-
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) } سورة المائدة
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : ( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : ( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا ) يَا أَيّهَا الَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَسَلَّمُوا لَهُ الْأُلُوهِيَّة , وَصَدَّقُوا رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُبُوَّته وَفِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ مِنْ شَرَائِع دِينه , ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) يَعْنِي : أَوْفُوا بِالْعُهُودِ الَّتِي عَاهَدْتُمُوهَا رَبّكُمْ وَالْعُقُود الَّتِي عَاقَدْتُمُوهَا إِيَّاهُ , وَأَوْجَبْتُمْ بِهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ حُقُوقًا وَأَلْزَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ بِهَا لِلَّهِ فُرُوضًا , فَأَتِمُّوهَا بِالْوَفَاءِ وَالْكَمَال وَالتَّمَام مِنْكُمْ لِلَّهِ بِمَا أَلْزَمكُمْ بِهَا , وَلِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ مِنْكُمْ بِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ لَهُ بِهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَلَا تَنْكُثُوهَا فَتَنْقُضُوهَا بَعْد تَوْكِيدهَا .
- قال ابو منصور الثعالبي رحمه الله في كتابه القيم الاعجاز والإيجاز: ((من أراد ان يعرف جوامع الكلم ويتنبه على فضل الاعجاز ويحيط ببلاغة الإيماء ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرأن الكريم وليتأمل علوه على سائر الكلام)).(أ.هـ).
- وقد حوى القرآن الكريم آيات كافيات وصلت إلى 6236 آية، الآية الواحدة تُصلح أمة، فهي دستور حياة.
ولو اتبعت الأمة الإسلامية أمر ربها وطبقت آية واحدة لغدت خير أمة أخرجت للناس، ومن هذه الآيات الكافيات قول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) سورة المائدة آية (1).
معنى العقود:
العقود هي العهود (حسنين مخلوف ـ كلمات القرآن الكريم ).
وقال الراغب الأصفهاني في كتاب مفردات ألفاظ القرآن: العقد : الجمع بين أطراف الشيء،ويستعمل ذلك في الأجسام الصُلبة كعقد الحبل وعقد البناء، ثم يستعار ذلك للمعناني نحو: عقد البيع، والعهد وغيرها.
والعقد مصدر استعمل اسما فجمع نحو (أوفوا بالعقود) المائدة (1) (أ .هـ ) .
السّعدي والوفاء بالعقود:
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:
( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود: أي بإكمالها، واتمامها، وعدم نقصهِا ونقِصها .
وقال : (وهذا شامل للعقود، التي بني العبد وربه من التزام عبوديته، والقيام بها اتم قيام، وعدم الانقاص من حقوقها شيئاً، والتي بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم ووصلهم، وعدم قطيعتهمن ,التي بينه وبين أصحابه (المتقين) من القيام بحقوق الصحبة في الغني والفقر، واليسروالعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملاتن كالبيع والإجارة، ونحوها. وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، والقيام بحقوق المسلمين، التي عقدها الله سبحانه وتعالى بينهم بقوله (إنما المؤمنون إخوة ) بل التناصر على الحق، والتعاون عليه، والتآلف بين المسلمين، وعدم التقاطع، فهذا أمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخله في العقود التي أمر الله بالقيام بها ) (أ. هـ ).
قطب والوفاء بالعقود:
قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسير (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) في ظلال القرآن : (لابد من ضوابط للحياة .. حياة المرء مع نفسه التي بين جنبيه، وحياته مع غيره من الناس ومن الأحياء والأشياء عامة الناس من الأقربين والأبعدين، من الأصل والعشيرة، ومن الجماعة والأمة، ومن الأصدقاء والأعداء و الأحياء مما سخر الله للإنسان ...
والأشياء مما يحيط بالإنسان في هذا الكون العريض .. ثم ... حياته مع ربه ومولاه وعلاقته به هي أساس كل حياة ) أ . هـ .
ونحن نقول بالله التوفيق:
إذا وفَّينا بعقودنا،وأنضبط كل مسلم على أوامر ربه في هذه الآية : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) لاستقامت حياة المسلمين، فإذا وفى كل مسلم بالعقد الأول مع ربه الوارد في قوله تعالى(وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذوريتهم وأشهدهم على انفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )[سورة الأعراف : 172]،ووفاء المسلم بهذا العهد الذي أخذ عليه في عالم الذر يوجب عليه عدم الإشراك بالله، وعدم الكفر به أو العمل والعبادة لغيره، ويجب عليه اتباع شرع الله الإسلام الحنيف.
ولو وفى المسلم بشهادته(ان محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم ما عصى مسلم اوامر رسول الله وما حكم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينه وبين عباد الله، وما أبتدع في دين الله، وكان من نتيجة ذلك: اتباعه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذه الأسوة في جميع أقواله وأفعاله ونواياه، مع الرضا والتسلم التام .
وإذا وفى الزوج المسلم، ووفت الزوجة المسلمة بعقد زواجهما المؤسس على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ما ظلم زوج زوجاَ، وما قصر في مسؤلياته ولعمت السعادة بيوت المسلمين، وتقلصت الخلافات والمخالفات الإجتماعية والشريعية والأسرية، وساعتها تتحول بيوت المسلمين إلى دوحات للمحبة والرحمة والدفء والسكن والمودة.
لو وفى المسلمون بعقد الله معهم، بعد الإفساد في الأرض إمتثالاث لقول ربهم سبحانه وتعالى : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) [سورة الأعراف : 85]،ما تلوثت مياههم ولا أرضهم ولا شوارعهم ولا مؤسساتهم ولا فروجهم وأعينهم وأرجلهم وأيديهم ولحظتها ستختفي الفتن والحروب بين المسلمين وبعضهم البعض، وسيختفي الأفساد والتخريب والقتل والسرقة والشذوذ في كل تصرفاتهم.
لو وفى العامل المسلم بعقد العمل لأحسن العمل وأتقنه وما أخر موظف مصالح العباد، وما تعطل الأنتاج وساعتها ستختفي جميع مظاهر السلوك الباطلة لدى العاملين المسلمين.
لو طبق علماء المسلمين هذه الآية ما تكاسلوا، وما تخلفنا علمياً وتقنياً، وما تحولت الشهادات إلى رخص ورقية للوظيفة وما تحولت البحوث إلى وسائل للترقية الوظيفية في مؤسساتنا العلمية، ولم يوسد الأمر للجهلاء.
لو طبقت هذه الآية في الإعلام الإسلامي لانتشرت وسائل الفضيلة، وأختفت مسالك الرذيلة، وما انفقت أموال المسلمين في اللهو والمجون والفضائيات المفسدة.
لو طبق المعلم المسلم هذه الآية لم يتكالس، ولم يتقاعس عن التدريب وتحصيل العلم وطرائق تعلمه الحديثة، وأصلح التعليم وصلحت مخرجاته، وهدأت نفوس الطلاب وأولياء الأمور والتربويين والمصلحين وانصلح حال الأمة .
لو وفى الطالب المسلم بالآية السابقة لمتلأت مدارسنا بالدارسين الجادين والنوابغ المبدعين المحافظين على مؤسساتنا التعليمية والحرصين على العلم النافع وتحصيله، والموقرين لأساتذتهم ومدرائهم وأولياء أمورهم، وساعتها ستختفي كثير من المظاهر السلبية في حياتنا التعليمية التعلمية.
لو طبق الحاكم المسلم هذه الآية، لحكم بالعدل وأمن الشر، ونام قرير العين في ظل أي شجرة في بلده.
لو طبق المحكوم المسلم هذه الآية السابقة لأسغنينا عن الشرطي والمحتسب، ورجال الصحة الغذائية، وما خرب مسلم أي شئ في بلده، ولقام بواجباته الوطنية وساعتها تختفي الجريمة ويتحول المحكوم إلى حارس أمين للحاكم والوطن.
لو طبق المسلمون هذه الآية ما تنازعوا وما اختلفوا أمتثال أمر ربهم حيث قال لهم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )[سورة الأنفال : 46].
لو طبق المسلمون هذه الآية لأختفت العمالة واللجوء إلى أعداء الأمة، ولقاتلنا المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة، وساعتها تختفي المؤمرات الخارجية، والمشاكل الحدودية، والنزعات القبلية والسلوكيات الجاهلية من حياة المسلمين .
وهكذا أخي المسلم أختي المسلمة آية واحدة من كتاب الله تصلح بالنا وتحول ديارنا إلى أمن وأمان وتورثنا رضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الموفين بعهودهم والممتثلين لأمر ربهم عندما قال لهم : (يا أيها الذين آمنوا أوفوابالعقود )[سورة المائدة : 1].
فهل من مدكر .
المصادر :
تفسير الطبري
http://www.55a.net/firas/arabic/?pag...&select_page=8
(( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ))
-
-
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) } سورة الإسراء
العلماء يعترفون بعجزهم أمام الروح!
وأخيراً اعترف العلماء أن تجاربهم باءت بالفشل بعد سنوات طويلة من البحث، وحتى التكنولوجيا المتطورة وقفت عاجزة أمام معرفة سر الحياة... لنقرأ.....
بتاريخ 26 فبراير 2008 نشرت جريدة الديلي ميل مقالاً – أرسله لي أحد الإخوة جزاهم الله خيراً، عنوانه Life's Still One Big Secret وملخص هذا المقال هو أن علماء من جامعة أدنبرة البريطانية قاموا ببناء كمبيوتر عملاق كلفهم أكثر من 20 مليون دولار، وكانوا يهدفون من خلاله إلى معرفة سر الحياة أو ما نسميه (الروح).
لقد بلغت سرعة هذا الجهاز المسمى "سوبر كمبيوتر" تريليون عملية حسابية في الثانية!! وقاموا بتجارب استمرت 8 سنوات حول الخلية والحياة والكون لمعرفة سبب نشوء الحياة على الأرض، وما هي احتمالات أن تكون الحياة قد نشأت بالمصادفة!
لقد قاموا بإدخال بلايين المعلومات والبيانات والقوانين الفيزيائية التي تحكم الكون، وقاموا بوضع مخططات لهذه الدراسة بهدف معرفة كيف بدأت الحياة، طبعاً ليس بهدف العبرة والموعظة والوصول إلى الحقيقة للإيمان بالله تعالى، بل محاولة منهم لتقليد نموذج الحياة على الأرض!
