ثانيا- هل أنت مقتنع بعقلك حقا بإمكانية وجود (أم) (والدة) لله ؟؟
يجب أن يعطيك عقلك (إجابة شافية مقنعة) عن هذه التساؤلات :
* هل يستسيغ العقل أن يولد (إله) من (مخلوق) ؟
* هل يفهم العقل أن يكون الإبن (أزليا) بينما أمه ليست كذلك ؟ كيف يسبق وجود المولود وجود أبيه وأمه وأجداده وأجداد أجداد أجداد أجداد ..... أجداده ؟
* هل يتقبل العقل أن يحتوى رحم امرأة محدود الإله اللامحدود ؟ لو كان هذا معقولا، فأقصى ما يمكن قبوله بالعقل هو أن يكون ما فى رحمها (نموذج لامتناهى الصغر) للإله، وليس الإله ذات نفسه .. فما هو حجم الرحم أصلا إلى حجم الإله ؟؟!!
* هل يستسيغ العقل أن يكون الإبن (إلها وخالقا) لأمه التى أنجبته ؟
* هل يتقبل العقل فكرة أن تعبد الأم إبنها الذى أرضعته ؟
* هل يتقبل العقل أن يكون الإبن من أقانيم الإله الثلاثة، بينما لا تحظى الأم بهذا (الشرف) ؟ هل يكون الإبن (إلها) والأم (مخلوقا عاديا) ؟ لماذا لا تكون مريم العذراء ضمن الأقانيم الإلهية وهى (أم الله) ؟ هل لكى لا يقال عنها (زوجة الأب) ؟
* هل يتقبل العقل فكرة أن تختن الأم (إلهها)، بحسب شريعة اليهود (التى أنزلها هو قبل أن يولد)، وتلقى قطعة من (جسده الإلهى) فى القمامة، لتلتهمها الحيوانات ؟
* هل يتقبل العقل فكرة أن ترضع الأم (إلهها) حليبا، (أوجده هو فى صدرها قبل أن يولد)، وأنها كانت تحممه، وتطعمه، وتنظفه، وأن (إلهها) كان يبول على حجرها ؟
* هل يتقبل العقل فكرة أن تحمل الأم (إلهها) على كتفها، وتذهب لتسجيله فى سجل المواليد ؟
أما قول الإسلام فى مريم بنت عمران عليها السلام فهو يتلخص فى 10 نقاط :
1- أنها أم المسيح عليه الصلاة والسلام نبى الله تعالى وعبده ورسوله : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ)
2- أنها قد ولدت المسيح دون أن يمسسها رجل من البشر بنفخة من روح الله وكلمة منه : (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)
3- أنها صديقة ونموذج فذٌّ من النساء الصالحات، وقدوةٌ هادية من الكوامل المؤمنات، ومثال مُشرق من النساء التقيات العابدات الراضيات الصابرات القانتات الساجدات، وأن الله تعالى قد طهرها واصطفاها على نساء العالمين : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)
4- أنها كانت من بني إسرائيل، من أسرة صالحة معروفة بالتقوى، وكان زوج خالتها نبي الله زكريا عليه السلام، وكان ابن خالتها نبي الله يحيى عليه السلام : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
5- أن أمها نذرتها لعبادة الله وخدمة بيت المقدس : (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
6- قام زكريا عليه السلام بتربيتها تربية صالحة، وأسكنها في محراب عبادته، فكانت تأتيها كرامات من الله تعالى من الطعام في غير أوانه، فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، فنشأت نشأة صالحة نقية : (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
7- أنها شبَّت وبلغت مبلغ النساء، فأراد الله تعالى - وله الحكمة البالغة - أن يخلق منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام من غير أب، ليكون معجزة دالة على قدرته، ويعظ بها بني إسرائيل، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) .. فلأمرٍ ما يعلمه الله تعالى خرجت مريم عليها السلام من محرابها، وتباعدت عن قومها، فاتخذت لها مكانًا للعبادة مما يلي الشرق، فاستترت في ذلك المكان عن أعين الناس، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام ملكَ الوحيِ في صورة إنسان تام الخلق، فلما جاءها في ذلك المكان الخالي - وهي الطاهرة النقية العفيفة - خافت وفزعت، فاستجارت بالله