بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا مُتقبلا برحمته وسعة عفوه، والصلاة والسلام على ناقل رسالته بكل حرص وامانة، الذي بلّغها فأتمّ التبليغ، وكابد دونها ما تنوء بحمله الراسيات والجاريات، اللهم اجزه عنّا خير ما جزيت به رسولا ارستله، او عبدا قرّبته، او ملَكا كرّمته؛
فانه قد ترك لنا بيضاء ناصعة نقية، نظرنا من خلالها الى ما يتحكم في ارضك من افكار الديمقراطية والرأسمالية في هذه الايام، فاذا بها حضارة مهترئة اشقت الانسانية
وانطلقنا مما ارسلته به من كلمات مضيئة خالدة، فتبينّا ان ما زين الشيطان للناس في الديمقراطية ما هو الا العفن الاخضر، والسمّ الزؤام الذي آذى البشر والشجر والحجر وحتى طبقات الهواءالسفلى والعليا
يا ربّ انهم قد اضلوا كثيرا، وأضروا كثيرا، واستكبروا كثيرا، فأعنّا يا قيوم السماوات والاراضين على ان نبين للناس ما نزّل اليهم، وان نأخذ بأيديهم من ضيق الرأسمالية الى سعة الاسلام، وأن نبيّن لهم فساد الرأسمالية، ونور الاسلام، وان نقيم واياهم دولة تحكم بشرعك، وتطبق الانظمة التي أمرت بها لتستقيم الارض، وتشرق بنور الاسلام من جديد. آمين.
نستأنف واياكم - اخوة الاسلام، ومن شاء من بقية الافكار والاديان - استعراض مقدمة كتاب "النظام الاقتصادي في الاسلام"، وندعوا من يدعون من دون الله لان يجمعوا امرهم، ثم ليأتوا صفا، ليناقشوا هذه الافكار بكل صدق قبل ان يأتيهم الاجل، او يأتيهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون؛ فان لله سننا لا تتبدل، قد أزف أوانها، فقربت الجنة، وسعرت النار، وكثرت الاشارات الواضحة.
"واذا استعرضنا النظام الاقتصادي في المبدأ الرأسمالي نجد ان الاقتصاد عندهم هو الذي يبحث في حاجات الانسان ووسائل اشباعها، ولا يبحث الا في الناحية المادية من حياة الانسان. وهو يقوم على ثلاثة أسس:
أحدها - مشكلة الندرة النسبية للسلع والخدمات بالنسبة للحاجات، أي عدم كفاية السلع والخدمات للحاجات المتجددة والمتعددة للانسان. وهذه هي المشكلة الاقتصادية التي تواجه المجتمع لديهم.
ثانيها - قيمة الشيء المنتج، وهي أساس الابحاث الاقتصادية وأكثرها دراسة.
ثالثها - الثمن، والدور الذي يقوم به في الانتاج والاستهلاك والتوزيع، وهو حجر الزاوية في النظام الاقتصادي الرأسمالي."
من المشهور عن هذا المبدأ الرأسماليّ انه مبدأ فردي، يقدّس الفرد ويجعله فوق كل شيء، من الناحية النظرية على الاقل. ولهذا فلقد حرصت هذه الحضارة الشاذة على توفير الحريات المطلقة للافراد فردا فردا: كحرية العقيدة، وحرية الرأي، وحرية التملك، والحرية الشخصية.
غير أنّه حين نستعرض الاسس التي يقوم عليها نظام الاقتصاد عندهم نجد انهم اهملوا مسألة الفرد ايّما اهمال، فهم وان نظروا سابقا الى المجتمع على انه مجموعة من الافراد، الا انهم في ابحاثهم الاقتصادية يهملون فردية هؤلاء الافراد اهمالا تاما.
فالبحث عندهم في مجموع الحاجات عند الافراد، وليس في حاجات الفرد فردا فردا. أي أنهم يبحثون في مجموع الحاجات في المجتمع من جهة، وفي وسائل اشباعها من جهة أخرى.
فمثلا يقوم الأكلة عندهم باجراء الاحصاءات والدراسات في مجتمع ما، فيتوصلون الى ان هذا المجتمع بحاجة الى مائتي الف سيارة، ومليوني هاتف خلوي خلال هذا العام. وهذه تسمى الحاجات.
ويتناول البحث الاساسي عندهم من الجانب الاخر مسألة وسائل الاشباع، وهي السيارات والهواتف في هذا المثال. فيقبلون على دراسة تطويرها وانتاجها وتكلفته, وعلى تسويقها لتلبية حاجة الاسواق.
اي الان البحث يتعلق بمجموع الحاجات من جهة، وبوسائل اشباعها في الجهة الاخرى. ولا حديث، ولا مكان، ولا عبرة للفرد نفسه هل تمّ اشباع حاجته الفردية ام لا.
فالفكرة الاساسية عندهم ان التركيز يجب ان يكون على الانتاج وتكثيره وتقليل تكاليفه، وعلى مجموع الحاجات وتقديرها. ويظنّون حسب رأيهم ان النجاح في هاتين الناحيتين كفيل باشباع الحاجات بأرفع مستوى ممكن.
وهذه الحضارة الديمقراطية، وان كانت لا تنكر وجود خالق مدبر لهذا الكون، وان كان كثير من افرادها يدخلون الكنائس ودور العبادة، الا ان انظمتها الاقتصادية لا تبحث مطلقا في الحاجات الروحية والمعنوية هل تحتاج الى اشباع ام لا. بل يبحثون في الناحية المادية فقط من حياة الانسان، ولا يهملون حاجة مادية مهما صغرت، حتى وصل بهم الامر الى صناعة الاعضاء التناسلية البلاستيكية بالاحجام المطلوبة، وصناعة كل ما يحتاجه الانسان لاشباع حاجاته المادية البحتة مهما كانت شاذة.
وباختصار فان نظام الاقتصاد الغربي يبحث في حاجات الانسان، وفي وسائل اشباعها، ولا يبحث الا في الحاجات المادية. فكان طبيعيا ان يقوم على الاسس الثلاث المشهورة: الندرة النسبية، والنظرة الى القيمة، وجهاز الثمن.
وهذه الاسس الثلاث هي ما سيكون موضوع بحثنا في المقاطع التالية، ثم ستكون موضوع محاكمة فكرية اسلامية لنبيّن حكم الله فيها، ورأي الاسلام الصحيح بدلا منها، ونقيم الحجة فنُعذر في الذين كفروا، والذين ظلموا، وعشاق الظلام. لذلك فانّي أعزم على من اراد البحث معنا ان يستمر فيه الى النهاية حتى نبين الحقيقة، والنور الذي انزله الله الينا، والذل والفقر والصغار الذي تعدنا به الحضارة الديمقراطية، وانظمتها الرأسمالية.
وحتى يبقى هيكل البحث متصورا، فلا بأس من اعطاء فكرة سريعة مختصرة عن هذه الاسس.
فأما مشكلة الندرة النسبية، فهي ان حاجات الانسان التي تحتاج الى اشباع غير محدودة. بل هي مختلفة متعددة، متنامية متجددة. بينما نجد ان ما في الارض من مواد خام واراض ووسائل اشباع محدودة. فنظر مفكروا الرأسمالية، ثم نظروا، ثم قدّروا ان الحاجات لطالما كانت، وهكذا ستكون، اكثر من وسائل الاشباع. فنشأت من هنا المشكلة الاقتصادية عندهم، وسموها الندرة النسبية، اي ندرة وسائل الاشباع بالنسبة للحاجات.
واما قيمة الشيء المنتج، فهي النظرة الى الشيء هل له قيمة اقتصادية؟ وهل تقدير هذه القيمة يكون بناء على ما فيها من مادة خام، ام على ما بذل فيها من جهد؟ وهل هذا القيمة متغيرة ام ثابتة، وباختصار: ما الذي يحدد قيمة الشيء المنتج بالنسبة لشخص معين، او بالنسبة لشيء معين؟
وهذا البحث في القيمة وان كان نظريا، وان بدا بعيدا عن واقع النظام الاقتصادي التفصيلي، الا ان له من الاهمية ما له، فلقد بني على هذه النظرة الكثير من الخطوط العريضة التي اثرت عميقا في انظمة الاقتصاد الرأسمالية على اختلاف تشوّهاتها.
وامّا الثمن، فهو قيمة الشيء المنتج بالنسبة للنقود. ولقد اعتبر جهاز الثمن حجر الزاوية في النظام الاقتصادي الرأسمالي لان له وظائف اساسية ضرورية في الحياة الاقتصادية: الانتاج، والاستهلاك، والتوزيع.
فالثمن هو الذي يحدد هل ستنتج هذه السلعة ام لا، وهو الذي يقرر للمستهلك اي السلع سيشتري وايها لا يمكنه شراؤها، وهو بالتالي الذي سيحدد توزيع وسائل الاشباع المحدودة على الحاجات غير المحدودة حسب رأيهم.
اللهمّ انّا نبرأ اليك مما يدعون من دونك، ونبرأ اليك من شركائهم، ومن افكارهم الشاذة المغلوطة،
ونعاهدك بما ارسلت الينا من رسول عزيز عليه ما عنتنا, وبما انعمت به علينا من نعمة الاسلام، وهذا الحزب الذي نظنه حارسا امينا لدينك، ان لا نترك في هذه الارض كلمة تخالف شرعك الا بينا للناس فيها حكمك، وسلطتنا عليها نورك الخالد الذي انزلته الينا، وتعهدت بحفظه الى يوم يبعثون.
اللهم فنسألك بما علمتنا وبما اخفيت عنا من اسمائك العظيمة، ان لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، واغفر لنا ربنا انك انت العزيز الحكيم.
اللهمّ واحفظ احبابنا الذين احببناهم فيك من حملة الدعوة الصادعين بالحق، الذين لم يقيموا وزنا في هذا الكون لسواك، وثبت اقدامهم، وثبت افئدتهم، وارفع صوتهم، وبلغ نداءهم، ولا تجعلهم فتنة للذين كفروا والذين ظلموا، بل اجتبيهم واجعلهم فوق الذين كفروا بعز عزيز وذل ذليل. آمين.
المفضلات