السوبر كمبيوتر التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وهو جهاز عملاق يبلغ وزنه أكثر من مئة طن، ويقوم بأكثر من تريليون عملية حسابية في الثانية، وهو يشغل مساحة مبنى كامل. هذا الجهاز يستوعب بلايين المعلومات والبيانات تتم معالجتها فيه بسرعة فائقة بهدف معرفة أسرار الكون والحياة.
لقد حاول العلماء إدخال بيانات حول الكون والقوانين الفيزيائية ليعرفوا أسرار الكون، ولكن الكمبيوتر وقف عاجزاً أمام معرفة سر الحياة وكيف تكونت ومن الذي أنشأنها.
لقد حاولوا معرفة أسرار الخلايا، وكيف تعمل بنظام شديد التعقيد، واكتشفوا أن كل خلية من خلايا الدماغ تعمل بكفاءة تتفوق على أي جهاز كمبيوتر، وطرحوا الأسئلة: كيف تعمل هذه الخلايا؟ من الذي يدفعها للقيام بهذه المهام المعقدة؟ ومن الذي ينظم عملها؟ ولكن لا توجد إجابة لديهم.
حاولوا كذلك معرفة أسرار الدماغ وكيف يعمل، وما هو سر وجود تريليون خلية فيه (أي 1000000000000 خلية) ومن الذي ينظم عملها؟ ومن الذي يوجهها ويحافظ على استقرارها؟ ومن الذي يجعلها تعمل بتناسق مبهر فيما بينها؟ ومن ومن ....
كذلك حاولوا من خلال أبحاثهم معرفة أسرار القلب! كيف يعمل بلا توقف، وكيف يقوم بضخ الدم بشكل يتفوق على أفضل مضخة في العالم؟ وكيف يعمل بلا أخطاء ولا تعب ولا ملل، بل يعمل بطاقة مجانية لا نحس بها؟ إن الإجابة لا تزال غامضة بالنسبة لهم.
حاولوا إطالة عمر الإنسان من خلال اختراع القلب الصناعي، ولكن العلماء حديثاً اعترفوا بفشل هذا القلب، بل هناك جمعيات علمية اعترفت بأن هذا القلب الصناعي هو مجرد ضحك على المريض لأنه لا يقدم له شيئاً سوى إطالة عمره ليعيش أشهراً من التعاسة والألم وعدم الراحة والاستقرار!
هذا رسم لجزيء الدي إن إي وهو جزيء مهم أودع الله فيه أسرار الحياة، وعلى الرغم من آلاف التجارب لمعرفة آلية عمل هذا الجزيء وكيف يتحكم بسلوك الإنسان ونشوئه وتطوره وإعطائه الصفات الوراثية، كيف يشرف هذا الجزيء على تكاثر الخلايا وعلى تبادل المعلومات بينها وغير ذلك من العمليات المعقدة. لقد حاولوا تقليد هذا الجزيء في طريقة عمله ففشلوا فشلاً ذريعاً.
حتى هذه النحلة الصغيرة التي نظنها لا تساوي شيئاً، في دماغها ملايين الخلايا العصبية المعقدة التي تعمل بكفاءة تتفوق على هذا السوبر كمبيوتر! حتى هذه اللحظة لم يتمكنوا من الإجابة على سؤال بسيط: من الذي يدفع هذه النحلة للقيام بما تقوم به؟
حتى أبسط العمليات التي يقوم بها الإنسان مثل النوم: وقفوا عاجزين أمام معرفة أسرار النوم وما الذي يجعل الإنسان ينام؟ وكيف ينام الإنسان ويبقى دماغه في حالة عمل ونشاط؟ حتى هذه اللحظة فشلوا في معرفة أسرار الذاكرة وكيف يخزن الإنسان المعلومات في دماغه... هناك عجز كبير في كل شيء تقريباً.
مجموعة من النطاف تسبح في الظلام، في هذه النطفة التي لا ترى إلا بالمكبرات يكمن سر الحياة، من الذي يوجه هذه النطفة لتسير باتجاه البويضة دائماً، ومن الذي يلهمها أن تدخل إلى البويضة وتندمج معها وتبدأ رحلة الحياة؟ إنها أسئلة لا إجابة عنها كما يقولون.
من الذي يعتني بهذا الجنين في بطن أمه؟ وما هي القوة التي تجعل من خلية واحدة خلال تسعة أشهر تتحول إلى مئة تريليون خلية؟ وكيف يعلم جسم الأم أنه يجب عليه أن يغذي هذا الجنين ويؤمن له الغذاء والهواء والشراب؟ أسئلة تعد بالمئات لا إجابة عنها حتى الآن!
إن بعض الملحدين تحدى الله تعالى وقال إننا تطورنا علمياً في كل المجالات وسنعرف أسرار كل شيء، وسوف نقلد الحياة على الأرض ونخلق كائنات حية! وقال آخر: أخيراً سوف نتمكن من خلق إنسان كامل، ولا داعي بعد الآن للحديث عن وجود الله!
ولكن ومن عظمة الله تعالى، وبعد جهود كبيرة اعترفوا من خلال هذه المقالة وغيرها بعجزهم وفشل تجاربهم حول سر الحياة. وقال الفيزيائيون في جامعة أدنبرة: كنا نحاول استكشاف ما يسمى Standard Model Theory أي نظرية النموذج القياسي، لمعرفة سلوك المادة والطاقة. ولكن هذا النموذج لم يتفق مع قانون الجاذبية وبالتالي فإن مهمة الكمبيوتر قد باءت بالفشل.
إن هذه النتيجة حدثنا عنها القرآن قبل أربعة عشر قرناً! يقول تعالى مؤكداً أنه لا يمكن لأحد أن يعلم سر الحياة لأنها من علم الله تعالى وأن علم البشر قليل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85]. وسبحان الله! لو أن علماء الغرب اطلعوا على هذه الآية ووفروا على أنفسهم عناء البحث والتكلفة والوقت والجهد. فالقرآن أعطاناً جدوى البحث في أي موضوع مسبقاً وقبل أن نبحث فيه.
إن القرآن يأمرنا أن نسير في الأرض لنكشف بداية الحياة فقط، أي أنه يمكن لنا أن نتعرف على بداية نشوء الحياة، وهذا بالفعل ما وجده العلماء. فقد بدؤوا رحلة البحث عن نشوء الكون ووصلوا إلى نتائج مبهرة.
ولكن جميع المحاولات التي تهدف إلى صنع خلية حية أو تقليد الحياة أو محاكاتها، فإنها باءت وستبوء بالفشل، تماماً مثل الأبحاث التي تهدف إلى إطالة عمر الإنسان. فقد خرج العلماء أخيراً بنتيجة مهمة ألا وهي أن الموت هو النهاية الطبيعية للأحياء، وأن كل محاولة لإطالة عمر الإنسان تسير عكس الطبيعة، وأن المرض الوحيد الذي لا يمكن علاجه هو الهرم! وهنا نتساءل: أليس هذا ما حدثنا عنه الحبيب الأعظم بقوله: (ما وضع الله من داء إلا وضع له الشفاء إلا داءً واحداً الهرم) [رواه أحمد].
هذا هو قرآننا وهذا هو نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا هو ديننا الحنيف، إنه دين العلم والحقائق العلمية. لنتأمل هذه الآيات الرائعة التي تحدثنا عن أهمية التفكر في خلق الله والبحث عن أسرار بداية الخلق وإعادته، وأن هؤلاء الملحدين لم يكونوا ليعجزوا الله سبحانه وتعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) بالعنكبوت: 19-23].
ــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
1- Life's Still One Big Secret, Daily Mail; London (UK) 26/2/2008.
2- Robinson, M.R. Our Universe, Scientific American, 1993.
3- Morris, Richard. Cosmic Questions: Galactic Halos, Cold Dark Matter, and the End of Time, Wiley, 1995.
4- Researchers discover new cell death program, The Rockefeller University, January 9, 2007.
(( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ))
-
{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}
سورة الأنعام
تمهيد :
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونسترشده ونؤمن به ونتوكل عليه ونصلي ونسلم على سيدالأنبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فإننا في عصر العلم وزمن التقدم والسبق الفكري وللأسف أن الأمة الإسلامية تعيش بعيدا عن هذا العصر القائم على العلم والتجربة العلمية والتفكر والتأمل والاستنتاج وهذه المنهجة ـ في الحقيقة ـ منهجية إسلامية محضة سبقنا إليها الغرب المادي وإنه لأجدر بهذه الأمة أن تعود إلى دينها الدين الحق الذي يدعوا إلى التفكر والتدبر وهو دعوة للناس جميعا إلى التفكر والتدبر في الخلق والمخلوقات كما قال تعالى : (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون)[1][2].
وقال تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)2.
ولقد لفت القرءان العظيم الأنظار والعقول من أول يوم للرسالة إلى التأمل والتفكر في شأن المخلوقات لاسيما في الأنعام والحيوانات كونها ألصق بالعرب وبحياتهم ولا يعرفون إلا هي كما قال تعالى :
(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ...)3وإحياء المنهج التفكر في المخلوقات الذي دعانا إليه الإسلام أقدم هذا البحث الذي أسأل الله أن ينفع به المسلمين وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لقاه.
وقد جعلت قوله تعالى :
(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)4 وهو عنوان هذا البحث .
وقد واجهتني كثيرا من الصعاب من أهمها ندرة المراجع العلمية وضيق الوقت وكثرة الشواغل ولكن كان المعين لي بعد الله تعالى وتوفيقه مركز بحوث جامعة الإيمان الذي أمدني بكثير من المراجع المتعلقة بالموضوع بالإضافة إلى مكتبة الجامعة فلا أنسى أن أسجل هنا كلمة شكر وتقدير وعرفان لجامعة الإيمان ـ حماها الله ـ ومركزها ، هذا وكانت خطتي في البحث على النحو التالي :
وقد قسمت هذه الدراسة إلى أربعة مباحث وهي :
المبحث الأول ويشتمل على خمسة مباحث هي :
أقوال اللغويين في الآية .
أقوال المفسرين والعلماء في الآية.
المراد بالمثلية في الآية .
لأممية لدى الحيوانات.
العبودية لدى الكائنات
المبحث الثاني :الجوانب العلمية التي أكتشفها العلم الحديث في التماثل بين الإنسان وسائر الكائنات على وجه الأرض ( السلوكيات والأخلاق) :
ويشتمل على ستة مطالب وهي :
البيت الزوجي لدى الحيوانات.
الجنس لدى الحيوانات .
من أعاجيب الحيوانات في حياتها الجنسية
أثر الرائحة العطرة في ثوران الغريزة الجنسية لدى الحيوانات .
تنظيم العملية الجنسية لدى الحيوانات.
الغيرة لدى بعض الحيوانات "البط "
المبحث الثالث : من أخلاقيات الحيوان ويشتمل على ستة مباحث وهي :
الوفاء والأمانة الزوجية لدى الحيوان .
التعاون والمحبة في عالم الحيوان "النحل "
هداية الحمام وعجائب صنع الله فيه .
الهداية الإلهية للحيوان في البحث عن معاشه .
المبحث الرابع غرائب الحيوان ويشتمل على المطالب التالية :
الإنسان يتعلم من الحيوان .
بعض الطيور تقلد أصوات البشر
بعض الحيوانات تسبق الإنسان في معرفة بعض الأحداث والمعلومات .
اللغة السرية لدى الحيوانات "الأفيال والحيتان "في التخاطب فيما بينها المطلب الخامس :الهجرة كذلك في عالم الحيوان .
كيف تهاجم الحيوانات فرائسها ؟
تبادل الأفكار لدى الحيوانات.
الخداع والمكر لدى الحيوانات .
النحل اجتماعي جدا .
هل تنام الحيوانات ؟.
هل تحب الحيوانات الجمال أيضا ؟.
عيون الطيور تشبه عيون البشر .
الوطنية في عالم الحيوان .
جوانب من تفوق الحيوان على الإنسان .
النمل يربي المواشي ويفلح الأرض .
الحيوانات تقيم الحدود الإسلامية.
الحيوانات أيضا تستخدم الدواء وتتطبب كذلك.
كما أشتمل البحث على الخاتمة والفهرس والمراجع . فإلى المبحث الأول:
المبحث الأول تأصيل الجانب الشرعي حول الآية : ويشتمل على المطالب التالية :
أقوال اللغويين في الآية .
أقوال المفسرين والعلماء في الآية.
المراد بالمثلية في الآية .
الأممية لدى الحيوانات.
العبودية لدى الكائنات
مقدمة
القرءان العظيم وهو يخاطب البيئة العربية البدوية التي تعرف الناقة والجمل والخيل والبغال والطير و الغنم والشاء وغيرها من المخلوقات يلفت الأنظار إلى قدرة الباري سبحانه في خلقها وتكوينها وبديع صنعه فيها وهذا ما يعلل سر ذلك الحشد الهائل من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الأنعام فلا تكاد تجد سورة من القرءان إلا و فيها حديث أو إشارة إلى آيات الله وبديع صنعه في الأنعام بل لقد سميت بعض سور القرءان بأسماء بعض الأنعام نحو النمل والنحل والفيل والعنكبوت والبقرة والأنعام والعاديات أي الخيل وهكذا .
وفي هذا استنهاض للعقول والأفئدة للتفكر في بديع صنع الله فيها وقدرته تعالى كما قال عز وجل(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) *5.ومن ضمن الآيات القرآنية التي تحمل الإعجاز والتحدي للبشرية آية من كلام الله تعالى مهما كتب فيها الكاتبون وصنف فيها المصنفون فلن يحصوا ما فيها من علم إلهي إذ تعجز الأقلام عن الخوض في لججها المتلاطمة(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّيلَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا)6
إنها قوله تعالى : (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون)7 .
ومن أجل أن تتضح الآية لابد من أن نعرج على أقوال علماء اللغة وأئمة التفسير حول الآية .
أقوال علماء اللغة في معنى الآية :
معنى الأمة لغة :
قال في مختار الصحاح للإمام الرازي "والأمة الجماعة "
وقال في لسان الميزان "الأمة الجيل والجنس من كل حي "
وقال الأصفهاني في كتابه مفردات ألفاظ القرءان "والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد سواء كان الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا ومنه قوله تعالى(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)أي كل نوع منها على طريقة قد سخره الله عليها بالطبع فهي ما بين ناسجة كالعنكبوت وبانية كالسرفة ـ وهي دويبة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه وهي التي يضرب بها المثل فيقال أصنع من سرفة ـ ومنها المدخرة كالنمل ومعتمدة على قوته كالعصفور والحمام وغير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع "
أقوال المفسرين والعلماء في معنى الآية :
قال الإمام القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرءان "إلا أمم أمثالكم "أي هم جماعات مثلكم في أن الله خلقهم وتكفل بأرزاقهم وعدل عليهم فلا ينبغي أن تظلموهم ولا تجاوزوا فيهم ما أمر تم به "
وقال الزجاج "إلا أمم أمثالكم " قال في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص وقال مجاهد أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون. وقال سفيان ابن عيينة أي ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه فمنهم من يعدوا كالأسد ومنهم من يشره كالخنزير ومنهم من يعوي كالكلب ومنهم من يزهوا كالطاووس فهذا معنى المماثلة .واستحسن الخطابي هذا وقال فإنك تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك .ثم عقب الإمام القرطبي على هذه الأقوال وغيرها بقوله "وقيل غير هذا مما لا يصح والصحيح ـ إلا أمم أمثالكم ـ في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة من جهته كما أن رزقكم على الله "وقول سفيان أيضا حسن فإنه تشبيه في واقع الوجود "أ.ه كلام الإمام القرطبي ثم قال قوله تعالى "بجناحيه "مع أن الطائر لا يطير إلا بجناحيه فذكرهما ليتمحض القول في الطير ."وقال الإمام جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور في التفسير بالمأثور "أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله عز وجل "إلا أمم أمثالكم "قال خلق مثلكم ".
وقال في تفسير الجلالين للإمام السيوطي "إلا أمم أمثالكم "ـ في تدبير خلقها ورزقها وأحوالهم"أه
وقال الإمام الطبري في هذه الآية في تفسيره جامع البيان عن تأويل القرءان "جعلها أجناسا مجنسة وأصنافا مصنفة تعرف كما تعرفون وتتصرف فيما سخرت له كما تتصرفون ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها ومثبت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب "
وقال الإمام الشوكاني في الفتح "(بجناحيه ) لدفع الإبهام ،لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير كقولهم طر في حاجتي أي أسرع وقيل إن إعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ومع عدم الاعتدال يميل فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين وقيل ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك والمعنى :ما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ،ولا طائر يطير في أي ناحية من نواحيها (إلا أمم أمثالكم )أي جماعات مثلكم خلقهم الله كما خلقكم ورزقهم كما رزقكم ،داخلة تحت علمه وتقديره وإحاطته بكل شيء .
ثم سرد ـ رحمه اللـه ـ أقوال المفسرين في الآية ثم قال والأولى أن تحل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائنا ما كان ".أه
وقال الإمام ابن القيم "وقال الخطابي ما أحسن ما تأول سفيان ـ يعني ابن عيينة ـ هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعا لظاهره وجب المصير إلى باطنه وقد أخبر الله عن وجود المماثلة بين الإنسان وبين كل طائر ودابة وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة وعدم من جهة النطق والمعرفة فوجب أن يكون منصرفا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق . ثم علق ابن القيم قائلا والله سبحان قد جعل بعض الدواب كسوبا محتالا وبعضها متوكلا غير محتال وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنته وبعضها يتكل على الثقة بأن له في كل يوم قدر كفايته رزقا مضمونا وأمر مقطوعا وبعضها لا يعرف ولده البتة وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه وبعضها تضيع ولدها وتكفل ولد غيرها وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها وبعضها يدخر وبعضها لا تكسب له وبعض الذكور يعول ولده وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف علبه .وجعل بعض الحيوانات يتمها من قبل أمهاتها وبعضها يتمها من قبل آبائها وبعضها لا يلتمس الولد وبعضها يستفرغ الهم في طلبه وبعضها يعرف الإحسان ويشكره وبعضها ليس ذلك عنده شيئا وبعضها يؤثر على نفسه وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمة من جنسه لم يدع أحدا يدنوا منه وبعضها يألف بني آدم ويأنس بهم وبعضها يستوحش منهم وينفر غاية النفار منه وبعضها لا يأكل إلا الطيب وبعضها لا يأكل ألا الخبائث وبعضها يجمع بين الأمرين وبعضها لا يؤذي إلا من بالغ في أذاها وبعضها يؤذي من لا يؤذيها وبعضهم حقود لا ينس الإساءة وبعضها لا يذكرها البتة وبعضها لا يغضب وبعضها يشتد غضبه فلا يزال يسترضى حتى يرضى وبعضها عنده علم ومعرفة بأمور دقيقة لا يهتدي إليها أكثر الناس وبعضها لا معرفة له بشيء من ذلك البتة وبعضها يستقبح القبيح وينفر منه وبعضها الحسن والقبيح سواء عنده وبعضها يقبل التعليم بسرعة وبعضها مع الطول وبعضها لا يقبل ذلك بحال "أه كلام ابن القيم .[3]وقال أيضا الإمام ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام "والأمة الجماعة المتساوية في الخلقة والزمان قال تعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون)[4] .
وقال أيضا في الجواب الكافي حيث أورد كلام سفيان ابن عيينة في الآية "قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب وأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه لحما كتطوس الطاوس في ريشه ومنهم من يكون بليدا كالحمار ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك ومنهم يألف ويؤلف كالحمام ومنهم الحقود كالجمل ومنهم الذي خير كله كالغنم ومنهم أشبه الذئاب ومنهم أشباه الثعالب التي يروغ كروغانها .وقد شبه الله أهل الجهل والغي بالحمر تارة وبالكلب تارة وبالأنعام تارة وتقوى هذه المشابهة باطنا حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا يراه المتفرسون ويظهر في الأعمال ظهورا يراه كل أحد ولا يزال يقوى حتى تعلوا الصورة فتنقلب له الصورة بإذن الله وهو المسخ التام. فيقلب الله الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأ شباههم ويفعل بقوم من هذه الأمة ويمسخهم قردة وخنازير "أه [5] وقال أيضا ابن القيم في شفاء العليل (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)قال "وهذا يتضمن أنها أمم أمثالنا في الخلق والرزق والتقدير الأول وأنها لم تخلق سدى "[6]
ويقول سيد قطب في ظلاله حول هذه الآية "إنه ما من دابة تدب على الأرض وهذا يشمل كل الأحياء من حشرات وهوام وزواحف وفقاريات وما من طائر يطير بجناحيه في الهواء وهذا يشمل كل طائر من طير أو حشرة وغير ذلك من الكائنات الطائرة،ما من خلق حي في هذه الأرض كلها إلا وهو ينتظم في أمة ذات خصائص واحدة وذات طريقة في الحياة واحدة كذلك شأنها في هذا شأن أمة الناس ما ترك الله شيئا من خلقه بدون تدبير يشمله وعلم يحصيه،وفي النهاية تحشر الخلائق إلى ربها فيقضي بأمرها ما يشاء "أه [7]
وبعد أن سردنا أقوال علماء اللغة وعلماء التفسير نشرع في بيان معنى المثلية في الآية.
يمكننا مما سبق من كلام علماء اللغة والتفسير في المراد بالتماثل في قوله تعالى (إلا أمم أمثالكم )وبجمع أقوالهم في الآية يتبين لنا أن المراد بالتماثل بين الدواب والإنسان إنما هو في بعض الجوانب وليس المراد هو التماثل التام من كل وجه إذ لو وقع هذا لكان الإنسان حيوانا كسائر الحيوانات وهو محال عقلا وشرعا.
أما عقلا فمعلوم وأما شرعا فإن الله عز وجل قد كرم بني آدم على سائر الكائنات وفضلهم على كثير من خلقه كما قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىكَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [8].
ولو قلنا بالتماثل من كل وجه لقلنا برفع التكليف عن بني آدم شأنهم في ذلك شأن البهائم والدواب وهو محال شرعا وإنما المراد ـوالله أعلم ـ هو التماثل والتشابه السلوكي والخلقي والطبعي كما قال الإمام الخطابي والشوكاني والقرطبي وغيرهم ـ كما سبق بيانه ـ.
ويدل على صحة هذا القول الحديث الصحيح "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فا قتلوا منها الأسود البهيم [9]" فسمى النبي صلى الله عليه وسلم الكلاب أمة من الأمم أي في الخلق والتدبير والأفعال والأعمال والسلوكيات ومحال تماثل الكلب لكل الأمم من كل الوجوه.
أقرأ المزيد
الأممية في الحيوانات - أمم أمثالكم
الأممية عند الحيوانات - بعض الأمثلة
الأممية عند الحيوانات - من أخلاقيات الحيوان الأممية عند الحيوان - الإنسان يتعلم من الحيوان الأممية عند الحيوانات - الرحمة والعطف
[1] الأعراف 185 2يونس 1.1 3 الغاشية 17 4الأنعام 38 5النحل 8 6 الكهف 1.9 7 الأنعام 38 [3] شفاء العليل لإبن القيم ص77[4] جلاء الأفهام ج1ص151[5] الجواب الكافي ج1ص 83[6] شفاء العليل ج1 ص4.[7] ظلال القرآن ج2 ص1.8.[8] الإسراء 7.[9] وحسنه السيوطي في الجامع الصغير والهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط والكبير . قلت ورواه الترمذي و أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم .
بقلم : الأستاذ محمد محمد معافى علي المهدلي
http://www.55a.net/firas/arabic/?pag...select_page=13
(( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ))
-
-
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} سورة البقرة
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذِهِ آيَة عَظِيمَة مِنْ أُمَّهَات الْأَحْكَام ; لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ سِتّ عَشْرَة قَاعِدَة : الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاته - وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى - وَالنَّشْر وَالْحَشْر وَالْمِيزَان وَالصِّرَاط وَالْحَوْض وَالشَّفَاعَة وَالْجَنَّة وَالنَّار - وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي كِتَاب - التَّذْكِرَة - وَالْمَلَائِكَة وَالْكُتُب الْمُنَزَّلَة وَأَنَّهَا حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه - كَمَا تَقَدَّمَ - وَالنَّبِيِّينَ وَإِنْفَاق الْمَال فِيمَا يَعِنّ مِنْ الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَإِيصَال الْقَرَابَة وَتَرْك قَطْعهمْ وَتَفَقُّد الْيَتِيم وَعَدَم إِهْمَاله وَالْمَسَاكِين كَذَلِكَ , وَمُرَاعَاة اِبْن السَّبِيل - قِيلَ الْمُنْقَطِع بِهِ , وَقِيلَ : الضَّيْف - وَالسُّؤَال وَفَكّ الرِّقَاب , وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي آيَة الصَّدَقَات , وَالْمُحَافَظَة عَلَى الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَالْوَفَاء بِالْعُهُودِ وَالصَّبْر فِي الشَّدَائِد , وَكُلّ قَاعِدَة مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِد تَحْتَاج إِلَى كِتَاب
وعن تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ حَوَّلَهُمْ إِلَى الْكَعْبَة شَقَّ ذَلِكَ عَلَى نُفُوس طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَبَعْض الْمُسْلِمِينَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى بَيَان حِكْمَته فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد إِنَّمَا هُوَ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِثَال أَوَامِره وَالتَّوَجُّه حَيْثُمَا وَجَّهَ وَاتِّبَاع مَا شَرَعَ فَهَذَا هُوَ الْبِرّ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَان الْكَامِل وَلَيْسَ فِي لُزُوم التَّوَجُّه إِلَى جِهَة مِنْ الْمَشْرِق أَوْ الْمَغْرِب بِرّ وَلَا طَاعَة إِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْر اللَّه وَشَرْعه وَلِهَذَا قَالَ " لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَقَالَ الثَّوْرِيّ : " وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ" الْآيَة قَالَ هَذِهِ أَنْوَاع الْبِرّ كُلّهَا وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّه فَإِنَّ مَنْ اِتَّصَفَ بِهَذِهِ الْآيَة فَقَدْ دَخَلَ فِي عُرَى الْإِسْلَام كُلّهَا وَأَخَذَ بِمَجَامِع الْخَيْر كُلّه وَهُوَ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَصَدَّقَ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ سَفَرَة بَيْن اللَّه وَرُسُله " وَالْكِتَاب " وَهُوَ اِسْم جِنْس يَشْمَل الْكُتُب الْمُنَزَّلَة مِنْ السَّمَاء عَلَى الْأَنْبِيَاء حَتَّى خُتِمَتْ بِأَشْرَفِهَا وَهُوَ الْقُرْآن الْمُهَيْمِن عَلَى مَا قَبْله مِنْ الْكُتُب الَّذِي اِنْتَهَى إِلَيْهِ كُلّ خَيْر وَاشْتَمَلَ عَلَى كُلّ سَعَادَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَنُسِخَ بِهِ كُلّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْكُتُب قَبْله وَآمَنَ بِأَنْبِيَاءِ اللَّه كُلّهمْ مِنْ أَوَّلهمْ إِلَى خَاتَمهمْ مُحَمَّد صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَوْله " وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه " أَيْ أَخْرَجَهُ وَهُوَ مُحِبّ لَهُ رَاغِب فِيهِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اِبْن مَسْعُود وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْرهمَا مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف
وَقَالَ تَعَالَى " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شَكُورًا " وَقَالَ تَعَالَى " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " وَقَوْله " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " نَمَطٌ آخَرُ أَرْفَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُمْ آثَرَوْا بِمَا هُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ أَعْطَوْا وَأَطْعَمُوا مَا هُمْ مُحِبُّونَ لَهُ وَقَوْله" ذَوِي الْقُرْبَى " وَهُمْ قَرَابَات الرَّجُل وَهُمْ أَوْلَى مَنْ أَعْطَى مِنْ الصَّدَقَة كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيث " الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذَوِي الرَّحِم ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ فَهُمْ أَوْلَى النَّاس بِك بِبِرِّك وَإِعْطَائِك " وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابه الْعَزِيز " وَالْيَتَامَى " هُمْ الَّذِينَ لَا كَاسِبَ لَهُمْ وَقَدْ مَاتَ آبَاؤُهُمْ وَهُمْ ضُعَفَاء صِغَار دُون الْبُلُوغ وَالْقُدْرَة عَلَى التَّكَسُّب
"وَالْمَسَاكِين " وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ فِي قُوتهمْ وَكِسْوَتهمْ وَسُكْنَاهُمْ فَيُعْطَوْنَ مَا تُسَدُّ بِهِ حَاجَتُهُمْ وَخَلَّتهمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ الْمِسْكِين بِهَذَا الطَّوَّاف الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِين الَّذِي لَا يَجِد غِنًى يُغْنِيه وَلَا يُفْطَن لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ " " وَابْن السَّبِيل " وَهُوَ الْمُسَافِر الْمُجْتَاز الَّذِي قَدْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ فَيُعْطَى مَا يُوَصِّلُهُ إِلَى بَلَدِهِ وَكَذَا الَّذِي يُرِيد سَفَرًا فِي طَاعَة فَيُعْطَى مَا يَكْفِيه فِي ذَهَابه وَإِيَابه وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الضَّيْف كَمَا قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : اِبْن السَّبِيل هُوَ الضَّيْفُ الَّذِي يَنْزِل بِالْمُسْلِمِينَ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو جَعْفَر الْبَاقِر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالزُّهْرِيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَمُقَاتِل بْن حَيَّان" وَالسَّائِلِينَ " وَهُمْ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِلطَّلَبِ فَيُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَوَات وَالصَّدَقَات كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا وَكِيع وَعَبْد الرَّحْمَن قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَمّ مُصْعَب بْن مُحَمَّد عَنْ يَعْلَى بْن أَبِي يَحْيَى عَنْ فَاطِمَة بِنْت الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهَا - قَالَ عَبْد الرَّحْمَن حُسَيْن بْن عَلِيّ - قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " وَفِي الرِّقَاب" فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : وَفِي فَكّ الرِّقَاب مِنْ الْعُبُودَة , وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي فَكّ رِقَابهمْ مِنْ الْعُبُودَة بِأَدَاءِ كِتَابَاتهمْ الَّتِي فَارَقُوا عَلَيْهَا سَادَاتهمْ .
وَقَوْله "وَأَقَامَ الصَّلَاة" أَيْ وَأَتَمَّ أَفْعَال الصَّلَاة فِي أَوْقَاتهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودهَا وَطُمَأْنِينَتهَا وَخُشُوعهَا عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الْمَرْضِيِّ وَقَوْله " آتَى الزَّكَاة " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ زَكَاة النَّفْس وَتَخْلِيصهَا مِنْ الْأَخْلَاق الدَّنِيئَة الرَّذِيلَة كَقَوْلِهِ " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " وَقَوْل مُوسَى لِفِرْعَوْن : " هَلْ لَك إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَك إِلَى رَبِّك فَتَخْشَى" وَقَوْله تَعَالَى " وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد زَكَاة الْمَال كَمَا قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَيَكُون الْمَذْكُور مِنْ إِعْطَاء هَذِهِ الْجِهَات وَالْأَصْنَاف الْمَذْكُورِينَ إِنَّمَا هُوَ التَّطَوُّع وَالْبِرّ وَالصِّلَة وَلِهَذَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس " أَنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاة" وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَوْله " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا " كَقَوْلِهِ " الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاق " وَعَكْس هَذِهِ الصِّفَة النِّفَاق كَمَا صَحَّ الْحَدِيث " آيَةُ الْمُنَافِق ثَلَاث إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ " وَفِي الْحَدِيث الْآخَر" إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" وَقَوْله " وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِين الْبَأْس" أَيْ فِي حَال الْفَقْر وَهُوَ الْبَأْسَاء وَفِي حَال الْمَرَض وَالْأَسْقَام وَهُوَ الضَّرَّاء " وَحِين الْبَأْس " أَيْ فِي حَال الْقِتَال وَالْتِقَاء الْأَعْدَاء قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُرَّة الْهَمْدَانِيّ وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَالسُّدِّيّ وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَأَبُو مَالِك وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ وَإِنَّمَا نَصَبَ الصَّابِرِينَ عَلَى الْمَدْح وَالْحَثّ عَلَى الصَّبْر فِي هَذِهِ الْأَحْوَال لِشِدَّتِهِ وَصُعُوبَته وَاَللَّه أَعْلَم وَهُوَ الْمُسْتَعَان وَعَلَيْهِ التُّكْلَان : وَقَوْله " أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا " أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّصَفُوا بِهَذِهِ الصِّفَات هُمْ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانهمْ لِأَنَّهُمْ حَقَّقُوا الْإِيمَان الْقَلْبِيّ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَال فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ صَدَقُوا " وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ" لِأَنَّهُمْ اِتَّقُوا الْمَحَارِم وَفَعَلُوا الطَّاعَات
وَصَفَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالتَّقْوَى فِي أُمُورهمْ وَالْوَفَاء بِهَا , وَأَنَّهُمْ كَانُوا جَادِّينَ فِي الدِّين , وَهَذَا غَايَة الثَّنَاء . وَالصِّدْق : خِلَاف الْكَذِب وَيُقَال : صَدَقُوهُمْ الْقِتَال , وَالصِّدِّيق : الْمُلَازِم لِلصِّدْقِ , وَفِي الْحَدِيث : ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْق يَهْدِي إِلَى الْبِرّ وَإِنَّ الْبِرّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّة وَمَا يَزَال الرَّجُل يَصْدُق وَيَتَحَرَّى الصِّدْق حَتَّى يُكْتَب عِنْد اللَّه صِدِّيقًا ) .
المصادر :
تفسير ابن كثير.
تفسير الطبري .
تفسير القرطبي .
(( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ))
-
{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) } سورة طه
عندما قرأ الفاروق عمر رضي الله عنه قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ( طه 0 ما أنزانا عليك القرآن لتشقى 0 إلا تذكرة لمن يخشى 0 تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى 0 الرحمن على العرش استوى 0 له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) طه 1-5.
قال الفاروق :ينبغي لمن يقول هذا أن لا يعبد معه غيره, دلوني على محمد (1) . وذهب عمر إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه .
وقد استوقفني قول الله تعالى ( له مافي السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) طه 5.
حيث افترضت من خلال تخصصي في علميْ النبات والكائنات الحية الدقيقة, أن هناك علاقة وطيدة بين قوله تعالى ( وما تحت الثرى ) وتخصصي الدقيق.
وبعد أعوام من التفكير والقراءة تأكدت الفرضية لدي, عندما قرأت في التفسير المنير (2) تفسير قوله تعالى ( وما تحت الثرى ) : بالتراب المندى, وهو هنا يراد مطلق التراب. وبهذا انفتح لي بفضل الله باب التفسير العلمي لما تحت الثرى.
يقول : مارتن الكسندر(3):
يعتبر تعريف طبيعة الوسط الذي يحيط بالكائنات الدقيقة مدخلاً ضرورياً لدراسة ميكروبيولوجيا (الكائنات الحية الدقيقة) التربة.
ويعرف التربة بأنها الطبقة الخارجية المفككة من سطح الأرض التي تختلف تماماً عن الطبقات الصخرية العميقة.
وهذه المنطقة من القشرة الأرضية تتميز بعديد من الصفات, فمن وجهة النظر الزراعية يمكن اعتبارها المنطقة التي تكفل النبات وتمده بالكثير من العناصر الغذائية (عدا الكربون ) والضوء, ومن الناحية الكيماوية فإن التربة تحتوي على العديد من المواد العضوية التي لاتتواجد في الطبقات السفلى.
وأما من وجهة نظر المختصين في مجال الكائنات الحية الدقيقة (الميكروبيولوجيا ) فإن التربة تختوي مجموعات كثيرة من: البكتيريا والاكتينوميسيتات ( Actinomycetes),والفطريات , والطحالب , والحيوانات الأولية ( Protozoa), والفيروسات.
ومن وجهة نظر المختصين في مجال الزراعة والنبات فهي تحتوي البذور المزروعة والحبوب والثمار , والجذور والسيقان الأرضية ( الدرنات والكورمات ) والبصلات وغيرها.
والتربة واحدة من أكثر الأماكن في الطبيعة ديناميكية في العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية , كما انها المنطقة التي يتم فيها الكثير من العمليات الفيزيائية والكيمياوية والحيوية المتعلقة بتحليل المواد العضوية , وتجوية الصخور وتفتيتها , وتغذية المحاصيل الزراعية.
وقال مارتن اكسندر: وكما هو معلوم للعاملين في هذا المجال فإن التربة: تتكون من خمسة مكونات رئيسة هي : المادة المعدنية, والماء, والهواء, والمادة العضوية, والكائنات الحية (أ.ﻫ).
وقد بينا في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات, كيف تكونت هذه الطبقة العليا من الأرض, وكيف أحياها الله سبحانه وتعالى بعد موتها(4).
فماذا تحت الثرى حتى يقسم الله العلي العظيم به, ويفرد له قسماً خاصاً بقوله ( وما تحت الثرى ), ويقرنه بما في السموات والأرض وما بينهما ؟
هذه الآية من آيات الاعجاز العلمي في القرآن الكريم التي يجب على كل متخصص يتصل تخصصه بها أن يدرسها ويبين أوجه الاعجاز فيها.
وفي مجال تخصصي في مجال علمىْ النبات والكائنات الحية الدقيقة (5) فإنني أرى أن حياة الانسان والكائنات الحية الأرضية تتوقف على ما تحت الثرى.
فماذا نرى تحت الثرى ؟
نرى تحت الثرى الملايين من البكتيريا التي تقوم بإتمام دورات الحياة المرتبطة بالتربة, وملايين الفطريات المفتته للصخور والمحلله للبقايا الحيوانية والنباتية, وملايين الاكتينوميسيتات المخصبة للتربة والمنظمة لمحتواها الميكروبي, وعشرات الطحالب المخصبة للتربة, والفيروسات المنظمة لأعداد الكائنات الحية الأخرى في التربة, ونرى الحيوانات الأولية, والديدان النيماتودية المقلبة والمهوية للتربة, ونرى الحبوب والبذور والسيقان الأرضية والجذور الدرنية وغير ذلك من سكان الأرض الحية والقاحلة والغدقة والجافة.
وبالدراسة والبحث والعد العلمي وجد أن (69.8%) من الكائنات الحية الدقيقة في التربة بكتيريا هوائية (Aerobic bacteria) و (13%) فطريات (Fungi), 13% اكتينوميسيتات (Actinomycetes)والباقي (0.2%) كائنات حية أخرى مثل الطحالب , والطلائعيات ((Protestaوالفيروسات (6) وهذا ما ناقشناه ببعض التفصيل الذي يسمح به المقام في مايلي :
بالنسبة للبكتيريا (Bacteria) :
تحتوي التربة على أعداد كبيرة من البكتيريا المستوطنه Indigenous autochthonous وغير المستوطنه أو الدخيله Invadders allochthonous وتعيش البكتيريا المستوطنه بصفة طبيعية ودائمة في التربة, حيث تنمو وتتكاثر وتموت بانتظام وفق منحنى نمو البكتيريا المعروف, وتساهم بفاعلية كبيرة في الأنشطة الكيموحيوية في التربة وما يرتبط بها من عمليات فوق الثرى وتحت الثرى.
أما البكتيريا غير المستوطنه أو الدخيله فهي تصل إلى التربة مع الأمطار والمجاري الصحية , ومخلفات الانسان والحيوان والنبات, وهي لا تشارك بطريقة فاعلة ودائمة ومنظمة في العمليات الكيموحيوية في التربة , بل قد تعيق العمليات الحيوية والكيماوية في التربة.
وتقوم البكتيريا المستوطنة بتخصيب التربة بعملياتها الحيوية خاصة بعد إضافة المواد العضوية للتربة , ولذلك تزداد أعدادها مع توفير المواد العضوية وتقل بعد نفاذها.
ويصل وزن الخلايا البكتيرية الحية الطازجة والنشطة من (300) إلى (400) كيلوجرام في الهكتار الواحد , وهي بذلك تمثل ( من 1-40% ) من وزن التربة الحية.
وإذا أردنا تحويل هذا الوزن إلى أعداد للأجناس البكتيرية لتعذر الأمر علينا تماماً لضخامة العدد , من هنا كان قسم الله سبحانه وتعالى بما تحت الثرى من المعجزات العلمية والحقائق الخفية في التربة.
ومن الأجناس البكتيرية المستوطنة للتربة :
Agrobacterium , PseugomonusBacillus , Clostridium , Acinetobacter , Micrococcus , Caulobacter , Striptoccus
Staphylococcus. , Mycobacterium , Myxobacteria.
وتشارك البكتيريا بدور رئيس في عمليات تدفق الطاقة في الأرض, وإتمام دورات: النيتروجين, والكربون, والفسفور, والكبريت وغيرها من دورات الحياة المرتبطة بالتربة.
ففي دورة تدفق الطاقة ( Energy flow)تقوم البكتيريا وغيرها من الكائنات الحية في التربة بتحليل بقايا الكائنات الحية في التربة, وتحرير ثاني اكسيد الكربون المحتبس فيها, وإطلاقه في الهواء الجوي لتغذية دورة الكربون وعمليات البناء الضوئي, وتثبيته مرة أخرى في المركبات العضوية الكربونية الكربوهيدراتية والدهنية والبروتينية المحملة بالطاقة الكيميائية الناتجة من تثبيت الطاقة الشمسية بواسطة اليخضور (Chlorophyll)والبناء الضوئي (Photosynthesis).
أما في دورة النيتروجين فتقوم البكتيريا بدور رئيس وفعال في تشغيل الدورة وإمدادها بالنيتروحين وتثبيته وتحريره .
فالبكتيريا تقوم بتحليل المكونات البروتينية الحيوانية والنباتية والبشرية وغيرها في التربة لانتاج الأمونيا NH3( Amonia)وتحريرها في الجو.
وتقوم بكتيريا النترجه ( Nitrifing bacteria)بعمليات النترجه لانتاج النيتريت (( Nitrates ( NO3)في التربة.
كما تقوم بكتيريا نزع النيتروجين ( Denitrifing bacteria)بتحرير النيتروجين ونزعه من مركباته ليصعد في الغلاف الجوي .
وتقوم البكتيريا المثبته للنيتروجين ( Nitrogen fixing bacteria)بتثبيت النيتروجين الجوي في العقد البكتيرية ( Bacterial nodes)في جذور بعض النباتات خاصة البقولية منها.
وإذا غاب هذا الدور الحيوي للبكتيريا في تفعيل وتشغيل دورات النيتروجين توقفت الحياة تماماً , وماتت التربة, واحتبست العناصر النيتروجينية في مركباتها ونفذت من الحياة.
أما الاكتينوميسيتات (Actinomycetes ) مثل الأجناس :
Thermononospora , Micropolysporea
Microbispora , Pseudonocardi
والتي تحلل الأنسجة النباتية والحيوانية , وتكون الدبال بتحليل المواد العضوية إلى مركباتها وعناصرها الأصلية. وتتميز بقيامها بهذا الدور التحليلي في الأراضي القاحلة في المناطق الحارة , كما تقوم بتحليل الأسمدة الخضراء والأسمدة العضوية وأكوام السماد البلدي.
ووجود الأكتينوميسيتات في التربة يؤدي إلى التوازن الميكروبي بما تفرزه من إنزيمات محلله , ومضادات للحيوية قاتلة لخلايا الفطريات والبكتيريا , وهي بذلك تقوم بعملية فرم وهرس وتحليل للمركبات العضوية المعقدة في التربة.
الفطريات:
وتأتي الفطريات بعد ذلك وهي الكائنات الحية غير الذاتية التغذية التي وهبها الله سبحانه وتعالى أقوى جهاز إنزيمي في الكائنات الحية تحلل به المواد العضوية كلها وتنتج الأحماض العضوية المفتته للصخور.
وبالدراسة والبحث وجد أن كل جرام واحد من التربة يحتوي من (10) إلى (100) متر من الخيوط الفطرية , أي ما يعادل من (500) إلى (5000) كيلوجرام فطر في كل هكتار من سطح التربة.
ويؤثر محتوى رطوبة التربة على انتشار الفطريات وعملها بالتربة مثلها مثل جميع الكائنات الحية, لذلك ينخفض نشاطها بانخفاض درجة الرطوبة ويؤدي التحسن في مستوى الرطوبة إلى زيادة أعداد الفطريات, ومع ذلك فإن بعض هذه الفطريات يعمل في الظروف شبه الجافة.
وتنتشر الفطريات بأعداد كبيرة في الطبقة السطحية للأرض الزراعية, وتوجد أكبر كثافة عددية لها في أراضي المراعي.
وتحتفظ الفطريات بأعدادها الكبيرة في طبقات ما تحت التربة إلى عمق يصل لأكثر من متر حسب المادة العضوية في التربة.
وتوجد الخمائر ( Yeasts) ( وهي فطريات وحيدة الخلية ) بأعداد تصل من (200) إلى (100.000 ) خلية في الهكتار , وهي تنتشر في الأماكن الباردة والمراعي والحقول المنزرعة.
وتقوم الفطريات بتحليل السليلوز (Cellulose)ونصف السليلوز(Hemicellulose) والبكتين (Pectine) والنشا (Starch) واللجنين (Legneine), وتقوم بتحويل البقايا النباتية والحيوانية إلى دبال Humus.
وتتكافل بعض الفطريات مع بعض جذور الأشجار الكبرى مكونة شبكة كبرى من الخيوط الماصة التي تساعد النبات على امتصاص الماء والنمو والتكاثر وتسمى هذه بالجذر فطريات ( Mycorrhiza).
كما توجد خيوط عيش الغراب (Muschroom)والأجسام الثمرية (Ascocarp)للكمأه (Truffles)باجناسها المختلفة ومنها Tuber , Terminia , Terfezva(9)بأنواعها المتباينة
الطحالب:
وبخصوص الطحالب (Algae), فإتها تنتشر في كل الأراضي تقريبا, وتتميز الطحالب باعتمادها في تغذيتها على التغذية الضوئية الذاتية (Photoautotrophs)لوجود اليخضور في خلاياها.
ويلزم لمعيشة الطحالب ذاتيا في التربة توفر الماء والنتروجين والبوتاسيوم والفوسفور , والكبريت والحديد وكميات قليلة جداً من العناصر النادرة , وتحصل هذه الطحالب على الكربون اللازم لها للبناء الضوئي من ثاني اكسيد الكربون (CO2)الحيوي وكربونات التربة كما تحصل من الضوء الساقط عليها على الطاقة اللازمة لها .
وبعض الطحالب يمكنها استخدام النيتروجين الجزئي, وتقوم بعض الطحالب الخضراء المزرقة (Bluegreen algae)والديوتومات (Diatoms)الموجوده في التربة بأكسدة المواد العضوية في التربة.
وتقوم الطحالب في التربة بعملية البناء الضوئي , وانتاج المواد العضوية وتثبيت النيتروجين مما يزيد من خصوبة التربة , وبعضها يتكافل مع الفطريات في الأشن (Lichens)لتفتيت الصخور, وإمداد التربة بالمزيد من المعادن الصخرية المفتته والكربون(7).
وبذلك تصبح الطحالب من أهم الكائنات المسئولة عن زيادة نسبة المحتوى الكربوني في التربة التي نعيش فيها , وذلك بتثبيت ثاني أكسيد الكربون الجوي بعملية البناء الضوئي .
الفيروسات:
وتحتوي التربة على العديد من الفيروسات ملتقمة البكتيريا (Bacteriophage)القادرة على التطفل على الخلايا البكتيريه في العقد الجذرية (Rhizobium), كما تهاجم الفيروسات خيوط (Hypha)عيش الغراب (Maschroom)والطحالب الخضراء المزرقة (Blue green algae)وبذلك تحافظ على الاتزان الميكروبي في التربة.
وقد أثبتت نتائج الأراضي البكر والزراعية في كل القارات الأرضية وجود الأوليات البروتوزوا (Protozoa)بأعداد وفيره , وبأجناس وأنواع مختلفة يتراوح عددها بين (10.000) إلى (300.000) خلية حيوانية لكل كيلوجرام من التربة.
ومع ذلك فإن البروتوزوا لاتمثل إلا نسبة صغيرة من مجتمع الحيوانات التي تعيش تحت الثرى.
كما تتراوح أعداد كل من السوطيات (Mastigophora) والأميبا ما بين (3000) إلى (200.000) في البيئات المناسبة الخالية من المعوقات , في حين لايتعدى أعداد الهدبيات (Ciliophora)أكثر من (1000) خلية لكل كيلوجرام تربة. وتقوم البروتوزوا بتنظيم حجم المجتمع البكتيري في التربة بالتغذي عليها.
وتحتوي التربة على ديدان الأرض والحشرات والنيماتودا وذوات الألف رجل , وفي كل (10) متر مكعب من التربة يوجد (200) ألف حشرة , (100) ألف نوع من العثة , (25) ألف حيوان صغير أي ما يعادل وزن بقرتين كاملتين(8) , كما يوجد النمل , والجرذان, والفئران , والأرانب , والثعالب , واليرابيع وغيرها من الحيوانات تحت الأرض.
ولكل نبات من النباتات البذرية (Spermatophyta)مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة (والحشرات والحيوانات الأخرى) تعيش في محيطه الجذري (Rizosphere)تسمى بالكائنات الجذر محيطه (Microsphere).
ويوجد تحت الثرى كل مايغطيه الزراع من بذور وحبوب وسيقان وجذور ومراحل انباتها المختلفة.
كما توجد تحت الثرى ثمار نبات الفول السوداني Arachishypogeaeوكورمات (Cormes) نبات القلقاس Colacaciaantiquorumوجذور الجزر Daucuscarrotaواللفت Brassicarapaوالبنجر Betavulgarisوالبطاطا Ipomoeabatatasوالفجل Rafanussativus , وبصلات (Bulbes) البصل Alliumcapaوالثوم AlliumsativaوالكراثporrumAllium وريزومات الزنجبيل Zingiber Officinalesوالجنسنج (Ginseng) وممصات (Haustoria) الهالوك Orobancheودرنات نبات الداليا Dahliarootsوالجذور الدرنية لنبات الأسبرجس Asparagusوما لانعلم من الدرنات , والسيقان , والكورومات , والبصلات والبصيلات الأرضية النامية في الهند والصين وباقي دول آسيا , وأفريقيا والأمريكيتين, وفي البحيرات, وكل ما نعلمه ومالانعلمه في عالم تخصصنا وغير تخصصنا من نبات وحيوان وكائنات حية دقيقة وجماد لذلك قال تعالى (له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) طه 5 .
تلك الآيات التي عندما قرأها الفاروق قال: ينبغي لمن قال هذا أن لايعبد معه غيره دلوني على محمد فآمن بعد ذلك , وما ذكرناه غيض من فيض ما يتضمنه قوله تعالى (وما تحت الثرى) فسبحان من خلق ذلك ,
والآن ماذا سوف يحدث لو غاب ما تحت الثرى ؟!
لوغابت البكتيريا , والاكتينوميسيات , والفطريات, والطحالب, والجذور النباتية من تحت الثرى توقفت دورات النتروجين , والكربون, والفوسفور, والكبريت وماتت الأرض وتصحرت ومات النبات, واختفت الحياة تماماً من على الأرض, فلا حياة بدون ما تحت الثرى.
كما أنه لاحياة على الأرض بلا ماء ونبات, فالماء والنبات والكائنات الحية الدقيقة وضوء الشمس والهواء الجوي هي المخلوقات التي جعل الله منها كل شيء حي على الآرض.
وعلى المريخ والقمر توجد الأشعة الشمسية والعوامل الفيزيائية والتربة ولكن لايوجد النبات والكائنات الحية الدقيقة, ولذلك غابت الحياة هناك , وحتى لو وجدوا الماء دون النبات والكائنات الحية الدقيقة فلاحياة هناك, فسبحان من خلق وأبدع وملك ما تحت الثرى , وما في السموات وما في الأرض وما بينهما وسخر كل ذلك لخدمتنا من دون حول لنا ولاقوة.
في نهاية هذا المقال أوجه دعوة إلى أصحاب التخصصات المختلفة بالبحث في معنى قوله تعالى (وما تحت الثرى) لنعد كتاباً بعنوان وما تحت الثرى.
بقلم : د/ نظمي خليل أبو العطا
(1)– فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/344) نقلاً عن : فصل الخطاب في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه , محمد على الصلابي .الإسكندرية: دار الايمان (2002م) (ص26).
(2)التفسير المنير , وهبه الزحيلي , سوريا: دار الفكر.
(3)مقدمة في ميكروبيولوجيا التربة (مترجم) جون وايلي وأولاده: نيويورك.
(4)آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات , نظمي خليل أبو العطا (200م) , القاهرة مكتبة النور, موضوع إحياء الأرض بعد موتها.
(5)دكتوراه في النبات – تخصص كائنات حية دقيقة.
Microbiology , Principles and Applications . Jacquelyn (6)
G.Black (p 726-741)
(7)انظر موضوعنا المجموعة الدولية لتذويب وتفتيت الصخور الأرضية AFSIG.
(8)انظر موضوع إحياء الأرض بعد موتها في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات.
(9)انظر موضوعنا الفطريات الزقية والمن على البشرية ( تحويل محتوى رمال الصحراء إلى بروتين حيوي ومغذي ).
(( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ))
-
مشاركة الأخ الفاضل ظل ظليل
قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر وما يدريك أن الله اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:" وما يدريك أن الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم", أشكل على كثير من الناس معناه, فإن ظاهره إباحة كل الأعمال لهم وتخييرهم فيما شاءوا منها, وذلك ممتنع. فقالت طائفة منهم ابن الجوزي ليس المراد من قوله "اعملوا" الاستقبال, وإنما هو للماضي, وتقديره: أي عمل كان لكم فقد غفرته: قال: ويدل على ذلك شيئان:(أحدهما): أنه لو كان للمستقبل كان جوابه قوله: فسأغفر لكم.(والثاني): أنه كان يكون إطلاقا في الذنوب ولا وجه لذلك.وحقيقة هذا الجواب أني قد غفرت لكم بهذه الغزوة ما سلف من ذنوبكم, لكنه ضعيف من وجهين:(أحدهما) أن لفظ "اعملوا" يأباه, فإنه للاستقبال دون الماضي. وقوله" قد غفرت لكم" لا يوجب أن يكون "اعملوا " مثله: فإن قوله:" قد غفرت" تحقيق لوقوع المغفرة في المستقبل كقوله: { أَتَى أَمْرُ اللَّه } النحل1, { وَجَاءَ رَبُّك }الفجر 22. ونظائره.(ثانيهما) أن نفس الحديث يردّه, فإن سببه قصّة حاطب وتجسسه على النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك ذنب واقع بعد غزوة بدر لا قبلها, وهو سبب الحديث, فهو مراد منه قطعا, فالذي نظن في ذلك, والله أعلم أن هذا خطاب لقوم قد علم الله سبحانه وتعالى أنّهم لا يفارقون دينهم, بل يموتون على الإسلام, وأنهم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب, ولكن لا يتركهم سبحانه مصرّين عليها, بل يوفّقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك. ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم لأنه قد تحقق ذلك فيهم, وأنهم مغفور لهم. ولا يمنع ذلك كون المغفرة حصلت بأسباب تقوم بهم, كما لا يقتضي ذلك أن يعطّلوا الفرائض وثوقا بالمغفرة, فلو كانت قد حصلت بدون الاستمرار على القيام بالأوامر لما احتاجوا بعد ذلك إلى صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهاد, وهذا محال.ومن أوجب الواجبات التوبة بعد الذنب, فضمان المغفرة لا يوجّب تعطيل أسباب المغفرة, ونظير هذا قوله في الحديث الآخر: "أذنب عبد ذنبا فقال: أي ربّ أذنبت ذنبا فاغفره لي, فغفر له, ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنبا آخر فقال, رب أصبت ذنبا فاغفر لي فغفر له, ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنبا آخر فقال: رب أصبت ذنبا فاغفر لي, فقال الله: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به, قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء" فليس في هذا إطلاق وإذن منه سبحانه له في المحرّمات والجرائم, وإنما يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك إذا أذنب تاب.
واختصاص هذا العبد بهذا لأنه قد علم أنه لا يصر على ذنب, وأنه كلما أذنب تاب, حكم يعم كل من كانت حالته حاله, لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما قطع به لأهل بدر.وكذلك كل من بشّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة أو أخبره بأنه مغفور له, لم يفهم منه ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ومسامحته بترك الواجبات, بل كان هؤلاء أشد اجتهادا وحذرا وخوفا بعد البشارة منهم قبلها, كالعشرة المشهود لهم بالجنة.وقد كان الصديّق شديد الحذر والمخافة, وكذلك عمر, فإنهم علموا أن البشارة المطلقة مقيّدة بشروطها والاستمرار عليها إلى الموت, ومقيّدة بانتفاء موانعها, ولم يفهم أحد منهم من ذلك الإطلاق, الإذن فيما شاءوا من الأعمال.
(( ابن قيم الجوزية ))
من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة. وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرّض له. وأن تذوق ألم الوحشة ثم لا تطلب الأنس بطاعته وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته.وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه، والإنابة إليه. وأعجب من هذا علمك أن لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه، وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفوائـد (( ابن قيم الجوزية ))
ليس ما عُلِمَ إمكانه جُوِّزَ وقوعه، فإنا نعلم قدرة الله على قلب الجبال ذهباً ونحو ذلك، لكن نعلم أنه لا يفعله، إلى غير ذلك من الأمثلة.
--------------
من كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية
(( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ))
-
{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} سورة الحشر.
قَالَ تَعَالَى مَادِحًا لِلْأَنْصَارِ وَمُبَيِّنًا فَضْلهمْ وَشَرَفهمْ وَكَرَمهمْ وَعَدَم حَسَدهمْ وَإِيثَارهمْ مَعَ الْحَاجَة " وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْلهمْ " أَيْ سَكَنُوا دَار الْهِجْرَة مِنْ قَبْل الْمُهَاجِرِينَ وَآمَنُوا قَبْل كَثِير مِنْهُمْ قَالَ عُمَر : وَأُوصِي الْخَلِيفَة بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يُعَرِّف لَهُمْ حَقّهمْ وَيَحْفَظ لَهُمْ كَرَامَتهمْ وَأُوصِيه بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْل أَنْ يَقْبَل مِنْ مُحْسِنهمْ وَأَنْ يَعْفُو عَنْ مُسِيئُهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ هَهُنَا أَيْضًا وَقَوْله تَعَالَى " يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ" أَيْ مِنْ كَرَمهمْ وَشَرَف أَنْفُسهمْ يُحِبُّونَ الْمُهَاجِرِينَ وَيُوَاسُونَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا يَزِيد حَدَّثَنَا حُمَيْد عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَا رَسُول اللَّه مَا رَأَيْنَا مِثْل قَوْم قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَن مُوَاسَاة فِي قَلِيل وَلَا أَحْسَن بَذْلًا فِي كَثِير لَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَة وَأَشْرَكُونَا فِي الْمُهَنَّأ حَتَّى لَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلّه قَالَ " لَا مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ وَدَعَوْتُمْ اللَّه لَهُمْ " لَمْ أَرَهُ فِي الْكُتُب مِنْ هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك حِين خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيد قَالَ دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَار أَنْ يَقْطَع لَهُمْ الْبَحْرَيْنِ قَالُوا لَا إِلَّا أَنْ تَقَطَّع لِإِخْوَانِنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلهَا قَالَ " إِمَّا لَا فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ أَثَرَة " تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا الْحَكَم بْن نَافِع أَخْبَرَنَا شُعَيْب حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَتْ الْأَنْصَار اِقْسِمْ بَيْننَا وَبَيْن إِخْوَاننَا النَّخِيل قَالَ لَا قَالُوا أَتُكْفُونَا الْمُؤْنَة وَنُشْرِككُمْ فِي الثَّمَرَة قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا تَفَرَّدَ بِهِ دُون مُسْلِم . " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا " أَيْ وَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسهمْ حَسَدًا لِلْمُهَاجِرِينَ فِيمَا فَضَّلَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ الْمَنْزِلَة وَالشَّرَف وَالتَّقْدِيم فِي الذِّكْر وَالرُّتْبَة . قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة " يَعْنِي الْحَسَد" مِمَّا أُوتُوا " قَالَ قَتَادَة يَعْنِي فِيمَا أَعْطَى إِخْوَانهمْ. وَكَذَا قَالَ اِبْن زَيْد وَمِمَّا يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " يَطْلُع عَلَيْكُمْ الْآن رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة " فَطَلَعَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار تَنْطِف لِحْيَته مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ الشِّمَال فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْل ذَلِكَ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُل مِثْل الْمَرَّة الْأُولَى فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْل مَقَالَته أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُل عَلَى مِثْل حَالَته الْأُولَى فَلَمَّا قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ فَقَالَ إِنِّي لَاحَيْت أَبِي فَأَقْسَمْت أَنِّي لَا أَدْخُل عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُؤْوِينِي إِلَيْك حَتَّى تَمْضِي فَعَلْت قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَس فَكَانَ عَبْد اللَّه يُحَدِّث أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاث فَلَمْ يَرَهُ يَقُوم مِنْ اللَّيْل شَيْئًا غَيْر أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ تَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشه ذَكَرَ اللَّه وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُوم لِصَلَاةِ الْفَجْر قَالَ عَبْد اللَّه غَيْر أَنِّي لَمْ أَسْمَعهُ يَقُول إِلَّا خَيْرًا فَلَمَّا مَضَتْ اللَّيَالِي الثَّلَاث وَكِدْت أَنْ أَحْتَقِر عَمَله قُلْت يَا عَبْد اللَّه لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْن أَبِي غَضَب وَلَا هِجْرَة وَلَكِنْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَك ثَلَاث مَرَّات " يَطْلُع عَلَيْكُمْ الْآن رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة " فَطَلَعْت أَنْتَ الثَّلَاث الْمَرَّات فَأَرَدْت أَنْ آوِي إِلَيْك لِأَنْظُر مَا عَمَلك فَأَقْتَدِي بِهِ فَلَمْ أَرَك تَعْمَل كَبِير عَمَل فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِك مَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْت فَلَمْ وَلَّيْت دَعَانِي فَقَالَ : مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْت غَيْر أَنِّي لَا أَجِد فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُد أَحَدًا عَلَى خَيْر أَعْطَاهُ اللَّه إِيَّاهُ قَالَ عَبْد اللَّه فَهَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِك وَهِيَ الَّتِي لَا تُطَاق وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَنْ سُوَيْد بْن نَصْر عَنْ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ مَعْمَر بِهِ وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرْط الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ رَوَاهُ عُقَيْل وَغَيْره عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ رَجُل عَنْ أَنَس فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْله تَعَالَى " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا " يَعْنِي مِمَّا أُوتُوا الْمُهَاجِرُونَ قَالَ وَتَكَلَّمَ فِي أَمْوَال بَنِي النَّضِير بَعْض مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْأَنْصَار فَعَاتَبَهُمْ اللَّه فِي ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى " وَمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلَا رِكَاب وَلَكِنَّ اللَّه يُسَلِّط رُسُله عَلَى مَنْ يَشَاء وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير " قَالَ : وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ إِخْوَانكُمْ قَدْ تَرَكُوا الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَخَرَجُوا إِلَيْكُمْ " فَقَالُوا أَمْوَالنَا بَيْننَا قَطَائِع فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَوَغَيْر ذَلِكَ " قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ " هُمْ قَوْم لَا يَعْرِفُونَ الْعَمَل فَتَكْفُونَهُمْ وَتُقَاسِمُونَهُمْ الثَّمَر " فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه . وَقَوْله تَعَالَى" وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة " يَعْنِي حَاجَة أَيْ يُقَدِّمُونَ الْمَحَاوِيج عَلَى حَاجَة أَنْفُسهمْ وَيَبْدَءُونَ بِالنَّاسِ قَبْلهمْ فِي حَال اِحْتِيَاجهمْ إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " أَفْضَل الصَّدَقَة جَهْد الْمُقِلّ " وَهَذَا الْمَقَام أَعْلَى مِنْ حَال الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه بِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه " وَقَوْله " وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه " فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَصَدَّقُوا وَهُمْ يُحِبُّونَ مَا تَصَدَّقُوا بِهِ وَقَدْ لَا يَكُون لَهُمْ حَاجَة إِلَيْهِ وَلَا ضَرُورَة بِهِ وَهَؤُلَاءِ آثَرُوا عَلَى أَنْفُسهمْ مَعَ خَصَاصَتهمْ وَحَاجَتهمْ إِلَى مَا أَنْفَقُوهُ وَمِنْ هَذَا الْمَقَام تَصَدَّقَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِجَمِيعِ مَاله فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مَا أَبْقَيْت لِأَهْلِك ؟ فَقَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَبْقَيْت لَهُمْ اللَّه وَرَسُوله وَهَكَذَا الْمَاء الَّذِي عُرِضَ عَلَى عِكْرِمَة وَأَصْحَابه يَوْم الْيَرْمُوك فَكُلّ مِنْهُمْ يَأْمُر بِدَفْعِهِ إِلَى صَاحِبه وَهُوَ جَرِيح مُثْقَل أَحْوَج مَا يَكُون إِلَى الْمَاء فَرَدَّهُ الْآخَر إِلَى الثَّالِث فَمَا وَصَلَ إِلَى الثَّالِث حَتَّى مَاتُوا عَنْ آخِرهمْ وَلَمْ يَشْرَبهُ أَحَد مِنْهُمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ . وَقَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم بْن كَثِير حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة حَدَّثَنَا فُضَيْل بْن غَزْوَان حَدَّثَنَا أَبُو حَازِم الْأَشْجَعِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : أَتَى رَجُل لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَصَابَنِي الْجَهْد فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِد عِنْدهنَّ شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَلَا رَجُل يُضَيِّف هَذَا اللَّيْلَة رَحِمَهُ اللَّه " فَقَامَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار فَقَالَ أَنَا يَا رَسُول اللَّه فَذَهَبَ إِلَى أَهْله فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذَا ضَيْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا فَقَالَتْ وَاَللَّه مَا عِنْدِي إِلَّا قُوت الصِّبْيَة قَالَ فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَة الْعَشَاء فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاج وَنَطْوِي بُطُوننَا اللَّيْلَة فَفَعَلَتْ ثُمَّ غَدَا الرَّجُل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " لَقَدْ عَجِبَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ - أَوْ ضَحِكَ - مِنْ فُلَان وَفُلَانَة " وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى" وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة " وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي مَوْضِع آخَر وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيّ مِنْ طُرُق عَنْ فُضَيْل بْن غَزْوَان بِهِ وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ تَسْمِيَة هَذَا الْأَنْصَارِيّ بِأَبِي طَلْحَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَوْله تَعَالَى " وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ" أَيْ مَنْ سَلِمَ مِنْ الشُّحّ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ قَالَ أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن قَيْس الْفَرَّاء عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مِقْسَم عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِيَّاكُمْ وَالظُّلْم فَإِنَّ الظُّلْم ظُلُمَات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقُوا الشُّحّ فَإِنَّ الشُّحّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ " اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِم فَرَوَاهُ عَنْ الْقَعْنَبِيّ عَنْ دَاوُد بْن قَيْس بِهِ . وَقَالَ الْأَعْمَش وَشُعْبَة عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث عَنْ زُهَيْر بْن الْأَقْمَر عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اِتَّقُوا الظُّلْم فَإِنَّ الظُّلْم ظُلُمَات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقُوا الْفُحْش فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفُحْش وَلَا التَّفَحُّش وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ أَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا " وَرَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيق شُعْبَة وَالنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة بِهِ وَقَالَ اللَّيْث عَنْ يَزِيد بْن الْهَادّ عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ صَفْوَان بْن أَبِي يَزِيد عَنْ الْقَعْقَاع بْن الْجُلَاح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " لَا يَجْتَمِع غُبَار فِي سَبِيل اللَّه وَدُخَان جَهَنَّم فِي جَوْف عَبْد أَبَدًا وَلَا يَجْتَمِع الشُّحّ وَالْإِيمَان فِي قَلْب عَبْد أَبَدًا " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم ثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ جَامِع بْن شَدَّاد عَنْ الْأَسْوَد بْن هِلَال قَالَ جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه فَقَالَ يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن إِنِّي أَخَاف أَنْ أَكُون قَدْ هَلَكْت فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ سَمِعْت اللَّه يَقُول " وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " وَأَنَا رَجُل شَحِيح لَا أَكَاد أَنْ أُخْرِج مِنْ يَدِي شَيْئًا فَقَالَ عَبْد اللَّه : لَيْسَ ذَلِكَ بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن إِنَّمَا الشُّحّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن أَنْ تَأْكُل مَال أَخِيك ظُلْمًا وَلَكِنْ ذَاكَ الْبُخْل وَبِئْسَ الشَّيْء الْبُخْل . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ طَارِق بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ أَبِي الْهَيَّاج الْأَسَدِيّ قَالَ كُنْت أَطُوف بِالْبَيْتِ فَرَأَيْت رَجُلًا يَقُول اللَّهُمَّ قِنِي شُحّ نَفْسِي لَا يَزِيد عَلَى ذَلِكَ فَقُلْت لَهُ فَقَالَ إِنِّي إِذَا وُقِيت شُحّ نَفْسِي لَمْ أَسْرِق وَلَمْ أَزْنِ وَلَمْ أَفْعَل وَإِذَا الرَّجُل عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَق حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن الدِّمَشْقِيّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش حَدَّثَنَا مُجَمِّع ابْن جَارِيَة الْأَنْصَارِيّ عَنْ عَمّه يَزِيد بْن جَارِيَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " بَرِيء مِنْ الشُّحّ مَنْ أَدَّى الزَّكَاة وَقَرَى الضَّيْف وَأَعْطَى فِي النَّائِبَة .
تفسير ابن كثير.
(( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ))
-
مشاركة الأخ الفاضل ظل ظليل
{ الرحمن الرحيم } سورة الفاتحة .. هذه الصفة التي تستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتها تتكرر هنا في صلب السورة، في آية مستقلة، لتؤكد السمة البارزة في تلك الربوبية الشاملة؛ ولتثبت قوائم الصلة الدائمة بين الرب ومربوبيه. وبين الخالق ومخلوقاته.. إنها صلة الرحمة والرعاية التي تستجيش الحمد والثناء. إنها الصلة التي تقوم على الطمأنينة وتنبض بالمودة، فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة الندية.
إن الرب الإله في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء كآلهة الأولمب في نزواتها وثوراتها كما تصورها أساطير الإغريق. ولا يدبر لهم المكائد الانتقامية كما تزعم الأساطير المزورة في " العهد القديم " كالذي جاء في أسطورة برج بابل في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين.
في ظلال القرآن ( سيد قطب )
(( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ))
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة مروان ديدات في المنتدى حقائق حول الكتاب المقدس
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-10-2012, 06:53 PM
-
بواسطة نيو في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 13-09-2010, 12:44 PM
-
بواسطة نعيم الزايدي في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 12-04-2010, 02:44 PM
-
بواسطة weiaam في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 26-02-2009, 07:17 PM
-
بواسطة b-g في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 14
آخر مشاركة: 05-12-2006, 06:31 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات