت أحاديث تشير إلي إمكان وقوع إعجاب من الرجال بحسن بعض النساء عند لقائهن أو رؤيتهن في الطريق:
• فعن جابر: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلي امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.
ويقول أيضا : هناك دليل يلجأ إليه دعاة النقاب إذا لم يجدوا الأدلة المحكمة من النصوص ، ذلكم هو سد الذريعة . فهذا هو السلاح الذي يشهر إذا فُلَّتْ كل الأسلحة الأخرى. وسد الذريعة يقصد به منع شئ مباح خشية أن يوصل إلي الحرام وهو أمر اختلف فيه الفقهاء بين مانع ومجوز وموسع ومضيق. فكما أن المبالغة في فتح الذرائع قد تأتي بمفاسد كثيرة تضر الناس في دينهم ودنياهم ، فإن المبالغة في سدها قد تضيع علي الناس مصالح كثيرة أيضا في معاشهم ومعادهم. وإذا فتح الشارع شيئا بنصوصة وقواعده فلا ينبغي لنا أن نسده بأرائنا وتخوفاتنا فنحل بذلك ما حرم الله ، أو نشرع ما لم يأذن به الله.
ويكفينا الأحكام والآداب التي قررها الشرع لتسد الذرائع إلي الفساد والفتن ، من فرض اللباس الشرعي، ومنع التبرج ، وتحريم الخلوة ، وإيجاب الجد والوقار في الكلام والمشي والحركة , مع غض البصر من المؤمنين والمؤمنات ، وفي هذا يغنينا عن التفكير في موانع أخري من عند أنفسنا.
وقال أيضاً: أننا لو فتحنا هذا الباب لنسخنا الشريعة بآرائنا , فالمشددون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ميسرة بدعوي الورع والاحتياط..... والصواب أن الشريعة حاكمة لا محكومة , متبوعة لا تابعة , ويجب أن نخضع نحن لحكم الشريعة , لا أن تخضع الشريعة لحكمنا {ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن}.
انتهي
حول سؤال:هل يجب على النساء أن يسترن وجوههن لفساد الزمان وسداً للذريعة؟ قال الألباني:
هذا السؤال يطرحه اليوم كثير من المقلدة الذين لا ينظرون إلى المسائل الشرعية بمنظار الشرع وأدلته ولا يتحاكمون عند الإختلاف إلى الكتاب والسنة وإنما إلى ما قام في نفوسهم من الآراء والأفكار ، ولو أنهم استجابوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم لا ستراحوا وأراحوا! ولكنهم أعرضوا عن ذلك وعن أقوال أئمتهم، بأن عليهم جميعاً- رجالاً ونساءً- أن يغضوا من أبصارهم على التفصيل المتقدم بيانه ولجؤوا إلى تقليد بعض المقلدين الذين جاؤوا من بعد الأئمة بعلة إبتدعوها وهي قولهم: " بشرط أمن الفتنة " – أي: الإفتتان بها - وإلا وجب عليها سترهما ، وغلا أحدهم – ممن لا فقه عنده ولا نظر- فنسب ذلك إلى إتفاق الأئمة رضي الله عنهم! فإن المتبادل من لفظة: "الأئمة " إنما هم الأئمة الأربعة المجتهدون ولا يعلم عن أحد منهم أنهم اشترطوا الشرط المذكور ولا يليق ذلك بعلمهم.
وقال أيضاً وخلاصة القول:إن الفتنة بالنساء كانت في زمن نزول الوحي على النبي صلي الله عليه وسلم ، ومن أجل ذلك شرع الله عز وجل من الأحكام للجنسين - سداً للذريعة - ما سبقت الإشارة إليه ، فلو شاء الله تعالى أن يوجب على النساء أن يسترن وجوههن أمام الأجانب ، لفعل سداً للذريعة أيضاً ، {وما كان ربك نسيا} ولأوحى إلى النبي صلي الله عليه وسلم أن يأمر المرأة الخثعمية أن تستر وجهها فإن هذا هو وقت البيان كما تقدم ، ولكنه على خلاف ذلك أراد صلي الله عليه وسلم أن يبين للناس في ذلك المشهد العظيم أن سد الذريعة هنا لا يكون بتحريم ما أحل الله للنساء أن يُسفرن عن وجوههن إن شئن ، وإنما بتطبيق قاعدة: {.. يغضّوا من أبصارهم}، وذلك بصرفه نظر الفضل عن المرأة.
قال ابن عباس في حديث علي:
"يا رسول الله ! لِمَ لويت عنق ابن عمك؟". فقال صلى الله عليه وسلم:
"رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما".
فهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك مخافة الفتنة ، كما قال الشوكاني في " نيل الأوطار" (6/97) فمن فعل في مثل هذه الحالة خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد خالف هديه صلى الله عليه وسلم ، وتعرض لوعيد قوله تعالى:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور:63)، وقوله صلى الله عليه وسلم:" …ومن رغب عن سنتي فليس مني" متفق عليه. فكيف به إذا جعل مخالفته قاعدة مستمرة إلى ما شاء الله؟!
ثم قال الشوكاني رحمه الله:
" وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة ، حيث لم يأمرها بتغطية وجهها ، فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ، ولو لم يكن ما فهمه جائزاً ما أقره عليه "
وفي نقدي أنه لا فرق بين هؤلاء المقلدة الموجبين على النساء ستر وجوههن – سدّاً للذريعة كما زعموا- وبين ما لو قال قائل: يجب على الرجال أن يستروا وجوههم- كما هو شأن الملثمين في بعض البلاد- كي لا تفتتن النساء بالنظر إليهم سداً للذريعة أيضاً ! فهذا كهذا ، ومن فرَّق ، فقد تناقض وتعصّب للرجال على النساء ، إذ إنهم مشتركون جميعاً في وجوب غضِّ النظر ، فمن زاد على الآخر حكماً جديداً بغير برهان من الله ورسوله ، فقد تعدَّى وظلم، {والله لا يحب الظالمين}.
وهنا أستحضر بيتاً من الشعر كأن المرأة فقيهة تتمثل به فتقول:
غيري جنى وأنا المعذّب فيكم ..... فكأنني سبَّابة المتندم!
المفضلات