ليرحمها من شر إنسان لا تعرفه، وذكرَّت الرجل(الملاك) بتقوى الله وخشيته ليعصمه ذلك من قربانها بسوء .. فطمأنها جبريلُ عليه السلام بأنه لن يصيبها بشر، وبيَّن لها أنما هو رسول ملكي من عند الله تعالى إليها ليبشرها بمجيء غلام منها بكلمة من الله، وأنه سيصير له جاه وشأن في الدنيا والآخرة، وطهارة من الذنوب .. فتعجبت مريم من حصول ذلك منها من غير نكاح أو سفاح، فذكر لها الملاك أن الأمر كذلك في المنظور البشري، لكن المسيح له شأن آخر ينفرد به عن الناس بقدرة الله تعالى، حيث يُولَد من غير أب، وذلك على الله يسير .. وأن الله قد قدَّر وجودَ عيسى بذلك ليكون آية دالة على قدرة، ولا يمكن أن يتبدل هذا القضاء، لأنه قد سبق البتُّ فيه في اللوح المحفوظ :
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا* فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا* قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا)
8- أن جبريل قد نفخ في جيب قميصها فوصلت النفخة إلى رحمها فحصل الحمل، فخرجت إلى مكان بعيد خشية من تعيير واتهام وقذف قومها لها بالحمل من غير زواج، فحملت بعيسى عليه السلام كما تحمل النساء وهي في ذلك المكان البعيد، واستمرت على حملها حتى حان وقت ولادتها، فألجأتها آلام الطلق إلى نخلة استندت عليها عند ولادتها في مكان مرتفع .. ولما كانت في تلك الحال أضحت تعاني أنواعًا من الكروب : كرب آلام الولادة، وكرب قلة الخبرة فيها لكونها عذراء وليس بجانبها أحد، والكربة الكبيرة هي ماذا ستقول لقومها إذا رجعت إليهم بوليد وهي ليست بذات زوج، وقد عُرفت بينهم بالعفة والعبادة : (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا* فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا)
9- بعد أن ولدت مريم عيسى عليه السلام، رجعت إلى قومها ووليدها في حضنها، والناس يعرفون عن أسرتها الصلاح والعفة، ويعرفون عنها الطهارة والعبادة، وهي ليست ذات زوج، فلما رأوا ذلك الوليد معها، وعرفوا أنه ابنها، أنكروا ذلك عليها، ووصفوها بالفاحشة بطريق غير مباشر، فقالوا لها : يا مريم، لقد جئت بشيء شنيع، أنت شبيهة الرجل الصالح هارون في عبادته، ولم يكن أبوك وأمك من أهل البغاء فكيف جئت أنت بما لم يفعلوه ؟ فأشارت إلى مولودها ليسألوه، وهو سيتولى الجواب عنها، ولما كان من المعلوم أن الطفل في مهده لا يتكلم استهجنوا كلامها، وتعجبوا قائلين : كيف نكلم طفلاً مازال في مهده رضيعًا ؟ فما انتهوا من كلمتهم إلا وصعقتهم المفاجأة بكلام عيسى مبرئا أمه مما اتهموها به، ومبينًا أنه خلق بقدرة الله عبداً لله، وأنه سيُعطَى عندما يكبر كتابًا من السماء لهداية قومه، وسيكون نبيًا لهم، وأخبرهم بأن الله سيجعله عظيم النفع والخير في حياته أينما وجد، وأعلمهم أن الله أوصاه بالمحافظة على الصلاة وأداء الزكاة مدة بقائه حيًا، وأوصاه كذلك ببر والدته، التي تحملت هذا العناء وصبرت لأمر الله، وبين لهم أن الله تعالى لم يجعله متكبراً مغروراً غليظًا ولا شقيًا ولا عصيًا، وختم لهم الجواب بأن الله تعالى قد أكرمه بالسلامة والأمان عند ولادته، وعند موته وعند بعثه :
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا* فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا* قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)
10- أن أهل الغواية، والضُلَّال عن طريقِ الهداية قد حادوا عن المنهج القويم والإعتقاد السليم فيها؛ فاليهودُ المغضوب عليهم رموها بالفاحشة، والنصارى الضالون غَلَوا فيها حتى جعلوها في مرتبة الإلوهية، فتوجه إليها بعضهم بالعبادة؛ لأنها والدة (الإله عيسى) في زعمهم !!!
المفضلات