"رسائل قصيرة" د/راغب السرجاني

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

نريد من خارج العالم الّإسلامي دليلا على وجود رسول الإسلام كشخصية تاريخيّة ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | النصاب القس مكاري يونان الانبا بيشوي هو بنفسه اللي بيتكلم صوت وصورة في قناة فضائية مسيحية وبيكشف مكاري يونان دا الدليل امامك من الانبا بيشوي نفسه ب » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | السلب والنهب فى الكتاب المقدس بأوامر الرب الكيوت لمهير شلال حاش بز إشعياء 8 : 1 وقالَ ليَ الرّبُّ: خُذْ لكَ لَوحا كبـيرا وا‏كتُبْ فيهِ بحُروفٍ مَقرو » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | نصراني سابق من مصـر اسلام الفيومى الشماس السابق كتب يقول: اتبعت تعاليم المسيح وعبدت رب المسيح الذى صلى له وسجد وتضرع وأمنت بالإله الواحد الذى فى ال » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | نسف معتقد الاقانيم وألوهية الإبن والروح القدس » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | صورة الله الآب أبو الله الإبن وصورة الله الإبن إبن الله الآب من موقع الأنبا تكلا نفسه الأرثوذكس ولا تخرج قبل أن تقول سبحان الآلهة زى إبن الطير هو ط » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | زنا المحارم ف الكتاب المقدس » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | الأب [ بولس الفغالي ] " حكم الكتاب قاسٍ على المرأة، إنها الــفـ،ـاجــ،رة والــبـ،ـغــيـ،ـة التي تضع الفِخاخ » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | صفع المخبول الذى طعن فى نسب الرسول...فى 20 ثانيه فقط لا غير » آخر مشاركة: نيو | == == | فيديو: معجزة بلاغيه قرآنيه مستحيل تكرارها فى اى لغه من اللغات: تكرار حرف الميم 8 مرات متتاليه بدون تنافر!!! » آخر مشاركة: نيو | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

"رسائل قصيرة" د/راغب السرجاني

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 11 إلى 14 من 14

الموضوع: "رسائل قصيرة" د/راغب السرجاني

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    01:13 AM

    افتراضي



    11- فَصَبْرٌ جَمِيلٌ

    إزاء الصدمات الهائلة التي يتعرَّض لها المسلمون هنا وهناك نحتاج كلنا إلى فضيلة الصبر، وأفضل منه أن نتحلَّى "بالصبر الجميل"؛ وقد قال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18]، والصبر الجميل له صفات كثيرة جليلة؛

    منها أنه لا يصحبه جزع وكثرة شكوى.


    ومنها أننا نستعين فيه بالله عز وجل على مَنْ أوقعوا بنا الظلم؛
    قال تعالى: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].


    ومنها أنه يُقَرِّبنا من الله فنُكْثِر من مناجاته في الصلاة والدعاء؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 153].

    ومنها أنه لا يصحبه أبدًا يأس ولا قنوط؛ قال تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87].


    ومنها أنه يصحبه عمل للخروج من الأزمة؛ قال تعالى: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يوسف: 87].


    ومنها أنه لا يصدر من الصابر لفظٌ يُعبِّر عن فساد عقيدة، أو انهيار خُلُق؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا».


    ومنها أنه يكون مباشرة عند المصيبة لا بعدها بأيام أو شهور
    ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى».


    ومنها أن الصابر لا يستعجل اللهَ في رفع كربه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".


    ومنها التصبر بسرعة التعويض الرباني للصابرين في الآخرة
    ؛ قال تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 5-7].

    إن الصبر في حدِّ ذاته عبادة عظيمة، ولو أدرك الصابرون ما أعدَّه الله لهم لتمنَّوا أن تطول مصيبتهم!


    قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  2. #12
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    01:13 AM

    افتراضي



    12- وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ

    من المواقف العجيبة في التاريخ موقف موسى من أخيه هارون عليهما السلام عندما عبدت بنو إسرائيل العجلَ في غياب موسى عليه السلام؛ فقد تعامل معه بعنفٍ ظاهرٍ قد لا يفهمه كثير من الناس؛ خاصَّة أن هارون عليه السلام نبيٌّ كريم، وهو لا شكَّ لم يكن راضيًا عن فساد بني إسرائيل ولا عن كفرهم؛ قال تعالى: {وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف: 150]، وفي موضع آخر قال تعالى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} [طه: 94].

    إنَّ مشهد موسى عليه السلام وهو يجرُّ هارون عليه السلام من رأسه ولحيته على الأرض أمام الناس لمشهد يحتاج إلى وقفات!

    لقد وجد موسى عليه السلام أنَّ الشعب قد وقع في كارثة مهلكة؛ وهي كارثة عبادة العجل من دون الله، وكان عليه أن يُسيطر على الوضع حتى لا تنفلت الأمور؛ فأخذ عدَّة قرارات حاسمة في آنٍ واحد:

    فألقى الألواح أولاً تعبيرًا عن حالة غضب لا يقف أمامها شيء؛ وذلك لإرهاب المجرمين من بني إسرائيل.

    وثانيًا: قام بعقاب أعظم القوم بعده وهو هارون عليه السلام؛ ليُعْلِم الجميع أنه ليس هناك أحدٌ فوق القانون، وإن كان قد فعل ذلك بأخيه النبي، فماذا هو فاعل بعامَّة الناس؟

    وثالثًا: قام بتحقيق فوري مع السامري، وعاقبه عقابًا يدوم معه طوال الحياة.

    ورابعًا: أحرق العجل الذي عبدته بنو إسرائيل مع أنه مصنوع من الذهب، وهذه ثروة هائلة؛ ولكن موسى عليه السلام علَّم شعبه أن خسارةً اقتصاديةً فادحةً مثل خسارة العجل الذهبي أهون بكثير من خسارة الدين.

    وبهذه الأمور سيطر موسى عليه السلام على الوضع، وهدأت الأمور.

    ولكن تبقى مسألة عقاب هارون عليه السلام تحتاج إلى وقفة؛ فموسى عليه السلام كان يرى أن هارون عليه السلام قد وقع في خطأ كبير دفع الشعب إلى التمرُّد عليه، وهذا الخطأ هو الظهور بمظهر الضعيف أمام الشعب، وهذا لم يُنكره هارون عليه السلام؛ بل قال مُفَسِّرًا الكارثة التي حدثت في فترة ولايته: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} [الأعراف:151]، واعتبر موسى عليه السلام أن هذا المظهر الضعيف ذنبٌ كبيرٌ يحتاج إلى استغفار؛ فرفع يده إلى السماء متضرِّعًا: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف:151].

    والواقع أن موسى عليه السلام لم يكن يملك من الآليات المادِّيَّة ما يفوق ما يملكه هارون عليه السلام، فلا جيش أقوى، ولا سلاح أكثر؛ إنما هي فوارق الشخصيات التي يمكن أن تُناسب مرحلة دون الأخرى.

    إن هذه المواقف قد اختارها الله عز وجل بحكمة بالغة ليقُصَّها علينا في كتابه المعجز؛ لأنه يعلم أن لها تأثيرًا كبيرًا في مسار الشعوب، ويوم نجعل القرآن الكريم هاديًا لنا في قراراتنا سيكون يوم خروجنا من أزماتنا؛ وصدق الله إذ يقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].

    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  3. #13
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    01:13 AM

    افتراضي



    13- وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ



    كثيرًا ما يعاني المسلمون من ظلمٍ واعتداء على الحقوق، فيسعى عندئذٍ المظلومون إلى رفع الظلم، وهذا يكون بأكثر من طريقة حسب الظروف التي تمَّ فيها هذا الظلم، وأفضل هذه الطرق بلا جدال هو ما جاء في السُّنَّة النبوية؛ فقد تعرَّض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الظلم في مواطن كثيرة من حياته، كما أنه تحدَّث عن مراحل مستقبلية ستمرُّ بها الأُمَّة وتتعرَّض فيها لصور متعدِّدة من الظلم؛ ولكن ينبغي عند الرجوع إلى السيرة النبوية -أو إلى أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم- أن نُطابق بين الظروف التي ظُلِمَ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الظروف التي وقع فيها الظلم علينا؛ لنفهم سُنَّته في التعامل مع هذا الظلم؛ لأننا تحت ضغط الظلم -وللأسف الشديد- ننسى كل المعايير، ونأخذ من القرآن والسُّنَّة كلَّ ما جاء عن الظلم فنستخدمه دون فقهٍ ولا دراية؛ فنقع في مخالفات شرعية جسيمة ونحن نتخيَّل أننا متوافقون مع السُّنَّة النبوية.



    وأخطر هذه المخالفات أن نخلط بين الظلم الواقع من كفار لا يُؤمنون بالله واليوم الآخر وبين الظلم الواقع من المسلمين أنفسهم؛ لأن هناك فروقًا فقهية هائلة بين الحالتي
    ن؛ ففي الوقت الذي نجد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم يُعْلِن الجهاد -وهو أعلى تصعيدٌ يُمكن أن يُتَّخذ- على دولة قريش الكافرة وزعمائها الكفار أمثال أبي جهل وغيره، فتنتج غزوات ضخمة كبدر وأحد والأحزاب، وتسيل دماء، ويسقط شهداء، في الوقت الذي نجد مثل هذه التضحيات الرائعة نجد -أحيانًا- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته يأمر بالتعامل مع ملف الحاكم المسلم الظالم بطريقة مغايرة تمامًا قد لا يستوعبها على الإطلاق مَنْ نَظَرَ إلى ملفات تعامله مع الكفار فقط؛

    وعلى سبيل المثال نذكر حوارًا عجيبًا دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهو يُقَدِّم له نصيحة إذا حدث وتعرَّض لظلم فادح من حاكم مسلم!

    روى مسلم عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ". قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ".

    فالرسول صلى الله عليه وسلم -الذي نعرف اشتياقه إلى الجهاد- هو الذي يأمر حذيفة رضي الله عنه بالسمع والطاعة للظالم، والفارق أنه مع أبي جهل وقريش يتعامل مع زعيم كافر ودولة كافرة، وفي الموقف الثاني يتعامل مع حاكم مسلم ولو كان لا يهتدي بهديه، ويتعامل مع حكومة مسلمة ولو كان فيها رجال لهم قلوب الشياطين؛

    فالظالمون كما يتبيَّن لنا أنواع؛ قال تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} [الأنعام: 58]، وبين هذين الموقفين -موقف الجهاد الصريح، وموقف السكوت التام- هناك ردود أفعال أخرى كثيرة موصوفة في السُّنَّة النبوية؛ ولكن البحث في القرآن والسُّنَّة عن ردِّ الفعل الأمثل ليس أمرًا سهلاً يمكن أن يفعله عامَّة المسلمين؛ إنما يحتاج إلى قراءة متعمِّقة متفحِّصة مِنْ علماء بالتفسير والسيرة والفقه؛ فقد يستخدم مسلمٌ آيةً أو حديثًا أو موقفًا في غير موضعه بحسن نيَّة، وليس هذا مستغرَبًا فقد حدث من بعض الصحابة أنفسهم؛ فقد روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: {يَابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]".


    فالظلم هنا يعني الكفر، وكذلك كثير من الآيات التي ذكرت أمر الظلم؛ أما السيرة فالتباين في مواقفها كبير كما وضَّحْتُ؛ وذلك حسب الظرف الذي تمَّ فيه الظلم، وإذا أدركنا ذلك فإننا سنفهم مدى الخطأ الفادح الذي يقع فيه بعض المسلمين بشحن الشباب في قضية قتال وجهاد ونفير وشهادة؛ بينما السُّنَّة تقتضي عكس ذلك؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يُعْلِن الجهاد في حياته إلا على الكفار الصرحاء، وليس هناك استثناء واحد لذلك في سيرته، فناتجُ هذا الشحن سيكون واحدًا من اثنين؛ إمَّا الجهاد في غير موضعه، بكل تبعاته على الأُمَّة، وإمَّا اللجوء إلى تكفير الحاكم والحكومة والأعوان، وكلا الأمرين خطير!

    ولْنلحظ أننا لا نتحدَّث هنا عن الأحاسيس والمشاعر؛ لأني أعلم أن الشعور بالقهر الناتج عن الظلم قد يكون أشدَّ في بعض المواقف من المسلم الظالم عنه من الكافر؛ ولكننا نتحدَّث عن الأحكام الفقهية، والقواعد الشرعيَّة، التي تُرْضِي اللهَ ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    إنني أدعو المسلمين جميعًا -خاصة آخذي القرار في حياتهم- إلى الاهتمام بالعلم الشرعي، وإلى العودة إلى السُّنَّة النبوية، وإذا حدث ووجد مسلمٌ نفسه غير مقتنع بنصيحةٍ قدَّمها له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلْيَتَّهم عقلَه، ولْيُصَحِّح عقيدته، ولْيعلم أن دخول الجنة لن يكون إلا خلفه صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71].

    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  4. #14
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    01:13 AM

    افتراضي



    14- وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ


    يتوتَّر كثير من الناس إذا تقدَّم لهم أحدٌ بنصيحة!

    خاصة إذا كانت النصيحة تدعوهم إلى تغيير مسارٍ قضوا فيه فترة من عمرهم، ولو كانت فترة قصيرة؛ لأنهم لا يحبون التغيير بشكل عام، أو يخافون منه، أو يكرهون اكتشاف أنهم كانوا على خطأ طوال هذه الفترة؛ فيدفعهم كل ذلك إلى ردِّ النصيحة؛ بل والهجوم على الناصح، ولو كان أمينًا.

    والحقُّ أنَّ ردَّ النصيحة خُلُقٌ غير محمود؛ لذلك ذَكَرَه الله عز وجل في صفات القوم المـُهْلَكين، ولقد قال صالح عليه السلام لقومه: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 79]!

    وقد يدفع هذا السلوك أصحابه إلى شيء عجيب؛ وهو الضغط على الناصح حتى يقول ما يُوافق هوى المنصوح! مع أنهم يَضُرُّون أنفسهم بذلك؛ إذ يحرمون أنفسهم من نور الحقيقة، ولقد حملت لنا كتب السيرة النبوية قصة لطيفة تدلُّنا على هذا المعنى؛

    فقد روى ابن إسحاق بسند صحيح -كما قال الألباني- إلى عروة بن الزبير رحمه الله قال -وهو يصف رغبة المسلمين في بدر في لقاء القافلة دون الجيش-: فَأَصَابُوا رَاويةً لِقُرَيْشٍ فِيهَا أسْلَمُ غُلاَمُ بَنِي الحجَّاج، وعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ، غُلاَمُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ، فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالاَ: نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ -أي الجيش- بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنَ الْمَاءِ.

    فَكَرِهَ القومُ خَبَرَهُمَا، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لأَبِي سُفْيَانَ -أي القافلة- فَضَرَبُوهُمَا، فَلَمَّا أَذْلَقُوهُمَا قَالاَ: نَحْنُ لأَبِي سُفْيَانَ. فَتَرَكُوهُمَا، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَقَالَ: "إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا، وَاللهِ إنَّهُمَا لِقُرَيْشِ.."!


    إن الصحابة كانوا يُريدون سماع أنَّ القافلة ما زالت موجودة، فضربوا الغلامين حتى قالا خلاف الحقيقة!

    وهنا هدأت نفوسهم!

    هل هذا ما نُريده الآن؟!






    أيها الأبناء..
    درِّبوا أنفسكم على سماع النصيحة، واقبلوا من هذا وذاك نصحه،
    فإن أعجبكم فبها، وإن كرهتموه رددتموه بأدب، ولا تحرموا أنفسكم من خبرات الآخرين، ولا تحرقوا مراكبكم، ولا تُطلقوا الأحكام على قلوب الناس فإنها سرٌّ بين الله وعباده..

    تَفَكَّروا في نصيحة المحبين لكم، واخرجوا من معسكركم المغلق؛ فالخير ليس محدودًا في داخله؛ إنما يعيش في الكون معنا الآلاف ممن ينصحوننا بحبٍّ، ويُريدون لنا الخير بصدق؛ فوَسِّعوا مدارككم، وارصدوا المقدمات والنتائج، وراجعوا النصائح القديمة من هذا وذاك؛ لتعلموا صحَّة طريقكم من عدمه، وإياكم من التكبُّر عن تعديل المسار إن تبيَّن لكم الخطأ فيه..


    اعملوا لآخرتكم، ولا يأخذنَّكم الشيطان بعيدًا عن نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقبول الأعمال لا يكون بالنوايا الحسنة فقط؛ بل لا بُدَّ من موافقة السُّنَّة فيها، ولا تَردُّوا حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تتحايلوا عليه، ولا تُطَوِّعوه ليتوافق مع هواكم ورؤيتكم؛ فإن أول الهلكة اتباع الهوى، ولا تُغْلِقوا على أنفسكم منفذًا شرعيًّا جعله الله لكم رحمة بكم؛ فإن التضييق على النفس والناس إثمٌ كبير.


    ويعلم الله أنَّ عندي ردًّا علميًّا مُوَثَّقًا ومتينًا على كل ما ذكره العلماء، أو كل ما علَّق به أبنائي على الموقع، ولكني لا أريد أن نعيش في جوِّ المناظرات والتشتُّت، ويعلم الله كذلك أني كنتُ أتمنى أن تكون لي معكم في هذه الفترة -أيها الأبناء الفضلاء- كلماتٌ كثيرة أتناول فيها ما أراه صالحًا لزماننا وأحوالنا -على الأقل من وجهة نظري وواقع دراستي للسيرة والتاريخ- ولكن هالني ما رأيتُه من خروجٍ عن آداب الحوار، وأفزعتني حالة الصمم عن سماع النصيحة؛ خاصة من أبنائي الذين هم في أول طريق العلم، ثم الجدل المقيت الذي يقود إلى الشحناء والبغضاء، إضافة إلى حالة الاستنفار التي قادها بعض رجال الدعوة والعلم على صفحات الإنترنت والفضائيات، وعن طريق البيانات والتصريحات، يُهاجمون فيها شخصي، ويتعرَّضون -في غيابي- لاسمي؛ مع أني على مدار ما يقرب من ثلاثين سنة من العمل الدعوي لم أُصَرِّح قطُّ بنقد عالمٍ بعينه، أو داعية بشخصه؛ بل كنتُ أحفظ للجميع -من كافة الاتجاهات- هيبته، وأُوَقِّر للكلِّ ذِكْرَه، ومع أني ذكرتُ رأيًا لي على موقعي، ولم أقتحم موقع أحد، ولم أُهاجم الآراء الأخرى، مع أن الجميع يُشاهد آثارها.



    فما الذي حدث أيها الأحباب؟ وهل غيرُ مسموحٍ لأحدٍ أن يكون شافعيًّا في زمان أحمد بن حنبل؟



    يا قوم؛ إني لكم ناصح أمين!
    خلاصة الأمر أنَّ هذه الأجواء العجيبة جعلت النصائح -للأسف- نوعًا من العبث وإهدار الطاقات؛ خاصة أنَّ متابعة الجدالات والبيانات والتعدِّيات تصرفني عن أعمال كثيرة مهمَّة أعلم أنها أصلح لآخرتي، فإلى أن يتغيَّر هذا الحال سلام عليكم، وحسبي أني بحثتُ عن رضا الله ولو بسخط الأصدقاء والجماهير؛ قال تعالى: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم:12].
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

"رسائل قصيرة" د/راغب السرجاني

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. سلسلة لماذا أنا مسلم"إجابة شافية عن سؤال صعب" الاصدار الاول ""الربانية""
    بواسطة خالد حربي في المنتدى حقائق حول التوحيد و التثليث
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 23-09-2015, 12:22 PM
  2. مسلمة حديثاً وعندها إشكالات في " المساواة " و " العمل " و " الطلاق " في الإسلام
    بواسطة فداء الرسول في المنتدى منتدى دعم المسلمين الجدد والجاليات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15-11-2013, 01:32 PM
  3. مسلمة حديثاً وعندها إشكالات في " المساواة " و " العمل " و " الطلاق " في الإسلام
    بواسطة فداء الرسول في المنتدى منتدى دعم المسلمين الجدد والجاليات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-09-2013, 01:39 AM
  4. "النايل سات" توقف 12 قناة فضائية وتنذر 20 بينها "المجد" و"الفجر"
    بواسطة احمد ماجد في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 26-10-2010, 09:37 PM
  5. مدرسة سودانية تطرد طالبات مسلمات رفضن ارتداء "تنورات" قصيرة
    بواسطة حازم حسن في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 27-05-2006, 11:55 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

"رسائل قصيرة" د/راغب السرجاني

"رسائل قصيرة" د/راغب السرجاني