ردك قوى استاذ ( السيف البتار )
بارك الله فيك و نفع بك الاسلام و المسلمين و جعله الله فى ميزان حسناتك
ردك قوى استاذ ( السيف البتار )
بارك الله فيك و نفع بك الاسلام و المسلمين و جعله الله فى ميزان حسناتك
جزاكم الله جميعا خير الجزاء في الدارين.
مما لاشك فيه أن رد أستاذنا الشيخ البتار رد رصين و هذا الرد ليس ببدع من الردود الأخرى إذ أنها جميعا أو على الأقل ما قرأته و طالعت عليه أجوبة علمية.
و الشبهة مبنية على أسس مركبة و لا يكفي دحض جزء منها دون غيرها من الجزيئات. هذا التركيب في واقع الأمر خلاصة جماعة من الفرضيات و كلها لا تستطيع الصمود أمام النقد و ذلك من وجهين. الأول أن البينة على من ادعى. الثاني هشاشة الإفتراض و إضطرابه.
وإدعاء الموضوعية في التحليل باطل بحكم السياق العام أو السياق التنظيري الذي يتمسك به المدعي في حق المدعى عليه لظهور الخلفية العقدية في المجموع كما تظهر الخلفية بين الأسطر و من حين لآخر في إشارات و لمحات. هذه المرجعية الذاتية قوامها التسليم من غير برهان ببشرية الخطاب أو بوضع الخطاب عند المدعي إن كان معتنق لدين ينسب للسماء، أو بمنع تجويز البعثة عند المدعي إن كان علمانيا أو على وثنية هي للعلمانية أقرب منها للدين.
عليه يلزم رد الأسس التي أطر فيها الإفتراض قبل عرض الإفتراض ذاته.
هذا في نقاش للفرضية نحن في غنى عنه فالأدلة إجتمعت على أهل الدين من أهل الكتاب ببطلان ما هم عليه سندا ومتنا و في ذلك نحن لسنا في حاجة لنلزمهم بما يخترعون و نقول لهم ما قلتم في الإسلام لا يستبعد فيمن تنسبون للألوهية و الإلهامية القدسية و النبوة الكتابية. و بالنسبة للعلماني فهو كالحرباء يجد لنفسه أكثر من نافذة ليتسلل منها هاربا و هذا من الضعف بل الخوف من الإعلان عن الهوية العقدية تضاف إلى النفاق و العقلية الفاسدة على طريقة الغاية تبرر الوسيلة و الوسيلة تغليف إبداء الرأي بالعلمية و الموضوعية. بل هم أقرب للكاثوليك في منهج الحربائية كلما أتيت له بشيء مما يعتقد أنه إلهام الله في لغة البشر (الكتب) واجهك بقوله أن الكتاب رموز لا سبيل إلى حلها دون الإيمان بالكنيسة كمصدر من مصادر القناعة الإيمانية.
و الذي يهمنا نحن في إدراك مدى قيومية معتقدنا الذي بني على الذي يهدي للتي هي أقوم هو ما يلي: ترجمة حكمة عمر رضي الله عنه (من لم يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام) من جانب واحد ألا وهو أن من طرق هذا الإدراك الإطلاع على تخبط الشبهة و هلاعة صاحبها.
و سنعتمد في مسلكنا قول الله جل وعلآ
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
أفلا تعقلون ؟
لو حدث ما يدَّعون لظهرت أعراض تشرب النبي محمد :salla-s: للتوحيد في أقوله و معاملاته من حين لآخر و لو في مظهر زلات اللسان و ليس فقط في تدينه الطقسي الذي يبين لنا بوضوح عدم المشاركة في شعائر الأصنام. إن التجاوزات الإفتراضية في محاولة تحميل الحنيفية ما لا تحتمل في الوسط العربي آنذاك لصورة واضحة من صور القراءة الإنتقائية للتاريخ لأن من الحنفاء من إعتزل الوثنية فكرا و منهجا و إجتماعا بينما نجد محمد :salla-s: مخالط للناس متعايش معهم و كذلك من الحنفاء من أعلن عن إعتقاده في وجه المشركين علنا و منهم من لاقى نتيجة ذلك إضطهادات و منهم من إعتزل و هاجر و منهم من إختار لنفسه دينا طقسيا و لم يكتفي بالعقيدة فقط. و الذي تصل به قناعته التصورية لحد الإعتقاد الجازم لابد و أن يصطدم بالواقع الذي يعيش فيه و يكون متناقضا معه. هذا ما لم يحدث مطلقا مع النبي :salla-s: لمدة أربعينية من العمر. فكيف يحدث الإنقلاب فجأة؟ الإفتراض مرفوض بالعقل و التجربة و التاريخ.
و فيما يخص التشرب اللاشعوري فغير ممكن لإنفراد محمد :salla-s: دون غيره بالتجربة و بالإعلان، إذن ليس من المعقول أن نأخذ عينة واحدة من غير دليل لأن الذي ينطبق عليه في حالة صحة تحليل المعطيات التاريخية ينطبق أيضا على غيره في نفس المحيط الإجتماعي، فلو صح لظهرت نخبة في الساحة لا فرد فحسب. كما أن التاريخ و خاصة تاريخ بداية الإعلان عن واقعة إتصال الروح الأمين بالنبي :salla-s: تاريخ واضح كل الوضوح في تكذيب فرضية تشرب ميتافيزيقا التوحيد باطنيا بالإعتزال الممتد و التصوف الممارس و العكوف المبالغ فيه. هذا التاريخ يسرد لنا معلومات عن معاناة حقيقية و جهد و جهاد بينما التكتل المفترض يفرض علينا الإستسلام بتحول طبيعي بدأ مدة زمنية يتخمر في الذات إلى أن تطور ببطئ نحو الخروج و الإنعكاس كظاهرة في علاقة الذات بالمحيط الخارجي بمكوناته البشرية من مختلف الطوائف الشركية. هذا تاريخ يكذب الفرضية.
و بالتجربة أيضا نعرف مدى فساد هذا التصور. يكفي لنا الإطلاع على سيرة بوذا المؤسس للبوذية الأب الروحي للطوائف البوذية و كذلك سيرة بهاء الله المؤسس لديانة البهائية أو أمثالهما. بوذا نفسه لا نستطيع أن نقول الكثير عنه لأن ما نُسب إليه شيء لا يختلف عن فعل النصارى و لا يمكن إثبات سند التأريخ له ولتعاليمه بتاتا. على الرغم من ذلك نعرف سكوته الميت والصامت عن الخوض في الألوهية ظنا منه عدم القدرة على مواجهة و تضعيف الهندوسية الطبقية التي هي قوام الأنظمة الطبقية التي ثار عليها بوذا و في نفس الوقت تقريبا هذا إتجاه سلكه مؤسس الجينية أيضا. الفرق بينهما و بين محمد :salla-s: أنه لم يسكت عن شيء يرى فيه الباطل و لم يسكت عن مناصرة شيء يرى فيه الحق بل لم ينقلب على الدنيا و الحياة المكية ليضرب عمدتها التي كانت في التجارة لسبب دفاع أهل الباطل عن باطلهم حفاظا على مكتسبات مادية. مهاير و سذهاتا أو بوذا إنقلبا على الحياة و علما التمارين الطقسية للتخلص منها و الأول كان أكثر تشاؤما يرى الحياة تقريبا كلها شر. أما النبي محمد :salla-s: فلم تمر لحظة في حياته دون توازن و وسطية في النظرة إلى الحياة و الحيوان. هذا من ناحية تفاعل صاحب التجربة الباطنية مع المحيط الإجتماعي و الثقافي. إذا جئنا إلى غيرهما من أهل التصوف هم أهل الإشراق هم أهل الخمور الباطني و الإسترواح نرى فرية التشرب اللاشعوري للواحدية العقدية من خلال تسلسل من التجارب الصوفية واضحة جلية في طريقة الظهور و في طريقة الإعلان. أما الظهور فلم يكن عبارة عن طفرة في سيرة الحياة كفرد و كجزء من الجماعة بل نجد محطات تدرجية في السيرة و في إكتساب التعليم و الإختلاط بأهل الإشراق لمدة زمنية ليست بقصيرة. أما في الإعلان فتكاد لا تشهد للكلام وحدة موضوعية في الفكرة الرئيسية للمعتقد. هذا حال الباب و حال البهاء و حال كل باطني متصوف لا يكادون يقولون شيئا دون تكذيبه من آخره في موضع آخر. هذا لأن التجربة الدينية بأسلوب إشراقي باطني لا يعرف ممارسها للحياة الواقعية طريقا متصلا يصل الذات بالواقع دون إنحياز وخلل. هذا لا وجود له في سيرة النبي محمد :salla-s: لأنه كان يعي الحياة و ظروفها و ظروف مجتمعه و قضاياه بشكل متزن لا إسقاط و لا تناقض و بلبلة فيه. ما هو أدهى من هذا كله هو إضفاء اللاشعور الباطني على تلك التجربة لأن في هذا الحالة سوف تظهر البلبلة في ظاهرة الخطاب نفسها و في صميم آليتها التي هي اللغة و لا تكاد تجد أشراقي من الإشراقيين الإسترواحيين يقول شيء يمكن فك شفرته، بإصطلاح علم التواصل، بأسلوب فقهي فهذا هو إبن عربي مثلا لا تفقه من خطابه هل هو واحدي أم موحد و تقرأ له ما يظهر منه التوحيد و الفصل بين الله و العالمين كما تقرأ له ما لا يظهر منه أن الله بائن عن العالمين، و من يخاطب أمثال هؤلاء يردون أنه عليك أن تجرب أو ما شابه من دعاوى حدثني قلبي و هي نفسها دعاوي تعايشت لحظات مع أغنى أو شعرت بيسوع، و لا مجال للتفقه.
و المشكلة الحقيقية في الفرضية ككل هي التمركزية. محاولة إلغاء كل جوانب الدعوة و الإبقاء على المحتوى، و كأن التوحيد منفصل عن كل ما يتعلق به مثل فكرة التوحيد عند العرب بكل فرقهم و عند أهل الكتاب. هذا التمركز يحاول إبعاد حقيقة تصحيح الوحي لمفهوم و تصور التوحيد الذي كان له حضور حتى عند المشركين في صياغة الربوبية كما كان موجودا عند اليهود وفرق من النصارى التثلوثية. إذا لم يطرح أي سؤال في مقارنة التوحيد علميا فلا قيمة لما بني عليه الإفتراض. أضف إلى ذلك أن التخمر الباطني يزيد الفكرة ضبابية بحيث لا تستطيع أن تواجه الربوبية عند الوثنيين فضلا عن مواجهة التوحيد عند من هم أعقل و أكمل من الوثنيين. و كأن الدعوة إلى التوحيد منفصلة عن التعاليم العملية في أرض الواقع التي تتعلق بالعقيدة. و كأن الدعوة إلى التوحيد منفصلة عن طريقة عرضها حسب تطورات على الساحة في الصراع و التكذيب. و كأن الدعوة إلى التوحيد منفصلة عن الخطاب القرآني ككل في إرتباط الدعوة بتاريخ بعيد عن نفس الدعوة في إطار قصص و مواعظ. و كأن الدعوة إلى التوحيد كانت منفصلة عن النظم اللغوية التي عرضت بها و هي نظم كرر النبي محمد :salla-s: أنها الدليل على صدق نبوته. و أشياء أخرى كثيرة يتم إبعادها أو تجاهلها من أجل التمركز حول محاولات تخمينية لتفسير حقيقة الدعوة و كلها محاولات لا تثبت أمام فقهيات العقل و معطيات التاريخ و مكتسبات التجربة.
تلك ثلاثة أركان كلها مجتمعة في آية من القرآن الكريم:
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
قبل محاولة ترتيب هذه الأفكار و مواصلة مناقشة مثل هذه الفرضيات أترك المجال لغيري.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات