-
25 - " لما اقترف آدم الخطيئة ، قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي ،
فقال الله : يا آدم و كيف عرفت محمدا و لم أخلقه ؟ قال : يا رب لما خلقتني
بيدك ، و نفخت في من روحك ، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله
إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ،
فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ، ادعني بحقه فقد غفرت لك ، و لولا
محمد ما خلقتك " .قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 88 ) :
موضوع .
أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 2 / 615 ) و عنه ابن عساكر ( 2 / 323 / 2 )
و كذا البيهقي في باب ما جاء فيما تحدث به صلى الله عليه وسلم بنعمة ربه من
" دلائل النبوة " ( 5 / 488 ) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ،
حدثنا إسماعيل ابن مسلمة ، نبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن
عمر بن الخطاب مرفوعا ، و قال الحاكم : صحيح الإسناد ، و هو أول حديث ذكرته
لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب .
فتعقبه الذهبي بقوله : بل موضوع ، و عبد الرحمن واه ، و عبد الله بن مسلم
الفهري لا أدري من هو .
قلت : و الفهري هذا أورده في " ميزان الاعتدال " لهذا الحديث و قال : خبر باطل
رواه البيهقي في " دلائل النبوة " و قال البيهقي : تفرد به عبد الرحمن بن زيد
ابن أسلم و هو ضعيف .
و أقره ابن كثير في " تاريخه " ( 2 / 323 ) و وافقه الحافظ ابن حجر في
" اللسان " أصله " الميزان " على قوله : خبر باطل و زاد عليه قوله في هذا
الفهري : لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته .
قلت : و الذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رشيد ، ذكره ابن حبان فقال : متهم
بوضع الحديث ، يضع على ليث و مالك و ابن لهيعة لا يحل كتب حديثه ، و هو الذي
روى عن ابن هدبة نسخة كأنها معمولة .
و الحديث أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " ( 207 ) من طريق أخرى عن
عبد الرحمن بن زيد ثم قال : لا يروي عن عمر إلا بهذا الإسناد .
و قال الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 253 ) : رواه الطبراني في " الأوسط "
و " الصغير " و فيه من لم أعرفهم .
قلت : و هذا إعلال قاصر ما دام فيه عبد الرحمن بن زيد ، قال شيخ الإسلام ابن
تيمية في " القاعدة الجليلة في التوسل و الوسيلة " ( ص 69 ) : و رواية الحاكم
لهذا الحديث مما أنكر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب " المدخل إلى معرفة
الصحيح من السقيم " : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا
يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه .
قلت : و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيرا .
و صدق شيخ الإسلام في نقله اتفاقهم على ضعفه و قد سبقه إلى ذلك ابن الجوزي ،
فإنك إذا فتشت كتب الرجال ، فإنك لن تجد إلا مضعفا له ، بل ضعفه جدا علي بن
المديني و ابن سعد ، و قال الطحاوى : حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية
من الضعف .
و قال ابن حبان : كان يقلب الأخبار و هو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع
المراسيل و إسناد الموقوف ، فاستحق الترك .
و قال أبو نعيم نحو ما سبق عن الحاكم : روى عن أبيه أحاديث موضوعة .
قلت : و لعل هذا الحديث من الأحاديث التي أصلها موقوف و من الإسرائيليات ، أخطأ
عبد الرحمن بن زيد فرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، و يؤيد هذا أن
أبا بكر الآجري أخرجه في " الشريعة " ( ص 427 ) من طريق الفهري المتقدم بسند
آخر له عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب موقوفا عليه .
و رواه ( ص 422 - 425 ) من طريق أبي مروان العثماني قال : حدثني أبي ( في
الأصل : ابن و هو خطأ ) عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه
قال : " من الكلمات التي تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام أنه قال : اللهم
إني أسألك بحق محمد عليك .. " الحديث نحوه و ليس فيه ادعني بحقه إلخ .
و هذا موقوف و عثمان و ابنه أبو مروان ضعيفان لا يحتج بهما لو رويا حديثا
مرفوعا ، فكيف و قد رويا قولا موقوفا على بعض أتباع التابعين و هو قد أخذه -
والله أعلم - من مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم أو عن كتبهم التي لا ثقة لنا
بها كما بينه شيخ الإسلام في كتبه .
و كذلك رواه ابن عساكر ( 2 / 310 / 2 ) عن شيخ من أهل المدينة من أصحاب ابن
مسعود من قوله موقوفا عليه و فيه مجاهيل .
و جملة القول : أن الحديث لا أصل له عنه صلى الله عليه وسلم فلا جرم أن حكم
عليه بالبطلان الحافظان الجليلان الذهبي و العسقلاني كما تقدم النقل عنهما .
و مما يدل على بطلانه أن الحديث صريح في أن آدم عليه السلام عرف النبي صلى الله
عليه وسلم عقب خلقه ، و كان ذلك في الجنة ، و قبل هبوطه إلى الأرض ، و قد جاء
في حديث إسناده خير من هذا على ضعفه أنه لم يعرفه إلا بعد نزوله إلى الهند
و سماعه باسمه في الأذان ! انظر الحديث ( 403 ) .
و مع هذا كله فقد جازف الشيخ الكوثري و صححه مع اعترافه بضعف عبد الرحمن بن زيد
لكنه استدرك ( ص 391 ) فقال : إلا أنه لم يتهم بالكذب ، بل بالوهم ، و مثله
ينتقى بعض حديثه .
قلت : لقد بلغ به الوهم إلى أنه روى أحاديث موضوعة كما تقدم عن الحاكم
و أبي نعيم ، فمثله لا يصلح أن ينتقى من حديثه حتى عند الكوثري لولا العصبية
و الهوي ، فاسمع إن شئت ما قاله ( ص 42 ) في صدد حكمه بالوضع على حديث " إياكم
و خضراء الدمن ... " و قد تقدم برقم ( 14 ) .
و إنما مدار الحكم على الخبر بالوضع أو الضعف الشديد من حيث الصناعة الحديثية
هو انفراد الكذاب أو المتهم بالكذب أو الفاحش الخطأ به .
و قد علمت مما سبق أن مدار الحديث على عبد الرحمن بن زيد الفاحش الخطأ ، فيكون
حديثه ضعيفا جدا على أقل الأحوال عنده لو أنصف !
و من عجيب أمره أنه يقول عقب عبارته السابقة ( ص 391 ) : و هذا هو الذي فعله
الحاكم حيث رأى أن الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال لأبي
جعفر المنصور : و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلام .
فمن أين له أن الحاكم رأى أن الخبر مما قبله مالك ؟ ! فهل يلزم من كون الرجل
كان حافظا أنه كان يحفظ كل شيء عن أي إمام ، هذا ما لا يقوله إنسان ؟ ! فمثل
هذا لابد فيه من نقل يصرح بأن الحاكم رأى ... و إلا فمن ادعى ذلك فقد قفى ما
ليس له به علم .
ثم هب أن مالكا قبل الخبر ، فهل ذلك يلزم غيره أن يقبله و هو لم يذكر إسناده
المتصل منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أفلا يجوز أن يكون ذلك من
الإسرائيليات التي تساهل العلماء في روايتها عن بعض مسلمة أهل الكتاب مثل كعب
الأحبار ، فقد كان يروي عنه بعضها ابن عمر و ابن عباس و أبو هريرة باعتراف
الكوثري نفسه ( ص 34 ـ " مقالة كعب الأحبار و الإسرائيليات " ) فإذا جاز هذا
لهؤلاء ، أفلا يجوز ذلك لمالك ؟ بلى ثم بلى .
فثبت أن قول مالك المذكور لا يجوز أن يكون شاهدا مقويا للحديث المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم
.
و هذا كله يقال لو ثبت ذلك عن مالك ، كيف و دون ثبوته خرط القتاد ! فإنه يرويه
عنه ابن حميد و هو محمد بن حميد الرازي في الراجح عند الكوثري ثم اعتمد هو على
توثيق ابن معين إياه و ثناء أحمد و الذهلي عليه ، و تغافل عن تضعيف جمهور
الأئمة له ، بل و عن تكذيب كثيرين منهم إياه ، مثل أبي حاتم و النسائي
و أبي زرعة و صرح هذا أنه كان يتعمد الكذب ، و مثل ابن خراش فقد حلف بالله أنه
كان يكذب ، و قال صالح بن محمد الأسدي : كل شيء كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه
فيه ، و قال في موضع آخر : كانت أحاديثه تزيد ، و ما رأيت أحدا أجرأ على الله
منه ، و قال أيضا : ما رأيت أحدا أحذق بالكذب من رجلين سليمان الشاذكوني و محمد
ابن حميد ، كان يحفظ حديثه كله .
و قال أبو علي النيسابوري : قلت لابن خزيمة : لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد
فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه ؟ فقال : إنه لم يعرفه ، و لو عرفه كما عرفناه ما
أثنى عليه أصلا .
فهذه النصوص تدل على أن الرجل كان مع حفظه كذابا ، و الكذب أقوى أسباب الجرح
و أبينها ، فكيف ساغ للشيخ تقديم التعديل على الجرح المفسر مع أنه خلاف معتقده
؟ !
علم ذلك عند من يعرف مبلغ تعصبه على أنصار السنة و أهل الحديث ، و شدة عداوته
إياهم سامحه الله و عفا عنه .
فتبين مما ذكرناه أن هذه القصة المروية عن مالك قصة باطلة موضوعة ، و قد حقق
القول في ذلك على طريقة أخرى شيخ الإسلام في " القاعدة الجليلة " ( 1 / 227 ـ
ضمن مجموع الفتاوى ) و ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " فليراجعهما من أراد
المزيد من الاطلاع على بطلانها ، فإن فيما أوردت كفاية .
و بذلك ثبت وضع حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم، و خطأ من خالف .
و لقد أطلت كثيرا في تحقيق الكلام عليه و على الأحاديث التي قبله ، و ما كنت
أود ذلك لولا أنى وجدت نفسي مضطرا لذلك ، لما وقفت على مغالطات الشيخ الكوثري ،
فرأيت من الواجب الكشف عنها لئلا يغتر بها من لا علم له بما هنالك ! فمعذرة إلى
القراء الكرام .
هذا و إن من الآثار السيئة التي تركتها هذه الأحاديث الضعيفة في التوسل أنها
صرفت كثيرا من الأمة عن التوسل المشروع إلى التوسل المبتدع ، ذلك لأن العلماء
متفقون - فيما أعلم - على استحباب التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفة
من صفاته تعالى ، و على توسل المتوسل إليه تعالى بعمل صالح قدمه إليه عز وجل .
و مهما قيل في التوسل المبتدع فإنه لا يخرج عن كونه أمرا مختلفا فيه ، فلو أن
الناس أنصفوا لانصرفوا عنه احتياطا و عملا بقوله " دع ما
يريبك إلى ما لا يريبك " إلى العمل بما أشرنا إليه من التوسل المشروع ، و لكنهم
مع الأسف أعرضوا عن هذا و تمسكوا بالتوسل المختلف فيه كأنه من الأمور اللازمة
التي لابد منها و لازموها ملازمتهم للفرائض ! فإنك لا تكاد تسمع شيخا أو عالما
يدعو بدعاء يوم الجمعة و غيره إلا ضمنه التوسل المبتدع ، و على العكس من ذلك
فإنك لا تكاد تسمع أحدهم يتوسل بالتوسل المستحب كأن يقول مثلا : اللهم إنى
أسألك بأن لك الحمد لا إله ألا أنت وحدك لا شريك لك المنان ، يا بديع السموات
و الأرض ، يا ذا الجلال و الإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك ... مع أن فيه الاسم
الأعظم الذي إذا دعي به أجاب و إذا سئل به أعطى كما قال
صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه ، فهل سمعت أيها القارئ الكريم أحدا يتوسل بهذا أو بغيره مما في
معناه ؟ أما أنا فأقول آسفا : إننى لم أسمع ذلك ، و أظن أن جوابك سيكون كذلك ،
فما السبب في هذا ؟ ذلك هو من آثار انتشار الأحاديث الضعيفة بين الناس ،
و جهلهم بالسنة الصحيحة ، فعليكم بها أيها المسلمون علما و عملا تهتدوا و تعزوا
.
و بعد طبع ما تقدم اطلعت على رسالة في جواز التوسل المبتدع لأحد مشايخ الشمال
المتهورين ، متخمة بالتناقض الدال على الجهل البالغ ، و بالضلال و الأباطيل
و التأويلات الباطلة و الافتراء على العلماء بل الإجماع ! مثل تجويز الاستغاثة
بالموتى و النذر لهم ، و زعمه أن توحيد الربوبية و توحيد الألوهية متلازمان !
و غير ذلك مما لا يقول به عالم مسلم ، كما أنه حشاها بالأحاديث الضعيفة
و الواهية كما هي عادته في كل ما له من رسائل - و ليته سكت عنها ، بل إنه صحح
بعض ما هو معروف منها بالضعف كقوله ( ص 42 ) و في الأحاديث الصحيحة : " إن أحب
الخلق إلى الله أنفعهم لعباده " و غير ذلك مما لا يمكن البحث فيه الآن .
و إنما القصد أن أنبه القراء على ما وقع في كلامه على الأحاديث المتقدمة في
التوسل من التدليس بل الكذب المكشوف ليوهمهم صحتها ، كي يكونوا في حذر منه و من
أمثاله من الذين لا يتقون الله فيما يكتبون ، لأن غرضهم الانتصار لأهوائهم و ما
وجدوا عليه آبائهم و أمهاتهم .
فحديث أنس ( رقم 23 ) الذي بينا ضعف إسناده ، أوهم هو أنه صحيح بتمكسه بتوثيق
ابن حبان و الحاكم لروح بن صلاح ! و قد أثبتنا ضعف هذا الراوي و عدم اعتداد
العلماء بتوثيق المذكورين فتذكر ، كما أثبتنا عدم أمانة الكوثري في النقل
و اتباعه للهوى و قد جرى على طريقته هذه مؤلف هذه الرسالة بل زاد عليه ! فإنه
بعد أن ساق الحديث موهما القاريء أنه صحيح قال عقبه ( ص 15 ) : و لهذا طرق منها
عن ابن عباس عند أبي نعيم في " المعرفة " و الديلمي في " الفردوس " بإسناد حسن
كما قاله الحافظ السيوطي .
فهذا كذب منه على ابن عباس رضي الله عنه - و ربما على السيوطي أيضا - فليس في
حديث ابن عباس موضع الشاهد من حديث أنس و هو قوله " بحق نبيك و الأنبياء الذين
قبلي فإنك أرحم الراحمين " و ذلك مما يوهن هذه الزيادة و لا يقويها خلافا
لمحاولة المؤلف الفاشلة المغرضة !
و أما حديث عمر ( رقم 25 ) فقال في تخريجه ( ص 15 ) :
و أخرج البيهقي في " دلائل النبوة " و قد التزم أن لا يذكر في هذا الكتاب حديثا
موضوعا .
قلت : و الجواب من وجهين :
الأول : أن الالتزام المذكور غير مسلم به ، فقد أخرج فيه غيرما حديث موضوع و قد
نص على ذلك بعض النقاد ، و من يتتبع مقالاتنا هذه في الأحاديث الضعيفة
و الموضوعة يجد أمثلة على ذلك و حسبك دليلا الآن هذا الحديث فقد حكم عليه
الحافظان الذهبي و العسقلاني بأنه حديث باطل كما سبق ، فما بال المؤلف يتغاضى
عن حكمهما و هما المرجع في هذا الشأن و يتعلق بالمتشابه من الكلام ؟ ! .
الآخر : أن البيهقي الذي أخرجه في " الدلائل " قد ضعف الحديث فيه كما سبق نقله
عنه ، فإن لم يكن الحديث عنده موضوعا فهو على الأقل ضعيف ، فهو حجة على الشيخ
الذي يحاول بتحريف الكلام أن يجعله صحيحا ؟ !
ثم نقل المؤلف تخريج الحاكم للحديث و تصحيحه إياه ، و تغاضى أيضا عن تعقب
الذهبي إياه الذي سبق أن ذكرناه ، و الذي يصرح فيه أنه حديث موضوع ! كما تغاضى
عن حال راويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، الذي اتهمه الحاكم نفسه بالوضع !
و عن غيره ممن لا يعرف حاله أو هو متهم ، و عن قول الحافظ الهيثمي في الحديث
فيه من لم أعرفهم ! .
عجبا من هذا المؤلف و أمثاله إنهم يزعمون أن باب الاجتهاد قد أغلق على الناس
فليس لهم أن يجتهدوا لا في الحديث تصحيحا و تضعيفا ، و لا في الفقه ، ترجيحا
و تفريعا ، ثم هم يجتهدون فيما لا علم لهم فيه البتة ، و هو علم الحديث ،
و يضربون بكلام ذوي الاختصاص عرض الحائط ! ثم هم إن قلدوا قلدوا دون علم متبعين
أهواءهم ، و إلا فقل لي بالله عليك : إذا صحح الحاكم حديثا - و هو معروف
بتساهله في ذلك - و رده عليه أمثال الذهبي و الهيثمي و العسقلاني أفيجوز
و الحالة هذه التعلق بتصحيح الحاكم ؟! اللهم إن هذا لا يقول به إلا جاهل أو
مغرض ! اللهم فاحفظنا من اتباع الهوي حتى لا يضلنا عن سبيلك .
ثم زعم المؤلف ( ص 16 ) أن الإمام مالكا قد صح عنده محل الشاهد من هذا الحديث
حيث قال للخليفة العباسى : و لم تصرف وجهك عنه صلى الله عليه وسلم و هو وسيلتك
و وسيلة أبيك آدم ؟ .
و قد بينا فيما سلف بطلان نسبة هذه القصة إلى مالك ، و أما المؤلف فلا يهمه
التحقق من ذلك ، و سيان عنده أثبتت أو لم تثبت ، ما دام أنها تؤيد هواه و بدعته
إذ الغاية عنده تسوغ الوسيلة ! .
و من تهور هذا المؤلف و جهله أنه يصرح ( ص 12 ) : أن التوسل برسول الله
صلى الله عليه وسلم و سائر الأنبياء و الأولياء و الصالحين و الاستغاثة بهم ...
مما أجمعت عليه الأمة قبل ظهور هذا المبتدع ابن تيمية الذي جاء في القرن الثامن
الهجري و ابتدع بدعته ! .
فإن إنكار التوسل بغير الله تعالى مما صرح به بعض الأئمة الأولين المعترف
بفضلهم و فقههم ، و قد نقلنا نص أبي حنيفة في ذلك ( ص 77 ) من الكتب الموثوق
بها من كتب الحنفية و فيها عن صاحبيه الإمام محمد و أبي يوسف نحو ذلك مما يعتبر
قاصمة الظهر لهؤلاء المبتدعة ، فأين الإجماع المزعوم أيها المتهور ؟ ! و إن من
أكبر الافتراء على الإجماع أن ينسب إليه هذا المؤلف جواز الاستغاثة بالأموات من
الصالحين ؟ و هذه ضلالة كبري لم يقل بها - و الحمد لله - أحد من سلف الأمة
و علمائها ، و نحن نتحدى المؤلف و غيره من أمثاله أن يأتينا و لو بشبه نص عنهم
في جواز ذلك ، بل المعروف في كتب أتباعهم خلاف ذلك و لولا ضيق المجال لنقلنا
بعض النصوص عنهم .
و أما حديث أبي سعيد الخدري ( رقم 24 ) فاكتفى المؤلف ( ص 36 ) بأن نقل تحسينه
عن بعض العلماء ، و قد بينا خطأ ذلك من وجوه بما لا مرد لها فأغنى عن الإعادة ،
و المؤلف لا يهمه مطلقا التحقيق العلمي لأنه ليس من أهله ، بل هو يتعلق في سبيل
تأييد هواه بالأوهام و لو كانت كخيوط القمر أو مدد الأموات ! .
و بهذه المناسبة أريد أن أقول كلمة وجيزة من جهة استدلال المؤلف بهذا الحديث
و أمثاله على التوسل المبتدع فأقول :
إن حق السائلين على الله تعالى هو أن يجيب دعاءهم ، فلو صح هذا الحديث و ما في
معناه فليس فيه توسل ما إلى الله بالمخلوق ، بل هو توسل إليه بصفة من صفاته
و هي الإجابة ، و هذا أمر مشروع خارج عن محل النزاع فتأمل منصفا ، و بهذا يسقط
قول هذا المؤلف عقب الحديث : فالنبى صلى الله عليه وسلم توسل بالسائلين الأحياء
و الأموات ، لأننا نقول هذا من تحريف الكلم فإننا نقول - إنما توسل - لو صح
الحديث بحق السائلين ، و عرفت المعنى الصحيح - و بحق الممشى ، و هو الإثابة
من الله لعبده ، و ذلك أيضا صفة من صفاته تعالى فأين التوسل المبتدع و هو
التوسل بالذات ؟ !
و أنهي هذا الرد السريع بتنبيه القراء الكرام إلى أمرين آخرين وردا في الرسالة
المذكورة : الأمر الأول ذكر ( ص 16 ) حديث الأعمى و قد سبق بيان معناه ، ثم
أتبعه بذكر قصة عثمان بن حنيف مع الرجل صاحب الحاجة و كيف أنه شكي إليه أنه
يدخل على عثمان بن عفان فلا يلتفت إليه ! فأمره ابن حنيف أن يدعو بدعاء الأعمى
... فدخل على عثمان بن عفان فقضى له حاجته ! احتج المؤلف بهذه القصة على التوسل
به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته .
و جوابنا من وجهين :
الأول : أنها قصة موقوفة ، و الصحابة الآخرون لم يتوسلوا مطلقا به صلى الله
عليه وسلم بعد وفاته ، لأنهم يعلمون أن التوسل به معناه التوسل بدعائه و هذا
غير ممكن كما سبق بيانه .
الآخر : أنها قصة لا تثبت عن ابن حنيف ، و بيان ذلك في رسالتنا الخاصة
" التوسل أنواعه و أحكامه " و قد سبقت الإشارة إليها .
و نحو ذلك أنه : ذكر ( ص 25 ) قصة مجيء بلال بن الحارث المزني الصحابى لما قحط
الناس في عهد عمر إلى قبر النبي
صلى الله عليه وسلم
و منادته إياه :
يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا .
فهذه أيضا قصة غير ثابتة و أوهم المؤلف صحتها محرفا لكلام بعض الأئمة ، مقلدا
في ذلك بعض ذوي الأهواء قبله ، و تفصيل ذلك في الرسالة المومئ إليها إن
شاء الله تعالى .
(1/102)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
26 - " الحدة تعتري خيار أمتي " .قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 100 ) :
ضعيف .
أخرجه الطبراني ( 3 / 118 / 1 و 123 / 1 ) و ابن عدي ( 163 / 1 ) و المخلص في
" الفوائد المنتقاة " ( 6 / 44 / 2 ) عن سلام الطويل عن الفضل بن عطية عن عطاء
عن ابن عباس مرفوعا و قال المخلص : قال البغوي : هذا حديث منكر ، و سلام
الطويل ضعيف الحديث جدا فأشار إلى أن الآفة من سلام هذا و هو الصواب خلافا لما
ذكره ابن الجوزي في " الواهيات " على ما نقله المناوي عنه في " الفيض " حيث
قال : لا يصح ، و فيه آفات ، سلام الطويل متروك ، و كذا الفضل بن عطية ،
و البلاء فيه منه .
قلت : هو و إن كان ضعيفا فإنه لم يتهم بخلاف سلام الطويل فقد اتهمه غير واحد
بالكذب و الوضع ، فالحمل فيه عليه أولى .
نعم لم يتفرد به ، بل تابعه محمد بن الفضل عن أبيه به .
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 61 ) و الخطيب في " تاريخه "
( 14 / 73 ) ، ألا إن محمد بن الفضل هذا كذاب أيضا فلا يفرح بمتابعته ! كذبه
ابن معين و الفلاس و غيرهما ، و كأن الحافظ السخاوي لم يطلع على هذه المتابعة
فقد اقتصر في " المقاصد الحسنة " ( رقم 397 ) على إعلال الحديث بسلام الطويل
و قال : و هو متروك ، و عزاه لأبي يعلى و الطبراني ، و بالجملة فالحديث من هذا
الوجه ضعيف جدا ، لكن له شاهد بإسناد خير من هذا ، رواه الحسن بن سفيان في
" مسنده " و بشر بن مطر في " حديثه " ( 3 / 89 / 1 ) و ابن منده في " معرفة
الصحابة " ( 2 / 264 / 2 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 7 ) و الخطيب
في " الموضح " ( 2 / 50 ) عن دريد بن نافع عن أبي منصور الفارسي مرفوعا به .
و هذا سند ضعيف ، فإن أبا منصور هذا مختلف في صحبته ، و قد قال البخاري : حديث
مرسل ، و الراوي عنه دريد ، قال أبو حاتم : هو شيخ كما في " الجرح و التعديل "
لابنه ( 1 / 2 / 438 ) ، و قال ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 82 ) : هو مستقيم
الحديث ، و قد اضطرب عليه فيه ، فرواه من ذكرنا عنه هكذا ، و رواه الخطيب من
طريق أخرى عنه عن منصور مولى ابن عباس مرفوعا . والله أعلم .
و قد روي الحديث بألفاظ و طرق أخرى لا تخلو من كذاب ، أذكر ثلاثة منها :
(1/103)
________________________________________
27 - " الحدة تعتري حملة القرآن لعزة القرآن في أجوافهم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 101 ) :
موضوع .
أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 7 / 2529 ـ بيروت ) من طريق وهب بن وهب بسنده عن
معاذ بن جبل مرفوعا به ، و قال : وهب يضع الحديث .
و قال العقيلي ( 4 / 325 ـ دار الكتب ) : أحاديثه كلها بواطيل .
و أورده السيوطي في " الجامع الصغير " برواية ابن عدي عن معاذ ، فقال المناوي :
و فيه وهب بن وهب بن كثير قال في " الميزان " : قال ابن معين : يكذب ، و قال
أحمد : يضع .
ثم سرد له أخبارا ختمها بهذا ثم قال : و هذه أحاديث مكذوبة و منها :
(1/104)
________________________________________
28 - " الحدة لا تكون إلا في صالحي أمتي و أبرارها ثم تفيء " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 102 ) :
موضوع .
رواه بن بشران في " الأمالي " ( 23 / 69 / 2 ) عن بشر بن الحسين عن الزبير بن
عدي عن أنس بن مالك مرفوعا .
قلت : و بشر هذا كذاب .
و الحديث ذكره السيوطي برواية الديلمي في " مسند الفردوس " عن أنس و قال شارحه
المناوي : رواه الديلمي من حديث بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس و بشر
هذا قال الذهبي : قال الدارقطني : متروك .
قلت : و زاد الذهبي في ترجمته من " الميزان " : و قال أبو حاتم : يكذب على
الزبير ، و قال ابن حبان : يروي بشر بن الحسين عن نسخة موضوعة شبيها بمائة
و خمسين حديثا .
قلت : و منها هذا الحديث كما نقله الذهبي في ترجمته لكن بلفظ :
" ليس أحد أحق بالحدة من حامل القرآن لعزة القرآن في جوفه " .
و بهذا اللفظ رواه العقيلي في " الضعفاء " ( 1 / 141 ) من طريق بشر ، و ساق له
أحاديث أخرى و قال : و له غير حديث من هذا النحو مناكير كلها .
و قد أورده السيوطي برواية أبي نصر السجزي في " الإبانة " و الديلمي في " مسند
الفردوس " عن أنس و تعقبه المناوي هنا بما نقلناه عن الذهبي من تكذيب أبي حاتم
لبشر هذا ، و زاد : و في " اللسان " عن ابن حبان : لا ينظر في شيء رواه عن
الزبير إلا على جهة التعجب ، و كذبه الطيالسي .
و من الغرائب أن السيوطي أورد حديث معاذ و حديث أنس بلفظيه في " ذيل الأحاديث
الموضوعة " ( ص 24 ) مستدركا لهما على ابن الجوزي ، ثم أوردهما في " الجامع
الصغير " الذي نص في مقدمته أنه صانه عما تفرد به كذاب أو وضاع ! و هذه كلها من
رواية الكذابين ! و نحوه في المناوي في " التيسير " فإنه قال في حديث أنس :
إسناده ضعيف ! .
و منها :
(1/105)
________________________________________
29 - " خيار أمتي أحداؤهم الذين إذا غضبوا رجعوا " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 103 ) :
باطل .
رواه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 217 ـ الظاهرية ) و تمام في " الفوائد "
( 249 / 2 ) و ابن شاذان في " فوائد ابن قانع و غيره " ( 163 / 2 ) و السلفى في
" الطيوريات " ( 140 / 2 ) من طريق عبد الله بن قنبر حدثني أبي قنبر عن علي
مرفوعا و قال العقيلي عقبه : عبد الله لا يتابع على حديثه من جهة تثبت .
قلت : و عبد الله هذا قال الأزدي : تركوه ، و ساق له الذهبي في ترجمته هذا
الحديث و قال : خبر باطل و أقره العسقلاني .
و الحديث رواه الطبراني في " الأوسط " بسند فيه يغنم بن سالم بن قنبر و هو كذاب
كما قال الهيثمي ( 8 / 68 ) و السخاوي ( ص 187 ) و عزاه للبيهقى أيضا في
" الشعب " و اقتصر الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 3 / 146 ) على تضعيف
سند الحديث ، و هو قصور ، إلا أن يلاحظ أن الحديث الموضوع من أنواع الضعيف فلا
إشكال .
و خلاصة القول : إن هذه الأحاديث في الحدة كلها موضوعة إلا حديث دويد عن أبي
منصور الفارسي الذي تقدم لفظه برقم ( 26 ) فضعيف لإرساله . والله أعلم .
و من آثار هذه الأحاديث السيئة أنها توحي للمرء بأن يظل على حدته و أن لا
يعالجها لأنها من خلق المؤمن ! و قد وقع هذا ، فإنى ناظرت شيخا متخرجا من
الأزهر في مسألة لا أذكرها الآن فاحتد في أثنائها ، فأنكرت عليه حدته ، فاحتج
علي بهذا الحديث ! فأخبرته بأنه ضعيف ، فازداد حدة و افتخر علي بشهاداته
الأزهرية ، و طالبني بالشهادة التي تؤهلني لأن أنكر عليه ! فقلت : قوله
صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا ... " الحديث ! رواه مسلم و هو مخرج
في " تخريج مشكلة الفقر " ( 66 ) و " صحيح أبي داود " ( 1034 ) و غيرهما .
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
30 - " الخير في و في أمتي إلى يوم القيامة " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 104 ) :
لا أصل له .
قال في " المقاصد " : قال شيخنا يعني ـ ابن حجر العسقلاني ـ : لا أعرفه .
و قال ابن حجر الهيثمي الفقيه في " الفتاوى الحديثية " ( 134 ) : لم يرد هذا
اللفظ .
قلت : و لذلك أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " رقم ( 1220 ) بترقيمي
و يغني عن هذا الحديث قوله :
" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله
و هم كذلك " .
أخرجه مسلم و البخاري بنحوه و غيرهما ، عن جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة ،
و هو مخرج في " الصحيحة " فانظر " صحيح الجامع " ( 7164 ـ 7173 ) .
(1/107)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
- " الدنيا خطوة رجل مؤمن " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 104 ) :
لا أصل له .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " ( 1 / 196 ) : لا يعرف عن النبي
صلى الله عليه وسلم و لا عن غيره من سلف الأمة و لا أئمتها .
و أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعات " برقم ( 1187 ) .
(1/108)
___________________________________
32 - " الدنيا حرام على أهل الآخرة ، و الآخرة حرام على أهل الدنيا ، و الدنيا و الآخرة حرام على أهل الله " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 105 ) :
موضوع .
و هو من الأحاديث التي شوه بمثلها السيوطي " الجامع الصغير " و عزاه للديلمى في
" مسند الفردوس " عن ابن عباس و قد تعقبه المناوي بقوله : و فيه جبلة بن
سليمان أورده الذهبي في " الضعفاء " و قال : قال ابن معين : ليس بثقة .
قلت : حري بمن روى هذا الخبر أن يكون غير ثقة ، بل هو كذاب أشر ، فإنه خبر باطل
لا يشك في ذلك مؤمن عاقل ، إذ كيف يحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على
المؤمنين أهل الآخرة ما أباحه الله تعالى لهم من التمتع بالدنيا و طيباتها كما
في قوله عز وجل *( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا )* و قوله : *( قل من حرم
زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق ، قل هي للذين آمنوا في الحياة
الدنيا ، خالصة يوم القيامة )* .
ثم كيف يجوز أن يقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الدنيا و الآخرة
معا على أهل الله تعالى و ما أهل الله إلا أهل القرآن القائمين به و العاملين
بأحكامه ، و ما الآخرة إلا جنة أو نار ، فتحريم النار على أهل الله مما أخبر
به الله تعالى ، كما أنه تعالى أوجب الجنة للمؤمنين به ، فكيف يقول هذا الكذاب
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عليهم الآخرة و فيها الجنة التي وعد
المتقون ، و فيها أعز شيء عليهم و هي رؤية الله تعالى كما قال سبحانه *( وجوه
يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )* و هل ذلك إلا في الآخرة ؟ و قال صلى الله عليه
وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟
فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ، ألم تدخلنا الجنة و تنجينا من النار ؟ قال : فيكشف
الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية
*( للذين أحسنوا الحسنى و زيادة )* " رواه مسلم و غيره .
و الذي أراه إن واضع هذا الحديث هو رجل صوفى جاهل أراد أن يبث في المسلمين بعض
عقائد المتصوفة الباطلة التي منها تحريم ما أحل الله بدعوى تهذيب النفس ، كأن
ما جاء به الشارع الحكيم غير كاف في ذلك حتى جاء هؤلاء يستدركون على خالقهم
سبحانه و تعالى !
و من شاء أن يطلع على ما أشرنا إليه من التحريم فليراجع كتاب " تلبيس إبليس "
للحافظ أبي الفرج بن الجوزي ير العجب العجاب .
ثم وقفت على إسناد الديلمي في " مسنده " ( 2 / 148 ) فرأيته قد أخرجه من طريق
عبد الملك بن عبد الغفار : حدثنا جعفر بن محمد الأبهري : حدثنا أبو سعيد القاسم
ابن علقمة الأبهري : حدثنا الحسن بن على بن نصر الطوسي : حدثنا محمد بن حرب
حدثنا جبلة بن سليمان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا .
أقول : فإن لم تكن العلة من جبلة أو عنعنة ابن جريج فهي من أحد الثلاثة الذين
دون الطوسي فإني لم أعرفهم ، والله أعلم .
(1/109)
________________________________________
33 - " الدنيا ضرة الآخرة " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 106 ) :
لا أصل له .
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في " الكشف " و غيره ، و إنما يروى من كلام
عيسى عليه السلام نحوه .
(1/110)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
34 - " احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت و ماروت " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 106 ) :
منكر لا أصل له .
قال العراقي في " تخريج الإحياء " ( 3 / 177 ) : رواه ابن أبي الدنيا و البيهقي
في " الشعب " من طريقه من رواية أبي الدرداء الرهاوي مرسلا ، و قال
البيهقي : أن بعضهم قال : عن أبي الدرداء عن رجل من الصحابة قال الذهبي : لا
يدرى من أبو الدرداء ، قال و هذا منكر لا أصل له .
قلت : و قد أقره الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان " ( 6 / 375 ) .
و من ظن أن أبا الدرداء هذا هو الصحابي فقد أخطأ ، و عليه جرى فيما يظهر
السيوطي في " الجامع " و في " الدر المنثور " ( 1 / 100 ) حيث قال : عن
أبي الدرداء فأطلقه و لم يقيده ، و تبعه في ذلك المناوي حيث لم يتعبه بشيء في
" الفيض " و إنما قال : و لم يرمز له بشيء ، و هو ضعيف لأن فيه هشام بن عمار
الأصل كمال و هو تحريف .
قال الذهبي : قال أبو حاتم : صدوق و قد تغير ، و كان كلما لقن يتلقن .
و قال أبو داود : حدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها .
و هذا الإعلال فيه نظر ، فإن للحديث طريقين عن أبي الدرداء كما يستفاد من "
اللسان " ، فالعلة الحقيقية هي جهالة أبي الدرداء هذا و رواه ابن عساكر ( 2 /
333 / 2 ) من قول أرطاة بن المنذر فالظاهر أنه من الإسرائيليات .
تنبيه : كنت قد خرجت الحديث مسلما بما قاله الحافظ معزوا لابن أبى الدنيا و
البيهقى ثم طبع الكتابان و الحمد لله ، و وقفت على إسناده و قول البيهقى عقبه :
إن فيه علة أخرى ، و إنه ليس له طريق أخرى خلافا لقول الحافظ ، فرأيت أنه لابد
لى من بيان ذلك ، فأقول :
1 ـ أما العلة فتتبين بعد سوق السند ، فقال ابن أبى الدنيا فى " ذم الدنيا "
( 54/132 ) ـ و من طريقه البيهقى فى " شعب الإيمان " ( 7/339/10504 ) ـ : حدثنى
أبو حاتم الرازى : حدثنا هشام بن عمار : حدثنا صدقة ـ يعنى : ابن خالد ـ عن
عتبة بن أبى حكيم : حدثنا أبو الدرداء الرهاوى .....
و قال البيهقى : و قال غيره عن هشام بإسناده عن رجل من أصحاب النبى صلى الله
عليه وسلم .
قلت : فالعلة عتبة هذا ، فقد قال الحافظ : " صدوق يخطئ كثيرا " .
2 ـ و أما الطريق فقد قال الذهبى فى " الميزان " : " أبو الدرداء الرهاوى عن
رجل له صحبة بحديث : " اتقوا الدنيا .... " لا يدرى من ذا ، و الخبر منكر لا
أصل له " .
فقال الحافظ عقبه : " أخرجه البيهقى فى " الشعب " من روايته عن أبى الدرداء به
، و أخرجه أيضا من طريق أخرى عن أبى الدرداء مرسلا ، و هو عند ابن أبى الدنيا
فى " ذم الدنيا " من هذا الوجه " .
قلت : إذا تأملت الإسناد المذكور من رواية ابن أبى الدنيا و البيهقى علمت أنها
ليست طريقا أخرى ، و إنما هى الأولى عن أبى الدرداء الرهاوى مرسلا ، فهو من
أوهام الحافظ رحمه الله ، و يؤكد ذلك قول البيهقى المتقدم : " و قال غيره : عن
هشام ..... " إلخ ، و من الواضح أنه يعنى بضمير ( غيره ) أبا حاتم الرازى ،
فهذه طريق أخرى مع كونها معلقة ، و لكنها عن هشام و ليست عن أبى الدرداء كما
وهم الحافظ ، فالطريق عنه فى الحقيقة واحدة ، غاية ما فى الأمر أن أبا حاتم
الحافظ رواه عن هشام بإسناده الضعيف عنه مرسلا ، و رواه غيره ـ و هو مجهول ـ
عنه عن أبى الدرداء عن الصحابى ، و المرسل هو الصحيح على ضعفه ، فهذا ما لزم
بيانه . اهـ .
(1/111)
________________________________________
35 - " من أذن فليقم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 108 ) :
لا أصل له بهذا اللفظ .
و إنما روى بلفظ : " من أذن فهو يقيم " رواه أبو داود و الترمذي و أبو نعيم في
" أخبار أصبهان " ( 1 / 265 - 266 ) و ابن عساكر ( 9 / 466 - 467 ) و غيرهم من
طريق عبد الرحمن بن زياد الإفريقى عن زياد بن نعيم الحضرمي عن زياد بن حارث
الصدائي مرفوعا .
و هذا سند ضعيف من أجل الإفريقى هذا ، قال الحافظ في " التقريب " : ضعيف في
حفظه ، و ضعفه الترمذي فقال عقب الحديث : إنما نعرفه من حديث الإفريقى ، و هو
ضعيف عند أهل الحديث ، و ضعف الحديث أيضا البغوي في " شرح السنة " ( 2 / 302 )و
ارتضاه الإمام النووي " المجموع " ( 3 / 121 ) و أشار لتضعيفه البيهقي في
" سننه الكبرى " ( 1 / 400 ) .
و أما قول ابن عساكر : هذا حديث حسن فلعله يعني حسن المعنى .
و قد ذهب إلى توثيق الإفريقى المذكور بعض الفضلاء المعاصرين و بناء عليه ذهب
إلى أن حديثه هذا صحيح ؟ و ذلك ذهول منه عن قاعدة الجرح مقدم على التعديل إذا
تبين سبب الجرح ، و هو بين هنا و هو سوء الحفظ ، و قد أنكر عليه هذا الحديث
و غيره سفيان الثوري .
و روى الحديث عن ابن عمر و لكنه ضعيف أيضا ، رواه عبد بن حميد في " المنتخب
من مسنده " ( 88 / 2 ) و أبو أمية الطرسوسي في " مسند ابن عمر " ( 202 / 1 )
و ابن حبان في الضعفاء ( 1 / 324 ) و البيهقي و الطبراني ( 3 / 27 / 2 )
و العقيلي في " الضعفاء " ( ص 150 )
و ضعفه البيهقي أيضا فقال : تفرد به سعيد بن راشد و هو ضعيف و كذا قال الحافظ
ابن حجر في " التلخيص " ( 3 / 10 ) قال : و ضعف حديثه هذا أبو حاتم الرازي
و ابن حبان في الضعفاء .
و عنه رواه شيخ الإسلام ابن تيمية في " أربعون حديثا " ( ص 24 ) .
قلت : و نص كلام أبي حاتم كما في " علل الحديث " لابنه قال ( رقم 326 ) :
و قال أبي : هذا حديث منكر ، و سعيد ضعيف الحديث ، و قال مرة : متروك الحديث .
و قد بسطت الكلام على ضعف هذا الحديث في كتابي " ضعيف سنن أبي داود "
( رقم 83 ) .
و أما قول العقيلي عقب حديث ابن عمر : و قد روي هذا المتن بغير هذا الإسناد من
وجه صالح ، فإن أراد طريق الإفريقى فهو غير مسلم لما عرفت من ضعفه ، و العقيلي
نفسه أورده في " الضعفاء " ( 232 ) ، و إن أراد طريقا ثالثا فلم أعرفه .
و رواه ابن عدي ( 295 / 1 ) من حديث ابن عباس ، و فيه محمد بن الفضل بن عطية
و هو متهم بالكذب كما تقدم و قال ابن عدي : عامة حديثه لا يتابعه الثقات عليه .
و من آثار هذا الحديث السيئة أنه سبب لإثارة النزاع بين المصلين كما وقع ذلك
غيرما مرة ، و ذلك حين يتأخر المؤذن عن دخول المسجد لعذر ، و يريد بعض الحاضرين
أن يقيم الصلاة ، فما يكون من أحدهم إلا أن يعترض عليه محتجا بهذا الحديث ،
و لم يدر المسكين أنه حديث ضعيف لا يجوز نسبته إليه صلى الله عليه وسلم فضلا عن
أن يمنع به الناس من المبادرة إلى طاعة الله تعالى ، ألا و هي إقامة الصلاة .
(1/112)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
36 - " حب الوطن من الإيمان " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 110 ) :
موضوع .
كما قال الصغاني ( ص 7 ) و غيره .
و معناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس و المال و نحوه ، كل ذلك غريزي في
الإنسان لا يمدح بحبه و لا هو من لوازم الإيمان ، ألا ترى أن الناس كلهم
مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم و كافرهم ؟ .
(1/113)
________________________________________
37 - " يأتي على الناس زمان هم فيه ذئاب ، فمن لم يكن ذئبا أكلته الذئاب " .قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 111 ) :
ضعيف جدا .
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3 / 80 ) من طريق الدارقطني بسنده إلى
زياد بن أبي زياد الجصاص ، حدثنا أنس بن مالك مرفوعا و قال : قال
الدارقطني : تفرد به زياد و هو متروك ، و قال السيوطي في " اللآليء " ( 2 /
156 ) : قلت : قال في " الميزان " : هو مجمع على تضعيفه و ذكره ابن حبان في
" الثقات " و قال : ربما يهم ، و الحديث أخرجه الطبراني في " الأوسط " .
قلت : و برواية الطبراني أورده الهيثمي في " المجمع " ( 7 / 287 ، 8 / 89 )
و أعله بقوله : و فيه من لم أعرفهم .
(1/114)
________________________________________
38 - " من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 111 ) :
ضعيف .
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 5 / 189 ) من طريق محمد بن إسماعيل : حدثنا
أبو خالد يزيد الواسطي أنبأنا الحجاج عن مكحول عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا
به ، و قال أبو نعيم : كذا رواه يزيد الواسطي متصلا ، و رواه أبو معاوية عن
الحجاج فأرسله .
قلت : ثم ساقه من طريق هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن مكحول مرسلا
.
و كذلك رواه الحسين المروزي في " زوائد الزهد " ( 204 / 1 من " الكواكب " /
575 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 13 / 231 ) و هناد في " الزهد " ( رقم
678 ) من طريقه عن حجاج به .
فالحديث إذا عن حجاج عن مكحول مرسل ، و وصله لا يصح ، و قد أورده ابن الجوزي في
" الموضوعات " ( 3 / 144 ) من طريق أبي نعيم الموصول ثم قال : لا يصح ، يزيد بن
أبي يزيد عبد الرحمن الواسطي كثير الخطأ ، و حجاج مجروح ، و محمد بن إسماعيل
مجهول ، و لا يصح سماع مكحول لأبي أيوب .
و تعقبه السيوطي في " اللآليء المصنوعة " ( 2 / 176 ) بقوله : قلت : اقتصر
العراقي في " تخريج الإحياء " على تضعيف الحديث ، و له طريق عن مكحول مرسل ليس
فيه محمد بن إسماعيل و لا يزيد .
قلت : ثم ذكره من طريق أبي نعيم و غيره عن حجاج عن مكحول مرسلا ، و سكت عليه و
هو ضعيف لأن حجاجا و هو ابن أرطاة مدلس و قد عنعنه ، ثم هو مرسل ، و الحديث
أورده الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " ( ص 7 ) .
ثم وجدت له طريقا آخر ، رواه القضاعي ( 30 / 1 ) عن عامر بن سيار قال : أنبأنا
سوار بن مصعب عن ثابت عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا و قال : كأنه يريد بذلك
من يحضر العشاء الآخرة و الفجر في جماعة ، و من حضرها أربعين يوما يدرك
التكبيرة الأولى كتب له براءتان .
لكن سوار هذا متروك كما قال النسائي و غيره .
(1/115)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
39 - " من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 112 ) :
ضعيف .
أخرجه ابن حبان في " الضعفاء و المجروحين " ( 1 / 283 ) من طريق خالد بن القاسم
عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا .
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3 / 69 ) و قال : لا يصح ، خالد كذاب ،
و الحديث لابن لهيعة فأخذه خالد و نسبه إلى الليث .
قال السيوطي في " اللآليء " ( 2 / 150 ) : قال الحاكم و غيره : كان خالد يدخل
على الليث من حديث ابن لهيعة ، ثم ذكره السيوطي من طريق ابن لهيعة فمرة قال :
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ، و مرة قال : عن ابن شهاب عن
أنس مرفوعا .
و ابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه ، و قد رواه على وجه ثالث ، أخرجه ابن عدي في
" الكامل " ( ق 211 / 1 ) و السهمي في " تاريخ جرجان " ( 53 ) عنه عن عقيل عن
مكحول مرفوعا مرسلا ، أخرجاه من طريق مروان ، قال : قلت لليث بن سعد -
و رأيته نام بعد العصر في شهر رمضان - يا أبا الحارث مالك تنام بعد العصر و قد
حدثنا ابن لهيعة .. ؟ فذكره ، قال الليث : لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن
عقيل ! ثم رواه ابن عدي من طريق منصور بن عمار حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده .
قلت : و لقد أعجبني جواب الليث هذا ، فإنه يدل على فقه و علم ، و لا عجب ، فهو
من أئمة المسلمين ، و الفقهاء المعروفين ، و إني لأعلم أن كثيرا من المشايخ
اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر ، و لو كانوا بحاجة إليه ، فإذا قيل له :
الحديث فيه ضعيف ، أجابك على الفور : يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال !
فتأمل الفرق بين فقه السلف ، و علم الخلف !
و الحديث رواه أبو يعلى و أبو نعيم في " الطب النبوى " ( 12 / 2 نسخة
السفرجلاني ) عن عمرو بن حصين عن ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن
عائشة مرفوعا .
و عمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب و غيره و هو راوي حديث العدس و هو :
(1/116)
________________________________________
40 - " عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ ، و عليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 114 ) :
موضوع .
رواه الطبراني في " الكبير " ( 22 / 62 ـ رقم 152 ) من طريق عمرو المذكور آنفا
عن ابن علاثة عن ثور عن مكحول عن واثلة .
و قال السيوطي في " اللآليء " ( 2 / 151 ) بعد أن ساقه من هذا الوجه : و عمرو
و شيخه متروكان .
قلت : و مع هذا فقد أورده في " الجامع الصغير " ! قال الزركشى في " اللآليء
المنثورة في الأحاديث المشهورة " ( رقم 143 ـ نسختي ) : و وجدت بخط ابن الصلاح
أنه حديث باطل ... سئل عنه ابن المبارك ؟ فقال : و لا على لسان نبي واحد ! إنه
لمؤذ ينفخ ! .
و ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 2 / 294 ـ 295 ) من عدة طرق و حكم عليه
بالوضع ، قال المناوي : و دندن عليه المؤلف و لم يأت بطائل ، و كذلك أورد حديث
العدس هذا الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " ( ص 9 ) و كذا ابن القيم ، فقال في
" المنار " ( ص 20 ) : و يشبه أن يكون هذا الحديث من وضع الذين اختاروه على
المن و السلوى و أشباههم ! و أقره علي القاري في " موضوعاته " ( ص 107 ) .
و قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوي " ( 27 / 23 ) : حديث مكذوب مختلق باتفاق
أهل العلم ، و لكن العدس هو مما اشتهاه اليهود ، و قال الله لهم *( أتستبدلون
الذي هو أدنى بالذي هو خير )* .
و من أحاديث عمرو بن الحصين هذا الكذاب :
(1/117)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
41 - " من أصاب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 115 ) :
لا يصح .
رواه القضاعي في " مسند الشهاب " ( ق 37 / 2 ) و الرامهرمزي في " الأمثال "
( ص 160 ) عن عمرو بن الحصين قال : أنبأنا محمد بن عبد الله بن علاثة قال :
أنبأنا أبو سلمة الحمصي مرفوعا .
قلت : و هذا إسناد ساقط ، عمرو هذا كذاب كما سبق مرارا ، و قال السخاوي في
" المقاصد " ( رقم 1061 ) : عمرو متروك ، و أبو سلمة و اسمه سليمان بن سلم
و هو كاتب يحيى بن جابر قاضي حمص ، لا صحبة له ، فهو مع ضعفه مرسل ، و قد عزاه
الديلمي ليحيى بن جابر هذا و هو أيضا ليس بصحابي ، و قال التقي السبكي في
" الفتاوى " ( 2 / 369 ) : إنه لا يصح ، و له كلام طويل في نقضه و قد ذكر
العسكري في " التصحيفات " ( 1 / 229 ) عن أبي عبيد أنه غير محفوظ .
و الحديث عزاه السيوطي في " الجامع " لابن النجار عن أبي سلمة الحمصي و تعقبه
المناوي بأن أبا سلمة هذا تابعى مجهول ، قاله في " التقريب " كأصله ، و بأن
عمرا متروك .
نهاوش : بالنون من نهش الجثة جمع نهواش أو هواش من الهوش الجمع و هو كل مال
أصيب من غير حله و " الهواش " ما جمع من مال حرام .
نهابر : بنون أوله أي مهالك و أمور مبددة جمع نهبر و أصل النهابر مواضع الرمل
إذا وقعت بها رجل بعير لا تكاد تخلص و المراد أن من أخذ شيئا من غير حله كنهب
أذهبه الله في غير حله كذا في " فيض القدير " .
(1/118)
________________________________________
42 - " الأنبياء قادة ، و الفقهاء سادة ، و مجالسهم زيادة " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 116 ) :
موضوع .
أخرجه الدارقطني في " سننه " ( ص 322 ) و القضاعي في " مسند الشهاب "
( 23 / 1 ) من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب مرفوعا .
و هذا سند ضعيف جدا ، الحارث هو ابن عبد الله الهمداني الأعور و قد ضعفه
الجمهور و قال ابن المديني : كذاب ، و قال شعبة : لم يسمع أبو إسحاق منه إلا
أربعة أحاديث ، و في الكشف ( 1 / 205 ) : قال القاري : هو موضوع كما في
" الخلاصة " ، و أورده السيوطي في " الجامع " من رواية القضاعي ، و بيض له
المناوي ! و لوائح الوضع عليه ظاهرة .
(1/119)
________________________________________
43 - " شهر رمضان معلق بين السماء و الأرض ، و لا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 117 ) :
ضعيف .
عزاه في " الجامع الصغير " لابن شاهين في " ترغيبه " و الضياء عن جرير و رمز له
بالضعف و بين سببه المناوي في شرحه فقال : أورده ابن الجوزي في " الواهيات "
و قال : لا يصح فيه محمد بن عبيد البصري مجهول .
قلت : و تمام كلام ابن الجوزي " العلل المتناهية " ( 824 ) : لا يتابع عليه .
و أقره الحافظ عليه في " اللسان " .
و أما قول المنذري في " الترغيب " ( 2 / 100 ) : رواه أبو حفص بن شاهين في
" فضائل رمضان " و قال : حديث غريب جيد الإسناد .
ففيه نظر من وجهين :
الأول : ثبوت هذا النص في كتاب ابن شاهين المذكور ، فإنى قد راجعت " فضائل
رمضان " له في نسخة خطية جيدة في المكتبة الظاهرية بدمشق ، فلم أجد الحديث فيه
مطلقا ، ثم إننى لم أره تكلم على حديث واحد مما أورده فيه بتصحيح أو تضعيف .
ثم رأيت الحديث رواه أحمد بن عيسى المقدسي في " فضائل جرير " ( 2 / 24 / 2 ) من
هذا الوجه و قال : رواه أبو حفص بن شاهين و قال : حديث غريب جيد الإسناد قال :
و معناه لا يرفع إلى الله عز وجل بغفران مما جنى فيه إلا بزكاة الفطر ! .
