لا حول ولا قوة الا بالله
المشكلة حبيب قلبي انك تقتطع من سياق الكلام الكلمة التي تريد وتناقش فيها ولا تأخذ الجمله ككل
انا لم اقل على كتاب الله او كلامه ما يسيء انما وصفت وضع الناس الذين يقرأون القرآن ولا يفهمونه
حبيب قلبي هداك الله من قال لك اني جعلت الله سبحانه مخلوق تعالى الله عما تقول .
بل هذا وصف اللآيات التي حالها مظلومه بين الناس لقلة الفهم وعدم التيقن من معناها الصحيح فكيف فهمت انت وجعلتني اصف الله بما لم اصفه تعالى سبحانه
ثم ان الرد الصحيح لا يستعمل الفاظا كما استعملتها ككلمة البي وغيرها
لقد قمت بكتابة الموضوع هذا بناء على طلب احد الإخوه اظنه الأخ طارق بارك الله فيه.
وسوف اوضح باختصار كيف ومن اين دخلت الإسرائيليات في كتب التفسير ان شاء الله.
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}فصلت:41-42
وقد صادف هذا البحث المفيد هوىً في نفسي ؛
لأني أعلم شدة حاجة المسلمين إلى مثل هذا البحث المبسط الذي يذب عن كتاب الله تعالى ما علق بتفسيره من الأباطيل والخرافات والأكاذيب التي كادت تطغى على التفسير الصحيح لكتاب الله تعالى وتخفى الكثير من جلاله ، وجماله ، وهدايته التي هي أقوم الهدايات : {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}(الإسراء :9) ، وعقائده التي هي أسمى العقائد وأحقها بالقبول ، وأليقها بالفطر البشرية ، وأقربها إلى العقول ، وأمسها القلوب ، وتظهر الإسلام أمام الباحثين ، ولا سيما في العصر الأخير : عصر تقدم العلوم الكونية ، والمعارف البشرية ، بمظهر الدين الذي يشتمل على الخرافات والترهات ؛ لأن كتابه الأكبر هو : القرآن الكريم ، وهذه هي : تفاسيره ، فيها كثير مما يخالف حقائق العلم ، وسنن الله الكونية!! ومؤلفوها هم من علماء الإسلام ، بل ومن كبارهم ، فهي صورة للإسلام ، ولتفكير المسلمين ، وذلك مثل : ما روي في بدء الخليقة ، وأسرار الوجود ، وتعليل بعض الظواهر الكونية ، مثل : الرعد ، والبرق ، والخسوف ، والكسوف ، وبرودة مياه الآبار في الصيف ، وحرارتها في الشتاء ،
وقد حمل كبر هذا الإثم [القساوسة] والمستشرقون ، فقد وجدوا في هذه الإسرائيليات والمختلقات ما يشبع هواهم ، ويرضي تعصبهم الممقوت ، ويشفي نفوسهم المريضة الحاقدة على الإسلام ونبيه ، والقرآن ؛ هذا الحقد والضغن الذي يعتبر امتدادا للحروب الصليبية التي شنوها على الإسلام والمسلمين ، والتي لا تزال إلى عصرنا هذا تتخذ أشكالا شتَّى ، ومظاهر متعددة.
والعجب من هؤلاء المبشرين ، والمستشرقين : أنهم في سبيل إرضاء صليبيتهم الموروثة ، والتي رضعوها في لبان أمهاتهم ، يصححون الموضوع والمختلق المنحول ، على حين نراهم يحكمون بوضع كثير من الأحاديث الصحيحة ، حتى ولو كانت في الصحيحين اللذين هما أصح الكتب البشرية على الإطلاق وذلك مثل : ما روي زورا وكذبا في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش ، وما روي في : قصة الغرانيق ، مما هو من صنع زنادقة اليهود والفرس ، وأضرابهم ، ونحو ذلك مما طبل له المستشرقون والمبشرون ، وزمروا ، وزادوا فيه ، وأعادوا.
ومما يؤسف له غاية الأسف أن بعض المتعلمنين والمثقفين الذين تثقفوا بثقافة غير إسلامية ، ولا سيما من صنعتهم أوروبا على عينيها ، وربتهم على يديها ، ويتسمون بأسماء المسلمين ، قد تابعوا سادتهم المستشرقين فيما زعموا وصاروا أبواقا لهم ، يرددون ما يقوله هؤلاء ؛ لأنهم ينظرون إليهم على أنهم قمم في العلم والمعرفة ، والشأن في المغلوب كما قال واضع أساس علم الاجتماع : العلامة ابن خلدون أن يقلد الغالب وتنماع شخصيته في شخصيته ، وبذلك ساعدوا على نفث هذه السموم بين المتعلمين من شباب المسلمين!!
