كيف ناقش وتاول العلماء الذين لايرون الوجه عورة الاستدلال بقوله تعالى قوله تعالى "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ " الاحزاب 53
وكذلك بقوله تعالى " (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً* (الأحزاب : 59
على وجوب ستر الوجه , حيث اننا نعلم ان بعض علماء الاسلام يحتجون بهما على ان وجه المراة عورة بل ان البعض من الناس يجهلون بعض الشيء تفسير العلماء الذين لا يعتبرون وجه المرأة عورة لهتين الايتين .
فبالنسبة للآية الاولى للشيخ الالباني رحمه الله قول مهم هنا ذكره في كتابه الرد المفحم حيث يقول انها اية عامة للنساء فهي لا تتكلم عن ستر الوجه بل نبه رحمه الله أن النساء عادةً ما يكن في البيوت مبتذلات ومتزينات .اي ان البيوت محل الابتذال ومظنة الابتذال للنساء . وفي هذا يستوي الحال فيه بين نساء النبي ونساء المؤمنين فلا يجوز الدخول عليهن من قبل الرجال الاجانب .
وفي هذا نبهنا رحمه الله ان القول بان الحجاب الوارد في هذه الآية سببه ان كل بدن المرأة عورة حتى وجهها فيه شيء من الغفلة وتجاهل بان المرأة فعلاً ما تكون في غالب وقتها في بيتها مبتذلة , ومسترخية ومتزينة لزوجها وامام من يزرنها من قريباتها وصديقاتها , فليس من الادب في هذه الحالة مخاطبة النساء الا من وراء حجاب . بل حتى في حالة شبهة أنهن في ذلك الوضع لا يصح الدخول عليهن الا من وراء حجاب ,بل ان البيوت نفسها كما نقلت مظنة الابتذال وهنا نستحضر الحديث الذي في الصحيحين اياكم والدخول على النساء ...الخ .
واستشهد الشيخ بقول لابن تيمية في " الفتاوى" (15/448) : قال ابن تيمية" فآية الجلابيب في الأدرية عند البروز من المساكن، وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن". مع ان هذا الكلام ربما يكون ليس على اطلاقه .
والمهم هنا ان الحجاب الوارد في الاية لا يعني ستر الابدان للنساء او ستر الوجه بل تتكلم الاية عن حجاب الاشخاص يعني نهي الرجال عن الدخول على نساء بيوت الغير ووجوب مخاطبتهن من وراء حاجب " حجاب" كجدا او ستار ونحو ذلك ووجوب ان يلتزموا ما نسميه في الوقت الحاضر اللبث في الصالون الرجالي"المجلس" وعدم تعديه والدخول الى النساء . وهناك قرينة قوية في الاية تدل على ذالك وهي قوله تعالى"من وراء حجاب".
وقد يعضد رأي الشيخ الالباني بقوة انه لو كان السبب في الأمر بالحجاب في هذه الاية ان وجه المرأة عورة لما طلبت الآية الاحتجاب بالاشخاص بين الرجال والنساء , فيكفي ان تغطي المرأة وجهها وكل بدنها عن الرجال ولا حاجة ان تفرض الاية هذا الحجاب الوارد في الآية . اذن هناك سبب آخر وهذا ما نوه اليه الشيخ الالباني .ويؤكد على عدم قطعية الاية على وجوب ستر الوجه .
وقد يعضد رايه كذلك ان مجرد النظرلما في داخل بيوت الغير هو محرم في الاسلام فقد روى مسلم في صحيحه وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ , وفي رواية للنساء ولا دية ولا قصاص .
فكيف اذا كان في البيت نساء في وضع يشتبه فيه انهن مبتذلات والبيت اصلاً مظنة ذلك , فلا بد من حجاب يحجب اشخاصهن عن الرجال وان لم نتاكد من حالة الابتذال لأن ذلك هو اطهر للقلوب كما قال تعالى "ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن" ولحديث النبي دع ما يريبك الى ما لا يريبك رواه النسائي والترمذي وقال حسن صحيح ورواه وغيره .
والامر المجرد من القرينة كما يقول الاصوليون يقتضي الوجوب لا الاستحباب مالم ياتي صارف يصرفه .
واذا تاملنا قليلاً في هذه الاية الكريمة فان هذه الاية لم يفهمها العلماء بعيداً عن النصوص الاخرى التي لا تحرم على النساء عدم الاحتجاب باشخاصهن عن الرجال بشكل مطلق -وسوف انقل قول الامام مالك بعد قليل- بمعنى ان الاية ليست مطلقة وعدم مطلقية الاية ياتي من ان النساء لا يتوجب عليهن حجب اشخاصهن عن الرجال اذا كن متسترات بحجاب الابدان الشرعي اذا وجد معهن محرم لما ورد في الصحيحين وغيرهما وفيه قوله عليه الصلاة والسلام "لا يخلون رجل بامرأة الا مع ذي محرم..الخ(1) " .
وقد يدخل في ذلك مسألة مؤاكلة نساء المؤمنين الرجال الاجانب بوجود محرم . وفي الهامش بعض النصوص التي استدل بها بعض العلماء على ذلك(2) .
وجاء في "الموطأ" رواية يحيى (2|935) : "سئل مالك : هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ فقال مالك : ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يُعرفُ للمرأة أن تأكل معه من الرجال قال : وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله".
وقد يقول قائل من اين يقول بعض العلماء بخصوصية ستر الوجه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ؟ .
والجواب هو نتيجة لمقارنتهم رحمهم الله لما ثبت عن ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل رداءه على ظهر ووجه صفيه لما اعتلى بها "تزوجها" رواه ابن سعد في طبقاته واصله في الصحيحين بينما لم ينكر على السفعاء الخدين "اسماء بنت يزيد" ولا الخثعمية ستر وجهيهما ..
على هذا يكون مفهوم انه على نساء النبي ستر بدنهن بما في ذالك الوجه اذا لم يحتجبن باشخاصهن في ييوتهن او خارجها .
وهناك مسألة مهمة يجهلها الكثيرون
وهي ان التخصيص قد لا يشترط عليه ان يكون مصرح به تماماً في نص من الشارع الحكيم بل قد يكفي الاستنباط فمثلاً العلماء اجمعوا على ان الزواج بأكثر من اربع خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم بناءً على قوله تعالى "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ "النساء اية 3
فالعلماء رحمهم الله قارنوا بين مفهوم هذه الاية الكريمة وبين زواجه صلى الله عليه وسلم باكثر من اربع نساء فقال العلماء ان الزواج باكثر من اربع لا يجوز بالرغم من انه لا يوجد نص صريح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال "الزواج باكثر من اربع خاص بي" .
فكذالك في مسألة وجوب ستر الوجه لنساء المؤمنين بعض العلماء قارنوا بين وقائع ازواج النبي من ستر وجوههن وبين كون النبي لم يامر بعض نساء المؤمنين بستر وجوههن مثل السفعاء الخدين"اسماء بنت يزيد والخثعمية (3).
ونلاحظ هنا ان الامام مالك وقد اوردت له قوله قبل قليل انه لم ياخذ بالآية فقط فلم يمنع من مؤاكلة المرأة مع رجل اجنبي , بل اخذ بمجموع النصوص فكيف يقال اذن ان دلالة الاية قطعية بوجوب ستر الوجه ومالك وغيره قد قيدوا مقتضاها بما يتوافق مع بقية النصوص ؟ لان الفقه هو الفهم لمجموع النصوص لا بنص واحد .
والخلاصة هنا
بناءً على راي الشيخ الالباني الاية الكريمة وحديث اياكم والدخول على النساء لاينبغي ان نجزم ان مثل تلك النصين تأويلهما معلل بسبب ان كل بدن المرأة عورة حتى الوجه كما اولهما من يقول ان وجه المراة عورة ولذلك كما يقولون جاءت هذه النصوص . بل هناك اسباب اخرى تجاهلوها او لم يتنبهوا لها وهي نهي الاسلام عن الخلوة بين الرجل والمرأة او مجموعة من النساء , ولأن الاسلام يفرض حاجز فاصل بين الرجال الاجانب وبين النساء وهن متبذلات في بيوتهن او حتى في حالة شبهة انهن في ذلك الوضع ,بل ان البيوت هي اصلاً محل ومظنة الابتذال للنساء , بل والابتذال الصارخ احياناً . ولذلك كان من الطبيعي ان تاتي مثل تلك النصوص في الشريعة ولذلك الاية والحديث لا يقطعان بما ادعوه .
ولا تحريم الا بدليل قطعي الدلالة وقطعي الثبوت معاً فلا يكفي ان يكون الدليل قطعي الثبوت .
.............
اما بالنسبة للاية الثانية الذي جاء النص فيها يالامر بادناء الجلابيب قوله تعالى " (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً*) "الأحزاب : 59
نعلم ان كثير من علماء الاسلام احتجوا بها على جوب تغطية الوجه بهذه الآية ومعتمدون كذلك على ان لابن عباس تفسير لها حيث قال في ان المراة تغطي وجهها لكن تبدي عينا واحدة لترى بها الطريق رواها الطبري .
سأنقل مناقشة هذا الاستدلال
نحن نعلم ان العلماء قسموا آيات القران الكريم الى ايات ذات دلالة قطعية , وايات ذات دلالة ظنية . مثال الحالة الاولى الايات التي تامر بالتوحيد , وبالصلاة واحكام المواريث وغيرها , ومثال الحالة الثانية قوله تعالى " وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ"البقرة 228
فالقرؤ اختلف الفقهاء تبعاً لمعناه في اللغة فبعض العلماء قال الطهر لان له اصل في اللغة بهذا المعنى وبعض العلماء قال الحيضة لان له ايضاً اصل في اللغة .
والسؤال هنا هل هذه الاية التي تامر بادناء الجلابيب من الايات القطعية الدلالة او من الايات الظنية الدلالة على وجوب ستر الوجه .
لقد رجح بعض العلماء انها لا تقطع بوجوب ستر الوجه والسبب هو
ان الجلباب في كل كتب اللغة ومعاجمها لم يعرف على انه غطاء الوجه بل عرف انه الثوب او القميص او الملحفة , وقيل هو ثوب يستر سائر الجسم لا بعضه-توضيح اكثر مع المناقشة- .
ففي لسان العرب" والجِلْبابُ القَمِيصُ والجِلْبابُ ثوب أَوسَعُ من الخِمار دون الرِّداءِ تُغَطِّي به المرأَةُ رأْسَها وصَدْرَها وقيل هو ثوب واسِع دون المِلْحَفةِ تَلْبَسه المرأَةُ وقيل هو المِلْحفةُ . وقيل هو ما تُغَطِّي به المرأَةُ الثيابَ من فَوقُ كالمِلْحَفةِ... وقيل هو الخمار.
وايضا في لسان العرب وقيل هو كالمِقْنَعةِ تُغَطِّي به المرأَةُ رأْسَها وظهرها وصَدْرَها.
وفي لسان العرب قول في اللغة وهو
قول ابن الاعرابي : الجلباب الازار قال الازهري قول ابن الأَعرابي الجِلْبابُ الإِزار لم يُرِدْ به إِزارَ الحَقْوِ ولكنه أَراد إِزاراً يُشْتَمَلُ به فيُجَلِّلُ جميعَ الجَسَدِ . وقول الازهري قد يقدم عليه مايفهم من الاحاديث الصحيحة التي تبين ان الازار ثوب يستر معظم الجسد لا كله من ذلك ان ابا بكر الصديق رضي الله عنه كما ثبت في صحيح البخاري سمى ثوبه ازاراً في الحديث انْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَن جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي[وفي رواية اخرى للبخاري ثوبي] يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ.
فنلاحظ ان معنى الجلباب في اللغة لم يقصد به غطاء الوجه . حتى قول الازهري لا يقطع بذلك لان الازار كما تبين في صحيح البخاري هو الثوب الذي يستر اغلب الجسد لا كله , ولان الاشتمال كما جاء في الصحيحين لا يعني ستر البدن كله حتى الوجه فعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ .والمعروف ان الوجه يظهر في الصلاة .رواه البخاري ومسلم .
اذن في اللغة الجلباب ليس غطاء الوجه .واذا قلنا ان اقوال اهل اللغة اقوال مختلفة اختلافاً بسيطاً في ذلك فيرجح هنا ان الاية ذات دلالة ظنية وليست قطعية لانها لم تستخدم مفردة لها معنى واحداً جازماً في اللغة يفيد انه غطاء الوجه مع ان اكثر اقوال اللغة تتفق انه الثوب او الملحفة"كالعباءة" .
اما رواية ابن عباس قال بعض اهل العلم انها لا تخلو من مقال في بعض رواة السند فيها مثل علي ابن ابي طلحة وابو صالح ثم هي رواية فيها انقطاع .
ثم على فرض صحتها ابن عباس له رواية اخرى يقول فيها مفسراً لهذه الاية ان المرأة تقنع جبينها رواها الطبري وابن مردويه وهي ضعيفة لكن وبالرغم من ذالك يقويها ويشهد لها عدة امور منها امرين مهمين اذكرهما هنا الاول
ان ابن عباس كما هو معلوم صح عنه انه فسر قوله تعالى "ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها :؟ ان ذلك الوجه والكفين . رواها ابن ابي شيبة وغيره.
والامر الاخر ان بعض تلامذة ابن عباس روي عنهم ما يفيد ان الادناء يعني ستر الجبين لا الوجه فقد روى الامام الحافظ ابونعيم عن هند بنت المهلب انها قالت عن جابر ابن زيد وهو المشهور بابي الشعثاء وهو من تلامذة ابن عباس انه امرها ان تغطي جبينها بخمارها. والرواية هي
عن هند بنت المهلب وذكروا عندها جابر بن زيد فقالوا إنه كان أباضياً فقالت كان جابر بن زيد أشد الناس انقطاعا الي والى أمي فما أعلم شيئا كان يقربني الى الله إلا أمرني به ولا شيئا يباعدني عن الله عز وجل إلا نهاني عنه وما دعاني الى الاباضية قط ولا أمرني بها وان كان ليأمرني بأن أضع الخمار ووضعت يدها على الجبهة. وهو صحيح صححه الألباني والقصة رواها الامام الحافظ ابو نعيم .وجابر بن زيد من تلامذة ابن عباس .
ويفهم من فهم ابي الشعثاء جابر بن زيد ان بقية الوجه لا يلزم ستره في رايه. وروى الامام ابو داود عن ابن عباس انه قال خذوا عن هذا اي عن ابي الشعثاء. وفي السير للذهبي وتهذيب التهذيب لابن حجر وغيره رواية عن ابن عباس قال تسالوني وفيكم جابر بن زيد ؟.
ثم ان الجصاص ذكر في كتابه احكام القران رواية عن مجاهد مقرونا مع ابن عباس تتوافق الى حد كبير مع رواية جابر ابن زيد المشهور بابي الشعثاء. ونص الرواية "تغطي الحُرَّة إذا خرجت جبينها ورأسها". ومجاهد ايضا من تلامذة ابن عباس.
ورى ابن جرير الطبري في تفسيره رواية جيدة الاسناد عن عطاء بن ابي رباح وهو ايضاً من تلامذة ابن عباس حيث فسر "الا ماظهر منها "قال الوجه والكفين(4) .
وكذلك رواية جيدة الاسناد عن الحسن البصري وهو ايضاً ممن تلقى بعض علمه على يد ابن عباس وفسر "الا ماظهر منها"الوجه والثياب (5).
فإن قيل لو كان المقصود في الاية الكريمة هو ان المراة تتجلبب كما عرف فقهاء اللغة الجلباب لم اذن استخدمت الاية صيغة التبعيض "من جلابيبهن"؟ لم لم يقل يتجلببن ؟ الا يدل ذلك على ان المقصود هو الادناء على بعض الجسم وهو الوجه ؟ .
لكن هذا قد يجاب عليه بان التبعيض يحتمل ايضا ستر الارجل لان الترمذي روى هذا الحديث عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
اما وجوب ستر وجوه نساء النبي كما قلت انما هو مفهوم من السنة وليس من الاية الكريمة فقد ثبت في طبقات ابن سعد ان النبي صلى الله عليه وسلم لم اعتلى بصفية بنت حيي وضع رداءه على ظهرها ووجهها واصله في الصحيحين . اما الاية فهي لا تقطع بوجوب ستر الوجه ولو كانت تقطع لكانت الصيغة التي بها صيغة جازمة قطعية لا تحتمل اكثر من معنى واحد "يغطين وجوههن" .
ثم على فرض ان الاية تفيد وجوب ان تستر المراة كل بدنها بما في ذلك الوجه لكن هناك قاعدة فقهية اجمع عليها كل العلماء وهي ان السنة تقيد مطلق القران . بمعنى
ان اية ادناء الجلابيب هي آية تفسر بالنصوص الاخرى من القرآن وكذلك من السنة لان السنة كما هو معروف بما فيها السنة التقريرة هي مفسرة ومقيدة للقرآن وبما انه ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الخثعمية ولا على اسماء بنت يزيد كشف وجهيهما فتفسر تلك الوقائع ان الحجاب بالنسبة لنساء المؤمنين لا يعني ستر الوجه وجوبا(6).
_______________________________________
1-في الصحيحين وأخرجه الشافعي ، وأحمد ، وابن خزيمة (2529) ، والطحاوي , والبيهقي ، والبغوي.
وكذلك جاء في حديث رواه مسلم في صحيحه عن النبي عليه السلام "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة الا ومعه الرجل والاثنان".فلم يفرض على نساء المؤمنين حجب اشخاصهن عن الرجال .رواه مسلم ومالك والبيهقي واالنسائي والطبراني في الصغير والاوسط والكبير , واحمد , وعبدالرزاق وابن حبان وغيره وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم على هذا الحديث "فَيَتَأَوَّل الْحَدِيث عَلَى جَمَاعَة يَبْعُد وُقُوع الْمُوَاطَأَة مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَة لِصَلَاحِهِمْ ، أَوْ مُرُوءَتهمْ ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ . وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْو هَذَا التَّأْوِيل" انتهى قوله .
2-جاء في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنِي الْجَهْدُ فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا قَالَتْ وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ قَالَ فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ فَفَعَلَتْ ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ ضَحِكَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } وعند مسلم وابن حبان "وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُل, وفي المطالب العالية "كتاب لابن حجررواية "ثم جعلوا يضربون بأيديهم في الطعام كأنهم يأكلون ولا يأكلون ، حتى شبع ضيفهم.وفي الطبراني" وَأَرِيهِ كَأَنَّا نَطْعَمُ مَعَهُ".
فكل هذه العبارات التي وضعت تحتها خط تؤكد ان المراة كانت تؤاكل الضيف على مائدة واحدة وعلم النبي بذالك لان الله تعالى اخبره بهذه القصة ولم ينكر عليهما الله تعالى ولا نبيه فعلهما من مؤاكلة الاجنبي بالجملة ..
يجدر القول هنا ان قصة الضيف رواها ابو هريرة وهو قد صحب النبي في السنة السابعة هـ اي كانت صحبته بعد فرض الحجاب ووليست ناقلة عن الاصل .
وربما ايضا يدل على ذلك قوله تعالى" وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ الى قوله أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا "النور 61 ولم يقل ولا تأكلوا مع نسائهن.
3-من المعلوم ان ابن بطال وهو من كبار علماء المالكية احتج بحديث الخثعمية على عدم وجوب ستر الوجه لنساء المؤمنين بحيث يختص به نساء النبي حيث قال معلقا على حديث الخثعمية "وفيه دليل على ان نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم ازواج النبي إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل " واورد كلامه هذا الامام ابن حجر في فتح الباري .
4- قال الطبري حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو"الاوزاعي"، عن عطاء .
5- قال الطبري حدثنا ابن بشار، قال ثنا ابن أبي عديّ، وعبد الأعلى، عن سعيد"بن ابي عروبة"، عن قَتادة، عن الحسن .
6-واخيراً اضرب مثال اخرعلى تقييد السنة لمطلق القران . ان القران ذكر الوصية قال تعالى"مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا"النساء 11
لكن السنة قيدت الوصية بالثلث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ومالك في حديث ومنه الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ.ورواه الترمذي وابو داود وغيره
.
المفضلات