-
18 الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها...
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سوره الرعد بقوله( عز من قائل): المر تلك ايات الكتاب والذي انزل اليك من ربك الحق ولكن اكثر الناس لايومنون. الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوي علي العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي يدبر الامر يفصل الايات لعلكم بلقاء ربكم توقنون
[الرعد:1 و2]
وفي هاتين الايتين الكريمتين يوكد ربنا( تبارك وتعالي) ان الوحي بالقران الكريم الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) هو الحق المطلق, المنزل من الله( تعالي), والذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وان كان اكثر الناس لايومنون به.
والايمان بالوحي من ركائز الايمان بالله, ودعائم الاسلام( اي التسليم له تعالي بالطاعه في العباده) لان الذي يومن بان الوحي هو كلام الله الخالق يسلم بمحتوي هذا الوحي من امور الغيب وضوابط السلوك من مثل قواعد العقيده, وتفاصيل العباده, ودستور الاخلاق وفقه المعاملات, ومايصاحب ذلك من قصص الامم السابقه( الذي جاء للعظه والاعتبار), وخطاب للنفس الانسانيه من خالقها وبارئها يهزها من الاعماق هزا, ويرقي بها الي معارج الله العليا...!! واول اسس العقيده الصحيحه هو التوحيد الخالص لله تعالي بغير شريك ولاشبيه ولامنازع, والايمان بما انزل من غيب[ الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله( بغير تفريق ولاتمييز), وبالقدر خيره وشره( بكل الرضي والتسليم), وبالبعث والحساب والجنه والنار, وبالخلود في حياه قادمه( بغير ادني شك او ريبه].
وهذا الايمان الصحيح يستتبع الخضوع الكامل لله( تعالي) بالعباده والطاعه, وحسن القيام بواجب الاستخلاف في الارض في غير استعلاء ولاتجبر, والسعي الحثيث لاقامه عدل الله( تعالي) فيها, وكل ذلك من صميم رساله الانسان في هذه الحياه, ومن ضرورات تحقيق النجاح فيها:
والقران الكريم الذي اوحاه ربنا( تبارك وتعالي) الي خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم), وتعهد بحفظه كلمه كلمه, وحرفا حرفا, فحفظ علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد, والي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها يستدل علي صفائه الرباني, وعلي وحدانيه الخالق العظيم, وطلاقه قدرته, وكمال علمه وحكمته باياته الكريمه ذاتها, ومالها من جمال, وكمال, وصدق, كما يستدل علي ذلك ايضا بعدد من ايات الله الكونيه الكبري وفي مقدمتها رفع السماوات بغير عمد يراها الناس...!!! وهو من الامور الظاهره للعيان, والشاهده علي ان للكون الها خالقا, قادرا, حكيما, عليما, ابدع هذا الكون بعلمه, وحكمته وقدرته, وهو قادر علي افنائه, وعلي اعاده خلقه من جديد.
وعلي الرغم من ذلك فان اكثر الناس غافلون عن كل هذه الحقائق, ومضيعون اعمارهم في شقاق, ونفاق, وعناد, من اجل الخروج علي منهج الله, واتباع الشهوات المحرمه, والمتع الخاطئه المدمره, والاستعلاء الكاذب في الارض, والولوغ في الظلم, وافساد الحياه..!!!
واغلب المنكرين لدين الله الحق الذي جاء به خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين) ينطلقون من غفلتهم هذه لينكروا البعث, والحساب, والجنه, والنار, والخلود في حياه قادمه انطلاقا من كفرهم بالله الخالق, وبملائكته, وكتبه, ورسله, ولايجدون في رفع السماء بغير عمد يرونها ايه من الايات الماديه الملموسه التي نشهد له( تعالي) بطلاقه القدره, وكمال الحكمه, ودقه التدبير..!!!
وتستمر الايات القرانيه في نفس السوره باستعراض عدد غير قليل من ايات الله في الكون لعلها توقظ اصحاب العقول الغافله, والضمائر الميته ان كانت لديهم بقيه من القدره علي التفكير السليم, او التعقل الراجح. فان اصروا علي كفرهم بالله, وانكارهم لرسالته الخاتمه, وماتضمنته من امور غيبيه, وفي مقدمتها قضيه البعث, فليس من جزاء لهم اقل من الخلود في النار, والاغلال في اعناقهم, امعانا في اذلالهم جزاء كفرهم وانكارهم لايات الله الخالق المقروءه في رسالته الخاتمه والمنظوره في كونه البديع..!!!
ورفع السماوات بغير عمد يراها الناس مع ضخامه ابعادها, وتعاظم اجرامها عددا وحجما وكتله, هو من اوضح الادله علي ان هذا الكون الشاسع الاتساع, الدقيق البناء, المحكم الحركه والمنضبط في كل امر من اموره لايمكن ان يكون نتاج المصادفه المحضه, او ان يكون قد اوجد نفسه بنفسه, بل لابد له من موجد عظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال والقدره مايغاير صفات خلقه قاطبه:
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
[الشوري:11]
من اجل ذلك يوكد القران الكريم حقيقه رفع السماوات بغير عمد يراها الناس, وابقاءها سقفا مرفوعا, وحفظها من الوقوع علي الارض ومن الزوال الا باذن الله, وذلك في عدد من ايات اخري من كتابه العزيز يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
[1] خلق السماوات بغير عمد ترونها..
(لقمان:10)
[2] وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن اياتها معرضون.
(الانبياء:32)
[3] ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه ان الله بالناس لرءوف رحيم
(الحج:65)
[4] ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره.
(الروم:25)
[5] ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا
(فاطر:41)
[6] والسقف المرفوع
(الطور:5)
[7] والسماء رفعها ووضع الميزان
( الرحمن:7)
[8] ءانتم اشد خلقا ام السماء بناها رفع سمكها فسواها
(النازعات:28,27)
[9] افلا ينظرون الي الابل كيف خلقت والي السماء كيف رفعت
( الغاشيه:18,17)
[10] والسماء ومابناها
(الشمس:5)
فكيف رفعت السماوات بغير عمد يراها الناس؟ وهل معني الايه الكريمه ان السماء لها عمد غير مرئيه ام ليس لها عمد علي الاطلاق؟ هذا ماسوف نفصله في السطور التاليه باذن الله( تعالي) وقبل الدخول في ذلك لابد لنا من شرح لفظ( عمد) في اللغه العربيه وفي القران الكريم.
لفظه( العمد) في اللغه العربيه
ثبات كواكب المجموعه الشمسيه بالتعادل بين قوه الجاذبيه والقوه الطارده المركزيه
يقال:( عمد) للشيء بمعني قصد له اي( تعمده), و(العمد) و(التعمد) هو قصد الشيء بالنيه وهو ضد كل من السهو والخطا, و(العمد) علي الشيء الاستناد اليه, ويقال:( عمد) الشيء( فانعمد) اي اقامه( بعماد)( يعتمد) عليه, و(عمدت) الشيء اذا اسندته, و(عمدت) الحائط مثله, و(العمود) ماتقام او تعتمد عليه الخيمه من خشب او نحوه ويعرف باسم( عمود البيت), وجمعه في القله( اعمده), وفي الكثره( عمد) بفتحتين و(عمد) بضمتين, و(عمود) القوم و(عميدهم) السيد الذي( يعمده) الناس, و(العمده) بالضم ما( يعتمد) عليه وجمعه( عمد), و(العماد) بالكسر ما( يعتمد) او هو الابنيه الرفيعه( تذكر وتونت) والواحده( عماده) ويقال:( اعتمد) علي الشيء بمعني اتكا عليه, و(اعتمد) عليه في كذا اتكل عليه, وفلان رفيع( العماد) اي هو رفيع عند الاعتماد عليه, ويقال: سطع( عمود) الصبح اي ابتدا طلوع نوره تشبيها( للعمود) والقلب( العميد) الذي يعمده الحزن, والجسد( العميد) الذي يعمده السقم, وقد( عمد) توجع من حزن او غضب او سقم, و(عمد) البعير توجع من عقر ظهره.
لفظه( العمد) في القران الكريم
وردت لفظه( عمد) في القران الكريم في ثلاثه مواضع علي النحو التالي:
[1] الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
(الرعد:2)
[2] خلق السماوات بغير عمد ترونها..
(لقمان:10)
[3] نار الله الموقده. التي تطلع علي الافئده. انها عليهم موصده. في عمد ممده
(الهمزه:6 9)
ووردت لفظه( عماد) في موضع واحد يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي):
الم تر كيف فعل ربك بعاد. ارم ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد.
(الفجر:6 8)
وجاء الفعل( تعمد) ومشتقاتها في كتاب الله الكريم في ثلاثه مواضع علي النحو التالي:
[1] وليس عليكم جناح فيما اخطاتم به ولكن ماتعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما
(الاحزاب:5)
[2] ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاوه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما
(النساء:93)
[3] ومن قتله منكم متعمدا..
(المائده:95)
اراء المفسرين
تعددت اراء المفسرين في شرح قوله( تعالي):
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها..( الرعد:2)
وقوله( عز من قائل):
خلق السماوات بغير عمد ترونها..
(لقمان:10)
فقال ابن كثير( يرحمه الله): السماء علي الارض مثل القبه, يعني بلا عمد, وهذا هو اللائق بالسياق, والظاهر من قوله تعالي( ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه) فعلي ذلك يكون قوله:( ترونها) تاكيدا لنفي ذلك, اي هي مرفوعه بغير عمد كما ترونها, وهذا هو الاكمل في القدره.
كذلك روي ابن كثير عن ابن عباس( رضي الله عنهما) وعن كل من مجاهد والحسن( عليهما رضوان الله) انهم قالوا: لها عمد ولكن لاتري, فتكون( ترونها) صفه( عمد) اي بغير عمد مرئيه( ابو بعمد غير مرئيه), واضاف ان هذا التاويل خلاف الظاهر المتبادر ولذلك ضعفه ابن كثير.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( يرحمهما الله): ان( العمد) جمع( عماد) وهو الاسطوانه[ اي ان العمد موجوده ولكنكم لاترونها], وهو صادق ان لا عمد اصلا.
وفي تعليقه علي هذا التفسير ذكر كنعان( امد الله في عمره): قوله: وهو صادق بان لاعمد لها اصلا هو اشاره الي الوجه الثاني علي القول بان( ترونها) صفه ل( عمد), والضمير عائد اليها والمعني: رفعها خاليه عن عمد مرئيه, وانتفاء العمد المرئيه يحتمل انتفاء الرويه فقط اي: لها عمد ولكنها غير مرئيه, ويحتمل انتفاء العمد والرويه جميعا اي: لاعمد اصلا كما ذكر الجلال السيوطي( يرحمه الله), وفي قول اخر:( ترونها) مستانفه, وضميرها يعود ل( السماوات), والمعني: رفعها بلا عمد اصلا وانتم ترونها كذلك..
وذكر محمد عبده( رحمه الله) في تفسير قوله( تعالي): والسماء ومابناها مانصه: السماء اسم لما علاك وارتفع فوق راسك وانت انما تتصور عند سماعك لفظ السماء هذا الكون الذي فوقك فيه الشمس والقمر وسائر الكواكب تجري في مجاريها, وتتحرك في مداراتها, هذا هو السماء. وقد بناه الله اي رفعه وجعل كل كوكب من الكواكب منه بمنزله لبنه من بناء سقف او قبه او جدران تحيط بك, وشد هذه الكواكب بعضها الي بعض برباط الجاذبيه العامه, كما تربط اجزاء البناء الواحد بما يوضع بينها مما تتماسك به.
وقال صاحب الظلال( يرحمه الله): والسماوات ايا كان مدلولها, وايا كان مايدركه الناس من لفظها في شتي العصور معروضه علي انظار, هائله ولاشك حين يخلو الناس الي تاملها لحظه, وهي هكذا لاتستند الي شيء, مرفوعه( بغير عمد) مكشوفه( ترونها).. ما من احد يقدر علي رفعها بلا عمد او حتي بعمد الا الله..
وذكر الغمراوي( يرحمه الله) واعجب معي من اعجاز الاسلوب والمعني معا في قوله تعالي:( بغير عمد ترونها) في كل من خلق السماء ورفعها. فلو قيل( بغير عمد) فحسب لكان ذلك نفيا مطلقا للعمد, مرئيه وغير مرئيه, والنفي المطلق يخالف الواقع الذي علم الله انه سيهدي اليه عباده بعد نحو الف وخمسين عاما من اختتام القران, فكان من الاعجاز المزدوج ان يقيد الله نفي العمد في الخلق والرفع بقوله( ترونها), والضمير المنصوب في( ترونها) يرجع اولا الي اقرب مذكور وهو( عمد) فيكون المعني: بغير عمد مرئيه, اي بعمد من شانها وفطرتها الا تري, والفعل المضارع في اللغه يشمل الحال والاستقبال او هو حال مستمر, لان القران مخاطب به الناس في كل عصر.
واذا اعيد الضمير الي السماء كان المعني: ان السماء ترونها مخلوقه مرفوعه بغير عمد, وتكون العمد مايعهده الناس في ابنيه الارض, ونفيها بهذا المعني عن السماء المرفوعه ايضا امر عجيب لايقدر عليه الا الله وكلا الوجهين مفهوم من التعبير القراني طبق اللغه, وان كان الاولي في اللغه هو الوجه الاول الذي يحوي الاعجاز العلمي, واذن فالوجهان كلاهما مرادان بالتعبير الكريم اذ لامانع من احدهما والزمخشري فهم المعنيين علي التخيير, وان اعطي الاولويه للمعني المستفاد من جعل( ترونها) صفه للعمد, اي بغير عمد مرئيه, يعني ان عمدها لاتري, وهي امساكها بقدرته.
اما الفخر الرازي فلم يرصد الا هذا المعني الثاني اذ يقول: انه رفع السماء بغير عمد ترونها, اي لاعمد في الحقيقه الا ان تلك العمد هي قدره الله تعالي وحفظه وتدبيره وابقاوه اياها في الحيز الحالي, وانهم( اي الناس) لايرون ذلك التدبير ولايعرفون كيفيه ذلك الامساك.
واضاف الغمراوي( يرحمه الله) وقد عرف علماء الفلك الحديث كيفيه ذلك عن طريق تلك السنه الكونيه العجيبه المذهله: سنه الجاذبيه العامه, التي قامت وتقوم بها السماوات والارض بامر الله كما قال سبحانه: ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره
(الروم:25)
وقد بقي من صور التعبير صوره, وهي ان يقال:( بعمد لاترونها) بدلا من( بغير عمد ترونها) في الايتين الكريمتين, وقد تجنبها القران لحكمه بالغه, فلو انها جاءت فيه هكذا لاتجهت الافكار باديء ذي بدء الي اثبات عمد في السماء او للسماء, كالتي يعرفونها فيما يعلون من بنيان, ولاثبت العلم بطلان ذلك, وان جاز علي اهل العصور قبل, وجل وعز وجه الله ان يلم خطا مابكتابه من قريب او بعيد.
وذكر الصابوني( امد الله في عمره) في تفسير قوله تعالي:
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
مانصه: اي خلقها مرتفعه البناء, قائمه بقدرته لاتستند علي شيء حال كونكم تشاهدونها وتنظرونها بغير دعائم, وذلك دليل علي وجود الخالق المبدع الحكيم
العمد غير المرئيه في العلوم الكونيه
تشير الدراسات الكونيه الي وجود قوي مستتره, في اللبنات الاوليه للماده وفي كل من الذرات والجزيئات وفي كافه اجرام السماء, تحكم بناء الكون وتمسك باطرافه الي ان يشاء الله تعالي فيدمره ويعيد خلق غيره من جديد.
ومن القوي التي تعرف عليها العلماء في كل من الارض والسماء اربع صور, يعتقد بانها اوجه متعدده لقوه عظمي واحده تسري في مختلف جنبات الكون لتربطه برباط وثيق والا لانفرط عقده وهذه القوي هي:
(1) القوه النوويه الشديده
وهي القوه التي تقوم بربط الجزيئات الاوليه للماده في داخل نواه الذره برباط متين من مثل البروتونات, والنيوترونات ولبناتهما الاوليه المسماه بالكواركات
(QUARKS)
بانواعها المختلفه واضدادها
((Anti-Quarks
كما تقوم بدمج والتحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي
(nuclearfusion)
التي تتم في داخل النجوم, كما تتم في العديد من التجارب المختبريه, وهي اشد انواع القوي الطبيعيه المعروفه لنا في الجزء المدرك من الكون ولذا تعرف باسم القوه الشديده ولكن هذه الشده البالغه في داخل نواه الذره تتضاءل عبر المسافات الاكبر ولذلك يكاد دورها يكون محصورا في داخل نوي الذرات, وبين تلك النوي ومثيلاتها, وهذه القوي تحمل علي جسيمات غير مرئيه تسمي باسم اللاحمه او جليون
(gluon)
لم تكتشف الا في اواخر السبعينيات من القرن العشرين, وفكره القنبله النوويه قائمه علي اطلاق هذه القوه التي تربط بين لبنات نواه الذره, وهذه القوه لازمه لبناء الكون لانها لو انعدمت لعاد الكون الي حالته الاولي لحظه الانفجار العظيم حين تحول الجرم الابتدائي الاولي الذي نشا عن انفجاره كل الكون الي سحابه من اللبنات الاوليه للماده التي لايربطها رابط, ومن ثم لايمكنها بناء اي من اجرام السماء.
(2) القوه النوويه الضعيفه:
وهي قوه ضعيفه وذات مدي ضعيف للغايه لا يتعدي حدود الذره وتساوي10 13 من شده القوه النوويه الشديده, وتقوم بتنظيم عمليه تفكك وتحلل بعض الجسيمات الاوليه للماده في داخل الذره كما يحدث في تحلل العناصر المشعه, وعلي ذلك فهي تتحكم في عمليه فناء العناصر حيث ان لكل عنصر اجلا مسمي, وتحمل هذه القوه علي جسيمات اما سالبه او عديمه الشحنه تسمي البوزونات
(bosons).
(3) القوه الكهربائيه المغناطيسيه( الكهرومغناطيسيه):
وهي القوه التي تربط الذرات بعضها ببعض في داخل جزيئات الماده مما يعطي للمواد المختلفه صفاتها الطبيعيه والكيميائيه, ولولا هذه القوه لكان الكون مليئا بذرات العناصر فقط ولما كانت هناك جزيئات او مركبات, ومن ثم ما كانت هناك حياه علي الاطلاق.
وهذه القوه هي التي تودي الي حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئه فوتونات الضوء او مايعرف باسم الكم الضوئي.
(PhotonsorphotonQuantum)
وتنطلق الفوتونات بسرعه الضوء لتوثر في جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربيه ومن ثم فهي توثر في جميع التفاعلات الكيميائيه وفي العديد من العمليات الفيزيائيه وتبلغ قوتها137/1 من القوه النوويه الشديده.
(4) قوه الجاذبيه:
وهي علي المدي القصير تعتبر اضعف القوي المعروفه لنا, وتساوي10 39 من القوه النوويه الشديده, ولكن علي المدي الطويل تصبح القوه العظمي في الكون, نظرا لطبيعتها التراكميه فتمسك بكافه اجرام السماء, وبمختلف تجمعاتها, ولولا هذا الرباط الحاكم الذي اودعه الله( تعالي) في الارض وفي اجرام السماء ما كانت الارض ولا كانت السماء ولو زال هذا الرباط لانفرط عقد الكون وانهارت مكوناته.
ولايزال اهل العلم يبحثون عن موجات الجاذبيه المنتشره في ارجاء الكون كله, منطلقه بسرعه الضوء دون ان تري, ويفترض وجود هذه القوه علي هيئه جسيمات خاصه في داخل الذره لم تكتشف بعد يطلق عليها اسم الجسيم الجاذب او( الجرافيتون)
(Graviton)
وعلي ذلك فان الجاذبيه هي اربطه الكون.
والجاذبيه مرتبطه بكتل الاجرام وبمواقعها بالنسبه لبعضها البعض, فكلما تقاربت اجرام السماء, وزادت كتلها, زادت قوي الجذب بينها, والعكس صحيح, ولذلك يبدو اثر الجاذبيه اوضح مايكون بين اجرام السماء التي يمسك الاكبر فيها بالاصغر بواسطه قوي الجاذبيه, ومع دوران الاجرام حول نفسها تنشا القوه الطارده( النابذه) المركزيه التي تدفع بالاجرام الصغيره بعيدا عن الاجرام الاكبر التي تجذبها حتي تتساوي القوتان المتضادتان: قوه الجذب الي الداخل, وقوه الطرد الي الخارج فتتحدد بذلك مدارات كافه اجرام السماء التي يسبح فيها كل جرم سماوي دون ادني تعارض او اصطدام.
هذه القوي الاربع هي الدعائم الخفيه التي يقوم عليها بناء السماوات والارض, وقد ادركها العلماء من خلال اثارها الظاهره والخفيه في كل اشياء الكون المدركه.
توحيد القوي المعروفه في الكون المدرك
كما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسيه في شكل قوه واحده هي القوه الكهرومغناطيسيه, يحاول العلماء جمع تلك القوه مع القوه النوويه الضعيفه باسم القوه الكهربائيه الضعيفه
(TheElectroweakForce)
حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحراره العليا التي بدا بها الكون, كذلك يحاول العلماء جمع القوه الكهربائيه الضعيفه والقوه النوويه الشديده في قوه واحده وذلك في عدد من النظريات التي تعرف باسم نظريات المجال الواحد او النظريات الموحده الكبر
يTheGrandUnifiedTheorie))
ثم جمع كل ذلك مع قوه الجاذبيه فيما يسمي باسم الجاذبيه العظمي
(Supergravity)
التي يعتقد العلماء بانها كانت القوه الوحيده السائده في درجات الحراره العليا عند بدء خلق الكون, ثم تمايزت الي القوي الاربع المعروفه لنا اليوم, والتي ينظر اليها علي انها اوجه اربعه لتلك القوه الكونيه الواحده التي تشهد لله الخالق بالوحدانيه المطلقه فوق جميع خلقه, فالكون يبدو كنسيج شديد التلاحم والترابط, ورباطه هذه القوه العظمي الواحده التي تنتشر في كافه ارجائه, وفي جميع مكوناته واجزائه وجزيئاته, وهذه القوه الواحده تظهر لنا في هيئه العديد من صور الطاقه, والطاقه هي الوحده الاساسيه في الكون, والماده مظهر من مظاهرها, وهي من غير الطاقه لا وجود لها, فالكون عباره عن الماده والطاقه ينتشران في كل من المكان والزمان بنسب وتركيزات متفاوته فينتج عنها ذلك النسيج المحكم المحبوك في كل جزئيه من جزئياته.
الجاذبيه العامه
من الثوابت العلميه ان الجاذبيه العامه هي سنه من سنن الله في الكون اودعها ربنا تبارك وتعالي كافه اجزاء الكون ليربط تلك الاجزاء بها, وينص قانون هذه السنه الكونيه بان قوه التجاذب بين اي كتلتين في الوجود تتناسب تناسبا طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما, وعكسيا مع مربع المسافه الفاصله بينهما, ومعني ذلك ان قوه الجاذبيه تزداد بازدياد كل من الكتلتين المتجاذبتين, وتنقص بنقصهما, بينما تزداد هذه القوه بنقص المسافه الفاصله بين الكتلتين, وتتناقص بتزايدها, ولما كان لاغلب اجرام السماء كتل مذهله في ضخامتها فان الجاذبيه العامه هي الرباط الحقيقي لتلك الكتل علي الرغم من ضخامه المسافات الفاصله بينها, وهذه القوه الخفيه( غير المرئيه) تمثل النسيج الحقيقي الذي يربط كافه اجزاء الكون كما هو الحال بين الارض والسماء وهي القوه الرافعه للسماوات باذن الله بغير عمد مرئيه.
وهي نفس القوه التي تحكم تكور الارض وتكور كافه اجرام السماء وتكور الكون كله, كما تحكم عمليه تخلق النجوم بتكدس اجزاء من الدخان الكوني علي بعضها البعض, بكتلات محسوبه بدقه فائقه, وتخلق كافه اجرام السماء الاخري, كما تحكم دوران الاجرام السماويه كل حول محوره, وتحكم جريه في مداره, بل في اكثر من مدار واحد له, وهذه المدارات العديده لاتصطدم فيها اجرام السماء رغم تداخلاتها وتعارضاتها الكثيره, ويبقي الجرم السماوي في مداره المحدد بتعادل دقيق بين كل من قوي الجذب الي الداخل بفعل الجاذبيه وبين قوي الطرد الي الخارج بفعل القوه الطارده( النابذه) المركزيه.
وقوه الجاذبيه العامه تعمل علي تحدب الكون اي تكوره وتجبر كافه صور الماده والطاقه علي التحرك في السماء في خطوط منحنيه( العروج), وتمسك بالاغلفه الغازيه والمائيه والحياتيه للارض, وتحدد سرعه الافلات من سطحها, وبتحديد تلك السرعه يمكن اطلاق كل من الصواريخ والاقمار الصناعيه.
والجاذبيه الكميه
(QuantumGravity)
تجمع كافه القوانين المتعلقه بالجاذبيه, مع الاخذ في الحسبان جميع التاثيرات الكميه علي اعتبار ان احداثيات الكون تتبع نموذجا مشابها للاحداثيات الارضيه, وان ابعاد الكون تتبع نموذجا مشابها للارض بابعادها الثلاثه بالاضافه الي كل من الزمان والمكان كبعد رابع.وعلي الرغم من كونها القوه السائده في الكون( باذن الله) فانها لاتزال سرا من اسرار الكون, وكل النظريات التي وضعت من اجل تفسيرها قد وقفت دون ذلك لعجزها عن تفسير كيفيه نشاه هذه القوه, وكيفيه عملها, وان كانت هناك فروض تنادي بان جاذبيه الارض ناتجه عن دورانها حول محورها, وان مجالها المغناطيسي ناتج عن دوران لب الارض السائل والذي يتكون اساسا من الحديد والنيكل المنصهرين حول لبها الصلب والذي له نفس التركيب الكيميائي تقريبا, وكذلك الحال بالنسبه لبقيه اجرام السماء.
موجات الجاذبيه
منذ العقدين الاولين من القرن العشرين تنادي العلماء بوجود موجات للجاذبيه من الاشعاع التجاذبي تسري في كافه اجزاء الكون, وذلك علي اساس انه بتحرك جسيمات مشحونه بالكهرباء مثل الاليكترونات والبروتونات الموجوده في ذرات العناصر والمركبات فان هذه الجسيمات تكون مصحوبه في حركتها باشعاعات من الموجات الكهرومغناطيسيه, وقياسا علي ذلك فان الجسيمات غير المشحونه( مثل النيوترونات) تكون مصحوبه في حركتها بموجات الجاذبيه, ويعكف علماء الفيزياء اليوم علي محاوله قياس تلك الامواج, والبحث عن حاملها من جسيمات اوليه في بناء الماده يحتمل وجوده في داخل ذرات العناصر والمركبات, واقترحوا له اسم الجاذب او الجرافيتون وتوقعوا انه يتحرك بسرعه الضوء, وانطلاقا من ذلك تصوروا ان موجات الجاذبيه تسبح في الكون لتربط كافه اجزائه برباط وثيق من نواه الذره الي المجره العظمي وتجمعاتها الي كل الكون, وان هذه الموجات التجاذبيه هي من السنن الاولي التي اودعها الله تعالي ماده الكون وكل المكان والزمان!!
وهنا تجب التفرقه بين قوه الجاذبيه
(TheGravitationalForce)
وموجات الجاذبيه
(TheGravitationalWaves),
فبينما الاولي تمثل قوه الجذب للماده الداخله في تركيب جسم ماحين تتبادل الجذب مع جسم اخر, فان الثانيه هي اثر لقوه الجاذبيه, وقد اشارت نظريه النسبيه العامه الي موجات الجاذبيه الكونيه علي انها رابط بين المكان والزمان علي هيئه موجات توثر في حقول الجاذبيه في الكون كما توثر علي الاجرام السماويه التي تقابلها وقد بذلت محاولات كثيره لاستكشاف موجات الجاذبيه القادمه الينا من خارج مجموعتنا الشمسيه ولكنها لم تكلل بعد بالنجاح.
والجاذبيه وموجاتها التي قامت بها السماوات والارض منذ بدء خلقهما, ستكون سببا في هدم هذا البناء عندما ياذن الله( تعالي) بتوقف عمليه توسع الكون فتبدا الجاذبيه وموجاتها في العمل علي انكماش الكون واعاده جمع كافه مكوناته علي هيئه جرم واحد شبيه بالجرم الابتدائي الذي بدا به خلق الكون وسبحان القائل:
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين
(الانبياء:104)
نظريه الخيوط العظمي وتماسك الكون
في محاوله لجمع القوي الاربع المعروفه في الكون( القوه النوويه الشديده والقوه النوويه الضعيفه, والقوه الكهرومغناطيسيه, وقوه الجاذبيه) في صوره واحده للقوه اقترح علماء الفيزياء مايعرف باسم نظريه الخيوط العظمي
(TheTheoryOfSuperstrings)
والتي تفترض ان الوحدات البانيه للبنات الاوليه للماده من مثل الكواركات والفوتونات, والاليكترونات وغيرها) تتكون من خيوط طوليه في حدود10 35 من المتر, تلتف حول ذواتها علي هيئه الزنبرك المتناهي في ضاله الحجم, فتبدو كما لو كانت نقاطا او جسيمات, وهي ليست كذلك, وتفيد النظريه في التغلب علي الصعوبات التي تواجهها الدراسات النظريه في التعامل مع مثل تلك الابعاد شديده التضاول حيث تتضح الحاجه الي فيزياء كميه غير موجوده حاليا, ويمكن تمثيل حركه الجسيمات في هذه الحاله بموجات تتحرك بطول الخيط, كذلك يمكن تمثيل انشطار تلك الجسيمات واندماجها مع بعضها البعض بانقسام تلك الخيوط والتحامها.
وتقترح النظريه وجود ماده خفيه
(ShadowMatter)
يمكنها ان تتعامل مع الماده العاديه عبر الجاذبيه لتجعل من كل شيء في الكون( من نواه الذره الي المجره العظمي وتجمعاتها المختلفه الي كل السماء) بناء شديد الاحكام, قوي الترابط, وقد تكون هذه الماده الخفيه هي مايسمي باسم الماده الداكنه
(DarkMatter)
والتي يمكن ان تعوض الكتل الناقصه في حسابات الجزء المدرك من الكون, وقد تكون من القوي الرابطه له.
وتفسر النظريه جميع العلاقات المعروفه بين اللبنات الاوليه للماده, وبين كافه القوي المعروفه في الجزء المدرك من الكون.
وتفترض النظريه ان اللبنات الاوليه للماده ماهي الا طرق مختلفه لتذبذب تلك الخيوط العظمي في كون ذي احد عشربعدا, ومن ثم واذا كانت النظريه النسبيه قد تحدثت عن كون منحن, منحنيه فيه الابعاد المكانيه الثلاثه( الطول, العرض, والارتفاع) في بعد رابع هو الزمن, فان نظريه الخيوط العظمي تتعامل مع كون ذي احد عشر بعدا منها سبعه ابعاد مطويه علي هيئه لفائف الخيوط العظمي التي لم يتمكن العلماء بعد من ادراكها وسبحان القائل: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
والله قد انزل هذه الحقيقه الكونيه علي خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) من قبل اربعه عشر قرنا, ولا يمكن لعاقل ان ينسبها الي مصدر غير الله الخالق.
-
19 افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج؟!
ردا علي منكري البعث يعرض القران الكريم في مطلع سوره ق لعدد من الادله المنطقيه المثبته لكمال القدره الالهيه المبدعه, والشاهده علي احاطه علم الله تعالي بكل صغيره وكبيره في الكون, والناطقه بعظيم حكمته في خلقه وفيما انزل من علم, والموكده ان الله تعالي الذي خلق هذا الكون بكل ما فيه ومن فيه علي غير مثال سابق هو القادر علي افنائه وعلي اعاده خلقه من جديد, وذلك لان قضيه البعث كانت دوما حجه الكافرين والملحدين والمتشككين...!!!.
ومن اول هذه الادله احكام بناء السماء, ورفعها بغير عمد مرئيه, وتزيينها بالكواكب والنجوم والبروج وغير ذلك من اجرام السماء, وسلامتها من كل نقص يمكن ان يعيبها في شيء, ومن كل خلل يمكن ان ينتابها حتي ياتي امر الله بتدميرها فيفنيها ويعيد ابدالها وابدال الارض بغيرهما من جديد..!!!.
والاستشهاد بالسماء وببنائها وزينتها وبسلامتها من كل عيب ونقص وخلل منطلق من حقيقه ان السماء هي احدي صفحات الكون المفتوحه امام كل ذي بصر وبصيره, الناطقه بطلاقه القدره الالهيه المبدعه, والصارخه في كل غافل عن الحق, وكل منكر للخلق, وكل جاحد للبعث, وكل متنكر لله الخالق او مشرك به( تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا) ان انظر الي السماء وما حوت من اجرام, ومن مختلف صور الماده والطاقه, في سعه من المكان, وتقادم في الزمان, وترابط واحكام, وحركه وانتظام, دون توقف او اصطدام, وارتفاعات مذهله بغير عمد مرئيه, وجمال وزينه, وتكامل واتساق, لا تشوبه شائبه, ولا يعتريه ادني قدر من الخلل او النقص الذي يعيب الكمال من مثل التصدع او الانفراج او التشقق, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي):
ق والقران المجيد* بل عجبوا ان جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب* ائذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد* قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ* بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر مريج* افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج**
( ق:1 6)
ووصف السماء بتمام البناء, وجمال الزينه, والتكامل والاتساق الذي لا تشوبه شائبه جاء في عدد غير قليل من ايات القران الكريم من مثل قول الحق( تبارك وتعالي):
الذي خلق سبع سماوات طباقا ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور* ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير*( الملك:4,3)
وهنا يبرز التساول عن بناء السماء, وعن زينتها, وعن كمالها واتساقها وعدم وجود( فروج) فيها بمعني ادني قدر من الشقوق, او التصدعات في بنائها, وقبل الاجابه عن ذلك لابد من التعرض لمدلول الالفاظ, بناء, وزينه, وفروج في كل من اللغه العربيه والقران الكريم وهذا ما سوف نتناوله في السطور التاليه:
المدلول اللغوي لالفاظ الايه الكريمه
ا & ب : محاكاه بالحاسب الالي لبناء التجمعات المجريه تشير الي وجود الاربطه الكونيه بين مناطق مظلمه
ج & د : رسومات تخطيطيه لاربع شرائح من سور المجرات العظيم وتبدو فيها المجرات والمناطق المظلمه العملاقه الفاصله بينها
يقال في اللغه العربيه:( بني),( يبني),( بناء) او دارا بمعني شاد بيتا, والبناء اسم لما يبني بناء, ومن مرادفات( البناء):( البنيه) و(البنيا) و(البني) بضم الباء, و(البني) و(البنيه) بكسرها, وكذلك( البنيان) وهو واحد لا جمع له, وقيل هو جمع( بنيانه) وهذا النوع من الجمع يصح تذكيره وتانيثه.
ويقال:( بني) الرجل بعروسه بمعني زف اليها, وكل داخل باهله( بان) وهذا من قبيل الاستعاره.
اما عن الفعل( زين) فيقال( زين) الشيء( يزينه)( تزيينا) بمعني جمله ورتبه بالقول او بالفعل او بهما معا, وعلي ذلك فكل من الحجام والحلاق( مزين), كذلك يقال( زان) الشيء( يزينه)( زينه) بمعني اضفي عليه من نفسه او فعله شيئا من الجمال, ويقال:(تزين) و(ازدان)اي تجمل( ازينت) الارض و( ازينت)[ واصله( تزينت) فادغم] اذا اكتست بشيء من الخضره, و(تزيين) الله للاشياء ابداعه لها بزينه وايجادها كذلك, و(تزيين) الناس للشيء بتزويقهم اياه بفعلهم( اي باضافه شيء جميل اليه) او بقولهم وهو ان يمدحوه, ويذكروه بما يرفع من قدره ويغري الناس به.
و(الزينه) ما( يتزين) به او ما( يزين) الانسان او الشيء, اي ما يجمله ولا يشينه في شيء من احواله, و(يوم الزينه) هو يوم العيد, و(الزين) عموماهو ضد الشين.
اما عن( فروج السماء) فهي جمع( فرج) بفتح ثم سكون, و(الفرجات) جمع( فرجه). وهو الشق بين الشيئين كفرجه الحائط وما اشبهه, ويقال في اللغه( فرج) من الغم او من الهم( فرجه) و(فرجا) اي خرج منه, و(الفرج) هو انكشاف الهم والغم, ولذلك يقال:( فرج) الله غمه( وفرجه)( تفريجا) اي ازاله عنه, و(الانفراج) السعه الماديه او المعنويه بعد ضيق, او الاتساع بالشق او الفتق في شيء متماسك ومتصل, وللفظه دلالات اخري عديده تخرج عن نطاق المقصود في الايه الكريمه التي نحن بصددها.
المدلول القراني لالفاظ الايه الكريمه
جاءت ماده( بني) بمختلف مشتقاتها في القران الكريم في اثنين وعشرين موضعا, منها سبع مرات متعلقه ببناء السماء, وخمس عشره مره متعلقه بالبنيان علي الارض, وفي كل الحالات خصت السماء بالوصف( بناء) وخص تشييد الانسان علي الارض بالوصف( بنيان), وهذا امر له دلالته العميقه في الاشاره الي الفرق بين صنع الله وصنع الانسان في القضيه الواحده.
وجاء الفعل( زين) بمختلف مشتقاته في القران الكريم ستا واربعين مره منها ست مرات متعلقه بالسماء, واربعون مره متعلقه بزينه الناس( افرادا وجماعات) او بمناسباتهم المبهجه من مثل الاعياد, او بزينه الارض حينما تكسوها الخضره, او بتزيين الله تعالي العمل للامم( افرادا وجماعات) او بمعني تزيين الشيطان للمعاصي واعمال السوء في انظار بعض الناس.
وقد سبق الحديث عن كل من بناء السماء وزينتها في عدد من المقالات السابقه, ولا اري داعيا لتكرار ذلك هنا, وعليه فان هدف هذا المقال يتركز حول اثبات تماسك السماء ونفي كل صوره من صور الخلل او الاضطراب فيها والتي عبر عنها القران الكريم بقول الحق( تبارك وتعالي): و(ما لها من فروج).