يتبع,,,,,,
قتضينا منهج البحث التحليلي أن نبين معنى كلمة : "إسرائيليات,:
جمع إسرائيلية ، نسبة إلى بني إسرائيل, وإسرئيل هو : يعقوب عليه السلام أي عبد الله وبنو إسرائيل هم : أبناء يعقوب ، ومن تناسلوا منهم فيما بعد ، إلى عهد موسى ومن جاء بعده من الأنبياء ، حتى عهد عيسى عليه السلام وحتى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أكثر الله من خطابهم ببني إسرائيل في القرآن الكريم تذكيرا لهم بأبوة هذا النبي الصالح ، حتى يتأسوا به ، ويتخلقوا بأخلاقه ، ويتركوا ما كانوا عليه من نكران نعم الله عليهم وعلى آبائهم وما كانوا يتصفون به من الجحود ، والغدر ، واللؤم ، والخيانة وكذلك ذكرهم الله سبحانه باسم اليهود في غير ما آية ، وأشهر كتب اليهود هي : التوراة ، وقد ذكرها الله في قوله تعالى : {الم ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ ، مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَان}(آل عمران1-4),والمراد بها التوراة التي نزلت من عند الله قبل التحريف والتبديل ، أما التوراة المحرفة المبدلة ، فهي بمعزل عن كونها كلها هداية ، وكونها نورا ، ولا سيما بعد نزول القرآن الكريم ، الذي هو الشاهد والمهيمن على الكتب السماوية السابقة ، فما وافقه فهو حق ، وما خالفه فهو باطل..ومن كتبهم أيضا : الزبور وهو كتاب داود عليه السلام ، وأسفار الأنبياء ، الذين جاءوا بعد موسى عليه وعليهم السلام ، وتسمى التوراة وما اشتملت عليه من الأسفار الموسوية وغيرها "بالعهد القديم".وكان لليهود بجانب التوراة المكتوبة التلمود ، وهي التوراة الشفهية ، وهو مجموعة قواعد ووصايا وشرائع دينية وأدبية ، ومدنية وشروح ، وتفاسير ، وتعاليم ، وروايات كانت تتناقل وتدرس شفهيا من حين إلى آخر... وقد اتسع نطاق الدرس والتعليم فيه إلى درجة عظيمة جدا ، حتى صار من الصعب حفظه في الذاكرة ، ولأجل دوام المطالعة ، والمداولة ، وحفظا للأقوال والنصوص ، والآراء الأصلية المتعددة والترتيبات ، والعادات الحديثة ، وخوفا من نسيانها وفقدانها مع مرور الزمن ، وخصوصا وقت الاضطهادات ، والاضطرابات ، قد دونها الحاخامون بالكتابة سياجا للتوراة ، وقُبِلَت كسنة من سيدنا موسى عليه السلام.
ومن التوراة وشروحها ، والأسفار وما اشتملت عليه ، والتلمود وشروحة ، والأساطير والخرافات ، والأباطيل التي افتروها ، أو تناقلوها عن غيرهم : كانت معارف اليهود وثقافتهم ، وهذه كلها كانت المنابع الأصلية للإسرائيليات التي زخرت بها بعض كتب التفسير ، والتاريخ والقصص والمواعظ ، وهذه المنابع إن كان فيها حق ، ففيها باطل كثير ، وإن كان فيها صدق ، ففيها كذب صراح ، وإن كان فيها سمين ، ففيها غث كثير ، فمن ثم انجر ذلك إلى الإسرائيليات ، وقد يتوسع بعض الباحثين في الإسرائيليات ، فيجعلها شاملة لما كان من معارف اليهود ، وما كان من معارف النصارى التي تدور حول الأناجيل وشروحها ، والرسل وسيرهم ونحو ذلك ؛ وإنما سميت إسرائيليات لأن الغالب والكثير منها إنما هو من ثقافة بني إسرائيل ، أو من كتبهم ومعارفهم ، أو من أساطيرهم وأباطيلهم.
يتبــــــــــــــع.....
أن القرن الثالث الهجري ، لم ينفصل فيه التفسير عن الحديث كل الانفصال ، وأنه كانت فيه الطريقتان ، طريقة التأليف في التفسير كجزء من الحديث ، وطريقة التأليف فيه على سبيل الاستقلال. وليس أدل على ذلك ، من أن الإمام البخاري ذكر في ضمن كتابه : "الصحيح" كتاب التفسير نحو عشر الصحيح ، وألف في التفسير على سبيل الاستقلال كتابه : "التفسير الكبير"كما ألفه فيه ابن جرير الطبري على سبيل الاستقلال ، ثم جاء بعده ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والحاكم ، فألفوا في التفسير على سبيل الاستقلال.
حذف الأسانيد وغلبة الدخيل :
ثم ألف في التفسير بعد هذا خلائق كثيرون ، فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال من غير أن يعزوها إلى قائلها ، فمن ثم دخل الدخيل من ذي قبل ، والتبس الصحيح بالعليل ، وصار كل من يسنح له قول يورده ، ومن يخطر بباله شيء يعتمده ، ثم ينقل ذلك من يجيء بعده ظانًّا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ، ومن يرجع إليهم في التفسير ، وولع المفسرون بالإكثار من الأقوال حتى رأينا بعضهم ذكر في تفسير قوله تعالى : {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} عشرة أقوال ، مع أن تفسيرها باليهود ، والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وجميع الصحابة ، والتابعين ، وأتباعهم ، حتى قال ابن أبي حاتم : لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين.(الإتقان في علوم القرآن جـ 2 ص 190 ، مقدمة في أصول التفسير ص 33 ، 34.)
وقد كان حذف الأسانيد مما ساعد على شيوع القصص الإسرائيلي في كتب التفسير ، وعلى رواج الروايات الواهية ، والمختلقة المكذوبة ؛ لأن ذكر الأسانيد كثيرا ما يدل على موضع العلة ، ومكمن الداء ، ومن هو سبب البلاء.
تلون كتب التفاسير بثقافة مؤلفيها :
ثم ألفت بعد ذلك كتب يغلب عليها التأويل ، والتفسير الاجتهادي لعلماء برعوا في بعض العلوم ، وبرزوا فيها ، ومنهم : من هُم من أهل السنة والجماعة ، ومنهم : من هم من أهل الزيغ والابتداع ، فصار كل واحد منهم يميل بالتفسير إلى إبراز ما برع فيه ، فالنحوى ليس له هم إلا الإعراب وذكر الأوجه المحتملة في الآية ، ونقل قواعد النحو ومسائله وخلافياته كأن كتب التفسير مجان للتمرين النحوي ، واستذكار القواعد ، وذلك : كالزجاج ، والواحدي في البسيط ، وأبي حيان في البحر المحيط.
والإخباري ليس له هَمٌّ إلا ذكر القصص. واستيفاؤها عمن مضى من الأنبياء ، والأمم ، والملوك ، وذكر ما يتعلق بالفتن والملاحم وأحوال الآخرة ، ولا عليه بعد هذا إن كانت صحيحة ، أو باطلة ؛ لأنه لم يتحر الصدق ، ولم يبحث عن الرواة ، وكونهم ثقات أو غير ثقات ، وذلك كما فعل الثعلبي في تفسيره ، فقد حشاه بالكثير من القصص الإسرائيلي ، والروايات المكذوبة الموضوعة.
والفقيه : يكاد يسرد فيه مسائل الفقه جميعها ، وكثير ما يستطرد إلى إقامة الأدلة ، وبيان منشأ الخلاف إلى غير ذلك مما لا تعلق له بالآية والأدهى من ذلك أنه يفيض في أدلة مذهبه ، والميل بالآية إليه ، ومحاولة إضعاف مذهب غيره ، وذلك : كما فعل الإمام القرطبي في تفسيره ، فإن ما فيه من التفسير أقل مما فيه من الأحكام الفقهية ، ولا سيما على مذهب إمام دار الهجرة مالك رحمه الله تعالى.
وصاحب العلوم العقلية قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء ، والفلاسفة وشبههم ، والرد عليهم ، ويخرج من شيء إلى شيء ، ويستطرد ، ثم يستطرد حتى ينسى الإنسان أنه في كتاب تفسير ، ويخيل إليه أنه يقرأ كتابا من كتب الكلام ، والملل والنحل ، كما صنع الإمام الجليل : فخر الدين الرازي ، ولذلك : قال أبو حيان في : "البحر المحيط" : جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ، ولذلك قال بعض العلماء:(قيل : هو ابن عطية) "فيه كل شيء إلا التفسير".
تفسيرات المبتدعة والباطنية والملحدة :
وأصحاب المذاهب المبتدعة : كالشيعة ، والمعتزلة ، وأضرابهم. قد نحوا بالتفسير ناحية مذاهبهم ، وفي سبيل ذلك قد حرفوا بعض الآيات وخرجوا بها عن معانيها المرادة ، وعن قواعد اللغة ، وأصول الشريعة وصار الواحد منهم كلما لاحت له شاردة من بعيد اقتنصها ، أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال لإظهار بدعته وترجيح مذهبه سارع إليه ، ومن هذه التفاسير تفاسير جليلة خدمت القرآن خدمة جليلة ، وذلك كتفسير الكشاف للإمام الزمخشري ، ولولا ما فيه من آراء اعتزالية ، لكان أجل تفسير في بابه.
قال الإمام البلقيني : استخرجت من "الكشاف" اعتزالا بالمناقيش ، من قوله تعالى : {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} ، قال الزمخشري : "وأي فوز أعظم من دخول الجنة" ؟ أشار به إلى عدم رؤية الله في الآخرة ، الذي هو مذهبهم.
ويرجع الضعف والوضع في التفسير بالمأثور إلى أسباب أهمها :
1- ما دسه الزنادقة من اليهود والفرس والرومان وغيرهم في الرواية الإسلامية ، فقد دخل هؤلاء الإسلام وهم يضمرون له الشر والعداوة والكيد ، وتستروا بالإسلام ، بل بالغ بعضهم في التستر فتظاهر بحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما كانوا لا يمكنهم مواجهة سلطان الإسلام لا عن طريق الحرب والعداوة السافرة ، ولا عن طريق الحجة والبرهان ، فقد توصلوا إلى أغراضهم الدنيئة عن طريق الوضع ، والاختلاق ، والدس في المرويات الإسلامية على النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة ، والتابعين ، وكان للتفسير ولا ريب كفل من هذا ، وكان هذا الصنف من أخبث الوضاعين ، فقد وضعوا على النبي أحاديث يخالفها المحسوس ، أو يناقضها المعقول ، أو تشهد أذواق الحكماء بسخافتها ، وإسفافها ، مما لا يليق بالعقلاء.
2- الخلافات السياسية والمذهبية : فقد سولت هذه الخلافات لأرقاء الدين ، وضعفاء الإيمان أن يضعوا أحاديث تؤيد مذاهبهم ، وأحاديث في فضائل متبوعيهم ، وفي مثالب مخالفيهم ، وذلك : كما فعل الشيعة ، ولا سيما الروافض ، فقد وضعوا في فضل سيدنا علي وآله أحاديث كثيرة ، ونسبوا إليه كل علم وفضل ، وفيها ما يتعلق بتفسير بعض آيات القرآن ، وبأسباب النزول ، كما وضعوا أحاديث في ذم السادة : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وغيرهم.
وكذلك : فعل أنصار العباسين ، فقد وضعوا على ابن عباس روايات كثيرة ، ولا سيما في تفسير القرآن ، وصوروه بصورة العالم بكل شيء وقولوه ما لم يقل ، كما وضعوا أحاديث في مثالب الأمويين وذمهم ، وقابلهم أنصار الأمويين بالمثل ، فضلا عن أعقل العقلاء ، وإنما ينصبون بذلك المكيدة لضعفاء الأحلام ، وأرقاء الدين ، حتى يقعوا في ريبة فتتزلزل من نفوسهم عقيدة : أن الإسلام تنزيل من حكيم عليم.
3- القُصَّاص : فقد كانت هناك فئة تقص بالمساجد ، وتذكر الناس ، وترغبهم ، وترهبهم ، ولما كان هؤلاء ليسوا من أهل العلم بالحديث ، وكان غرضهم من ذكر القصص استمالة العوام ، فقد اختلقوا بعض القصص الباطل ، وروجوا البعض الآخر بذكرهم له ، وفي هذا الكثير من الإسرائيليات والخرافات والأباطيل ، وقد تلقفها الناس منهم ؛ لأن من طبيعة العوام الميل إلى العجائب والغرائب.
وقد حدثت بدعة القص في آخر عهد الفاروق : عمر رضي الله عنه ، وقد كان ملهما حقا ، حينما أبى أن يقص قاص في المسجد ، وفيما بعد صار حرفة ، ودخل فيه من لا خلاق له في العلم ، وقد ساعدهم على الاختلاق : أنهم لم يكونوا من أهل الحديث.
4- بعض الزهاد والمتصوفة : فقد استباح هؤلاء لأنفسهم وضع الأحاديث ، والقصص في الترغيب ، والترهيب ، ونحوهما ، وتأولوا في الحديث المتواتر المعروف :"من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" ، وقالوا : إنما تكذب للنبي ولا نكذب عليه
5- النقل عن أهل الكتاب الذين أسلموا ككعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وعبد الله بن سلام ، وتميم الداري وأمثالهم ، وقد حمل هؤلاء الكثير من المرويات المكذوبة ، والخرافات الباطلة ، الموجودة في التوراة وشروحها ، وكتبهم القديمة التي تلقوها عن أحبارهم ورهبانهم جيلا بعد جيل ، وخلفا عن سلف ، ولم تكن هذه الإسرائيليات والمرويات مما يتعلق بأصول الدين ، والحلال والحرام ، وهي التي جرى العلماء من الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم على التثبت منها ، والتحري عن رواتها ، وإنما كانت فيما يتعلق بالقصص ، وأخبار الأمم الماضية ، والملاحم، والفتن ، وبدء الخلق ، وأسرار الكون ، وأحوال يوم القيامة.
وقد تنبه إلى هذا بعض الأئمة القدامى ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، المتوفى سنة 728هـ ، في أثناء الكلام عن تفاسير الصحابة ، قال : "وهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، في تفسيره عن هذين الرجلين : ابن مسعود ، وابن عباس ، ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب ، التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : "بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، ولهذا كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين( الزاملة البعير الذي يحمل عليه -يعني حمل بعيرين.)من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث ، من الإذن في ذلك ، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد"( مقدمة في أصول التفسير ص 45) ، وقال أيضًا في رده على البكري ، منكرًا عليه استدلاله بالحديث الذي يرويه ، عن استشفاع آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم : هذا الحديث ، وأمثاله لا يُحتج به في إثبات حكم شرعي ، لم يسبقه أحد من الأئمة إليه..... فإن هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد حسن ، ولا صحيح ، بل ولا ضعيف يستأنس به ، ويعتضد به ، وإنما نقل هذا وأمثاله كما تنقل الإسرائيليات التي كانت في أهل الكتاب وتنقل عن مثل كعب ، ووهب ، وابن إسحاق ، ونحوهم ، من أخذ ذلك عن مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم كما روي : أن عبد الله بن عمرو وقعت له صحف يوم اليرموك من الإسرائيليات ، وكان يحدث منها بأشياء"(الرد على البكري ص 6.)
وقد وافق ابن تيمية على مقالته أحد تلاميذه ، وهو : الإمام الحافظ المفسر ابن كثير ، فذكر نحوا من ذلك في مقدمة تفسيره.
وقد جاء بعد ابن تيمية : الإمام العالم المؤرخ ، واضع أساس علم الاجتماع : عبد الرحمن بن خلدون ، المتوفى سنة 808 ، فأبان عن ذلك بأوفى وأتم في هذا في مقدمته المشهورة في أثناء الكلام عن علوم القرآن من التفسير والقراءات ، قال : "وصار التفسير على صنفين تفسير نقلي ، مسند إلى الآثار المنقولة عن السلف ، وهي : معرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ، ومقاصد الآي ، وكل ذلك لا يعرف إلا بالنقل عن الصحابة والتابعين ، وقد جمع المتقدمون في ذلك وأوعوا ، إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث ، والسمين ، والمقبول ، والمردود.والسبب في ذلك : أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ، ولا علم ، وإنما غلبت عليهم البداوة ، والأمية ، وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات ، وبدء الخليقة وأسرار الوجود ؛ فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ، ويستفيدون منهم ، وهم أهل التوراة من اليهود ، ومن تبع دينهم من النصارى ، وأهل الكتاب الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ، ومعظمهم من حمير ، الذين أخذوا بدين اليهودية ، فلما أسلموا بقوا علي ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان( أحداثه المشهورة) ، والملاحم ، وأمثال ذلك ، وهؤلاء مثل : كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وعبد الله بن سلام ، وأمثالهم ، فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم ، وفي أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم وليست مما يرجع إلى الأحكام ، فتتحرى فيها الصحة التي يجب بها العمل ويتساهل المفسرون في مثل ذلك ، وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات ، وأصلها -كما قلنا- عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك ، إلا أنهم بعُد صيتهم ، وعظمت أقدارهم لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة ، فتلقيت بالقبول من يومئذ"(مقدمة ابن خلدون : بحث التفسير ص 368 ط الأزهرية)
وفي كتب التفسير من هذه الإسرائيليات طامات وظلمات ، والكثير منها لم ينبِّه ناقلوه على أصله ، ولم يوقف على قائله ، فكانت مثارا للشك ، والطعن ، والتقول على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم.
خطورة رفع هذه الإسرائيليات إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
ولو أن هذه الإسرائيليات ولا سيما المكذوب والباطل منها وقف بها عند قائليها ، لكان الأمر محتملا بعض الشيء ، ولكن الشناعة وكبر الإثم : أن بعض الزنادقة ، والوضاعين وضعفاء الإيمان ، قد رفعوا هذه الإسرائيليات إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم ونسبوها إليه صراحة ، وهنا يكون الضرر الفاحش والجناية الكبرى على الإسلام والتجني الآثم على النبي صلى الله عليه وسلم 0 ؛ فإن نسبة الغلط ، أو الخطأ أو الكذب إلى الراوي أيا كان أهون بكثير من نسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن ما اشتملت عليه بعض الإسرائيليات من الخرافات ، والأباطيل ليصد أي إنسان -مهما بلغ من التسامح في هذا العصر الذي نعيش فيه -عن الدخول في الإسلام ، ويحمله على أن ينظر إليه نظرة الشك ، والارتياب.
ولهذا : ركز المبشرون والمستشرقون طعونهم في الإسلام ونبيه على مثل هذه الإسرائيليات والموضوعات ؛ لأنهم وجدوا فيها ما يسعفهم على ما نصبوا أنفسهم له من الطعن في الإسلام ، وإرضاء لصليبيتهم التي رضعوها في لبان أمهاتهم.
وهذه الأباطيل والخرافات مهما بلغ إسنادها من السلامة من الطعن فيه ، لا نشك في تبرئة ساحة النبي صلى الله عليه وسلم عنها : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
الموقوف من الإسرائيليات على الصحابة والتابعين :
ولو أن هذه الإسرائيليات جاءت مروية صراحة عن كعب الأحبار أو وهب بن منبه ، أو عبد الله بن سلام ، وأضرابهم ، لدلت بعزوها إليهم أنها مما حملوه ، وتلقوه عن كتبهم ورؤسائهم قبل إسلامهم ، ثم لم يزالوا يذكرونه بعد إسلامهم. وأنها ليست مما تلقوه عن النبي أو الصحابة ، ولكانت تشير بنسبتها إليهم إلى مصدرها ، ومن أين جاءت وأن الرواية الإسلامية بريئة منها.
ولكن بعض هذه الإسرائيليات بل الكثير منها جاء موقوفا على الصحابة ، ومنسوبا إليهم رضي الله عنهم فيظن من لا يعلم حقيقة الأمر ، ومن ليس من أهل العلم بالحديث أنها متلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها من الأمور التي لا مجال للرأي فيها ، فلها
حكم المرفوع إلى النبي ، وإن لم تكن مرفوعة واضحة.
لقد كان أئمة علم أصول الحديث ، والرواية ، أبعد نظرًا ، وآصل تفكيرًا ، وأوسع اطلاعًا ، وأدق في تقعيدهم لقواعد النقد في الرواية حينما قالوا : إن الموقوف على الصحابة يكون له حكم المرفوع إلى النبي بشرطين :
1- أن يكون مما لا مجال للرأي فيه.
2- أن لا يكون راويه معروفًا بالأخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا وبرواية الإسرائيليات ، ومن ثم : يجد الباحث الحصيف المنصف مخارج لهذه الروايات الموقوفة على الصحابة ، وهي في نفسها مكذوبة وباطلة فهي : إما إسرائيليات ، أخذها بعض الصحابة الذين رووها ، عن أهل الكتاب الذين أسلموا ؛ ورووها ليعلم ما فيها من الغرائب والعجائب ، ولم ينبهوا على كذبها وبطلانها اعتمادا على ظهور كذبها وبطلانها ، ولعلهم نبهوا إلى كذبها وعدم صحتها ، ولكن الرواة لم ينقلوا هذا عنهم ، وإما أن تكون مدسوسة على الصحابة ، وضعها عليهم الزنادقة ، والملحدون ، كي يظهروا الإسلام وحملته بهذا المظهر المنتقد المشين ، وأما ما يحتمل الصدق والكذب منها ، وليس فيه ما يصدم نقلًا صحيحًا ، أو عقلا سليمًا ، فذكروه لما فهموه من الإذن لهم في روايتها من قوله صلى الله عليه وسلم : "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" ، وهذا النوع أقل خطرًا من الأول ، إلا أنه لا فائدة تُذكَر من الاشتعال به ، بل كان حجابا لجمال القرآن ، وتفسيره الصحيح.
وكذلك جاء الكثير جدًّا من هذه الإسرائيليات عن التابعين ، واحتمال أخذها عن أهل الكتاب الذين أسلموا ، أكثر من احتمال أخذها عن الصحابة ، فمنشؤها في الحقيقة هو ما ذكر لك ، وهي : التوراة وشروحها ، والتلمود وحواشيه ، وما تلقوه عن أحبارهم ، ورؤسائهم الذين افتروا ، وحرفوا وبدلوا ، ورواتها الأول ، هم : كعب الأحبار ، ووهب بن منبه وأمثالهما ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم بريئون من هذا. ويجوز أن يكون بعضها مما ألصق بالتابعين ، ونسب إليهم زورا ولا سيما أن أسانيد معظمها لا تخلو من ضعيف أو مجهول ، أو متهم بالكذب ، أو الوضع ، أو معروف بالزندقة ، أو مغمور في دينه وعقيدته.
بعض الإسرائيليات قد يصح السند إليها :
ولعل قائلا يقول : أما ما ذكرت من احتمال أن تكون هذه الروايات الإسرائيلية مختلقة ، موضوعة على بعض الصحابة والتابعين ، فهو إنما يتجه في الروايات التي في سندها ضعيف أو مجهول ، أو وضاع ، أو متهم بالكذب ، أو سيء الحفظ ، يخلط بين المرويات ، ولا يميز ، أو نحو ذلك ، ولكن بعض هذه الروايات حكم عليها بعض حفاظ الحديث بأنها صحيحة السند أو حسنة السند ، أو إسنادها جيد ، أو ثابت ، ونحو ذلك ، فماذا تقول فيها ؟!
والجواب : أنه لا منافاة بين كونها صحيحة السند ، أو حسنة السند أو ثابتة السند ، وبين كونها من إسرائيليات بني إسرائيل ، وخرافاتهم ، وأكاذيبهم فهي صحيحة السند إلى ابن عباس ، أو عبد الله بن عمرو بن العاص ، أو إلى مجاهد ، أو عكرمة ، أو سعيد بن جبير وغيرهم ، ولكنها ليست متلقاة عن النبي ، لا بالذات ، ولا بالواسطة ولكنها متلقاة عن أهل الكتاب الذين أسلموا ، فثبوتها إلى من رويت عنه شيء ، وكونها مكذوبة في نفسها ، أو باطلة ، أو خرافة ، شيء آخر ، ومثل ذلك : الآراء والمذاهب الفاسدة اليوم ، فهي ثابتة عن أصحابها ، ومن آرائهم ولا شك ، ولكنها في نفسها فكرة باطلة ، أو مذهب فاسد.
وأحب أن أنبه هنا إلى حقيقة ، وهي : أنه ليس معنى أن هذه الإسرائيليات المكذوبات والباطلات مروية عن كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وعبد الله بن سلام ، وأمثالهم أنها من وضعهم ، واختلاقهم ، كما زعم ذلك بعض الناس اليوم ، وإنما معنى ذلك : أنهم هم الذين رووها ، ونقلوها لبعض الصحابة والتابعين من كتب أهل الكتاب ومعارفهم ، وليسوا هم الذين اختلقوها ، وإنما اختلقها ، وافتجرها أسلافهم القدماء.
أخبار بني إسرائيل ، وأقاويلهم على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما علمنا صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة ، والقرآن هو : الكتاب المهيمن ، والشاهد على الكتب السماوية قبله ، فما وافقه فهو : حق وصدق ، وما خالفه فهو : باطل وكذب ، قال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}المائدة : 48 ، 49.
وهذا القسم صحيح ، وفيما عندنا غنية عنه ، ولكن يجوز ذكره ، وروايته للاستشهاد به ، ولإقامة الحجة عليهم من كتبهم ، وذلك مثل : ما ذكر في صاحب موسى عليه السلام ، وأنه الخضر فقد ورد في الحديث الصحيح ، ومثل ما يتعلق بالبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبرسالته ، وأن التوحيد هو دين جميع الأنبياء ، مما غفلوا عن تحريفه ، أو حرفوه ، ولكن بقي شعاع منه يدل على الحق.
وفي هذا القسم ورد قوله : صلى الله عليه وسلم : "بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار" ، قال الحافظ في الفتح : أي : لا ضيق عليكم في الحديث عنهم ؛ لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم ، والنظر في كتبهم ، ثم حصل التوسع في ذلك ، وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية ، والقواعد الدينية ؛ خشية الفتنة ، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك ، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمنهم من الاعتبار
القسم الثاني : ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه ، وذلك مثل : ما ذكروه في قصص الأنبياء ، من أخبار تطعن في عصمة الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، كقصة يوسف ، وداود ، وسليمان ومثل : ما ذكروه في توراتهم : من أن الذبيح إسحاق ، لا إسماعيل ، فهذا لا تجوز روايته وذكره إلا مقترنا ببيان كذبه ، وأنه مما حرفوه ، وبدلوه ، قال تعالى : {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِه}.
وفي هذا القسم : ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة عن روايته ، والزجر عن أخذه عنهم ، وسؤالهم عنه ، قال الإمام مالك رحمه الله في حديث : "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" : المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن : أما ما عُلِم كذبه فلا(فتح الباري ج 6 ص388.)
ولعل هذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر المسلمين : كيف تسألون أهل الكتاب ، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث(أحدث : آخر الكتب السماوية نزولا من عند الله.) ، تقرءونه لم يشب(لم يخلط بغيره قط ، لأنه محفوظ من التبديل ، والزيادة) وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله ، وغيروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا : هو من عند الله ، ليشتروا به ثمنا قليلا ، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم"(صحيح البخاري كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء".).
القسم الثالث : ما هو مسكوت عنه ، لا من هذا ، ولا من ذاك ، فلا نؤمن به ، ولا نكذبه ، لاحتمال أن يكون حقا فنكذبه ، أو باطلا فنصدقه ، ويجوز حكايته لما تقدم من الإذن في الرواية عنهم. ولعل هذا القسم هو المراد بما رواه أبو هريرة ، قال : "كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تصدقوا أهل الكتاب ، ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله ، وما أنزل إلينا ، وما أنزل إليكم"(لمرجع السابق ، وكتاب التفسير سورة البقرة ، باب : {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}. والآية التي أشار إليها في سورة العنكبوت : 46.) ومع هذا : فالأولى عدم ذكره ، وأن لا نضيع الوقت في لاشتغال به ، وفي هذا المعنى : ورد حديث أخرجه الإمام أحمد ، وابن أبي شيبة والبزار ، من حديث جابر : أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه عليه ، فغضب ، قال : "لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق ، فتكذبوا به ، أو بباطل ، فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني" ورجاله موثقون ؛ إلا أن في مجالد -أحد رواته- ضعفًا ، وأخرج البزار أيضا من طريق عبد الله بن ثابت الأنصاري : أن عمر نسخ صحيفة من التوراة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" ، وفي سنده جابر الجعفي ؛ وهو ضعيف ، قال الحافظ في الفتح : واستعمله : "يعني البخاري" في الترجمة : يعني عنوان الباب ، لورود ما يشهد بصحته من الحديث الصحيح.
قال ابن بطال عن المهلب : "هذا النهي في سؤالهم عما لا نص فيه ؛ لأن شرعنا مكتفٍ بنفسه ، فإذا لم يوجد فيه نص ، ففي النظر والاستدلال غنىً عن سؤالهم ، ولا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا ، والأخبار عن الأمم السالفة يعني.(فتح الباري ج 13 ص 284 ، 285)
(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ال عمران :31
والفهم الخاطيء لهذه الآية يتمثل في زعم معين, أن ناسا يحبون الله ورسوله,وزعموا أنه حب باللسان أو هيام بالوجدان, أو شوق ونسيان أو فناء وسكران,فترى أناسا يزعمون هذا الحب وكل الذي عملوه أنهم هاموا على وجوههم وانطلقوا ينتقلون بين أضرحة الأولياء والصالحين ويحضرون موالدهم.
يزعم الواحد منهم محبة الله وهو لا يعرف لله حقا,ولا يؤدي لخ فرضا ولا نفلا.
ويزعم أنه يحب الرسول وهو لا يلتزم له بسنة.ولا يتمسك له بهدي.
بل ربما لا يؤدي أي طاعة بزعم أنه محب,وأنه وصل فسقط عنه التكليف.,,,ومع هذا كله يزعم أنه يحب الله ورسوله واولياءه الصالحين.
وكذب هذا الذي زعموه(مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا ) الكهف :5
فليس الحب زعما ولا ادعاء ولا كلاما, بل الحب في الاسلام مبني على الطاعة والاتباع, وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال:(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
ولهذا قال تعالى:(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ), أي :يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم. وهذا أعظم من الاأول,كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تحب, إنما الشأن أن تُحًب.
اذا طاعة الرسول من جنس طاعة الله كما قال تعالى:(مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) النساء:80
يتبع......
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات