الأخت الكريمة muslimah
أسمحي لي أن أقدم أعجابي بهذه المداخلة ... لأنني مِن مَن يؤمن بأن الرد على هذه الشبهات تحتاج لبعض الإضافات بمداخلات من أصاحب الخبرة في النصرانيات .
فأتمنى أن أجد لكِ الكثير والكثير من هذه النوعية .... لأنك كما تعلمي أن هذا المشروع سيبقى بإذن الله ويتوارثه من بعدنا ، ويبقى لنا صدقة جارية .
والله اعلم
جاء عن الإمام / محمد متولي الشعراوي
قال جل جلاله: "إياك نعبد وإياك نستعين" أي لا نعبد سواك ولا نستعين إلا بك. والاستعانة بالله سبحانه وتعالى تخرجك عن ذل الدنيا. فأنت حين تستعين بغير الله فإنك تستعين ببشر مهما بلغ نفوذه وقوته فكلها في حدود بشريته..
ولأننا نعيش في عالم أغيار .. فإن القوى يمكن أن يصبح ضعيفا .. وصاحب النفوذ يمكن أن يصبح في لحظة واحدة طريداً شريداً لا نفوذ له .. ولو لم يحدث هذا. فقد يموت ذلك الذي تستعين به فلا تجد أحد يعينك.
ويريد الله تبارك وتعالى أن يحرر المؤمن من ذل الدنيا .. فيطلب منه أن يستعين بالحي الذي لا يموت .. وبالقوي الذي لا يضعف، وبالقاهر الذي لا يخرج عن أمره أحد .. وإذا استعنت بالله سبحانه وتعالى. كان الله جل جلاله بجانبك. وهو وحده الذي يستطيع أن يحول ضعفك إلي قوة وذلك إلي عز .. والمؤمن دائما يواجه قوي اكبر منه .. ذلك أن الذين يحاربون منهج الله يكونون من الأقوياء ذوي النفوذ الذي يحبون أن يستعبدوا غيرهم .. فالمؤمن سيدخل معهم في صراع .. ولذلك فإن الحق يحض عباده المؤمنين بأنه معهم في الصراع بين الحق والباطل .. وقوله تعالى: "وإياك نستعين" مثل: "إياك نعبد" .. أي نستعين بك وحدك وهي دستور الحركة في الحياة .. لأن استعان معناها طلب المعونة، أي أن الإنسان استنفد أسبابه ولكنها خذلته .. حينئذ لابد أن يتذكر أن له ربا لا يعبد سواه. لن يتخلى عنه بل يستعين به .. وحين تتخلى الأسباب فهناك رب الأسباب وهو موجود دائما .. السماء .. والله سبحانه وتعالى يكون معه.
ومن رحمة الله تبارك وتعالى أنه علمنا ما نطلب .. وهذا يستوجب الحمد لله .. وأول ما يطلب المؤمن هو الهداية والصراط المستقيم: "إهدنا الصراط المستقيم".
والهداية نوعان: هداية دلالة وهداية معونة. هداية الدلالة هي للناس جميعا .. وهداية المعونة هي للمؤمنين فقط المتبعين لمنهج الله. والله سبحانه وتعالى هدى كل عباده هداية دلالة أي دلهم على طريق الخير وبينه لهم .. فمن أراد أن يتبع طريق الخير اتبعه .. ومن أراد ألا يتبعه تركه الله لما أراد..
هذه الهداية العامة هي أساس البلاغ عن الله. فقد بين لنا الله تبارك وتعالى في منهجه بافعل ولا تفعل ما يرضيه وما يغضبه .. وأوضح لنا الطريق الذي نتبعه لنهتدي. والطريق الذي لو سلكناه حق علينا غضب الله وسخطه .
وجاء عن الدكتور فاضل صالح السامرائي ، استاذ النحو في جامعة الشارقة بكتاب لمسات بيانية لسورة الفاتحة :
القرآن هو كتاب الله المتعبد بتلاوته .. فتبدأ السورة بالحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين وهذه كلها من اسلوب الغيبة اي كلها للغائب ثم انتقل الى الخطاب المباشر بقوله اياك نعبد واياك نستعين. فلو قسنا على سياق الآيات الاولى لكان اولى القول اياه نعبد واياه نستعين. فلماذا لم يقل سبحانه هذا؟
في البلاغة يسمى هذا الانتقال من الغائب للمخاطب أو المتكلم او العكس الإلتفات. للالتفات فائدة عامة وفائدة في المقام، اما الفائدة العامة فهي تطرية لنشاط السامع وتحريك الذهن للاصغاء والانتباه. اما الفائدة التي يقتضيها المقام فهي اذا التفت المتكلم البليغ يكون لهذه الالتفاتة فائدة غير العامة مثال: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم) (يونس آية 22) لم يقل وجرين بكم فيها التفات لانهم عندما ركبوا في البحر وجرت بهم الفلك اصبحوا غائبين وليسوا مخاطبين.
وعندما قال سبحانه الحمد لله رب العالمين فهو حاضر دائما فنودي بنداء الحاضر المخاطب. الكلام من اول الفاتحة الى مالك يوم الين كله ثناء على الله تعالى والثناء يكون في الحضور والغيبة والثناء في الغيبة اصدق واولى أما اياك نعبد واياك نستعين فهو دعاء والدعاء في الحضور اولى واجدى اذن الثناء في الغيبة اولى والدعاء في الحضور اولى والعبادة تؤدى في الحاضر وهي اولى.
وهنا يبرز تساؤل آخر ونقول كما سبق وقدم سبحانه مفعولي العبادة والاستعانة في (اياك نعبد واياك نستعين) فلماذا لم يقل سبحانه ايانا اهدي؟ هذا المعنى لا يصح فالتقديم باياك نعبد واياك نستعين تقيد الاختصاص ولا يجوز ان نقول ايانا اهدي بمعنى خصنا بالهداية ولا تهدي احدا غيرنا فهذا لا يجوز لذلك لا يصح التقديم هنا. المعنى تطلب التقديم في المعونة والاستعانة ولم يتطلبه في الهداية لذا قال اهدنا الصراط المستقيم.
فلم قال اهدنا ولم يقل اهدني؟
لانه مناسب لسياق الآيات السابقة وكما في ايات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في الهداية ايضا.
فيه اشاعة لروح الجماعة وقتل لروح الاثرة والانانية وفيه نزع الاثرة والاستئثار من النفس بان ندعو للآخرين بما ندعو به لانفسنا.
الاجتماع على الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة فاذا كثر السالكون يزيد الانس ويقوى الثبات فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل او يسقط او تأكله الذئاب. فكلما كثر السالكون كان ادعى للاطمئنان والاستئناس.
والاجتماع رحمة والفرقة عذاب يشير لله تعالى الى امر الاجتماع والانس بالاجتماع وطبيعة حب النفس للاجتماع كما ورد في قوله الكريم
(ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها)
(النساء آية 13)
خالدين جاءت بصيغة الجمع لان المؤمنين في الجنة يستمتعون بالانس ببعضهم وقوله :
(ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين)
(النساء آية 14)
في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب الوحدة فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين النار والوحدة.
لذا فعندما قال سبحانه وتعالى اهدنا الصراط المستقيم فيه شئ من التثبيت والاستئناس هذا الدعاء ارتبط باول السورة وبوسطها وآخرها. الحمد لله رب العالمين مهمة الرب هي الهداية وكثيرا ما اقترنت الهداية باسم الرب فهو مرتبط برب العالمين وارتبط بقوله الرحمن الرحيم لان من هداه الله فقد رحمه وانت الان تطلب من الرحمن الرحيم الهداية اي تطلب من الرحمن الرحيم ان لا يتركك ضالا غير مهتد ثم قال اياك نعبد واياك نستعين فلا تتحقق العبادة الا بسلوك الطريق المستقيم وكذلك الاستعانة ومن الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم اي صراط الذين سلكوا الصراط المستقيم، ولا الضآلين، والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم فالهداية والضلال نقيضان والضالين نقيض الذين سلكوا الصراط المستقيم.
المفضلات