وجاء الفعل( فرج) بمشتقاته في القران الكريم تسع مرات, منها اثنتان متعلقتان بالسماء والباقي بمعني صون العرض, والايتان المتعلقتان بالسماء جاء فيهما قول الحق تبارك وتعالي: افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج( ق:6)
بمعني ان مالها من شقوق او فتوق.
و واذا السماء فرجت( المرسلات:9) بمعني انشقت. والمعني في الحالتين يشير الي سلامه السماء في الدنيا من العيوب وانشقاقها في الاخره.
اراء المفسرين
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ان الله تعالي يقول منبها للعباد علي قدرته العظيمه التي اظهر بها ما هو اعظم مما تعجبون منه مستبعدين وقوعه:( افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها) اي بالمصابيح,( وما لها من فروج) قال مجاهد: يعني من شقوق; وقال غيره: فتوق; وقال غيره: صدوع; والمعني متقارب, لقوله تبارك وتعالي: ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( يرحمهما الله): افلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم حين انكروا البعث( الي السماء) كائنه فوقهم( كيف بنيناها) بلا عمد( وزيناها) بالكواكب ومالها من فروج شقوق تعيبها.
وذكر مخلوف( يرحمه الله): افلم ينظروا.. شروع في بيان بعض ادله القدره التامه علي البعث, ردا لاستبعادهم اياه, وهو سبعه ادله; اي اغفلوا او عموا فلم ينظروا حين انكروا البعث الي السماء فوقهم كيف احكمنا بناءها, ورفعناها بغير عمد, وزيناها بالكواكب,( ومالها من فروج) شقوق وفتوق وصدوع, جمع فرج وهو الشق بين الشيئين, والمراد سلامتها من كل عيب وخلل.
ويذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): ان هذه السماء صفحه من كتاب الكون تنطق بالحق الذي فارقوه, افلم ينظروا الي ما فيها من تشامخ وثبات واستقرار؟ والي ما فيها بعد ذلك من زينه وجمال, وبراءه من الخلل والاضطراب!!! ان الثبات والكمال والجمال هي صفه السماء التي تتناسق مع السياق هنا, مع الحق وما فيه من ثبات وكمال وجمال, ومن ثم تجيء صفه البناء وصفه الزينه وصفه الخلو من الثقوب والفروج.
ويقول الصابوني( امد الله في عمره): ثم ذكر الله تعالي دلائل القدره والوحدانيه الداله علي عظمه رب العالمين فقال: افلم ينظروا الي السماء فوقهم) اي افلم ينظروا نظر تفكر واعتبار الي السماء في ارتفاعها واحكامها, فيعلموا ان القادر علي ايجادها قادر علي اعاده الانسان بعد موته!!!( كيف بنيناها وزيناها) اي كيف رفعناها بلا عمد, وزيناها بالنجوم,( وما لها من فروج) اي ما لها من شقوق وصدوع.
وقد اجمع المفسرون الذين تعرضوا لشرح هذه الايه الكريمه علي اعتبار الحرف( ما) في قول الحق( تبارك وتعالي),( وما لها من فروج) انه حرف نفي اي ان السماء خاليه من الفروج التي قد تنبيء بخلل ما في بنائها وذلك لان انفراج السماء وانفطارها وانشقاقها من علامات الاخره لقول الحق تبارك وتعالي:
واذا السماء فرجت( المرسلات:9).
يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكه تنزيلا( الفرقان:25).
فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين( الدخان:10.
فاذا انشقت السماء فكانت ورده كالدهان( الرحمن:37)
يوم تمور السماء مورا( الطور:9)
وانشقت السماء فهي يومئذ واهيه( الحاقه:16)
يوم تكون السماء كالمهل( المعارج:8)
السماء منفطر به كان وعده مفعولا( المزمل:18)
وفتحت السماء فكانت ابوابا
( النبا:19)
واذا السماء كشطت( التكوير:11)
اذا السماء انفطرت( الانفطار:1)
اذا السماء انشقت( الانشقاق:1)
وهذه الايات كلها تشير الي الاخره, وتصور القيامه واهوالها وشيئا من مشاهدها المرعبه, واحداثها العظام, وتوكد سلامه سماء الدنيا من كل هذه الاوصاف.
هل يمكن للايه الكريمه ان تحمل
معني وجود فروج في السماء؟
اجمع المفسرون كما سبق وان اشرنا علي ان الحرف( ما) في قول الحق( تبارك وتعالي)( وما لها من فروج) هو حرف نفي ينفي وجود فروج بالسماء تنبيء بضعف او خلل في بنائها, ولكن انطلاقا من وجود مناطق مظلمه اظلاما تاما في السماء الدنيا نظرا لخلوها من النجوم وتجمعاتها سماها علماء الفلك مجازا بالفراغات او الفجوات نسبه الي خلوها من الاجرام المضيئه اندفع نفر قليل من علماء المسلمين الي الاقتراح بان( ما) في هذه الايه الكريمه قد تكون اسما موصولا بمعني( الذي) وليست( ما) النافيه, وذلك في محاوله لاثبات وجود فروج في السماء, وتصوروا ان هذا الاستنتاج يجعل الايه كلها تقرا في الصيغه التعجبيه الاستفهاميه التي بدات بها الايه بمعني: افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها؟ وافلم ينظروا ما للسماء من فروج؟.
وهذا الاستنتاج مخالف لنصوص القران الكريم التي تجمع علي غير ذلك, وعلي ان انفراج السماء وانفطارها وانشقاقها هو من علامات الاخره, ولا وجود لها, في سماء الدنيا كما سبق ان اشرنا; ليس هذا فقط بل ان الدراسات الفلكيه والفيزيائيه تنفي امكانيه وجود فراغات في الجزء المدرك من الكون وذلك للاسباب التاليه:
اولا: المناطق المظلمه من الكون
المدرك لا تعني وجود فراغات فيه
في اواخر السبعينيات واوائل الثمانينيات من القرن العشرين قام عدد من الفلكيين بعمليه مسح للجزء المدرك من السماء لعمل خرائط جديده له ثلاثيه الابعاد, وفي اثناء ذلك لاحظوا وجود العديد من المناطق المظلمه التي لا تحتوي نجوما مضيئه بين المجرات, وسموها مجازا( بالفجوات) او( الفقاعات) وانطلقوا من ذلك الي الاستنتاج بان الكون المدرك يشبه قطعه الاسفنج المليئه بالفجوات, وتمثل المجرات فيها خيوط الاسفنج المنسوجه باحكام حول تلك الفجوات, واعتبروا تلك الفجوات خيوطا كونيه عملاقه سموها باسم
ولما كانت فجوات الاسفنج ليست فراغا لامتلائها بالهواء او بالماء, فان المناطق المظلمه بالكون المدرك ليست فراغا لامتلائها بالدخان الكوني, وبمختلف صور الاشعه الكونيه, بل قد يكون فيها من صور الماده والاجرام الخفيه ما يفوق كتل المجرات المحيطه بها مجتمعه, ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين ان هذه المناطق المظلمه تتكون اساسا من المواد الداكنه البارده.
التي تمثل الكتله المفقوده
في الكون المدرك, وقد تحتوي علي اعداد من النجوم الخانسه ذات الكثافات الفائقه والمعروفه باسم الثقوب السود, وان هذه الماده الداكنه الخفيه والنجوم الخانسه التي امكن ادراكها بطرق غير مباشره, امكن حساب كتلتها بمايزيد علي تسعين بالمئه من كتله الجزء المدرك من الكون.
ففي سنه1981 م اكتشف عدد من الفلكيين تلك المناطق المظلمه من الكون المدرك في كوكبه العواء او كوكبه راعي الشتاء التي تقع في نصف الكره الشمالي, وظنوها فراغات هائله او فقاعات عظيمه, ثم تبين لهم بعد ذلك ان امثال تلك المناطق المظلمه منتشره في مختلف ارجاء الكون المنظور, وحتي في داخل مجرتنا, وانها من اساسيات النظام الكوني, ومن اسرار بنائه, وان لها دورا مهما في تماسك ذلك البناء.
وفي سنه1989 م تم اكتشاف مايسمي باسم الحائط العظيم وهو عباره عن حشد هائل من تجمعات المجرات يبلغ طوله نحو مائتين وخمسين مليونا من السنين الضوئيه, وعرضه نحو مائتي مليون, وسمكه نحو خمسه عشر مليونا من السنين الضوئيه, وقد اكتشف الفلكيون في داخل هذا الحائط العظيم العديد من المناطق المظلمه الشاسعه الابعاد, التي تفصل بين كل من المجرات والتجمعات المجريه بمختلف مستوياتها, وتبدو هذه المناطق المظلمه وكانها مناطق جذب فائقه الشده, مرتبه ترتيبا دقيقا وباشكال هندسيه محدده, وتتوزع المجرات حولها, وكانها خلايا عظيمه البناء متصله بشكل هندسي بديع حول المناطق المظلمه التي يبدو انها مشدوده الي مراكز تلك المناطق بقوي فائقه للغايه الي ماقد اشير اليه انفا باسم الماده الداكنه التي يراها البعض اربطه كونيه فائقه
علي هيئه جسيمات فائقه الكتله لم يمكن اكتشافها بعد, او علي هيئه قوه كهرومغناطيسيه ذات موجات غير معروفه توثر في الماده التي تنتشر حولها وقد تكون ناتجه عن الحركه الدورانيه الشديده في كل اجرام السماء.
وهذه الكتل المظلمه او الفقاعات الدخانيه الضخمه التي لاتحوي ايه اجرام منظوره, قد تضم بجوار الماده الداكنه والاجرام غير المنظوره اعدادا هائله من الجسيمات الماديه والاشعاعات الكونيه, وربما بعض الغازات المتاينه المعروفه باسم البلازما ويبدو انها من اسرار بناء السما, ومن ضرورات قيامها واتزانها, ومن لوازم انتشار كل من الماده والطاقه في مختلف ارجائها, وان لها دورا مهما في بناء التجمعات المجريه العظمي يفوق دور تجاذب المجرات فيما بينها ويعتقد بان هذه الفقاعات الدخانيه قد تكونت عقب عمليه الانفجارالعظيم بعد فتره من الزمن كافيه لتجمع اللبنات الاوليه للماده الناشئه عن ذلك الانفجار علي هيئه ذرات, ويعتقد كذلك بان المجرات قد تكونت بتكدس عدد من تلك الفقاعات الدخانيه علي ذاتها بفعل الجاذبيه, كما يعتقد بان تفكك المجرات في مراحلها النهائيه قد يودي الي تكون مثل هذه الفقاعات الدخانيه, ويمكن بذلك ان يفسر نشاه اشباه النجوم
التي تنتشر اليوم علي اطراف الجزء المدرك من الكون.
ففي يناير سنه1988 م تم اكتشاف شبيه نجم علي مسافه تقدر بنحو(16850) سنه ضوئيه منا, وفي اغسطس من نفس السنه تم اكتشاف مجره راديويه تبعد عنا خمسه عشر بليونا من السنين الضوئيه, وفي نهايه سنه1989 م تم اكتشاف شبيه نجم يبعد عنا بمسافه(17400) مليون سنه ضوئيه, ويعتبر بعده اقصي حد وصل اليه علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون الذي يتسع باستمرار.
ثانيا: اتساع الكون ينفي وجود فراغات فيه
ثبت لنا في مطلع القرن العشرين ان كوننا دائم الاتساع وان هذا الاتساع ناشيء عن تباعد المجرات عنا وعن بعضها البعض, وبهذا التباعد تتخلق الماده و الطاقه من حيث لايدرك العلماء, لان كلا من المكان والزمان والماده والطاقه قد تم خلقه بعمليه الانفجار العظيم, ويتجدد خلقه بتمدد الكون واتساعه, فلايوجد مكان بغير زمان, ولازمان بغير مكان, ولايوجد مكان وزمان بغير ماده وطاقه.
ويودي تباعد المجرات الي اتساع افق الكون بالنسبه لموقعنا منه, ونحن لانستطيع ان نري من هذا الموقع ماوراء الافق, ومن المفروض انه باتساع الكون وتباعد الافق الكوني عنا في كل لحظه انه يمكن لنا ان نري اجراما سماويه جديده علي حافه ذلك الافق باستمرار, وان تختفي عن رويتنا اجرام قديمه وتخرج عن مجال رويتنا ولكن اجهزتنا الفلكيه الحاليه لاتتيح لنا التحقق من ذلك علي الرغم من تطورها المذهل, وذلك لان افق الكون يبتعد عنا بتمدده بسرعات تقترب احيانا من سرعه الضوء(نحو92% من سرعه الضوء), وعلي الرغم من ذلك فانه انطلاقا من وحده البناء في الجزء المدرك لنا من السماء فاننا نعتقد بان القوانين الحاكمه للكون واحده وساريه في كل اجزائه علي الرغم من ان النقطه التي بدات منها عمليه الانفجار العظيم لم يتم تحديد موقعها بعد, وهي بالتاكيد ابعد بكثير من الحافه المدركه للجزء المرئي من السماء, الذي يقدر قطره بنحو19 23 بليون سنه ضوئيه.
ثالثا: الماده المضاده في الكون تنفي وجود فراغات فيه
في سنه1924 م اثبت العالم الفرنسي دي بروجلي
ان الالكترون يتصرف احيانا في ظروف معينه علي انه موجه اشعاعيه غير ماديه
وما ينطبق علي الالكترون ينطبق علي اي لبنه اخري من اللبنات الاوليه للماده.
وفي سنه1925 م وضع كل من هايسنبرج
الالماني وشرودنجر
النمساوي منفردين القواعد الاساسيه لميكانيكا الكم
وللميكانيكا الموجيه
وكلاهما يبحث في الاسباب التي تودي بالكم الضوئي او الفوتون لان يتصرف احيانا علي هيئه جسيم مادي واحيانا اخري علي هيئه موجه اشعاعيه.
وفي نفس السنه1925 م اعلن باولي
مبدا الاستبعاد الذي يوكد ان زوجين من الالكترونات داخل الذره الواحده لايمكن ان يكون لهما نفس العدد الكمي, وبالتالي لايمكن ان يكون لهما نفس المدار حول النواه, ونفس السرعه, وينطبق هذا القانون فقط علي الجسيمات الاساسيه التي تدخل في تركيب الذره.
وفي سنه1931 م اعلن ديراك
النظريه المتناسبه للالكترون التي اشار فيها الي وجود الكترون بشحنه وطاقه مختلفتين تم اكتشافه بعد ذلك بسنه واحده(1932 م) في الاشعه الكونيه بواسطه كارل اندرسون
وسمي باسم البوزيترون
وتسلسل بعد ذلك اكتشاف نقائض لباقي الجسيمات الاوليه للماده من مثل نقيض البروتون
واعتبرت نقائض الماده
في مواجهه الماده
حقيقه من حقائق كوننا المدرك, حيث ثبت ان لكل جسيم مادي نقيضه اي جسيما يماثله تماما في الكتله والحجم والسرعه ولكن له شحنه مضاده ويدور بطريقه معاكسه, وثبت انه اذا التقي الضدان فانهما يفنيان فناء تاما.
وقد تساءل العلماء عن كيفيه بقاء عالمنا المادي مع وجود كل من الماده واضدادها وكلاهما يفني بلقاء الاخر وقد فسر ذلك بان كلا من الماده والماده المضاده قد تجمع علي ذاته لتكوين تجمعات سماويه خاصه به بمعني وجود عوالم من الماده المضاده مغايره لعالمنا المادي لانراها ولا نعلم عنها شيئا, وهذا وحده غيركاف لاثبات وجود فراغات في السماء.
رابعا: مراحل خلق الكون المدرك
تنفي وجود ايه فراغات في السماء
توكد الدراسات الفيزيائيه والفلكيه انه نتيجه لواقعه الانفجار العظيم( او فتق الرتق) تم خلق كل من المكان والزمان والماده والطاقه في فتره تقدر بحوالي1510 ثانيه( اي الف مليون مليون ثانيه اي حوالي الثلاثين مليون سنه تقريبا بعد الانفجار العظيم) مر فيها الكون بمراحل يتصورها علماء الفيزياء الفلكيه علي النحو التالي:
(1) عصر الكواركات والجليونات
وتقدر له الومضه من10 43 ثانيه الي10 32 ثانيه وتتميز بحالات كثيفه للماده واضدادها وان كانت نسبه الكواركات تفوق اضدادها كما تميزت بالتضخم والتوسع الانفجاريين وبانفصال كل من قوه الجاذبيه والقوه النوويه الشديده كقوتين متميزتين.
(2) عصر اللبتونات
ويقدر له الومضه من10 32 ثانيه الي10 6 ثانيه بعد الانفجار العظيم وفيها تمايزت اللبتونات من الكواركات وظهرت البوزونات
bosons
وكانت فيه كل من القوه النوويه الضعيفه والقوه الكهرومغناطيسيه متحدتين علي هيئه القوه الكهربيه الضعيفه.
3 عصر النيوكليونات واضدادها
تقدر له الفتره بين10 ثانيه الي225 ثانيه بعد الانفجار العظيم وفيها اتحدت الكواركات لتكوين النيوكيلونات واضدادها.
وانفصلت القوي الاربع المعروفه( الجاذبيه, النوويه الشديده, النوويه الضعيفه والكهرومغناطيسيه).
4 عصر تخليق نووي الذرات
وتقدر له الفتره من225 ثانيه الي الف ثانيه بعد الانفجار العظيم وفيها تخلقت نوي ذرات الايدروجين(74%) والهيليوم(25%) وبعض النوي الاثقل قليلا(1%) وفيه سادت الماده.
5 عصر الايونات
وتقدر له الفتره من310 ثانيه الي1310 ثانيه بعد الانفجار العظيم وفيه تكونت غازات من ايونات كل من الايدروجين والهيليوم واخذ الكون في الاتساع والتبرد التدريجي.
6 عصر تخلق الذرات
وتقدر له الفتره من1310 ثانيه الي1510 ثانيه وفيه تخلقت الذرات المتعادله وارتبطت بالجاذبيه واصبح الكون شفافا لمعظم موجات الضوء.
7 عصر تخلق النجوم والمجرات
تقدر له الفتره من15/10 ثانيه الي اليوم والي ان يشاء الله, ويتميز ببدء عمليه الاندماج النووي لتكوين نوي ذرات اثقل من الايدروجين.
وهذه المراحل المتتاليه توكد ان الماده والطاقه ملاتا المكان والزمان منذ اللحظه الاولي للانفجار العظيم وظلا يملانه مع استمرار تمدد الكون وان كان ذلك يتم بتباين واضح في تركيز وجودهما من نقطه الي اخري في الجزء المدرك من الكون.
خامسا: الماده بين الكواكب و النجوم والمجرات:
تنفي وجود فراغات في الجزء المدرك من الكون
الي عهد قريب كان علماء الفلك يعتقدون ان اجرام السماء تسبح في فراغ تام ولكن البحوث المتاخره اثبتت ان المسافات بين كل من النجوم وتجمعاتها المختلفه( المجرات وتجمعاتها الي نهايه الجزء المدرك من الكون) تنتشر فيها الاشعه الكونيه وما تحمله من جسيمات اوليه والدخان الكوني ومايحمله من هباءات الرماد بالاضافه الي مايعرف باسم الماده الداكنه
والتي اقترح وجودها الفلكي السويسري فريتز زفيكي
في سنه1933 م حين اكتشف ان الكتله الكليه المحسوبه في كوكبه العذراء تفوق بكثير مجموع كتل المجرات المكونه لها وفي سنه1992 م اعلن علماء الفلك والفيزياء الفلكيه الاحتمال الكبير لوجود تلك الماده الداكنه والتي لا تري والتي يقترحون انها تتركب من جسيمات ذريه جديده لم تكتشف بعد وتسمي الويمبات
او الجسيمات الثقيله التي تمثل نوعا من الخيوط الكونيه التي تربط اجرام السماء وتحمل الاوامر الكونيه كما تحملها لبنات الشفره الوراثيه في اجساد الكائنات الحيه وربما تفسر الماده الداكنه الكتله المفقوده في الكون
كالتي ادركها زفيكي في الثلث الاول من القرن العشرين وكذلك يمكن ان تفسر طبيعه مناطق الجاذبيه العملاقه التي تربط التجمعات المجريه العظمي مع بعضها البعض.
هذه الادله مجتمعه تنفي وجود فراغات في الكون المدرك وسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه تاكيد هذه الحقيقه الكونيه فقال( عز من قائل):
افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج؟
-
20
وفي السماء رزقكم وما توعدون
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سوره الذاريات بقسم عظيم باربع من ايات الله في الكون والله تعالي غني عن القسم لعباده بان وعده لصادق, وان الدين الاسلامي الذي انزله علي فتره من الرسل, والذي اتمه واكمله في بعثه خاتم انبيائه ورسله صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين لحق واقع....!!!
ثم يكرر ربنا( سبحانه وتعالي) القسم بالسماء ذات الحبك علي ان الناس مختلفون في امر يوم الدين بين مكذب ومصدق, وتستعرض الايات حال كل من المجموعتين في هذا اليوم العصيب, ثم تعود الي الاستدلال بايات الله في كل من الارض والانفس والافاق ومنها قول الحق( تبارك وتعالي):
وفي السماء رزقكم وما توعدون
ثم ياتي القسم الحاسم الجازم برب السماء والارض ان هذا كله حق, كما ينطق المنكرون في هذه الحياه الدنيا, وهم يدركون حقيقه ما ينطقون, فلا يجوز لهم ان يشكوا فيه او ان ينكروه كما لا يشكون في نطقهم الذي ينطقون...!!
وبعد ذلك تتحرك بنا السوره الي عرض شيء من الوقائع التاريخيه من قبيل ضرب المثل, واستخلاص العبر, والدعوه الي اخلاص العباده لله وحده( بغير شريك ولا شبيه ولامنازع), وذلك من مثل قصص سيدنا ابراهيم( عليه السلام) مع ضيفه وقومه, وسيدنا لوط( عليه السلام) وما حاق بقومه من عذاب, وسيدنا موسي( عليه السلام) وفرعونه الذي اغرقه الله( تعالي) وجنده في اليم, وقوم عاد وطمرهم بالرمال السافيه, وقوم ثمود الذن دمروا بالصاعقه, وقوم نوح( عليه السلام) الذين اغرقوا بالطوفان لفسقهم...!!
وتعاود السوره الكريمه القسم بالسماء وتوسيع الله المستمر لها, وبالارض وفرشها وتمهيدها, وخلق كل شيء من زوجين تاكيدا لوحدانيه الله( تعالي) المطلقه فوق جميع خلقه..!!!
ثم تعرج بنا السوره الي حقيقه ان كل رسول جاء بالحق من رب العالمين قد اتهمه الكفار من قومه بالسحر او بالجنون ظلما وطغيانا من عند انفسهم, وفي ذلك مواساه من رب العباد الذي يطالب خاتم انبيائه ورسله بالاستمرار في التذكير بالله, والدعوه الي دينه الحق علي الرغم من كل ذلك, لعل الذكري تنفع المومنين.
والهدف من هذا الاستعراض المكثف لايات الله في الكون, والاستعراض الخاطف لقصص عدد من الامم البائده هو وصل العباد بخالقهم, وربط قلوبهم بعوالم الغيب, كما يصفها خالق الكون ومبدع الوجود لا كما تتصورها اوهام الغافلين الضالين من الكفار والمشركين.
والذي يرتبط قلبه بخالقه, ويومن بالغيب, كما انزله في محكم كتابه, وسنه نبيه, تخطي الدنيا الي الاخره, دون ان يهمل واجباته في الحياه, ودون ان تشغله التكاليف الماديه لهذه الحياه عن اخلاص العباده لله, وفي مقدمه تلك التكاليف الجري علي المعايش لكسب الرزق الحلال, والذي قد يتخيل البعض انه يمكن ان يشغل الانسان عن رسالته الحقيقيه في هذه الحياه والتي تتلخص في:
عباده الله( تعالي) بما امر, وحسن القيام بواجب الاستخلاف في الارض, وهما وجهان لعمله واحده تمثل رساله كل من الجن والانس في هذه الحياه, والتي لخصها ربنا( تبارك وتعالي) في السوره نفسها بقوله( عز من قائل): وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون* ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون* ان الله هو الرزاق ذو القوه المتين*.
(الذاريات:56 58).
هذا وقد تباينت اراء المفسرين في قول الحق( تبارك وتعالي)
وفي السماء رزقكم وما توعدون*.
بين قائل بالمطر, وقائل بالقرار الالهي في تقسيم الرزق وتوزيعه بين العباد, وقائل بالثواب والعقاب او بالجنه والنار, او بها جميعا ولكن الدراسات الكونيه الحديثه قد اضافت بعدا جديدا, فاكدت ان جميع ما يحتاجه الانسان والحيوان والنبات من الماء, ومن مختلف صور الماده والطاقه انما ينزل الي الارض من السماء بتقدير من الرزاق الحكيم العليم الذي ينزله بقدر معلوم لقوله( عز من قائل):
ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن: ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير*( الشوري:27)
ولقوله( سبحانه)!
وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم*.( الحجر:21)
رزق السماء في اللغه العربيه
(الرزق) في اللغه العربيه هو ما ينتفع به من النعم, والجمع( ارزاق), و(الرزق) ايضا هو العطاء الجاري دنيويا كان ام اخرويا, وهو كذلك النصيب المقسوم للانسان فيصل الي يده سواء كان مما يصل الي الجوف ويتغذي به,او يكتسي ويتزين به, او يتجمل به من مثل الخلق الحسن والعلم النافع يقال:( رزقه) الله( يرزقه)( رزقا) بكسر الراء,( والمصدر الحقيقي فتح الراء), والاسم يوضع موضع المصدر, و(ارتزق) بمعني اخذ( رزقه), و(الرزقه) ما يعطي دفعه واحده, وقد تاتي لفظه( الرزق) بمعني( شكر الرزق) من مثل قوله( تعالي):
وتجعلون رزقكم انكم تكذبون( الواقعه:82) اي تجعلون نصيبكم من النعمه او شكركم عليها انكم تكذبون رسالات ربكم.
ويقال رجل( مرزوق) اي مجدود( محظوظ), وقد يعتبر كل من المال والولد والجاه والعلم من( الرزق), كما قد يسمي المطر( رزقا), ويمكن ان يحمل( الرزق) علي العموم فيما يوكل ويلبس ويستعمل, وكل ما يخرج من الارض او ينزل من السماء, و(الرازق) هو الله تعالي خالق( الرزق) ومعطيه, ومسببه, وموزعه بالقسط, وان كانت هذه الصفه يمكن ان تستخدم للبشر, اما( الرزاق) فهو اسم من اسماء الله الحسني وصفه من صفاته العليا لا يوصف بها غيره( سبحانه وتعالي).
وعن( السماء) فهي اسم مشتق من( السمو) بمعني الارتفاع والعلو, تقول:( سما),( يسمو)( سموا) فهو( سام) بمعني علا, يعلو علوا, فهو عال, اي مرتفع, وذلك لان السين والميم والواو اصل يدل علي الارتفاع والعلو, يقال:( سموت) و(سميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعه والعلو, وعلي ذلك فان سماء كل شيء اعلاه, ولذلك قيل لسقف البيت سماء لارتفاعه, وقيل للسحاب سماء لعلوه, واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السماء, وللعشب لارتباط منبته بنزول ماء السماء, ومن هنا قيل:( كل ما علاك فاظلك فهو سماء).
ولفظه( السماء) في العربيه تذكر وتونث( وان كان تذكيرها يعتبر شاذا), وجمعها( سماوات), وهناك صيغ اخري لجمعها ولكنها غريبه.
رزق السماء في القران الكريم
ورد الفعل( رزق) بمشتقاته في كتاب الله مائه وثلاثا وعشرين(123) مره, تنسب الرزق الي الله تعالي, وان كان بعضها يشير الي امكانيه ان يرزق الانسان غيره من البشر او يتصدق علي الحيوان, ومنها ما يشير الي الرزق بمعني ما يطعم وما يشرب, او بمعني المال, او العلم, او الجاه والسلطان, او الاولاد والبنات والزوجات الصالحات. او ما تنتجه الارض من ثمار, او ما يرزق الله من بهيمه الانعام, او من المطراو من غير ذلك من الثروات الارضيه منها والسماويه, او من الارزاق الاخرويه من مثل رزق الشهداء عند ربهم, ورزق اهل الجنه في الجنه, وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي):
ويعيدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والارض شيئا ولا يستطيعون*
( النحل:73)
اي ويعبدون من دون الله من هم ليسوا بسبب في رزق بوجه من الوجوه لا من السماء ولا من الارض لانهم لا يستطيعون ذلك ابدا.
وفي عطاء كل من الشهداء وغيرهم من اهل الجنه يقول الحق( تبارك وتعالي):
ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون*
(ال عمران:169)
اي يفيض الله( تعالي) عليهم من نعمه الاخرويه, وذلك من مثل قوله( تعالي):
.... ولهم رزقهم فيها بكره وعشيا*( مريم:62) وتوكد الايات القرانيه العديده ان( الرازق) هو الله( تعالي) لانه خالق الرزق, ومسببه, ومعطيه, وموزعه بعلمه وحكمته, وقد يستخدم الوصف مجازا للانسان الذي يكون سببا في وصول الرزق الي يد غيره, اما( الرزاق) فهو من اسماء الله الحسني, ووصف لا يليق الا بجلال الله( تعالي), ولا يجوز ان يقال لغيره( سبحانه وتعالي), وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي): ان الله هو الرزاق ذو القوه المتين*
(الذاريات:58)
ويقول( عز من قائل):
.... ولله خزائن السماوات والارض...*( المنافقون:7)
ويقول( سبحانه):
قل من يرزقكم من السماء والارض....*
(يونس:31)
ويعتب ربنا( تبارك وتعالي) علي الذين ينعمون في رزقه ويكفرونه او يشركون به غيره فيقول( عز من قائل):
ام عندهم خزائن ربك ام هم المصيطرون*( الطور:37)
اما عن لفظه( السماء) فقد وردت في القران الكريم في ثلاثمائه وعشره مواضع, منها مائه وعشرون بالافراد( السماء), ومائه وتسعون بالجمع( السماوات).
والسماء ترد في القران الكريم بمعني الغلاف الغازي للارض بسحبه ورياحه وكسفه, كما ترد بمعني السماء الدنيا التي قد زينها ربنا( تبارك وتعالي) بزينه الكواكب والنجوم والبروج, كما ترد بمعني السماوات السبع.
كذلك جاءت الاشاره القرانيه الي السماوات والارض وما بينهما في عشرين موضعا من كتاب الله, ويبدو ان المقصود بذلك هو ايضا الغلاف الغازي للارض بصفه عامه, والجزء الاسفل منه بصفه خاصه وذلك لقول الحق( تبارك وتعالي):
... والسحاب المسخر بين السماء والارض.....*
(البقره:164)
والسحاب يتحرك في نطاق المناخ الذي يحوي اغلب ماده الغلاف الغازي(75% بالكتله), والقران الكريم يشير في اكثر من موقع الي انزال الماء من السماء, وواضح الامر ان المقصود بالسماء هنا هو السحاب او النطاق المحتوي علي السحاب, والمعروف علميا بنطاق التغيرات الجويه, والذي يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي):
(1) الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون*( البقره:22)
(2)...... وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها, وبث فيها من كل دابه وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون*( البقره:164)
(3) وهو الذي انزل من السماء ماء فاخرجنا به نبات كل شيء..*( الانعام:99)
(4)... وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به....*( الانفال:11)
(5) انما مثل الحياه الدنيا كماء انزلناه من السماء...*( يونس:24)
(6) وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي...*( هود:44)
(7)... يرسل السماء عليكم مدرارا...*
( هود:52)
والايات القرانيه بهذا المعني اكثر من ان تحصي في هذا المقام, وكذلك الايات التي تشير الي السماء الدنيا وزينتها, وتلك التي تلمح الي السماوات العلا.
اراء المفسرين
في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي):
وفي السماء رزقكم وما توعدون*
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه: وفي السماء رزقكم, يعني المطر,( وما توعدون) يعني الجنه, قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد.
وذكر صاحبا الجلالين( يرحمهما الله):( وفي السماء رزقكم) اي المطر المسبب عنه النبات الذي هو رزق,( وما توعدون) من الماء والثواب والعقاب اي: مكتوب ذلك في السماء).
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله) ما نصه:.. وهي لفته عجيبه, فمع ان اسباب الرزق الظاهره قائمه في الارض, حيث يكد فيها الانسان ويجهد, وينتظر من ورائها الرزق والنصيب, فان القران يرد بصر الانسان ونفسه الي السماء, الي الغيب, الي الله, ليتطلع هناك الي الرزق المقسوم والحظ المرسوم, اما الارض وما فيها من اسباب الرزق الظاهره, فهي ايات للموقنين, ايات ترد القلب الي الله ليتطلع الي الرزق من فضله, وتتخلص من اثقال الارض واوهام الحرص, والاسباب الظاهره للرزق, فلا يدعها تحول بينه وبين التطلع الي المصدر الاول الذي انشا هذه الاسباب.
والقلب المومن يدرك هذه اللفته علي حقيقتها, ويفهمها علي وضعها, ويعرف ان المقصود بها ليس هو اهمال الارض واسبابها, فهو مكلف بالخلافه فيها وتعميرها, انما المقصود هو الا يعلق نفسه بها, والا يغفل عن الله في عمارتها, ليعمل في الارض وهو يتطلع الي السماء, ولياخذ بالاسباب, وهو يستيقن انها ليست هي التي ترزقه, فرزقه مقدر في السماء, وما وعده الله لابد ان يكون.
بذلك ينطلق قلبه من اسار الاسباب الظاهره في الارض, بل يرف باجنحه من هذه الاسباب الي ملكوت السماوات, حين يري في الاسباب ايات تدله علي خالق الاسباب, ويعيش موصولا قلبه بالسماء, وقدماه ثابتتان علي الارض, فهكذا يريد الله لهذا الانسان, هكذا يريد الله لذلك المخلوق الذي جبله من الطين, ونفخ فيه من روحه فاذا هو مفضل علي كثير من العالمين.
والايمان هو الوسيله لتحقيق ذلك الوضع الذي يكون فيه الانسان في افضل حالاته, لانه يكون حينئذ في الحاله التي انشاه الله لها: فطره الله التي فطر الناس عليها, قبل ان يتناولها الفساد والانحراف.
وبعد هذه اللمسات الثلاث في الارض والنفس والسماء, يقسم الله سبحانه بذاته العليه علي صدق هذا الحديث كله:( فورب السماء والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون.
وذكر مخلوف( يرحمه الله):( وفي السماء رزقكم) اي سبب رزقكم وهو المطر, والسماء: السحاب,( وما توعدون) اي وفي السماء مكتوب ما توعدون به من الثواب والعقاب, والبعث والخير والشر.
وذكر الصابوني( امد الله في عمره): اي وفي السماء اسباب رزقكم ومعاشكم, وهو المطر الذي به حياه البلاد والعباد, وما توعدون به من الثواب والعقاب مكتوب كذلك في السماء; قال الصاوي: والايه قصد بها الامتنان والوعد والوعيد.
وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم( اثابهم الله):
وفي السماء امر رزقكم وتقدير ما توعدون.
رزق السماء في العلوم الكونيه
من منظور العلوم الكونيه يمكن فهم دلالات التعبير القراني وفي السماء رزقكم وما توعدون.
في الاطر التاليه:
اولا: في اطار فهم السماء بنطاق التغيرات الجويه:
فان رزق السماء يفهم علي انه المطر الذي نرتوي به ونروي زروعنا منه, وهو غاز الاوكسجين الذي نتنفسه نحن وجميع الحيوانات, وثاني اكسيد الكربون الذي تتنفسه النباتات وغير ذلك من الغازات النافعه وهنا ينحصر مفهوم السماء بالنطاق الاسفل من نطق الغلاف الغازي للارض والمعروف باسم نطاق التغيرات الجويه
(Thetroposphere),
ويمتد من سطح البحر الي ارتفاع16 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويتناقص سمكه الي نحو الكيلو مترات العشره فوق قطبي الارض, والي اقل من ذلك(7 8 كيلو مترات) فوق خطوط العرض الوسطي, وعندما يتحرك الهواء من فوق خط الاستواء في اتجاه القطبين فانه يهبط فوق هذا المنحني الوسطي, فتزداد سرعته, ويتحرك في اتجاه الشرق بسرعه فائقه تعرف باسم التيار النفاث
(TheJetstream)
وذلك بتاثير دوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق.
وتنخفض درجه الحراره في هذا النطاق مع الارتفاع باستمرار حتي تصل الي ستين درجه مئويه تحت الصفر في قمته, وذلك نظرا للابتعاد عن سطح الارض الذي يمتص47% من اشعه الشمس فترتفع درجه حرارته ويعيد اشعاع تلك الحراره علي هيئه اشعه تحت حمراء الي الغلاف الغازي للارض بمجرد غياب الشمس, ومن هنا تنخفض درجه حراره نطاق الطقس مع الارتفاع للبعد عن مصدر الدفء بالنسبه له الا وهو سطح الارض.
ولولا هذا الانخفاض في درجات حراره نطاق الطقس لفقدت الارض مياهها بمجرد اندفاع ابخره تلك المياه من فوهات البراكين في مرحله دحو الارض, ولاستحالت الحياه علي سطحها..!!
ويغطي الماء اكثر قليلا من71% من المساحه الكليه للكره الارضيه, وتقدر كميته بنحو1,36 مليار كيلو متر مكعب( منها97,2% في المحيطات والبحار,2,15% علي هيئه جليد فوق القطبين وحولهما وفوق قمم الجبال,0,65% في المجاري المائيه المختلفه من الانهار, والجداول وغيرها, وفي كل من البحيرات العذبه وخزانات المياه تحت سطح الارض).
وهذا الماء اخرجه ربنا( تبارك وتعالي) اصلا من داخل الارض ولايزال يخرجه لنا عبر فوهات البراكين, علي هيئه بخار الماء الذي تكثف ولايزال يتكثف في الاجزاء العليا من نطاق التغيرات الجويه, والتي تتميز ببرودتها الشديده, فعاد الي الارض, ولا يزال يعاود دورته بين الارض والسماء ليجري انهارا متدفقه, تفيض الي منخفضات الارض فتشكلها بحارا ومحيطات, وبحيرات ومستنقعات, وظلت دوره المياه بين الارض والسماء ايه من ايات الله في ابداع الخلق حفظت ماء الارض من التعفن, ومن الضياع الي طبقات الجو العليا, وعملت علي تفتيت الصخور, وتسويه سطح الارض وتمهيده, وتكوين مختلف انواع التربه, وتركيز العديد من المعادن والصخور الاقتصاديه, وخزن المياه تحت السطحيه, وكانت من اسس ازدهار الحياه علي الارض باذن الله.
فماء الارض يتبخر منه سنويا380,000 كيلو متر مكعب, ينتج اغلبها(320,000 كيلو متر مكعب) من بخر اسطح البحار والمحيطات, والباقي(60,000 كيلو متر مكعب) من سطح اليابسه, وهذا البخار تدفعه الرياح الي الطبقه الدنيا من الغلاف الغازي للارض حيث يتكثف في السحب ويعود الي الارض مطرا طهورا, او ثلجا, او بردا, وبدرجه اقل علي هيئه ندي او ضباب في الاجزاء القريبه من سطح الارض.
وتجري مياه الامطار علي الارض في مختلف مجاري المياه لتصب في البحار والمحيطات, كما يترشح جزء منها خلال طبقات الارض المنفذه ليكون المياه تحت السطحيه ذات الحركات الدائبه حيث تشارك في تغذيه بعض الانهار والبحيرات والمستنقعات, وقد تخرج علي سطح الارض علي هيئه ينابيع, او ينتهي بها المطاف الي البحار والمحيطات.
وماء المطر يسقط علي البحار والمحيطات بمعدل سنوي يقدر بنحو284,000 كيلو متر مكعب وعلي اليابسه بمعدل سنوي يقدر بنحو96,000 كيلو متر مكعب, والرقم الاخير يزيد بمعدل36,000 كيلو متر مكعب عن معدل البخر من اليابسه, وهو الفرق نفسه بين معدل البخر من اسطح البحار والمحيطات, ومعدل سقوط الامطار عليها, وتتم دوره المياه حول الارض بصوره معجزه في كمالها ودقتها, لانه لولاها لفسد كل ماء الارض او تعرض للضياع وترك كوكبنا الارضي قاحلا, اجرد بلا حياه, تحرقه حراره الشمس بالنهار, وتجمده بروده الليل كلما غابت الشمس.
والماء ضروره من ضرورات الحياه الارضيه, فبدونه لا يمكن لانسان, ولا لحيوان, ولا لنبات ان يعيش, فجنين الانسان يحتوي علي97% من وزنه ماء, وتقل هذه النسبه الي91% في جسد الطفل الوليد, ثم الي66% في جسد الفرد البالغ, وتختلف نسبه الماء في كل عضو من اعضاء جسد الانسان باختلاف وظيفته, فهي في الرئتين90%, وفي الدم82%, وفي خلايا الدماغ70%; والانسان يمكنه العيش اسابيع عديده بدون طعام, ولكنه لا يستطيع العيش بدون ماء الا لفتره محدوده جدا لا تتجاوز بضعه ايام.....!!
وذلك لان الماء يعين الانسان علي القيام بجميع العمليات الحياتيه في جسمه من مثل عمليات الهضم, والتخلص من الفضلات والتنفس وتجديد الدم,ويعين الحيوان في كل ذلك, كما يعين النبات علي الاستفاده بمركبات الارض بامتصاصها من التربه والقيام بعمليه التمثيل الضوئي, والنتح والتنفس.
والماء هو المركب الوحيد المعروف لنا في الجزء المدرك من الكون, والذي يوجد في حالاته الثلاث: الصلبه, والسائله والغازيه, وللماء قدره فائقه علي اذابه العديد من العناصر والمركبات مما جعل منه لازمه من لوازم الحياه, كما له العديد من الخصائص الفزيائيه والكيميائيه المميزه من مثل قطبيته( الناتجه من ان ذره الاوكسجين فيه تحمل شحنه سالبه بينما تحمل ذرتا الايدروجين شحنه موجبه) وقدرته الفائقه علي الالتحام والتماسك والتلاصق تجعله اشد السوائل تلاصقا, واشدها قدره علي التوتر السطحي بعد الزئبق, وتبدو قدره الماء الفائقه علي التوتر السطحي في ميله الي التكور علي هيئه قطرات بدلا من الانتشار افقيا علي السطح الذي يسكب عليه, كما تبدو في قدره الماء الفائقه علي تسلق جدران الوعاء الذي يوضع فيه خاصه اذا كان قطر الوعاء صغيرا, وتعرف هذه الخاصيه باسم الخاصيه الشعريه, وبواسطتها تتحرك السوائل من مثل العصارات الغذائيه وما بها من عناصر ومركبات مذابه في الماء من جذور النباتات الي فروعه واوراقه وزهوره وثماره, والي قمته الناميه, كما تتحرك الدماء والعصارات الغذائيه المختلفه والفضلات في كل من الجهاز الهضمي والاوعيه الدمويه الدقيقه في اجساد كل من الانسان والحيوان.
وخواص الماء الحراريه خواص متميزه, فالحراره النوعيه للماء تقدر بعشره اضعاف الحراره النوعيه للحديد, وبخمسه اضعاف الحراره النوعيه لرمال الشواطئ, وكذلك فان معامل الحراره الكامنه لكل من تبخر الماء السائل وانصهار الجليد الصلب مرتفعين ارتفاعا ملحوظا مما يعطي للماء مجالا واسعا في جميع العمليات الحياتيه.
وللماء منحني كثافه فريد لا يشاركه فيه اي من السوائل الاخري فعندما تصل درجه حراره الماء الي اربع درجات مئويه يصل الي اقل حجم له واعلي كثافه, ولكن اذا انخفضت درجه الحراره دون ذلك فان حجم الماء يتمدد وتقل كثافته, وهذا يفسر طفو الجليد علي سطح الماء في البحار والمحيطات, وعدم تجمد الماء اسفل منه مما يتيح فرصه عدم التجمد للكائنات البحريه العديده التي تعيش في اعماق البحار, فالماء هذا السائل العجيب هو من اعظم صور رزق السماء لان بدونه لا يمكن للحياه الارضيه ان تكون...!!
وكذلك الهواء بما فيه من اوكسجين وثاني اكسيد الكربون وبخار الماء, وغير ذلك من الغازات المهمه وهباءات الغبار وكلها من ضرورات جعل الحياه علي الارض ممكنه وممتعه.
ثانيا: في اطار تفسير السماء بالسماء الدنيا:
فان رزق السماء هو كل صور الماده والطاقه المتولده في داخل النجوم, من مثل شمسنا والتي تصل الي الارض بصور متعدده:
فمن الثابت علميا ان النجوم قد تكونت ابتداء من الدخان الكوني الذي نشا عن انفجار الجرم الابتدائي للكون, مما يوكد علي وحده البناء في الكون, وانها لا تزال تتكون امام انظار الفلكيين اليوم من دخان السدم, وفي داخل تلك الغيوم الكونيه عبر مراحل من النجوم الابتدائيه
(Prosrars)
وذلك بواسطه عدد من الدوامات العاتيه التي تعرف باسم دوامات تركيز الماده, والتي تقوم بتكديس الماده وتكثيفها حتي تتجمع الظروف اللازمه لبدء عمليه الاندماج النووي, وانطلاق الطاقه, وانبثاق الضوء فيتحول النجم الابتدائي الي نجم عادي كشمسنا يعرف باسم( نجم التسلسل الرئيسي) واغلب النجوم التي تتراءي لنا في صفحه السماء هي من هذا النوع لان النجم يقضي90% من عمره في هذه المرحله التي يعتبر فيها النجم فرنا كونيا تتخلق فيه العناصر من نوي ذرات الايدروجين بعمليه الاندماج النووي, وتتميز فتره( نجم النسق الرئيسي) بتعادل قوه الجذب الي مركز النجم مع قوه دفع مكونات النجم الي الخارج لتمدده بالحراره الناتجه عن عمليه الاندماج النووي, وبالعزم الزاوي الناتج عن دوراته حول محوره, ويبقي النجم في هذا الطور حتي ينفد وقوده من غازي الايدروجين والهليوم, ف
يبدا بالدخول في مراحل الشيخوخه بالانكدار ثم الخنوس والطمس حتي تنتهي حياه النجم بالانفجار وعوده مادته الي دخان السماء اما مباشره عن طريق انفجار العماليق الحمر او العماليق العظام او المستعرات العظيمه بمختلف نماذجها, او بطرق غير مباشره عبر مرحله من مراحل وفاه النجوم الفائقه الكتل من مثل النجوم النيوترونيه والنجوم الخانسه الكانسه( او ما يعرف باسم الثقوب السود), والتي يعتقد العلماء بانها تفقد مادتها بالتدريج الي دخان السماء عبر مرحله اشباه النجوم.
وباتحاد نوي ذرات الايدروجين في قلب النجم العادي تتكون نوي ذرات الهليوم, وباتحاد نوي ذرات العنصر الاخير تتكون نوي ذرات البريليوم, وهكذا يتسلسل تخلق العناصر المختلفه في داخل النجوم خاصه النجوم العملاقه او في اثناء انفجارها, ويودي انفجار النجوم الي عوده ما تكون بداخلها من عناصر الي دخان السماء لكي يكون ماده لتخلق نجم جديد او ليصل الي بعض اجرام السماء في صوره من صور رزق السماء.
ومن المشاهد ان عمليه الاندماج النووي في داخل النجوم فائقه الكتله من مثل العماليق والمستعرات العظام تستمر حتي يتحول قلب النجم بالكامل الي حديد, فتستهلك طاقه النجم لان ذره الحديد هي اكثر الذرات تماسكا, وفي انفجار المستعرات العظام تصطدم نيوترونات دخان السماء بنوي الحديد المتطايره من عمليه الانفجار لتبني نوي ذرات اعلي كثافه مثل الفضه, والذهب, واليورانيوم, وغيرها, كما ان اهاب النجم المتفجر من المواد الاقل كثافه ينتقل ايضا الي دخان السماء بانفجار واشتعال شديدين وانبعاث موجات راديويه قويه.
وتتكون الماده فيما بين النجوم من الغازات والغبار( اي الدخان) المكون من جزيئات وذرات وايونات, ومن اللبنات الاساسيه للماده ويغلب علي تركيبه الايدروجين, والهليوم, والاوكسجين, والنيتروجين, والكربون, والنيون والصوديوم والبوتاسيوم وبعض العناصر الاثقل, وتقدر الماده بين نجوم مجرتنا ببضعه بلايين المرات قدر كتله الشمس, وتصل كافه العناصر المتخلقه في الكون الي الارض عن طريق تساقط الشهب والنيازك, ويصل الي الارص يوميا بين الالف والعشره الاف طن من ماده الشهب والنيازك لتجدد اثراء الارض بالعناصر المختلفه التي تمثل صوره من صور رزق السماء الذي يوزع علي الارض بتقدير من العزيز الحكيم, ولم يكن لاحد ادراك بها من قبل.
ومنذ فتره وجيزه اثبت العلماء ان نجما من نجوم السماء قد تحول الي كتله من الالماس تفوق كتله الارض عده مرات, ومن قبيل الفكاهه يذكرون ان هذه الكتله اذا انفجرت ونزلت الي الارض فان تجاره الالماس سوف تكسد بالقطع.
ويقدر ناتج الطاقه الكليه للشمس بنحو3,86*3310 سعر/ ثانيه ويعتبر فيض الطاقه الشمسيه الواصله الي الارض اكبر من الطاقه التي تستقبلها الارض من المع النجوم بعشره مليارات ضعف, واكبر من الطاقه التي تستقبلها الارض من القمر وهو في طور البدر مليون مره.
وطاقه الشمس من رزق السماء, فبدونها تستحيل الحياه علي الارض....!!
ثالثا: في اطار تفسير السماء بالسماوات العلا
فان رزق السماء يتمثل في قرار الرزاق ذي القوه المتين, فقد ثبت ان كوننا قد نتج عن عمليه انفجار عظيم, وانه من طبيعه الانفجار انه يودي الي تناثر الماده وبعثرتها, ولكن انفجارا يودي الي بناء كون بهذه الضخامه في الابعاد, وفي تعدد الاجرام وفي احكام الاحجام, والكتل والمدارات, والحركات والعلاقات المتبادله من مثل التجاذب, وتبادل الماده فيما بينها هو انفجار لابد, وان يكون قد تم بتقدير عظيم, من خالق عظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال ما مكنه من ابداع هذا الخلق بعلمه وحكمته وقدرته, وهذا الخالق العظيم لابد, وان يكون مغايرا لكل خلقه فلا يحده المكان, ولا الزمان, ولا تشكله الماده ولا الطاقه, لانه( تعالي) خالق كل ذلك ومبدعه, هذا الخالق العظيم فوق كل خلقه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير*( الشوري:11)
يدبر امر هذا الكون في كل صغيره وكبيره, ومن ذلك توزيع الارزاق علي العباد, فمن الاسماء الحسني لهذا الخالق العظيم البارئ المصور نجد اسم( الوهاب) اي صاحب الهبات والعطايا الخاليه عن الاعواض والاغراض, كما نجد اسم( الرزاق) اي خالق الارزاق والمرزوقين, وموصل الارزاق اليهم وخالق الاسباب التي تمكنهم من التمتع بها.
وباقي اسمائه الحسني( سبحانه وتعالي) تحمل شيئا من تلك المعاني والصفات الربانيه ومنها:اسم( الفتاح) وهو الذي بيده مفاتيح الغيب والرزق, ومفاتيح كل منغلق ومشكل, واسما( القابض) و(الباسط) ومن معانيهما فيض الرزق حتي لا يبقي طاقه, وبسطه حتي لا يبقي فاقه, كما يقبض القلوب والارواح ويبسطهما كيف يشاء, واسما( المعز)( المذل) الذي يوتي الملك من يشاء, وينزعه ممن يشاء, والملك من الرزق, والملك الحقيقي يكمن في الخلاص من ذل الحاجه, وقهر الشهوه, وعبء الجهل, واسم( المقيت) ومن معانيه خالق الاقوات وواهبها. و(الكريم) ومن معانيه المعطاء زياده علي منتهي الرجاء, و(المجيب) ومن معانيه مقابله مساله السائلين بالاجابه و(الواسع) ومن معانيه ذو السعه المطلقه من العلم والخير والاحسان وبسط النعم, و(الودود) ومن معانيه الانعام علي سبيل الابتداء بمحبه ورافه, و(البر) وهو المحسن المتفضل بكل بر واحسان, و(مالك الملك) اي صاحب المشيئه النافذه, والاراده الغالبه.
وخلاصه ذلك ان قرار توزيع الارزاق علي العباد يصدره ربنا( تبارك وتعالي) في علاه فتنزل به الملائكه الي الارض تصديقا لقول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): ان احدكم يجمع خلقه في بطن امه اربعين يوما نطفه, ثم يكون علقه مثل ذلك, ثم يكون مضغه مثل ذلك, ثم يرسل اليه الملك, فينفخ فيه الروح ويومر باربع كلمات: يكتب رزقه, واجله, وعمله, وشقي او سعيد....
وصدق الله العظيم الذي انزل من فوق سبع سماوات ومن قبل اربعه عشر قرنا قوله الحق:
وفي السماء رزقكم وما توعدون*.
-
21
فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا
حرجا كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يومنون*
جاءت هذه الايه الكريمه في الثلث الاخير من سوره الانعام, وهي سوره مكيه, شانها شان كل السور المكيه التي تركز علي قضيه العقيده, وهي قضيه وجود الانسان في هذه الحياه, وقضيه مصيره بعدها, فعلي اساس من العقيده يحدد كل انسان منا دوره في هذه الحياه, كما يحدد علاقاته فيها مع نفسه, ومع خالقه, ومع الكون, ومع جميع من فيه وما فيه....!!
ومن هنا كانت اهميه العقيده, التي افرد لها القران الكريم مساحه كبيره في كل من المكان والزمان: في كل السور والايات المكيه, وفي عمر الدعوه المحمديه التي قضي فيها المصطفي( صلي الله عليه وسلم) ثلاث عشره سنه يدعو الناس الي عباده الله تعالي وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, والي اخلاص العبوديه له, وتنزيهه( تعالي) عن كل وصف لا يليق بجلال ربوبيته والوهيته ووحدانيته, والي الايمان بملائكته, وكتبه ورسله, وبالقدر خيره وشره, وباليوم الاخر وبما فيه من بعث ونشور, وحساب وميزان وصراط, وخلود في حياه قادمه اما في الجنه ابدا او في النار ابدا, وما يستتبعه كل ذلك من الخضوع بالطاعه لله, وعبادته( تعالي) بما امر مع حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الارض, واقامه عدل الله فيها, وهذه هي رساله الدين من لدن ابينا ادم( عليه السلام) الي بعثه المصطفي( صلي الله عليه وسلم) والي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها.
وركائز الدين اما من الغيب المطلق كقضيه العقيده, او من الاوامر الالهيه المطلقه كقضيه العباده, او من ضوابط السلوك كقضيتي الاخلاق والمعاملات, ولما كان الانسان عاجزا دوما عن ان يضع لنفسه بنفسه ضوابط صحيحه في اي من هذه القضايا كانت ضروره الدين لكي يستقيم وجوده في هذه الحياه, ولكي يتمكن من تحقيق رسالته فيها.
والدين بركائزه الاربع الاساسيه لا يمكن ان يكون صناعه بشريه, بل الانسان محتاج فيه الي الهدايه الربانيه, تلك الهدايه التي انزلها الله( تعالي) باسم الاسلام, علي فتره من الرسل, وبينها للناس بواسطه جيش من الانبياء فاق عدده المائه والعشرين الفا, واتمها في الرساله الخاتمه التي بعث بها الرسول الخاتم والنبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم) وهي الرساله السماويه التي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظها, فحفظت بنفس اللغه التي اوحيت بها, ومن هنا كان القرار الالهي الذي انزله ربنا( تبارك وتعالي) من فوق سبع سماوات, ومن قبل اربعه عشر قرنا بقوله( عز من قائل):
ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم, ومن يكفر بايات الله فان الله سريع الحساب*( ال عمران:19)
ومن هنا ايضا كان التاكيد علي هذا القرار الالهي بقول الحق( تبارك وتعالي) وفي نفس السوره:
ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخره من الخاسرين*( ال عمران:85)
ومن هذا المنطلق جاءت الايه الكريمه التي نحن بصددها والتي يقول فيها ربنا( سبحانه وتعالي):
فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء.....*( الانعام:125)
ويعجب الانسان لهذا التشبيه القراني المعجز الذي يقابل بين ضيق صدر العازفين عن الهدايه الربانيه, كلما ذكروا بها, وضيق صدر الذي يصعد في السماء بغير وسيله واقيه, وهي حقيقه لم يدركها الانسان في ابعادها الصحيحه الا بعد ريادته للفضاء, وقبل الدخول في تفصيل المغزي العلمي لهذا التشبيه القراني لابد من توضيح الدلالات اللغويه والقرانيه لعدد من الالفاظ الوارده في الايه الكريمه وهذا ما سوف نفصله في الاسطر القليله التاليه.
الدلالات اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه
بالنسبه للفعل( يشرح) في قول الحق( تبارك وتعالي): يشرح صدره فان( الشرح) في اللغه هو الكشف والبسط واظهار الغامض والخافي من المعاني.
يقال:( شرح) المشكل او الغامض من الامر( يشرحه)( شرحا) اي فسره, وبسطه, واظهر ما خفي من معانيه, و(شرح) الله صدره للاسلام( فانشرح) اي انبسط في رضا وارتياح للنور الالهي والسكينه الروحيه لان من معاني( شرح) الصدر توسعته.
اما عن( الصدر الضيق الحرج) فاصل( الحرج) و(الحراج) مجتمع الاشياء من مثل الشجر ونحوه, ومن هنا تصور منه ضيق ما بينها, فقيل للضيق( حرج), وللاثم( حرج) واستخدام فعل( التحريج) بمعني التضييق, ويقال للغيضه الملتفه الاشجار التي يصعب دخولها:( حرجه), وعلي ذلك فان( الحرج) في اللغه هو الضيق بل ضيق الضيق, يقال مكان( حرج) بكسر الراء وفتحها اي ضيق كثير الشجر, و(الحرج) و(الحرج) ايضا الاثم, يقال:( احرجه) بمعني اثمه, و( تحرج) اي تاثم, و(حرج) عليه الشئ اي حرم عليه, و(المنحرج) المتجنب من الحرج والاثم, ويقال:( حرج) صدره( حرجا) فهو( حرج) اي ضاق ضيقا شديدا.
واما عن( التصعد في السماء) فالتصعد والتصاعد والصعود هو الذهاب الي المكان العالي او الارتفاع, وهو ضد الحدور, يقال:( صعد) بالكسر( يصعد)( صعودا) في السلم اي ارتقاه ارتقاء, و(صعد)( يتصعد) في الجبل, و(تصعد)( يتصعد) اي ارتفع عليه وعلاه, و(اصعد) في الارض( صعودا) اي مضي وسار في مناكبها والصعود ايضا العقبه الشاقه الكئود ويستعار لكل شاق واصعد في الوادي و(صعد) فيه( تصعيدا) اي انحدر معه, ولو ان الصعود اصلا ضد الهبوط, وهو و(الصعد) والصعيد واحد, ويقال عذاب( صعد) اي شديد و(الصعيد) هو ايضا ما يصعد اليه, و(الصعداء): تنفس ممدود, ويقال( تصعد) النفس بمعني صعب مخرجه, ويقال:( يصعد) واصلها( يتصعد) اي يتكلف الصعود, فلا يستطيعه, و(تصعد) ايضا تستخدم بمعني شق من المشقه و(الاصعاد)= الابعاد في الارض سواء كان في صعود او حدور( هبوط); و(الصعد) الشاق او المشقه ويقال:( تصعدون) اي تذهبون في الوادي هربا من عدوكم من( الاصعاد) وهو الذهاب في صعيد الارض, والابعاد فيه, يقال:( اصعد) في الارض اذا ابعد في الذهاب وامعن فيه فهو( مصعد).
الدلالات القرانيه لبعض الفاظ الايه الكريمه
جاء الفعل( شرح) بتصريفاته في اربعه مواضع من القران الكريم بالاضافه الي الايه الكريمه التي نحن بصددها علي النحو التالي:
(1) افمن شرح الله صدره للاسلام فهو علي نور من ربه....*( الزمر:22)
(2) الم نشرح لك صدرك*( الشرح:1)
(3) قال رب اشرح لي صدري*( طه:25)
(4).. ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم*( النحل:106)
وجاءت لفظه( حرج) في خمسه عشر موضعا بمعني الضيق في التشريع, او شده الضيق بصفه عامه, كما جاءت بمعني الاثم او الذنب.
اما الفعل( صعد) بمشتقاته فقد جاء في تسعه مواضع من كتاب الله( تعالي) بمعني الارتفاع, والقبول, والرضا من الله( سبحانه وتعالي), وبمعني الذهاب في الوادي, والمضي فيه هربا, وبمعني تكلف الصعود بمشقه بالغه, فلا يستطيعه, وبمعني شديدا صعبا, وبمعني العقبه المرتفعه الشاقه المصعد, وبمعني وجه الارض البارز سواء كان ترابا او غيره, وقيل التراب ذاته.
اما لفظه( السماء) فقد جاءت في ثلاثمائه وعشره مواضع من كتاب الله, منها مائه وعشرون بالافراد( السماء), ومائه وتسعون بالجمع( السماوات), وصيغه الجمع توحي ببقيه الكون في مقابله الارض, بينما الاشارات المفرده بلفظ( السماء) جاءت في ثمانيه وثلاثين موضعا بمعني الغلاف الغازي للارض بصفه عامه, والجزء الاسفل منه بصفه خاصه( او ما يعرف باسم نطاق التغيرات المناخيه او نطاق الرجع) والذي يحتوي غالبيه ماده الغلاف الغازي للارض, وجاء لفظ( السماء) ايضا بالافراد في اثنين وثمانين موضعا يفهم الغالب منها علي انه السماء الدنيا التي زينها ربنا( تبارك وتعالي) بالكواكب والنجوم والبروج, ويفهم منها مجموع السماوات قبل فصلها الي سبع, وبعد فصلها في بعض المواضع.
كذلك جاءت الاشاره في القران الكريم الي( السماوات والارض وما بينهما) في عشرين موضعا, ويفهم هذا التعبير علي ان المقصود منه هو الغلاف الغازي للارض بصفه عامه, والجزء الاسفل منه بصفه خاصه, وذلك لقول الحق( تبارك وتعالي):
(... والسحاب المسخر بين السماء والارض...*)
(البقره:164)
والسحاب يتحرك في نطاق الطقس, والقران الكريم يشير في اكثر من ايه الي انزال الماء من السماء, وواضح الامر ان المقصود بالسماء هنا هو السحاب.
فاذا كان المقصود بالسماء في قول الحق( تبارك وتعالي): كانما يصعد في السماء هو الغلاف الغازي للارض فان لذلك صعوباته ومشاقه التي تصل الي حد الاستحاله, واذا كان المقصود هو السماء الدنيا فان الصعوبات والعقبات تتضاعف اضعافا كثيره حتي تصل الي ما فوق الاستحاله, وذلك لان الله( تعالي) قد حدد للانسان نطاقا معينا من الارض وغلافها الغازي تتواءم فيه ومعه بنيته الجسديه, ووظائف اعضائه المختلفه, واذا خرج عن هذا النطاق فانه يحتضر ويموت, كما يموت السمك اذا اخرج من الماء, ويتضح ذلك جليا من دراسه الصفات الطبيعيه والكيميائيه لنطق الغلاف الغازي للارض.
شروح المفسرين للايه الكريمه
في تفسير الايه الكريمه التي نحن بصددها ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه: يقول تعالي:( فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام اي ييسره له وينشطه ويسهله لذلك, فهذه علامات علي الخير, كقوله تعالي( افمن شرح الله صدره للاسلام فهو علي نور من ربه) الايه, وقال تعالي:( ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم), وقال ابن عباس معناه يوسع قلبه للتوحيد والايمان به, وهو ظاهر. سئل رسول الله( صلي الله عليه وسلم): اي المومنين اكيس؟ قال: اكثرهم ذكرا للموت واكثرهم لما بعده استعدادا, وسئل عن هذه الايه( فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام) قالوا: كيف يشرح صدره يارسول الله؟ قال: نور يقذف فيه, فينشرح له وينفسح, قالوا: فهل لذلك من اماره يعرف بها؟ قال: الانابه الي دار الخلود, والتجافي عن دار الغرور, والاستعداد للموت قبل لقاء الموت.. وقوله تعالي( ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) حرجا بفتح الحاء والراء, وهو الذي لا يتسع لشئ من الهدي, ولا يخلص اليه شئ من الايمان ولا ينفذ فيه, وقد سال عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا من الاعراب من اهل الباديه من مدلج عن الحرجه؟ فقال: هي الشجره تكون بين الاشجار لا تصل اليها راعيه ولا وحشيه ولا شئ, فقال عمر رضي الله عنه: كذلك قلب المنافقين لا يصل اليه شئ من الخير; وقال ابن عباس: يجعل الله عليه الاسلام ضيقا والاسلام واسع, وذلك حين يقول:( وما جعل عليكم في الدين من حرج) يقول: ما جعل عليكم في الاسلام من ضيق, وقال مجاهد والسدي:( ضيقا حرجا) شاكا, وقال عطاء الخراساني:( ضيقا حرجا) اي ليس للخير فيه منفذ, وقال ابن المبارك:( ضيقا حرجا) بلا اله الا الله حتي لا تستطيع ان تدخل قلبه,( كانما يصعد في السماء) من شده ذلك عليه, وقال سعيد بن جبير:( يجعل صدره ضيقا حرجا) لا يجد فيه مسلكا الا صعد, وقال عطاء الخراساني:( كانما يصعد في السماء) يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع ان يصعد الي السماء, وقال ابن عباس: فكما لا يستطيع ابن ادم ان يبلغ السماء, فكذلك لا يستطيع ان يدخل التوحيد والايمان قلبه حتي يدخله الله في قلبه, وقال الاوزاعي: كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا ان يكون مسلما; وقال ابن جرير: وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شده ضيقه عن وصول الايمان اليه يقول: فمثله في امتناعه عن قبول الاي
مان وضيقه عن وصوله اليه مثل امتناعه عن الصعود الي السماء وعجزه عنه, لانه ليس في وسعه وطاقته....
وقال صاحب تفسير الجلالين( يرحمهما الله) شيئا مختصرا عن ذلك وذكر كل من صاحب( صفوه البيان لمعاني القران) يرحمه الله وصاحب صفوه التفاسير( امد الله في عمره) شيئا مشابها ايضا.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): من يقدر الله له الهدايه وفق سنته الجاريه من هدايه من يرغب في الهدي ويتجه اليه بالقدر المعطي له من الاختيار بقصد الابتلاء ( يشرح صدره للاسلام), فيتسع له, ويستقبله في يسر ورغبه, ويتفاعل معه, ويطمئن اليه, ويستريح به ويستريح له.
ومن يقدر له الضلال وفق سنته الجاريه من اضلال من يرغب عن الهدي ويغلق فطرته عنه ( يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء).. فهو مغلق مطموس يجد العسر والمشقه في قبوله,( كانما يصعد في السماء).. وهي حاله نفسيه تجسم في حاله حسيه, من ضيق النفس, وكربه الصدر, والرهق المضني في التصعد الي السماء!
التصعد في السماء كما تراه العلوم الكونيه
سبق, وان اشرنا ان لفظه( السماء) تعني الكون في مقابله الارض, وان التعريف اللغوي للسماء يشمل كل ما علاك فاظلك بدءا من نطق الغلاف الغازي للارض وانتهاء بالحدود المدركه للكون.
السماء بمعني الغلاف الغازي للارض
تحاط الارض بغلاف غازي تقدر كتلته بنحو خمسه الاف مليون مليون طن(5,2*1510 اطنان) ويقدر سمكه بعده الاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر, ويتناقص ضغطه من نحو الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع عند مستوي سطح البحر الي واحد من المليون من ذلك في الجزء العلوي منه.
ويقسم الغلاف الغازي للارض الي قسمين رئيسيين علي النحو التالي:
ا القسم السفلي من الغلاف الغازي للارض
(The lower Atmosphere)
ويتكون من خليط من جزيئات النيتروجين, والاوكسجين, وعدد من الغازات الاخري, ويعرف باسم النطاق المتجانس
(The Homosphere)
ويقسم الي ثلاثه نطق متميزه من اسفل الي اعلي علي النحو التالي:
(1) نطاق التغيرات الجويه:
نطاق الطقس او نطاق الرجع
(TheTroposphere)
وهو نطاق قليل السمك, يلامس الارض مباشره, ويمتد من مستوي سطح البحر الي ارتفاع16 الي17 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويتناقص سمكه الي ما بين6 و8 كيلو مترات فوق القطبين, ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجويه, فينكمش الي ما دون السبعه كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض, ويمتد الي نحو13 كيلو مترا في مناطق الضغط المرتفع, وعندما تتحرك كتل الهواء الحار من خط الاستواء في اتجاه القطبين فانها تضطرب فوق هذا المنحني الوسطي, فتزداد سرعه الهواء مندفعا تجاه الشرق بتاثير دوران الارض حول محورها امام الشمس من الغرب الي الشرق, ويتم ذلك بسرعه فائقه تعطي كتل الهواء المتحركه بها اسم التيار النفاث
(The Jet stream).
ويضم هذا النطاق ثلثي(66%) كتله الغلاف الغازي للارض, وتتناقص درجه الحراره فيه مع الارتفاع باستمرار( بمعدل6 درجات مئويه كل كيلو متر ارتفاع في المتوسط حتي تصل الي ستين درجه مئويه تحت الصفر في قمته المعروفه باسم مستوي الركود الجوي
(The tropopause)
وذلك لتناقص الضغط فيه الي عشر الضغط الجوي عند سطح البحر تقريبا, وللبعد عن سطح الارض وهو مصدر التدفئه الصاعده الي هذا النطاق.
وهذا النطاق هو نطاق تكثف بخار الماء الصاعد من الارض, وتكون السحب, وهطول كل من المطر والبرد والثلج, وحدوث ظواهر الرعد والبرق, وتحرك الرياح, وتكون العواصف والدوامات, وتيارات الحمل الهوائيه, وغير ذلك من الظواهر الجويه, ويتركب الغلاف الغازي في هذا النطاق اساسا من جزيئات كل من النيتروجين( بنسبه78,1% بالحجم) والاوكسجين( بنسبه21% بالحجم), والارجون بنسبه0,93% بالحجم وثاني اكسيد الكربون( بنسبه0,03% بالحجم), بالاضافه الي نسب ضئيله من بخار الماء, واثار طفيفه من كل من الميثان, واكاسيد النيتروجين, واول اكسيد الكربون, والايدروجين, والهيليوم, والاوزون وبعض الغازات الخامله مثل الارجون.
(2) نطاق التطبق
(The Stratosphere):
ويمتد من فوق مستوي الركود الجوي
(TheTropopause)
اي من ارتفاع16 17 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر الي قرابه الخمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وبذلك يقدر سمكه بنحو33 34 كيلو مترا, وينتهي بمستوي الركود الطبقي
(The Stratopause)
وترتفع درجه الحراره في هذا النطاق من اكثر من ستين درجه مئويه تحت الصفر عند قاعدته الي نحو الثلاث درجات فوق الصفر المئوي عند قمته, ويرجع السبب المباشر في هذا الارتفاع الحراري الي امتصاص قدر من الاشعه فوق البنفسجيه المقبله مع اشعه الشمس بواسطه جزيئات الاوزون التي تتركز في الجزء السفلي من هذا النطاق( بين ارتفاعي18 و30 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر) مكونه جزءا مميزا منه يعرف باسم نطاق الاوزون
(The Ozonosphere)
يتركز فيه هذا الغاز المهم بنسبه0,001% ولكنها نسبه كافيه لحمايه الارض, وما عليها من صور الحياه من اضرار الاشعه فوق البنفسجيه, وهي اشعه حارقه ومدمره لجميع صور الحياه الارضيه, ولولا وجود طبقه الاوزون, وما اعطاها الله تعالي من قدره لامتصاص وتحويل الاشعه فوق البنفسجيه لكانت الحياه مستحيله علي الارض.
ويستمر الضغط في الانخفاض في نطاق التطبق من قاعدته الي قمته حيث يصل فيه الي واحد من الف من الضغط الجوي عند سطح البحر.
(3) النطاق المتوسط
(The Mesosphere)
ويمتد من مستوي الركود الطبقي( اي من ارتفاع نحو خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر الي ارتفاع80 الي90 كيلو مترا فوق هذا المستوي, ويتراوح سمكه بين30 و40 كيلو مترا).
وتنخفض درجه الحراره في نطاق التطبق بمعدل ثلاث درجات لكل كيلو متر ارتفاع تقريبا حتي تصل الي نحو مئه درجه مئويه تحت الصفر عند حده العلوي والمعروف باسم مستوي الركود الاوسط
(The Mesopause)
وان كانت درجه الحراره تلك تتغير باستمرار مع تغير الفصول المناخيه.
كذلك يستمر الضغط في الانخفاض مع الارتفاع حتي يصل في قمه هذا النطاق الي اربعه من المليون من الضغط الجوي عند سطح البحر.
(ب) القسم العلوي من الغلاف الغازي للارض
(The upper Atmosphere)
وهذا القسم من الغلاف الغازي للارض يختلف اختلافا كليا عن القسم السفلي ولذا يعرف باسم نطاق التباين
(The Heterosphere)
وتبدا فيه جزيئات مكوناته في التفكك الي ذراتها وايوناتها بفعل كل من اشعه الشمس والاشعه الكونيه, كذلك تسود فيه ذرات الغازات الخفيفه من مثل الايدروجين والهيليوم علي حساب الذرات الكثيفه نسبيا من مثل الاوكسجين والنيتروجين, وتواصل درجات الحراره الارتفاع فيه حتي تصل الي اكثر من الفي درجه مئويه, ويواصل الضغط الانخفاض حتي يصل في قمه هذا النطاق الي اقل من واحد في المليون من الضغط الجوي علي سطح البحر.
ويحوي هذا القسم نطاقين متميزين هما من اسفل الي اعلي كما يلي:
(1) النطاق الحراري
(TheThermosphere)
ويمتد من مستوي الركود المتوسط( اي من ارتفاع يتراوح بين80 و90 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر في المتوسط الي عده مئات من الكيلومترات فوق مستوي سطح البحر عند مستوي الركود الحراري
(Thermopause)
وتواصل درجات الحراره في الارتفاع في هذا النطاق من نحو المائه درحه مئويه في اعلي النطاق الاسفل منه لتصل الي ما بين227 و500 درجه مئويه عند ارتفاع مائه وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتبقي درجه الحراره ثابته تقريبا عند درجه500 مئويه الي ارتفاع يتراوح بين ثلاثمائه واربعمائه كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, ثم تقفز بعد ذلك الي درجات تتراوح بين1500 و2000 درجه مئويه الي نهايه النطاق وتزيد في فترات النشاط الشمسي.
(2) النطاق الخارجي
(The Exosphere):
هو نطاق يعلو النطاق الحراري, تثبت فيه درجه الحراره ثبوتا نسبيا, ولذا يطلق عليه احيانا اسم نطاق التساوي الحراري
(The Isothermalsphere)
ويتضاءل الضغط فيه, وتتمدد الغازات تمددا كبيرا وتتحرك ذراتها بحريه كامله في مساراتها فتقل فرص التلاقي بينها بعد ارتفاع يطلق عليه اسم الارتفاع الحرج
(The Critical Elevation)
او خط ركود الضغط الجوي
(The Baropause)
او قاعده العوالم الخارجيه عن الارض
(The Exobase)
وعند هذا الحد يبدا الغلاف الغازي للارض في الالتصاق بقاعده السماء الدنيا او ما يطلق عليه اسم الماده بين الكواكب
(The Interplanetary Matter)
والتداخل احيانا فيها لتضاول سيطره الجاذبيه الارضيه علي ذرات الغازات في الاجزاء العليا من هذا النطاق مما يزيد من قدرات تلك الذرات علي الانفلات من قيود الجاذبيه الارضيه والهروب بعيدا عن الارض وعن غلافها الجوي.
وفي المنطقه من قمه النطاق المتوسط( اي من ارتفاع مائه كيلو متر تقريبا) الي اقصي الحدود العلويه للغلاف الغازي للارض تتاين ذرات الغازات( اي تشحن بالكهرباء) بفعل كل من الاشعه فوق البنفسجيه والسينيه المقبله مع اشعه الشمس, وبعض جسيمات كل من الاشعه الشمسيه الكونيه, ويطلق علي هذا السمك اسم نطاق التاين
(The Ionosphere).
والمنطقه التي تفوق فيها طاقه الايونات الطاقه الحراريه فانها تتحرك بين خطوط قوي مجال الجاذبيه الارضيه مكونه منطقه متميزه تعرف باسم النطاق المغناطيسي للارض
(The Magnetosphere)
وتمتد الي نهايه الغلاف الغازي للارض, وقد تتداخل في نطاق الماده بين الكواكب.
كذلك تم اكتشاف زوجين من الاحزمه الاشعاعيه
(The Radiation Belts)
يحيطان بالكره الارضيه علي هيئه هلاليه مزدوجه تزيد فيها تلك الاحزمه في السمك زياده ملحوظه عند خط الاستواء, وترق رقه شديده عند القطبين, وفي هذه الاحزمه تحتبس الايونات واللبنات الاوليه للماده( من مثل البروتونات والاليكترونات) والتي يقتنصها المجال المغناطيسي للارض, فتتحرك عبر ذلك المجال من احد قطبي الارض للاخر وبالعكس في حركه دائبه.
ويتركز الزوج الداخلي من احزمه الاشعاع علي ارتفاع3200 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر, بينما يتركز الزوج الخارجي علي ارتفاع25000 كيلو متر فوق هذا المستوي.
تقسيم الغلاف الغازي للارض من حيث مواءمته للحياه الارضيه
يقسم الغلاف الغازي للارض من حيث مواءمته للحياه الارضيه الي النطق التاليه:
(1) نطاق المواءمه الكامله للحياه الارضيه
ويمثل الجزء الغازي من نطاق الحياه الذي يمتد من اعماق المحيطات( بمتوسط عمق3800 متر تحت مستوي سطح البحر) الي ارتفاع في الغلاف الغازي للارض لا يتعدي الثلاثه كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر.وهذاالجزء الهوائي من نطاق الحياه هو نطاق المواءمه البيئيه الكامله لحياه الانسان, اي التي يستطيع الانسان العيش فيها بدون مخاطر صحيه, لملاءمه التركيب الكيميائي والصفات الطبيعيه للغلاف الغازي للارض في هذا النطاق لطبيعه جسم الانسان ولوظائف كل اعضائه واجهزته من مثل وفره الاوكسجين, وتوسط كل من الضغط ودرجات الحراره.
ومتوسط ارتفاع اليابسه لايكاد يصل الي هذا الحد من الارتفاع فوق مستوي سطح البحر الذي تكون التغيرات الطبيعيه والكيميائيه عنده محتمله, ولذلك لا تظهر علي البشر الذين يعيشون في مثل هذه الارتفاعات او يصلون اليها ايه اعراض من اعراض نقص الاوكسجين او تناقص الضغط, علي الرغم من الانخفاض في درجه الحراره, وبعض الاختلافات في سلوك سائل مثل الماء في تلك الارتفاعات العاليه.
(2) نطاق شبه المواءمه للحياه الارضيه
ويمتد هذا النطاق من ارتفاع ثلاثه كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر الي ارتفاع سته عشر كيلو مترا فوق ذلك المستوي ويقترب في منتصفه من اعلي قمم الارض ارتفاعا(8848 مترا) ويتميز بنقص تدريجي في نسبه الاوكسجين, وتناقص الضغط بمعدلات ملحوظه, ويمكن للانسان العيش في الاجزاء السفلي من هذا النطاق بصعوبه فائقه لصعوبه التنفس, والخلل الذي يعتري بعض وظائف اعضاء جسده نتيجه لانخفاض الضغط الجوي فتبدو عليه اعراض نقص الاوكسجين( هيبوكسيا) واعراض انخفاض الضغط الجوي( ديسباريزم).
(3) نطاق استحاله وجود الانسان بغير عوامل وقائيه كامله:
ويمتد من ارتفاع سته عشر كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر الي نهايه الغلاف الغازي للارض, وهو نطاق يستحيل بقاء الانسان فيه بغير عوامل كافيه للوقايه من مخاطر هذا النطاق, وذلك بتكييف الجو المحيط به من حيث الضغط ودرجتي الحراره والرطوبه, وامداده بالقدر الكافي من الاوكسيجين وتنقيته من ثاني اكسيد الكربون, وغير ذلك من النواتج الضاره, مع المراقبه المستمره للاحوال الصحيه ويتم ذلك بتزويده بحلل مشابهه لحلل رواد الفضاء المزوده باجهزه كامله لدعم حياه الانسان في مثل هذه البيئات الخطره من مثل النقص الحاد في كل من الضغط الجوي, ونسبه الاوكسجين, والتغيرات الشديده في درجات الحراره.
والحلل التي يرتديها رواد الفضاء في داخل مركباتهم الفضائيه المكيفه بظروف موائمه لطبيعه الانسان هي حلل محكمه غايه الاحكام غير منفذه للهواء ولا للاشعه الكونيه ومليئه بالهواء المضغوط بالقدر المطلوب لسلامه جسم الانسان, وتتم مراقبه الضغط داخل تلك الحلل باجهزه ضغط يمكن التحكم فيها بواسطه صمامات خارجيه, ومزوده بجيوب لتجميع افرازات الجسم والسوائل الخارجه منه, وتسمح في الوقت نفسه بالوصول الي الجسد لمعالجته بالحقن الطبيه اللازمه في حالات الضروره.
اما في رياده الغلاف الغازي للارض خارج المركبات الفضائيه, فيحتاج رواد الفضاء الي حلل مزوده بضوابط بيئيه تفوق الحلل المستخدمه داخل المركبات الفضائيه في تعقيدها, وذلك بتزويدها بضوابط لدعم الحياه محموله تسمي باسم نظم الدعم الحياتي المحموله
(Portable Life-Support Systems),
وتضم بالاضافه الي حلل داخل المركبات الفضائيه مصادر محموله للتزود بالاوكسيجين لها انبوبتان احداهما للشهيق والاخري للزفير, واجهزه اتصال لاسلكيه, ووحده تكييف للهواء, ولوحات تحكم في الضغط, وخوذه وغطاء عازلان للحراره ولكل من الاشعه الشمسيه والكونيه, واحذيه طويله الرقبه, وقفازات عازله لكل من الحراره والاشعه ورجوم النيازك المتناهيه في صغر الحجم.
الصعوبات التي يواجهها الانسان حينما يتصعد في السماء بغير وقايه كافيه
اذا تجاوز الانسان ارتفاع الثمانيه كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر فانه يتعرض لمشكلات عديده منها صعوبه التنفس لنقص الاوكسجين وتناقص ضغط الهواء, وهو مرض يسميه المتخصصون في طب الطيران باسم مرض عوز الاوكسجين
Hypoxia
ومنها مشكلات انخفاض الضغط الجوي والذي يسمي باسم خلل الضغط الجوي
Dysbarism
وتحت هذين العارضين لا يستطيع جسم الانسان القيام بوظائفه الحيويه, فتبدا في التوقف الوظيفه تلو الاخري, وهنا يمكن تفسير ضيق الصدر الذي يمر به الانسان عند الصعود الي تلك المرتفعات بغير استعدادات وقائيه كافيه, فيبدا بالشعور بالاجهاد الشديد, والصداع المستمر, والشعور بالرغبه في النوم, ونتيجه للنقص في الضغط الجوي تبدا الغازات المحبوسه في داخل انسجه الجسم وتجاويفه المختلفه في التمدد من مثل الجهاز التنفسي من الرئتين والقصبه الهوائيه وتشعباتهما والانف, والجيوب الانفيه, والجهاز الدوري من القلب والاورده والشرايين, والجهاز السمعي خاصه الاذن الوسطي, والجهاز الهضمي من مثل المعده والامعاء الدقيقه والغليظه, خاصه القولون, والفم والاسنان والاضراس واللثه مما يودي الي الام شديده في كل اجزاء الجسم, والي ضغوط شديده علي الرئتين والقلب والي تمزق خلاياهما وانسجتهما, ويسبب الشعور بضيق الصدر وحشرجه الموت.
كذلك تبدا الغازات الذائبه في جميع سوائل الجسم وانسجته في الانفصال والتصاعد الي خارج حيز الجسد, واهمها غاز النيتروجين الذي يصل حجمه في جسم الفرد البالغ الي نحو اللتر موزعه بين الدم وانسجه الجسم المختلفه, وتخرج هذه الغازات علي هيئه فقاعات تندفع الي الخارج بسرعه فائقه مما يزيد من تمزق الخلايا والانسجه, والي حدوث الام مبرحه بكل من الصدر والمفاصل, والي ضيق شديد في التنفس نتيجه لتصاعد فقاعات النيتروجين من انسجه الرئتين, ومن داخل الشعيرات الدمويه, ومن الانسجه المحيطه بها ومن الجلد ومن انسجه وخلايا الجهاز العصبي, فتتاثر رويه الشخص, ويختل توازنه, ويصاب بصداع شديد, ثم اغماء كامل او صدمه عصبيه او بشلل جزئي او كلي وزرقه بالجسم تنتهي بالوفاه بسبب توقف كل من القلب والرئتين, وانهيار الجهاز العصبي, وفشل كامل في وظائف بقيه اعضاء الجسم ولعل ذلك هو المقصود بقول الحق( تبارك وتعالي):
فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يومنون*( الانعام:125)
وهذه حقائق لم يدركها الانسان الا في العقود المتاخره من القرن العشرين وان بدا يتحسسها منذ نهايه القرن الثامن عشر, وورودها في كتاب الله الذي انزل قبل اربعه عشر قرنا علي نبي امي صلي الله وسلم وبارك عليه في امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين مما يوكد ان القران الكريم هو كلام الله الخالق, وان هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
-
(22) وفي الارض ايات للموقنين
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سوره الذاريات بقسم منه وهو سبحانه الغني عن القسم وجاء القسم بعدد من اياته الكونيه علي ان وعده لعباده وعد صادق, وان دينه الذي انزله علي فتره من الرسل, والذي اتمه في بعثه النبي والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) والذي سماه الاسلام, والذي لا يرتضي من عباده دينا سواه لهو حق واقع لاشك فيه.
ثم عاود ربنا( تبارك اسمه) القسم مره اخري بالسماء ذات الحبك علي ان الناس مختلفون في امر يوم الدين بين مكذب ومصدق, وان المكذبين الذين شغلتهم الحياه الدنيا عن التفكير في مصيرهم بعد الموت يصرفون عن حقيقه هذا اليوم الرهيب, ثم تعرض الايات لمصير كل من المكذبين والمصدقين بالاخره, كما تعرض لعدد من صفات كل من الفريقين, ثم تعاود السوره في سياقها الاستدلال بعدد من الايات الكونيه الاخري في الارض وفي الانفس وفي الافاق علي ان وحي الله( تعالي) الي عباده في القران الكريم حق مطلق يجب علي الناس تصديقه كما يصدقون ما ينطقون هم انفسهم به...!!!
ومن هذه الايات الكونيه التي استشهد بها الحق( تبارك وتعالي) علي صدق وحيه في اخر رسالاته وكتبه قوله( وهو اصدق القائلين):
وفي الارض ايات للموقنين*
فما هي ايات الله في الارض الداله علي طلاقه قدرته, وعظيم حكمته, واحاطه سلطانه وعلمه؟ ما هذه الايات التي استشهد بها( سبحانه وتعالي) وهو الغني عن كل شهاده علي صدق وحيه الذي انزله علي خاتم انبيائه ورسله؟ هذا الوحي الذي تعهد( سبحانه) بحفظه فحفظ علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد بنفس اللغه التي اوحي بها( اللغه العربيه), سوره سوره, وايه ايه, وكلمه كلمه, وحرفا حرفا, دون ادني زياده او نقصان, وهذا وحده من اعظم الشهادات علي صدق القران الكريم واعجازه, وعلي انه كلام الله الخالق, وعلي صدق الصادق الامين الذي تلقاه عن ربه, وعلي صدق نبوته ورسالته( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه وعلي من تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين)
الدلاله اللغويه لالفاظ الايه الكريمه
(الارض) في اللغه العربيه اسم جنس للكوكب الذي نحيا عليه, تمييزا له عن بقيه الكون, والذي يجمع تحت اسم السماوات او السماء, ولفظه( الارض) مونثه, والاصل ان يقال لها( ارضه) والجمع( ارضات) و(ارضون) بفتح الراء او بتسكينها, وقد تجمع علي( اروض) و( اراض), ولفظه( الاراضي) تستخدم علي غير قياس.
ويعبر( بالارض) عن اسفل الشيء, كما يعبر بالسماء عن اعلاه, فكل ما سفل فهو( ارض), وكل ما علا فهو سماء, ويقال:( ارض اريضه) اي حسنه النبت, زكيه بينه الزكاء او( الاراضه), كما يقال:( تارض) النبت بمعني تمكن علي الارض فكثر, و(تارض) الجدي اذا تناول نبت( الارض), ويقال ايضا:( الارض النفضه) و( الارض الرعده) اي التي تنتفض وترتعد اثناء حدوث الهزات الارضيه والثورانات البركانيه.
و( الارضه) بفتحتين دوده( دويبه) تاكل الخشب, يقال:( ارضت) الاخشاب( تورض)( ارضا) فهي( ماروضه) اذا اكلتها( الارضه), ولم تسم العرب فاعلا لهذا الفعل.
الارض في القران الكريم
جاء ذكر الارض في اربعمائه وواحد وستين(461) موضعا من كتاب الله, منها ما يشير الي الارض ككل في مقابله السماء, ومنها ما يشير الي اليابسه التي نحيا عليها كلها, او الي جزء منها,( واليابسه هي جزء من الغلاف الصخري للارض وهي كتل القارات السبع المعروفه والجزر المحيطيه العديده), ومنها ما يشير الي التربه التي تغطي صخور الغلاف الصخري للارض.
وفي هذه الايات اشارات الي العديد من الحقائق العلميه عن الارض والتي يمكن تبويبها بايجاز علي النحو التالي:
(1) ايات تامر الانسان بالسير في الارض, والنظر في كيفيه بدء الخلق, وهي اساس المنهجيه العلميه في دراسه علوم الارض.
(2) ايات تشير الي شكل وحركات واصل الارض, منها ما يصف كرويه الارض, ومنها ما يشير الي دورانها, ومنها ما يوكد علي عظم مواقع النجوم منها, او علي حقيقه اتساع الكون و(الارض جزء منه), او علي بدء الكون بجرم واحد( مرحله الرتق), ثم انفجار ذلك الجرم الاولي( مرحله الفتق), او علي بدء خلق كل من الارض والسماء من دخان, او علي انتشار الماده بين السماء والارض( الماده بين الكواكب وبين النجوم وبين المجرات), او علي تطابق كل من السماوات والارض( اي تطابق الكون).
(3) ايه قرانيه واحده توكد ان كل الحديد في كوكبنا الارض قد انزل اليها من السماء انزالا حقيقيا.
(4) ايه قرانيه توكد حقيقه ان الارض ذات صدع, وهي من الصفات الاساسيه لكوكبنا.
(5) ايات قرانيه تتحدث عن عدد من الظواهر البحريه المهمه من مثل ظلمات البحار والمحيطات( ودور الامواج الداخليه والسطحيه في تكوينها), وتسجير بعض هذه القيعان بحراره عاليه, وتمايز المياه فيها الي كتل متجاوره لا تختلط اختلاطا كاملا, نظرا لوجود حواجز افقيه وراسيه غير مرئيه تفصل بينها, ويتاكد هذا الفصل بين الكتل المائيه بصوره اوضح في حاله التقاء كل من المياه العذبه والمالحه عند مصاب الانهار, مع وجوده بين مياه البحر الواحد او بين مياه البحار المتصله ببعضها البعض
(6) ايات قرانيه تتحدث عن الجبال, منها ما يصفها بانها اوتاد, وبذلك يصف كلا من الشكل الخارجي( الذي علي ضخامته يمثل الجزء الاصغر من الجبل) والامتداد الداخلي( الذي يشكل غالبيه جسم الجبل), كما يصف وظيفته الاساسيه في تثبيت الغلاف الصخري للارض, وفي اتزان دورانها حول محورها, وتتاكد هذه الوظيفه في اثنتين وعشرين ايه اخري, وردت بها كذلك اشارات الي عدد من الوظائف والصفات الاضافيه للجبال من مثل دورانها مع الارض, او تكوينها من صخور متباينه في الالوان والاشكال والهيئه. او دورها في انزال المطر, وتغذيه الانهار, وشق الاوديه والفجاج او في جريان السيول.
(7) ايات قرانيه تشير الي نشاه كل من الغلافين المائي والهوائي للارض, وذلك باخراج مكوناتهما من باطن الارض, او تصف الطبيعه الرجعيه لغلافها الغازي, او توكد حقيقه ظلام الفضاء الكوني الخارجي, او علي تناقص الضغط الجوي مع الارتفاع عن سطح الارض, او علي تبادل الليل والنهار, وعلي رقه طبقه النهار حول نصف الارض المواجه للشمس, او علي ان ليل الارض كان في بدء خلقها مضاء كنهارها, ثم محي ضووه.
(8) ايات تشير الي رقه الغلاف الصخري للارض, والي تسويه سطحه وتمهيده وشق الفجاج والسبل فيه, والي تناقص الارض من اطرافها.
(9) ايات توكد اسكان ماء المطر في الارض مما يشير الي دوره المياه حول الارض وفي داخل صخورها, او توكد علاقه الحياه بالماء, او تلمح الي امكانيه تصنيف الكائنات الحيه.
(10) ايات توكد ان عمليه الخلق قد تمت علي مراحل متعاقبه عبر فترات زمنيه طويله
(11) ايات قرانيه تصف نهايه كل من الارض والسماوات وما فيهما( اي الكون كله) بعمليه معاكسه لعمليه الخلق الاول كما تصف اعاده خلقهما من جديد, ارضا غير الارض الحاليه وسماوات غير السماوات القائمه.
هذه الحقائق العلميه لم تكن معروفه للانسان قبل هذا القرن, بل ان الكثير منها لم يتوصل الانسان اليه الا في العقود القليله المتاخره منه عبر جهود مضنيه, وتحليل دقيق لكم هائل من الملاحظات والتجارب العلميه في مختلف جنبات الجزء المدرك من الكون, وان السبق القراني في الاشاره الي مثل هذه الحقائق باسلوب يبلغ منتهي الدقه العلميه واللغويه في التعبير, والاحاطه والشمول في الدلاله ليوكد جانبا مهما من جوانب الاعجاز في كتاب الله, وهو جانب الاعجاز العلمي, ومع تسليمنا بان القران الكريم معجز في كل امر من اموره, الا ان الاعجاز العلمي يبقي من انجح اساليب الدعوه الي الله في عصر العلم والتقنيه الذي نعيشه.
ومن هنا تتضح اهميه القران الكريم في هدايه البشريه في زمن هي احوج ما تكون الي الهدايه الربانيه. كما تتضح اهميه دراسات الاعجاز العلمي في كتاب الله مهما تعددت تلك المجالات العلميه, وذلك لان ثبات صدق الاشارات القرانيه في القضايا الكونيه من مثل اشاراته الي عدد من حقائق علوم الارض, وهي من الامور الماديه الملموسه التي يمكن للعلماء التجريبيين اثباتها لادعي الي التسليم بحقائق القران الاخري خاصه ما يرد منها في مجال القضايا الغيبيه والسلوكيه( من مثل قضايا العقيده والعباده والاخلاق والمعاملات) والتي تمثل ركائز الدين, ولا سبيل للانسان في الوصول الي قواعد سليمه لها والي ضوابط صحيحه فيها الا عن طريق بيان رباني خالص لا يداخله ادني قدر من التصور البشري.
من ايات الله في خلق الارض
وجعلها صالحه للعمران
الارض هي احد افراد المجموعه الشمسيه التي تتكون من تسعه كواكب, اساسيه, يدور كل منها حول نفسه, ويجري في مدار محدد له حول الشمس, وهناك مدار للكويكبات بين كل من كوكبي المريخ والمشتري يعتقد انها بقايا لكوكب عاشر قد انفجر, وهناك احتمال بوجود كوكب حادي عشر لم يتم كشفه او رصده بعد, ولكن تم التوقع بوجوده بواسطه الحسابات الفلكيه.
وكواكب المجموعه الشمسيه المعروفه لنا هي من الداخل الي الخارج علي النحو التالي:
عطارد, الزهره, الارض, المريخ, الكويكبات, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو, بروسوبينا( اوبريينا).
وهناك بعد ذلك نطق المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات مغلقه او مفتوحه علي مسافات بعيده جدا وتعتبر جزءا من المجموعه الشمسيه.
ويقدر متوسط المسافه بين الشمس واقرب كواكبها( عطارد) بحوالي58 مليون كيلو متر( بين46 مليون,69 مليون كيلو متر), ويقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بحوالي150 مليون كيلو متر, ويبعد بلوتو عن الشمس بمسافه تقدر في المتوسط بحوالي6000 مليون كيلو متر, ويقدر متوسط بعد الكوكب المقترح بروسوبينا بحوالي ضعف هذه المسافه(12 بليون كيلو متر), ويبعد نطاق المذنبات عن الشمس عشرات اضعاف المسافه الاخيره.
وعلي ذلك فالارض هي ثالثه الكواكب بعدا عن الشمس, وهي تجري حول الشمس في فلك بيضاني( اهليلجي) قليل الاستطاله بسرعه تقدر بحوالي30 كيلو متر في الثانيه(29,6 كيلو مترا في الثانيه) لتتم دورتها هذه في سنه شمسيه مقدارها365,25 يوم تقريبا, وتدور حول نفسها بسرعه مقدارها حوالي30 كيلو مترا في الدقيقه(27,8 كيلو متر في الدقيقه) عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره24 ساعه تقريبا, يتقاسمه ليل ونهار, بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول, التي تنتج بسبب ميل محور دوران الارض علي دائره البروج بزاويه مقدارها ست وستون درجه ونصف تقريبا, ويعزي للسبب نفسه تتابع الدورات الزراعيه, وهبوب الرياح, وهطول الامطار, وفيضان الانهار باذن الله.
والارض كوكب فريد في كل صفه من صفاته, مما اهله بجداره ان يكون مهدا للحياه الارضيه بكل مواصفاتها, ولعل هذا التاهيل هو احد مقاصد الايه القرانيه الكريمه التي يقول فيها الحق( تبارك وتعالي) وفي الارض ايات للموقنين ولعل من اوضح هذه الايات البينات ما يلي:
اولا: بعد الارض عن الشمس:
يقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بحوالي مائه وخمسين مليونا من الكيلو مترات, وقد استخدمت هذه المسافه كوحده فلكيه للقياس في فسحه الكون, ولما كانت كميه الطاقه التي تصل من الشمس الي كل كوكب في مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعه جريه في مداره حولها, بينما يتناسب طول سنه الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها( وسنه الكوكب هي المده التي يستغرقها في اتمام دوره كامله حول الشمس), اتضحت لنا الحكمه البالغه من تحديد بعد الارض عن الشمس, فقد قدرت الطاقه التي تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع علي سطحها بحوالي عشره احصنه ميكانيكيه, ولا يصل الارض سوي جزء واحد من بليوني جزء من هذه الطاقه الهائله, وهو القدر المناسب لنوعيه الحياه الارضيه, ولتنشيط القوي الخارجيه التي تعمل علي تسويه سطح الارض, وتكوين التربه, وتحريك دوره المياه حول الارض, وغير ذلك من الانشطه الارضيه. ولطاقه الشمس الاشعاعيه صور عديده اهمها: الضوء الابيض, والحراره( الاشعه تحت الحمراء), والاشعه السينيه, والاشعه فوق البنفسجيه, ونسب هذه المكونات للطاقه الشمسيه ثابته فيما بينها, وان اختلفت كميه الاشعاع الساقط علي اجزاء الارض المختلفه باختلاف كل من الزمان والمكان.
وحزمه الضوء الابيض تتكون من الاطياف السبعه( الاحمر, والبرتقالي, والاصفر, والاخضر, والازرق, والنيلي, والبنفسجي) وتقدر نسبتها في الاشعه الشمسيه التي تصل الي الارض بحوالي38%, ولها اهميه بالغه في حياه كل من النبات والحيوان والانسان, وتبلغ اقصي مدي عند منتصف النهار عموما, وعند منتصف نهار الصيف خصوصا, لان قوه اناره اشعه الشمس لسطح الارض تبلغ في الصيف ضعفي ما تبلغه في الشتاء.
اما الاشعه تحت الحمراء فتقدر نسبتها في اشعه الشمس التي تصل الي الارض بحوالي53%, ولها دورها المهم في تدفئه الارض وما عليها من صور الحياه, وفي كافه العمليات الكيميائيه التي تتم علي سطح الارض وفي غلافها الجوي, الذي يرد عنا قدرا هائلا من حراره الشمس, فكثافه الاشعاع الشمسي والتي تقدر بحوالي2 سعر حراري علي كل سنتيمتر مربع من جو الارض في المتوسط يتشتت جزء منها بواسطه جزيئات الهواء, وقطرات الماء, وهباءات الغبار السابحه في جو الارض, ويمتص جزء اخر بواسطه كل من غاز الاوزون وبخار الماء, ومتوسط درجه الحراره علي سطح الارض يقدر بحوالي عشرين درجه مئويه وان تراوحت بين حوالي74 درجه مئويه تحت الصفر في المناطق القطبيه المتجمده و55 درجه مئويه في الظل في اشد المناطق والايام قيظا.
اما الاشعه فوق البنفسجيه فتقدر نسبتها بحوالي9% من مجموع اشعه الشمس التي تصل الي الارض وذلك لان غالبيتها تمتص او ترد بفعل كل من النطاق المتاين ونطاق الاوزون الذي جعلهما ربنا( تبارك وتعالي) من نطق الحمايه للحياه علي الارض, ويقدر ما يصل الي الارض من طاقه الشمس بحوالي ثلاثه عشر مليون حصانا ميكانيكيا علي كل كيلو متر مربع من سطح الارض في كل ثانيه وتقدر قيمته ببلايين الدولارات مما لا قبل للبشريه كلها بتحمله او وفاء شكر الله عليه...!!!
ولو كانت الارض اقرب قليلا الي الشمس لكانت كميه الطاقه التي تصلها كافيه لاحراق كافه صور الحياه علي سطحها, ولتبخير مياهها, ولخلخله غلافها الغازي.
فكوكب عطارد الذي يقع علي مسافه تقدر بحوالي0,39 من بعد الارض عن الشمس تتراوح درجه حراره سطحه بين220 درجه مئويه في وجهه المضيء و27 درجه مئويه في وجهه المظلم, وكوكب الزهره الذي يقع علي مسافه تقدر بحوالي0,72 من بعد الارض عن الشمس تصل درجه الحراره علي سطحه الي457 درجه مئويه(730 درجه مطلقه).
وعلي النقيض من ذلك فان الكواكب الخارجه عن الارض( المريخ, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو) لا يصلها قدر كاف من حراره الشمس فتعيش في بروده قاتله لا تقوي الحياه الارضيه علي تحملها.
ولذلك فانه من الواضح ان بعد الارض عن الشمس قد قدره ربنا( تبارك وتعالي) بدقه بالغه تسمح للارض بتلقي قدر من طاقه الشمس يتناسب تماما مع حاجات جميع الكائنات الحيه علي سطحها, وفي كل من مياهها, وهوائها بغير زياده او نقصان الا في الحدود الموائمه لطبيعه الحياه الارضيه في مختلف فصول السنه.
فلو كانت الارض علي مسافه من الشمس تقدر بنصف بعدها الحالي لزادت كميه الطاقه التي تتلقاها ارضنا منها الي اربعه امثال كميتها الحاليه ولادي ذلك الي تبخير الماء وخلخله الهواء واحتراق جميع صور الحياه علي سطحها..!!!
ولو كانت الارض علي ضعف بعدها الحالي من الشمس لنقصت كميه الطاقه التي تتلقاها الي ربع كميتها الحاليه, وبالتالي لتجمدت جميع صور الحياه واندثرت بالكامل.
وباختلاف بعد الارض عن الشمس قربا او بعدا يختلف طول السنه, وطول كل فصل من الفصول نقصا او زياده مما يودي الي اختلال ميزان الحياه علي سطحها, فسبحان من حدد للارض بعدها عن الشمس وحفظها في مدارها المحدد وحفظ الحياه علي سطحها من كل سوء...!!!
ثانيا: ابعاد الارض:
يقدر حجم الارض بحوالي مليون كيلو متر مكعب, ويقدر متوسط كثافتها بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب, وعلي ذلك فان كتلتها تقدر بحوالي السته الاف مليون مليون مليون طن, ومن الواضح ان هذه الابعاد قد حددها ربنا( تبارك وتعالي) بدقه وحكمه بالغتين, فلو كانت الارض اصغر قليلا لما كان في مقدورها الاحتفاظ باغلفتها الغازيه, والمائيه, وبالتالي لاستحالت الحياه الارضيه, ولبلغت درجه الحراره علي سطحها مبلغا يحول دون وجود اي شكل من اشكال الحياه الارضيه, وذلك لان الغلاف الغازي للارض به من نطق الحمايه ما لا يمكن للحياه ان توجد في غيبتها, فهو يرد عنا جزءا كبيرا من حراره الشمس واشعتها المهلكه, كما يرد عنا قدرا هائلا من الاشعه الكونيه القاتله, وتحترق فيه بالاحتكاك بمادته اجرام الشهب واغلب ماده النيازك, وهي تهطل علي الارض كحبات المطر في كل يوم.
ولو كانت ابعاد الارض اكبر قليلا من ابعادها الحاليه لزادت قدرتها علي جذب الاشياء زياده ملحوظه مما يعوق الحركه, ويحول دون النمو الكامل لاي كائن حي علي سطحها ان وجد, وذلك لان الزياده في جاذبيه الارض تمكنها من جذب المزيد من صور الماده والطاقه في غلافها الغازي فيزداد ضغطه علي سطح الارض, كما تزداد كثافته فتعوق وصول القدر الكافي من اشعه الشمس الي الارض, كما قد تودي الي احتفاظ الارض بتلك الطاقه كما تحتفظ بها الصوب النباتيه علي مر الزمن فتزداد باستمرار وترتفع حرارتها ارتفاعا يحول دون وجود اي صوره من صور الحياه الارضيه علي سطحها.
ويتعلق طول كل من نهار وليل الارض وطول سنتها, بكل من بعد الارض عن الشمس, وبابعادها ككوكب يدور حول محوره, ويجري في مدار ثابت حولها.
فلو كانت سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس اعلي من سرعتها الحاليه لقصر طول اليوم الارضي( بنهاره وليله) قصرا مخلا, ولو كانت ابطا من سرعتها الحاليه لطال يوم الارض طولا مخلا, وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياه الارضيه اختلالا قد يودي الي افناء الحياه علي سطح الارض بالكامل, ان لم يكن قد ادي الي افناء الارض ككوكب افناء تاما, وذلك لان قصر اليوم الارضي او استطالته( بنهاره وليله) يخل اخلالا كبيرا بتوزيع طاقه الشمس علي المساحه المحدده من الارض, وبالتالي يخل بجميع العمليات الحياتيه من مثل النوم واليقظه, والتنفس والنتح, وغيرها, كما يخل بجميع الانشطه المناخيه من مثل الدفء والبروده, والجفاف والرطوبه, وحركه الرياح والاعاصير والامواج, وعمليات التعريه المختلفه, ودوره المياه حول الارض وغيرها من انشطه. كذلك فلو لم تكن الارض مائله بمحورها علي مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول, واذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياه علي الارض.
وبالاضافه الي ذلك فان تحديد مدار الارض حول الشمس بشكله البيضاني( الاهليلجي), وتحديد وضع الارض فيه قربا وبعدا علي مسافات منضبطه من الشمس يلعب دورا مهما في ضبط كميه الطاقه الشمسيه الواصله الي كل جزء من اجزاء الارض وهو من اهم العوامل لجعلها صالحه لنمط الحياه المزدهره علي سطحها, وهذا كله ناتج عن الاتزان الدقيق بين كل من القوه الطارده( النابذه) المركزيه التي دفعت بالارض الي خارج نطاق الشمس, وشده جاذبيه الشمس لها, ولو اختل هذا الاتزان باقل قدر ممكن فانه يعرض الارض اما للابتلاع بواسطه الشمس حيث درجه حراره قلبها تزيد عن خمسه عشر مليونا من الدرجات المطلقه, او تعرضها للانفلات من عقال جاذبيه الشمس فتضيع في فسحه الكون المتراميه فتتجمد بمن عليها وما عليها, او تحرق بواسطه الاشعه الكونيه, او تصطدم بجرم اخر, او تبتلع بواسطه نجم من النجوم, والكون من حولنا مليء بالمخاطر التي لا يعلم مداها الا الله( تعالي), والتي لا يحفظنا منها الا رحمته( سبحانه وتعالي) ويتمثل جانب من جوانب رحمه الله بنا في عدد من السنين المحدده التي تحكم الارض كما تحكم جميع اجرام السماء في حركه دقيقه دائبه لا تتوقف ولا تتخلف حتي يرث الله الارض ومن عليها.
ثالثا: بنيه الارض:
اثبتت دراسات الارض انها تنبني من عده نطق محدده حول كره مصمته من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الارض الصلب( الداخلي) ولهذا اللب الصلب كما لكل نطاق من نطق الارض دوره في جعل هذا الكوكب صالحا للعمران بالحياه الارضيه في جميع صورها.
وتقسم النطق الداخليه للارض علي اساس من تركيبها الكيميائي او علي اساس من صفاتها الميكانيكيه باختلافات بسيطه بين العلماء, وتترتب بنيه الارض من الداخل الي الخارج علي النحو التالي:
(1) لب الارض الصلب( الداخلي):
وهو عباره عن نواه صلبه من الحديد(90%) وبعض النيكل(9%) مع قليل من العناصر الخفيفه من مثل الفوسفور, الكربون, السيليكون(1%), وهو نفس تركيب النيازك الحديديه تقريبا. ويبلغ قطر هذه النواه حوالي2402 كيلو متر, ويمتد نصف قطرها من مركزها علي عمق6371 كيلو مترا الي عمق5170 كيلو مترا تحت سطح الارض.
ولما كانت كثافه الارض في مجموعها تقدر بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب, بينما تختلف كثافه قشره الارض بين2,7 جرام للسنتيمتر المكعب, وحوالي3 جرامات للسنتيمتر المكعب, فان الاستنتاج المنطقي يودي الي ان كثافه لب الارض لابد وان تتراوح بين10 و13,5 جرام للسنتيمتر المكعب.
(2) نطاق لب الارض السائل( الخارجي):
وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا وان كانت مادته منصهره, ويبلغ سمكه2275 كيلو مترا( من عمق5170 كيلو مترا الي عمق2885 كيلو مترا تحت سطح الارض), ويفصل هذا النطاق عن اللب الصلب منطقه انتقاليه يبلغ سمكها450 كيلو مترا تمثل بدايات عمليه الانصهار وعلي ذلك فهي شبه منصهره( وتمتد من عمق5170 كيلو مترا الي عمق4720 كيلو مترا تحت سطح الارض) ويكون كل من لب الارض الصلب ولبها السائل حوالي31% من كتلتها.
(3),(4),(5) نطق وشاح الارض:
يحيط وشاح الارض بلبها السائل, ويبلغ سمكه حوالي2765 كيلو مترا( من عمق2885 كيلو مترا الي عمق120 كيلو مترا تحت سطح الارض), ويفصله الي ثلاثه نطق مميزه مستويان من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل, يقع احدهما علي عمق670 كيلو مترا, ويقع الاخر علي عمق400 كيلو متر من سطح الارض, وبذلك ينقسم وشاح الارض الي وشاح سفلي( يمتد من عمق2885 كيلو متر الي عمق670 كيلو متر تحت سطح الارض), ووشاح متوسط( يمتد من عمق670 كيلو مترا الي عمق400 كيلو مترا تحت سطح الارض), ووشاح علوي( يمتد من عمق400 كيلو مترا الي عمق يتراوح بين65 كيلو مترا تحت المحيطات, وعمق120 كيلو مترا تحت سطح القارات).
وقمه الوشاح العلوي( من عمق65 120 كيلو مترا الي عمق200 كيلو متر تحت سطح الارض) يعرف باسم نطاق الضعف الارضي
لوجوده في حاله لزجه, شبه منصهره( اي منصهره انصهارا جزئيا في حدود نسبه1%).
(6),(7) الغلاف الصخري للارض
ويتراوح سمكه بين65 كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات,120 كيلو مترا تحت القارات, ويقسمه خط انقطاع الموجات الاهتزازيه المسمي باسم الموهو
الي قشره الارض
والي ما تحت قشره الارض
وتمتد قشره الارض الي عمق يتراوح بين5 و8 كيلو مترات تحت قيعان البحار والمحيطات, وبين60 و80 كيلو مترا تحت القارات, ويمتد ما تحت القشره الي عمق120 كيلو مترا تحت سطح الارض.
وللارض مجال جاذبيه يزداد مع العمق حتي يصل الي قمته عند الحد الفاصل بين وشاح الارض ولبها( علي عمق2885 كيلو مترا تحت سطح الارض) ثم يبدا في التناقص( بسبب الجذب الذي يحدثه عمود الصخور فوق هذا العمق) حتي يصل الي الصفر في مركز الارض. ولولا جاذبيه الارض لهرب منها غلافها الغازي, ولو حدث ذلك ما امكنها ان تكون صالحه لاستقبال الحياه, وذلك لان هناك حدا ادني لسرعه الهروب من جاذبيه الارض يقدر بحوالي11,2 كيلو متر في الثانيه, بمعني ان الجسم لكي يستطيع الافلات من جاذبيه الارض فعليه ان يتحرك في عكس اتجاه الجاذبيه بسرعه لا تقل عن هذه السرعه.
ولما كانت حركه جسيمات الماده في الغلاف الغازي للارض اقل من تلك السرعه بكثير فقد امكن للارض( بتدبير من الله تعالي) ان تحتفظ بغلافها الغازي, ولو فقدته ولو جزئيا لاستحالت الحياه علي الارض, ولامطرت بوابل من الاشعات الكونيه والشمسيه, ولرجمت بملايين من النيازك التي كانت كفيله بتدميرها...!!!
كذلك فان للارض مجالا مغناطيسيا ثنائي القطبيه, يعتقد ان له صله وثيقه بلب الارض الصلب وحركه اطاره السائل من حوله, ويتولد المجال المغناطيسي للارض كما يتولد لاي جسم اخر من حركه المكونات فيها وفيه, وذلك لان الجسيمات الاوليه للماده( وهي في غالبيتها مشحونه بالكهرباء) تتحرك سواء كانت طليقه او مرتبطه في داخل ذرات الماده, وهي حينما تتحرك تولد مجالا مغناطيسيا, والمجال المغناطيسي لايه نقطه في فسحه الكون يمثل بمحصله اتجاه تمتد من القطب المغناطيسي الجنوبي للماده الي قطبها الشمالي في حركه معاكسه لاتجاه عقرب الساعه ومماثله لحركه الطواف حول الكعبه المشرفه.
والمجال المغناطيسي للارض كون لها( باراده الله تعالي) غلافا مغناطيسيا يعرف باسم النطاق المغناطيسي للارض
وهو يلعب دورا مهما في حمايه الارض من الاشعه الكونيه بتحكمه في حركه الجسيمات المشحونه القادمه الينا من فسحه الكون فيجعلها تدور من احد قطبي الارض المغناطيسيين الي الاخر دون الدخول الي المستويات المنخفضه من غلافها الغازي.
ويمتد المجال المغناطيسي للارض الي مسافه تقدر بخمسين الف كيلو متر فوق سطحها, وكونت الجسيمات المشحونه القادمه من السماء والتي اسرها المجال المغناطيسي للارض زوجين من احزمه الاشعاع هلالي الشكل علي ارتفاع الفي كيلو متر وخمسين الف كيلو متر علي التوالي يحيط كل زوج منهما بالارض من احدي جهاتها, ويحيط الزوج الاخر من الجهه الاخري وهذه الحلقات من احزمه الاشعاع تحاصر الارض مع مستوي مركزي منطبق علي المستوي الاستوائي المغناطيسي لها, وتحميها من وابل الاشعه الكونيه المتساقط باتجاهها في كل لحظه, ولولا هذه الحمايه الربانيه لهلكنا وهلكت جميع صور الحياه من حولنا, والجرعه الاشعاعيه في احزمه الاشعاع تلك عاليه الشده لا تطيقها ايه صوره من صور الحياه الارضيه, وتبلغ الشده الاشعاعيه مداها في نطاق المنطقه الاستوائيه للحزام الاشعاعي للارض.
وللارض كذلك نشاط ديناميكي يتمثل في حركه الواح الغلاف الصخري لها, الممزق بشبكه هائله من الصدوع, وتتحرك تيارات الحمل العنيفه المندفعه من نطاق الضعف الارضي لتحرك تلك الالواح اما متباعده عن بعضها البعض فتكون قيعان البحار والمحيطات وتساعد علي عمليه اتساعها وتجديد مادتها باستمرار, واما مصطدمه مع بعضها البعض فتكون السلاسل الجبليه, وتصاحب العمليتان بتكون السلاسل الجبليه وبالعديد من الهزات الارضيه, والثورانات البركانيه التي تثري سطح الارض بالخيرات المعدنيه والصخريه المختلفه.
والجبال لعبت ولاتزال تلعب دورا رئيسيا في تثبيت الغلاف الصخري للارض, ولولا هذا التثبيت ما تكونت التربه, ولا دارت دوره المياه, ولا خزنت المياه تحت السطحيه, ولا نبتت نبته, ولا امكن لكائن حي ان يستقر علي سطح الارض.
كذلك لعبت الجبال ولاتزال تلعب دورا مهما في تثبيت الارض ككوكب يدور حول نفسه, وتقلل من درجه ترنحه كما تقلل قطع الرصاص التي توضع في اطارات السيارات من معدل ترنحها. ولولا نطاق الضعف الارضي ما امكن لهذه العمليات الداخليه للارض ان تتم, وهي من ضرورات جعلها صالحه للعمران.
هذه بعض ايات الله في الارض وهي اكثر من ان تحصي في مقال واحد, اشارت اليها هذه الايه الكريمه التي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
وفي الارض ايات للموقنين*
فسبحان من خلق الارض بهذا القدر من الاحكام والاتقان, وترك فيها من الايات ما يشهد لخالقها بطلاقه القدره, واحكام الصنعه, وشمول العلم كما يشهد له( تعالي) بجلال الربوبيه وعظمه الالوهيه, والتفرد بالوحدانيه, وسبحان الذي انزل هذه الايه الكريمه المعجزه من قبل الف واربعمائه سنه ولم يكن لاحد من الخلق المام بتلك الايات الارضيه والتي لم تتكشف اسرارها للانسان الا منذ عقود قليله من الزمان, وفي ذلك من الشهادات القاطعه بان القران الكريم هو كلام الله الخالق, وان نبينا محمدا( صلي الله عليه واله وسلم) هو خاتم انبياء الله ورسله, وانه( صلوات الله وسلامه عليه) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض, وصدق الله العظيم اذ يصفه بقوله الحق:
وما ينطق عن الهوي* ان هو الا وحي يوحي* علمه شديد القوي* ذو مره فاستوي* وهو بالافق الاعلي* ثم دنا فتدلي* فكان قاب قوسين او ادني* فاوحي الي عبده ما اوحي*
(النجم:3 10)
-
23
... وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس....
الحديد: 25
سوره الحديد سوره مدنيه, وهي السوره الوحيده من سور القران الكريم التي تحمل اسم عنصر من العناصر المعروفه لنا والتي يبلغ عددها مائه وخمسه عناصر; ويعجب القارئ للقران لاختيار هذا العنصر بالذات اسما لهذه السوره التي تدور حول قضيه انزاله من السماء, وباسه الشديد, ومنافعه للناس.....!!
وتبدا السوره الكريمه بتاكيد ان كل مافي السماوات والارض خاضع بالعبوديه لله, مسبح بحمده, منزه له عن كل وصف لايليق بجلاله, لانه( تعالي) هو العزيز الحكيم, الذي له ملك السماوات والارض, الذي يحيي ويميت وهو علي كل شيء قدير; وتواصل الايات مزيدا من صفات هذا الخالق العظيم فهو الاول بلا بدايه, والاخر بلا نهايه, والظاهر فليس فوقه شيء, والباطن فليس دونه شيء, وهو العليم بكل شيء, فلا تخفي عليه خافيه في الارض ولا في السماء; وانه( تعالي) خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش استواء يليق بجلاله, وانه( سبحانه) يعلم مايلج في الارض, ومايخرج منها, وماينزل من السماء, ومايعرج فيها, وانه مع جميع خلقه اينما كانوا, وفي اي زمان كانوا, فلا الزمان ولا المكان يقف عائقا امام قدره الله, وهو( تعالي) مطلع علي جميع خلقه, بصير بما يعملون, وهو الذي له ملك السماوات والارض, الذي اليه ترجع الامور, وان من الدلائل علي طلاقه قدرته انه( تعالي) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل, وهو( سبحانه) عليم بذات الصدور, فالكون كله خاضع لارادته( تعالي) فهو خالقه ومبدعه, والمتصرف فيه بما يشاء, وهذه الصفات العليا من خصائص الاله الواحد الاحد, الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد, فلا شريك له في ملكه, ولا منازع له في سلطانه, فهو رب كل شيء ومليكه, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, المسيطر سيطره مطلقه علي الوجود كله بكل مافيه, ومن فيه, فكل شيء بيديه, وكل شيء راجع اليه, لايخفي شيء عن علمه, ولا يخرج شيء عن امره, يعلم خائنه الاعين وماتخفي الصدور....!!
ثم تتحرك الايات بعد ذلك في ايقاع رقيق يخاطب جماعه المومنين, وتدعوهم الي تجسيد ايمانهم بالله ورسوله في بذل الاموال والمهج والارواح دفاعا عن هذا الدين, والي الانفاق مما جعلوا مستخلفين فيه حتي ينالوا الاجر الكبير من رب العالمين, فالذي يفعل ذلك كانما يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيره وله اجر كريم, وبالاضافه الي عموميه الدعوه الي تلك الحقيقه, فهي تذكره دائمه لجماعه المومنين بما بذله السابقون من المهاجرين والانصار في سبيل الله, حتي يتاسوا بهم في التجرد الكامل, والاخلاص الصادق لدين الله, والبذل والتضحيه بالاموال والانفس من اجل اعلاء كلمه الله في الارض فلا تشدهم الحياه الدنيا عن الجهاد في سبيل الله مهما تكن المغريات, ومهما تكن العوائق.....!!
وبعد ذلك تعرض الايات لحال كل من المومنين والمومنات في جانب, والمنافقين والمنافقات في جانب اخر يوم العرض الاكبر, وشتان مابين الحالين.
وتتساءل الايات عن امكان ان يكون الوقت قد حان لكي تخشع قلوب المومنين لذكر الله, وما انزل من الحق علي خاتم انبيائه ورسله حتي لايكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون.
وتوكد الايات بعد ذلك مرحليه الحياه الدنيا, وانها ليست الا متاع الغرور, فلايجوز لعاقل ان ينخدع بها, ويفني عمره في خدمتها, لاهيا عن الاخره وهي دار القرار, ولذلك تنادي الايات بالمسارعه الي طلب المغفره من الله, والي العمل المخلص الدءوب من اجل الفوز بالجنه التي عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين امنوا بالله ورسله; وتضيف الايات ان كل خطب جلل نزل بالارض او بالانفس مدون في كتاب الله من قبل وقوعه, وان ذلك علي الله يسير, كي ترضي كل نفسي مومنه بقدر الله خيره وشره وتومن ان فيه الخير كل الخير, فلاتبطر عند مسره, لان الله تعالي لايحب كل مختال فخور, ولاتجزع عند مضره لايمانها بان ذلك قدر مقسوم, واجل محتوم, وانه لاملجا ولامنجي من الله الا اليه....!!
وتنعي الايات علي الذين يبخلون ويامرون الناس بالبخل, لان الله تعالي كريم يحب كل كريم, ومن يتول عن منهج الله فان الله هو الغني الحميد.
وبعد هذه المقدمه الطويله ياتي قلب السوره وسر تسميتها في الايه التي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
(لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز*)
ثم تاتي الايات الاربع الاخيره في السوره لتعرض خط سير رساله الهدايه الربانيه, وتاريخ هذا الدين دين الاسلام الذي علمه ربنا( تبارك وتعالي) لابينا ادم عليه السلام, وانزله علي فتره من الرسل من لدن نبي الله نوح( عليه السلام) الي خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبدالله( عليه وعليهم اجمعين افضل الصلاه وازكي التسليم), والذي لايرتضي ربنا( تبارك وتعالي) من عباده دينا سواه بعد ان اكمله, واتمه, وحفظه في بعثه هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله وسلم وبارك عليه, وعلي اله وصحبه اجمعين), واشارت الايات الي حال بعض من اهل الكتاب ومنهم اتباع نبي الله عيسي( عليه السلام), واختتمت السوره بالدعوه الي الايمان بالنبي الخاتم والرسول الخاتم, ففي ذلك دخول في رحمه الله, وفي نوره ومغفرته, وهو سبحانه صاحب الفضل العظيم, والمنن العديده التي يمن بها علي من يشاء من عباده.
والايه الكريمه التي نحن بصددها توكد ان الحديد قد انزل انزالا كما انزلت جميع صور الوحي السماوي, وانه يمتاز بباسه الشديد, وبمنافعه العديده للناس, وهو من الامور التي لم يصل العلم الانساني الي ادراكها الا في اواخر الخمسينيات من القرن العشرين.
وهنا يبرز التساول: كيف انزل الحديد؟ وماهو وجه المقارنه بين انزال وحي السماء وانزال الحديد؟ ماهو باسه الشديد؟ وماهي منافعه للناس؟ وقبل الاجابه علي تلك الاسئله لابد من استعراض سريع للدلالات اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه, وكذلك للمواضع التي ورد فيها ذكر( الحديد) في كتاب الله( تعالي).
الدلالات اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه
(النزول) في الاصل هو هبوط من علو, يقال في اللغه:( نزل),( ينزل)( نزولا), و(منزلا) بمعني حل, يحل, حلولا; والمنزل بفتح الميم والزاي هو( النزول) وهو الحلول, و(نزل) عن دابته بمعني هبط من عليها, و(نزل) في مكان كذا اي حط رحله فيه, و(النزيل) هو الضيف.
ويقال:( انزله) غيره بمعني اضافه او هبط به; و(استنزله) بمعني( نزله تنزيلا), و(التنزيل) ايضا هو القران الكريم, وهو( الانزال المفرق), وهو الترتيب; وعلي ذلك فان الانزال اعم من التنزيل; و(التنزل) هو( النزول في مهله), و(النزل) هو ما يهيا( للنزيل) اي مايعد( للنازل) من المكان, والفراش, والزاد, والجمع( انزال); وهو ايضا الحظ والريع,و(النزل) بفتحتين, و(المنزل) الدار والمنهل( اي المورد الذي ينتهل منه لان به( ماء) او هو عين ماء ترده الابل في المراعي, وتسمي المنازل التي في المفاوز علي طرق( السفار); و(المنزله) مثله, او هي الرتبه او المرتبه; و(المنزله) لاتجمع.
ويقال استنزل فلان( بضم التاء وكسر الزاي) اي حط عن مرتبته, و(المنزل) بضم الميم وفتح الزاي( الانزال), نقول:' رب انزلني( منزلا) مباركا, وانت خير( المنزلين)*'; و(انزال) الله( تعالي) نعمه ونقمه علي الخلق هو اعطاوهم اياها, وقال المفسرون في قول الحق( تبارك وتعالي):( ولقد راه نزله اخري) ان( نزله) هنا تعني مره اخري.
وفي قوله( تعالي)' جنات الفردوس نزلا' قال الاخفش: هو من( نزول) الناس بعضهم علي بعض, يقال: ماوجدنا عندك نزلا; و(النازله): الشديده من شدائد الدهر تنزل بالناس, وجمعها( نوازل); و(النزال) في الحرب( المنازله); و(النزله هي الزكمه من الزكام, يقال به( نزله), وقد نزل بضم النون.
الحديد في القران الكريم
ورد ذكر الحديد في كتاب الله( تعالي) في ست ايات متفرقات علي النحو التالي:
(1) قل كونوا حجاره او حديدا*
( الاسراء:50)
(2) اتوني زبر الحديد.....*( الكهف:96)
(3) ولهم مقامع من حديد*( الحج:21)
(4):.. والنا له الحديد*( سبا:10)
(5) لقد كنت في غفله من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد*.( ق:22)
(6).. وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس..*( الحديد:25)
وكلها تشير الي عنصرالحديد ماعدا ايه سوره ق والتي جاءت لفظه( حديد) فيها في مقام التشبيه للبصر بمعني انه نافذ قوي يبصر به ما كان خفيا عنه في الدنيا.
شروح المفسرين للايه الكريمه
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي): وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس*.
اي وجعلنا الحديد رادعا لمن ابي الحق وعانده بعد قيام الحجه عليه, ولهذا اقام رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمكه بعد النبوه ثلاث عشره سنه توحي اليه السور المكيه, وكلها جدال مع المشركين, وبيان وايضاح للتوحيد, وبيناته ودلالاته, فلما قامت الحجه علي من خالف, شرع الله الهجره, وامرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب, وقد روي الامام احمد, عن ابن عمر قال.. قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بعثت بالسيف بين يدي الساعه حتي يعبد الله وحده لا شريك له, وجعل رزقي تحت ظل رمحي, وجعل الذله والصغار علي من خالف امري, ومن تشبه بقوم فهو منهم) ولهذا قال تعالي:( فيه باس شديد) يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان ونحوها( ومنافع للناس) اي في معايشهم كالسكه والفاس والمنشار والالات التي يستعان بها في الحراثه والحياكه والطبخ وغير ذلك.. وقوله تعالي( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) اي من نيته في حمل السلاح نصره لله ورسوله( ان الله قوي عزيز) اي هو قوي عزيز ينصر من نصره من غير احتياج منه الي الناس, وانما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) في تفسير هذه الايه الكريمه مانصه: لقد ارسلنا رسلنا الملائكه الي الانبياء( بالبينات) بالحجج القواطع( وانزلنا معهم الكتاب) بمعني الكتب و(الميزان) العدل,( ليقوم الناس بالقسط( وانزلنا الحديد) اي انشاناه, وخلقناه, لقوله تعالي( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) اي خلق, وقيل: اخرجناه من المعادن,( فيه باس شديد) يعني السلاح, يقاتل به من ابي الحق وعانده بعد قيام الحجه عليه,( ومنافع للناس) في معايشهم كالفاس والمنشار وسائر الادوات والالات,( وليعلم الله) علم مشاهده, معطوف علي( ليقوم الناس)( من ينصره) بان ينصر دينه بالات الحرب من الحديد وغيره( ورسله بالغيب) حال من هاء( ينصره) اي غائبا عنهم في الدنيا, قال ابن عباس: ينصرونه ولايبصرونه( ان الله قوي عزيز) لاحاجه له الي النصره لكنها تنفع من ياتي بها.
وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمه واسعه): وفي النهايه يجيء المقطع الاخير في السوره, يعرض باختصار خط سير الرساله, وتاريخ هذه العقيده من لدن نوح وابراهيم, مقررا حقيقتها وغايتها في دنيا الناس, ملما بحال اهل الكتاب, واتباع عيسي عليه السلام بصفه خاصه.. فالرساله واحده في جوهرها, جاء بها الرسل ومعهم البينات عليها, ومعظمهم جاء بالبينات الخوارق.. والنص يقول:( وانزلنا معهم الكتاب) بوصفهم وحده, وبوصف الكتاب وحده كذلك, اشاره الي وحده الرساله في جوهرها.
(والميزان).. مع الكتاب, فكل الرسالات جاءت لتقر في الارض, وفي حياه الناس ميزانا ثابتا ترجع اليه البشريه.. ميزانا لايحابي احدا لانه يزن بالحق الالهي للجميع, ولايحيف علي احد لان الله رب الجميع.
فلابد من ميزان ثابت يثوب اليه البشر..( ليقوم الناس بالقسط)!
( وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس, وليعلم الله من ينصره, ورسله بالغيب) والتعبير ب( انزلنا الحديد) كالتعبير في موضع اخر بقوله تعالي( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) كلاهما يشير الي اراده الله وتقديره في خلق الاشياء والاحداث... انزل الله الحديد( فيه باس شديد) وهو قوه الحرب والسلم( ومنافع للناس) وتكاد حضاره البشر القائمه الان تقوم علي الحديد( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) وهي اشاره الي الجهاد بالسلاح, تجيء في موضعها من السوره التي تتحدث عن بذل النفس والمال.
ولما تحدث عن الذين ينصرون الله ورسله بالغيب, عقب علي هذا بايضاح معني نصرهم لله ورسله, فهو نصر لمنهجه ودعوته, اما الله سبحانه فلا يحتاج منهم الي نصر: ان الله قوي عزيز..
وذكر صاحب (صفوه البيان لمعاني القران):.. و(انزلنا الحديد) اي خلقناه لكم, كقوله تعالي( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) اي هياناه لكم, وانعمنا به عليكم, وعلمناكم استخراجه من الارض وصنعته بالهامنا,( فيه باس شديد) اي فيه قوه وشده, فمنه جنه وسلاح, والات للحرب وغيرها, وفي الايه اشاره الي احتياج الكتاب والميزان الي القائم بالسيف, ليحصل القيام بالقسط,( ومنافع للناس) في معاشهم ومصالحهم, وما من صنعه الا والحديد التها, كما هو مشاهد, فالمنه به عظمي...
وقال صاحب( صفوه التفاسير):( وانزلنا الحديد فيه باس شديد) اي وخلقنا واوجدنا الحديد فيه باس شديد, لان الات الحرب تتخذ منه, كالدروع والرماح والتروس والدبابات وغير ذلك ومنافع للناس اي وفيه منافع كثيره للناس كسكك الحراثه والسكين والفاس وغير ذلك, وما من صناعه الا والحديد اله فيها, قال ابوحيان: وعبر تعالي عن ايجاده بالانزال كما قال:( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) لان الاوامر وجميع القضايا والاحكام لما كانت تلقي من السماء جعل الكل نزولا منها, واراد بالحديد جنسه من المعادن قاله الجمهور.
وذكر اصحاب( المنتخب في تفسير القران الكريم) مانصه: لقد ارسلنا رسلنا الذين اصطفيناهم بالمعجزات القاطعه, وانزلنا معهم الكتب المتضمنه للاحكام وشرائع الدين والميزان الذي يحقق الانصاف في التعامل, ليتعامل الناس فيما بينهم بالعدل, وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد في الحرب, ومنافع للناس في السلم, يستغلونه في التصنيع, لينتفعوا به في مصالحهم ومعايشهم, وليعلم الله من ينصر دينه, وينصر رسله غائبا عنهم ان الله قادربذاته, لايفتقر الي عون احد.
وجاءوا في الهامش ببعض من صفات الحديد وفوائده.
حديد الارض في العلوم الكونيه
بينما لاتتعدي نسبه الحديد في شمسنا0.0037% فان نسبته في التركيب الكيميائي لارضنا تصل الي35,9% من مجموع كتله الارض المقدره بحوالي سته الاف مليون مليون مليون طن, وعلي ذلك فان كميه الحديد في الارض تقدر باكثر من الفي مليون مليون مليون طنا, ويتركز الحديد في قلب الارض, او مايعرف باسم لب الارض, وتصل نسبه الحديد فيه الي90% ونسبه النيكل( وهو من مجموعه الحديد) الي9% وتتناقص نسبه الحديد من لب الارض الي الخارج باستمرار حتي تصل الي5,6% في قشره الارض.
والي اواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لاحد من العلماء امكانيه التصور( ولو من قبيل التخيل) ان هذا القدر الهائل من الحديد قد انزل الي الارض من السماء انزالا حقيقيا!!
كيف انزل؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للارض بهذه الكميات المذهله؟ وكيف امكنه الاستمرار في التحرك بداخل الارض حتي وصل الي لبها؟ وكيف شكل كلا من لب الارض الصلب ولبها السائل علي هيئه كره ضخمه من الحديد والنيكل يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب, ثم اخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشره الارض الصلبه؟
لذلك لجا كل المفسرين للايه الكريمه التي نحن بصددها الي تفسير( وانزلنا الحديد) بمعني الخلق والايجاد والتقدير والتسخير, لانه لما كانت اوامر الله تعالي واحكامه تلقي من السماء الي الارض جعل الكل نزولا منها, وهو صحيح, ولكن في اواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء, الفلكيه ان الحديد لايتكون في الجزء المدرك من الكون الا في مراحل محدده من حياه النجوم تسمي بالعماليق الحمر, والعماليق العظام, والتي بعد ان يتحول لبها بالكامل الي حديد تنفجر علي هيئه المستعرات العظام, وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحه الكون فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله في مجال جاذبيه اجرام سماويه تحتاج اليه مثل ارضنا الابتدائيه التي وصلها الحديد الكوني, وهي كومه من الرماد فاندفع الي قلب تلك الكومه بحكم كثافته العاليه وسرعته المندفع بها فانصهر بحراره الاستقرار في قلب الارض وصهرها, ومايزها الي سبع ارضين!! وبهذا ثبت ان الحديد في ارضنا, بل في مجموعتنا الشمسيه بالكامل قد انزل اليها انزالا حقيقيا.
اولا: انزال الحديد من السماء
في دراسه لتوزيع العناصر المختلفه في الجزء المدرك من الكون لوحظ ان غاز الايدروجين هو اكثر العناصر شيوعا اذ يكون اكثر من74% من ماده الكون المنظور, ويليه في الكثره غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24% من ماده الكون المنظور, وان هذين الغازين وهما يمثلان اخف العناصر وابسطها بناء يكونان معا اكثر من98% من ماده الجزء المدرك من الكون, بينما باقي العناصر المعروفه لنا وهي(103) عناصر تكون مجتمعه اقل من2% من ماده الكون المنظور,وقد ادت هذه الملاحظه الي الاستنتاج المنطقي ان انويه غاز الايدروجين هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفه لنا وانها جميعا قد تخلقت باندماج انويه هذا الغاز البسيط مع بعضها البعض في داخل النجوم بعمليه تعرف باسم عمليه الاندماج النووي تنطلق منها كميات هائله من الحراره,. وتتم بتسلسل من اخف العناصر الي اعلاها وزنا ذريا وتعقيدا في البناء.
فشمسنا تتكون اساسا من غاز الايدروجين الذي تندمج انويته مع بعضها البعض لتكون غاز الهيليوم وتنطلق طاقه هائله تبلغ عشره ملايين درجه مئويه, ويتحكم في هذا التفاعل( بقدره الخالق العظيم) عاملان هما زياده نسبه غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج, وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجه حراره لبها, وباستمرار هذه العمليه تزداد درجه الحراره في داخل الشمس تدريجيا, وبازديادها ينتقل التفاعل الي المرحله التاليه التي تندمج فيها نوي ذرات الهيليوم مع بعضها البعض منتجه نوي ذرات الكربون12, ثم الاوكسجين16 ثم النيون20, وهكذا.
وفي نجم عادي مثل شمسنا التي تقدر درجه حراره سطحها بحوالي سته الاف درجه مئويه, وتزداد هذه الحراره تدريجيا في اتجاه مركز الشمس حتي تصل الي حوالي15 مليون درجه مئويه, يقدر علماء الفيزياء الفلكيه انه بتحول نصف كميه الايدروجين الشمسي تقريبا الي الهيليوم فان درجه الحراره في لب الشمس ستصل الي مائه مليون درجه مئويه, مما يدفع بنوي ذرات الهيليوم المتخلقه الي الاندماج في المراحل التاليه من عمليه الاندماج النووي مكونه عناصر اعلي في وزنها الذري مثل الكربون ومطلقه كما اعلي من الطاقه, ويقدر العلماء انه عندما تصل درجه حراره لب الشمس الي ستمائه مليون درجه مئويه يتحول الكربون الي صوديوم ومغنيسيوم ونيون, ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التاليه عناصر الالومنيوم, والسيليكون, والكبريت والفوسفور, والكلور, والارجون, والبوتاسيوم, والكالسيوم علي التوالي, مع ارتفاع مطرد في درجه الحراره حتي تصل الي الفي مليون درجه مئويه حين يتحول لب النجم الي مجموعات التيتانيوم, والفاناديوم, والكروم, والمنجنيز والحديد( الحديد والكوبالت والنيكل) ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج الي درجات حراره مرتفعه جدا لاتتوافر الا في مراحل خاصه من مراحل حياه النجوم تعرف باسم العماليق الحمر والعماليق العظام وهي مراحل توهج شديد في حياه النجوم, فانها لاتتم في كل نجم من نجوم السماء, ولكن حين يتحول لب النجم الي الحديد فانه يستهلك طاقه النجم بدلا من اضافه مزيد من الطاقه اليه, وذلك لان نواه ذره الحديد هي اشد نوي العناصر تماسكا, وهنا ينفجر النجم علي هيئه مايسمي باسم المستعر الاعظم من النمط الاول او الثاني حسب الكتله الابتدائيه للنجم, وتتناثر اشلاء النجم المنفجر في صفحه السماء لتدخل في نطاق جاذبيه اجرام سماويه تحتاج الي هذا الحديد, تماما كما تصل النيازك الحديديه الي ارضنا بملايين الاطنان في كل عام.
ولما كانت نسبه الحديد في شمسنا لاتتعدي0.0037% من كتلتها وهي اقل بكثير من نسبه الحديد في كل من الارض والنيازك الحديديه التي تصل اليها من فسحه الكون, ولما كانت درجه حراره لب الشمس لم تصل بعد الي الحد الذي يمكنها من انتاج السيليكون, او المغنيسيوم, فضلا عن الحديد, كان من البديهي استنتاج ان كلا من الارض والشمس قد استمد ما به من حديد من مصدر خارجي عنه في فسحه الكون, وان ارضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوي كومه من الرماد المكون من العناصر الخفيفه, ثم رجمت هذه الكومه بوابل من النيازك الحديديه التي انطلقت اليها من السماء فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العاليه وسرعاتها الكونيه فانصهرت بحراره الاستقرار, وصهرت كومه الرماد ومايزنها الي سبع ارضين: لب صلب علي هيئه كره ضخمه من الحديد(90%) والنيكل(9%) وبعض العناصر الخفيفه من مثل الكبريت, والفوسفور, والكربون(1%) يليه الي الخارج, لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريبا, ويكون لب الارض الصلب والسائل معا حوالي31% من مجموع كتله الارض, ويلي لب الارض الي الخارج وشاح الارض المكون من ثلاثه نطق, ثم الغلاف الصخري للارض, وهو مكون من نطاقين, وتتناقص نسبه الحديد من لب الارض الي الخارج باستمرار حتي تصل الي5,6% في قشره الارض وهي النطاق الخارجي من غلاف الارض الصخري.
من هنا ساد الاعتقاد بان الحديد الموجود في الارض والذي يشكل35,9% من كتلتها لابد وانه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعره من مثل العماليق الحمر, والعماليق العظام والتي انفجرت علي هيئه المستعرات العظام فتناثرت اشلاوها في صفحه الكون ونزلت الي الارض علي هيئه وابل من النيازك الحديديه, وبذلك اصبح من الثابت علميا ان حديد الارض قد انزل اليها من السماء, وان الحديد في مجموعتنا الشمسيه كلها قد انزل كذلك اليها من السماء, وهي حقيقه لم يتوصل العلماء الي فهمها الا في اواخر الخمسينيات, من القرن العشرين, وقد جاء ذكرها في سوره الحديد, ولايمكن لعاقل ان يتصور ورودها في القران الكريم الذي انزل منذ اكثر من اربعه عشر قرنا علي نبي امي( صلي الله عليه وسلم) وفي امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين, يمكن ان يكون له من مصدر غير الله الخالق الذي انزل هذا القران بعلمه, واورد فيه مثل هذه الحقائق الكونيه لتكون شاهده الي قيام الساعه بان القران الكريم كلام الله الخالق, وان سيدنا محمدا( صلي الله عليه وسلم) ما كان ينطق عن الهوي( ان هو الا وحي يوحي* علمه شديد القوي.
ثانيا: الباس الشديد للحديد
الحديد عنصر فلزي عرفه القدماء, فيما عرفوا من الفلزات من مثل الذهب, والفضه, والنحاس, والرصاص, والقصدير والزئبق, وهو اكثر العناصر انتشارا في الارض(35,9%) ويوجد اساسا في هيئه مركبات الحديد من مثل اكاسيد, وكربونات, وكبر يتيدات, وكبريتات وسيليكات ذلك العنصر, ولايوجد علي هيئه الحديد النقي الا في النيازك الحديديه وفي جوف الارض.
والحديد عنصر فلزي شديد الباس, وهو اكثر العناصر ثباتا وذلك لشده تماسك مكونات النواه في ذرته التي تتكون من سته وعشرين بروتونا, وثلاثين نيوترونا, وسته وعشرين اليكترونا, ولذلك تمتلك نواه ذره الحديد اعلي قدر من طاقه التماسك بين جميع نوي العناصر الاخري, ولذا فهي تحتاج الي كميات هائله من الطاقه لتفتيتها او للاضافه اليها.
ويتميز الحديد وسبائكه المختلفه بين جميع العناصر والسبائك المعروفه باعلي قدر من الخصائص المغناطيسيه, والمرونه( القابليه للطرق والسحب وللتشكل) والمقاومه للحراره ولعوامل التعريه الجويه, فالحديد لاينصهر قبل درجه1536 مئويه, ويغلي عند درجه3023 درجه مئويه تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر, وتبلغ كثافه الحديد7,874 جرام للسنتيمتر المكعب عند درجه حراره الصفر المطلق.
ثالثا: منافع الحديد للناس
للحديد منافع جمه وفوائد اساسيه لجعل الارض صالحه للعمران بتقدير من الله, ولبناء اللبنات الاساسيه للحياه التي خلقها ربنا( تبارك وتعالي) فكميه الحديد الهائله في كل من لب الارض الصلب, ولبها السائل تلعب دورا مهما في توليد المجال المغناطيسي للارض, وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للارض, وغلاف الارض الغازي يحميها من الاشعه والجسيمات الكونيه ومن العديد من اشعات الشمس الضاره, ومن ملايين الاطنان من النيازك, ويساعد علي ضبط العديد من العمليات الارضيه المهمه من مثل دوره كل من الماء, والاوكسجين, وثاني اكسيد الكربون, والاوزون وغيرها من العمليات اللازمه لجعل الارض كوكبا صالحا للعمران.
والحديد لازمه من لوازم بناء الخليه الحيه في كل من النبات والحيوان والانسان اذ تدخل مركبات الحديد في تكوين الماده الخضراء في النباتات( الكلوروفيل) وهو المكون الاساسي للبلاستيدات الخضراء التي تقوم بعمليه التمثيل الضوئي اللازمه لنمو النباتات, ولانتاج الانسجه النباتيه المختلفه من مثل الاوراق والازهار, والبذور والثمار والتي عن طريقها يدخل الحديد الي انسجه ودماء كل من الانسان والحيوان, وعمليه التمثيل الضوئي هي الوسيله الوحيده لتحويل طاقه الشمس الي روابط كيميائيه تختزن في اجساد جميع الكائنات الحيه, وتكون مصدرا لنشاطها اثناء حياتها, وبعد تحلل اجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء تتحول الي مختلف صور الطاقه المعروفه( القش, والحطب, والفحم النباتي, والفحم الحجري, والغاز الفحمي والنفط, والغاز الطبيعي وغيرها), والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواه الخليه الحيه الموجوده في الماده الحامله للشفره الوراثيه للخليه( الصبغيات) كما يوجد في سوائل الجسم المختلفه, وهو احد مكونات الهيموجلوبين وهي الماده الاساسيه في كرات الدم الحمراء, ويقوم الحديد بدور مهم في عمليه الاحتراق الداخلي للانسجه والتمثيل الحيوي بها. ويوجد في كل من الكبد, والطحال والكلي, والعضلات والنخاع الاحمر, ويحتاج الكائن الحي الي قدر محدد من الحديد اذا نقص تعرض للكثير من الامراض التي اوضحها فقر الدم والحديد عصب الصناعات المدنيه والعسكريه فلا تكاد صناعه معدنيه ان تقوم في غيبه الحديد.
العلاقه بين رقم سوره الحديد في المصحف الشريف ورقم الايه في السوره بكل من الوزن الذري والعدد الذري للحديد علي التوالي
للحديد ثلاثه نظائر يقدر وزنها الذري بحوالي57,56,54 ولكن اكثرها انتشارا هو النظير الذي يحمل الوزن الذري56(55,847).
ومن الغريب ان رقم سوره الحديد في المصحف الشريف هو57, وهو يتفق مع الوزن الذري لاحد نظائر الحديد, ولكن القران الكريم يخاطب المصطفي( صلي الله عليه وسلم) في سوره الحجر بقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقران العظيم( الحجر:87)
وواضح من هذه الايه الكريمه ان القران الكريم بنصه يفصل فاتحه الكتاب عن بقيه القران الكريم, وبذلك يصبح رقم سوره الحديد(56) وهو الوزن الذري لاكثر نظائر الحديد شيوعا في الارض, كذلك وصف سوره الفاتحه بالسبع المثاني واياتها ست يوكد ان البسمله ايه منها( ومن كل سوره من سور القران الكريم ذكرت في مقدمتها, وقد ذكرت في مقدمه كل سور القران الكريم ماعدا سوره( التوبه) وعلي ذلك فاذا اضفنا البسمله في مطلع سوره الحديد الي رقم ايه الحديد وهو(25) اصبح رقم الايه(26) وهو نفس العدد الذري للحديد, ولايمكن ان يكون هذا التوافق الدقيق قد جاء بمحض المصادفه لانها لايمكن ان تودي الي هذا التوافق المبهر في دقته, وصدق الله العظيم الذي قال في وصفه للقران الكريم.
لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكه يشهدون وكفي بالله شهيدا*
(النساء:166)
وقوله تعالي افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
(النساء82)
-
(24) والارض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعاها)
جاءت هذه الايه الكريمه في مطلع الربع الاخير من سوره النازعات, وهي سوره مكيه, تعني كغيرها من سور القران المكي بقضيه العقيده, ومن اسسها الايمان بالله, وملائكته, وكتبه ورسله, واليوم الاخر, وغالبيه الناس منشغلين عن الاخره واحوالها, والساعه واهوالها, وعن قضايا البعث, والحساب, والجنه, والنار وهي محور هذه السوره.
وتبدا السوره الكريمه بقسم من الله( تعالي) بعدد من طوائف ملائكته الكرام, وبالمهام الجسام المكلفين بها, او بعدد من اياته الكونيه المبهره, علي ان الاخره حق واقع, وان البعث والحساب امر جازم, وربنا( تبارك وتعالي) غني عن القسم لعباده, ولكن الايات القرانيه تاتي في صيغه القسم لتنبيه الناس الي خطوره الامر المقسم به, واهميته او حتميته.
ثم تعرض الايات لشيء من اهوال الاخره مثل( الراجفه والرادفه) وهما الارض والسماء وكل منهما يدمر في الاخره, او النفختان الاولي التي تميت كل حي, والثانيه التي تحيي كل ميت باذن الله, وتنتقل الايات الي وصف حال الكفار, والمشركين, والملاحده, المتشككين, العاصين لاوامر رب العالمين في ذلك اليوم الرهيب, وقلوبهم خائفه وجله, وابصارهم خاشعه ذليله, بعد ان كانوا ينكرون البعث في الدنيا, ويتساءلون عنه استبعادا له, واستهزاء به: هل في الامكان ان نبعث من جديد بعد ان تبلي الاجساد, وتنخر العظام؟ وترد الايات عليهم حاسمه قاطعه بقرار الله الخالق ان الامر بالبعث صيحه واحده فاذا بكافه الخلائق قيام يبعثون من قبورهم ليواجهوا الحساب, او كانهم حين يبعثون يظنون انهم عائدون للدنيا مره ثانيه فيفاجاون بالاخره...
وبعد ذلك تلمح الايات الي قصه موسي( عليه السلام) مع فرعون وملئه, من قبيل مواساه رسولنا( صلي الله عليه وسلم) في الشدائد التي كان يلقاها من الكفار, وتحذيرهم مما حل بفرعون وبالمكذبين من قومه من عذاب, وجعل ذلك عبره لكل عاقل يخشي الله( تعالي) ويخاف حسابه.
ثم تتوجه الايات بالخطاب الي منكري البعث من كفار قريش والي الناس عامه بسوال تقريعي توبيخي: هل خلق الناس علي ضاله احجامهم, ومحدوديه قدراتهم, واعمارهم, واماكنهم من الكون اشد من خلق السماء وبنائها, ورفعها بلا عمد مرئيه الي هذا العلو الشاهق مع ضخامه ابعادها, وتعدد اجرامها, ودقه المسافات بينها, واحكام حركاتها, وتعاظم القوي الممسكه بها؟ واظلام ليلها, واناره نهارها؟ واشد من دحو الارض, واخراج مائها ومرعاها منها بعد ذلك, وارساء الجبال عليها, وارساء الارض بها, تحقيقا لسلامتهم وامنهم علي سطح الارض, ولسلامه انعامهم ومواشيهم.
وبعد الاشاره الي بديع صنع الله في خلق السماوات والارض كدليل قاطع علي امكانيه البعث عاودت الايات الحديث عن القيامه وسمتها( بالطامه الكبري) لانها داهيه عظمي تعم باهوالها كل شيء, وتغطي علي كل مصيبه مهما عظمت, وفي ذلك اليوم يتذكر الانسان اعماله من الخير والشر, ويراه مدونا في صحيفه اعماله, وبرزت جهنم للناظرين, فراها كل انسان عيانا بيانا, وحينئذ ينقسم الناس الي شقي وسعيد, فالشقي هو الذي جاوز الحد في الكفر والعصيان, وفضل الدنيا علي الاخره, وهذا ماواه جهنم وبئس المصير, والسعيد هو الذي نهي نفسه عن اتباع هواها انطلاقا من مخافه مقامه بين يدي ربه يوم الحساب, وهذا ماواه ومصيره الي جنات النعيم باذن الله.
وتختتم السوره بخطاب الي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) متعلق بسوال كفار قريش له عن الساعه متي قيامها؟, وترد الايات بان علمها عندالله الذي استاثر به, دون كافه خلقه, فمردها ومرجعها الي الله وحده, واما دورك ايها النبي الخاتم والرسول الخاتم فهو انذار من يخشاها, وهولاء الكفار والمشركون يوم يشاهدون قيامها فان هول المفاجاه سوف يمحو من الذاكره معيشتهم علي الارض, فيرونها كانها كانت ساعه من ليل او نهار, بمقدار عشيه او ضحاها, احتقارا للحياه الدنيا, واستهانه بشانها امام الاخره, وياتي ختام السوره متوافقا مع مطلعها الذي اقسم فيه ربنا( تبارك وتعالي) علي حقيقه البعث وحتميته, واهواله وخطورته, لزياده التاكيد علي انه اخطر حقائق الكون واهم احداثه, لكي يتم تناسق البدء مع الختام, وهذا من صفات العديد من سور القران الكريم.
وهنا يبرز التساول عن معني دحو الارض, وعلاقته باخراج مائها ومرعاها, ووضعه في مقابله مع بناء السماء ورفعها علي عظم هذا البناء وذلك الرفع كصوره واقعه لطلاقه القدره المبدعه في الخلق, وقبل التعرض لذلك لابد من استعراض الدلاله اللغويه للفظه الدحو الوارده في الايه الكريمه:
الدلاله اللغويه لدحو الارض
(الدحو) في اللغه العربيه هو المد والبسط والالقاء, يقال:( دحا) الشيء( يدحوه)( دحوا) اي بسطه ومده, او القاه ودحرجه, ويقال:( دحا) المطر الحصي عن وجه الارض اي دحرجه وجرفه, ويقال: مر الفرس( يدحو)( دحوا) اذا جر يده علي وجه الارض فيدحو ترابها و(مدحي) النعامه هو موضع بيضها, و(ادحيها) موضعها الذي تفرخ فيه.
شروح المفسرين للايه الكريمه:
في شرح الايه الكريمه:(والارض بعد ذلك دحاها) ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: فسره بقوله تعالي( اخرج منها ماءها ومرعاها), وقد تقدم في سوره فصلت ان الارض خلقت قبل خلق السماء, ولكن انما دحيت بعد خلق السماء بمعني انه اخرج ما كان فيها بالقوه الي الفعل, عن ابن عباس( دحاها) ودحيها ان اخرج منها الماء والمرعي, وشقق فيها الانهار, وجعل فيها الجبال والرمال, والسبل والاكام, فذلك قوله:( والارض بعد ذلك دحاها)....
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله):( والارض بعد ذلك دحاها) اي بسطها ومهدها لتكون صالحه للحياه, وكانت مخلوقه قبل السماء من غير دحو.( اخرج) حال باضمار قد اي: دحاها مخرجا( منها ماءها ومرعاها) بتفجير عيونها, و(مرعاها) ماترعاه النعم من الشجر والعشب, وماياكله الناس من الاقوات والثمار, واطلاق المرعي عليه استعاره.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): ودحو الارض تمهيدها وبسط قشرتها, بحيث تصبح صالحه للسير عليها, وتكوين تربه تصلح للانبات,..., والله اخرج من الارض ماءها سواء مايتفجر من الينابيع, او ماينزل من السماء فهو اصلا من مائها الذي تبخر ثم نزل في صوره مطر; واخرج من الارض مرعاها, وهو النبات الذي ياكله الناس والانعام, وتعيش عليه الاحياء مباشره او بالواسطه..
وجاء في( صفوه البيان لمعاني القران):' ودحا الارض بمعني بسطها واوسعها, بعد ذكر ذلك الذي ذكره من بناء السماء, ورفع سمكها, وتسويتها, واغطاش ليلها, واظهار نهارها, وقد بين الله الدحو بقوله:( اخرج منها ماءها) بتفجير العيون, واجراء الانهار والبحار العظام.( ومرعاها) اي جميع مايقتات به الناس والدواب بقرينه قوله بعد:( متاعا لكم ولانعامكم)........ واخبرنا بعد ذلك بانه هو الذي بسط الارض, ومهدها لسكني اهلها ومعيشتهم فيها: وقدم الخبر الاول لانه ادل علي القدره الباهره لعظم السماء, وانطوائها علي الاعاجيب التي تحار فيها العقول. فبعديه الدحو انما هي في الذكر لا في الايجاد, وبجعل المشار اليه هو ذكر المذكورات من البناء وما عطف عليها لا انفسها, لايكون في الايه دليل علي تاخر الدحو عن خلق السماوات وما فيها.....'.
وجاء في( صفوه التفاسير):( والارض بعد ذلك دحاها) اي والارض بعد خلق السماء بسطها ومهدها لسكني اهلها( اخرج منها ماءها ومرعاها) اي اخرج من الارض عيون الماء المتفجره, واجري فيها الانهار, وانبت فيها الكلا والمرعي مما ياكله الناس والانعام'.
وجاء في( المنتخب في تفسير القران الكريم):' والارض بعد ذلك بسطها ومهدها لسكني اهلها, واخرج منها ماءها بتفجير عيونها, واجراء انهارها, وانبات نباتها ليقتات به الناس والدواب..
وهذا الاستعراض يدل علي ان المفسرين السابقين يجمعون علي ان من معاني دحو الارض هو اخراج الماء والمرعي من داخلها, علي هيئه العيون وانبات النبات.
دحو الارض في العلوم الكونيه
اولا: اخراج كل ماء الارض من جوفها:
كوكب الارض هو اغني كواكب مجموعتنا الشمسيه في المياه, ولذلك يطلق عليه اسم( الكوكب المائي) او( الكوكب الازرق) وتغطي المياه نحو71% من مساحه الارض, بينما تشغل اليابسه نحو29% فقط من مساحه سطحها, وتقدر كميه المياه علي سطح الارض بنحو1360 مليون كيلومتر مكعب(1.36*910); وقد حار العلماء منذ القدم في تفسير كيفيه تجمع هذا الكم الهائل من المياه علي سطح الارض, من اين اتي؟ وكيف نشا؟
وقد وضعت نظريات عديده لتفسير نشاه الغلاف المائي للارض, تقترح احداها نشاه ماء الارض في المراحل الاولي من خلق الارض, وذلك بتفاعل كل من غازي الايدروجين والاوكسيجين في حالتهما الذريه في الغلاف الغازي المحيط بالارض, وتقترح ثانيه ان ماء الارض اصله من جليد المذنبات, وتري ثالثه ان كل ماء الارض قد اخرج اصلا من داخل الارض.والشواهد العديده التي تجمعت لدي العلماء توكد ان كل ماء الارض قد اخرج اصلا من جوفها, ولايزال خروجه مستمرا من داخل الارض عبر الثورات البركانيه.
ثانيا: اخراج الغلاف الغازي للارض من جوفها:
بتحليل الابخره المتصاعده من فوهات البراكين في اماكن مختلفه من الارض اتضح ان بخار الماء تصل نسبته الي اكثر من70% من مجموع تلك الغازات والابخره البركانيه, بينما يتكون الباقي من اخلاط مختلفه من الغازات التي ترتب حسب نسبه كل منها علي النحو التالي: ثاني اكسيد الكربون, الايدروجين, ابخره حمض الايدروكلوريك( حمض الكلور), النيتروجين, فلوريد الايدروجين, ثاني اكسيد الكبريت, كبريتيد الايدروجين, غازات الميثان والامونيا وغيرها.
ويصعب تقدير كميه المياه المندفعه علي هيئه بخار الماء الي الغلاف الغازي للارض من فوهات البراكين الثائره, علما بان هناك نحو عشرين ثوره بركانيه عارمه في المتوسط تحدث في خلال حياه كل فرد منا, ولكن مع التسليم بان الثورات البركانيه في بدء خلق الارض كانت اشد تكرارا وعنفا من معدلاتها الراهنه, فان الحسابات التي اجريت بضرب متوسط ماتنتجه الثوره البركانيه الواحده من بخار الماء من فوهه واحده, في متوسط مرات ثورانها في عمر البركان, في عدد الفوهات والشقوق البركانيه النشيطه والخامده الموجوده اليوم علي سطح الارض اعطت رقما قريبا جدا من الرقم المحسوب بكميه المياه علي سطح الارض.
ثالثا: الصهاره الصخريه في نطاق الضعف الارضي هي مصدر مياه وغازات الارض:
ثبت اخيرا ان المياه تحت سطح الارض توجد علي اعماق تفوق كثيرا جميع التقديرات السابقه, كما ثبت ان بعض مياه البحار والمحيطات تتحرك مع رسوبيات قيعانها الزاحفه الي داخل الغلاف الصخري للارض بتحرك تلك القيعان تحت كتل القارات, ويتسرب الماء الي داخل الغلاف الصخري للارض. عبر شبكه هائله من الصدوع والشقوق التي تمزق ذلك الغلاف في مختلف الاتجاهات, وتحيط بالارض احاطه كامله بعمق يتراوح بين150,65 كيلومترا.
ويبدو ان الصهاره الصخريه في نطاق الضعف الارضي هي مصدر رئيسي للمياه الارضيه, وتلعب دورا مهما في حركه المياه من داخل الارض الي السطح وبالعكس, وذلك لانه لولا امتصاصها للمياه ماانخفضت درجه حراره انصهار الصخور, وهي اذا لم تنصهر لتوقفت ديناميكيه الارض, بما في ذلك الثورات البركانيه, وقد ثبت انها المصدر الرئيسي للغلاف المائي والغازي للارض.
وعلي ذلك فقد اصبح من المقبول عند علماء الارض ان النشاط البركاني الذي صاحب تكوين الغلاف الصخري للارض في بدء خلقها هو المسئول عن تكون كل من غلافيها المائي والغازي, ولاتزال ثورات البراكين تلعب دورا مهما في اثراء الارض بالمياه, وفي تغيير التركيب الكيميائي لغلافها الغازي وهو المقصود بدحو الارض.
وذلك نابع من حقيقه ان الماء هو السائل الغالب في الصهارات الصخريه علي الرغم من ان نسبته المئويه الي كتله الصهاره قليله بصفه عامه, ولكن نسبه عدد جزيئات الماء الي عدد جزيئات ماده الصهاره تصل الي نحو15%, وعندما تتبرد الصهاره الصخريه تبدا مركباتها في التبلور بالتدريج, وتتضاغط الغازات الموجوده فيها الي حجم اقل, وتتزايد ضغوطها حتي تفجر الغلاف الصخري للارض بقوه تصل الي مائه مليون طن, فتشق ذلك الغلاف وتبدا الغازات في التمدد, والانفلات من الذوبان في الصهاره الصخريه, ويندفع كل من بخار الماء والغازات المصاحبه له والصهاره الصخريه الي خارج فوهه البركان او الشقوق المتصاعده منها, مرتفعه الي عده كيلومترات لتصل الي كل اجزاء نطاق التغيرات المناخيه(8 18 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر), وقد تصل هذه النواتج البركانيه في بعض الثورات البركانيه العنيفه الي نطاق التطبق(30 80 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر وغالبيه ماده السحاب الحار الذي تتراوح درجه حرارته بين500,250 درجه مئويه يعاود الهبوط الي الارض بسرعات تصل الي200 كيلومتر في الساعه لان كثافته اعلي من كثافه الغلاف الغازي للارض.
والماء المتكثف من هذا السحاب البركاني الحار الذي يقطر مطرا من بين ذرات الرماد التي تبقي عالقه بالغلاف الغازي للارض لفترات طويله يجرف معه كميات هائله من الرماد والحصي البركاني مكونا تدفقا للطين البركاني الحار علي سطح الارض في صوره من صور الدحو.
ومنذ ايام ثار بركان في احدي جزر الفلبين فغمرت المياه المتكونه اثناء ثورته قريه مجاوره اهله بالسكان بالكامل.
وقد يصاحب الثورات البركانيه خروج عدد من الينابيع, والنافورات الحاره وهي ثورات دوريه للمياه والابخره شديده الحراره تندفع الي خارج الارض بفعل الطاقه الحراريه العاليه المخزونه في اعماق القشره الارضيه.
ويعتقد علماء الارض ان وشاح كوكبنا كان في بدء خلقه منصهرا انصهارا كاملا او جزئيا, وكانت هذه الصهاره هي المصدر الرئيسي لبخار الماء وعدد من الغازات التي اندفعت من داخل الارض, وقد لعبت هذه الابخره والغازات التي تصاعدت عبر كل من فوهات البراكين وشقوق الارض ولا تزال تلعب دورا مهما في تكوين واثراء كل من الغلافين المائي والغازي للارض وهو المقصود بالدحو.
رابعا: دوره الماء حول الارض:
شاءت اراده الخالق العظيم ان يسكن في الارض هذا القدر الهائل من الماء, الذي يكفي جميع متطلبات الحياه علي هذا الكوكب, ويحفظ التوازن الحراري علي سطحه, كما يقلل من فروق درجه الحراره بين كل من الصيف والشتاء صونا للحياه بمختلف اشكالها ومستوياتها.
وهذا القدر الذي يكون الغلاف المائي للارض موزونا بدقه بالغه, فلو زاد قليلا لغطي كل سطحها, ولو قل قليلا لقصر دون الوفاء بمتطلبات الحياه عليها.
ولكي يحفظ ربنا( تبارك وتعالي) هذا الماء من التعفن والفساد, حركه في دوره معجزه تعرف باسم دوره المياه الارضيه تحمل في كل سنه380,000 كيلو متر مكعب من الماء بين الارض وغلافها الغازي, ولما كانت نسبه بخار الماء في الغلاف الغازي للارض ثابته, فان معدل سقوط الامطار سنويا علي الارض يبقي مساويا لمعدل البخر من علي سطحها, وان تباينت اماكن وكميات السقوط في كل منطقه حسب الاراده الالهيه, ويبلغ متوسط سقوط الامطار علي الارض اليوم85,7 سنتيمتر مكعب في السنه, ويتراوح بين11,45 متر مكعب في جزر هاواي وصفر في كثير من صحاري الارض. وصدق رسول الله( صلي الله عليه وسلم) اذ قال: ما من عام بامطر من عام.
واذ قال:... من قال امطرنا بنوء كذا او نوء كذا فقد كفر; ومن قال امطرنا برحمه من الله وفضل فقد امن.
وتبخر اشعه الشمس من اسطح البحار والمحيطات320,000 كيلو متر مكعب من الماء في كل عام واغلب هذا التبخر من المناطق الاستوائيه حيث تصل درجه الحراره في المتوسط الي25 درجه مئويه, بينما تسقط علي البحار والمحيطات سنويا من مياه المطر284,000 كيلو مترا مكعبا, ولما كان منسوب المياه في البحار والمحيطات يبقي ثابتا في زماننا فان الفرق بين كميه البخر من اسطح البحار والمحيطات وكميه ما يسقط عليها من مطر لابد وان يفيض اليها من القارات.
وبالفعل فان البخر من اسطح القارات يقدر بستين الف كيلو متر مكعب بينما يسقط عليها سنويا سته وتسعون الفا من الكيلو مترات المكعبه من ماء المطر والفارق بين الرقمين بالايجاب هو نفس الفارق بين كميه البخر وكميه المطر في البحار والمحيطات(36,000 كيلو متر مكعب) فسبحان الذي ضبط دوره المياه حول الارض بهذه الدقه الفائقه.
ويتم البخر علي اليابسه من اسطح البحيرات والمستنقعات, والبرك, والانهار, وغيرها من المجاري المائيه, ومن اسطح تجمعات الجليد, وبطريقه غير مباشره من اسطح المياه تحت سطح الارض, ومن عمليات تنفس وعرق الحيوانات, ونتح النباتات, ومن فوهات البراكين.
ولما كان متوسط ارتفاع اليابسه هو823 مترا فوق مستوي سطح البحر, ومتوسط عمق المحيطات3800 مترا تحت مستوي سطح البحر, فان ماء المطر الذي يفيض سنويا من اليابسه الي البحار والمحيطات( ويقدر بسته وثلاثين الفا من الكيلومترات المكعبه) ينحدر مولدا طاقه ميكانيكيه هائله تفتت صخور الارض وتتكون منها الرسوبيات والصخور الرسوبيه بما يتركز فيها من ثروات ارضيه, ومكونه التربه الزراعيه اللازمه لانبات الارض, ولو انفقت البشريه كل ما تملك من ثروات ماديه ما استطاعت ان تدفع قيمه هذه الطاقه التي سخرها لنا ربنا من اجل تهيئه الارض لكي تكون صالحه للعمران...!!!.
خامسا: توزيع الماء علي سطح الارض:
تقدر كميه المياه علي سطح الارض بنحو1360 مليون كيلو متر مكعب, اغلبها علي هيئه ماء مالح في البحار والمحيطات(97,20%), بينما يتجمع الباقي(2,8%) علي هيئه الماء العذب باشكاله الثلاثه الصلبه, والسائله, والغازيه; منها(2,15% من مجموع مياه الارض) علي هيئه سمك هائل من الجليد يغطي المنطقتين القطبيتين الجنوبيه والشماليه بسمك يقترب من الاربعه كيلو مترات, كما يغطي جميع القمم الجبليه العاليه, والباقي يقدر بنحو0.65% فقط من مجموع مياه الارض يختزن اغلبه في صخور القشره الارضيه علي هيئه مياه تحت سطح الارض, تليه في الكثره النسبيه مياه البحيرات العذبه, ثم رطوبه التربه الارضيه, ثم رطوبه الغلاف الغازي للارض, ثم المياه الجاريه في الانهار وتفرعاتها.
وحينما يرتفع بخار الماء من الارض الي غلافها الغازي فان اغلبه يتكثف في نطاق الرجع( نطاق الطقس او نطاق التغيرات المناخيه) الذي يمتد من سطح البحر الي ارتفاع يتراوح بين16 و17 كيلو مترا فوق خط الاستواء, وبين6 و8 كيلو مترات فوق القطبين, ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجويه, فينكمش الي ما هو دون السبعه كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض ويمتد الي نحو الثلاثه عشر كيلو مترا في مناطق الضغط المرتفع, وعندما تتحرك كتل الهواء الحار في نطاق الرجع من المناطق الاستوائيه في اتجاه القطبين فانها تضطرب فوق خطوط العرض الوسطي فتزداد سرعه الهواء في اتجاه الشرق متاثرا باتجاه دوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق.
ويضم هذا النطاق66% من كتله الغلاف الغازي للارض, وتتناقص درجه الحراره والضغط فيه باستمرار مع الارتفاع حتي تصل الي نحو60 درجه مئويه تحت الصفر والي عشر الضغط الجوي العادي عند سطح البحر في قمته المعروفه باسم مستوي الركود الجوي وذلك لتناقص الضغط بشكل ملحوظ عنده.
ونظرا لهذا الانخفاض الملحوظ في كل من درجه الحراره والضغط الجوي, والي الوفره النسبيه لنوي التكثف في هذا النطاق فان بخار الماء الصاعد من الارض يتمدد تمددا ملحوظا مما يزيد في فقدانه لطاقته, وتبرده تبردا شديدا ويساعد علي تكثفه وعودته الي الارض مطرا او بردا او ثلجا, وبدرجه اقل علي هيئه ضباب وندي في المناطق القريبه من الارض.
سادسا: دحو الارض معناه اخراج غلافيها المائي والغازي من جوفها:
ثبت ان كل ماء الارض قد اخرجه ربنا( تبارك وتعالي) من داخل الارض عن طريق الانشطه البركانيه المختلفه المصاحبه لتحرك الواح الغلاف الصخري للارض.
كذلك فان ثاني اكثر الغازات اندفاعا من فوهات البراكين هو ثاني اكسيد الكربون, وهو لازمه من لوازم عمليه التمثيل الضوئي التي تقوم بتنفيذها النباتات الخضراء مستخدمه هذا الغاز مع الماء وعددا من عناصر الارض لبناء خلايا النبات وانسجته, وزهوره, وثماره, ومن هنا عبر القران الكريم عن اخراج هذا الغاز المهم وغيره من الغازات اللازمه لانبات الارض من باطن الارض تعبيرا مجازيا باخراج المرعي, لانه لولا ثاني اكسيد الكربون ما انبتت الارض, ولا كستها الخضره.
سابعا: من معجزات القران الاشاره الي تلك الحقائق العلميه بلغه سهله جزله:
علي عاده القران الكريم فانه عبر عن تلك الحقائق الكونيه المتضمنه اخراج كل من الغلافين المائي والغازي للارض من داخل الارض باسلوب لا يفزغ العقليه البدويه في صحراء الجزيره العربيه وقت تنزله, فقال( عز من قائل):
والارض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعاها والعرب في قلب الجزيره العربيه كانوا يرون الارض تتفجر منها عيون الماء, ويرون الارض تكسي بالعشب الاخضر بمجرد سقوط المطر, ففهموا هذا المعني الصحيح الجميل من هاتين الايتين الكريمتين, ثم ناتي نحن اليوم فنري في نفس الايتين رويه جديده مفادها ان الله( تعالي) يمن علي الارض واهلها وعلي جميع من يحيا علي سطحها انه( سبحانه) قد هياها لهذا العمران باخراج كل من اغلفتها الصخريه والمائيه والغازيه من جوفها حيث تصل درجات الحراره الي الاف الدرجات المئويه مما يشهد لله الخالق بطلاقه القدره, وببديع الصنعه, وبكمال العلم, وتمام الحكمه, كما يشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا الوحي الخاتم بانه( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السموات والارض, فلم يكن لاحد من الخلق وقت تنزل القران الكريم ولا لقرون متطاوله من بعده المام بحقيقه ان كل ماء الارض, وكل هواء الارض قد اخرجه ربنا( تبارك وتعالي) من داخل الارض, وهي حقيقه لم يدركها الانسان الا في العقود المتاخره من القرن العشرين فسبحان منزل القران من قبل اربعه عشر قرنا ووصفه بقوله الكريم:
قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والارض انه كان غفورا رحيما( الفرقان:6)
وصلي الله وسلم وبارك علي رسولنا الامين الذي تلقي هذا الوحي الرباني فبلغ الرساله, وادي الامانه, ونصح الامه وجاهد في سبيل الله حتي اتاه اليقين, والذي وصفه ربنا( سبحانه وتعالي) بقوله الكريم:
لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكه يشهدون وكفي بالله شهيدا( النساء:166)
-
25 او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها
والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب
الرعد 41
جاءت هذه الايه الكريمه في خواتيم سوره الرعد, وهي السوره الوحيده من سور القران التي تحمل اسم ظاهره من الظواهر الجويه, وسوره الرعد توصف بانها سوره مدنيه. وان كان الخطاب فيها خطابا مكيا, يدور حول اسس العقيده الاسلاميه ومن اولها قضيه الايمان بالوحي المنزل من رب العالمين الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه اجمعين), والايمان بالحق الذي اشتمل عليه هذا الوحي الرباني, ومن ركائزه الايمان بالله, وبوحدانيته المطلقه فوق كافه خلقه, والايمان بملائكته, وكتبه, ورسله, وباليوم الاخر, وما يستتبعه من بعث ونشور, وعرض اكبر امام الله, وحساب وجزاء, وما يستوجبه هذا الايمان من خشيه لله وتقواه, وحرص علي طلب رضاه بالعمل الصالح لان ذلك كله نابع من الايمان بالوحي, وبان الله( تعالي) هو منزل القران الداعي الي عباده الله بما امر( سبحانه وتعالي), وبالقيام بواجبات الاستخلاف في الارض بحسن عمارتها, واقامه عدل الله فيها.
وتعجب الايات من منكري البعث والحساب والجزاء, الدين كفروا بربهم, وكذبوا رسله, وجحدوا اياته, وتعرض لشيء من عذابهم في الاخره, وخلودهم في النار.
وتستشهد السوره في مواضع كثيره منها بالعديد من الايات والظواهر الكونيه الداله علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه في الخلق والافناء, وفي الاماته والاحياء, وفي النفع والضر, والشاهده علي ان كل ما جاء به القران الكريم حق مطلق, وان كان اكثر الناس لا يومنون.
ثم تقارن الايات بين اهل النار واهل الجنه, وبين اوصاف كل فريق منهم وخصاله واعماله, وضربت لهما مثلا بالاعمي والبصير, وبينت مصير كل من الفريقين, مع تصوير رائع لكل من الجنه والنار.
وتستطرد ايات سوره الرعد في الحديث عن عدد من الظواهر الكونيه من مثل حدوث الرعد, والبرق, والصواعق, وتكوين السحاب الثقال, وانزال المطر, وتدفق الاوديه بمائه حامله من الزبد والخبث الذي لايلبث ان يذهب جفاء, وبما ينفع الناس من نفائس المعادن التي لا تلبث ان تمكث في الارض, وتشبه الايات الكريمه ذلك بكل من الباطل والحق, ولله المثل الاعلي.
ثم تعرض السوره لحقيقه غيبيه تتمثل في تسبيح الرعد بحمد الله, وتسبيح الملائكه خشيه لجلاله, وخيفه من سلطانه, وجميع من في السماوات والارض يسجد لله طوعا وكرها, حتي ظلالهم فانها تسجد لله بالغدو والاصال, اي مع دوران الارض حول محورها امام الشمس, فيمد الظل ويقبض في حركه كانها الركوع والسجود.
وتنعي الايات علي الكفار استهزاءهم بالرسل السابقين علي بعثه المصطفي( صلي الله عليه وسلم), وفي الاشاره الي ذلك ضرب من التثبيت لرسول الله, والتاكيد له علي ان الابتلاء هو طريق النبوات, وطريق اصحاب الرسالات من بدء الخلق الي قيام الدعوه المحمديه والي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها...!!! وتشير السوره بالقرب من نهايتها الي فرح الصالحين من اهل الكتاب بمقدم الرسول الخاتم, في الوقت الذي حاول فيه الكفار والمشركون التشكيك في حقيقه رسالته وتوكد انزال القران حكما عربيا مبينا, وتدعو المصطفي( صلي الله عليه وسلم) الي الحذر من ضغوط الكافرين من اجل اتباع اهوائهم. وتوكد انه ما كان لرسول من الرسل ان ياتي بايه الا بااذن الله.
ثم تاتي الايه الكريمه التي نحن بصددها ناطقه بحقيقه كونيه يقول عنها ربنا( تبارك وتعالي):
او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب( الرعد:41)
ويتكرر معني هذه الايه الكريمه مره اخري في سوره الانبياء والتي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي): بل متعنا هولاء واباءهم حتي طال عليهم العمر افلا يرون انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها افهم الغالبون.
(الانبياء:44)
ثم تختتم سوره الرعد بالحديث عن مكر الامم السابقه الذي لم يضر المومنين شيئا لان لله( تعالي) المكر جميعا, وان له( سبحانه وتعالي) عقبي الدار, كما تتحدث عن انكار الكافرين لبعثه المصطفي( صلي الله عليه وسلم), وتاتي الايات, موكده ان الله تعالي يشهد له بالنبوه والرساله وكذلك كل من عنده علم من رسالات الله السابقه لوجود ذكره( صلي الله عليه وسلم) في الايات التي لم تحرف من بقايا كتبهم.
وهنا يبرز التساول المنطقي: ما هو معني انقاص الارض من اطرافها في هاتين الايتين الكريمتين؟ وما هو مغزي دلالتها العلميه والمعنويه؟ وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض سريع لشروح المفسرين.
شروح المفسرين لمعني انقاص الارض من اطرافها
في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي): او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها ذكر ابن كثير قول ابن عباس( رضي الله عنهما): او لم يروا انا نفتح لمحمد صلي الله عليه وسلم الارض بعد الارض, وقوله في مقام اخر: انقاصها من اطرافها هو خرابها بموت علمائها, وفقهائها, واهل الخير منها وقال ابن كثير: والقول الاول اولي, وهو ظهور الاسلام علي الشرك قريه بعد قريه, كقوله تعالي:( ولقد اهلكنا ما حولكم من القري) الايه, واشار الي ان هذا هو اختيار ابن جرير.
كذلك ذكر ابن كثير قول كل من مجاهد وعكرمه: انقاص الارض من اطرافها معناه خرابها, او هو موت علمائها, وقول كل من الحسن والضحاك: هو ظهور المسلمين علي المشركين, كما قالا: هو نقصان الانفس والثمرات, وخراب الارض, وقول الشعبي: لو كانت الارض تنقص لضاق عليك حشك( اي بستانك), ولكن تنقص الانفس والثمرات.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين:( او لم يروا) اي: اهل مكه وغيرها( انا ناتي الارض) نقصد ارضهم,( ننقصها من اطرافها) بالفتح علي النبي صلي الله عليه وسلم.
اما صاحب الظلال فذكر: ان يد الله القويه تاتي الامم الغنيه حين تبطر وتكفر وتفسد فتنقص من قوتها وقدرها وثرائها وتحصرها في رقعه ضيقه من الارض بعد ان كانت ذات امتداد وسلطان.
وجاء في( صفوه البيان لمعاني القران) ما نصه:( او لم يروا انا ناتي الارض..) اي اانكروا نزول ما وعدناهم, او شكوا ولم يروا اننا نفتح ارضهم من جوانبها ونلحقها بدار الاسلام!! اولم يروا هلاك من قبلهم وخراب ديارهم كقوم عاد وثمود! فكيف يامنون حلول ذلك بهم!....
وجاء في صفوه التفاسير ما نصه: اي او لم ير هولاء المشركون انا نمكن للمومنين من ديارهم ونفتح للرسول الارض بعد الارض حتي تنقص دار الكفر وتزيد دار الاسلام؟ وذلك من اقوي الادله علي ان الله منجز وعده لرسوله عليه السلام.
وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم ما نصه: وان امارات العذاب والهزيمه قائمه! الم ينظروا الي انا ناتي الارض التي قد استولوا عليها, ياخذها منهم المومنون جزءا بعد جزء؟ وبذلك ننقص عليهم الارض من حولهم, والله وحده هو الذي يحكم بالنصر او الهزيمه, والثواب او العقاب, ولا راد لحكمه, وحسابه سريع في وقته, فلا يحتاج الفصل الي وقت طويل, لان عنده علم كل شيء, فالبينات قائمه. وفي الهامش جاء ذكر ما يلي: تتضمن هذه الايه حقائق وصلت اليها البحوث العلميه الاخيره اذ ثبت ان سرعه دوران الارض حول محورها, وقوه طردها المركزي يوديان الي تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الارض, وكذلك عرف ان سرعه انطلاق جزيئات الغازات المغلفه للكره الارضيه, اذا ما جاوزت قوه جاذبيه الارض لها فانها تنطلق الي خارج الكره الارضيه, وهذا يحدث بصفه مستمره فتكون الارض في نقص مستمر لاطرافها, لا ارض اعداء المومنين, وهذا احتمال في التفسير تقبله الايه الكريمه.
من الدلالات العلميه لانقاص الارض من اطرافها
ترد لفظه الارض في القران الكريم بمعني الكوكب ككل, كما ترد بمعني اليابسه التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحريه والمحيطيه, وان كانت ترد ايضا بمعني التربه التي تغطي صخور اليابسه. ولانقاص الارض من اطرافها في اطار كل معني من تلك المعاني عدد من الدلالات العلميه التي نحصي منها ما يلي:
اولا: في اطار دلاله لفظه الارض علي الكوكب ككل:
في هذا الاطار نجد ثلاثه معان علميه بارزه يمكن ايجازها فيما يلي:
(ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني انكماشها علي ذاتها وتناقص حجمها باستمرار:
يقدر متوسط قطر الارض الحاليه بحوالي12742 كم, ويقدر متوسط محيطها بنحو40042 كم, ويقدر حجمها باكثر من مليون مليون كم3. وتفيد الدراسات ان ارضنا مرت بمراحل متعدده من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابه الدخان الكوني التي نتجت عن عمليه الانفجار العظيم اما مباشره او بطريقه غير مباشره عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسيه, وبذلك خلقت الارض الابتدائيه التي لم تكن سوي كومه ضخمه من الرماد ذات حجم هائل يقدر بمائه ضعف حجمها الحالي علي الاقل, ومكونه من عدد من العناصر الخفيفه. ثم ما لبثت تلك الكومه الابتدائيه ان رجمت بوابل من النيازك الحديديه, والحديديه الصخريه, والصخريه, كتلك التي تصل الارض في زماننا( والتي تتراوح كمياتها بين الالف والعشره الاف طن سنويا من ماده الشهب والنيازك).
وبحكم كثافتها العاليه نسبيا اندفعت النيازك الحديديه الي مركز تلك الكومه الابتدائيه حيث استقرت, مولده حراره عاليه ادت الي صهر كومه الرماد التي شكلت الارض الابتدائيه والي تمايزها الي سبع ارضين علي النحو التالي:
1 لب صلب داخلي: عباره عن نواه صلبه من الحديد(90%) وبعض النيكل(9%) مع قليل من العناصر الخفيفه مثل الكربون والفوسفور, والكبريت والسيليكون والاوكسجين(1%) وهو قريب من تركيب النيازك الحديديه مع زياده واضحه في نسبه الحديد, ويبلغ قطر هذه النواه حاليا ما يقدر بحوالي2402 كم, وتقدر كثافتها بحوالي10 الي13.5 جرام/سم3.
2 نطاق لب الارض السائل( الخارجي): وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا ولكنه في حاله انصهار, ويقدر سمكه بحوالي2275 كم, ويفصله عن اللب الصلب منطقه انتقاليه شبه منصهره يبلغ سمكها450 كم تعتبر الجزء الاسفل من هذا النطاق, ويكون كل من لب الارض الصلب والسائل حوالي31% من كتلتها.
3 النطاق الاسفل من وشاح الارض( الوشاح السفلي): وهو نطاق صلب يحيط بلب الارض السائل, ويبلغ سمكه نحو2215 كم( من عمق670 كم الي عمق2885 كم) ويفصله عن الوشاح الاوسط( الذي يعلوه) مستوي انقطاع للموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل.
4 النطاق الاوسط من وشاح الارض( الوشاح الاوسط): وهو نطاق صلب يبلغ سمكه نحو270 كم, ويحده مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه يقع احدهما علي عمق670 كم ويفصله عن الوشاح الاسفل, ويقع الاخر علي عمق400 كم ويفصله عن الوشاح الاعلي.
5 النطاق الاعلي من وشاح الارض( الوشاح العلوي): وهو نطاق لدن, شبه منصهر, عالي الكثافه واللزوجه( نسبه الانصهار فيه في حدود1%) يعرف باسم نطاق الضعف الارضي ويمتد بين عمق65 120 كم وعمق400 كم ويتراوح سمكه بين335 كم و380 كم, ويعتقد بان وشاح الارض كان كله منصهرا في بدء خلق الارض ثم اخذ في التصلب بالتدريج نتيجه لفقد جزء هائل من حراره الارض.
6 النطاق السفلي من الغلاف الصخري للارض: ويتراوح سمكه بين40 60 كم( بين اعماق60 80 كم)120 كم ويحده من اسفل الحد العلوي لنطاق الضعف الارضي, ومن اعلي خط انقطاع الموجات الاهتزازيه المعروف باسم الموهو.
7 النطاق العلوي من الغلاف الصخري للارض( قشره الارض):
ويتراوح سمكه بين(5 8) كم تحت قيعان البحار والمحيطات وبين(60 80) كم تحت القارات, ويتكون اساسا من العناصر الخفيفه مثل السيليكون, والصوديوم, والبوتاسيوم, والكالسيوم, والالومنيوم, والاوكسجين مع قليل من الحديد(5.6%) وبعض العناصر الاخري وهو التركيب الغالب للقشره القاريه التي يغلب عليها الجرانيت والصخور الجرانيتيه, اما قشره قيعان البحار والمحيطات فتميل الي تركيب الصخور البازلتيه.
وادي هذا التمايز في التركيب الداخلي للارض الي نشوء دورات من تيارات الحمل, تندفع من نطاق الضعف الارضي( الوشاح الاعلي) غالبا, ومن وشاح الارض الاوسط احيانا, لتمزق الغلاف الصخري للارض الي عدد من الالواح التي شرعت في حركه دائبه حول نطاق الضعف الارضي نشا عنها الثورات البركانيه, والهزات الارضيه, والحركات البانيه للجبال, كما نشا عنها دحو الارض بمعني اخراج كل من غلافيها المائي والغازي من جوفها وتكون كتل القارات.
هذا التاريخ يشير الي ان حجم الارض الابتدائيه كان علي الاقل يصل الي مائه ضعف حجم الارض الحاليه والمقدر باكثر قليلا من مليون مليون وثلاثمائه وخمسين كيلومترا مكعبا وان هذا الكوكب قد اخذ منذ اللحظه الاولي لخلقه في الانكماش علي ذاته من كافه اطرافه. وكان انكماش الارض علي ذاتها سنه كونيه لازمه للمحافظه علي العلاقه النسبيه بين كتلتي الارض والشمس, هذه العلاقه التي تضبط بعد الارض عن الشمس, ذلك البعد الذي يحكم كميه الطاقه الواصله الينا. ويقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بنحو مائه وخمسين مليونا من الكيلومترات, ولما كانت كميه الطاقه التي تصل من الشمس الي كل كوكب من كواكب مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعه جريه في مداره حولها, بينما يتناسب طول سنه الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها( وسنه الكوكب هي المده التي يستغرقها في اتمام دوره كامله حول الشمس), اتضحت لنا الحكمه من استمراريه تناقص الارض وانكماشها علي ذاتها اي تناقصها من اطرافها. ولو زادت الطاقه التي تصلنا من الشمس عن القدر الذي يصلنا اليوم قليلا لاحرقتنا, واحرقت كل حي علي الارض, ولبخرت الماء, وخلخلت الهواء,
ولو قلت قليلا لتجمد كل حي علي الارض ولقضي علي الحياه الارضيه بالكامل.
ومن الثابت علميا ان الشمس تفقد من كتلتها في كل ثانيه نحو خمسه ملايين من الاطنان علي هيئه طاقه ناتجه من تحول غاز الايدروجين بالاندماج النووي الي غاز الهيليوم. وللمحافظه علي المسافه الفاصله بين الارض والشمس لابد وان تفقد الارض من كتلتها وزنا متناسبا تماما مع ما تفقده الشمس من كتلتها, ويخرج ذلك عن طريق كل من فوهات البراكين وصدوع الارض علي هيئه الغازات والابخره وهباءات متناهيه الضاله من المواد الصلبه التي يعود بعضها الي الارض, ويتمكن البعض الاخر من الافلات من جاذبيه الارض والانطلاق الي صفحه السماء الدنيا, وبذلك الفقدان المستمر من كتله الارض فانها تنكمش علي ذاتها, وتنقص من كافه اطرافها, وتحتفظ بالمسافه الفاصله بينها وبين الشمس. ولولا ذلك لانطلقت الارض من عقال جاذبيه الشمس لتضيع في صفحه الكون وتهلك ويهلك كل من عليها, او لانجذبت الي قلب الشمس حيث الحراره في حدود15 مليون درجه مئويه فتنصهر وينصهر كل ما بها ومن عليها.
ومن حكمه الله البالغه ان كميه الشهب والنيازك التي تصل الارض يوميا تلعب دورا هاما في ضبط العلاقه بين كتلتي الارض والشمس اذا زادت كميه الماده المنفلته من عقال جاذبيه الارض.
(ب) انقاص الارض من اطرافها بمعني تفلطحها قليلا عند القطبين, وانبعاجها قليلا عند خط الاستواء:
في زمن الخليفه المامون قيست المسافه المقابله لكل درجه من درجات خطوط الطول في كل من تهامه والعراق, واستنتج من ذلك حقيقه ان الارض ليست كامله الاستداره, وقد سبق العلماء المسلمون الغرب في ذلك بثمانيه قرون علي الاقل لان الغربيين لم يشرعوا في قياس ابعاد الارض الا في القرن السابع عشر الميلادي, حين اثبت نيوتن نقص تكور الارض وعلله بان ماده الارض لاتتاثر بالجاذبيه نحو مركزها فحسب, ولكنها تتاثر كذلك بالقوه الطارده( النابذه) المركزيه الناشئه عن دوران الارض حول محورها, وقد نتج عن ذلك انبعاج بطئ في الارض ولكنه مستمر عند خط الاستواء حيث تزداد القوه الطارده المركزيه الي ذروتها, وتقل قوه الجاذبيه الي المركز الي ادني قدر لها, ويقابل ذلك الانبعاج الاستوائي تفلطح( انبساط) قطبي غير متكافئ عند قطبي الارض حيث تزداد قوتها الجاذبه, وتتناقص قيمه القوه الطارده المركزيه, والمنطقه القطبيه الشماليه اكثر تفلطحا من المنطقه القطبيه الجنوبيه. ويقدر متوسط قطر الارض الاستوائي بنحو12756.3 كم, ونصف قطرها القطبي بنحو12713.6 كم وبذلك يصبح الفارق بين القطرين نحو42.7 كم, ويمثل هذا التفلطح نحو33.% من نصف قطر الارض, مما يدل علي انها عمليه بطيئه جدا تقدر بنحو1 سم تقريبا كل الف سنه, ولكنها عمليه مستمره منذ بدء خلق الارض, وهي احدي عمليات انقاص الارض من اطرافها.
(ج) انقاص الارض من اطرافها بمعني اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها وذلك بفعل تحرك الواح الغلاف الصخري للارض:
يمزق الغلاف الصخري للارض بواسطه شبكه هائله من الصدوع العميقه التي تحيط بالارض احاطه كامله, وتمتد لعشرات الالاف من الكيلومترات في الطول, وتتراوح اعماقها بين65 كم و120كم, وتفصل هذه الشبكه من الصدوع الغلاف الصخري للارض الي12 لوحا رئيسيا وعدد من الالواح الصغيره نسبيا, ومع دوران الارض حول محورها تنزلق الواح الغلاف الصخري للارض فوق نطاق الضعف الارضي متباعده عن بعضها البعض, او مصطدمه مع بعضها البعض, ويعين علي هذه الحركه اندفاع الصهاره الصخريه عبر مستويات الصدوع خاصه عبر تلك المستويات التصدعيه التي تشكل محاور حواف اواسط المحيطات فتودي الي اتساع قيعان البحار والمحيطات وتجدد صخورها, وذلك لان الصهاره الصخريه المتدفقه بملايين الاطنان عبر مستويات صدوع اواسط المحيطات تودي الي دفع جانبي قاع المحيط يمنه ويسره لعده سنتيمترات في السنه الواحده, وتودي الي ملء المسافات الناتجه بالطفوحات البركانيه المتدفقه والتي تبرد وتتطلب علي هيئه اشرطه متوازيه تتقادم في العمر. في اتجاه حركه التوسع, وينتج عن هذا التوسع اندفاع صخور قاع المحيط يمنه ويسره, في اتجاهي التوسع ليهبط تحت كتل القارات المحيطه في الجانبين بنفس معدل التوسع( اي بنصفه في كل اتجاه), وتستهلك صخور قاع المحيط الهابطه تحت القارتين المحيطتين بالانصهار في نطاق الضعف الارضي.
وكما يصطدم قاع المحيط بكتل القارتين او القارات المحيطه بحوض المحيط او البحر, فان العمليه التصادميه قد تتكرر بين كتل قاع المحيط الواحد فتكون الجزر البركانيه وينقص قاع المحيط, وكما تحدث عمليه التباعد في اواسط القاره فتودي الي فصلها الي كتلتين قاريتين مفصولتين ببحر طولي مثل البحر الاحمر يظل يتسع حتي يتحول الي محيط في المستقبل البعيد وفي كل الحالات تستهلك صخور الغلاف الصخري للارض عند خطوط التصادم, وتتجدد عند خطوط التباعد, وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها. وتتخذ الواح الغلاف الصخري للارض في العاده اشكالا رباعيه يحدها من جهه خطوط انفصام وتباعد, يقابلها في الجهه الاخري خطوط تصادم, وفي الجانبين الاخرين حدود انزلاق, تتحرك عبرها الواح الغلاف الصخري منزلقه بحريه عن بعضها البعض.
وتحرك الواح الغلاف الصخري للارض يودي باستمرار الي استهلاك صخور قيعان كل محيطات الارض, واحلالها بصخور جديده, وعلي ذلك فان محاور المحيطات تشغلها صخور بركانيه ورسوبيه جديده قد لا يتجاوز عمرها اللحظه الواحده, بينما تندفع الصخور القديمه( التي قد يتجاوز عمرها المائتي مليون سنه) عند حدود تصادم قاع المحيط مع القارات المحيطه به, والصخور الاقدم عمرا من ذلك تكون هبطت تحت كتل القارات وهضمت في نطاق الضعف الارضي وتحولت الي صهاره, وهي صوره رائعه من صور انقاص الارض من اطرافها.
ويبدو ان هذه العمليات الارضيه المتعدده كانت في بدء خلق الارض اشد عنفا من معدلاتها الحاليه لشده حراره جوف الارض بدرجات تفوق درجاتها الحاليه وذلك بسبب الكم الهائل من الحراره المتبقيه عن الاصل الذي انفصلت منه الارض, والكم الهائل من العناصر المشعه الاخذه في التناقص باستمرار بتحللها الذاتي منذ بدء تجمد ماده الارض.
ثانيا: في اطار دلاله لفظ الارض علي اليابسه التي نحيا عليها:
في هذا الاطار نجد معنيين علميين واضحين نوجزهما فيما يلي:
(ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني اخذ عوامل التعريه المختلفه من المرتفعات والقاء نواتج التعريه في المنخفضات من سطح الارض حتي تتم تسويه سطحها:
فسطح الارض ليس تام الاستواء وذلك بسبب اختلاف كثافه الصخور المكونه للغلاف الصخري للارض, وكما حدث انبعاج في سطح الارض عند خط الاستواء, فان هناك نتوءات عديده في سطح الارض حيث تتكون قشره الارض من صخور خفيفه, وذلك من مثل كتل القارات والمرتفعات البارزه علي سطحها, وهناك ايضا انخفاضات مقابله لتلك النتوءات حيث تتكون قشره الارض من صخور عاليه الكثافه نسبيا وذلك من مثل قيعان المحيطات والاحواض المنخفضه علي سطح الارض.
ويبلغ ارتفاع اعلي قمه علي سطح الارض وهي قمه جبل افريست في سلسله جبال الهيمالايا8840 مترا فوق مستوي سطح البحر, ويقدر منسوب الخفض نقطه علي اليابسه وهي حوض البحر الميت395 مترا تحت مستوي سطح البحر, ويبلغ منسوب اكثر اغوار الارض عمقا حوالي10,800 مترا وهو غور ماريانوس في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين, والفارق بينهما اقل من عشرين كيلو مترا(1960 مترا), وهو فارق ضئيل اذا قورن بنصف قطر الارض.
ويبلغ متوسط ارتفاع سطح الارض حوالي840 مترا فوق مستوي سطح البحر ومتوسط اعماق المحيطات حوالي اربعه كيلو مترات تحت مستوي سطح البحر(3729 مترا الي4500 متر تحت مستوي سطح البحر)
وهذا الفارق البسيط هو الذي اعان عوامل التعريه المختلفه علي بري صخور المرتفعات والقائها في منخفضات الارض في محاوله متكرره لتسويه سطحها, وهي سنه دائبه من سنن الله في الارض, فاذا بدانا بمنطقه مرتفعه ولكنها مستويه يغشاها مناخ رطب, فان مياه الامطار سوف تتجمع في منخفضات المنطقه علي هيئه عدد من البحيرات والبرك.حتي يتكون نظام صرف مائي جيد, وعندما تجري الانهار فانها تنحر مجاريها في صخور المنطقه حتي تقترب من المستوي الادني للتحات فتسحب كل مياه البحيرات والبرك التي تمر بها, وكلما زاد النحر الي اسفل نزايدات التضاريس تشكلا وبروزا, وعندما تصل بعض المجاري المائيه الي المستوي الادني للتحات فانها تبدا في النحر الجانبي لمجاريها بدلا من النحر الراسي فيتم بذلك التسويه الكامله لتضاريس المنطقه علي هيئه سهول مستويه( او سهوب) تتعرج فيها الانهار, وتتسع مجاريها, وتضعف سرعات جريها. وقدراتها علي النحر, وبعد الوصول الي هذا المستوي او الاقتراب منه يتكرر رفع المنطقه وتعود الدوره الي صورتها الاولي, وتعتبر هذه الدوره( التي تعرف باسم دوره التسهيب) صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, وينخفض منسوب قاره امريكا الشماليه بهذه العمليه بمعدل يصل الي0,03 مم في السنه حتي يغمرها البحر ان شاء الله.
(ب) انقاص الارض من اطرافها بمعني طغيان مياه البحار والمحيطات علي اليابسه وانقاصها من اطرافها:
من الثابت علميا ان الارض قد بدات منذ القدم بمحيط غامر, ثم بتحرك الواح الغلاف الصخري الابتدائي للارض وبدات جزر بركانيه عديده في التكون في قلب هذا المحيط الغامر, وبتصادم تلك الجزر تكونت القاره الام التي تفتت بعد ذلك الي العدد الراهن من القارات, وتبادل الادوار بين اليابسه والماء هو سنه ارضيه تعرف باسم دوره التبادل بين المحيطات والقارات
وتحول اجزاء من اليابسه الي بحار والتي من نماذجها المعاصره كل من البحر الاحمر, وخليج كاليفورنيا, هو صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, ليس هذا فقط بل ان من الثابت علميا ان غالبيه الماء العذب علي اليابسه محجوز علي هيئه تتابعات هائله من الجليد فوق قطبي الارض, وفي قمم الجبال, يصل سمكها في القطب الجنوبي الي اربعه كيلو مترات, ويقترب من هذا السمك قليلا في القطب الشمالي(3800 متر), وانصهار هذا السمك الهائل من الجليد سوف يودي الي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات لاكثر من مائه متر, وقد بدات بوادر هذا الانصهار, واذا تم ذلك فانه سوف يغرق اغلب مساحات اليابسه ذات التضاريس المنبسطه حول البحار والمحيطات وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, وفي ظل التلوث البيئي الذي يعم الارض اليوم, والذي يودي الي رفع درجه حراره نطاق المناخ المحيط بالارض باستمرار بات انصهار هذا السمك الهائل من الجليد امرا محتملا, وقد حدث ذلك مرات عديده في تاريخ الارض الطويل الذي تردد بين دورات يزحف فيها الجليد من احد قطبي الارض او منهما معا في اتجاه خط الاستواء, وفترات ينصهر فيها الجليد فيودي الي رفع منسوب المياه في البحار
والمحيطات وفي كلتا الحالتين تتعرض حواف القارات للتعريه بواسطه مياه البحار والمحيطات فتودي الي انقاص الارض( اي اليابسه) من اطرافها, وذلك لان مياه كل من البحار والمحيطات دائمه الحركه بفعل دوران الارض حول محورها, وباختلاف كل من درجات الحراره والضغط الجوي, ونسب الملوحه من منطقه الي اخري, وتودي حركه المياه في البحار والمحيطات( من مثل التيارات االمائيه, وعمليات المد والجزر, والامواج السطحيه والعميقه) الي ظاهره التاكل( التحات) البحري وهو الفعل الهدمي لصخور الشواطيء وهو من عوامل انقاص الارض( اليابسه) من اطرافها.
ثالثا: في اطار دلاله لفظ الارض علي التربه التي تغطي صخور اليابسه:
(ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني التصحر:
اي زحف الصحراء علي المناطق الخضراء وانحسار التربه الصالحه للزراعه في ظل افساد الانسان للبيئه علي سطح الارض بدا زحف الصحاري علي مساحات كبيره من الارض الخضراء, وذلك بالرعي الجائر, واقتلاع الاشجار, وتحويل الاراضي الزراعيه الي اراض للبناء, وندره المياه نتيجه لموجات الجفاف والجور علي مخزون المياه تحت سطح الارض, وتملح التربه, وتعريتها بمعدلات سريعه تفوق بكثير محاولات استصلاح بعض الاراضي الصحراويه, اضف الي ذلك التلوث البيئي, والخلل الاقتصادي في الاسواق المحليه والعالميه, وتذبذب اسعار كل من الطاقه والالات والمحاصيل الزراعيه مما يجعل العالم يواجه ازمه حقيقيه تتمثل في انكماش المساحات المزروعه سنويا بمعدلات كبيره خاصه في المناطق القاريه وشبه القاريه نتيجه لزحف الصحاري عليها, ويمثل ذلك صوره من صور خراب الارض بانقاصها من اطرافها.
هذه المعاني السته( منفرده او مجتمعه) تعطي بعدا علميا رائعا لمعني انقاص الارض من اطرافها, ولا يتعارض ذلك ابدا مع الدلاله المعنويه للتعبير, بمعني خراب الارض الذي استنتجه المفسرون, بل يكمله ويجليه. وعلي عاده القران الكريم تاتي الاشاره الكونيه بمضمون معنوي محدد, ولكن بصياغه علميه معجزه, تبلغ من الشمول والكمال والدقه ما لم يبلغه علم الانسان, فسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه هذه الاشاره العلميه الدقيقه الي حقيقه انقاص الارض من اطرافها, وهي حقيقه لم يدرك الانسان شيئا من دلالاتها العلميه الا منذ عقود قليله, وقد يري فيها القادمون فوق ما نراه نحن اليوم, ليظل القران الكريم مهيمنا علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها, وتظل اياته الكونيه شاهده باستمرار علي انه كلام الله الخالق, وشاهده للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بانه( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
-
(27) والبحـــر المســـــجور
ضمن قسم بخمس من آيات الله في الخلق علي حتمية وقوع العذاب بالمكذبين بالدين الخاتم, وعلي أنه لا دافع أبدا لهذا العذاب عنهم. جاء هذا القسم القرآني العجيب في مطلع سورة الطور, وسورة الطور مكية, شأنها شأن كل السور التي أنزلت بمكة المكرمة, تدور محاورها الأساسية حول قضية العقيدة بأبعادها المختلفة من الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد, وبملائكته, وكتبه, ورسله, وبالبعث والجزاء, وبالخلود في الآخرة, إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا.
وتبدأ السورة بعد هذا القسم بمشهد من مشاهد الآخرة فيه استعراض لحال المكذبين برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وهم يدفعون من ظهورهم إلي نار جهنم دفعا, وقد كانوا من المكذبين بها!!
ثم تنتقل الآيات إلي استعراض حال المتقين وهم يرفلون في جنات النعيم ثوابا لهم علي الإيمان بالله, والخوف من عذابه!!
وتنتهي السورة بخطاب إلي النبي الخاتم, والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) يحثه علي المضي في دعوته إلي عبادة الله الخالق وحده( بغير شريك ولا شبيه ولا منازع) مهما صادفه في ذلك من مصاعب في مواجهة الكم الهائل من مؤامرات المتآمرين, وكيد المكذبين وعنتهم, الذين يتهددهم الله( تعالي) بما سوف يلقونه من صنوف العذاب يوم القيامة, بل بعذاب قبل ذلك في الحياة الدنيا, ويأتي مسك الختام بمواساة وتعضيد لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) في صورة تكريم لم يسبق لنبي من الأنبياء, ولا لرسول من الرسل أن نال من الله( تعالي) تكريما مثله, وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي) موجها الخطاب إليه( صلي الله عليه وسلم):
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم* ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم*( الطور:49,48).
والآيات الست التي سبق بها القسم في مطلع سورة الطور هي علي التوالي: الطور وهو الجبل المكسو بالأشجار, والجبل غير المكسو بالخضرة لا يقال له طور, إنما يقال له جبل إذا كان شاهق الارتفاع بالنسبة للتضاريس حوله, ويسمي تلا إذا كان دون ذلك, وتليه الأكمة أو الربوة أو النتوء الأرضي, ويليه النجد أو الهضبة, ويليه السهل, من تضاريس الأرض, والمقصود في القسم القرآني هنا ـ علي الأرجح ـ طور سيناء, الذي كلم الله( تعالي) عنده موسي( عليه السلام), والذي نزلت عليه الألواح, وأقسم الله( سبحانه وتعالي) بطور سيناء هذا تكريما له, وتذكيرا للناس بما فيه من الآيات, والأنوار, والتجليات, والفيوضات الإلهية, مما جعله بقعة مشرفة من بقاع الأرض لاختياره بإرادة الله( تعالي), وتجليه له.
والآية الثانية التي جاء بها القسم هي وكتاب مسطور, وقيل فيه إنه اللوح المحفوظ, وقيل إنه القرآن الكريم الذي ختم الله( سبحانه) به وحي السماء, وقيل هو التوراة التي تلقاها نبي الله موسي( عليه السلام) في الألواح التي أنزلت علي جبل الطور, وقيل هو إشارة إلي جميع الكتب التي أنزلها ربنا( تبارك وتعالي) علي فترة من الرسل بلغ عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر كما أخبرنا المصطفي( صلي الله عليه وسلم), لأن أصلها واحد, ورسالتها واحدة, كما قيل إنها صحائف أعمال العباد.
والقسم الثالث جاء بـ الرق المنشور والرق هو جلد رقيق يكتب فيه, وقد يشير إلي الورق الذي يكتب عليه وإلي الألواح التي ينقش فيها, لأن الرق هو كل ما يكتب فيه, والمنشور أي المبسوط غير المطوي, وغير المختوم عليه, بمعني أنه مفتوح أمام الجميع, يستطيعون قراءته أو الاستماع إليه بغير حجر أو منع, فالقرآن الكريم يقرأه الخلق جميعهم, ويستمعون إليه بغير قيود أو حدود من أي نوع, وهكذا كانت الكتب السماوية التي سبقته بالنزول قبل ضياعها أو تحريفها,وفي النشر إشارة إلي سلامة الكتب السماوية من كل نقص وعيب.
وجاء القسم الرابع بصياغة والبيت المعمور وهو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة( أي مقابلتها إلي أعلي علي استقامتها), وهو أيضا حيال العرش إلي أسفل منه وعلي استقامته, تعمره الملائكة, يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا منهم ثم لا يعودون إليه كما روي ابن عباس( رضي الله عنهما), عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم), وهو لأهل السماء كالكعبة المشرفة لأهل الأرض, ويروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) أنه قال يوما لأصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال( صلي الله عليه وسلم): فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها, يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم.
ويروي عنه( صلي الله عليه وسلم) وصفا مشابها للبيت المعمور في حديث الإسراء والمعراج, كما جاء في الصحيحين.
وجاء القسم الخامس بصياغة والسقف المرفوع وفيه قيل هو السماء القائمة بغير عمد مرئية, كما جاء علي لسان الإمام علي( كرم الله تعالي وجهه) ووافقه علي ذلك كثير من المفسرين, وإن قال الربيع بن أنس إنه العرش الذي هو سقف لجميع المخلوقات.
أما البحر المسجور فقد تعددت آراء المفسرين فيه, كما سنري في الأسطر القليلة التالية, ولكن قبل التعرض لذلك لابد لنا من استعراض الدلالة اللغوية للفظي البحر والمسجور.
المدلول اللغوي للبحر المسجور
(البحر) في اللغة ضد البر, وقيل إنه سمي بهذا الاسم لعمقه واتساعه, والجمع( أبحر) و(بحار) و(بحور), وكل نهر عظيم يسمي بحرا, لأن أصل البحر هو كل مكان واسع جامع للماء الكثير, وإن كانت لفظة( البحر) تطلق في الأصل علي الماء المالح دون العذب, كذلك سمت العرب كل متوسع في شيء( بحرا) حتي قالوا: للمتوسع في علمه( بحرا), وللتوسع في العلم( تبحر), وقالوا: فرس( بحر) أي واسع الخطي, سريع الجري, وقيل: ماء بحر, أي ملح( مالح), و(أبحر) الماء أي ملح, و(أبحر) الرجل أي ركب البحر, و(بحر) أذن الناقة أي شقها شقا واسعا فشبهها بسعة البحر علي وجه المجاز والمبالغة, ومنها سميت البحيرة وهي الناقة إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها, وتطلق, فلا تركب ولا يحمل عليها, والبحيرة ابنة السائبة وحكمها حكم أمها عند العرب في الجاهلية.
أما وصف البحر بصفة( المسجور) فالصفة مستمدة من الفعل( سجر) و(السجر) تهييج النار, يقال( سجر) التنور أي أوقد عليه حتي أحماه, و(السجور) هو ما يسجر به التنور من أنواع الوقود, كما يقال( سجر) الماء النهر أي ملأه, ومنه( البحر المسجور) أي المملوء بالماء, المكفوف عن اليابسة, و(الساجور) خشبة تجعل في عنق الكلب فيقال له كلب( مسوجر) أي محكوم, والمسوجر المغلق المحكم الإغلاق من كل شيء.
شروح المفسرين
في تفسير القسم القرآني بالبحر المسجور أشار ابن كثير( يرحمه الله) إلي قول الربيع بن أنس أنه: هو الماء الذي تحت العرش الذي ينزل الله منه المطر الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها, أي أنه بحر من ماء خاص محبوس عند رب العالمين, ينزله( سبحانه وتعالي) يوم البعث فينبت كل مخلوق بواسطة هذا الماء من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من حبتها علي ما روي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) من قول.
وأضاف بن كثير و[قال الجمهور هو هذا البحر, واختلف في معني المسجور فقال بعضهم المراد أنه يوقد يوم القيامة نارا كقوله تعالي: وإذا البحار سجرت أي أضرمت فتصير نارا تتأجج محيطة بأهل الموقف كما روي عن علي وابن عباس, وقال العلاء بن بدر: إنما سمي البحر المسجور لأنه لا يشرب منه ماء, ولا يسقي به زرع, وكذلك البحار يوم القيامة].
[وعن سعيد بن جبير: والبحر المسجور يعني المرسل, وقال قتادة: المسجور المملوء, واختاره ابن جرير, وقيل: المراد بالمسجور الممنوع المكفوف عن الأرض لئلا يغمرها فيغرق أهلها, قاله ابن عباس وبه يقول السدي وغيره, وعليه يدل الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب, عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قال: ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينفضح عليهم فيكفه الله عز وجل].
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) في شرح دلالة القسم القرآني( والبحر المسجور) أي المملوء وذكرا أنه قول قتادة. وقالا قال مجاهد الموقد أي الذي سيسجر يوم القيامة لقوله تعالي: وإذا البحار سجرت.
وقال صاحب الظلال( يرحمه الله) كلاما مشابها يشير إلي أن البحر المسجور هو المملوء بالماء في الدنيا, أو المتقد بالنار في الآخرة, أو أن هذا التعبير يسير إلي خلق آخر كالبيت المعمور يعلمه الله.
وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن( غفر الله له) في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي)( والبحر المسجور) ما نصه:
أي المملوء ماء يقال: سجر النهر, ملأه, وهو البحر المحيط, والمراد الجنس, وقيل الموقد نارا عند قيام الساعة, كما قال تعالي: وإذا البحار سجرت, أي أوقدت نارا, من سجر التنور يسجره سجرا, أحماه, وصف البحر بذلك إعلاما بأن البحار عند فناء الدنيا تحمي بنار من تحتها فتتبخر مياهها, وتندلع النار في تجاويفها وتصير كلها حمما.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم: إن البحر المسجور هو المملوء, وذكر صاحب صفوة التفاسير( بارك الله في عمره) أنه الموقد نارا يوم القيامة لقوله وإذا البحار سجرت أي أضرمت حتي تصير نارا ملتهبة تتأجج وتحيط بأهل الموقف.
البحر المسجور
في منظور العلوم الحديثة
من المعاني اللغوية للبحر المسجور هو المملوء بالماء, والمكفوف عن اليابسة, وهو معني صحيح من الناحية العلمية صحة كاملة كما أثبتته الدراسات العلمية في القرن العشرين, ومن المعاني اللغوية لهذا القسم القرآني المبهر أيضا أن البحر قد أوقد عليه حتي حمي قاعه فأصبح مسجورا, وهو كذلك من الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان في العقود المتأخرة من القرن العشرين, والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبدا, وهذا ما نفصله في الأسطر التالية:
أولا:( البحر المسجور) بمعني المملوء بالماء والمكفوف عن اليابسة:
الأرض هي أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء الذي تقدر كميته بحوالي1360 إلي1385 مليون مليون كيلو متر مكعب, وهذا الماء قد أخرجه ربنا( تبارك وتعالي) كله من داخل الأرض علي هيئة بخار ماء اندفع من فوهات البراكين, وعبر صدوع الأرض العميقة ليصادف الطبقات العليا الباردة من نطاق التغيرات الجوية والذي يمتد من سطح البحر إلي ارتفاع حوالي ستة عشر كيلو مترا فوق خط الأستواء, وحوالي العشرة كيلو مترات فوق قطبي الأرض, وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع الإرتفاع حتي تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته. وهذا النطاق يحوي حوالي ثلثي كتلة الغلاف الغازي للأرض(66%) والمقدرة بأكثر قليلا من خمسة آلاف مليون مليون طن, وهو النطاق الذي يتكثف فيه بخار الماء الصاعد من الأرض, والذي تتكون فيه السحب, وينزل منه كل من المطر, والبرد, والثلج, وتتم فيه ظواهر الرعد والبرق, وتتكون العواصف والدوامات الهوائية وغير ذلك من الظواهر الجوية, ولولا تبرد هذا النطاق مع الارتفاع ما عاد إلينا بخار الماء الصاعد من الأرض أبدا. وحينما عاد إلينا بخار الماء مطرا, وثلجا, وبردا, انحدر علي سطح الأرض ليشق له عددا من المجاري المائية, ثم فاض إلي منخفضات الأرض الواسعة ليكون البحار والمحيطات, وبتكرار عملية البخر من أسطح تلك البحار والمحيطات, ومن أسطح اليابسة بما عليها من مختلف صور التجمعات المائية والكائنات الحية. بدأت دورة المياه حول الأرض, من أجل التنقية المستمرة. لهذا الماء وتلطيف الجو, وتفتيت الصخور, وتسوية سطح الأرض, وتكوين التربة, وتركيز عدد من الثروات المعدنية, وغير ذلك من المهام التي أوكلها الخالق لتلك الدورة المعجزة التي تحمل380,000 كيلو متر مكعب من ماء الأرض إلي غلافها الجوي سنويا, لتردها إلي الأرض ماء طهورا, منها320,000 كيلو متر مكعب تتبخر من أسطح البحار والمحيطات,60,000 كيلو متر مكعب من أسطح اليابسة, يعود منها284,000 كيلو متر مكعب إلي البحار والمحيطات,96,000 كيلو متر مكعب إلي اليابسة التي يفيض منها36,000 كيلو متر مكعب من الماء إلي البحار والمحيطات, وهو نفس مقدار الفارق بين البخر والمطر من وإلي البحار والمحيطات.
هذه الدورة المحكمة للمياه حول الأرض أدت إلي خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها حوالي(97,2%), وإبقاء أقله علي اليابسة( حوالي2,8%), وبهذه الدورة للماء حول الأرض تملح ماء البحار والمحيطات, وبقيت نسبة ضئيلة علي هيئة ماء عذب علي اليابسة(2,8% من مجموع كم الماء علي الأرض), وحتي هذه النسبة الضئيلة من ماء الأرض العذب قد حبس أغلبها( من2,052% إلي2,15%) علي هيئة سمك هائل من الجليد فوق قطبي الأرض, وفي قمم الجبال, والباقي مختزن في الطبقات المسامية والمنفذة من صخور القشرة الأرضية علي هيئة ماء تحت سطحي( حوالي0,27% إلي0,5%) وفي بحيرات الماء العذب( حوالي0,33%), وعلي هيئة رطوبة في تربة الأرض( من0,01% إلي0,18%) ورطوبة في الغلاف الغازي للأرض تتراوح بين(0,0001% إلي0,036%), وما يجري في الأنهار والجداول( حوالي0,0047%).
وتوزيع ماء الأرض بهذه النسب التي اقتضتها حكمة الله الخالق قد تم بدقة بالغة بين البيئات المختلفة بالقدر الكافي لمتطلبات الحياة في كل بيئة من تلك البيئات, وبالأقدار الموزونة التي لو اختلت قليلا بزيادة أو نقص لغمرت الأرض وغطت سطحها بالكامل, أو انحسرت تاركة مساحات هائلة من اليابسة, ولقصرت دون متطلبات الحياة عليها.
ومن هذا القبيل يحسب العلماء أن الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض وفي قمم الجبال المرتفعة فوق سطحها إذا انصهر( وهذا لا يحتاج إلا إلي مجرد الارتفاع في درجة حرارة صيف تلك المناطق بحوالي خمس درجات مئوية) وإذا حدث ذلك فإن كم الماء الناتج سوف يؤدي إلي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات الي أكثر من مائة متر فيغرق أغلب المناطق الآهلة بالسكان والممتدة حول شواطيء تلك البحار والمحيطات. وليس هذا من قبيل الخيال العلمي, فقد مرت بالأرض فترات كانت مياه البحار فيها أكثر غمرا لليابسة من حدود شواطئها الحالية, كما مرت فترات أخري كان منسوب الماء في البحار والمحيطات أكثر انخفاضا من منسوبها الحالي مما أدي إلي انحسار مساحة البحار والمحيطات وزيادة مساحة اليابسة, والضابط في الحالين كان كم الجليد المتجمع فوق اليابسة, فكلما زاد كم الجليد انخفض منسوب الماء في البحار والمحيطات فانحسرت عن اليابسة التي تزيد مساحتها زيادة ملحوظة, وكلما قل كم الجليد ارتفع منسوب المياه في البحار والمحيطات وطغت علي اليابسة التي تتضاءل مساحتها تضاءلا ملحوظا.
من هنا كان تفسير القسم القرآني بـ( البحر المسجور) بأن الله تعالي يمن علينا( وهو صاحب الفضل والمنة) بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات, وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان علي اليابسة منذ خلق الإنسان, وذلك بحبس كميات من هذا الماء في هيئات متعددة أهمها ذلك السمك الهائل من الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض وعلي قمم الجبال, والذي يصل إلي أربعة كيلو مترات في قطب الأرض الجنوبي, وإلي ثلاثة آلاف وثمانمائة من الأمتار في القطب الشمالي, ولولا ذلك لغطي ماء الأرض أغلب سطحها, ولما بقيت مساحة كافية من اليابسة للحياة بمختلف أشكالها الإنسانية, والحيوانية, والنباتية, وهي احدي آيات الله البالغة في الأرض, وفي اعدادها لكي تكون صالحة للعمران.
من هنا كان تفسير القسم بـ( البحر المسجور) بمعني المملوء بالماء المكفوف عن اليابسة ينطبق مع عدد من الحقائق العلمية الثابتة التي تشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, وتشهد لسيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم) بالنبوة وبالرسالة.
ثانيا:( البحر المسجور) بمعني القائم علي قاع أحمته الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض فجعلته شديد الحرارة.
في العقود المتأخرة من القرن العشرين تم اكتشاف حقيقة تمزق الغلاف الصخري للأرض بشبكة هائلة من الصدوع العملاقة المزدوجة والتي تكون فيما بينها ما يعرف باسم أودية الخسف أو الأغوار, وأن هذه الأغوار العميقة تحيط بالكرة الأرضية إحاطة كاملة, ويشبهها العلماء باللحام علي كرة التنس( مع فارق التشبيه), وتمتد هذه الأغوار في كافة الاتجاهات لعشرات الآلاف من الكيلو مترات, ولكنها تنتشر أكثر ما تنتشر في قيعان محيطات الأرض, وفي قيعان عدد من بحارها, ويتراوح عمق الصدوع المشكلة لتلك الأغوار بين65 كيلو مترا, و70 كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات, وبين100 و150 كيلو مترا علي اليابسة( أي في صخور القارات), وتعمل علي تمزيق الغلاف الصخري للأرض بالكامل, وتقطيعه إلي عدد من الألواح الصخرية التي تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة يسميه العلماء باسم نطاق الضعف الأرضي, وهو نطاق لدن, عالي الكثافة واللزوجة, تتحرك بداخله تيارات الحمل من أسفل إلي أعلي حيث تتبرد وتعاود النزول إلي أسفل, وهي بتلك الحركة الدائبة تدفع بكل لوح من ألواح الغلاف الصخري للأرض إلي التباعد عن اللوح المجاور في أحد جوانبه( في ظاهرة تسمي ظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات), ومصطدما في الجانب المقابل باللوح الصخري المجاور ليكون سلسلة من السلاسل الجبلية, ومنزلقا عن الألواح المجاورة في الجانبين الآخرين.
وباستمرار تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض تتسع قيعان البحار والمحيطات باستمرار عند خطوط التباعد بينها, وتندفع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجات حرارة تتعدي الألف درجة مئوية لتساعد علي دفع جانبي المحيط يمنة ويسرة, وتملأ المسافات الناتجة بالصهارة الصخرية المندفعة من باطن الأرض علي هيئة ثورات بركانية عارمة, تحت الماء, تسجر قيعان جميع محيطات الأرض, وقيعان أعداد من بحارها, وتجدد مادتها الصخرية بإستمرار.
وقد أدي هذا النشاط البركاني فوق قيعان كل المحيطات, وفوق قيعان عدد من البحار النشطة إلي تكون سلاسل من الجبال في أواسط المحيطات تتكون في غالبيتها من الصخور البركانية, وقد ترتفع قممها في بعض الأماكن علي هيئة أعداد من الجزر البركانية من مثل جزر كل من اندونيسيا, ماليزيا, الفلبين, اليابان, هاواي, وغيرها, وفي المقابل تصطدم ألواح الغلاف الصخري عند حدودها المقابلة لمناطق اتساع قيعان البحار والمحيطات, ويؤدي هذا التصادم الي اندفاع قيعان المحيطات تحت كتل القارات وانصهارها بالتدريج مما يؤدي إلي تكون جيوب عميقة عند التقاء قاع المحيط بالكتلة القارية تتجمع فيها كميات هائلة من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة التي تطوي وتتكسر لترتفع علي هيئة السلاسل الجبلية علي حواف القارات من مثل سلسلة جبال الإنديز في غربي أمريكا الجنوبية, وهنا يستهلك قاع المحيط بالتدريج تحت الكتلة القارية, وإذا توقفت عملية توسع قاع المحيط فإن هذا القاع قد يستهلك بأكمله تحت القارة مما يؤدي إلي تصادم قارتين ببعضهما, وينشأ عن هذا التصادم أعلي السلاسل الجبلية من مثل جبال الهيمالايا التي نتجت عن اصطدام الهند بالقارة الأسيوية بعد استهلاك قاع المحيط الذي كان يفصل بينهما بالكامل في أزمنة أرضية سحيقة.
ويصاحب كل من عمليتي توسع قاع المحيط في محوره الوسطي, واصطدامه عند أطرافه بعدد من الهزات الأرضية, والثورات والطفوح البركانية.
ويبلغ طول جبال أواسط المحيطات أكثر من أربعة وستين ألفا من الكيلو مترات في الطول, بينما يبلغ طول الصدوع العميقة التي اندفعت منها الطفوح البركانية لتكون تلك السلاسل الجبلية في أواسط المحيطات أضعاف هذا الرقم. وتتكون هذه السلاسل أساسا من الصخور البركانية المختلطة بالقليل من الرسوبيات البحرية, وتحيط كل سلسلة من هذه السلاسل المندفعة من قاع المحيط بواد خسيف( غور) مكون بفعل الصدوع العملاقة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بعمق يتراوح بين خمسة وستين كيلو مترا وسبعين كيلو مترا ليخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل ويصل إلي نطاق الضعف الأرضي الذي تندفع منه الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجة حرارة تزيد عن الألف درجة مئوية لتسجر قيعان كل محيطات الأرض, وقيعان عدد من بحارها النشطة باستمرار, ومع تجدد اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات هذه الصدوع العملاقة يتسع قاع المحيط باستمرار, وتتجدد مادته بدفع الصخور القديمة في اتجاه شاطيء المحيط يمنة ويسرة, ليحل محلها أحزمة أحدث عمرا تتكون من تجمد تلك الصهارة الجديدة, وتترتب بصورة متوازية علي جانبي أغوار المحيطات والبحار, ويهبط كل جانب من جانبي قاع المحيط المتسع بنصف معدل اتساعه الكلي تحت كل قارة من القارتين أو القارات المحيطة بشاطئيه, وبذلك يمتليء محور المحيط بالصهارة الصخرية الحديثة المندفعة عبر مستويات الصدوع الممزقة لقاعه فتسجره, بينما تندفع الصخور الأقدم بالتدريج في اتجاه الشاطئين حيث توجد أقدم صخور ذلك القاع, والتي تستهلك باستمرار تحت القارات المحيطة.
وهذه الصدوع العملاقة التي تمزق قيعان كل محيطات الأرض, وقيعان عدد من بحارها( مثل البحر الأحمر) توجد أيضا علي اليابسة ولكن بنسب أقل منها فوق قيعان البحار والمحيطات وتعمل علي تكوين عدد من الاغوار( الأودية الخسيفة) والبحار الطولية( من مثل اغوار شرقي افريقيا والبحر الأحمر) التي تعمل علي تفتيت الكتل القارية باتساعها التدريجي لتتحول تلك البحار الطولية مثل البحر الأحمر الي بحار أكبر ثم إلي محيطات تفصل بين الكتلة القارية التي كانت متصلة علي هيئة قارة واحدة, وتحاط تلك الخسوف القارية العملاقة بعدد من القمم البركانية السامقة من مثل جبل أرارات في شرقي تركيا(5100 متر فوق مستوي سطح البحر), ومخروط بركان( إتنا) في شمال شرقي صقلية(3300 متر), ومخروط بركان( فيزوف) في خليج نابولي بايطاليا(1300 متر), وجبل( كيليمنجارو) في تنجانيقا(5900 متر), وجبل كينيا في جمهورية كينيا(5100 مترا فوق مستوي سطح البحر).
بذلك ثبت لكل من علماء الأرض والبحار ـ بالأدلة المادية الملموسة ـ أن كل محيطات الأرض( بما في ذلك المحيطان المتجمدان الشمالي والجنوبي), وأن أعدادا من بحارها( من مثل البحر الأحمر), قيعانها مسجرة بالصهارة الصخرية المندفعة بملايين الأطنان من داخل الأرض عبر شبكة الصدوع العملاقة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بالكامل وتصل إلي نطاق الضعف الأرضي, وتتركز هذه الشبكة من الصدوع العملاقة أساسا في قيعان البحار والمحيطات, وأن كم المياه في تلك الأحواض العملاقة ـ علي ضخامته ـ لا يستطيع أن يطفيء جذوة الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض اطفاء كاملا, وأن هذه الجذوة علي شدة حرارتها( أكثر من ألف درجة مئوية) لا تستطيع أن تبخر هذا الماء بالكامل, وأن هذا الاتزان الدقيق بين الأضداد من الماء والحرارة العالية هو من أكثر ظواهر الأرض إبهارا للعلماء في زماننا, وهي حقيقة لم يتمكن الإنسان من اكتشافها إلا في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين.
ومن الغريب أن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) ـ هذا النبي الأمي الذي لم يركب البحر في حياته الشريفة مرة واحدة, فضلا عن الغوص إلي أعماق البحار ـ قال في حديث شريف أخرجه كل من الأئمة أبو داود في سننه, والبيهقي في سننه, وابن شيبة في مصنفه عن عبد الله بن عمرو بن العاص( رضي الله عنهما) ما نصه: لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله, فإن تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا( أبو داود البيهقي)
وجاء الحديث في مصنف ابن شيبة بالنص التالي: إن تحت البحر نارا, ثم ماء, ثم نارا
ويعجب الإنسان المتبصر لهذا السبق في كل من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بالإشارة إلي حقيقة من حقائق الأرض التي لم يتوصل الإنسان إلي ادراكها إلا في نهايات القرن العشرين, هذا السبق الذي لا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدرا غير الله الخالق, الذي أنزل هذا القرآن الكريم بعلمه, علي خاتم أنبيائه ورسله, وعلم هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) من حقائق هذا الكون ما لم يكن لأحد من الخلق إلمام به قبل العقود الثلاثة المتأخرة من القرن العشرين, لكي تبقي هذه الومضات النورانية في كتاب الله, وفي سنة رسوله( صلي الله عليه وسلم) شهادات مادية ملموسة علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي حفظه( تعالي) علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد, وإلي قيام الساعة بنفس لغة الوحي( اللغة العربية) كلمة كلمة, وحرفا حرفا في صفائه الرباني, واشراقاته النورانية, دون أدني تغيير أو تبديل أو تحريف, وأن هذا النبي الخاتم, والرسول الخاتم عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض. فسبحان الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين هذا القسم القرآني بالبحر المسجور, وسبحان الذي علم خاتم أنبيائه ورسله بهذه الحقيقة فقال قولته الصادقة إن تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا وسبحان الذي أكد علي صدق القرآن الكريم, وعلي صدق هذا النبي الخاتم في كل ما رواه عن ربه. فأنزل في محكم كتابه قوله الحق:
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا*( النساء:166)
وقوله( سبحانه) مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم):
قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض انه كان غفورا رحيما*( الفرقان:6)
وقوله( عز من قائل):
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون*
(النمل:93)
وقوله( تعالي):
ويري الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلي صراط العزيز الحميد*( سبأ:6)
وقوله( سبحانه وتعالي):
إن هو إلا ذكر للعالمين* ولتعلمن نبأه بعد حين*( ص:88,87)
وقوله( تبارك وتعالي):
...وانه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد*
(فصلت:41 و42)
وقوله( تبارك اسمه):
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد*
(فصلت:53)
-
28 - ألم نجعل الأرض مهادا* والجبال أوتادا
هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في مقدمات سورة النبأ, وهي سورة مكية, شأنها شأن كافة السور المكية يدور محورها حول قضية العقيدة, تلك القضية الغيبية التي لا يمكن للإنسان أن يصل فيها إلي تصور صحيح أبدا بغير هداية ربانية, ومن هنا كانت من قواعد الدين الذي من لوازم صحته أن يكون وحيا ربانيا خالصا لا يداخله أدني قدر من الصياغة أو التصورات البشرية.
ومن أصول العقيدة الإسلامية الإيمان بالبعث وبالحساب والجزاء, وبالخلود في حياة قادمة إما في الجنة أبدا, أو في النار أبدا, والإيمان بالبعث هو موضوع سورة النبأ ومحورها الأساسي, وذلك لأن إنكار البعث كان حجة كفار قريش, كما كان حجة الكفار والمتشككين عبر التاريخ في نبذهم للدين, كفرا برب العالمين, وجهلا بطلاقة قدرته التي لا تحدها حدود, أو قياسا للقدرة الالهية بقدرات البشر المحدودة ظلما وعدوانا وجهلا بمدلول الألوهية الحقة, ومن ثم عجز الكافرون عن تصور إمكانية البعث, أو تعاجزوا عنه انصياعا لشهواتهم التي يرون ممارستها دون أدني مسئولية أو مساءلة فانطلقوا في انكار البعث, وما يستتبعه من الحساب والجزاء, وفي التشكيك في كل ذلك وهو من صلب الدين الذي جاء به آلاف من الانبياء, ومئات من المرسلين, وتكامل في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين).
ومن أجل التأكيد علي حقيقة البعث بعد الموت وما يستتبعه من حساب وجزاء ابتدأت سورة النبأ باستنكار تساؤل الكافرين عنه تساؤل المنكر له أو المتشكك في امكانية وقوعه, وألمحت بالتهديد القاطع لكل منكر أو متشكك في تلك الحقيقة الربانية الحاسمة, ثم أوردت عددا من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الالهية في إبداع الخلق لكي تكون شاهدة علي أن الخالق المبدع قادر علي افناء خلقه وعلي إعادة بعثه...!!!, ولذلك أكدت السورة علي حقيقة يوم البعث وأهواله, وسمته باسم يوم الفصل لأنه يوم قد وقته ربنا( تبارك وتعالي) للفصل بين العباد, سيجمع له كافة الخلق من الأولين والآخرين بعد فنائهم أجمعين وفناء الكون كله من حولهم, وذلك لحسابهم علي ما قد قدموا في حياتهم الدنيا, ولجزائهم الجزاء الأوفي علي ذلك..!!!
ثم تعرج بنا السورة علي بعض صور العقاب الذي أعده ربنا( تبارك وتعالي) للطاغين من الكفار والمشركين والمتجبرين في الأرض من المنكرين لدين الله, والمكذبين بآياته, والغافلين عن حسابه, وذلك بإدخالهم إلي جهنم ـ وبئس المصير ـ التي تترصد بهم, وتستعد لاستقبالهم وفيها من صور العذاب المهين ما نسأل الله تعالي أن يجيرنا منه..!!!
وللمقارنة بين مصير هؤلاء الطاغين المكذبين ومصير عباد الله المتقين, تحدثت السورة عن شيء من جزاء المتقين من جنات ونعيم مقيم فضلا ورحمة من رب العالمين.
وختمت السورة الكريمة بتصوير شيء من أهوال يوم القيامة, وبدعوة الناس كافة إلي الاستعداد لهذا اليوم الذي سوف يعود الخلق فيه إلي الله, ليقفوا جميعا بين يديه للحساب, وأن يأخذوا حذرهم حتي تحسن عودتهم, ويهون حسابهم فينجوا من العذاب المهين, ويرفلوا في جنات النعيم المقيم...!!!
وتضمن ختام سورة النبأ التحذير من عذاب يوم القيامة, حيث ينظر كل إنسان صحيفة أعماله في هذه الحياة, وفيها كل ما قد قدمت يداه, فيحمد المتقون الله علي حسن هدايته وتوفيقه ويتمني كل كافر لو يستحيل ترابا أملا في تحاشي هول هذا اليوم وهول المصير الأسود من بعده ولكن هيهات هيهات أن يفر أحد من حساب الله وجزائه العادل...!!!
ومن الآيات الكونية التي قدمها ربنا( تبارك وتعالي) بين يدي سورة النبأ شاهدة له( سبحانه) بطلاقة القدرة في إبداعه لخلقه, ومؤكدة إمكانية البعث بل حتميته وحقيقته جاء قوله( تعالي):
ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا
وهاتان الآيتان يمر عليهما الانسان دون ادراك حقيقي لفضل الله تعالي في الانعام بهما ولا بعمق الدلالة العلمية في كل منهما, لأن حقيقة ذلك لم يدركها العلماء المتخصصون الا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, وهذا السبق القرآني صورة من صور الاعجاز العلمي في كتاب الله سنعرض لها إن شاء الله( تعالي) في الأسطر التالية بعد شرح الدلالة اللغوية لألفاظ الآيتين الكريمتين واستعراض لأقوال المفسرين فيهما.
الدلالة اللغوية
صورة لاحدى السلاسل الجبلية التى طالما وصفت بأنها مجرد نتوءات فوق سطح الأرض
من الألفاظ المهمة لفهم دلالة الايتين الكريمتين ما يلي:
أولا:( الأرض): وهي لفظة في اللغة العربية تدل علي اسم الكوكب الذي نحيا عليه, في مقابلة بقية الكون الذي يجمع تحت اسم السماء أو السماوات. ولفظة( الأرض) مؤنثة, وأصلها( أرضة) وجمعها( أرضات) و( أرضون) بفتح الراء أو بتسكينها وقد تجمع علي( أروض) و( أراض), ولفظة( الأراضي) تستخدم علي غير قياس.
ولما كانت( الأرض) دون السماء فإن العرب قد عبروا بلفظة( الأرض) عن أسفل الشيء, كما عبروا بالسماء عن أعلاه, وقالوا:( أرض أريضة) أي حسنة النبت أو حسنة( الأرضة) كما يقال:( تأرض) النبت بمعني تمكن علي( الأرض) فكثر, و(تأرض) الجدي اذا أكل نبت( الأرض), ويقال كذلك( أرض نفضة) و(أرض رعدة) أي تنتفض وترتعد أثناء حدوث كل من الهزات الأرضية والثورات البركانية.
و(الأرضة) حشرة تأكل الخشب, يقال:( أرضت) الأخشاب( تؤرض)( أرضا) فهي( مأروضة) اذا أكلتها( الأرضة).
ثانيا:( المهاد):( المهاد) والمهد في اللغة العربية الممهد الموطأ من كل شيء, ويطلق علي الفراش لبسطه وسهولة وطئه, يقال:( مهد) الفراش أي بسطه ووطأه, و(المهد) ما يهيأ للصبي من فراش وثير و(تمهيد) الأمور اصلاحها وتسويتها, يقال:( مهدت) لك كذا أي هيأته وسويته, و(تمهيد) العذر هو بسطه وقبوله.
قال( تعالي):ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين( آل عمران:46)
وقال سبحانه وتعالي:
الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا..( طه:53)
وقال تبارك وتعالي:
ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون
(الروم:44)
وقال( عز من قائل):
ومهدت له تمهيدا( المدثر:14)
وقال( سبحانه):
والأرض فرشناها فنعم الماهدون
( الذاريات:48)
ثالثا:( والجبال) والأجبال: جمع( جبل) وهو المرتفع عما حوله من الارض ارتفاعا ملحوظا يجعله يعظم ويطول, ودونه( التل) ودون التل( الربوة) أو( الأكمة), ودون الأكمة( النجد) أو( الهضبة), ودون الهضبة( السهل).
ويقال:( أجبل) القوم أي صاروا إلي( الجبال) بمعني وصلوا إليها, أو دخلوها وسكنوا فيها, ويقال للحية:( ابنة الجبل) لأن الجبل مأواها, كما يقال لصدي الصوت( ابن الجبل) لأن( الجبل) يردده, ويقال للداهية( ابنة الجبل) لأنها تثقل علي النفس كأنها( الجبل)
و( الجبلة) و( الجبلة) و( الجبلة) و( الجبلة) القوة البدنية أو صلابة الأرض و( الجبال): البدن, يقال: فلان( مجبول) أو( خطير الجبال) أي عظيم البدن تشبيها بالجبل, و( تجبل) ما عنده أي استنظفه, و(الجبل) أيضا ساحة البيت, أو الكثير من كل شيء, يقال:( مال جبل) و( حي جبل) أي كثير, و( الجبل) و( الجبلة) الجماعة من الناس( وفيها قراءات قريء بها قوله( تعالي): ولقد أضل منكم جبلا كثيرا بكسر الجيم والباء وتشديد اللام, كما قريء بضم أو فتح الجيم وتسكين الباء. وبضم كل من الجيم والباء وتشديد اللام أو تخفيفها)
و(الجبلة) الخلقة أو الفطرة وأصله الوجه وما استقبلك منه, ومنه قوله( تعالي) والجبلة الأولين بكسر الجيم أو ضمها وكسر الباء او تسكينها والجمع( الجبلات). ومنها أخذت تسمية السائل الذي يملأ جدار الخلية الحية باسم الجبلة( البروتوبلازم أو السيتوبلازم).
يقال:( جبله) الله( جبلا) أي خلقه وفطره, اشارة إلي ما ركب فيه من طباع, و( الجبلي) الفطري, و( الجبلة) الأصل, و(الجبل) الغليظ, يقال: فلان ذو( جبلة) أي غليظ الجسم, و( جبل) أي صار كالجبل في الغلظ, ويقال:( جبل) التراب( جبلا) أي صب عليه الماء ودعكه حتي صار طينا, ويقال:( جبله)( أي قطعه قطعا شتي, كما يقال فلان( جبل) لا يتزحزح تصورا لمعني الثبات فيه.
رابعا:( أوتادا) و( الأوتاد) جمع( وتد) بكسر التاء وبفتحها, والكسر أولي, وفعله( وتد), والأمر منه( تد) بالكسر, و(الأوتاد) قطع من خشب أو حديد غليظة الرأس, مدببة النهاية, تثبت بها أركان الخيمة في الأرض بدكها حتي يدفن أغلبها في الأرض, ويبقي أقلها ظاهرا فوق السطح, فتشد بذلك العمق أركان الخيمة إلي الأرض فتثبتها وتجعلها قادرة علي مقاومة فعل الرياح, والعواصف الهوجاء.
ويأتي التعبير بـ( ذي الأوتاد) في استعارة مجازية بمعني كثير الجنود والعساكر الذين يشدون الملك ويثبتونه كما تشد الأوتاد أركان الخيام إلي الأرض فتثبتها نظرا لكثرة خيامهم التي يضربون أوتادها في أرض معسكراتهم, كما قد تأتي في معني صاحب الأبنية العظيمة الشاهقة التي تشبه في عمق أساساتها أوتاد الجبال, وفي ارتفاعها علو الجبال وذلك من مثل قول الحق تبارك وتعالي:
[وفرعون ذي الأوتاد*]( الفجر:10)
شروح المفسرين
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) في تفسير قول الحق تبارك وتعالي( ألم نجعل الأرض مهادا): أي ممهدة للخلائق, ذلولا لهم, قارة, ساكنة, ثابتة, وفي قوله تعالي( والجبال أوتادا): أي جعل لها أوتادا, أرساها بها, وثبتها, وقررها حتي سكنت, ولم تضطرب بمن عليها..
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( غفر الله لهما) كلاما مشابها إذ قالا:( ألم نجعل الأرض مهادا) أي فراشا كالمهد صالحة للحياة عليها؟( والجبال أوتادا) أي تثبت بها الأرض كما تثبت الخيام بالأوتاد لئلا تميد بكم, والاستفهام للتقرير
وقال صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة: والمهاد: الممهد للسير, والمهاد اللين كالمهد.. وكلاهما متقارب, وهي حقيقة محسوسة للإنسان في أي طور من أطوار حضارته ومعرفته, فلا تحتاج إلي علم غزير لإدراكها في صورتها الواقعية, وكون الجبال أوتادا ظاهرة تراها العين كذلك حتي من الإنسان البدائي, وهذه وتلك ذات وقع في الحس حين توجه إليها النفس, غير أن هذه الحقيقة أكبر وأوسع مدي مما يحسه الإنسان البدائي لأول وهلة بالحس المجرد, وكلما ارتقت معارف الإنسان, وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون وأطواره, كبرت هذه الحقيقة في نفسه, وأدرك من ورائها التقدير الإلهي العظيم والتدبير الدقيق الحكيم, والتنسيق بين أفراد هذا الوجود وحاجاتهم, واعداد هذه الأرض لتلقي الحياة الإنسانية وحضانتها, واعداد هذا الإنسان للملاءمة مع البيئة والتفاهم معها
وجعل الأرض مهادا للحياة ـ وللحياة الإنسانية بوجه خاص ـ شاهد لا يماري في شهادته بوجود العقل المدبر من وراء هذا الوجود الظاهر, فاختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الأرض هكذا بجميع ظروفها, أو اختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الحياة لتعيش في الأرض.. الاختلال هنا أو هناك لا يجعل الأرض مهادا, ولا يبقي هذه الحقيقة. التي يشير إليها القرآن الكريم هذه الاشارة المجملة, ليدركها كل إنسان وفق درجة معرفته ومداركه..
وجعل الجبال أوتادا.. يدركه الإنسان من الناحية الشكلية بنظره المجرد, فهي أشبه شيء بأوتاد الخيمة التي تشد إليها. أما حقيقتها فنتلقاها من القرآن, وندرك منه أنها تثبت الأرض وتحفظ توازنها..
وقد يكون هذا لأنها تعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال.. وقد يكون لأنها تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية, وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقط معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية.. وقد يكون لسبب آخر لم يكشف عنه بعد.. وكم من قوانين وحقائق مجهولة أشار إليها القرآن الكريم, ثم عرف البشر طرفا منها بعد مئات السنين!
وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن( رحمه الله) ما نصه:( مهادا) فراشا موطأ كالمهد, لتمكينكم من الاستقرار عليها والتقلب في أنحائها, والانتفاع بما أودعناه لكم فيها.
والمهاد: مصدر بمعني ما يمهد, وجعلت به الأرض مهادا مبالغة في جعلها موطئا للناس والدواب يقيمون عليها. أو بتقدير مضاف, أي ذات مهاد,( والجبال أوتادا) كالأوتاد للأرض, أي أرسيناها بالجبال لئلا تميد وتضطرب, كما يرسي البيت بالأوتاد لئلا تعصف به الرياح. جمع وتد بفتح التاء وكسرها ـ وفعله كوعد
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: ألم يروا من آيات قدرتنا أنا جعلنا الأرض ممهدة للاستقرار عليها والتقلب في أنحائها!! وجعلنا الجبال أوتادا للأرض تثبتها وفي تعليق هامشي أضافوا ما نصه: يبلغ سمك الجزء الصلب من القشرة الأرضية نحو60 كيلو مترا, وتكثر فيه التجاعيد فيرتفع حيث الجبال وينخفض ليكون بطون البحار وقيعان المحيطات, وهو في حالة من التوازن بسبب الضغوط الناتجة من الجبال, ولا يختل هذا التوازن إلا بعوامل التعرية, فقشرة الأرض اليابسة ترسيها الجبال كما ترسي الأوتاد الخيمة.
وذكر صاحب صفوة التفاسير( بارك الله فيه) ما نصه:
(ألم نجعل الأرض مهادا) أي ألم نجعل هذه الأرض التي تسكنونها ممهدة للاستقرار عليها, والتقلب في أنحائها؟ جعلناها لكم كالفراش والبساط لتستقروا علي ظهرها, وتستفيدوا من سهولها الواسعة بأنواع المزروعات؟( والجبال أوتادا) أي وجعلنا الجبال كالأوتاد للأرض تثبتها لئلا تميد بكم كما يثبت البيت بالأوتاد, قال في التسهيل, شبهها بالأوتاد لأنها تمسك الأرض أن تميد.
ألم نجعل الأرض مهادا؟ في منظور العلوم الحديثة
استضاءة بمفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض وصلت الدراسات الحديثة في هذا المجال إلي أن الأرض بدأت بمحيط غامر, ثم بتصدع قاع ذلك المحيط وبدء تحرك الألواح الصخرية المكونة لذلك القاع متباعدة عن بعضها البعض في أحد أطرافها, ومصطدمة في الاطراف المقابلة, ومنزلقة عبر بقية الأطراف, نتج عند الاطراف المتصادمة أعداد من اقواس الجزر البركانية التي نمت بالتدريج الي عدد من القارات بمزيد من تصادمها, فتمايزت ألواح الغلاف الصخري للأرض إلي الألواح المحيطية, وتلك القارية, وبتصادم الواح قيعان المحيطات بكتل القارات تكونت سلاسل الجبال الشبيهة بجبال الإنديز علي الحافة الغربية لأمريكا الجنوبية, وبتصادم ألواح القارات مع بعضها تكونت أعلي السلاسل الجبلية علي سطح الأرض من مثل سلاسل جبال الهيمالايا التي نتجت عن اصطدام كتلة الهند بكتلة قارتي آسيا وأوروبا.
ومع تكون الأطواف, والمنظومات والسلاسل والأحزمة الجبلية ومجموعاتها المعقدة أصبح سطح الأرض علي درجة من وعورة التضاريس لا تسمح بعمرانها, ثم بدأت عمليات التجوية والتحات والتعرية في بري تلك المجموعات الجبلية والأخذ من ارتفاعاتها باستمرار, وبنقل الفتات الصخري الناتج عن تلك العمليات الي أحواض المحيطات والبحار بدأت دورة الصخور التي لا تزال تتكرر ملايين المرات إلي يومنا الراهن لتكسو منخفضات الأرض بالتربة اللازمة للانبات والزراعة, ولتركز العديد من الثروات المعدنية, ولتزيد من ملوحة البحار والمحيطات حتي تجعلها صالحة لحياة البلايين من الكائنات الحية, ولتحفظ هذا الماء من الفساد, ولتركز معادن المتبخرات في صخور الأرض.
ولما كانت عمليات التجوية والتحات والتعرية تزيل كميات كبيرة من الصخور المكونة لمرتفعات سطح الأرض كان من ضرورات الاتزان الأرضي أن تتحرك الصهارة الصخرية تحت الغلاف الصخري للأرض لتعوض فقدان الكتل التي تمت تعريتها, ولتحقق الاتزان الأرضي بتعديل الضغوط في داخل الأرض, ويؤدي ذلك إلي رفع الجبال بطريقة تدريجية.
وباستمرار تفاعل تلك القوي المتصارعة من عمليات التجوية والتعرية المقترنة بعمليات تحرك الصهارة الصخرية تحت الغلاف الصخري للأرض وفي داخله, وعمليات رفع الجبال لتحقيق التوازن الأرضي لفترات زمنية طويلة فإنها تنتهي بإنقاص سمك سلسلة الجبال إلي متوسط سمك لوح الغلاف الصخري الذي تتواجد عليه, وذلك بسحب جذور الجبال( الامتدادات الداخلية للجبال) من نطاق الضعف الأرضي ورفعها حتي تظهر علي سطح الارض, وبخروج جذور الجبال من نطاق الضعف الارضي الذي كانت طافية فيه كما تطفو جبال الجليد في مياه المحيطات, فإن الجبال تفقد القدرة علي الارتفاع إلي أعلي, وتظل عوامل التعرية في بريها حتي تسويها بسطح الأرض تقريبا وحينئذ تنكشف جذور الجبال, وبها من الثروات المعدنية ما لا يمكن أن يتواجد الا تحت مثل ظروف اوتاد الجبال التي تتميز بقدر هائل من الضغط والحرارة.
وعلي هذا النحو فإن الجبال قد لعبت ــ ولا تزال تلعب ــ دورا مهما في بناء قارات الأرض وفي الزيادة المستمرة لمساحة تلك القارات بإضافة الكتل الجبلية إلي حواف تلك القارات بطريقة مستمرة.
ومعني ذلك أن كل قارات الأرض بدأت بسلاسل من أقواس الجزر البركانية في وسط المحيط الغامر, وأن باصطدام تلك الجزر تكونت القارات علي هيئة أطواف ومنظومات و سلاسل وأحزمة جبلية معقدة, وأن تلك المرتفعات جعلت سطح الأرض علي درجة من وعورة التضاريس لا تسمح بعمرانها, ثم بدأت سلسلة من الصراع بين العمليات الأرضية الداخلية البانية للجبال والرافعة لها, والعمليات الهدمية الخارجية التي تبريها وتعريها, وفي نهاية هذا الصراع تنتصر العوامل الهدمية الخارجية فتسوي الجبال, وتخفض من ارتفاعاتها بالتدريج في محاولة للوصول بها إلي مستوي سطح البحر, ولذلك فإن كل سهول ومنخفضات اليابسة الحالية كانت في يوم من الايام جبالا شاهقة, ثم برتها عوالم التجوية والتحات والتعرية حتي أوصلتها إلي مستوياتها الحالية, وأن الكتل الصخرية القديمة التي تعرف باسم الرواسخ( أو المجن) وهي كتل مستقرة نسبيا موجودة في أواسط القارات ما هي في الحقيقة إلا جذور السلاسل الجبلية القديمة التي تم بريها.
هذه العمليات المعقدة من الصراع بين القوي البانية في داخل الأرض والقوي الهدمية من خارجها هي التي أدت( بتخطيط من الخالق سبحانه وتعالي) إلي بناء القارات, ورفعها فوق مستوي البحار والمحيطات علي هيئة مجموعات من أطواف ومنظومات وسلاسل وأحزمة جبلية شاهقة ظلت تضاف إلي بعضها البعض بانتظام وبطء لتزيد من مساحة القارات, التي كانت في بادئ الامر جبلية وعرة, لا تسمح وعورتها بعمرانها, ثم بدأت عوامل التعرية في الأخذ من تلك الجبال الشاهقة بالتدريج حتي حولتها إلي السهول الواسعة, والهضاب والنجود المنخفضة والأودية المحفورة والرواسخ الثابتة التي تشكل اواسط القارات اليوم حتي وصلت الأرض إلي صورتها المناسبة للعمران بواسطة الإنسان, ولذلك يمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بتمهيد الأرض, ويلوم المنكرين للبعث بتوجيه هذا اللون من الاستفهام التقريري, التوبيخي, التقريعي الذي يقول فيه الحق( تبارك وتعالي).
ألم نجعل الأرض مهادا؟ أي ألم نجعل لكم الأرض فراشا موطأ كالمهد لتمكينكم من الاستقرار عليها, والتقلب في أنحائها, والانتفاع بما اودعناه لكم فيها كما اشار صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن( رحمه الله) لأن الأرض لو بقيت جبالا شاهقة الارتفاع, متشابكة التضاريس, معدومة الممرات والمسالك, لما أمكن العيش علي سطحها فسبحان الذي أنزل هذه اللفتة القرآنية المبهرة في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين, وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين!!
والجبال أوتادا في منظور العلوم الحديثة
من الأمور المشاهدة أن سطح الأرض ليس تام الاستواء, وذلك بسبب اختلاف التركيب الكيميائي والمعدني, وبالتالي اختلاف كثافة الصخور المكونة لمختلف أجزاء الغلاف الصخري للأرض, فهناك قمم عالية للسلاسل الجبلية, وتنخفض تلك القمم السامقة إلي التلال, ثم الروابي أو الربي( جمع ربوة أو رابية) أو الآكام( جمع أكمة) أو النتوءات الأرضية, ثم الهضاب أو النجود( جمع نجد) ثم السهول, ثم المنخفضات الأرضية والبحرية.
ويبلغ ارتفاع أعلي قمة علي سطح الأرض( وهي قمة جبل إفرست) في سلسلة جبال الهيمالايا8840 مترا تقريبا فوق مستوي سطح البحر بينما يقدر منسوب اخفض نقطة علي سطح اليابسة( وهي حوض البحر الميت) بحوالي395 مترا تحت مستوي سطح البحر, ويقدر متوسط منسوب سطح اليابسة بنحو840 مترا فوق مستوي سطح البحر, ويبلغ منسوب اكثر اغوار المحيطات عمقا10800 متر( وهو غور ماريا نوس في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين) بينما يبلغ متوسط اعماق المحيطات نحو اربعة كيلو مترات(3729 ــ4500 متر) تحت مستوي سطح البحر.
ويبلغ الفارق بين أعلي قمة علي اليابسة وأخفض نقطة في قيعان المحيطات8840+10,800=19640 مترا( أي أقل قليلا من عشرين كيلو مترا)
وهذا الفارق بين أعلي قمة علي سطح اليابسة وأخفض نقطة في أغوار قيعان البحار العميقة والمحيطات إذا قورن بمتوسط نصف قطر الأرض والمقدر بنحو6371 كيلو مترا فإن النسبة لا تكاد تتعدي0,003 ـ%, وهذه النسبة الضئيلة تلعب دورا مهما في معاونة عوامل التعرية المختلفة علي بري صخور مرتفعات الأرض, وإلقاء الفتات الناتج عنها في المنخفضات في دورات متعاقبة تعمل علي تسوية سطح الأرض, وتكوين التربة, وتركيز الخامات المعدنية, وجعل الأرض صالحة للعمران كما سبق أن اسلفنا.
كذلك فإن الأدلة العلمية التي تراكمت علي مدي القرنين التاسع عشر والعشرين تشير إلي أن الغلاف الصخري للأرض في حالة توازن تام, وإذا تعرض هذا التوازن إلي الاختلال في أية نقطة علي سطح الأرض فإن تعديله يتم مباشرة.
ومن هذه الادلة أن القشرة الأرضية تنخفض إلي أسفل علي هيئة منخفضات أرضية عند تعرضها لأحمال زائدة, وترتفع إلي أعلي علي هيئة نتوءات أرضية عند إزالة تلك الأحمال عنها, ويتم ذلك بما يسمي باسم التضاغط والارتداد التضاغطي. الذي يتم من اجل المحافظة علي الاتزان الارضي, ومن أمثلة ذلك ما ينتج عن تجمع الجليد بسمك كبير علي اليابسة ثم انصهاره, أو عند تخزين الماء بملايين الامتار المكعبة امام السدود ثم تصريفه, أو بتراكم ملايين الاطنان من الترسبات امام السدود, ثم ازالتها, أو بتساقط نواتج الثورات البركانية العنيفة حول عدد من فوهات البراكين ثم تعريتها.
ففي العهد الحديث بدأت في الانصهار تراكمات الجليد السميكة التي كانت قد تجمعت علي بعض اجزاء اليابسة من نصف الكرة الشمالي منذ نحو المليوني سنة( خلال واحد من اكبر العصور الجليدية التي مرت بها الأرض), ونتيجة لذلك بدأت الأرض بالارتفاع التدريجي في مناطق الانصهار التدريجي للجليد لتحقيق التوازن التضاغطي للارض, وهو من سنن الله فيها, وقد بلغ ارتفاع الارض بذلك330 مترا في منطقة خليج هدسون في شمال أمريكا الشمالية, ونحو المائة متر حول بحر البلطيق حيث لايزال ارتفاع الارض مستمرا.
وأمام كثير من السدود التي أقيمت علي مجاري الانهار تسببت بلايين الامتار المكعبة من المياه وملايين الاطنان من الرسوبيات التي تجمعت امام تلك السدود في حدوث انخفاضات عامة في مناسيب المنطقة, وزيادة ملحوظة في نشاطها الزلزالي, يفسر ذلك بأن ألواح الغلاف الصخري المكونة للقارات( والتي يتراوح سمك كل منها بين المائة والمائة وخمسين كيلو مترا) يغلب علي تركيبها صخور ذات كثافة منخفضة نسبيا, بينما يغلب علي تركيب ألواح الغلاف الصخري المكونة لقيعان البحار والمحيطات صخور ذات كثافة عالية نسبيا( ولذلك لا يتجاوز سمك الواحد منها سبعين كيلو مترا فقط).
وكل من ألواح الغلاف الصخري القارية والمحيطية يطفو فوق نطاق الضعف الأرضي الأعلي كثافة وهو نطاق لدن( مرن), شبه منصهر, عالي اللزوجة ولذلك فهو يتأثر بالضغوط فوقه ويتحرك استجابة لها.
وبالمثل فإن قشرة الأرض المكونة لكتل القارات يتراوح سمكها بين30 و40 كيلو مترا تقريبا ويغلب علي تركيبها الصخور الجرانيتية والتي تغطي أحيانا بتتابعات رقيقة ومتفاوتة السمك من الصخور الرسوبية( ومتوسط كثافة الصخور الجرانيتية يبلغ2,7 جرام للسنتيمتر المكعب) بينما يتراوح سمك قشرة الارض المكونة لقيعان البحار والمحيطات بين5 و8 كيلو مترات فقط, ويغلب علي تركيبها الصخور البازلتية التي قد تتبادل مع الصخور الرسوبية أو تتغطي بطبقات رقيقة منها( ويبلغ متوسط سمك الصخور البازلتية2,9 جرام للسنتيمتر المكعب), لذلك تطفو كتل القارات فوق قيعان البحار والمحيطات.
وبنفس هذا التصور يمكن تفسير الاختلاف في تضاريس سطح الأرض علي أساس من التباين في كثافة الصخور المكونة لكل شكل من أشكال تلك التضاريس, فالمرتفعات علي سطح اليابسة لابد وأن يغلب علي تكوينها صخور أقل كثافة من الصخور المحيطة بها, ومن ثم فلابد وأن يكون لها امتدادات من صخورها الخفيفة نسبيا في داخل الصخور الاعلي كثافة المحيطة بها, ومن هنا كان الاستنتاج بأن الجبال لابد لها من جذور عميقة تخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل لتطفو في نطاق الضعف الارضي, وهنا تحكمها قوانين الطفو كما تحكم جبال الجليد الطافية في مياه المحيطات.
وقد أيدت قياسات عجلة الجاذبية الأرضية هذا الاستنتاج بإشارتها إلي قيم أقل من المفروض نظريا في المناطق الجبلية, وإلي قيم أعلي من المفروض في المنخفضات الارضية وفوق قيعان البحار والمحيطات, ويعتبر انكشاف جذور الجبال القديمة في اواسط القارات مما يثبت حدوث عمليات إعادة التعديل التضاغطي في الغلاف الصخري للأرض.
وبفهم دورة حياة الجبال ثبت أن كل نتوء أرضي فوق مستوي سطح البحر له امتداد في داخل الغلاف الصخري للارض يتراوح طوله بين10 و15 ضعف ارتفاعه, وكلما كان الارتفاع فوق مستوي سطح البحر كبيرا تضاعف طول الجزء الغائر في الأرض امتدادا إلي الداخل, وعلي ذلك فإن قمة مثل افرست لا يكاد ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر يصل إلي تسعة كيلو مترات(8848 مترا) لها امتداد في داخل الغلاف الصخري للارض يزيد عن المائة والثلاثين كيلو مترا, يخترق الغلاف الصخري للارض بالكامل ليطفو في نطاق الضعف الارضي, وهو نطاق شبه منصهر, لدن أي مرن, عالي الكثافة واللزوجة, تحكمه في ذلك قوانين الطفو كما تحكم جبال الجليد الطافية في مياه المحيطات, فكلما برت عوامل التعرية قمم الجبال ارتفعت تلك الجبال الي أعلي, وتظل عملية الارتفاع تلك حتي يخرج جذر الجبل من نطاق الضعف الأرضي بالكامل, وحينئذ يتوقف الجبل عن الحركة, ويتم بريه حتي يصل سمكه إلي متوسط سمك اللوح الارضي الذي يحمله, وبذلك يظهر جذر الجبل علي سطح الارض, وبه من الثروات الارضية ما لا يمكن ان يتكون إلا تحت ظروف استثنائية من الضغط والحرارة لا تتوفر إلي في جذور الجبال.
فسبحان الذي وصف الجبال من قبل ألف وأربعمائة سنة( بالاوتاد) وهي لفظة واحدة تصف كلا من الشكل الخارجي للجبل, وامتداده الداخلي ووظيفته, لأن الوتد اغلبه يدفن في الأرض, وأقله يظهر علي السطح, ووظيفته التثبيت, وقد اثبتت علوم الأرض في العقود المتأخرة من القرن العشرين أن هكذا الجبال, بعد ان ظل وصف الجبال الي مشارف التسعينيات من القرن العشرين قاصرا علي أنها مجرد نتوءات فوق سطح الأرض, واختلفوا في تحديد حد ادني لارتفاع تلك النتوءات الارضية اختلافا كبيرا, وفي السبق القرآني بوصف الجبال بأنها اوتاد تأكيد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وأن النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض حيث لم يكن لأحد من البشر إلمام بامتدادات الجبال الداخلية الا بعد نزول الوحي بالقرآن بأكثر من إثني عشر قرنا فصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:11 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:10 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:08 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:07 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-12-2009, 10:48 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات