-
إبطال نسبة الأناجيل والرسائل للحواريين
تعود أسفار العهد الجديد السبعة والعشرون إلى ثمانية مؤلفين تفاوتت مقادير كتاباتهم، ففي حين لم تزد رسالة يهوذا عن صفحتين فإن لبولس ما يربو على المائة صفحة.
وأيضاً يتفاوت قرب هؤلاء من المسيح، ففي حين أن يهوذا وبطرس ويوحنا من تلاميذه الاثني عشر، فإن لوقا ومرقس لم يلقيا المسيح، فيما لم يتنصر بولس إلا بعد رفع المسيح.
والنصارى يعتبرون هؤلاء المؤلفين الثمانية بشراً ملهمين، كتبوا ما أملاه عليهم روح القدس وفق أسلوبهم، وقد ثبت لدينا عدم إلهامية كتبة العهد الجديد فيما سبق.
ولكن هل تصح نسبة الكتب إلى هؤلاء الثمانية؟ وبالذات إلى متى ويوحنا وبطرس الذين يفترض أنهم من أخص تلاميذ المسيح أم أن النسبة هي أيضاً محرفة ؟ وهل من الممكن أن يصدر هذا الكلام - الذي في العهد الجديد - من حواريي المسيح الذين رباهم طوال سني رسالته، وذكرهم القرآن بالثناء الحسن ؟
إن تأمل المحققين من المسلمين في كتابات العهد الجديد، جعلهم يرون أن هذه الأسفار لا يمكن أن تصدر عن تلاميذ المسيح المؤمنين، فاهتموا لذلك بدراسة وتوثيق نسبة هذه الأسفار إليهم.
ولسوف لن نتوقف طويلاً مع توثيق نسبة بعض الأسفار، لأن كتبتها ليسوا من تلاميذ المسيح، وعليه فلا يهمنا إن كان كاتب إنجيلي مرقس ولوقا هما مرقس ولوقا أو أياً من النصارى الذين عاشوا في نهاية القرن الميلادي الأول، إذ أي من هؤلاء ليس بمعصوم ولا ملهم ولا يملك ثناء واحداً من المسيح عليه السلام، ومثله نصنع في رسائل بولس عدو المسيح الذي ادعى الرسالة والعصمة، وهو لم يلق المسيح البتة.
التحريف في العهد الجديد
ولقد يتساءل المرء أين وقع التحريف في الأناجيل ؟ هل وقع من الإنجيليين وأصحاب الرسائل، أم من النساخ الذين تصرفوا في النصوص حسب أهوائهم وعقائدهم، أم من أولئك الذين أضافوا القداسة للكتب الشخصية التي خطها الحواريون، أم من ذلك كله؟ ولعل الأخير هو أولاها بالصواب.
أولاً : تحريف الإنجيليين : هل كان الإنجيليون أمناء في النقل عن بعضهم؟
أصبح من المسلم به - كما أسلفنا - أن لوقا نقل ما نسبته 51% من فقرات إنجيل مرقس، بينما نقل متى ما نسبته 90% من محتويات إنجيل مرقس. فهل كان متى ولوقا أمينان في نقلهما عن مرقس، أم كانا يتصرفان بنص مرقس كما يحلو لهما؟
الحقيقة البينة أن كلا الاثنين تصرف برواية مرقس حسب ما تبدى له، وخاصة متى الذي كان يضخم دائماً فيما ينقله من أحداث ينقلها من رواية مرقس، لتناسب غلوه في شخص المسيح أو لتحقق نبوءة توراتية لم تحققها رواية مرقس، وذلك يظهر من أمثلة كثيرة ذكرها المحققون، منها:
يقول مرقس عن المصلوب: " أعطوه خمراً ممزوجةً بمر " ( مرقس 15/23 ).
لكن متى نقل عن مرقس وغيّر، فقال: " أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة " ( متى 27/34 )، ومن المعلوم أن الخل غير الخمر.
ولقد قصد متى من هذا التغيير أن يحقق النبوءة التوراتية المزعومة " يجعلون في طعامي علقماً، وفي عطشي يسقونني خلاً " ( المزمور 69/21 )، فأبدل كلمة الخمر التي كتبها مرقس بالخل.
-1يقول مرقس: " إن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي " ( مرقس 3/35 ).
وينقلها متى: " إن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي " ( متى 12/50 ). فكلمة أبي وضعت لأسباب لاهوتية.
-2ومثله يقال عندما سأل المسيح تلاميذه عما يقولون فيه، فأجاب بطرس: " أنت المسيح " (مرقس 8/29 ).
لكن متى عدل في إجابة بطرس وجعلها : " أنت هو المسيح ابن الله الحي " ( متى 16/16).
-3ومثله لما ظهر لهم المسيح مع موسى قال بطرس لسيده كما ينقل مرقس : " يا سيدي جيد أن نكون هنا " ( مرقس 9/5 ).
ولكن متى يعدّل نص مرقس، ويقول: " يا رب جيد أن نكون ههنا " (متى 17/4).
-4ومن غلو متى تغييره لما جاء في مرقس عن عدم قيام المسيح بالمعجزات في الجليل حيث يقول: " ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة غير أنه وضع يديه على مرضى قليلين فشفاهم، وتعجب من عدم إيمانهم " ( مرقس 6/5 - 6 ). حيث لم يصنع ولا قوة واحدة، لكنه شفى قليلين، لكن شفاء القليلين لم يكن كافياً لإيمان أولئك القساة، فتعجب المسيح لعدم إيمانهم.
لكن متى عزّ عليه أن لا يصنع المسيح أي قوة، فقال : " ولم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم " ( متى 13/58 ). إذاً هو صنع معجزات، ولكن ليس كثيراً، وبرر قلة المعجزات بعدم إيمانهم. فأصبحت سبباً لقلة المعجزات بعد أن كانت عند مرقس نتيجة لها.
-5ومثله تلاعب لوقا بما نقله عن مرقس، فقد أورد مرقس - الذي تصفه المصادر المسيحية بأنه يقدم أصدق صورة عن المسيح - أورد آخر عبارات المصلوب على الصليب، وكانت صراخه اليائس "إلهي إلهي، لماذا تركتني " ( مرقس 15/34 ).
لكن لوقا - وكما يرى ولديورانت - لم تعجبه عبارة مرقس، ورآها لا تتفق مع تعليم بولس عن المسيح الفادي الذي جاء ليصلب، فأبدلها بقوله: " يا أبتاه في يديك أستودع روحي " ( لوقا 23/46 ).
-6والغلو عند متى في شخص المسيح جعله يخالف مرقس في كثير من الأحداث التي نقلها عنه، فزاد فيها بما اعتقد أنه يرفع من قدر المسيح، من ذلك أن مرقس ذكر خبر المجنون الممسوس بالشياطين والذي شفاه المسيح وأخرج منه الشياطين وجعلها تدخل في الخنازير، فيقول: " لما خرج من السفينة للوقت استقبله من القبور إنسان به روح نجس... فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له، وصرخ بصوت عظيم وقال: ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي. أستحلفك بالله أن لا تعذبني...
وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى. فطلب إليه كل الشياطين قائلين: أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها. فأذن لهم يسوع للوقت، فخرجت الأرواح النجسة، ودخلت في الخنازير" (مرقس 5/2 - 13).
لكن متى جعل صاحب القصة مجنونان بدلاً من واحد فقال: "ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً...وإذا هما قد صرخا قائلين: ما لنا ولك يا يسوع ابن الله! أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟
وكان بعيداً منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. فالشياطين طلبوا إليه قائلين: إن كنت تخرجنا فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير. فقال لهم: امضوا، فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير" ( متى 8/28 - 32 ).
-7وذكر مرقس ولوقا شفاء الأعمى، يقول مرقس: "وفيما هو خارج من أريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس جالساً على الطريق يستعطي. فلما سمع أنه يسوع الناصري ابتدأ يصرخ ويقول: يا يسوع ابن داود، ارحمني... فأجاب يسوع، وقال له: ماذا تريد أن أفعل بك؟ فقال له الأعمى: يا سيدي أن أبصر. فقال له يسوع: اذهب. إيمانك قد شفاك. فللوقت أبصر، وتبع يسوع في الطريق "
(مرقس 10/46 - 52، وانظر لوقا 18/35 - 42 ).
لكن متى روى نفس القصة وجعل الأعمى أعميين اثنين، فقال: " فيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير. وإذا أعميان جالسان على الطريق، فلما سمعا أن يسوع مجتاز صرخا قائلين: ارحمنا يا سيد، يا ابن داود... فوقف يسوع وناداهما وقال: ماذا تريدان أن أفعل بكما؟ قالا له: يا سيد أن تنفتح أعيننا. فتحنن يسوع ولمس أعينهما، فللوقت أبصرت أعينهما، فتبعاه " ( متى 20/29 - 34 )، فهذا غلو من متى وتحريف للقصة التي ينقلها عن مرقس.
-8وأخبر مرقس عن قدوم المسيح لأورشليم راكباً على جحش فيقول: "أرسل اثنين من تلاميذه، وقال لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت وأنتما داخلان إليها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحد من الناس. فحلاه وأتيا به... فأتيا بالجحش إلى يسوع وألقيا عليه ثيابهما (أي التلميذين) فجلس عليه" (مرقس11/1- 7 ).
لكن متى بالغ في روايته لنفس الخبر، فجعل المسيح راكباً على أتان وجحش في وقت واحد! يقول متى:
" حينئذ أرسل يسوع تلميذين قائلاً لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاًَ معها، فحلاهما وأتياني بهما....وأتيا بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما، فجلس عليهما"
( متى 21/1 - 7 ).
ولم يبين لنا متى كيف كان هذا الركوب، وما هي هيئته، فذلك لا يهُم ، المهم أنه أراد أن يحقق نبوءة توراتية في سفر زكريا " هو ذا ملكك، يأتي إليك وهو عادل ومنصور وديع، وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان " (زكريا 9/9 ).
وقد صرح متى بذلك في نفس الخبر فقال: " فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون: هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان" (متى 21/4)، ومن أجل تحقيق هذه النبوءة خالف مرقس ، وأركب المسيح على أتان وجحش معاً!
-9ومثله في التحريف زيادات متى الخيالية على الأحداث التي صاحبت موت المعلق على الصليب "فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم، وأسلم الروح، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين" (متى 27/50 - 53)، هذا ولم يذكر لنا متى شيئاً عما فعله هؤلاء العائدون من الموت، ولا عن ردة فعل الناس على ظهورهم وعلى تلك الأحداث العظيمة....
وهذه الأعجوبة على ضخامتها وأهميتها لم يشر إليها مرقس، ولو كانت حقاً لما صح أن يهملها لأهميتها، كذلك لم يذكرها لوقا - المتتبع لكل شيء بتدقيق - ولا يوحنا، فثبت أنها من وضع متى ونسج خياله.
اعترافات بالتلاعب في الأناجيل
أمام وضوح الحقيقة لا يجد المفسر جون فنتون مفسر إنجيل متى من سبيل إلا يعترف بهذا التطوير للروايات، ويحاول تبريره فيقول: "لقد حدث تحوير ملحوظ في مخطوطات ( الأناجيل )، وذلك في المواضع التي ذكرت فيها ألقاب الرب " ( يسوع )، فهو يعترف بوقوع التحريف، لكنه يتهم نساخ المخطوطات ، ويبرئ متى الكاتب.
والصحيح أن التلاعب بالنص يرجع إلى كُتاب الأناجيل، وليس نساخ المخطوطات، إذ أن الزيادة تطرِد دائماً في متى عما في مرقس، ولو كان الخلل في المخطوطات لما اطردت الزيادة في متى دائماً.
وقد صدق العلامة كيز مان حين قال : " إن لوقا ومتى قد قاما بتغيير نص مرقس الذي كان بحوزتهما مائة مرة عن عمد لأسباب عقائدية ".
ثانياً: تحريف الإنجيليين في نقلهم من المصادر التوراتية
وكذا وقع كتاب العهد الجديد في تحريف الأسفار التوراتية وهم ينقلون عنها، ليكون صورة أخرى من صور التحريف.
- فقد وقع به بولس وهو ينقل عن مزامير داود، يقول بولس: " لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع الخطايا، لذلك عند دخوله إلى العالم، يقول : ذبيحة وقرباناً لم تُرد، ولكن هيأت لي جسداً، بمحرقات وذبائح لم تسر... " ( عبرانيين 10/4 – 6 ).
وقد نقل بولس النص عن المزامير، وحرفه، ففي المزامير " بذبيحة وتقدمه لم تسر، أذني فتحت، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب … " ( المزمور 40/6 )، فقد أبدل " أذني فتحت " بقوله: "هيأت لي جسداً ".
واعترف بوقوع التحريف في أحد النصين جامعو تفسير هنري واسكات، ولم يعينوا الموضع المحرف منهما، فقد اعتبر آدم كلارك ما جاء في المزمور محرفاً، فيما اعتبره دوالي ورجر وديمنت في تفسيرهما ما جاء في رسالة بولس هو المحرف.
-كما وقع التحريف من الإنجيليين بنسبة أقوال إلى التوراة لم تذكرها، منه ما جاء في متى عن المسيح "وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء : إنه سيدعى ناصرياً " (متى 2/23)، ولا يوجد شيء من ذلك في كتب الأنبياء.
ومما يؤكد أن التحريف هنا متعلق بمتى أن التلميذ نثنائيل حين بشره فليبس بالمسيح الناصري استغرب أن يبعث مسيح من الناصرة "فقال له نثنائيل: أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟" (يوحنا 1/46)، ولو كانت نبوءة الناصري موجودة قبلُ لما كان وجه للغرابة.
-ومن صور التحريف ما وقع به يعقوب ولوقا حين تحدثا عن انقطاع المطر بدعاء النبي إيليا ، فذكروا أنه استمر ثلاث سنين وستة أشهر، محرفين ماورد في العهد القديم، والذي أفاد بأن انقطاع المطر لم يكمل الثلاث سنوات، فيقول يعقوب في رسالته: " كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا ، وصلى صلاة أن لا تمطر ، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر " ( يعقوب 5/17 )، ووافقه لوقا فزعم أن المسيح قال: "أقول لكم: إن أرامل كثيرة كنّ في إسرائيل في أيام إيليا، حين أغلقت السماء مدة ثلاث سنين وستة أشهر، لما كان جوع عظيم في الأرض كله" (لوقا 4/25).
والقصة منقولة ومحرفة عن سفر الملوك وفيه " قال إيليا :.. إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي " ( الملوك (1) 17/1)، ثم " بعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا في السنة الثالثة قائلاً : اذهب وتراءى لأخاب فأعطي مطراً على الأرض " ( الملوك (1) 18/1 )، وفعل فنزل المطر ، وكان ذلك في السنة الثالثة، ولعله في أولها، أي لم يكمل انقطاع المطر ثلاث سنوات، فضلاً عن الأشهر الستة التي زادها يعقوب ولوقا.
-ومن صور التحريف ما نسبه بولس لكتب الأنبياء من وصف الجنة التي أعدها الله للمؤمنين، فقال: " بل كما هو مكتوب: ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه " (كورنثوس (1) 2/9)، وليس في كتب الأنبياء في العهد القديم مثل هذا البتة.
-وينقل متى من سفر النبي إشعيا، فيغير في النبوءة ليقدم لنا مثالاً للحرية التي تعامل بها الإنجيليون مع النصوص التوراتية ، إذ يقول: " فقد تمت فيهم نبوة إشعياء القائلة: تسمعون سمعاً ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون، لأن قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم قد ثقل سماعها، وغمضوا عيونهم، لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم" (متى 13/14-15)، وهو اقتباس تصرف فيه من سفر إشعيا الذي يقول في سفره متوعداً بني إسرائيل "فقال: اذهب وقل لهذا الشعب: اسمعوا سمعاً ولا تفهموا، وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا، غلِّظ قلب هذا الشعب، وثقّل أذنيه، واطمس عينيه، لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه، ويرجع فيشفى" (إشعيا 6/9-10)، فقد كان نص إشعيا حديثاً بصيغة المستقبل عما سيؤول إليه حال بني إسرائيل، فجعلها متى بصيغة الإخبار عن الحال الحاضر، ولو كان يعتبر ما يعاصره من عصيان اليهود وقسوة قلوبهم تفسيراً لتلك النبوءة، لكان فعله مقبولاً، لكنه بالحقيقة كان ينقل النبوءة ويغير بألفاظها " تمت فيهم نبوة إشعياء القائلة: تسمعون.. ".
ومن صور التحريف ما صنعه متى وهو يتلاعب بنسب المسيح، فيحذف من النسب ما لا يروق له، ثم يعمد إلى خداع القارئ والتمويه عليه، لقد أدرك متى أن ذرية الملك يهوياقيم محرومة من الجلوس على كرسي داود (انظر إرميا 36/30 - 31 ) ، فحذف اسمه من نسب المسيح مخافة أن يدرك القارئ أنه لاحظّ للمسيح في الجلوس على كرسي داود، فقال: " ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل" (متى 1/11)، ومن المعلوم أن يكنيا من أحفاد يوشيا، وليس ابنا مباشراً له، إذ هو ابن الملك المحروم يهوياقيم بن يوشيا (انظر الأيام (1) 3/14-15).
كما أخطأ متى ثانية حين زعم أن ولادة يكينيا عند سبي بابل، إذ يكينيا قد ولد قبل السبي بوقت طويل، وتولى الملك وعمره ثماني سنوات أو ثمانية عشرة سنة ، على خلاف بين الأسفار (انظر (الملوك (2) 24/8)، و ( الأيام (2) 26/9 )) ، وتسمى بيهوياكين، وفي عهده (597 ق.م) دخل البابليون فلسطين أول مرة، وسبوه وكبار مملكته إلى بابل، وذلك قبل السبي الكبير بإحدى عشرة سنة، خلافاً لمتى الذي يزعم أنه ولد عند السبي.
ثالثاً: انتشار التحريف في الصدر الأول
رأينا قبل أصحاب النصوص الإنجيلية وهم يقعون في التحريف، في الصدر الأول من النصرانية، وقد كثر حينذاك المنتحلون للنبوة والزاعمون أنهم يكتبون القصة الحقيقية لعيسى عليه السلام.
ومنذ ذلك الحين صدرت الدعوات تحذر من التحريف الذي يتعرض له الإنجيل.
وهذا الذي دعا بولس للقول: " إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس هو، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم، ويريدون أن تحولوا إنجيل المسيح " ( غلاطية 1/6 - 7 )، فتحدث بولس عن أناس يريدون تحريف إنجيل المسيح الذي سبق الحديث عن فقده.
ويقول أيضاً: " ولكن ما أفعله سأفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضاً فيما يفخرون به، لأن مثل هؤلاء رسل كذبة، فعلة ماكرون مغيرون من شكلهم إلى شبه رسل المسيح " ( كورنثوس (2) 11/12- 13 ).
ويقول يوحنا: " أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح... لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم " ( يوحنا (1) 4/1 )، لقد أصبح إدعاء النبوة والتحريف مرضاً مستشرياً في القرن الميلادي الأول.
ويحذر التلميذ يهوذا من أولئك الذين زوروا كلاماً على المسيح " إنه قد دخل خلسة أناس قد كتبوا منذ القديم لهذه الدينونة، فجار يحولون نعمة إلهنا... هو ذا قد جاء الرب ليضع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم... وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار... إنه في الزمن الأخير سيكون قوم مستهزؤون سالكين بحسب شهوات فجورهم " (يهوذا 4-18).
ويحذر بطرس من التحريف المعنوي بتغيير المعاني الصحيحة، فيقول: " كتب إليكم أخونا الحبيب بولس. أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها أيضاً متكلماً فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم، يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم " ( بطرس (2) 3/15 - 16).
وكثرة التحريف والكتب التي تدعي الحق زوراً وكذباً هيّج لوقا لكتابة إنجيله، ففي مقدمته يقول: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ... أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمتَ به " ( لوقا 1/1 - 4 ).
فلوقا رأى هذه الكتب الكثيرة محرفة، فكتب ما رآه صحيحاً، وقد بلغت هذه الكتب من الكثرة أن قاربت المائة.
وسريان التحريف وانتشاره انتشار النار في الهشيم جعل فاستس ( من فرقة ماني كيز في القرن الرابع ) يصرخ، ويقول : " أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر، وعيبوا صورته الحسنة وأفضليته، لأن هذا الأمر محقق، إن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم ونسبه إلى الحواريين ورفقاء الحواريين ليعتبر الناس، وقد آذى بذلك الدين... فقد ألف الكتب التي تمتلئ بالأغلاط والمتناقضات ".
وكان سلوس الوثني ( ق2 ) يقول: " بدل المسيحيون أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات، بل أزيد من هذا تبديلاً، كأن مضامينها بُدلت ".
رابعاً: ظهور الطباعة، والتحريف الطباعي للعهد الجديد
وفي القرن السادس عشر ظهرت الطباعة وأدواتها، ليظهر معها نوع جديد من أنواع التحريف، يؤكد أن القوم قد استمرؤوا باطلهم وتحريفهم.
وقد أصدر ارازموس سنة 1516م أول طبعاته كما ذكر ذلك فردريك جرانت في كتابه "الأناجيل أصولها ونماؤها" وجورج كيرد في تفسيره.
وفي عهد الملك جيمس الأول ملك انجلترا واسكتلندا عقد مؤتمر ديني عام 1604م أسفر عن تشكيل لجنة ترجمة من البروتستانت تولت إنتاج النص الرسمي للكتاب المقدس باللغة الإنجليزية، وختم الملك جيمس هذه النسخة بخاتمه، وطبعت سنة 1611م.
ومنذ عهد الملك جيمس توالت الطعون لهذه الترجمة الأشهر في تاريخ المسيحية، فقد رفعت للملك جيمس عريضة تقول: " إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي موضع تخميناً ".
وقال بروتن للقسس: " إن ترجمتكم الإنجليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمان وأربعون موضعاً، وصارت سبباً لرد أناس غير محصورين كتب العهد الجديد ودخولهم النار ".
وتوالت الطعون لهذه الترجمة والتي عنها ترجم العهد الجديد إلى أكثر لغات العالم.
وفي عام 1881م عُدلت نسخة الملك جيمس، وسميت بالنسخة القياسية المنقحة، ثم نقحت 1952م، وسميت أيضاً " النسخة القياسية المنقحة " (R.S.V)، وكان تنقيحها على يد اثنين وثلاثين عالماً لاهوتياً تساندهم هيئة استشارية تمثل خمسين طائفة دينية، ثم أعيد تنقيحها عام 1971م، وصدرت بنفس الاسم (R.S.V)، وجاء في مقدمة هذه الطبعة: " لكن نصوص الملك جيمس بها عيوب خطيرة جداً ... وإن هذه العيوب والأخطاء عديدة وخطيرة، مما يستوجب التنقيح في الترجمة الإنجليزية ".
ومما حذفته النسخة المنقحة نص يوحنا المشهور في التثليث ( انظر يوحنا (1) 5/7 ) ونهاية إنجيل مرقس
( انظر 16/9 - 20 ).
وتبدو إمكانية تطوير النص أيضاً عند الكاثوليك، حيث جاء في مقدمة العهد الجديد للكاثوليك " بوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصاً مثبتاً إثباتاً حسناً، وما من داع إلى إعادة النظر إلا إذا عثر على وثائق جديدة ".
وقد كان الكاثوليك قد أصدروا نسخة لاتينية خاصة بهم تسمى نسخة " دوي "، وطبعت لأول مرة عام 1582م ثم 1609م، وتختلف هذه النسخة عن نسخة الملك جيمس المعاصرة لها في أمور أهمها زيادة سبعة من الأسفار ( الأبوكريفا ) غير موجودة في ترجمة الملك جيمس البروتستانتية.
أمثلة لتحريف الطبعات
وقد لجـأ المحرفون إلى وسائل مستحدثة في التحريف منها أنهم تعمدوا وضع إضافات للنص المطبوع، وجعلت هذه الإضافات في أقواس للدلالة على عدم وجودها في أقدم المخطوطات المعتمدة، وأنها إضافات تفسيرية.
ثم وفي طبعات أخرى تختفي الأقواس، ويصبح ما بين الأقواس جزء من النص المقدس، وفي طبعات أخرى تم حذف الأقواس وما بينها، فأي هذه النصوص كلمة الله؟ ومن الذي يحق له أن يزيد وينقص في الكتاب المقدس؟ أولا تزاد له الضربات المكتوبة حين يزيد في الكتاب، أو يحذف اسمه من سفر الحياة والمدينة المقدسة حين يحذف منه ما هو منه. (انظر الرؤيا 22/18-19).
-1ومن ذلك أنه جاء في نسب المسيح " ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو (حسبما يظن ) ابن يوسف " ( لوقا 3/23 ).
وفي تراجم وطبعات كثيرة تبلغ المئات يلحظ العلامة ديدات اختفاء الأقواس، وبقاء ما بينها، ليصبح المدرج من النساخ جزء من كلمة الله.
-2وأهم أمثلة تحريف الطبعات قاطبة ما جاء في رسالة يوحنا الأولى " فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد " ( يوحنا (1) 5/7 - 8 )، والفقرة الأولى التي تتحدث عن شهود السماء غير موجودة في النسخ القديمة، كما أنها غير موجودة في جلسات المجمع النيقي.
والنص موجود في سائر تراجم العهد الجديد المطبوعة بعد القرن السادس عشر الميلادي، ولا يخفى أن إضافة هذا النص كان لتثبيت عقيدة التثليث التي تفتقر لمثل هذا الدليل القوي في دلالته.
وقد اعترف محققو النصرانية بإلحاقية هذا النص، ومنهم كريسباخ وشولز، وهورن المتعصب، وجامعو تفسير هنري، واكستاين، والقس فندر، ومارتن لوثر الذي حذف النص من ترجمته.
وقد كتب إسحاق نيوتن رسالة بلغت خمسين صفحة أثبت فيها تحريف هذه العبارة التي بقيت في سائر الطبعات والتراجم بلغات العالم المختلفة إلى أواسط هذا القرن.
وكانت بعض الطبعات العربية القديمة قد وضعتها بين هلالين لتدل على عدم وجودها في المخطوطات القديمة كما في ترجمة الشرق الأوسط 1933م، لكنها موجودة بدون أهلة في سائر التراجم العربية سوى ترجمة الكاثوليك العربية، فإنها أزالتها وأشارت إلى خلو الأصول اليونانية عنها.
وفي عام 1952م أصدرت لجنة تنقيح الكتاب المقدس نسخة ( R. S. V )، النسخة القياسية المراجعة، وكان هذا النص ضمن ما حذفه المنقحون، لكن هذا التنقيح لم يسرِ على مختلف تراجم الإنجيل العالمية
-3ومن النصوص المهمة أيضاً التي تعرضت لتحريف الطبعات، النصان الوحيدان اللذان يتحدثان عن صعود المسيح للسماء في خاتمة مرقس 16/19، ولوقا 24/51 ، وقد حذف النصان من ( R. S. V) عام 1952م، وبقيا في سائر التراجم العالمية.
ثم في 1971م عرض أمام اللجنة ( المنقحة ) طلبات عديدة قدمها اثنان من الأفراد، وطائفتان دينيتان، ونتيجة لهذه الطلبات تم إعادة نص التثليث وخاتمة مرقس 16/9 - 20، ولوقا 24/51 في طبعة ثانية صدرت باسم ( R. S. V ) أيضاً.
استحلال آباء الكنيسة للتحريف
ولكن الداهية التي ساهمت بانتشار التحريف هي ما يذكره المؤرخ وليم ميور في كتابه " تاريخ كليسيا " ( الكنيسة )، حيث قال: إن أرجن وغيره أفتوا بجواز جعل الكتب الكاذبة، ونسبتها للحواريين أو التابعين أو إلى قسيس من القسيسين المشهورين.
يؤكد المؤرخ موشيم سهولة وقوع التحريف في الصدر الأول لانتشار مقولة أفلاطون وفيثاغورث " أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق عبادة لله، ليس بجائزين فقط، بل قابلان للتحسين، وتعلم أولاً منهم يهود مصر هذه المقولة قبل المسيح.. ثم أثر وباء هذه الغلط السوء في المسيحيين كما يظهر ".
وقد كان بولس نموذجاً صارخاً لهذا النوع من التحريف باسم الدين، وقد اعترف به فقال: "إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان بعد كخاطئ" (رومية 3/7).
من كتب العهد الجديد؟
نشرت مجلة تايم في عددها الصادر في اكتوبر 1986 مقالاً عن ندوة دولية حضرها 120 عالماً نصرانياً درسوا صحة الأقوال المنسوبة للمسيح في الأناجيل الأربعة، فوجدوا أنه لا يصح منها سوى 148 قولاً من بين 758 قولاً منسوباً إليه.
وذكر كتاب " الأناجيل الخمسة " الذي أصدرته ندوة يسوع عام 1993م أن 18% فقط من الأقوال التي تنسبها الأناجيل ليسوع ربما يكون قد نطق بها فعلاً.
وفي ندوة 1995 قرروا أن رواية ميلاد يسوع غير حقيقية سوى ما يتعلق باسم أمه، ومثله قصة آلام المسيح ومحاكمته.
-
الأثر التشريعي والأخلاقي للعهد الجديد
جاء في كلام المسيح " احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً، هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية.
لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع ثماراً ردية، ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة، كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، فإذاً من ثمارهم تعرفونهم " ( متى 7/15 - 20 ).
يسوق المسلمون هذا النص الإنجيلي ويطلبون من النصارى التحاكم إليه، ومن ثم تكون الثمار دالة على حسن الغرس أو سوئه.
واقع المجتمعات النصرانية
وعند النظر إلى المجتمع النصراني بشكل عام يسجل المحققون على المجتمع النصراني عدة ملاحظات:
1انتشار الزنا والفواحش.
2كثرة الانتحار والجرائم.
3التمييز العنصري البغيض.
4التفكك الأسري، والعلاقات الإجتماعية السيئة.
5 انتشار الخمور.
6الانسلاخ من الدين.
7الوحشية مع الأمم الأخرى.
ويتبين من هذا كله من خلال بعض الأرقام التي أوردها المحققون نقلاً عن إحصائيات صادرة في الغرب إضافة إلى قراءتهم الصحيحة للمجتمع النصراني.
فقد نشرت مجلة بونتي الألمانية إحصاءً حول معتقدات الألمان، ونتيجة الإحصاء أن 65% من الألمان يؤمنون بالله، و50% يؤمنون بالحياة بعد الموت والجزاء فيه.
وفي جنوب أفريقيا حيث نسبة النصارى 98% ينتشر زنا المحارم بين البيض بنسبة 8%، بينما يبلغ عدد مدمني الخمر في أمريكا كما يقول القس جيمي سويجارت أربعة وأربعين مليون إضافة إلى أحد عشر مليون سكير.
ويذكر جون ستون بحثاً ميدانياً أجري عام 1978م، وكان من نتيجته أن 4% من المجتمع الأمريكي يمارسون السحاق أو الشذوذ طوال حياتهم، و10% يمارسونه لمدة ثلاث سنوات، وتشير أرقام اتحاد تنظيم الأسرة في بريطانيا إلى أن نصف الفتيات المراهقات تحت 16 سنة يمارسن الزنا.
كيف يواجه العهد الجديد هذا الواقع؟
وماذا لدى الإنجيل من مقومات الإصلاح لهذا الفساد وتلك الأرقام الوبائية؟ وهل للإنجيل علاقة بهذه الأرقام ؟
الإجابة تتلخص في قصور التشريعات الإنجيلية عن معالجة الأوضاع الفاسدة في المجتمعات النصرانية، بل ليس من التجني في شيء إذا قلنا بأن الكتاب المقدس هو أحد أسباب الفساد في تلك المجتمعات، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وقد تجلت مسئولية الكتاب عن هذا الفساد بأمور تتفاوت في أثرها، لكنها مجتمعة حوت أسباب البلاء وجذوره.
-
أولاً : العهد الجديد ومنافاته للفطرة الإنسانية
وقف المحققون على نصوص كثيرة تجلى فيها مصادمة الإنجيل الموجود بين أيدينا للفطرة الإنسانية التي خلق الله عليها عباده مما يترك أثراً سلبياً أخلاقياً أو اجتماعياً على قارئيها، ومثلوا بأمثلة كثيرة، منها:
-أنه ثمة نصوص تصطدم مع طبيعة الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها، ومنه ما جاء في العهد الجديد من حث على التبتل وترك الزواج يقول بولس: " أقول لغير المتزوجين وللأرامل: إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا "
( كورنثوس (1) 7/8 ).
وفي نص آخر يقول: " لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله " ( رومية 8/7 )، وعليه فالأكل والشرب والنوم والزواج... وغيرها من حاجات الإنسان الفطرية إنما يمارسها الإنسان وهو يعادي ربه، وهذه حرب على الفطرة الإنسانية.
-وفي مرة أخرى ينسب متى للمسيح أنه قال: " يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات، من استطاع أن يقبل فليقبل " ( متى 19/12 ).
-ويذكر متى دعوة المسيح إلى التخلي عن الدنيا بما فيها الحاجات الأساسية والضرورية للحياة الإنسانية السوية، فقد جاءه رجل فقال للمسيح بأنه حفظ الوصايا كلها " فماذا يعوزني بعد؟ قال له يسوع : إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال واتبعني، (لكن الشاب الصالح) مضى حزيناً، لأنه كان ذا أموال كثيرةً.
فقال يسوع لتلاميذه: الحق أقول لكم : إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من دخول غني إلى ملكوت الله، فلما سمع تلاميذه بهتوا جداً قائلين : إذاً من يستطيع أن يخلص " ( متى 19/20 - 25 ).
فهذا النص وأمثاله محارب لدفعة الحياة التي بها يقوم العمران والحضارات.
ومثله تلك الدعوة التي نرى فيها دعوة للتكاسل والقعود، تبأس البشرية إن فعلتها، وهي ما جاء في لوقا: " لاتهتموا لحياتكم بما تأكلون، ولا للجسد بما تلبسون، الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس، تأملوا الغربان إنها لا تزرع ولا تحصد، وليس لها مخدع ولا مخزن، والله يقوتها... تأملوا الزنابق كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل... فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون، ولا تقلقوا... بل اطلبوا ملكوت الله، وهذه كلها تزاد لكم " ( لوقا 12/22 - 31 ).
-ومثله يذكر متى أن المسيح أمر تلاميذه: " لاتقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصاً " ( متى 10/9 - 10 )، فكيف تعمر الأرض لو امتثل الناس جميعاً بهذا الأمر المحال.
ثانياً : العجز التشريعي للعهد الجديد
ورأى المحققون أيضاً أن تشريعات الأناجيل عاجزة عن إقامة الحياة المستقيمة المتكاملة بما تحمل هذه الأناجيل من مثالية يستحيل أن تصلح الحياة معها، ومن ذلك قول المسيح كما ذكر متى: " من لطمك على خدك، فحول له الآخر أيضاً " ( متى 5/39 )، وقد ورد النص في مقابل القصاص، ولذلك فهو إلغاء لشريعة القصاص، أو إضافة أخلاقية تفتقر إلى المعقولية، وكأني به يحث على الرضا بالضيم والظلم، وهو ولا ريب سبب عظيم في ظهور الفساد والبغي.
ومثله قول لوقا: " من ضربك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك.... ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه به " ( لوقا 6/28 - 29 ).
وهنا نتساءل : لو كان هذا النص من كلام المسيح، فلم خالفه عندما ضربه خدم رؤساء الكهنة فلم يعرض له الخد الآخر، بل قال له: " إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردي، وإن حسناً فلماذا تضربني " (يوحنا 18/23 ).
وهنا تساؤل يبحث عن إجابة: هل طبقت الكنيسة هذا الخلق في جولة من جولاتها أم أن واقع الحال يؤذن بأن هذا المقال من المحال، وإذا عجزت الكنيسة والمسيح عن ذلك، فغيرهما أعجز.
ويحرم العهد الجديد الطلاق إلا بعلة الزنا، فيقول: " فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان.. أقول لكم: إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلقة يزني " ( متى 19/6 - 9 ).
وهذا التشريع سبب من أسباب انتشار البغاء، إذ هو المخرج والسبيل الذي يلجأ إليه أولئك الذين حالت مشاكل الحياة واختلافات البشر دون إكمال مسيرتهم الزوجية، وحرم عليهم العهد الجديد أن يبنوا حياتهم على الطُهر من جديد.
وهذا التشريع لا يمكن أن تستقيم معه الحياة، إذ ثمة أمور كثيرة تجعل الحياة بين الزوجين ضرباً من المحال، ولا مخرج إلا بالطلاق الذي بمنعه تترتب الكثير من المضار، وهو ما دفع الكنيسة البروتستانتية لإباحة الطلاق، وهو ما تحاول الكنائس الأخرى إقراره بغية الخروج من هذا التشريع الغريب.
وأما ما ذكره متى من علة تحريم الطلاق وهو قوله: " فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان " ( متى 19/6 ) فليس بصحيح، لأن الزواج ليس جمعاً إلهياً بين اثنين، بل هو اتفاق بين اثنين على الزواج وفق شريعة الله وسّنته، فمثله في ذلك مثل سائر الشعائر التي أمر بها الله.
-وثمة عجز تشريعي آخر تواجهه أسفار العهد الجديد في مواجهة متطلبات الحياة الإنسانية، وهو منع الزواج بأكثر من واحدة كما يفهم من (كورنثوس (1) 7/1 - 5 )، وهو ما تجمع عليه الكنائس النصرانية المختلفة، بينما تشير الإحصائيات إلى زيادة مطردة في أعداد النساء، ففي انجلترا تزيد النساء على الرجال أربعة ملايين امرأة، وفي ألمانيا خمسة ملايين، وفي أمريكا ثمانية ملايين، فكيف يحل العهد الجديد هذه المشكلة التي ستتفاقم آثارها إذا تابع النصارى قول بولس في الحث على التبتل وترك الزواج " أقول لغير المتزوجين وللأرامل : إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا، ولكن إذا لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا " ( كورنثوس (1) 7/8 - 9 )، إن نتيجة هذا التعليم هي الفضائح التي تهز جنبات الكنيسة وتقرعها كل يوم، لتثبت أن الفطرة لا تُغلب، وأن هذا التوجيه ليس من كلمة الله.
ثالثاً : دور نسخ الشريعة في انتشار التحلل والفساد
ولكن كل ما ذكرناه ليس إلا أسباباً جانبية للبلاء، وأما أسّ البلاء الذي تعاني منه المجتمعات النصرانية فيكمن في عقيدة الخلاص والفداء، والتي تجعل الإيمان بصلب المسيح كافياً للخلاص ومحرراً من لعنة الناموس والشريعة التي نسخها بولس بأقواله ، نسخ منها كل ما حرمته من زنا وشرب للخمور بل وقتل وفساد، إذ الإيمان بالمسيح المصلوب نيابة عنا يكفر خطايانا مهما عظمت، وهكذا يمضي المؤمن بهذه النصوص إلى ضروب الرذيلة وفنونها غير خائف من عقاب الله ودينونته.
لقد سمى بولس شريعة الله التي تهذب السلوك البشري لعنة، فقال: " المسيح افتدانا من لعنة الناموس" (غلاطية 3/13).
وأعلن عن عدم الحاجة إليها بعد صلب المسيح فقال: " قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان، ولكن بعد ما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب " ( غلاطية 3/24 - 25 ).
وأكد إبطال الناموس بقوله: "سلامنا الذي جعل الاثنين واحد... مبطلاً بجسده ناموس الوصايا " ( أفسس 2/14-5 )، ويقول أيضاً: " الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع، لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما "
( غلاطية 2/16 )
وهؤلاء الذين يصرون على العمل بالناموس يرى بولس أنهم يسيئون للمسيح: " قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس " ( غلاطية 5/4 ).
ويمضي مؤكداً عدم الحاجة إلى الأعمال الصالحة، فيقول: " إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذاً مات بلا سبب "
( غلاطية 2/21 ).
ويقول: " أبناموس الأعمال؟ كلا بل بناموس الإيمان، إذا نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس "
( رومية 3/27-28 ).
وجعل بولس الإيمان بالمسيح سبيلاً للبر والنجاة من غير الحاجة للناموس والأعمال :" الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع الذي أبطل الموت، وأنار الحياة والخلود " ( تيموثاوس (2) 1/9 - 10 ).
ويؤكد هذا المعنى الغريب عن أقوال المسيح في نص آخر، فيقول: " ظهر لطف فخلصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس " ( تيطس 3/4 - 5 ).
ولذلك فإن بولس يعلن إباحته لكل المحرمات من الأطعمة مخالفاً التوراة وأحكامها (انظر التثنية 14/1-24)، ويقول: "أنا عالم ومتيقن في الرب يسوع أن لاشيء نجس في حد ذاته، ولكنه يكون نجساً لمن يعتبره نجساً" ( رومية14/14 ).
ويقول - وهو يعرض نموذجاً من إباحة المحرمات يقاس عليه كل محرم -: "كل شيء طاهر للأطهار، وما من شيء طاهر للأنجاس" ( تيطس 1/ 15 )، "لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يرفض شيء إذا أخذ مع الشكر" ( تيموثاوس (1) 4/4 ).
ويقول بولس معرفاً البار حسب دينه الجديد: " المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله، لإظهار بره في الزمن الحاضر، ليكون باراً، ويبرر من هو من الإيمان بيسوع "
( رومية 3/24-25).
ويقول معدداً الشروط الجديدة للخلاص: " إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت" ( رومية 10/9 ). ومثله ما جاء في مرقس: " من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يُدَن " (مرقس16/16 ).
وفي موضع آخر تتسع دائرة الخلاص لتشمل كل البشرية وتغريها بالمسيحية التي لا تحرم حراماً، فيقول بولس عن المسيح: " بذله لأجلنا أجمعين " ( رومية 8/32 ) ويوضحه قول يوحنا: "يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً " ( يوحنا (1) 2/2 )، ويؤكده قوله: " نشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم " ( يوحنا 4/14 ) فجعل الخلاص عاماً لكل الخطايا وشاملاً لكل البشر.
وقد كان لهذه النصوص صدى كبير في النصرانية ونظرتها للشريعة، فقد فهم رواد النصرانية قبل غيرهم من هذه النصوص أن كل الموبقات قد أضحت حلالاً، فيقول لوثر أحد مؤسسي المذهب البروتستانتي: " إن الإنجيل لا يطلب منا الأعمال لأجل تبريرنا، بل بعكس ذلك، إنه يرفض أعمالنا.... إنه لكي تظهر فينا قوة التبرير يلزم أن تعظم آثامنا جداً، وأن تكثر عددها".
ويقول ميلا نكتون في كتابه الأماكن اللاهوتية : " إن كنت سارقاً أو زانياً أو فاسقاً لا تهتم بذلك، عليك فقط أن لا تنسى أن الله هو شيخ كثير الطيبة، وأنه قد سبق وغفر لك خطاياك قبل أن تخطئ بزمن مديد".
وهكذا تبين لنا أن البلاء والفساد الذي آلت إليه أوربا والغرب النصراني عامة، إنما كان بسبب هذا الكتاب الذي يصر النصارى على أنه يمثل - رغم سلبياته الهائلة - كلمة الله الهادية إلى البر والجنة والملكوت.
-
هل هذا هو المسيح؟
وآخر ما نختم به جولتنا لإثبات براءة الوحي من أسفار العهد الجديد، أن نستعرض بعض ما ينسبه كتاب العهد الجديد إلى المسيح من أخلاق أو صفات لا يليق أن تصدر من كرام البشر وعقلائهم، فضلاً عن أن يقع فيها نبي كريم جعله الله قدوة صالحة للعالمين.
وثمة صور كثيرة تسيء للمسيح، لن يغفرها مدح الأسفار للمسيح في مواطن أخرى، ومن أهم تلك الصور المزرية التي نسبها الإنجيليون للمسيح زوراً وبهتاناً:
-أن متى يتهم المسيح بعدم الحرص على وصول ضعاف الإيمان إلى المغفرة والهداية، بل قام بحجب أسبابها عنهم " ولما كان وحده سأله الذين حوله مع الاثني عشر عن المثل، قال لهم: قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله، وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء. لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا، لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم.
ثم قال لهم: أما تعلمون هذا المثل.فكيف تعرفون جميع الأمثال... وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا.... وبدون مثل لم يكن يكلمهم. وأما على انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء" (مرقس 4/10-33)، فقد كان يخص التلاميذ بالبيان، ويحرمه آخرين " لئلا يرجعوا، فتغفر لهم خطاياهم ".
أن الأناجيل ذكرت وصية المسيح بالأم والأب، ثم لما كان المسيح في عرس بقانا تذكُر أنه أساء لوالدته، ففي يوحنا أنها طلبت منه تحويل الماء الذي في الجرار إلى خمر يشربه أهل العرس فقال لها : " مالي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد " ( يوحنا 12/4 )، وهي ذات الكلمة التي قالها للزانية التي أتي بها لترجم " قال لها: يا امرأة" (يوحنا 8/10).
ثم في موطن آخر تتهمه الأناجيل بشرب الخمر، فتقول بأن المسيح قال لليهود: "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب. فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (متى 11/9).
هذا ما تذكره الأناجيل، تسيء به للمسيح وأمه، فيما نرى القرآن يقول عنها، عن المرأة التي ينسب لها يوحنا أمر صنع الخمر، فيصفها ويقول : يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (آل عمران: 33).
والابن الذي يذكر الإنجيليون إساءاته لوالدته يكذبهم القرآن في خبره، إذ يقول على لسانه : وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً (سورة مريم: 32).
وأكمل بولس المأساة حين دعا لشرب الخمر فقال: " لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (ثيموثاوس (1) 23/5)، وكان سفر الأمثال قد اعتبر شرب الخمر وسيلة لعلاج مشكلات الفقراء، إذ ينسيهم أتعابهم وآلامهم، إذ يقول: " أعطوا مسكراً لهالك، وخمراً لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد " (الأمثال 31/6-7).
لكن المجتمعات النصرانية لم تلتزم بالقليل الذي أحله ودعا لشربه بولس، فتحولت إلى مجتمعات مدمنة بها عشرات الملايين من المدمنين، إنه أثر آخر من آثار الكتاب المقدس.
-ولما جاء واحد من تلاميذه يخبره أن أمه وإخوته ينتظرونه ليكلموه، فقال: "من هي أمي ؟ ومن هم إخوتي ؟!" ( متى 12/48 )، فهل يعقل أن المسيح يتجاهل أمه بهذه الطريقة؟
-وينقل لوقا عن المسيح أمراً غريباً قاله للجموع التي تتبعه: " إن كان أحد يأتي إلي، ولا يبغض أباه وأمه وأولاده وإخوانه حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون تلميذاً " ( لوقا 14/26 - 27 )، ثم يتابع لوقا الشروط المستحيلة للتلمذة، فيقول: "فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 14/33).
فإضافة إلى كون هذه الشروط للتلمذة مستحيلة، فإنها غير ملائمة للفطرة، والأمر ببغض الأقارب غير مقبول من الناحية الأخلاقية، والمسيح لا يعقل أن يأمر ببغض الآباء والأمهات.
-ومثله لا يصح أن ينسب للمسيح ذلك القول المريع الذي ينسبونه لنبي المحبة والسلام، وهو قوله: " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته " (متى10/34 - 36)، فهل جاء المسيح لنشر الفساد والبغضاء! إنها إساءة كبرى لهذا النبي العظيم، تدل على كذب الكتبة الذين يزعم النصارى أنهم يكتبون كلمة الله.
ويشبهه قول لوقا: "جئت لألقي ناراً على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت.. أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض.كلا، أقول لكم: بل انقساماً. لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين، ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة. ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب. والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها" (لوقا 12/49- 53)، فهل صدق الإنجيليون حين زعموا أن المسيح كان نبي فساد، حاشاه، فهذا بهتان عظيم.
وتبع رجل المسيح ثم جاءه يستأذنه ليدفن أباه، فيذكر متى أن المسيح نهاه وقال: " اتبعني. ودع الموتى يدفنون موتاهم " ( متى 8/22 )، فهل يفعل هذا كرام الناس؟ وهل هذا من البر بالوالد؟ وما الأثر الذي يتركه هذا النص على قارئه؟ أليس سبباً في كثير مما نراه من العقوق والجفاف في المجتمعات الغربية المسيحية؟
واستأذنه تلميذ آخر في وداع أهله، فلم يأذن له، بل أنَّبه "وقال آخر أيضاً: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع الذين في بيتي، فقال له يسوع: ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لوقا 69/61-62)، لا يصلح لملكوت الله لأنه أراد وداع أهله! أي دين هذا، وأي تعاليم هذه؟ هل هذا ما تحث عليه كلمة الله؟
ولا ريب أن هذه النصوص وأمثالها سبب لكثير مما تعانيه أوربا والغرب من تفكك أسري وتقاطع بين الأرحام بل وفي الأنساب.
-ومن الجفاء الذي يتنره عنه المسيح، بل وكرام البشر، ما جاء في متى: " تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً: يا سيد ارحم ابني، فإنه يصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار، وكثيراً في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك، فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع، وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي. إلى متى أكون معكم. إلى متى احتملكم. قدموه إليّ ههنا. فانتهره يسوع، فخرج منه الشيطان، فشفي الغلام" (متى 17/14-16)، إذ ليس من مبرر لهذا التبرم من قضاء حوائج الناس.
-ومرة أخرى تبالغ الأناجيل في الإساءة للمسيح في قصة المرأة الكنعانية أو الفينيقية التي جاءت إلى المسيح تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة، وهي تبكي، وتقول : " ارحمني يا سيد، يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه، وطلبوا إليه قائلين : اصرفها، لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال : لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة : يا سيد أعني. فأجاب وقال : ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فقالت : نعم يا سيد، والكلاب تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها : يا امرأة عظيم إيمانك، ليكن لك كما تريدين " ( متى 15 /22 - 28 ).
فمثل هذه الغلظة وهذا الجفاء مع قدرته على شفاء ابنتها لا مبرر له، كيف لا يشفق ولا يرحم تلك المسكينة، وكيف يشبهها، بل وجميع الأمميين من غير اليهود بالكلاب؟! وفي مرة أخرى شبههم بالخنازير، حين أوصى فقال: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا دُرركم قدام الخنازير" (متى 7/6).
ولا يقبل أن يوصم المسيح - الذي يزعمون أنه نزل لخلاص العالم - بمثل هذه التفرقة العنصرية البغيضة.
وإذا قيل ذلك بحق المسيح وهو الرسول القدوة، فلا عجب بعد ذلك في انتشار التفرقة العنصرية التي يؤكدها العهد الجديد بقول بولس: " لكن ماذا يقول الكتاب ؟ اطرد الجارية وابنها، لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة، إذاً أيها الإخوة لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة " ( غلاطية 4/31 ).
كم هو الفرق بين هذه النظرة العنصرية وما جاء في القرآن الكريم } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (سورة الحجرات : 13).
ثم هذه الأخلاق العنصرية والقاسية تتعارض مع أخلاق أخرى لا تقل غرابة عنها ذكرها متى حين قال بأن المسيح يقول: " أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم "
( متى 5/44 ).
يقول ولديورانت: " إن الإنسان ليجد في الأناجيل فقرات قاسية مريرة لا توائم قط ما يقال لنا عن المسيح في مواضع أخرى... إن بعضها يبدو لأول وهلة مجانباً العدالة، وإن منها ما يشتمل على السخرية اللاذعة والحقد المرير ".
-وينسب يوحنا للمسيح عليه السلام الكذب - وحاشاه - فيذكر يوحنا أن التلاميذ طلبوا من المسيح أن يذهب لليهودية ( أورشليم ) ويظهر معجزاته في عيد المظال، فقال لهم: "اصعدوا أنتم إلى هذا العيد، أنا لست أصعد بعد إلى هذا العيد، لأن وقتي لم يكمل بعد، قال لهم هذا، ومكث في الجليل.
ولما كان إخوته قد صعدوا، صعد هو أيضاً إلى العيد، لا ظاهراً، بل كأنه في الخفاء... " (يوحنا 7/8 - 10 )، وإذا كانت الأسفار قد نسبت الكذب للرب المتجسد، فماذا عساه يصنع البشر!.
فهذا كذب صريح لا يليق بأن ينسب للمسيح، فإن قرأه النصارى في كتابهم عن المسيح - وحاشاه - فلا عجب بعد ذلك أن يصابوا جميعاً بداء الكذب.
ويعجب المرء لكثرة التعري في الغرب النصراني، ولكن لا عجب عند من تأمل سوءة أخرى تنسبها الأسفار للمسيح عليه السلام، ألا وهي التعري أمام التلاميذ، فقد جاء ذلك في قصة غسل المسيح أرجل التلاميذ، يقول يوحنا: "قام عن العشاء وخلع ثيابه، وأخذ منشفة واتّزر بها، ثم صبّ ماء في مغسل، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها... فلما كان قد غسل أرجلهم وأخذ ثيابه واتكأ أيضاً، قال لهم: أتفهمون ما قد صنعت بكم" (يوحنا 13/4-12).
ومن نسب العري للمسيح لن يخجل من نسبة العري لرسله وتلاميذه، فقد ذهبوا للسباحة في بحيرة طبرية، وقد وقف سمعان إلى جانب البحر عارياً حتى من الإزار الذي يغطي عورته، ولما جاء المسيح لم يعرفه "فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس: هو الرب. فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب، اتزر بثوبه، لأنه كان عرياناً، وألقى نفسه في البحر" (يوحنا 21/7).
-وتذكر الأناجيل على لسان المسيح الكثير من السباب والشتائم لليهود، وهم مستحقون لذلك، غير أن مثل هذا لا يصدر من نبي أرسله ربه ليعلم قومه حميد الأخلاق، كما لا يصدر ممن يقول: " باركوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم "
( متى 5/44 ).
فكيف يقول بعد ذلك لقومه: قال المسيح وهو يخاطب جموعهم : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون …. ويل لكم أيها القادة العميان … أيها الجهال والعميان … أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟ "
( متى 23/13 - 37 ).
وهل يعقل أن يقول ذاك الذي أمر بمباركة أعدائه ومحبتهم والإحسان إليهم، هل يمكن أن يقول لهم: " يا أغبياء " (لوقا 11/37)، أو أن يصفهم بأنهم كلاب وخنازير: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها، وتلتفت فتمزقكم" (متى 7/6).
وقد طال السباب المنسوب للمسيح حتى تلاميذه وخاصته، فقد قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه: " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/25)، وقال لبطرس: "اذهب عني يا شيطان " ( متى 16/23 ).
وقال مخاطبا إياه في موطن آخر: "يا قليل الإيمان لماذا شككت " ( متى 14/31 ).
لكن الداهية الدهياء حين ينسب كُتاب العهد الجديد إلى المسيح سباب إخوانه من الأنبياء وتشبيههم باللصوص والسراق، واتهامهم بعدم الحرص على هداية أقوامهم، فيقول يوحنا: " قال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف، جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم. أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك.
وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل. أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها" (يوحنا 10/7-12).
ثم وفي موطن آخر يتوعد بجهنم من قال لأخيه أقل من ذلك، فيقول: " ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى 5/23).
وقريباً من هذا السباب ما يقوله بولس في مواطن كثيرة من رسائله، منها: "انظروا الكلاب، انظروا فعلة الشر" (فيلبي 3/2)، ومثله كثير...
ثم يذكر بولس أن من بين الذين يحرمون من الملكوت أولئك الذين يشتمون، فيقول: "ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله" (كورنثوس (1) 6/10)، فهل تراه يقصد نفسه والمسيح أم أن لهما امتيازاً على سائر الشاتمين، أم هو ضلال البشر حين ينسبون القبائح لأحد أكرم المرسلين، ثم يزعمون أنه كلمة الله؟
ولا عجب بعد ذلك ما فعل البشر من السباب والقبح والرذيلة.
ويستمر الإنجيليون في الإساءة المتعمدة للمسيح عليه السلام، ويرميانه بالمزيد من القبائح وهم يتحدثون عن نسب للمسيح الذي ليس له نسب بشري، والعجيب أنهم جعلوا نسب يوسف النجار نسباً للمسيح الذي لا أب له، وليس ثمة علاقة بينه وبين يوسف النجار، ولو كان المذكور نسب مريم لكان له وجه، أما يوسف النجار فلا وألف لا.
ونسبة المسيح ليوسف النجار علاوة على أنها غير حقيقية، فإنها تؤكد ماكان اليهود يشيعه عن مريم وابنها، وما هو موجود في تلمودهم من قولهم على مريم البتول الطاهرة بهتاناً عظيماً.
وعند التأمل في نسب متى ، فإنا نلحظ أنه ذكر في نسب المسيح أربع جدات للمسيح هن ثامار، وزوجة داود التي كانت لأوريا الحثي، وراحاب، وراعوث. فما السر في ذكر هؤلاء الجدات دون سائرهن ؟ هل كن نساء فوق العادة حتى خلدهن الإنجيل؟ هل ثمة درس يعلمنا إياه الكتاب المقدس بخصوص تعظيم المسيح عليه السلام؟
إن لكل واحدة من الأربع سوءة تذكرها التوراة، فأما ثامار فهي التي ولدت فارص زنا من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها واحداً بعد واحد. ( انظر قصتها مع يهوذا في التكوين 38/2 - 30 ).
وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة - زوراً - داود بأنه فجر بها، وهي زوجة قائده أوريا الحثي، فحملت، ثم دفع داود بزوجها إلى الموت، وتزوجها بعد وفاته، وكان من أولادها النبي سليمان أحد أجداد المسيح. ( انظر القصة في صموئيل (2) 11/1 - 4 ).
وأما راحاب زوجة سلمون، وأم بوعز، وكلاهما من أجداد المسيح - حسب متى -، فراحاب هي التي قال عنها يشوع: "امرأة زانية اسمها راحاب " ( يشوع 2/1 )، وذكر قصة زناها في سفره.
وأما راعوث فهي راعوث المؤابية زوجة بوعز وأم عوبيد، والتوراة تقول: " لا يدخل عموي ولا مؤابي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر " ( التثنية 23 / 3 ).
ولحسن الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخلاً في هذا الطرد من جماعة الرب، إذ هو الجيل الثاني والثلاثون لها.
وهنا يقف المرء حائراً متسائلاً عن سر الاهتمام بهؤلاء الجدات دون سائر الجدات ، ولا أجد من تفسير إلا أن هناك من يرغب في تلطيخ سمعة الأنبياء والنيل منهم والحط من شرفهم بدء من نوح وانتهاء بالمسيح ، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.
وفي محاولة يائسة لتبرير هذه السقطة لمتّى وتلك الإساءة الكبرى منه لشخص المسيح، يقول القمّص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لإنجيل متى: "المسيح وضع على ذاته نسب هذه الطبيعة التي تنجست لكي يطهرها، أي يريد أن يقول: إن من جاء من أجل الخطاة ولد من خاطئات ليمحو خطايا الجميع ".
وأما أجداد المسيح الذكور الذين ذكر متى منهم اثنان وثلاثون أباً ( إلى دواد ) وذكر لوقا اثنان وأربعون أباً، فهؤلاء أيضاً لا يتشرف المسيح بأن يكونوا من آبائه - لو كان ما تذكره التوارة صحيحاً، وحاشا أن يكون ذلك صحيحاً - ، فإن أربعة من هؤلاء الآباء تذكر التوراة أنهم فعلوا الزنا، وبعضهم كان الزنا المنسوب إليه زنا محارم، وهؤلاء الأربعة هم يهوذا، وداود، وسليمان، ورحبعام.
وأما يهوياقيم بن يوشيا أحد الأجداد المزعومين للمسيح، فهو اسم آخر يسيء للمسيح عليه الصلاة والسلام، فيهوياقيم ملك فاسد، عاقبه الله بالحرمان ونسله من بعده، فقال عنه: " لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً، وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم " (إرميا 36/30 - 31 ).
ويهوياقيم أحد أجداد المسيح الذين أغفل متى ذكرهم ، فقد ذكر أباه يوشيا وابنه يكينيا ، فقال: " ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل " (متى 1/11).
وهو بذلك تجاهل اسم يهوياقيم، وفي سفر الأيام الأول " بنو يوشيا: البكر يوحانان، الثاني يهوياقيم، الثالث صدقيا، الرابع شلّوم. وابنا يهوياقيم: يكنيا ابنه، وصدقيا ابنه" (الأيام (1) 3/14-15)، فيهوياقيم اسم أسقطه متى من نسبه للمسيح، بين يوشيا وحفيده يكنيا.
ولا يخفى على فطنة القارئ سبب إسقاطه لاسم هذا الملك الفاسق المحروم وذريته من الجلوس على كرسي داود.
إذ أن ذلك الوعيد ليهوياقيم يتعارض مع زعم النصارى أن المسيح سيرث كرسي داود، فإن لوقا في أعمال الرسل: "من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد، ليجلس على كرسيه " ( أعمال 2/30 ) ويقول: " الرب الإله يعطيه كرسي داود أبيه " ( لوقا 1/32 )، فلم يجد متى من سبيل لإزالة التعارض إلا أن يسقط اسم يهوياقيم من سلسلة أجداد المسيح، ولعله ظن أن صنيعه سيُذهل القارئ عن هذا العيب الكبير، الذي يحرم المسيح من أحد أعظم نبوءات وبشارات الكتاب المقدس.
وكعادة المفسرين المغرمين بالبهلوانيات يقول مفسرو الإنجيل وعلماء اللاهوت لتبرير ذكر هؤلاء الأجداد وأولئك الجدات المذكورات للمسيح : " هنا تكمن الروعة برُمتها، فإن الله أحب الخطاة إلى درجة أنه لن يستنكف أن يجعل أسلاف ابنه مثل هؤلاء ".
وهكذا نرى في هذه الإساءت المتلاحقة من الإنجيليين للمسيح عليه الصلاة والسلام دليلاً آخر يشهد ببراءة وحي الله عن هذا السفه، وذلكم الإفك الذي يتنزه عنه أنبياء الله الكرام، الهداة الدعاة، ملح الأرض وزينتها، ومنهم سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام.
-
إنجيل متى
وهو أول إنجيل يطالعك وأنت تقرأ في الكتاب المقدس، ويتكون هذا الإنجيل من ثمانية وعشرين إصحاحاً تحكي عن حياة المسيح ومواعظه من الميلاد وحتى الصعود إلى السماء.
وتنسبه الكنيسة للحواري متّى أحد التلاميذ الاثني عشر الذين اصطفاهم المسيح، وتزعم أن هذا الكتاب قد ألهمه من الروح القدس. وترجح المصادر أن متى كتب إنجيله لأهل فلسطين، أي لليهود المتنصرين، وتختلف المصادر اختلافاً كبيراً في تحديد تاريخ كتابته، لكنها تكاد تجمع على أنه كتب بين 37 - 64م.
وأما لغة كتابة هذا الإنجيل فيكاد المحققون يُجمعون على أنها العبرانية، ورأى بعضهم بأنها السريانية أو اليونانية.
ولعل أهم الشهادات التاريخية لهذا الإنجيل شهادة أسقف هرابوليس الأسقف بابياس 155م حين قال: " قد كتب متى الأقوال بالعبرانية، ثم ترجمها كل واحد إلى اليونانية حسب استطاعته " كما يقول ايريناوس أسقف ليون 200م بأن متى وضع إنجيلاً للعبرانيين كتب بلغتهم.
ولما كانت جميع مخطوطات الإنجيل الموجودة يونانية فقد تساءل المحققون عن مترجم الأصل العبراني إلى اليونانية، وفي ذلك أقوال كثيرة لا دليل عليها البتة، فقيل بأن ترجمه متى نفسه، وقيل: بل يوحنا الإنجيلي، وقيل غيرهما.
والصحيح ما قاله القديس جيروم ( 420م ) " الذي ترجم متى من العبرانية إلى اليونانية غير معروف"، بل لعل مترجمه أكثر من واحد كما قال بابياس.
وقد قال نورتن الملقب " بحامي الإنجيل " عن عمل هذا المترجم المجهول : " إن مترجم متى كان حاطب ليل، ما كان يميز بين الرطب واليابس. فما في المتن من الصحيح والغلط ترجمه".
التعريف بمتى
فمن هو متى ؟ وما صلته بالإنجيل المنسوب إليه؟ وهل يحوي هذا الإنجيل كلمة الله ووحيه ؟
في الإجابة عن هذه الأسئلة تناقل المحققون ماذكره علماء النصارى في ترجمة متى، فهو أحد التلاميذ الإثني عشر، وكان يعمل عشاراً في كفر ناحوم، وقد تبع المسيح بعد ذلك.
وتذكر المصادر التاريخية أنه رحل إلى الحبشة، وقتل فيها عام 70 م، ولم يرد له ذكر في العهد الجديد سوى مرتين، أما المرة الأولى فعندما نادى عليه المسيح، وهو في مكان عمله في الجباية ( انظر متى 10/3). والثانية في سياق تعداد أسماء التلاميذ الاثني عشر. (انظر متى 10/3، ولوقا 6/15).
ويجدر أن نذكر أن مرقس ولوقا يذكران أن العشار الذي لقيه المسيح في محل الجباية هو لاوي بن حلفي
( انظر مرقس 2/15، ولوقا 5/27 ) ولم يذكرا اسم متى. وتزعم الكنيسة – بلا دليل- أن لاوي بن حلفي هو اسم آخر لمتى العشار.
يقول جون فنتون مفسر إنجيل متى وعميد كلية اللاهوت بلينشفيلد بأنه لا يوجد دليل على أن متى هو اسم التنصير للاوي، ويرى أنه من المحتمل " أنه كانت هناك بعض الصلات بين متى التلميذ والكنيسة التي كتب من أجلها هذا الإنجيل، ولهذا فإن مؤلف هذا الإنجيل نسب عمله إلى مؤسس تلك الكنيسة أو معلمها الذي كان اسمه متى، ويحتمل أن المبشر كاتب الإنجيل قد اغتنم الفرصة التي أعطاه إياها مرقس عند الكلام على دعوة أحد التلاميذ، فربطها بذلك التلميذ الخاص أحد الإثني عشر ( متى ) الذي وقره باعتباره رسول الكنيسة التي يتبعها ".
أدلة الكنيسة على صحة نسبة الإنجيل إلى متى
وتؤكد الكنيسة بأن متى هو كاتب الإنجيل، وتستند لأمور ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس، أهمها :
" الشواهد والبينات الواضحة من نهج الكتابة بأن المؤلف يهودي متنصر ".
وأيضاً " لا يعقل أن إنجيلاً خطيراً كهذا - هو في مقدمة الأناجيل - ينسب إلى شخص مجهول، وبالأحرى أن ينسب إلى أحد تلاميذ المسيح ".
وأيضاً " يذكر بابياس " في القرن الثاني الميلادي أن متى قد جمع أقوال المسيح ".
وأخيراً " من المسلم به أن الجابي عادة يحتفظ بالسجلات، لأن هذا من أهم واجباته لتقديم الحسابات، وكذلك فإن هذا الإنجيلي قد احتفظ بأقوال المسيح بكل دقة ".
ملاحظات على إنجيل متى
ومن خلال تأمل ما سبق رأى المحققون أنه ليس ثمة دليل حقيقي عند النصارى على صحة نسبة الإنجيل لمتى، إذ ليس بالضرورة أن يكتب الجابي معلوماته الدينية كما يكتب متعلقات عمله، كما أن كتابة متى لأقوال المسيح لا تفيد صحة نسبة الإنجيل المنسوب إليه اليوم.
بل إن الأدلة قامت على أن الكاتب لهذا الإنجيل ليس من تلاميذ المسيح. إذ في الإنجيل أموراً كثيرة تدل على أن كاتبه ليس متى الحواري، ومن هذه الأدلة :
- أن متى اعتمد في إنجيله على إنجيل مرقس، فقد نقل من مرقس 600 فقرة من فقرات مرقس الستمائة والاثني عشر، كما اعتمد على وثيقة أخرى يسميها المحققون M .
يقول ج ب فيلبس في مقدمته لإنجيل متى : " إن القديس متى كان يقتبس من إنجيل القديس مرقس، وكان ينقحه محاولاً الوصول إلى تصور أحسن وأفضل لله ".
ويضيف القس فهيم عزيز أن اعتماد متى على مرقس حقيقة معروفة لدى جميع الدارسين. فإذا كان متى التلميذ هو كاتب الإنجيل فكيف ينقل عن مرقس الذي كان عمره عشر سنوات أيام دعوة المسيح ؟ كيف لأحد التلاميذ الاثني عشر أن ينقل عنه؟ هل ينقل الشاهد المعاين للأحداث عن الغائب الذي لم يشهدها!؟
- ثم إن إنجيل متى يذكر متى العشار مرتين، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى أنه الكاتب، فقد ذكر اسمه وسط قائمة التلاميذ الاثني عشر، ولم يجعله أولاً ولا آخراً، ثم لما تحدث عن اتباعه للمسيح استخدم صيغة الغائب، فقال: "وفيما يسوع مجتاز هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية اسمه متى فقال له : اتبعني فقام وتبعه" ( متى 9/9 ).
ولو كان متى هو الكاتب لقال : " قال لي "، " تبعته " " رآني "، فدل ذلك على أن متى ليس هو كاتب الإنجيل.
- ثم إن التمعن في الإنجيل يبين مدى الثقافة التوراتية الواسعة التي جعلت منه أكثر الإنجيليين اهتماماً بالنبوءات التوراتية عن المسيح، وهذا لا يتصور أن يصدر من عامل ضرائب، فهذا الكاتب لن يكون متى العشار. يقول أ. تريكو في شرحه للعهد الجديد (1960م ): إن الاعتقاد بأن متى هو عشار في كفر ناحوم ناداه عيسى ليتعلم منه، لم يعد مقبولاً، خلافاً لما يزعمه آباء الكنيسة.
منكرو نسبة الإنجيل إلى التلميذ متى
وقد أنكر كثير من علماء المسيحية في القديم والحديث صحة نسبة الإنجيل لمتى، يقول فاستس في القرن الرابع : " إن الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه "، وكذا يرى القديس وليمس. والأب ديدون في كتابه " حياة المسيح".
ويقول ج ب فيلبس في مقدمته لإنجيل متى: " نسب التراث القديم هذه البشارة إلى الحواري متى، ولكن معظم علماء اليوم يرفضون هذا الرأي ".
ويقول البرفسور هارنج : إن إنجيل متى ليس من تأليف متى الحواري، بل هو لمؤلف مجهول أخفى شخصيته لغرض ما.
وجاء في مقدمة إنجيل متى للكاثوليك : " أما المؤلف، فالإنجيل لا يذكر عنه شيئاً وتقاليد الكنيسة تنسبه إلى الرسول متى، ولكن البحث في الإنجيل لا يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم ".
ويقول القس فهيم عزيز عن كاتب متى المجهول: " لا نستطيع أن نعطيه اسماً، وقد يكون متى الرسول، وقد يكون غيره ".
ويقول المفسر جون فنتون في تفسيره لإنجيل متى عن كاتب متى : " إن ربط شخصيته كمؤلف بهذا التلميذ إنما هي بالتأكيد محض خيال ".
وقد طعنت في صحة نسبة الإنجيل أو بعضه لمتّى فرق مسيحية قديمة، فقد كانت الفرقة الأبيونية ترى البابين الأولين لإنجيل متى إلحاقيين، ومثلها فرقة يوني تيرين، ويرون أن البداية الحقيقية لهذا الإنجيل قوله: " في تلك الأيام جاء يوحنا المعمداني.. " ( متى 3/1 ) فتكون بداية الإنجيل قصة يوحنا المعمداني كما هو الحال في مرقس ويوحنا، ويدل لذلك أيضاً أن قوله " في تلك الأيام " لا يمكن عوده على ما في الإصحاحين السابقين، إذ كان الحديث في آخر الإصحاح الثاني عن قتل هيرودس للأطفال بعد ولادة المسيح، وهو زمن طفولة المسيح والمعمدان الذي يكبره بستة أشهر، بينما الإصحاح الثالث يتحدث عن دعوة المعمدان - أي وهو شاب -، وهذا يعني وجود سقط أو حذف قبل الإصحاح الثالث، أو أنه البداية الحقيقية للإنجيل.
من الكاتب الحقيقي لإنجيل متى؟
وإذا لم يكن متى هو كاتب الإنجيل المنسوب إليه، فمن هو كاتب هذا الإنجيل ؟
في الإجابة عن السؤال نقول: نتائج الدراسات الغربية التي أكدت أن هذا الإنجيل قد كتبه غير متى التلميذ، ونسبه إليه منذ القرن الثاني، ولربما يكون هذا الكاتب تلميذاً في مدرسة متى.
ويحاول كولمان وشراح الترجمة المسكونية تحديد بعض الملامح لهذا الكاتب، فالكاتب - كما يظهر في إنجيله - مسيحي يهودي يربط بين التوراة وحياة المسيح، وهو كما يصفه كولمان : يقطع الحبال التي تربطه باليهودية مع حرصه على الاستمرار في خط العهد القديم، فهو كاتب يهودي يحترم الناموس، ويعتبر بذلك من البعيدين عن مدرسة بولس الذي لا يحترم الناموس، بينما يقول هذا الكاتب " فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس، هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات " ( متى 5/19 ).
ويرجح كولمان أيضاً أنه عاش في فلسطين، ويرجح فنتون أنه " كتب في حوالي الفترة من 85 - 105م " (متّى مات سنة70م)، وهو يقارب ما ذهب إليه البرفسور هارنج حين قال: " إن إنجيل متى ألف بين 80 - 100م ".
ولو تساءلنا أين الإنجيل الذي كتبه متى كما جاء في شهادة بابياس في القرن الثاني الميلادي؟
وفي الإجابة عن السؤال نقول: ذكر بابياس أن متى كتب وجمع أقوال المسيح، وما نراه في الإنجيل اليوم هو قصة كاملة عن المسيح، وليس جمعاً لأقواله، كما أن عدم صحة نسبة هذا الإنجيل له لا تمنع من وجود إنجيل آخر قد كتبه، ولعل من المهم أن نذكر بأن في الأناجيل التي رفضتها الكنيسة إنجيلاً يسمى إنجيل متى، فلعل بابياس عناه بقوله.
وهكذا رأى المحققون أن ثمة أموراً تمنع القول بأن هذا الإنجيل هو كلمة الله ووحيه وهديه، فهو - وكما يقول الشيخ أبو زهرة - إنجيل " مجهول الكاتب، ومختلف في تاريخ كتابته، ولغة الكتابة، ومكانها، وتحديد من كتب له هذا الإنجيل، ثم شخصية المترجم وحاله من صلاح أو غيره وعلم بالدين، واللغتين التي ترجم عنها، والتي ترجم إليها، كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي".
-
إنجيل مرقس
ثاني الأناجيل التي تطالعنا في العهد الجديد، وينسب لمرقس. فمن هو مرقس؟ وماذا عن كاتب هذا الإنجيل؟ وهل تصح نسبته لمؤلفه ؟ يتكون إنجيل مرقس من ستة عشر إصحاحاً، تحكي قصة المسيح من لدن تعميده على يد يوحنا المعمداني إلى قيامة المسيح بعد قتله على الصليب.
وهو أقصر الأناجيل - ويعتبره النقاد - كما يقول ولس - أصح إنجيل يتحدث عن حياة المسيح، ويكاد يجمع النقاد على أنه أول الأناجيل تأليفاً، وأن إنجيل متى ولوقا قد نقلا عنه.
يقول العالم رويس الألماني : إنه كان الأصل الذي اقتبس منه إنجيلا متى ولوقا، وهذا الإنجيل هو الوحيد بين الأناجيل المسمى بإنجيل المسيح، إذ أول فقرة فيه " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله" ( مرقس 1/1 ).
وتزعم المصادر النصرانية أن مرقس كتب إنجيله في روما، ولعله في الإسكندرية، وأن كتابته تمت - على اختلاف في هذه المصادر - بين عام 39 - 75م، وإن رجح أكثرها أن كتابته بين 44 - 75م معتمدين على شهادة المؤرخ ايرينايوس الذي قال : " إن مرقس كتب إنجيل بعد موت بطرس وبولس ".
ويرى الناقد اليهودي سبينوزا أن هذا الإنجيل كتب مرتين إحداهما قبل عام 180م والثانية بعده.
وأما لغة هذا الإنجيل، فتكاد المصادر تتفق على أنها اليونانية، وذكر بعضهم أنها الرومانية أو اللاتينية.
وأقدم ذكر لهذا الإنجيل ورد على لسان المؤرخ بابياس ( 140م ) حين قال : " إن مرقس ألف إنجيله من ذكريات نقلها إليه بطرس ".
من هو مرقس؟
وتناقل المحققون ما رددته المصادر النصرانية في ترجمة مرقس، والتي يجمعها ما جاء في قاموس الكتاب المقدس عنه، فهو الملقب بمرقس، واسمه يوحنا، وقد رافق مرقس برنابا وبولس في رحلتهما، ثم فارقهما، ثم عاد لمرافقة بولس.
ويتفق المترجمون له على أنه كان مترجماً لبطرس الذي له علاقة بهذا الإنجيل.
ويذكر المؤرخ يوسيبوس أنه - أي مرقس - أول من نادى برسالة الإنجيل في الإسكندرية، وأنه قتل فيها.
قال بطرس قرماج في كتابه " مروج الأخبار في تراجم الأبرار " عن مرقس : "كان ينكر ألوهية المسيح ".
ملاحظات على إنجيل مرقس
وقد توقف المحققون ملياً مع هذا الإنجيل وكاتبه، وكانت لهم ملاحظات :
أن مرقس ليس من تلاميذ المسيح، بل هو من تلاميذ بولس وبطرس. يقول المفسر دنيس نينهام مفسر مرقس : " لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة، وعلاقة خاصة بيسوع، أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى ".
وثمة دليل قوي آخر هو شهادة المؤرخ بابياس ( 140م ) حين قال : " اعتاد الشيخ يوحنا أن يقول : إذ أصبح مرقس ترجماناً لبطرس دون بكل تدقيق كل ما تذكره، ولم يكن مع هذا بنفس الترتيب المضبوط ما رواه من أقوال وأفعال يسوع المسيح، وذلك لأنه لم يسمع من السيد المسيح فضلاً عن أنه لم يرافقه، ولكن بالتبعية كما قلت، التحق ببطرس الذي أخذ يصوغ تعاليم يسوع المسيح لتوائم حاجة المستمعين، وليس بعمل رواية وثيقة الصلة بيسوع وعن يسوع لأحاديثه ".
ويقول المفسر دنيس نينهام: " من غير المؤكد صحة القول المأثور الذي يحدد مرقس كاتب الإنجيل بأنه يوحنا مرقس المذكور في أعمال الرسل ( 12/12، 25 )... أو أنه مرقس المذكور في رسالة بطرس الأولى
( 5/13 ).. أو أنه مرقس المذكور في رسائل بولس...
لقد كان من عادة الكنيسة الأولى أن تفترض جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد، إنما ترجع جميعها إلى شخص واحد له هذا الاسم، ولكن عندما نتذكر أن اسم مرقس كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعاً في الإمبراطورية الرومانية، فعندئذ نتحقق من مقدار الشك في تحديد الشخصية في هذه الحالة
وأهم مسألة شغلت الباحثين بخصوص هذا الإنجيل خاتمته، فإن خاتمة هذا الإنجيل (16/9 - 20 ) غير موجودة في المخطوطات القديمة المهمة كمخطوطة الفاتيكان والمخطوطة السينائية.
ويقول وليم باركلي: إن النهاية المشهورة - علاوة على عدم وجودها في النسخ الأصلية القديمة - فإن أسلوبها اللغوي يختلف عن بقية الإنجيل، وقد اعتبرتها النسخة الإنجليزية القياسية المراجعة فقرات غير موثوق فيها،
ونقل رحمة الله الهندي عن القديس ( جيروم ) في القرن الخامس أنه ذكر بأن الآباء الأوائل كانوا يشكون في هذه الخاتمة.
وعن الخاتمة الموجودة يقول الأب كسينجر: " لابد أنه قد حدث حذف للآيات الأخيرة عند الاستقبال الرسمي ( النشر للعامة ) لكتاب مرقس في الجماعة التي ضمنته.
وبعد أن جرت بين الأيدي الكتابات المتشابهة لمتى ولوقا ويوحنا، تم توليف خاتمة محترمة لمرقس بالعناصر من هنا ومن هناك لدى المبشرين الآخرين.. وذلك يسمح بتكوين فكرة عن الحرية التي كانوا يعالجون بها الأناجيل ".
ويعلق موريس بوكاي قائلاً: " ياله من اعتراف صريح بوجود التغييرات التي قام بها البشر على النصوص المقدسة".
-
إنجيل لوقا
هو ثالث الأناجيل وأطولها، ويتكون من أربعة وعشرين إصحاحاً يتحدث الإصحاحان الأولان عن النبي يحيى وولادة المسيح، ثم تكمل بقية الإصحاحات سيرة المسيح إلى القيامة بعد الصلب.
وأما كتابة هذا الإنجيل فتختلف المصادر في تحديد زمنها بين 53 - 80 م، وقد اعتمد الكاتب في مصادره على مرقس، فنقل عنه ثلاثمائة وخمسين من فقراته التي بلغت ستمائة وإحدى وستين فقرة، كما نقل عن متى أو عن مصدر آخر مشترك بينه وبين متى.
من هو لوقا ؟
وتنسب الكنيسة هذا الإنجيل إلى القديس لوقا، ولا تذكر المصادر النصرانية الكثير عن ترجمته، لكنها تتفق على أنه لم يكن من تلاميذ المسيح كما يتضح من مقدمته إذ يقول : " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة " ( لوقا 1/1-2).
وتتفق المصادر أيضاً في أنه لم يكن يهودياً، وأنه رفيق بولس المذكور في كولوسي 4/14 وغيرها، وأنه كتب إنجيله من أجل صديقه ثاوفيلس " أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمت به " ( لوقا 1/3 - 4 ).
وتختلف المصادر في تحديد شخصية ثاوفيلس، فقال بعضهم: كان من كبار الموظفين الرومان. وقال آخرون: من اليونان. وقال آخرون: بل كان مصرياً من أهل الإسكندرية، وتكاد المصادر تتفق على أنه كتب له باليونانية.
وأما لوقا، فقيل بأنه كان رومانياً. وقيل إنطاكياً، وقيل غير ذلك.
وعن مهنته، قيل بأنه كان طبيباً، وقيل: كان مصوراً، لكنه على أي حال مثقف وهو كاتب قصص ماهر.
ملاحظات على إنجيل لوقا
ويلحظ المحققون على إنجيل لوقا ملاحظات، أهمها :
-1أن مقدمته تتحدث عن رسالة طابعها شخصي، وأنها تعتمد على اجتهاده لا على إلهام وحي، وكان قد لاحظ ذلك أيضاً عدد من محققي النصرانية، فأنكروا إلهامية هذا الإنجيل، منهم مستر كدل في كتابه " رسالة الإلهام " ومثله واتسن، ونسب هذا القول للقدماء من العلماء، وقال القديس أغسطينوس : " إني لم أكن أؤمن بالإنجيل لو لم تسلمني إياه الكنيسة المقدسة".
-2شك كثير من الباحثين في الإصحاحين الأولين من هذا الإنجيل، بل إن هذا الشك كما ذكر جيروم يمتد إلى الآباء الأوائل للكنيسة، وكذلك فرقة مارسيوني فليس في نسختها هذان الإصحاحان.
ويؤكد المحققون بأن لوقا لم يكتب هذين الإصحاحين، لأنه يقول في أعمال الرسل " الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع " ( أعمال 1/1) أي معجزاته، بدليل تكملة النص " ما ابتدأ يسوع يعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه " ( أعمال 1/2)، والإصحاحان الأولان إنما يتكلمان عن ولادة المسيح، لا عن أعماله. ونقل وارد كاثلك عن جيروم قوله : بأن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون أيضاً في الباب الثاني والعشرين من هذا الإنجيل.
وهكذا نرى للإنجيل أربعة من الكتاب تناوبوا في كتابة فقراته وإصحاحاته.
-3إن الغموض يلف شخصيته، فهو غير معروف البلد ولا المهنة ولا الجهة التي كتب لها إنجيله تحديداً، ولا تاريخ الكتابة و.... المعروف فقط أنه من تلاميذ بولس، وأنه لم يلق المسيح، فكيف يصح الاحتجاج بمن هذا حاله وكيف يجعل كلامه مقدساً ؟
-
إنجيل يوحنا
رابع الأناجيل إنجيل يوحنا، وهو أكثر الأناجيل إثارة وأهمية، إذ أن هذا الإنجيل كتب لإثبات لاهوت المسيح.
ويتكون هذا الإنجيل من واحد وعشرين إصحاحاً تتحدث عن المسيح بنمط مختلف عن الأناجيل الثلاثة، ويرى المحققون أن كتابته جرت بين 68 - 98م، وقيل بعد ذلك، وتنسب الكنيسة هذا الإنجيل ليوحنا الصياد.
ولغة هذا الإنجيل - باتفاق - هي اليونانية، واختلف في مكان كتابته، والأغلب أنه في تركيا - وتحديداً في أفسس أو أنطاكيا -، وقيل الإسكندرية
من هو يوحنا الصياد؟
يوحنا بن زبدي الصياد، وهو صياد سمك جليلي، تبع وأخوه يعقوب المسيح، كما أن والدته سالومة كانت من القريبات إلى المسيح، ويرجح محررو القاموس بأنها أخت مريم والدة المسيح، وقد عاش حتى أواخر القرن الميلادي الأول، ويذهب المؤرخ ايرنيموس إلى أنه عاش إلى سنة 98م، وتذكر الكنيسة أنه كتب إنجيله في أفسس قبيل وفاته.
أدلة النصارى على نسبة الإنجيل إلى يوحنا
وتستدل الكنيسة لتصحيح نسبة هذا الإنجيل بأدلة ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس وهي:
" (1) كان كاتب الإنجيل يهودياً فلسطينياً، ويظهر هذا من معرفته الدقيقة التفصيلية لجغرافية فلسطين، والأماكن المتعددة في أورشليم وتاريخ وعادات اليهود …ويظهر من الأسلوب اليوناني للإنجيل بعض التأثيرات السامية.
(2) كان الكاتب واحداً من تلاميذ المسيح، ويظهر هذا من استخدامه المتكلم الجمع.. وفي ذكر كثير من التفاصيل الخاصة بعمل المسيح ومشاعر تلاميذه... ويتضح من يوحنا ( 21/24 ) أن كاتب هذا الإنجيل كان واحداً من تلاميذ المسيح.
(3) كان كاتب الإنجيل هو التلميذ الذي كان المسيح يحبه.. وكان هذا التلميذ هو يوحنا نفسه "
ويتحدث مؤلف الإنجيل عن سبب تأليفه له فيقول: " أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون - إذا آمنتم - حياة باسمه " ( يوحنا 20/31 ) ".
ويوضح محررو قاموس الكتاب المقدس فيقولون : " كان الداعي الآخر إلى كتابة الإنجيل الرابع تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح وناسوته، ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة، كبدع الدوكينيين والغنوصيين والكيرنثيين والأبيونيين...ولهذا كانت غايته إثبات لاهوت المسيح ".
وقد لقي هذا الإنجيل معارضة شديدة للإقرار بقانونيته، فاندفع د. بوست في قاموس الكتاب المقدس يدافع عنه ويقول: " وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل لكراهتهم تعليمه الروحي، ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح، غير أن الشهادة بصحته كافية.
فإن بطرس يشير إلى آية منه ( بطرس (2) 1/14، يوحنا 21/18 ) وأغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه، وكذلك الرسالة إلى ديوكينتس وباسيلوس وجوستينوس الشهيد وتايناس، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني.
وبناءً على هذه الشهادات، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً".
ويوضح محررو قاموس الكتاب المقدس فيقولون : " كان الداعي الآخر إلى كتابة الإنجيل الرابع تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح وناسوته، ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة، كبدع الدوكينيين والغنوصيين والكيرنثيين والأبيونيين...ولهذا كانت غايته إثبات لاهوت المسيح ".
وقد لقي هذا الإنجيل معارضة شديدة للإقرار بقانونيته، فاندفع د. بوست في قاموس الكتاب المقدس يدافع عنه ويقول: " وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل لكراهتهم تعليمه الروحي، ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح، غير أن الشهادة بصحته كافية.
فإن بطرس يشير إلى آية منه ( بطرس (2) 1/14، يوحنا 21/18 ) وأغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه، وكذلك الرسالة إلى ديوكينتس وباسيلوس وجوستينوس الشهيد وتايناس، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني.
وبناءً على هذه الشهادات، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً".
إنكار صحة نسبة الإنجيل إلى يوحنا
وتوجهت جهود المحققين لدراسة نسبة الإنجيل ليوحنا، ومعرفة الكاتب الحقيقي له، فقد أنكر المحققون نسبة الإنجيل ليوحنا الحواري، واستندوا في ذلك إلى أمور منها :
-1- أن ثمة إنكار قديماً لصحة نسبته ليوحنا، وقد جاء هذا الإنكار على لسان عدد من الفرق النصرانية القديمة، منها فرقة ألوجين في القرن الثاني، يقول صاحب كتاب ( رب المجد ) : " وجد منكرو لاهوت المسيح أن بشارة يوحنا هي عقبة كؤود، وحجر عثرة في سبيلهم، ففي الأجيال الأولى رفض الهراطقة
يوحنا ".
وتقول دائرة المعارف البريطانية: " هناك شهادة إيجابية في حق أولئك الذين ينتقدون إنجيل يوحنا، وهي أنه كانت هناك في آسيا الصغرى طائفة من المسيحيين ترفض الاعتراف بكونه تأليف يوحنا، وذلك في نحو 165م، وكانت تعزوه إلى سرنتهن (الملحد)، ولا شك أن عزوها هذا كان خاطئاً.
لكن السؤال عن هذه الطبقة المسيحية البالغة في كثرة عددها إلى أن رآه سانت اييفانيوس جديرة بالحديث الطويل عنها في ( 374 - 377م ) " أسماها القس " ألوغي " ( أي معارضة الإنجيل ذي الكلمة ).
لئن كانت أصلية إنجيل يوحنا فوق كل شبهة، فهل كانت مثل هذه الطبقة لتتخذ نحوه أمثال هذه النظريات في مثل هذا العصر، ومثل هذا البلد ؟ لا وكلا ".
ومما يؤكد خطأ نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا أن جاستن مارتر في منتصف القرن الثاني تحدث عن يوحنا، ولم يذكر أن له إنجيلاً، واقتبس فيلمو - 165م - من إنجيل يوحنا، ولم ينسبه إليه.
وقد أُنكر نسبة الإنجيل أمام أرينيوس تلميذ بوليكارب الذي كان تلميذاً ليوحنا، فلم ينكر أرينيوس على المنكرين، ويبعد كل البعد أن يكون قد سمع من بوليكارب بوجود إنجيل ليوحنا، ثم لا يدافع عنه.
وقد استمر إنكار المحققين نسبة هذا الإنجيل عصوراً متلاحقة، فجاءت الشهادات تلو الشهادات تنكر نسبته ليوحنا. منها ما جاء في دائرة المعارف الفرنسية : " ينسب ليوحنا هذا الإنجيل وثلاثة أسفار أخرى من العهد الجديد، ولكن البحوث الحديثة في مسائل الأديان لا تسلم بصحة هذه النسبة".
ويقول القس الهندي بركة الله : " الحق أن العلماء باتوا لا يعترفون دونما بحث وتمحيص بالنظرية القائلة بأن مؤلف الإنجيل الرابع كان القديس يوحنا بن زبدي الرسول، ونرى النقاد بصورة عامة على خلاف هذه النظرية ".
وعند تفحص الإنجيل أيضاً تجد ما يمتنع معه نسبته الإنجيل للحواري يوحنا، فالإنجيل يظهر بأسلوب غنوصي يتحدث عن نظرية الفيض المعروفة عند فيلون الإسكندراني، ولا يمكن لصائد السمك يوحنا أن يكتبه، خاصة أن يوحنا عامي كما وصفه سفر أعمال الرسل " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا " ( أعمال 4/13 ).
وتقول دائرة المعارف البريطانية : " أما إنجيل يوحنا، فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة حواريين لبعضهما، وهما القديسان متى ويوحنا.... وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم، وليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى، لخبطهم على غير هدى ".
وأما ما جاء في خاتمة الإنجيل مما استدل به القائلون بأن يوحنا هو كاتب الإنجيل وهو قوله: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق " ( يوحنا 21 / 24 ). فهذه الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة الإنجيل ليوحنا، إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب.
ويرى ويست أن هذه الفقرة كانت في الحاشية، وأضيفت فيما بعد للمتن، وربما تكون من كلمات شيوخ أفسس. ويؤيده بشب غور بدليل عدم وجودها في المخطوطة السينائية.
ويرى العلامة برنت هلمين استرتير في كتابه " الأناجيل الأربعة " أن الزيادات في متن يوحنا وآخره كان الغرض منها " حث الناس على الاعتراف في شأن المؤلف بتلك النظرية التي كان ينكرها بعض الناس في ذلك العصر".
ثم إن بعض المؤرخين ومنهم تشارلز الفريد، وروبرت إيزلز وغيرهما قالوا بأن يوحنا مات مشنوقاً سنة 44م على يد غريباس الأول، وعليه فليس هو مؤلف هذا الإنجيل، إذ أن هذا الإنجيل قد كتب في نهاية القرن الميلادي الأول أو أوائل الثاني.
من كتب إنجيل يوحنا؟
وإذا لم يكن يوحنا هو كاتب الإنجيل، فمن هو الكاتب الحقيقي ؟
يجيب القس فهيم عزيز : " هذا السؤال صعب، والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة غالباً ما تنتهي بالعبارة : لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل ".
وحاول البعض الإجابة عن السؤال من خلال تحديد صفات كاتب الإنجيل دون ذكر اسم معين، يقول جرانت: " كان نصرانياً، وبجانب ذلك كان هيلينياً، ومن المحتمل أن لا يكون يهودياً، ولكنه شرقي أو إغريقي، ونلمس هذا من عدم وجود دموع في عينيه علامة على الحزن عندما كتب عن هدم مدينة لليهود ".
وجاء في مدخل الإنجيل أن بعض النقاد " يترك اسم المؤلف، ويصفونه بأنه مسيحي كتب باليونانية في أواخر القرن الأول في كنائس آسيا ".
وقال مفسر إنجيل يوحنا جون مارش : " ومن المحتمل أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الأول الميلادي قام شخص يدعى يوحنا، من الممكن أن يكون يوحنا مرقس خلافاً لما هو شائع من أنه يوحنا بن زبدي.. وقد تجمعت لديه معلومات وفيرة عن يسوع، ومن المحتمل أنه كان على دراية بواحد أو أكثر من الأناجيل المتشابهة، فقام حينئذ بتسجيل جديد لقصة يسوع ".
وقال المحقق رطشنبدر : " إن هذا الإنجيل كله، وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه، بل صنفها أحد في ابتداء القرن الثاني، ونسبه إلى يوحنا ليعتبره الناس ".
ويوافقه استادلن ويرى أن الكاتب " طالب من طلبة المدرسة الإسكندرية ".
وقال يوسف الخوري في " تحفة الجيل " بأن كاتب الإنجيل هو تلميذ يوحنا المسمى بروكلوس.
وقال بعض المحققين ومنهم جامس ماك كينون، واستيريتر في كتابه " الأناجيل الأربعة " بأن يوحنا المقصود هو تلميذ آخر من تلاميذ المسيح، وهو ( يوحنا الأرشد )، وأن أرينوس الذي نسب إنجيل يوحنا لابن زبدي قد اختلط عليه أمر التلميذين.
وذكر جورج إيلتون في كتابه " شهادة إنجيل يوحنا " أن كاتب هذا الإنجيل أحد ثلاثة : تلميذ ليوحنا الرسول أو يوحنا الشيخ ( وليس الرسول ) أو معلم كبير في أفسس مجهول الهوية.
لكن ذلك لم يفت في عضد إيلتون الذي ما زال يعتبر إنجيل يوحنا مقدساً، لأنه " مهما كانت النظريات حول كاتب هذا الإنجيل، فإن ما يتضح لنا جلياً بأن كاتبه كان لديه فكرة الرسول، فإذا كتبه أحد تلاميذه فإنه بلا مراء كان مشبعاً بروحه.. ".
كما ذهب بعض المحققين إلى وجود أكثر من كاتب للإنجيل، منهم كولمان حين قال : " إن كل شيء يدفع إلى الاعتقاد بأن النص المنشور حالياً ينتمي إلى أكثر من مؤلف واحد، فيحتمل أن الإنجيل بشكله الذي نملكه اليوم قد نشر بواسطة تلاميذ المؤلف، وأنهم قد أضافوا إليه "، ومثله يقول المدخل لإنجيل يوحنا.
ومن هذا كله ثبت أن إنجيل يوحنا لم يكتبه يوحنا الحواري، ولا يعرف كاتبه الحقيقي، ولا يصح بحال أن ننسب العصمة والقداسة لكاتب مجهول لا نعرف من يكون.
وعند غض الطرف عن مجهولية الكاتب واستحالة القول بعصمته عندئذ، فإن ثمة مشكلات تثار في وجه هذا الإنجيل نبه المحققون إليها منها : اختلاف هذا الإنجيل عن باقي الأناجيل الثلاثة رغم أن موضوع الأناجيل الأربعة هو تاريخ وسيرة المسيح عليه السلام.
إذ تتشابه قصة المسيح في الأناجيل الثلاثة، بينما يظهر الإنجيل الرابع غريباً بينها، فمثلاً : هو الإنجيل الوحيد الذي تظهر فيه نصوص تأليه المسيح، بل هو كتب لإثبات ذلك كما يقول المفسر يوسف الخوري: " إن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها، والسبب : أنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح ".
ولما لم يكن في الأناجيل الثلاثة ما يدفع أقوال هذه الطوائف، أنشأ يوحنا إنجيله، وهذا المعنى يؤكده جرجس زوين، فيقول عن أساقفة آسيا أنهم اجتمعوا " والتمسوا منه أن يكتب عن المسيح، وينادي بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون ".
ويقول الأب روغيه في كتابه "المدخل إلى الإنجيل" :" إنه عالم آخر، فهو يختلف عن بقية الأناجيل في اختيار الموضوعات والخطب والأسلوب والجغرافيا والتاريخ، بل والرؤيا اللاهوتية ".
وهذه المغايرة أوصلته إلى تقديم صورة للمسيح مغايرة تماماً عما في الأناجيل الثلاثة والتي يسميها البعض : " المتشابهة " أو " الإزائية "، لذا تقول دائرة المعارف الأمريكية: " من الصعب الجمع بين هذا الإنجيل والأناجيل الثلاثة، بمعنى أن لو قدرنا أنها صحيحة لتحتم أن يكون هذا الإنجيل كاذباً ".
يقول السير آرثر فندلاي في كتابه "الكون المنشور" معبراً عن هذا الاختلاف: " إن إنجيل يوحنا ليس له قيمة تستحق الذكر في سرد الحوادث الأكيدة، ويظهر أن محتوياته لعب فيها خيال الكاتب دوراً بعيداً ".
ومن المشكلات التي تواجه هذا الإنجيل أيضاً أن أيدي المحرفين نالت هذا الإنجيل، فأضافت فيه رواية المرأة الزانية ( انظر يوحنا 8/1 - 11 ) والتي يقول عنها مدخل هذا الإنجيل: " هناك إجماع على أنها من مرجع مجهول في زمن لاحق". وقد حذفت هذه القصة من النسخة الإنجليزية القياسية المراجعة
(R. S. V)لاعتبارها عبارة دخيلة على الإنجيل.
-
خامساً : رسائل العهد الجديد
يلحق بالأناجيل الأربعة عدد من الرسائل وهي : ( سفر أعمال الرسل - رسائل بولس الأربع عشر - رسالة يعقوب - رسالتا بطرس - رسائل يوحنا الثلاث - رسالة يهوذا - رؤيا يوحنا اللاهوتي).
( 1 ) أعمـال الـرسـل :ويتكون هذا السفر من ثمان وعشرين إصحاحاً، تتحدث عن الأعمال التي قام بها الحواريون والرسل الذي نزل عليهم روح القدس يوم الخمسين (انظر 2/1 - 4 )، من دعوة ومعجزات، كما يتحدث بإسهاب عن شاول ودعوته ورحلاته وقصة تنصره وبعض معجزاته.
وينسب هذا السفر إلى لوقا مؤلف الإنجيل الثالث حيث جاء في افتتاحيته : " الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله.... " ( أعمال 1/1 ).
ولكن هذه الدعوى يشكل ويمنع من التسليم بها تناقض إنجيل لوقا مع سفر الأعمال في مسألة الصعود إلى السماء إذ يفهم من إنجيل لوقا أن صعود المسيح للسماء كان في يوم القيامة ( لوقا 24/13 - 51 ) وفي أعمال الرسل يتحدث عن ظهور المسيح بعد القيامة " أربعين يوماً " (أعمال 1/3 ). وهذا الاختلاف يكذب الرأي القائل بأن كاتب الإنجيل والسفر واحد.
( 2 ) رسائل بولس :
وتنسب هذه الرسائل إلى القديس بولس، وتمتلئ بعبارات تدل على أنه كاتبها، وهذه الرسائل أربع عشرة رسالة.
وتصطبغ الرسائل أيضاً بالصبغة الشخصية لبولس، فهي ليست لاهوتية الطابع، بل رسائل شخصية لها ديباجة وخاتمة...
وليس ثمة إجماع على صحة نسبة هذه الرسائل إلى بولس، بل إن بعض المحققين يميل إلى أن أربع رسائل منسوبة إليه كتبت بيد بعض تلاميذه بعد وفاته بعشرين سنة كما ذكرت دائرة المعارف البريطانية.
ويشكك أرجن في شرحه لإنجيل يوحنا بجميع رسائل بولس المرسلة إلى الكنائس فيقول : " إن بولس ما كتب شيئاً إلى جميع الكنائس، والذي كتبه هو سطران أو أربعة سطور ".
أما الرسالة إلى العبرانيين خصوصاً فكان النزاع حولها أشد، فحين تنسبها الكنيسة الشرقية إلى بولس فإن لوثر يقول بأنها من وضع أبلوس، بينما يقول تارتوليان المؤرخ في القرن الميلادي الثاني : "إنها من وضع برنابا"، ويقول راجوس ( من علماء البروتستانت ) : " إن فريقاً من علماء البروتستانت يعتقدون كذب الرسالة العبرانية...".
( 3 ) الرسائل الكاثوليكية ورؤيا يوحنا اللاهوتي : وهذه الرسائل سبع رسائل ثلاث منها ليوحنا، وثنتان لبطرس، وواحدة لكل من يهوذا ويعقوب ثم رؤيا يوحنا اللاهوتي.
وعرف المحققون بأصحاب هذه الرسائل وهم من التلاميذ الاثني عشر.
فبطرس هو صياد سمك في كفر ناحوم، ويعرف بسمعان، ويرجح محررو قاموس الكتاب المقدس أنه كان من تلاميذ يوحنا المعمدان قبل أن يصحب المسيح، ويتقدم على سائر تلاميذه، وقد دعا في أنطاكية وغيرها، ثم قتل في روما في منتصف القرن الميلادي الأول.
ويذكر بطرس قرماج في " مروج الأخبار " أن بطرس ومرقس ينكران ألوهية المسيح.
وأما يعقوب فهو ابن زبدي الصياد - أخو يوحنا الإنجيلي - من المقربين للمسيح، وقد تولى رئاسة مجمع أورشليم سنة 34م، وقد كانت وفاته قتلاً على يد أغريباس الأول عام 44م على الأرجح، وقال آخرون : قتله اليهود حين طرحوه من جناح الهيكل ورموه بالحجارة سنة 62م.
وأما يهوذا فلا تقدم المصادر عنه تعريفاً سوى أن تذكر أنه اختلف فيه هل هو يهوذا أخو يعقوب الصغير أي أنه ابن زبدي، أم أنه الحواري الذي يدعى لباوس الملقب تداوس ؟
وهذه الرسائل تعليمية في محتوياتها، شخصية في طريقة تدبيجها، تحوي في مقدمتها اسم مؤلفها غالباً.
ورغم ذلك فإن نسبة هذه الرسائل كانت محل جدل طويل في قرون النصرانية الأولى، وينطبق على أكثرها ما ذكرناه في رسالة بولس إلى العبرانيين، حيث تأخر الاعتراف إلى أواسط القرن الرابع الميلادي برسالة بطرس الثانية ورسالتي يوحنا الثانية والثالثة ورسالتي يعقوب ويهوذا، ورؤيا يوحنا اللاهوتي الذي كان موضع جدل كبير قبل إقراره.
إذ يحوي هذا السفر رؤيا منامية غريبة هدفها تقرير ألوهية المسيح، وإثبات سلطانه في السماء، وخضوع الملائكة له، إضافة إلى بعض التنبؤات المستقبلية التي صيغت بشكل رمزي وغامض.
ويسيء النص بل ويلحد، وهو يصف ابن الله الأقنوم الثاني لله أنه على شكل خروف رآه يوحنا جالساً على عرشه، فيقول: "من أجل ذلك هم أمام عرش الله، ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم، لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحرّ، لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حيّة، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم..." (الرؤيا 7/15-18).
ويمضي النص فيتحدث عن حرب التنين وملائكته مع الخروف الجالس على العرش وملائكته، ويتنبئ بهزيمة التنين " هؤلاء سيحاربون الخروف، والخروف يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون" (الرؤيا 17/14).
وهذه الرؤيا رآها يوحنا في منامه وهي مسطرة في سبعة وعشرين صفحة !! ومثل هذا يستغرب في المنامات ولا يعهد.
وقد شكك آباء الكنيسة الأوائل كثيراً في هذا السفر. يقول ( كيس برسبتر الروم ) 212م: " إن سفر المشاهدات ( الرؤيا ) من تصنيف سرنتهن الملحد "، ومثله قاله ديونسيش من القدماء.
ويقول المدخل لهذا السفر قوله: " لا يأتينا سفر يوحنا بشيء من الإيضاح عن كاتبه، لقد أطلق على نفسه اسم يوحنا، ولقب نبي، ولم يذكر قط أنه أحد الإثني عشر. هناك تقليد كنسي وهو أن كاتب الرؤيا هو الرسول يوحنا.. بيد أنه ليس في التقليد القديم إجماع على ذلك، وقد بقي المصدر الرسولي لسفر الرؤيا عرضة للشك، وآراء المفسرين في عصرنا متشعبة، ففيهم من يؤكد أن الاختلاف في الإنشاء والبيئة والتفكير اللاهوتي تجعل نسبة الرؤيا والإنجيل الرابع إلى كاتب واحد أمراً عسيراً.
يخالفهم آخرون يرون أن الرؤيا والإنجيل يرتبطان بتعليم الرسول على يد كتبة ينتمون إلى بيئات أفسس".
ومما نقله المحققون في تكذيب نسبة الرسائل الكاثوليكية أو بعضها على الأقل تكذيب هورن لها، واحتج بعدم وجودها في الترجمة السريانية القديمة.
ونقل راجوس تكذيب علماء البروتستانت صحة نسبتها للحواريين، ويقول جيمس ميك : إن الدلائل تثبت أن كاتب هذه الرسالة (رسالة يعقوب) ليس يعقوب.
وقال المؤرخ يوسي بيس في تاريخه: " ظُن أن هذه الرسالة جعلية، لكن كثيراً من القدماء ذكروها، وكذا ظُن في حق رسالة يهوذا، لكنها تستعمل في كثير من الكنائس".
وعن رسالة يهوذا يقول المحقق كروتيس في كتابه " تاريخ البيبل " : " هذه الرسالة رسالة يهوذا الأسقف الذي كان خامس عشر من أساقفة أورشليم في عهد سلطنة أيد دين "، فجعل هذا المحقق رسالة يهوذا من عمل أسقف عاش في القرن الثاني الميلادي.
كما لا تسلم الكنيسة السريانية حتى الآن بصحة الرسالة الثانية لبطرس، والثانية والثالثة ليوحنا، ويقول اسكالجر : من كتب الرسالة الثانية لبطرس فقد ضيع وقته.
-
مصادر الأناجيل المسيحية
عندما يتحدث النصارى عن إلهامية الأناجيل والرسائل يفهم منه أن ما كتبه الإنجيليون كان وحي الله الذي صاغه بعض البشر بعباراتهم وأساليبهم بعد أن ألهمهم روح القدس ما كانوا يكتبونه.
ولما ثبت لنا وللمحققين من قبل براءة روح القدس من هذه الأناجيل وجهالة أصحابها، وبطلان دعوى الإلهام المزعومة تساءل المحققون عن مصدر هذه الأناجيل وعن علاقة مواد بعضها ببعض، وهل من سبيل لمعرفة المصادر التي لجأ إليها الكاتبون الذين نسميهم متى ويوحنا ومرقس ولوقا، مجازاً ومجاراة لـلعرف السائد فحسب ؟
منذ القرن الخامس الميلادي حاول النصارى من خلال النظر في التشابه فيما بين الأناجيل معرفة مصادر هذه الأناجيل، وسجلت أول محاولة على يد القديس أوغسطين الذي قال بأن مرقس اقتبس من إنجيل متى ولخصه، وأما لوقا فاستعمل في كتابته الإنجيلين.
وبقي رأي أوغسطين سائداً حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث أظهرت الدراسات الحديثة نظريات أخرى مخالفة لنظرية أوغسطين وأكثر دقة منها.
وقد لاحظ المحققون وجود تشابه كبير بين الأناجيل الثلاثة، ورأوا أن هؤلاء الإنجيليين نقل بعضهم من بعض، وقبل أن نذكر أهم هذه النظريات، لنقف على مدى التقارب بين الأناجيل الثلاثة التي يسميها البعض الإزائية أو المشتركة ( متى ومرقس ولوقا ) نتأمل الجدول التالي، وأما إنجيل يوحنا فهو إنجيل مختلف تماماً عن هذه الأناجيل الثلاثة.
وأول نظريات المصادر قدمها هوتزمان 1860م، وأفادت هذه النظرية أن متى ولوقا تأثرا بمرقس خلافاً للمشهور، كما تأثر متى ولوقا أيضاً بوثيقة مشتركة أخرى غير معروفة في العصور الحديثة، كما كان لكل من متى ولوقا مصدر خاص نقل عنه كل منهما ما انفرد به.
وقول هوتزمان بأن مرقس أصل لمتى ولوقا، تقول عنه دائرة المعارف البريطانية : " يكاد يكون مسلماً به ".
وأما إنجيل مرقس فالسائد عنه ما يقوله ابن البطريق : " كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس عن مرقس في مدينة رومية، ونسبه إلى مرقس "، ولا يخفى غرابة هذا القول، إذ كيف ينقل بطرس الحواري عن مرقس الذي لا دليل على لقياه المسيح ؟!
وأما القول بأن مرقس أخذ عن بطرس إنجيله بعد أن رافقه في أسفاره فهو قول ممكن، لو ثبت نسبة الإنجيل إليه وكان قد رافق بطرس الحواري حقاً كما ذكر المؤرخ الأسقف بابياس ت 130م حين قال: " إن مرقس كان ترجماناً لبطرس، قد كتب بالقدر الكافي من الدقة التي سمحت بها ذاكرته ما قيل عن أعمال يسوع وأقواله دون مراعاة لنظام، لأن مرقس لم يكن قد سمع يسوع، ولا كان تابعاً شخصياً له، لكنه في مرحلة متأخرة - كما قلت أنا من قبل - قد تبع بطرس ".
لكن الدراسات الأحدث والأعمق قام بها الأبوان بينوا وبومارا الأستاذان بمعهد الكتاب المقدس بالقدس 1972 - 1973م تذكر أن النص الإنجيلي مر بمراحل وتطورات مثيرة، يقول الأبوان: " إن بعض قراء هذا الكتاب سيندهشون أو سينزعجون عندما يعلمون أن كلمة المسيح تلك، أو أن ذلك الرمز أو ذلك الخبر عن مصيره، لم تكن ملفوظة كما نقرأها نحن، بل إنها قد نقحت، ثم كيفت من الذين نقلوها إلينا، أما بالنسبة إلى الذين لم يألفوا هذا النوع من البحث العلمي فيمكن أن يكون هذا مصدراً للدهشة، بل للفضيحة ".
ويذكر الأبوان أن الأناجيل مرت في تدوينها بمرحلتين، حيث وجدت أربع مصادر نقل عنها الإنجيليون بصورة متشابكة، فتكونت كتب وسيطة تمثل الكتابات الأولية للإنجيليين، وفي المرحلة الثانية ظهرت الكتابات النهائية للأناجيل الأربعة بعد أن اعتمد كل منهم وبصورة متشابكة أيضاً على كتابات بعض في المرحلة الأولى أو الأولية.
والمصادر الأولية كما يرى بينوا وبومارا هي :
-الوثيقة ( أ ) ونبعت من أوساط يهودية مسيحية، وألهمت متى ومرقس.
-الوثيقة ( ب ) هي المادة التفسيرية للوثيقة ( أ )، واستخدمتها الكنائس المسيحية ذات الأصول الوثنية، وألهمت جميع المبشرين ما عدا متى.
-الوثيقة ( ج ) وألهمت مرقس ولوقا ويوحنا.
- الوثيقة ( ق ) تكون معظم المصادر الشائعة بين متى ولوقا.
ولم تؤد أية وثيقة من هذه الوثائق الأساسية إلى تحرير النصوص النهائية التي في حوزتنا، فبينها وبين التحرير النهائي توجد تأليف وسيطة خاصة بكل إنجيل".
وهذا الذي نقلناه من حديث النصارى عن المصادر - ورغم الخلاف فيها واحتمالية أن تظهر نظريات أخرى - فإن مجرد البحث في موضوع هذه المصادر ينقض الادعاء القائل بإلهامية الأناجيل وصلتها بالروح القدس، أو حتى التلاميذ.
وأما تلك الوثائق المجهولة التي نقل عنها كتبة الأناجيل فهي حلقة أخرى من سلسلة المجاهيل التي تكتنف الأناجيل وكتابها وسني تدوينها.....
التعديل الأخير تم بواسطة kholio5 ; 18-05-2007 الساعة 09:11 PM
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة المهدى في المنتدى منتديات الشيخ أيوب
مشاركات: 15
آخر مشاركة: 16-08-2022, 11:21 PM
-
بواسطة huria في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 11-06-2013, 07:13 AM
-
بواسطة huria في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 31-05-2013, 04:58 PM
-
بواسطة محمد مصطفى في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 12
آخر مشاركة: 10-06-2007, 12:34 AM
-
بواسطة الحاتمي في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 25-11-2006, 01:57 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات