بسم الله الرحمن الرحيم
ثم يقول الرفاعي:-
أليس في موروثنا التاريخي ما يبيّن أنّ بعض الرجال – في عصر جمع الحديث وقبله – تاجروا بالحديث لمنافع دنيوية ، وأخذوا الهبات والعطايا على تجارتهم هذه ، فقد ورد في الباعث الحثيث : ص 93 – 94 ، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص 149 : أ – 149 : ب ، وتمييز المرفوع عن الموضوع ص 16 : ب ، وتوضيح الأفكار ص 76 – 77 ج 2 ، ورد النص التالي : [[ روى ابن الجوزي بإسناده إلى أبي جعفر بن محمد الطيالسي ، قال : ( صلّى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة ، فقام بين أيديهم قاصٌّ فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله ( ص ) : من قال لا إله إلاّ الله خلق الله من كلّ كلمة طيراً منقاره من ذهب ، وريشه من مرجان ) ، وأخذ في قصّة نحواً من عشرين ورقة ، فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين ، وجعل يحيى بن معين ينظر إلى أحمد بن حنبل ، فقال له : حدثته بهذا ؟ ، فيقول : والله ما سمعت هذا إلاّ الساعة ، فلما فرغ من قصصه وأخذ العطيات ، ثم قعد ينتظر بقيتها ، قال له يحيى بن معين بيده : تعال ، فجاء متوهماً لنوال ، فقال له يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ ، فقال : أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ! ، فقال : أنا يحيى بن معين ، وهذا أحمد بن حنبل ، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله ( ص ) ، فقال : لم أزل أسمع أنّ يحيى بن معين أحمق ، ما تحقّقت إلاّ الساعة ! ، كأن ليس فيها يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما ، وقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين !!! .. فوضع أحمد بن حنبل كمه على وجهه ، وقال : دعه يقوم ، فقام كالمستهزئ بهما ]] ..
وليت شعري ما الذي يعنيه بكلامه هذا ..!! فهذه قصة مروية عن شخص يقص على الناس الحكايات .. فكيف استنتج منها أن دأب أهل الحديث كان التجارة بالحديث ... ومن متن القصة يتضح أن هذا الشخص الذي يروي الحكايات هو رجل يتكسب بما لا يصح ... وأنه ليس من أهل الحديث ولا من رواته ... وقد ذكر الخطيب البغدادي ..عقب هذه القصة:-
وتلك الأحاديث إنما يسمعها العوام من القصاص يطرفونهم بها ويتوصلون إلى نيل ما في أيديهم بروايتها فيعلق بقلوب العوام حفظها ويبدئون ويعيدون فيها استحسانا منهم لها وباعث القصاص على ذلك معرفتهم نقص العوام وجهلهم ولو صدقوا الله فيما يلقونه إليهم لكان خيرا لهم (انظر الجامع لأخلاق الراوي والسامع)
فهل أيها الرفاعي ترعوي للحق وتنتهي عن التدليس على أهل الحديث !!
ومن ثم يقول الرفاعي:-
ومنهم من كان يفتري على لسان الرسول ( ص ) تقرّباً إلى الله تعالى ، من وجهة نظره ، فقد ورد في تدريب الراوي ص 184 ، واللالئ المصنوعة ص 248 ج 2 : [[ يروي الحاكم بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم : ( من أين لك ، عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة ، وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟ ، قال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ، ومغازي ابن اسحق ، فوضعت هذا الحديث حِسبة ) ]] ..
أقول وهل كان من يفعل هذا من أهل الحديث؟؟ وهل هناك من روى عن أمثال هؤلاء في الصحيحين وفي غير الصحيحين؟؟ ألا تتقي الله يا رجل في افترائك على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم !!
وقد ذكر الخطيب البغدادي في تدريب الرواي:-
والوَاضعونَ أقْسامٌ, أعظمهُم ضررًا قومٌ يُنسبون إلى الزُّهد, وضَعُوهُ حِسْبة في زَعْمهم, فقُبلت موضُوعَاتهم ثِقةً بهم.
[والواضعون أقْسَام] بحسب الأمر الحامل لهم على الوضع [أعظمهم ضَررًا قومٌ يُنسبون إلى الزُّهد وضعوهُ حِسْبة] أي: احتسابًا للأجر عند الله [في زَعْمهم] الفاسد [فقُبلت موضوعاتهم ثقة بهم] وركونًا إليهم, لِمَا نُسبُوا إليه من الزُّهد والصَّلاح.
ولهذا قال يحيى القَطَّان: ما رأيتُ الكذب في أحد أكثرَ منه فيمن يُنسب إلى الخير. أي: لعدم علمهم بتفرقة ما يجُوز لهم وما يمتنع عليهم, أو لأنَّ عندهم حُسن ظن وسلامة صدر, فيحملون ما سمعُوهُ على الصِّدق, ولا يهتدُون لتمييز الخَطَأ من الصَّواب, لكن الواضعُونَ منهم, وإن خفي حالهم على كثير من النَّاس, فإنَّه لم يخف على جهابذة الحديث ونُقَّاده.
وقد قيل لابن المُبَارك(649): هذه الأحاديث الموضُوعة؟ فقال: يعيش لهَا الجَهَابذة { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9].
والدليل على تدليس الرفاعي أن الخطيب البغدادي قد ذكر حكم من يضعوا الحديث حسبة ..قبل أن يورد القصة ..فمن المؤكد أن الرفاعي قد اطلع عليها ... وتبين له أن أهل الحديث يرفضون مثل هذه الروايات وقد بينوا هذا الأمر ... ولكن الرفاعي ظن أنه يلبس بهذا الأمر على الناس ...ولكن هيهات .. فقد بان الأمر وانكشفت الأكاذيب والأباطيل ..
المفضلات