هل حكم سيدنا يوسف عليه السلام بحكم الكفر ؟؟
بالنسبة إلى سيدنا يوسف عليه السلام فإنهم يقولون إن المجتمع الذي عاش فيه كان مجتمعاً جاهلياً، وكانت عقيدة الشرك هي المسيطرة . وقد انتشر فيه الفساد الخلقي وتعرض فيه سيدنا يوسف للغواية والظلم، لدرجة أنهم رأوا سجنه من بعد ما رأوا آيات براءته . وقد أخرجه الملك من السجن بعدما أعجب بحسن تأويله للرؤيا وتحقق من نزاهته . فاستخلصه لنفسه وقرّبه منه، فطلب منه سيدنا يوسف عليه السلام أن يجعله على خزائن الأرض، فأجابه الملك إلى طلبه . وبهذا صار يقوم بأعباء الوزارة في حكم جاهلي ونظام مخالف لما كان معروفاً من شريعة بني إسرائيل .
وكان سيدنا يوسف من حيث التطبيق على ( دين الملك ) أي سلطانه وحكمه . حتى أنه لجأ إلى حيلة الاحتكام إلى شريعة يعقوب ليبقي أخاه عنده . وذلك عندما دبّر مكيدة لأخيه بأن اتهمه بالسرقة . وحسب شريعة يعقوب أن السارق يُسْتَرَقّ .
ويضيفون : ولا يقال إن هذا كان خاصاً بسيدنا يوسف، فالتخصيص يحتاج إلى دليل . لأن الأصل أن كل ما يذكر من سير الأنبياء وهديهم إنما يراد به التأسي والاقتداء .
كذلك يضيفون: ولا يقال إن هذا كان من شرع من قبلنا، لأن موضوع الحكم ليس من فروع الشريعة التي يمكن أن تختلف فيها الشرائع بل هي من الأصول المتفق عليها . ولأن سيدنا يوسف أقر ﴿ إنِ الحكم إلا لله ﴾ وهو مع إقراره هذا فقد شارك في الحكم .
إن الناظر في الآيات المتعلقة بموضوعنا من سورة يوسف يرى أن هذا الرأي، وهو جواز المشاركة في أنظمة الكفر، مبنيّ على آيتين وهما : ﴿ ما كان ليأخذ أخاه في دينِ الملك ﴾ ، ﴿ اجعلني على خزائن الأرض ... ﴾
ففسروهما تفسيراً يتفق مع ما ذهبوا إليه . متناسين كل الأصول المخالفة التي ينبني عليها الإسلام، ومتغافلين عن كل الآيات التي تعارض هذا الفهم، وضاربين عُرْضَ الحائط بموضوع عصمة الأنبياء . ومتى تهاوى فهمهم المتعلق بهاتين الآيتين تهاوى كل ما بنوه على موضوع سيدنا يوسف عليه السلام .
إن الأنبياء هم أصفياء الله في خلقه ومُجتبوه . يختارهم لنشر دينه، فهم الأسوة والقدوة لقومهم، وهم الآيات الصادقة في التعبد والالتزام حيث يقومون بأمره خير قيام . ويعصمهم الله من المعاصي ويحفظهم من الفتنة ويثبتهم على الحق، ويعينهم عليه .
وسيدنا يوسف عليه السلام هو من هذه الثلة المصطفاة . وقد مدحه الله وأثنى عليه ثناء عطراً في غير آية، قال تعالى: ﴿ وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويُتِمُ نعمته عليك... ﴾ وقال تعالى: ﴿ ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين ﴾ وقال تعالى: ﴿ .. كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلَصين ﴾ وقال تعالى: ﴿ وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، نصيب برحمتنا من نشاء، ولا نضيع أجر المحسنين ﴾.
وقد كان داعياً إلى الله على أرفع طراز . فقد ذكر القرآن أنه قال لصاحبيه في السجن عندما سألاه عن تأويل رؤيا كلٍ منهما : ﴿ أأرباب متفرقون خير أم اللهُ الواحد القهار ، ما تعبدون من دونه إلاّ أسماءً سميتموها أنتم وآباؤُكُم ما أنزل الله بها من سلطان، إنِ الحكمُ إلاّ لله، أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إياه، ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعملون ﴾ .
وقد كان عفّاً موصولاً بالله مستعصماً، فصرف الله عنه كيد النسوة وكيد امرأة العزيز التي ذكر القرآن قولها : ﴿ ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجَننَّ وليكوناً من الصاغرين ، قال ربِّ السجنُ أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه، وإلاّ تصرفْ عني كيدهنَّ أَصْبُ إليهن وأكن من الجاهلين ، فاستجاب له رَبُّهُ فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ﴾ وشهد له الناس بالعفة والإحسان والصدق فقد قال له صاحبا السجن: ﴿ نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ﴾ وقال له أحدهما الذي نجا بعد أن رأى الملك رؤياه ﴿ يوسف أيها الصديق أفتنا ... ﴾ وقالت النسوة بعد أن رفض أن يخرج من السجن إلاّ من بعد أن تظهر براءته: ﴿ حاشَ لله ما علمنا عليه من سوء ، قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ﴾ وقال الملك بعد أن أعجب به ﴿ ائتوني به استخلصه لنفسي ﴾ وقال له إخوته بعد أن قرر أن يأخذ أخاه ﴿ .. فخذ أحدنا مكانه، إنا نراك من المحسنين ﴾ وقد قرر سيدنا يوسف عليه السلام أن ما منَّ الله به عليه فلتقواه وصبره على الطاعة وبعده عن المعصية حيث قال: ﴿ {قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }يوسف90 ﴾ .
المفضلات