السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(( الفكر الاسلامى ))
الفكر الإسلامي ليس هو الإسلام المثل بالمثل، بل هو ما أبدعته العقلية
الإسلامية في محاولتها
لإسقاط الإسلام على الواقع وتطبيقه، فهو بذلك محكوم بالأطر الزمانية والمكانية. فالفكر الإسلامي
هو اجتهاد عقلي في فهم النصوص قد يخطئ ويصيب فهو غير معصوم في ذلك كله، الفرق بين
الإسلام وبين الفكر الإسلامي هو الفرق بين ما ينسب إلى الله وما ينسب للإنسان، والعلاقة بينهما
هي علاقة بين طرفين أحدهما قام على الآخر واعتمد عليه، ولكن لا على أن يكون مطابقا له تمام
التطابق.
الفكر الإسلامي يبدو أنه سيتجه في فترة قريبة إلى نوع من
الانغلاق المؤخِّر، قسم منه سيصبح
منساقاً في نوع من الشطحات التبسيطية التجييشية أكثر من أي شيء آخر، هذا الخط الذي أظنه
أقرب لفترة، لكن انتكاسات أخرى ستحصل يبدو لي، ستجعله يقف أمام هذه النتائج السلبية موقفاً
نقدياً، ومهتم أن يراجع نفسه، لكن لا أظن أنه سيستطيع أن يتخلص من هذا الإنجذاب والاستقطاب
الذي يدفع إليه الآن هذا الجانب الوحيد الذي يبدو ممكناً الآن، الفكر الإسلامي سيمر بفترة انجذاب
نحو نوع العنف وردود الفعل والمركزية الثقافية واعتقاد أنه ينبغي أن يدافع عن نفسه لأنه
مستهدف.
(( مفكر اسلامى ))
يمكن أن نقول " مفكر مسلم " . . لكن . . مستحيل أن نقول "
مفكر إسلامى " . . فالإسلام ليس
نظريه بشريه حتى يفكر فيها البشر . . ليس مثل النظريه الشيوعيه . . أو النظريه الرأسماليه . .
وهى نظريات من إختراع البشر . . كارل ماركس . . آدم سميث . . و غيرهما . . الإسلام دين
سماوى قابل للتفسير و الإجتهاد . . و نسمى من يفعل ذلك " عالم ". . أو " مجتهد ". . أو "
مرجعيه ".و
لم يسم واحد من أئمة المذاهب الأربعه نفسه
مفكرا إسلاميا . . فكل منهم كان مثل النحل الذى
ذهب إلى الأزهار الطبيعيه و أمتص رحيقها و أفرز عسلا من الرحيق الإلهى . . فضاعف من حلاوة
النص. . و كشف عن أسراره و جواهره . . أما الذى يريد أن يخترع و يضيف من عنده بصفته
مفكرا ( إسلاميا ) فهو الذى يترك النحل يتغذى على ما هو غير طبيعى مثل السكر . . فيكون ما
يفرزه النحل من عسل ليس طبيعيا . . و ليس فيه شفاء للناس . . بل فيه ضرر لهم .
إن الإجتهاد فى النص لفهمه و تأكيده و تفسيره يسمى
مذهبا . . أما الإجتهاد فى النص للحياد عنه
أو لإلغاؤه أو لتعديله فيسمى فكرا . . فكل من الأئمه الأربعه إجتهد فى تفسير تعدد الزوجات مثلا . .
لكنه لم يلغه . . و إجتهد فى تفسير الميراث. . و سر أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين . . لكنه لم
يطالب بالمساواه فى الميراث بين الرجل و المرأه . . فى الحاله الأولى نحن أمام مذهب و فى الحاله
الثانيه نحن أمام فكر.و
من ثم لم يطلق احد على الإمام
مالك أو الإمام الشافعى أو الإمام أبو حنيفه أو والإمام أحمد بن
حنبل مفكرا إسلاميا . . فكل منهم لم يفكر فى تغيير نص . . بل راح يمتص رحيقه ليخرج عسلا . .
لم يسع أحدهم ليشوه نصا بدعوى أنه لم يعد يلائم العصر . . و الصحيح أنه لم يفهم النص ليعرف
كيف يلائم العصر .
"و ما كان لمؤمن و لا مؤمنه إذا قضى الله و رسوله أمرا أن
يكون لهم الخيرة من
أمرهم " و . . " فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى انفسهم حرجا
مما قضيت و يسلموا تسليما ". . و كلمة يحكموك تعنى اللجوء إلى النص . . اللجوء إلى المذهب
الذى يعكس النص . . و النص ضروره للإيمان . . و لا يمكن أن نجد فيه حرجا . . و لا يمكن إلا أن
نسلم به تسليما . . و لو فكرنا ووجدنا فى النص حرجا . . فإن الإيمان ينتفى تماما حتى لو حملنا
مليون لقب من ألقاب المفكر الإسلامى بل إن الرسول
نفسه
لا يجوز و لا يصح أن نسميه مفكرا . . فكلامه محفوظ بالوحى . . "
إن هو إلا وحى يوحى " . . و هو لا يأتى شيئا من عنده . . هو رسول . . لا يحق له اللعب فى
الرساله أو تغييرها . . و بالتالى لا يمكن أن نقول أنه " مفكر
إسلامى "
و لا يمكن أن نطلق
الصفه نفسها على الخلفاء الراشدين . . ومن باب أولى ألا نطلقها على من هم أدنى منهم مرتبه .
إن الفرق مثلا بين الإمام الشافعى و غيره ممن يسمون أنفسهم مفكرين إسلاميين هو أن الشافعى
أخذ النص و فهمه على مراد المشرع و صاحب النص و راح يجتهد فى تفسيره . . أما المفكر فهو
الذى يمسك بالنص و يقيمه و يقارنه فلو لم يعجبه راح يستخدم كل ما أوتى من ثقافه و خبره فى
تعديله أو تفسيره على هواه . .
: " قل أتعلمون الله بدينكم ". . إنه يجتهد فى
النص ليس لفهمه و إنما للخروج عليه . . أو ليضيف عليه . . فالدين لا يقبل الحذف و لا الإضافه
لأنه من عند الله . . يقول
: " قاتلوهم حتى لا تكون فتنه و يكون الدين كله لله " .
و المقياس الوحيد لسلامة المفكر ( و الأدق أن نسميه مفسرا
أو مجتهدا ) هو عدم
مخالفة النص . .
فلو خالف نصا فما يقوله بدعه . . و تخريف . . و تخريب
: " إن فى خلق السماوات و الأرض و إختلاف الليل و النهار
لآيات لأولى الألباب الذين
يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون فى خلق السماوات و الأرض ".
. إن النص
هنا يدعو إلى التفكير فى خلق السماوات و الأرض . . و التفكير هنا لا يضيف شيئا إلى هذا الخلق . .
و لا يختزل شيئا منه . . و لكن . . يستفاد من هذا الخلق فى البحث عما أودعه الله فى السماوات و
الأرض لمصلحة البشر .
إذن
القاعده أنه لا مفكرين فى الإسلام . . لأن الإسلام لا يقبل الحذف و
الإضافه . . و إنما يقبل أن
نأخذ منه ما نشاء . . كما نشاء . . و لو كان الإسلام يقبل الحذف و الإضافه لما كان هناك مجال
لقوله سبحانه و تعالى :" اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتى و رضيت لكم الإسلام
دينا ". . لقد قال " دينا " و لم يقل " فكرا"
إن الإسلام لا ينقصه شىء سوى تفسير حقيقى له . . : " ما
فرطنا فى الكتاب
من شىء " . . لكن . . غير الدين من نظريات و أفكار هو الذى ينقصه الكثير و يقبل التعديل و
التغيير فهو غير مقيد بنص إلهى أو محفوظ بوحى إلهى . . و من ثم يقبل الحذف و الإضافه .
لقد قال الوليد بن المغيره عندما سمع آيات من القرآن فى بادىء الأمر : إن له لحلاوه و أن عليه
لطلاوه و أن أعلاه لمثمر و أن أدناه لمغدق و ما هو بقول بشر و أنه يعلو و لا يعلى عليه . . فلما
قال له قومه صدقت أخذ يفكر و يفكر و يفكر و رجع عن قوله الذى قال . . و لذلك و
: " إنه فكر و قدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس و بسر ثم أدبر و أستكبر فقال
إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا قول البشر سأصليه صقر ".
هذ هو من يتصور نفسه مفكرا بغير نص و بغير حق . . و لا حول
و لا قوة إلا بالله .
المفضلات