مطلب سادس : تاريخ الاعتقاد بأن الخلاص يكون بالإيمان والأعمال
1- إذا كان الكتاب المقدس يعلن في كل جزء من أجزائه أن الخلاص من الخطية يكون فقط بواسطة الإيمان الحقيقي، بفضل كفارة المسيح الدائمة الأثر، فكيف وصل إلينا الاعتقاد بأن هذا الخلاص يكون بواسطة الإيمان والأعمال معاً؟
2- إذا رجعنا إلى العصر الرسولي نجد أن بعض اليهود المنتصرين كانوا يحرضون المسيحيين من الأمم على أن يختتنوا ويحفظوا ناموس موسى، بجانب الإيمان بالمسيح، بدعوى أنه لا خلاص لهم بالإيمان به فحسب (أعمال 15: 1 – 21، غلاطية 3: 2)
3- فقاومهم بولس الرسول بكل شدة قائلاً لهم "أيها الأغبياء .... أبأعمال الناموس أخذتم الروح، أم بخير الإيمان .... أهكذا أنتم أغبياء؟! لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة ... إن أختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً. تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس، سقطتم من النعمة. فمن صدكم حتى لا تطاعوا للحق؟!" (غلاطية 3: 1 – 10، 5: - 7).
4- في القرن الثاني ظهرت جماعة الأبيونيين التي اتخذت لها ديناً مزيجاً من اليهودية والمسيحية، ونادت فيما نادت به من بدع بأنه لا خلاص إلا بالختان وممارسة الطقوس اليهودية، وتقديس يومي السبت والأحد معاً، مع الامتناع عن أكل لحم الحيوان بتاتاً. وأخطر ما نادت به من بدع أن المسيح ولد ولادة طبيعية لا معجزية، وتبعاً لذلك يكون إنساناً عادياً، وتكون كفارته غير كافية للخلاص، ويجب إضافة حفظ الناموس إليها، للحصول على هذا الخلاص.
5- وفي القرن الخامس نادى رجل من رجال الدين البريطانيين يدعى بيلاجيوس بأن الإنسان يولد طاهراً لا أثر للخطية في نفسه على الإطلاق، فتجاهل قول النبي "بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" (مزمور 51: 7). كما نادى بأن الشر لا يكون شراً إلا بالفعل فقط، وهكذا الحال من جهة الخير، فقد قال إنه لا وجود له إلا في الأعمال الصالحة التي يقوم بها الإنسان – وبناء على رأيه لا تكون الأهواء الشريرة التي تجول في النفس خطايا، ولا تكون التقوى والأمانة والقداسة والشركة الروحية مع الله، أموراً هامة؛ ويكون الخلاص (حسب رأيه) هو فقط بواسطة الصدقة والأعمال التي تسمى الصالحة.
6- غير أن رأي بيلاجيوس هذا لم يستمر طويلاً بين أتباعه، فخلطوا في القرن السادس بينه وبين تعليم القديس أوغسطينوس، وكان هذا يعتقد بناء على كلمة الله [أن الإنسان مولود بالخطية وعاجز من تلقاء ذاته عن عمل الصلاح الذي يتوافق مع كمال الله، ولذلك فإن خلاصه من قصاص الخطية لا يكون إلا بالإيمان الحقيقي بكفارة المسيح، وأن تأهيله لعمل الصلاح لا يكون إلا بعمل الروح القدس في نفسه]
7- ولذلك قال أتباع بيلاجيوس إن خطية آدم أثرت في البشر جميعاً، وإنها وإن لم تسلبهم القدرة على عمل وصايا الله غير أنها جعلتهم عاجزين عن إتمام هذه الوصايا، دون معونة منه. كما قالوا إن عجز البشر هذا، وإن كان لا يحسب عليهم خطية بل مجرد تعطيل، إلا أنه هو السبب الذي يجعلهم يسقطون في الخطية من وقت لآخر.
8- ولذلك فإن الخلاص (حسب رأيهم) يبدأ بارتقاء الإنسان فوق العجز الكامن في نفسه، ثم قيام الله بتقديم المساعدة اللازمة له بعد ذلك، وبناء عله يكون نصف الخلاص محسوباً للإنسان والنصف الآخر محسوباً لله
9- وفي القرن العاشر أصدرت الكنيسة الكاثوليكية صكوك الغفران بناء على قرار مجلس راتس سنة 924 م ، فأقبل معظم الكاثوليك على شرائها، حتى يتمتعوا (حسب اعتقادهم) بالحياة الأبدية، وهكذا أصبحت هذه الحياة تشترى بالمال، بغض النظر عن كفارة المسيح أو الحالة الروحية للذين يبتاعون هذه الصكوك.
10- ولما قامت الحروب الصليبية سنة 1095 أصدر البابا أوربان الثاني غفراناً شاملاً لكل الذين يخرجون إلى هذه الحروب بدافع الرغبة في خدمة المسيحية، وبذلك ضمن الحياة الأبدية لكل العاملين في الحروب المذكورة بغض النظر عن حياتهم الروحية وعن كفارة المسيح أيضاً.
11- وفي القرن الثاني عشر عقد رجال الدين الكاثوليك عدة مجامع لبحث موضوع التبرير أمام الله، فاستقر رأيهم على أن الإنسان بالإضافة إلى تبرره شرعاً أمام الله بكفارة المسيح، يتبرر فعلاً أمامه بالأعمال الصالحة التي يقوم بها في العالم الحاضر. وهذه الأعمال (كما يقولون) ليست فقط هي الصوم والصلاة والصدقة، بل إنها أيضاً ممارسة الطقوس الدينية وتنفيذ التأديبات الكنسية التي يفرضها رجال الدين المذكورين.
12- ثم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فقالوا إن بعض المؤمنين يستطيعون القيام بأعمال صالحة تزيد عن حاجتهم للخلاص، وفي هذه الحالة يمكن للكنيسة الكاثوليكية بما لها من السلطان، أن تقوم بتوزيع ما زاد من هذه الأعمال على الأشخاص الذين لم يقوموا بالقدر الكافي منها، حتى يحسب الله لهؤلاء الأشخاص قيمة الأعمال المذكورة في خلاص نفوسهم.
13 - وفي القرن السادس عشر، أعلن لوثر أن التبرير أمام الله هو فقط بالإيمان الحقيقي بالمسيح، كما أعلن أنه ليست هناك شريعة تفرض على المؤمنين الحقيقيين أن يقوموا بأعمال صالحة معينة، لأنهم يقومون بكل الأعمال الصالحة بتأثير الروح القدس الساكن فيهم.
14 لكن خشية أن يستغل سامعوه قوله هذا في إهمال شيء من هذه الأعمال (بدعوى عدم إرشاد الروح القدس لهم في القيام بها)، كان يحثهم على السلوك بالتقوى والقداسة لكي يمجدوا الله بسبب تبريره لهم بدم المسيح.
15- فضلاً عن ذلك فقد سن قانوناً للوعاظ والرعاة يحتم عليهم تنفيذ وصايا الله بكل دقة في حياتهم السرية والعلنية.
16 - وحينئذ نهض رجل يدعى أجريكولا، ورمى لوثر بالخروج عن تعليم التبرير بالإيمان، وأعلن أن المؤمنين جميعاً ليسوا تحت التزام أن يحفظوا آية وصايا، كما أعلن أنهم حتى إذا عاشوا كل حياتهم في الشر والدنس لا يمكن أن يهلك واحد منهم على الإطلاق، ويعرف رأيه هذا بـالانتينومانية Antinomianism أي "المقاومة للناموس"
17- فأراد بعض رجال الدين بعد ذلك أن يوفقوا بين لوثر وأجريكولا، فقالوا إن الخلاص لا يكون بالإيمان فقط، بل يكون بالإيمان والأعمال معاً، غير عالمين أنهم بقولهم هذا قد جعلوا كفارة المسيح غير كافية للخلاص، وأن الأعمال هي التي تكمل هذه الكفارة.
18- القول بأن الخلاص هو بالإيمان والأعمال، ففضلاً عن أنه ليس له أساس في الكتاب المقدس، الأمر الذي لا يدع مجالاً للتمسك به (أي بهذا القول)، فهو يضع أعمال الإنسان الخاطئ المملوءة بالشوائب والنقائص جنباً إلى جنب مع كفارة المسيح الأمر الذي يعتبر أكبر إهانة لهذه الكفارة.
تعليق المطلب :
1- يدعي الاستاذ بقوله
بعض اليهود المنتصرين كانوا يحرضون المسيحيين من الأمم على أن يختتنوا ويحفظوا ناموس موسى، بجانب الإيمان بالمسيح... فقاومهم بولس الرسول بكل شدة
2- ننقل الان كامل الاصحاح من سفر الاعمال والذي نقله الاستاذ مبتورا
الأصحَاحُ الْخَامِسُ عَشَرَ
1وَانْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ الإِخْوَةَ أَنَّهُ «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى، لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا».
5وَلكِنْ قَامَ أُنَاسٌ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا مِنْ مَذْهَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا:«إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَنُوا، وَيُوصَوْا بِأَنْ يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى».
13وَبَعْدَمَا سَكَتَا أَجَابَ يَعْقُوبُ قِائِلاً:«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، اسْمَعُونِي.
19لِذلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لاَ يُثَقَّلَ عَلَى الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ مِنَ الأُمَمِ، 20بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ الأَصْنَامِ، وَالزِّنَا، وَالْمَخْنُوقِ، وَالدَّمِ. 21لأَنَّ مُوسَى مُنْذُ أَجْيَال قَدِيمَةٍ، لَهُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَنْ يَكْرِزُ بِهِ، إِذْ يُقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ كُلَّ سَبْتٍ».
22حِينَئِذٍ رَأَى الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ مَعَ كُلِّ الْكَنِيسَةِ أَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَيُرْسِلُوهُمَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ مَعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا: يَهُوذَا الْمُلَقَّبَ بَرْسَابَا، وَسِيلاَ، رَجُلَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الإِخْوَةِ. 23وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ هكَذَا:«اَلرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ وَالإِخْوَةُ يُهْدُونَ سَلاَمًا إِلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ مِنَ الأُمَمِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ: 24إِذْ قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ أُنَاسًا خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا أَزْعَجُوكُمْ بِأَقْوَال، مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ، وَقَائِلِينَ أَنْ تَخْتَتِنُوا وَتَحْفَظُوا النَّامُوسَ، الَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ. 25رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ وَنُرْسِلَهُمَا إِلَيْكُمْ مَعَ حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ، 26رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 27فَقَدْ أَرْسَلْنَا يَهُوذَا وَسِيلاَ، وَهُمَا يُخْبِرَانِكُمْ بِنَفْسِ الأُمُورِ شِفَاهًا. 28لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ، غَيْرَ هذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ: 29أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَالْمَخْنُوقِ، وَالزِّنَا، الَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ».
3- يتضح هنا انه ، خلافا لما يقول الاستاذ ، منذ بداية الكنيسة اتفق الجميع علي ان المتحولين من الامم يعملون بما لايرهقهم من الناموس ، ولم يقم احد بالغاء الناموس ، ولم يقاوم بولس وانما كان هو من بلغ الامم عن ضرورة الالتزام بذلك الجزء من الناموس ، فليس الامر بدعة كما يدعي
تعليق الفصل الاول :
1- بعد هذا النقل المطول والممل من كتب الاستاذ سمعان ماهي الحصيلة ؟
2- ينقل لنا الاستاذ سمعان نظرية كفارة المسيح التي ساهم في تطويرها القديس انسلم و القديس اوغسطين ومارتن لوثر ...
3- تتلخص النظرية في الخطوات الاتية باختصار
أ- ادم اخطأ بعصيانه الرب
ب- ورث البشر خطيئة ادم
ت- الخطية اثرت علي كبرياء الرب ولاستعادة ذلك كان لابد من تكفير يتناسب مع الحدث
ث- تجسد الرب ونزل للارض وصلب ومات ودخل جهنم ثم استيقظ وصعد للسماء
ج- كل من يؤمن بهذه النظرية يكون بلا خطية
ح- الايمان بتلك النظرية يغني عن العمل الصالح فيتحول الشخص بمجرد ايمانه من زاني او قاتل الي قديس
خ- لايهلك من يؤمن بتلك النظرية مهما كانت معصيته
4- لاتعقل هذه النظرية ، لانه لا ادلة عقلية علي التثليث ولا التجسد كما اوضحنا في كتابنا جامع العقائد استحالة ذلك نقلا وعقلا
6- لو تركنا العقل جانبا وعدنا لنحكم علي الاستاذ من كتابه وعقيدة اهل ملته لوجدنا انه هذه النظرية لايوجد عليها ادلة نقلية من الكتاب المقدس وقد فندنا مايقوم به الاستاذ من بتر للايات واستخدامها في غير موضعها
7- اوضحنا ان الكتاب لايوجد به ادلة علي التجسد باستثناء نص يوحنا عن تجسد الكلمة ، وهذا النص يثير مشكلات لاهوتية اكثر مما يفيد ، لانه لايعقل تجسد احد الاقانيم دون الاثنان الاخران
8- اعترض الارثوذكس علي نظرية الكفارة لاسباب لاهوتية هي
أ- الله لم يكن غاضباً قبل خطيئة الإنسان , لكن الخطيئة غيّرته .ومن الذي أحدث هذا التغيير ؟ هو الإنسان. إذاً الإنسان قادر أن يغيّر في الله!
ب- الخطيئة مشكلة الله بالأحرى لا مشكلة الإنسان. إحدى أوجه هذه النظرية أن الله رحيم وعادل بنفس الوقت. رحمته تريد خلاص البشر, لكنه لا يستطيع أن يَنتهِك عدالته الإلهية.
ت- هذه النظرية تؤدي الي وجود الضرورة في الله. حلّت محل حرية الله وأملت التجسد
9- واعترضوا علي ذلك لاسباب اخلاقية
أ- كيف ابتهج الآب بدم ابنه الوحيدوهوالذي لم يكن ليقبل حتى اسحق عندما قدّمه والده ؟
ب- يبقى الإنسان بدون تغيير. فالخلاص يعني أن ذنب الإنسان قد زال ولكن الانسان لم يتغير
ت- لاترهق نفسك في الاعمال الصالحة فقط اقبل فدية المسيح تصير من خاطئ مصيره الجحيم ,إلى قديس عظيم قد ضمن الملكوت
10- الخلاصة ان هذه النظرية لاتصح لاعقلا ولا نقلا ولم يرض بها حتي المسيحيون انفسهم
المفضلات