النقطة الخامسة عشر: لو كان يهود المدينة فقط من قالوا عزير ابن الله فلم يقول القرآن ( قالت اليهود )؟ أليس فى التعميم ظلما لهم ؟
نقول ليس فيه أى ظلم لهم لأن القرآن الكريم أطلق لفظ اليهود و أراد به بعضهم و هو أسلوب معروف لغويا و هو ما فهمه المفسرون
و أنقل إليكم الرد التالى عن الدكتور أمير عبد الله :
1- رد اللغة : يجوز في اللغة أن يخرُج اللفظ على العمومِ ويُفيد الخصوص.
لفظ " اليهود" وإن كان خرج على العُموم ويظهر منه كأن جميعهم قالها إلا أنه يُراد به الخُصوص .. ليقين أن من قالها فِئة منهم كما بيّنّاهُ أعلاه ...
وفي اللُغة يخرُج الكلام بلُغة العموم وقد يُراد به الخُصوص, ومعنى قولِنا: عام يراد به الخصوص، أي أنه في ذاته لفظ عام لكن في معناه لا يشمل جميع الأفراد ..
وننقل من أقوال مُفسّرينا :
وظاهر قوله: " وَقَالَتْ الْيَهُود" أن هذه المقالة لجميعهم، و قيل: هَذَا لَفْظ خَرَجَ عَلَى الْعُمُوم وَمَعْنَاهُ الْخُصُوص, لِأَنَّ لَيْسَ كُلّ الْيَهُود قَالُوا ذَلِكَ . وَهَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى " " الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس"[1]. وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كُلّ النَّاس .[2]
القائل بهذا بعض اليهود ، وإنما نُسب ذلك إلى اليهود بناء على عادة العرب في إيقاع اسم الجماعة على الواحدِ.[3]
مِثالُه ان يقال :
فلانٌ ركبَ الخيولَ وجالسَ السَّلاطينَ ... ولعله لم يركب ولم يجالس إلا واحداً
2- رد اللغة : أل الجِنْسِيّة...
الإسم المُقترِن بِ (أل)...فالمُقترِن بأل يُفيد الخصوص, إن كان المقصِد هو (أل) الجِنسية , وعامة فإن الإسم المُعرّف بِ (أل) يُقسِّمُهُ النّحوِيُّون إلى ثلاثة أقسام [4] :
· مُعرف ب (أل) الجِنسِيّة[5] ... وهي تُفيد تعريف الجِنس.
· مُعرّف بِ (أل) العهْدِيّةِ[6] .. لِتعريف حِصة معهودة منه.
· مُعرّف ب (أل) الإستِغراقيّة[7] .. لتعريف شمول الجِنس كله.
وما يُعنينا هو (أل) الجِنسِيّة و(أل) الإستِغراقية :
(أل) الإستغراقية [8]وهي التي يُمكِن فيها الإستِعاضة عن (أل) بكلمة (كُل) مثل قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ.) فالإنسان : أي كُل إنسان ... فيُمكن أن نقول أن كل إنسان في خُسْر.
أما (أل) الجِنسِيّة : فلا يجوز الإستِعاضة عنها ب (كُل) , وإن استُعيض عنها ب(كُل) اضطرب المعنى..كما أن يلزمُها أن يكون الإسم إسم جِنس.
أمثِلة على ذلِك :
أ - مثل قول : الـرجل أصبر من المرأة ..
فالرجل اسم جِنس , و لا يجوز الإستعاضة بكل لأنه ليْسَ كل رجُل أصبر من المراة .. فهناك من الرجال من فاقهم صبر النساء..!!!, ولِذا فأل هنا جِنسية تُفيد الخُصوص.
ب - وكذلِك مِثل قولُك : مررت بحارة الـيهود...
اليهود اسم لِجِنس , ولا يُمكِن و لا يجوز الإستعاضة بكل وإلا لاضطرب المعنى , لأنه ليس كل يهود الدُنيا في حارتِنا وإنما أشخاص معينون أخصهم بجِنس اليهودية ... ولِذا فأل هنا جِنسية تُفيد الخُصوص.
ج - و لو قلت كذلك: الـناس مُتجمهِرة في شارِعِنا...
فالناس اسم جِنس , ولا يجوز الإستعاضة بكل وإلا صارت : كل الناس في الدنيا مُتجمهِرين في الشارع, ولكن أناس مُعينة أخصهم بالذكر, قد يكونوا أهل الشارِع أو أهل القرية أو أهل المدينة , ولكن ليس العالم كله ولِذا فأل هنا جِنسية تُفيد الخُصوص.
وهكذا عرفنا من عُلماء النحو أن هذا الأسلوب القرآني عربي سليم , لا غُبار عليه , وضربنا عدة أمثِلة ليستقيم الفهم , والقرآن الكريم هو أصل البلاغة والنحو العربي
ولِذا فإنه بِتطبيق القاعِدة , فإن اليهود في الآية اسم جِنس, وبإدراكِنا وإدراك العُلماء منذ القديم كما بيّناه أنه ليس كل يهود العالم قد قالها, فبالتالي يضطرب المعنى لو استُعيضت (ال) ب (كل), و بذلِك وبِتطبيق القاعدة النحوية تكون (أل) هنا هي (أل) الجِنسِيّة , والتي تُحدِّد جِنس الفِئة التي قالت أن عُزير ابن الله , فأخُص جِنسهُم بأنّهُم يهود.... ولِذا فأل هنا جِنسية تُفيد الخُصوص.
وهكذا نختِم هذا الدليل بأنه يصِح لُغوياً استِخدام أل التعريف بصيغة العموم والمقصِد هو التخصيص وتحديد الجِنس... بشروط :
1- أن تكون الكلمة دالة على الجِنس
2- أن ينتفي الإضطِراب
3- و أن تُفيد الخصوص .
3- رد اللغة : بالإسْتِدلال على القاعِدة بأقوالِ علماء اللغة...
" فألفاظ العموم يجمعها ستة أنواع: كل، وجميع وما ماثلها، والأسماء المبهمة مثل: ما ومن، والأسماء الموصولة: الذي والتي والذين اللائي، والأسماء المعرفة بـ "أل" الجنسية، وأسماء الجموع المضافة إلى معرفة.[10]
قال المؤلف[11]: "العام أقسام" يعني: أن اللفظ العام ينقسم من جهة أصله.. ينقسم في دلالته على جميع الأفراد إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: لفظ في أصله عام وقد بقي على دلالته اللغوية في كونه دالا على جميع الأفراد كقوله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }[12] فلا يصح لنا استثناء شيء من الأمهات ولا تخصيصه، ومن أمثلة ذلك قوله -سبحانه: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [13] العالمين جمع عام باق على عمومه { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[14] هذا باق على عمومه { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }[15] هذا باق على عمومه.[16]
النوع الثاني: عام يراد به الخصوص،وهو في ذاته لفظ عام لكن في معناه لا يشمل جميع الأفراد، ومن أمثلته قوله -سبحانه: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ }[17] فإن هذا في الأصل لفظ "الناس" لفظ عام لأنه اسم جنس معرف بـ "أل" الجنسية، لكنه هنا أريد به الخصوص، وقد قيل بأن القائل شخص واحد، ومن أمثلته قوله -سبحانه: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }[18] على أحد التفاسير فإنه قد فسر.[19]
وهكذا استدللنا على ما قالهُ العُلماءُ في الدليل الأول وهو ان الإسم المُعرّف بال الجِنسية يكون اسم عام ولكِنّهُ يُراد به الخصوص ... وضربنا الأمثِلة , وأتينا برأي العُلماء وبرأي اللُغة , ماذا بقي؟!!
بقي أن نرى دليلاً رابِعاً , سيُقرِّب الحقيقة من النصراني وهي الأدلة من الأناجيل نفسِها.
4- الرد مِنَ الإنْجيل : فقد جاء فيه ذكر اليهود مئات المرات مُعرّفاً ب(أل), ولا يقصِد بها كل اليهود:
أ- ولما أكمل أقواله كلها في مسامع الشعب دخل كفرناحوم,3وكان عبد لقائد مئة مريضا مشرفا على الموت وكان عزيزا عنده3 فلما سمع عن يسوع أرسل إليه شيوخ الـيهود يسأله أن يأتي ويشفي عبده.[20]
بالتأكيد ليس كُل شيوخ اليهود سيأتون ليسوع ... فشيوخ بعض اليهود في اليهودية ليسوا هم شيوخ يهود السامِرة ... وشيوخ يهود أورشاليم وحدها كافِ لِإضطِراب الإمبراطورية الرومانية , لو اجتمعوا عند يسوع يتوسطون لعبد قائِد المِئة..!!
إذاً فكلمة اليهود هنا في الإنْجيل لا تعني كُل اليهود , وإلا لكانت كلِمة غير دقيقة بالمرّة , ولا يوجد أي تبرير لها إلا التبرير العربي النحوي وهو أن (أل) هنا هي أل الجِنسيّة ... وتكون كلِمة اليهود لفظ جاء على صيغة العموم و يُفيد الخصوص..
لو راجعنا الكِتاب المُقدس لوجدنا كثيراً من هذه الفقرات ...التي توحي وكأن اليهود في أورشاليم هم اليهود جميعاً ..!!
ب- فسألهالـيهود: «أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟»[21]
ت- فاجاب الـيهود وقالوا له ايّة آية ترينا حتى تفعل هذا .[22]
ث- فقال الـيهود في ست واربعين سنة بني هذا الهيكل أفانت في ثلاثةايام تقيمه[23]
ج- فخاصم الـيهود بعضهم بعضا قائلين: «كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟»[24]
ونكتفي بهذه الفقرات .. والتي لو راجعنا الكِتاب المُقدس لوجدنا الكثير الكثير منها ... و التي توحي وكأن اليهود في أورشاليم هم يهود الدنيا جميعاً ..!! وهذا غير صحيح ... فيهود الشتات مثلاً أكْثر بكثير من يهود اورْشاليم , وهم أصل يهود الدنيا كُلِّها اليوم , و لا يعْرِفون شيْئاً عن المسيح عليه السلام ولا تاريخِه ..!! , بل إن ركّزنا على يهود فلسطين التي تُشير لهم الفقرة , لوجدنا أن الفقرة أصلاً لا تعني كذلِك كل يهود فلسطين .. وإنما طائِفة منهم وهم يهود الجليل وبيت لحم وأورشاليم , وليس يهود السامرة ... بل لم يكن كل يهود أورشاليم والجليل وبيت لحم وإنما كِبار القوم فقط ...!!!!
فهل يليق ان يُقال في الإنْجيل على بِضْعِ عشرات أنهم اليـهود؟!!!!
لا يجوز حسب ما سبق اعتِبار أن مئات اليهود في أورشاليم هؤلاءِ الذين سألوا يسوع عن الآية التي سيُريهم إياها بأنّهم هم اليهودُ كُلُهم والذين جاوزوا الملايين خارِج أورشاليم وحدها ... ولا يوجد عاقِل واحِد قد يزْعُم أن الملايين من يهود الشتات هم من أجابوه في نفس واحِد نفس الجُملة , أو أن الملايين في بابل والإسكندرية واليونان هم من استهزئوا به فقالوا : أن الهيكل بُني في 46 سنة أفأنت تُقيمه في ثلاثة أيام؟!! أو كيف يتخاصم كل اليهود مع كل اليهود ؟!!... هذا سُخْف ..!! ...
ولا يحل هذا السُّخْف في فهم النص الإنْجيلي إلا الإنْصياع والرضوخ الجبْري للقاعِدة اللغوية العربِيّة ... أن (أل) هنا هي (أل) الجِنْسِيّة التي تخرج اللفظة من العموم إلى الخصوص بجماعة معينة ...!!
________________________________________________
ملحوظة : المشاركة بالكامل منقولة من الدكتور أمير عبد الله فى منتدى حراس العقيدة
http://www.hurras.org/vb/showthread....ِر-مسيحي/page2
[1] آل عِمْرَان:173
[2] تفسير فتح القدير
[3] تفسير اللباب في علوم الكتاب
[4] شرح الأجرومية – حسن حِفني.
[5] وأل الجنسية إما تكون استغراقية أو حقيقية طبيعية...
[6] (أل) العهدية إما (أل) حضورية أو (أل) الذهنية أو (أل) الذِّكرية : فالحضورية كحضرت اليوم (وليس المقصود كل يوم وإنما اليوم المُعين الذي يتكلم فيه السائل). , وأما (أل) العهدية الذهنية مثل القول : حضر الطالِب , فهو طالب مُعيّن يتبادر إلى ذهن المتحدث والمستمع فكِلاهُما يعرِفانه , وأما الذّكرِيّة فقوله تعالى ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فِرْعونُ الرسول) فالرسول هنا هو نفسه الرسول المعهود الذي تم ذكره والحديث عنه في أول الآية بصيغة النكرة .
[7] (أل) الإستِغراقية هذه نوعان : (أل) الإستِغراقية المجازية و(أل) الإستِغراقية الحقيقية .. و هي التي يُمكِن الإستِعاضة عنها بكُل مثل قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ.) الإنسان : أي كُل إنسان .
[8] وهي نوعان إستِغراقية حقيقية (استغراقية جنسية) : وهي ما تستغرِق وتشمل جميع الأفراد وجميع الجِنس , مثل قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ.) فالإنسان : أي كُل إنسان . و (أل) الإستغراقية المجازية لإستغراق جميعِ خصائص الإسم: وهو ما يستغرِق الكُل مجازاً وليس له أفراد في الخارج ولكنك تطلقه على سبيل المبالغة مثل قولنا : أنت الرجُل عِلماً , فأنت مثل كل رجُل في العلم , أي تحمِل صِفات وخواص كل رجل في العلم .
[9] سعد بن ناصِر- شرح مقدمة في أصول التفسير للعلامة ابن قاسم 2/63.
[10] نفسُهُ
[11] يقصِد العلامة بن قاسِم.
[12] سورة النساء آية : 23.
[13] سورة الفاتحة آية : 2.
[14] سورة البقرة آية : 282.
[15] سورة النساء آية : 40.
[16] شرح مقدمة الأصول 2/63.
[17] سورة آل عمران آية : 173.
[18] سورة النساء آية : 54.
[19] شرح مقدمة الأصول 2/63.
[20] لوقا 7 : 1-3 .
[21] يوحنا 2: 18
[22] يوحنا 2: 18
[23] يوحنا 2: 20
[24] يوحنا 6: 52 .
المفضلات