مؤلف هذا الكتاب هو الباحث المعروف دون ناردو الذي يكتب ويعيش في ولاية ماساشوسيتا في الولايات المتحدة الأميركية. وقد نشر عشرات الكتب حتى الآن حول موضوعات شتى ونال على بعضها الجوائز التقديرية المهمة. وفي هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن أهم مذهب في المسيحية وهو المذهب الكاثوليكي البابوي الروماني.
ومنذ البداية يقول المؤلف ما معناه: إن هذا المذهب هو أكبر المذاهب المسيحية الثلاثة، فبعده تجيء البروتستانتية ثم الأرثوذكسية. ويبلغ عدد أتباعه في شتى أنحاء العالم حوالي المليار شخص، وهم يتوزعون أساسا على أوروبا، وأميركا اللاتينية، وإفريقيا السوداء. ولكن له أتباع عديدين أيضا في العالم العربي وبخاصة في لبنان وسوريا وفلسطين.ومعلوم أن الكنيسة المسيحية التي أسسها بطرس وبولس شهدت أول انقسام لها عام 1054. وهو عام الفتنة الكبرى أو الانشقاق الأكبر في المسيحية. فقد انقسمت الكنيسة عندئذ إلى فرعين كبيرين متنافسين هما:
فرع روما حيث يوجد مركز الكنيسة الغربية. وفرع القسطنطينية حيث يوجد مقر الكنيسة الشرقية. ودعيت الأولى بالكاثوليكية والثانية بالأرثوذكسية. وكلمة كاثوليكية باليونانية تعني الكونية.
ثم حصل انقسام خطير ثان داخل الكنيسة الغربية عندما ظهر مارتن لوثر في القرن السادس عشر وأعلن حركة الإصلاح الديني الشهيرة. وعندئذ ظهر مذهب ثالث في المسيحية هو المذهب البروتستانتي.
وبعدئذ حصلت الحروب والمجازر بين كلا المذهبين على مدار القرون التالية. ولذلك فعندما يقول البابا الحالي بنديكتوس السادس عشر إن المسيحية هي دين العقل والسلام فإنه ينسى أو يتناسى ما حصل في التاريخ بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين.
فالواقع أن التعصب الأعمى كان منتشرا آنذاك في صفوف المسيحيين وبالأخص في صفوف الكاثوليكيين، أتباع البابا. وقد سالت الدماء أنهارا بسبب ذلك.
ثم يردف المؤلف قائلا: وبعد الحروب الصليبية ارتكبت الكنيسة الكاثوليكية مجازر عديدة في حق البروتستانتيين في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا، الخ. كما وحاربت هذه الكنيسة العلماء والمفكرين وأدانتهم وحرقت كتبهم ومنعتهم من مواصلة التدريس أو الاكتشافات العلمية كما حصل لجاليليو مثلا.
وأحيانا كانت تلجأ إلى قتلهم كما حصل للعالم والفيلسوف الإيطالي الشهير جيوردانو برينو. واستمرت محاكم التفتيش طيلة القرون الوسطى وحتى مشارف العصور الحديثة. ثم يقولون إنه لا علاقة للمسيحية بالعنف.
ثم يردف المؤلف قائلا:
لقد عقدت الكنيسة الكاثوليكية برئاسة الفاتيكان والبابا مجمعا كنسيا شهيرا عام 1545 من أجل مواجهة الإصلاح الديني البروتستانتي. ومعلوم أن المذهب البروتستانتي انتشر بسرعة في ألمانيا وبقية بلدان أوروبا الشمالية وسواها على الرغم من كل المحاولات التي بذلتها الكنيسة الكاثوليكية لخنقه.
وانتشاره هذا قسم ألمانيا إلى قسمين: قسم بروتستانتي، وقسم كاثوليكي. وهكذا فقد الفاتيكان الكثير من رعاياه وأتباعه. بل إن نصف أوروبا تقريبا أصبحت بروتستانتية.
ولذلك عقد المجتمع الكنسي المضاد للإصلاح البروتستانتي عام 1545 في مدينة تورنتو بإيطاليا لاتخاذ التدابير اللازمة بحق البروتستانتيين ولإطلاق الفتاوى اللاهوتية المضادة لمذهبهم. وقد وعي هذا المجمع بالإصلاح المضاد أو الإصلاح الكاثوليكي.
ثم واجهت الكنيسة الكاثوليكية في القرن الثامن عشر مشاكل كبيرة مع فلسفة التنوير: أي الفلسفة التي نصّبت العقل كمضاد للدين المسيحي. وبعدئذ اندلعت الثورة الفرنسية كنتيجة للتنوير وأدت إلى تهميش الكنيسة وملاحقة رجال الدين. وحصلت عندئذ مجازر ضد الكاثوليكيين في ظل الإرهاب الثوري.
فحتى ذلك الوقت كان الكاثوليكيون هم الذين يقتلون الآخرين ويضطهدونهم. ولكن بدءاً من الآن فصاعدا أصبحوا هم الذين يتعرضون للملاحقة والاضطهاد.
وعندئذ اندلعت المواجهة الكبرى بين البابا والفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية من جهة، وبين النظام الجمهوري العلماني الحديث من جهة أخرى. وأصدر البابا عدة فتاوى لاهوتية تدين الديمقراطية، والحداثة، والعقلانية، والليبرالية، وحقوق الإنسان، وكل فلسفة التنوير وروح العصور الحديثة.
وقال إن كل ذلك كفر وخروج على الدين و«العقيدة القويمة» للمسيحية: أي للمذهب الكاثوليكي البابوي الروماني. واستمرت المعارك دائرة بين الكنيسة والحداثة طيلة عشرات السنين.
*الناشر: لوسنت بوكس
*الصفحات :112 صفحة من القطع الكبير
p.112
عن موقع البيان www.albayan.ae
المفضلات