عهود مختلفة لكتابة التوراة والتلمود
إن أهم أسفار العهد القديم هي أسفار القسم الأول التي ينسبها اليهود إلى موسى، ويعتقدون أنها بوحي من الله وأنها تتضمن التوراة، ولكن هذا الادعاء أثبت زيفه عدد من الباحثين من خلال ملاحظة اللغات والأساليب التي كتبت بها هذه الأسفار، وما تشتمل عليه من موضوعات وأحكام وتشريعات، والبيئات الاجتماعية والسياسية التي تنعكس فيها، حيث ثبت لديهم أنها ألفت في عصور لاحقة لعصر موسى بأمدٍ غير قصير، حيث يقع عصر موسى على الأرجح حوالي القرن الرابع عشر أو الثالث عشر قبل الميلاد، بينما ألف معظم سفري التكوين والخروج حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وأن سفر التثنية قد ألف في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، وأن سفري العدد واللاويين قد ألفا في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، أي بعد النفي البابلي، (وهو إجلاء بني إسرائيل إلى بابل سنة 587 قبل الميلاد)، كما أن هذا الزيف يتبين من خلال ما تشتمل عليه هذه الأسفار من عقائد وشرائع مختلفة تعكس الأفكار والنظم المتعددة التي كانت سائدة لديهم في مختلف أدوار تاريخهم الطويل، وهذا ما يثبت أن هذه الأسفار جميعها مكتوبة بأقلام اليهود.
أما بالنسبة إلى بقية الأسفار، فإن الباحثين يرجحون أن قسماً منها قد ألّف في الفترة الواقعة بين النصف الأخير من القرن التاسع وأوائل السادس قبل الميلاد، ويشمل هذا القسم أسفار يوشع والقضاة وصموئيل والملوك والأمثال ونشيد الأناشيد ومعظم أسفار الأنبياء، وأن قسماً آخر منها قد ألف في الفترة الواقعة بين أوائل القرن السادس وأواخر القرن الرابع قبل الميلاد، ويشمل هذا القسم أسفار يونس وزكريا وقسماً من سفر دانيال.
كانت هذه ما يسمى بالأسفار الظاهرية أو العلنية، ولكنه يوجد في نظر اليهود أسفار يهودية قديمة أخرى لم يدخلوها في أسفار هذا العهد، ويطلقون عليها اسم الأسفار الخفية، ومنها الأسفار التي تزيد بها الترجمة السبعينية عن الأصل العبري.
وبعض الأسفار الخفية غير مقدس ولا معتمد في نظر اليهود، بينما بعضها الآخر مقدس، أي معترف بأنه موحى به ومعتمد في نظرهم، ولكن رأى أحبارهم وجوب إخفائه، وقرروا أنه لا يجوز أن يقف عليه الجمهور، ولا أن يدرج في أسفار العهد القديم. وإلى هذا يشير القرآن الكريم إذ يقول في اليهود: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً}[الأنعام:91]، وإذ يقول: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب}[المائدة:15]، ويقول أيضاً: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بينّاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}[البقرة:159]، ويقول أيضاً: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}[البقرة:174].
ومن هنا يظهر أن السفر قد يكون خفياً ومقدساً في آن واحد عند اليهود، ويظهر أن الاصطلاح اليهودي لمدلول كلمة "الخفي" يختلف بعض الاختلاف عن مدلول كلمة الخفي في الاصطلاح المسيحي، فالمسيحيون يطلقون كلمة "الخفي" على كل سفر يرون أنه غير مقدس، أي غير موحى به، سواء كان في نظرهم صحيحاً في حقائقه وفي نسبته إلى مؤلفه، أو في كلتيهما كإنجيل برنابا وكتاب "أعمال الرسل" لبرنابا، حيث لا يعترف المسيحيون بصحة ما جاء فيهما ولا بصحة نسبتهما إلى برنابا.
أما أسفار التلمود، فإنها كما يبدو خطّت على يد أحبار اليهود وربانييهم وفقهائهم المنتمين إلى فرقة الفريسيين (أشهر فرق اليهود) في شؤون العقيدة والشريعة والتاريخ المقدس... وقد ألف ثلاثة وستون سفراً في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، وأطلق عليها اسم "المشناه"، بمعنى المثنى أو المكرر، أي أنها تكرار وتسجيل للشريعة، ولم يلبث أن قام الأحبار والفقهاء اليهود بشرح هذه "المشناه" في فترة طويلة امتدت من القرن الثاني إلى أواخر السادس بعد الميلاد، وأطلق على هذه الشروح اسم "الجمارا"، أي الشرح أو التعليق. وتألف من المتن والشرح (أي من المشناه والجمارا) ما أطلق عليه اسم "التلمود" بمعنى التعاليم. هذا ولا تقلّ أهمية التلمود لدى معظمهم عن أهمية العهد القديم نفسه، بل إن أهميته لتزيد لدى بعض فرقهم عن أهمية العهد القديم.
يذكر المؤرخ "كمال الصليبـي" في نص له، الطريقة التي حرّفت فيها التوراة، والملابسات والظروف التي أحاطت بها، حيث يقول:" إن فئة من أحبار اليهود تدعى "المصوريتين" أي "اهل التقليد"، هي التي كانت تقوم بتحريف التوراة، بدءاً من القرن السادس حتى القرن العاشر الميلادي، وقد قام هؤلاء بتحريف النصوص التوراتية عن طريق إدخال الحركات والضوابط عليها بصورة اعتباطية، ما غير إعراب الجمل وحور المعاني". وقد رفض فريق آخر من أحبار اليهود يدعى "الربانيين" عمل "المصوريتين" هذا، إلا أنه قبل به فيما بعد، "وأصبح النص التوراتي المصوريتي المضبوط من التوراة هو النص المعتمد من اليهود"، كما قبل بذلك المسيحيون أيضاً واعتمدوه في ترجماتهم للعهد القديم، مع أن "علماء التوراة اليوم"، بمن فيهم علماء اليهود، يعرفون تماماً أن ضبط المصوريتين للتوراة لم يكن صحيحاً في مواقع كثيرة"، وأن "محاولات التصحيح" التي أجراها علماء التوراة لم تفلح حتى اليوم، بإعادة تكوين التوراة تكويناً صحيحاً، وذلك لأن التحريف الذي جرى على النص التوراتي "أضخم بكثير مما يتصوره علماء التوراة".
المطلب الثالث
الأسفار المخفية
وهو على فرعين
الفرع الأول: أسفار مخفية معترف بها ولكنها غير موجودة بين دفتي الكتاب المقدس.
الفرع الثاني: أسفار مخفية مُختلف فيها ولكنها موجودة بين دفتي الكتاب المقدس عند بعض الطوائف وغير موجودة عند البعض الأخر والتي تعرف بالأبوكريفا.
والملفت للنظر أن علماء الدين المسيحي يذكرون في كتاباتهم النص التالي {في العام 1881 م صدرت الترجمة المنقحة The Revised Version } ويتباهون به ويضمنونه الصفحة الأولى من كتابهم المقدس، الأمر الذي يجعلنا نتساءل ترجمة منقحة أو طبعة منقحة.. منقحة من ماذا ؟ إن وحي الله عز وجل لا يخضع لسلطان البشر من حذف أو إضافة، إن وحي الله عز وجل فوق إرادة البشر فمن هذا الذي يملك لنفسه أن ينقح كلاماً هيمن الوحي فيه على كل كلمة، بل حدد لكل حرف مكانه، فها هو القس صموئيل حبيب مشرقي راعي الكنيسة الخمسينية بالقاهرة يقول في كتابه " الكتاب المقدس يتحدى مشاكل الاعتراضات " ص 10 ما نصه: {... هيمن الوحي على كل كلمة فيه، بل حدد لكل حرف مكانه.}، ويقول الدكتور القس منيس عبد النور راعي الكنيسة الإنجيلية ورئيس الطائفة بمصر في كتابه " شبهات وهمية حول الكتاب المقدس " ص 264 ما نصه: {...التاريخ المقدس منزه عن الخطأ وهذا يستلزم الإلهام، لأن البشر يخطئون في أقوالهم وكتاباتهم فيثبت إذن أن الكتب التاريخية المقدسة كتبت بإلهام الروح القدس.}.
فالقس صموئيل حبيب مشرقي ينتمي إلى الطائفة الأرثوذكسية بينما الدكتور القس منيس عبد النور ينتمي إلى الطائفة الإنجيلية وكلاهما يقران بنزاهة الوحي من التحريف وكلاهما يتفقان في عدم قانونية الأسفار الأبوكريفا فماذا يقولان في الأسفار المعتمدة عندهم وفي نفس الوقت غير موجودة ؟؟.
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الصفحات القليلة الآتية :
الفرع الأول
الأسفار المخفية المعترف بها ولكنها غير موجودة بين دفتي الكتاب المقدس .
1 ـ نجد في سفر: أخبار الأيام الأول 27: 24
{ 23ولم يُحصِ داوُدُ عدَدَ بَني إِسرائيلَ مِنِ اَبنِ عشرينَ سنَةً، فما دونَ، لأنَّ الرّبَّ قالَ إنَّهُ يُكثِرُ إِسرائيلَ كنجومِ السَّماءِ. 24واَبتَدَأ يوآبُ بنُ صَرويَّةَ في الإحصاءِ ولم يُتِمَّهُ، لأنَّ الرّبَّ غَضِبَ على بَني إِسرائيلَ بِسبَبِ هذا الإحصاءِ ولِذلِكَ لم يُدَوَّنِ العَدَدُ في سِفرِ أخبارِ المَلِكِ داوُدَ. }.
وبالرجوع إلى فهرس أسفار العهد القديم لم نجد سفرا بهذا الاسم { سِفرِ أخبارِ المَلِكِ داوُدَ }. والسؤال هو أين ذلك السفر ؟ إنه من الأسفار المخفية والتي أخفاها أحبار اليهود واعترفوا بها.
2 ـ كذلك نقرأ في سفر أخبار الأيام الأول 29: 29 { 26وهكذا ملَكَ داوُدُ بنُ يَسَّى على جميعِ بَني إِسرائيلَ 27مُدَّةَ أربعينَ سنَةً، سَبْعٌ مِنها في حبرونَ، وثَلاثٌ وثَلاثونَ في أورُشليمَ. 28ثُمَ ماتَ بِشَيخوخةٍ صالِحةٍ بَعدَ أنْ شَبِعَ مِنَ الأيّامِ والغِنى والمَجدِ، وملَكَ سُليمانُ اَبنُهُ مكانَهُ. 29وأعمالُ داوُدَ المَلِكِ، مِنْ أوّلِها إلى آخرِها، مُدَوَّنَةٌ في سِفرِ أخبارِ صموئيلَ الرَّائيّ وناثانَ النَّبيِّ وجادَ الرَّائيّ، 30معَ كُلِّ ما كانَ مِنْ مُلْكِهِ وجبَروتِهِ والأحوالِ التي مَرَّت علَيهِ، وعلى إِسرائيلَ وعلى جميعِ مَمالِكِ الأرضِ.}.
وهذه الأسفار الثلاث غير موجودة بالكتاب المقدس حتى نتمكن من معرفة { أعمالُ داوُدَ المَلِكِ، مِنْ أوّلِها إلى آخرِها }.
3 ـ وفي سفر أخبار الأيام الثاني 9 :29 { 29وما تبَقَّى مِنْ أخبارِ سليمانَ مِنْ أوَّلِها إلى آخرِها مُدوَّنٌ في كلامِ ناثانَ النَّبيِّ، وفي نُبوَّةِ أخيَّا الشِّيلونيِّ، وفي رُؤى يَعْدو الرَّائي الذي تنَبَّأَ عَنْ يَرُبْعامَ بنِ نَاباطَ. 30وملَكَ سليمانُ بأورُشليمَ على جميعِ إِسرائيلَ أربَعينَ سنَةً. 31وحينَ ماتَ دُفِنَ معَ آبائِهِ في مدينةِ داوُدَ أبيهِ، وملَكَ رَحُبعامُ اَبنُهُ مكانَهُ.} .
وبالطبع يخلو الكتاب المقدس من كلام ناثانَ النَّبيِّ، وبالتالي فلن نتمكن من معرفة ما تبَقَّى مِنْ أخبارِ سليمانَ مِنْ أوَّلِها إلى آخرِها والموجودة كذلك في نُبوَّةِ أخيَّا الشِّيلونيِّ، والتي يخلو منها الكتاب المقدس فضلاً عن رُؤى يَعْدو الرَّائي.وبالمناسبة إن بني إسرائيل لا يعترفون بنبوة داود وسليمان عليهما السلام وإنما يثبتون لهما الملك فقط.
4ـ وعن أمور رَحُبعامَ الأولى والأخيرة مدونة في سفري شَمَعْيا النَّبيِّوعِدُّو الرَّائي كما أخبرنا بهذا سفر أخبار الأيام الثاني 12: 15 { 15وأخبارُ رَحُبعامَ، مِنْ أوَّلِها إلى آخرِها، مُدوَّنةٌ في كلامِ شَمَعْيا النَّبيِّ وعِدُّو الرَّائي. وكانَت بَينَ رَحُبعامَ ويَرُبعامَ حروبٌ مُستَمِرَّةٌ. 16وماتَ رَحُبعامُ ودُفِنَ معَ آبائِهِ في مدينةِ داوُدَ، وملَكَ أبيَّا اَبنُهُ مكانَهُ.}.
5 ـ الإصحاح السابع والثلاثون من سفر النبي إشعياء مفقود :
لقد وقع ناسخ الكتاب المقدس في حيرة من أمره عندما لم يجد السفر رقم 37 وما بعده من أسفار النبي إشعياء فماذا عساه أن يفعل ؟ لقد أسعفه ذكاؤه بأن ينقل الإصحاح التاسع عشر من سفر الملوك الثاني كلمة كلمة وحرفاً حرفاً وحتى الفاصلة أثبتها ، لقد فعل ذلك وهو يعرف تماماً أن أحداً لن يكشف أمره أو لعله لم يكلف نفسه عناء البحث عن ذلك السفر المفقود و ظن أن أمره لن يكشفه أحداً إذ أن عدد الأسفار بين سفري الملوك الثاني وإشعياء هي عشرة أسفار فمن الذي يقرأ ومن الذي يتابع هذا على أقل تقدير ظنه هو، والغريب أن هذا التزوير المتعمد موجود في كل طبعات الكتاب المقدس وكافة التراجم خصوصاً بعد التنقيح فهل الوحي المقدس أوحى بهذا ؟.
6ـ فَقُلْتُ عَنِ الْبَالِيَةِ فِي الزِّنَى: آلآنَ يَزْنُونَ مَعَهَا وَهىَ ****. (حزقيال 23: 43) أين بقية الجملة؟ غير موجودة في نسخة الشرق الأوسط .
في نسخة الإنترنت كتبوا بدلا من آخر كلمة ( وهى ) كلمة “أيضاً” وفى نسخة كتاب الحياة كتبوا بعد ( وهى ) كلمة “معهم”. أليس هذا من التحريف بالزيادة في كلمة الله؟.
واليك ترجمة النص من نسخة الملك جيمس ، حيث ترى النص موصول بلا معنى:
Then said I unto her that was old in adulteries, Will they now commit whoredoms with her, and she with them? (KJV)
وتكملة النص {44 فدخلوا عليها كما يدخل على امرأة زانية.هكذا دخلوا على أهولة وعلى أهوليبة المرأتين الزانيتين.}.
Yet they went in unto her, as they go in unto a woman that playeth the harlot: so went they in unto Aholah and unto Aholibah, the lewd women. (KJV)
7ـ في سفر الملوك الثاني 5: 5ـ6 ( 5 فقال ملك أرام انطلق ذاهبا فأرسل كتابا إلى ملك إسرائيل.فذهب واخذ بيده عشر وزنات من الفضة وستة آلاف شاقل من الذهب وعشر حلل من الثياب.)
And the king of Syria said, Go to, go, and I will send a letter unto the king of Israel. And he departed, and took with him ten talents of silver, and six thousand pieces of gold, and ten changes of raiment. (KJV)
(6وأتى بالكتاب إلى ملك إسرائيل يقول فيه*****فالآن عند وصول هذا الكتاب إليك هوذا قد أرسلت إليك نعمان عبدي فاشفه من برصه.).
And he brought the letter to the king of Israel, saying, Now when this letter is come unto thee, behold, I have therewith sent Naaman my servant to thee, that thou mayest recover him of his leprosy. (KJV)
ونتساءل هنا كذلك أين ذهب بقية وحي الله ؟؟ ولماذا وضعت نجوم بديلا للكلام المفقود ؟؟.
المفضلات