فلعل ابن شاهين ذكر ذلك في غير " فضائل رمضان " أو في نسخة أخرى منه ، فيها
زيادات على التي وقفت عليها .
الآخر : على افتراض ثبوت النص المذكور عن ابن شاهين فهو تساهل منه ، و إلا فأنى
للحديث الجودة مع جهالة راويه و قد تفرد به كما قال ابن الجوزي ، و تبعه
الحافظ ابن حجر العسقلاني كما سبق .
و روي من حديث أنس أخرجه الخطيب ( 9 / 121 ) و عنه ابن الجوزي في " العلل "
( 823 ) ، و ابن عساكر ( 12 / 239 / 2 ) عن بقية بن الوليد حدثني عبد الرحمن بن
عثمان بن عمر عنه مرفوعا .
قلت : و عبد الرحمن هذا لم أعرفه و الظاهر أنه من شيوخ بقية المجهولين ، و زعم
ابن الجوزي أنه البكراوي الذي قال أحمد فيه : طرح الناس حديثه مردود ، فإن هذا
متأخر الوفاة مات سنة ( 195 هـ ) فهو من طبقة بقية .
ثم إن الحديث لو صح لكان ظاهر الدلالة على أن قبول صوم رمضان متوقف على إخراج
صدقة الفطر ، فمن لم يخرجها لم يقبل صومه ، و لا أعلم أحدا من أهل العلم يقول
به ، و التأويل الذي نقلته آنفا عن المقدسي بعيد جدا عن ظاهر الحديث ، على أن
التأويل فرع التصحيح ، و الحديث ليس بصحيح .
أقول هذا ، و أنا أعلم أن بعض المفتين ينشر هذا الحديث على الناس كلما أتى شهر
رمضان ، و ذلك من التساهل الذي كنا نطمع في أن يحذروا الناس منه فضلا عن أن
يقعوا فيه هم أنفسهم ! .
(1/120)
________________________________________
44 - " من أحدث و لم يتوضأ فقد جفاني ، و من توضأ و لم يصل فقد جفاني ، و من صلى
و لم يدعني فقد جفاني ، و من دعاني فلم أجبه فقد جفيته ، و لست برب جاف " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 119 ) :
موضوع .
قاله الصغاني ( 6 ) و غيره .
و مما يدل على وضعه أن الوضوء بعد الحدث ، و الصلاة بعد الوضوء إنما ذلك من
المستحبات ، و الحديث يفيد أنهما من الواجبات لقوله : " فقد جفاني " و هذا لا
يقال في الأمور المستحبة كما لا يخفى و مثله :
(1/121)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
45 - " من حج البيت و لم يزرني فقد جفاني " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 119 ) :
موضوع .
قاله الحافظ الذهبي في " الميزان " ( 3 / 237 ) ، و أورده الصغاني في
" الأحاديث الموضوعة " ( ص 6 ) و كذا الزركشي و الشوكاني في " الفوائد المجموعة
في الأحاديث الموضوعة " ( ص 42 ) .
قلت : و آفته محمد بن محمد بن النعمان بن شبل أو جده قال : حدثنا مالك عن نافع
عن ابن عمر مرفوعا .
أخرجه ابن عدي ( 7 / 2480 ) ، و ابن حبان في " الضعفاء " ( 2 / 73 ) ، و عنه
ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 2 / 217 ) و قالا : يأتي عن الثقات بالطامات
و عن الأثبات بالمقلوبات ، قال ابن الجوزي عقبه : قال الدارقطني : الطعن فيه من
محمد بن محمد بن النعمان .
و مما يدل على وضعه أن جفاء النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر إن لم يكن
كفرا ، و عليه فمن ترك زيارته صلى الله عليه وسلم يكون مرتكبا لذنب كبير و ذلك
يستلزم أن الزيارة واجبة كالحج و هذا مما لا يقوله مسلم ، ذلك لأن زيارته
صلى الله عليه وسلم و إن كانت من القربات فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود
المستحبات ، فكيف يكون تاركها مجافيا للنبي صلى الله عليه وسلم و معرضا عنه ؟ !
(1/122)
________________________________________
46 - " من زارني و زار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 120 ) :
موضوع .
قال الزركشي في " اللآليء المنثورة " ( رقم 156 - نسختي ) : قال بعض الحفاظ :
هو موضوع و لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث و كذا قال النووي : هو موضوع لا
أصل له .
و أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " رقم ( 119 ) و قال : قال
ابن تيمية و النووي : إنه موضوع لا أصل له و أقره الشوكاني ( ص 42 ) .
(1/123)
________________________________________
47 - " من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 120 ) :
موضوع .
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 203 / 2 ) و في " الأوسط " ( 1 /
126 / 2 من " زوائد المعجمين : الصغير و الأوسط " ) و ابن عدي في " الكامل "
و الدارقطني في " سننه " ( ص 279 ) و البيهقي ( 5 / 246 ) و السلفي في " الثاني
عشر من المشيخة البغدادية " ( 54 / 2 ) كلهم من طريق حفص بن سليمان أبي عمر عن
الليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر مرفوعا به و زاد ابن عدي :
" و صحبني " .
قلت : و هذا سند ضعيف جدا ، و فيه علتان :
الأولى : ضعف ليث بن أبي سليم فإنه كان قد اختلط كما تقدم بيانه في الحديث
( 2 ) .
الأخرى : أن حفص بن سليمان هذا و هو القاريء و يقال له الغاضري ضعيف جدا كما
أشار إليه الحافظ ابن حجر بقوله في " التقريب " : متروك الحديث و ذلك لأنه قد
قال فيه ابن معين : كان كذابا كما في " كامل " ابن عدي ، و قال ابن خراش : كذاب
يضع الحديث و قد تفرد بهذا الحديث كما قال الطبراني و ابن عدي و البيهقي
و قال : و هو ضعيف ، و قال ابن عدي بعد أن ساق الحديث في أحاديث أخرى له :
و عامة حديثه غير محفوظ .
و مما سبق تعلم أن قول ابن حجر الهيثمي في " الجوهر المنظم " ( ص 7 ) أن
ابن عدي رواه بسند يحتج به مما لا يتلفت إليه ، فلا يغتر به أحد كما فعل الشيخ
محمد أمين الكردي في " تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب " حيث نقل ( ص 245 )
ذلك عنه مرتضيا له ! فوجب التنبيه عليه .
ثم وقفت على متابع لحفص بن سليمان فقال الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 126 / 2 )
من " زوائد المعجمين " : حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا علي بن الحسن بن هارون
الأنصارى حدثني الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم حدثتني عائشة بنت يونس امرأة
الليث ابن أبي سليم عن ليث بن أبي سليم به و قال : لا يروى عن الليث إلا بهذا
الإسناد تفرد به علي .
قلت : و لم أجد له ترجمة ، و مثله الليث ابن بنت أبي الليث و امرأته عائشة لم
أجد من ذكرها ، و بها أعل الهيثمي الحديث في " المجمع " ( 4 / 2 ) فقال : لم
أجد من ترجمها و هذا إعلال قاصر لما علمت من حال من دونها ، ثم إن شيخ الطبراني
فيه أحمد بن رشدين قال ابن عدي : كذبوه ، و أنكرت عليه أشياء .
و ذكر له الذهبي أحاديث من أباطيله .
و من طريقه رواه الطبراني في " الكبير " أيضا .
و إذا عرفت حال هذا الإسناد تبين لك أن المتابعة المذكورة لا يعتد بها البتة ،
فلا تغتر بإيراد السبكي إياها في " شفاء السقام " ( ص 20 ) دون أن يتكلم عليها
و لا على الطريق إليها !
و قد قال المحقق العلامة محمد بن عبد الهادي في الرد عليه في " الصارم المنكي "
( ص 63 ) : ليس هذا الإسناد بشيء يعتمد عليه ، و لا هو مما يرجع إليه ، بل هو
إسناد مظلم ضعيف جدا ، لأنه مشتمل على ضعيف لا يجوز الاحتجاج به ( و هو ليث بن
أبي سليم ) ، و مجهول لم يعرف من حاله ما يوجب قبول خبره ، و ابن رشدين شيخ
الطبراني قد تكلموا فيه ، و علي بن حسن الأنصارى ليس هو ممن يحتج بحديثه ،
و الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم و جدته عائشة مجهولان لم يشتهر من حالهما
عند أهل العلم ما يوجب قبول روايتهما و لا يعرف لهما ذكر في غير هذا الحديث ،
قال : و الحاصل أن هذا المتابع الذي ذكره المعترض ( السبكي ) من رواية الطبراني
لا يرتفع به الحديث عن درجة الضعف و السقوط و لا ينهض إلى رتبة تقتضي الاعتبار
و الاستشهاد ، لظلمة إسناده ، و جهالة رواته ، و ضعف بعضهم و اختلاطه ، و لو
كان الإسناد صحيحا إلى ليث بن أبي سليم لكان فيه ما فيه ، فكيف و الطريق إليه
ظلمات بعضها فوق بعض ؟ ! .
و اعلم أنه قد جاءت أحاديث أخرى في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم و قد ساقها
كلها السبكي في " الشفاء " و كلها واهية و بعضها أوهى من بعض ، و هذا أجودها
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الآتي ذكره ، و قد تولى بيان ذلك
الحافظ ابن عبد الهادي في الكتاب المشار إليه آنفا بتفصيل و تحقيق لا تراه عند
غيره فليرجع إليه من شاء .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة " ( ص 57 ) : و أحاديث زيارة
قبره صلى الله عليه وسلم كلها ضعيفة لا يعتمد على شيء منها في الدين ، و لهذا
لم يرو أهل الصحاح و السنن شيئا منها ، و إنما يرويها من يروي الضعاف
كالدارقطني و البزار و غيرهما .
ثم ذكر هذا الحديث ثم قال : فإن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين ، فإن من
زاره في حياته و كان مؤمنا به كان من أصحابه ، لاسيما إن كان من المهاجرين إليه
المجاهدين معه ، و قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تسبوا أصحابي
فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه "
خرجاه في الصحيحين ، و الواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور
بها واجبة كالحج و الجهاد و الصلوات الخمس ، و الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
فيكف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين ( يعني زيارة قبره صلى الله عليه وسلم )
بل و لا شرع السفر إليه ، بل هو منهي عنه ، و أما السفر إلى مسجده للصلاة فيه
فهو مستحب .
( تنبيه ) : يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية و من نحى نحوه من
السلفيين يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ، و هذا كذب و افتراء و ليست
أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى ، و عليهم ، و كل من له اطلاع على كتب
ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم و استحبابها
إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات و البدع ، مثل شد الرحل و السفر إليها لعموم
قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد " و المستثنى
منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد
للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجدا أو قبرا أو غير ذلك ، بدليل ما رواه
أبو هريرة قال ( في حديث له ) : فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال : من أين
أقبلت ؟ فقلت : من الطور ، فقال : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت ! سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد "
الحديث أخرجه أحمد و غيره بسند صحيح ، و هو مخرج في " أحكام الجنائز "
( ص 226 ) .
فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه ، و يؤيده أنه لم ينقل
عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما ، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة ،
فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم ، و رحم الله من قال :
و كل خير في اتباع من سلف و كل شر في ابتداع من خلف .
(1/124)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
48 - " الولد سر أبيه " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 124 ) :
لا أصل له .
قاله السخاوي في " المقاصد الحسنة " ( ص 706 ) ، و السيوطي في " الدرر "
(ص 170 ) تبعا للزركشي في " التذكرة " ( ص 211 ) ، و أورده الصغاني في
" الأحاديث الموضوعة " ( ص 4 ) .
و معناه ليس مضطردا ، ففي الأنبياء من كان أبوه مشركا عاصيا ، مثل آزر والد
إبراهيم عليه السلام ، و فيهم من كان ابنه مشركا مثل ابن نوح عليه السلام .
(1/125)
________________________________________
49 - " من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر له و كتب برا " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 125 ) :
موضوع .
أخرجه الطبراني في " الصغير " ( ص 199 ) و في " الأوسط " ( 1 / 84 / 1 ـ من
" زوائد المعجمين " ) ، و عنه الأصبهاني في " الترغيب " ( 228 / 2 ) من طريق
محمد بن النعمان بن عبد الرحمن عن يحيى بن العلاء البجلي عن عبد الكريم
أبي أمية عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا و قال : لا يروى عن أبي هريرة إلا
بهذا الإسناد .
قلت : و هو موضوع : محمد بن النعمان هذا قال في " الميزان " و تبعه في
" اللسان " : مجهول ، قاله العقيلي ، و يحيى متروك .
قلت : و يحيى هذا مجمع على ضعفه ، و قد كذبه وكيع ، و كذا أحمد فقال : كذاب يضع
الحديث و قال ابن عدي : و الضعف على رواياته بين ، و أحاديثه موضوعات .
و شيخه عبد الكريم أبي أمية هو ابن أبي المخارق ضعيف أيضا و لكنه لم يتهم ،
و لذلك لم يصب الحافظ الهيثمي حين أعل الحديث به فقط ، فقال ( 3 / 60 ) : رواه
الطبراني في " الأوسط " و " الصغير " ، و فيه عبد الكريم أبو أمية و هو ضعيف .
و أما شيخه العراقي ، فقد أعله في " تخريج الإحياء " ( 4 / 418 ) بما نقلته
آنفا عن " الميزان " فأصاب و كذلك أخطأ السيوطي في " اللآليء " حيث قال ( 2 /
234 ) حيث قال : عبد الكريم ضعيف ، و يحيى بن العلاء و محمد بن النعمان مجهولان
فإن يحيى بن العلاء ليس بالمجهول ، بل هو معروف و لكن بالكذب ! .
ثم إن للحديث علة أخرى و هي الاضطراب ، فقد أخرجه ابن أبي الدنيا في " القبور "
و من طريقه عبد الغني المقدسي في " السنن " ( 92 / 2 ) عن محمد بن النعمان يرفع
الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، و هذا معضل .
و قال ابن أبي حاتم في " العلل " ( 2 / 209 ) : سألت أبي عن حديث رواه أبو موسى
محمد ( بن ) المثنى عن محمد بن النعمان أبي النعمان الباهلي عن يحيى بن العلاء
عن عمه خالد بن عامر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يعق
والديه أو أحدهما فيموتان فيأتي قبره كل ليلة ؟ قال أبي : هذا إسناد مضطرب ،
و متن الحديث منكر جدا كأنه موضوع .
(1/126)
________________________________________
50 - " من زار قبر والديه كل جمعة ، فقرأ عندهما أو عنده *( يس )* غفر له بعدد كل
آية أو حرف " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 126 ) :
موضوع .
رواه ابن عدي ( 286 / 1 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 344 - 345 )
و عبد الغني المقدسي في " السنن " ( 91 / 2 ) من طريق أبي مسعود يزيد بن خالد ،
حدثنا عمرو بن زياد ، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة عن أبي بكر الصديق مرفوعا و كتب بعض المحدثين - و أظنه ابن المحب أو
الذهبي - على هامش نسخة " سنن المقدسي " : هذا حديث غير ثابت ، و قال ابن عدي :
باطل ليس له أصل بهذا الإسناد ، ذكره في ترجمة عمرو بن زياد هذا ، و هو
أبو الحسن الثوباني مع أحاديث أخرى له ، قال في أحدها : موضوع ، ثم قال :
و لعمرو بن زياد غير هذا من الحديث ، منها سرقة يسرقها من الثقات ، و منها
موضوعات ، و كان هو يتهم بوضعها .
و قال الدارقطني : يضع الحديث و لهذا أورد الحديث ابن الجوزي في " الموضوعات "
( 3 / 239 ) من رواية ابن عدي فأصاب ، و تعقبه السيوطي في " اللآليء " ( 2 /
440 ) بقوله : قلت : له شاهد ، ثم ساق سند الحديث الذي قبله ! و قد علمت أنه
حديث موضوع أيضا ! و لو قيل بأنه ضعيف فقط فلا يصلح شاهدا لهذا ، لوجهين :
الأول : أنه مغاير له في المعنى و لا يلتقي معه إلا في مطلق الزيارة .
الآخر : ما ذكره المناوي في شرحه على " الجامع الصغير " فإنه قال بعد أن نقل
كلام ابن عدي المتقدم : و من ثم اتجه حكم ابن الجوزي عليه بالوضع ، و تعقبه
المصنف بأن له شاهدا ( و أشار إلى الحديث المتقدم ) و ذلك غير صواب لتصريحهم
حتى هو بأن الشواهد لا أثر لها في الموضوع بل في الضعيف و نحوه .
و الحديث يدل على استحباب قراءة القرآن عند القبور ، و ليس في السنة الصحيحة ما
يشهد لذلك ، بل هي تدل على أن المشروع عند زيارة القبور إنما هو السلام عليهم
و تذكر الآخرة فقط ، و على ذلك جرى عمل السلف الصالح رضي الله عنهم ، فقراءة
القرآن عندها بدعة مكروهة كما صرح به جماعة من العلماء المتقدمين ، منهم
أبو حنيفة ، و مالك ، و أحمد في رواية كما في " شرح الإحياء " للزبيدي ( 2 /
285 ) قال : لأنه لم ترد به سنة ، و قال محمد بن الحسن و أحمد في رواية : لا
تكره ، لما روى عن ابن عمر أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة
البقرة و خواتمها .
قلت : هذا الأثر عن ابن عمر لا يصح سنده إليه ، و لو صح فلا يدل إلا على
القراءة عند الدفن لا مطلقا كما هو ظاهر .
فعليك أيها المسلم بالسنة ، و إياك و البدعة ، و إن رآها الناس حسنة ، فإن " كل
بدعة ضلالة " كما قال صلى الله عليه وسلم .
(1/127)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة ابوغسان في المنتدى فى ظل أية وحديث
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 02-03-2012, 07:50 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 25-07-2010, 07:10 PM
-
بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 12-06-2010, 02:00 AM
-
بواسطة عادل محمد في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 07-07-2008, 06:33 PM
-
بواسطة sonia في المنتدى فى ظل أية وحديث
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 25-06-2006, 07:42 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات