اسهل عقيده اسلاميه لاطفل المسلم من الكتاب: التوحيد للناشئة والمبتدئين المؤلف: عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

اسهل عقيده اسلاميه لاطفل المسلم من الكتاب: التوحيد للناشئة والمبتدئين المؤلف: عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف

النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: اسهل عقيده اسلاميه لاطفل المسلم من الكتاب: التوحيد للناشئة والمبتدئين المؤلف: عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    2,649
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    23-07-2024
    على الساعة
    02:20 AM

    افتراضي اسهل عقيده اسلاميه لاطفل المسلم من الكتاب: التوحيد للناشئة والمبتدئين المؤلف: عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف

    التوحيد للناشئة والمبتدئين
    بسم الله الرحمن الرحيم
    توجيهات عامة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد: فهذا كتاب التوحيد للمرحلة الأولية، وقد روعي فيه عرض أهم مسائل التوحيد مع الإيجاز، ووضوح العبارة بما يناسب تلك المرحلة، وقد حوى جملة من الأدلة على مسائل التوحيد، مع حسن العرض وترتيب المعلومات، وإشارة إلى بعض الجوانب التربوية والسلوكية لتلك المادة.
    وهذا الكتاب يصلح تدريسه للناشئة والمبتدئين.
    سائلا الله القدير أن ينفع به، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يبارك في جهود العاملين للإسلام، وأن يرزق الجميع حسن القصد واتباع الحق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    المؤلف
    (1/3)
    ________________________________________
    [أسئلة في التوحيد للمبتدئين (1) ]
    لا إله إلا الله
    محمد رسول الله
    ربى الله
    أنا أعبد ربى
    أنا أحبّ ربى س1: مَن ربُّك؟
    ج1: ربّي الله.
    س 2: مَن الذي خلقك؟
    ج 2: الله الذي خلقني وخلق الناس جميعًا.
    س3: مَن الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر؟
    ج3: الله الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر.
    س4: مَن الذي خلق الأرض التي نمشي عليها؟
    ج4: الله الذي خلق الأرض التي نمشي عليها.
    س5: مَن الذي خلق البحار وأجرى الأنهار؟
    ج 5: الله الذي خلق البحار وأجرى الأنهار.
    (1/5)
    ________________________________________
    س6: من الذي ينزِّل المطر من السماء؟
    ج6: الله الذي ينزِّل المطر من السماء.
    س7: مَن الذي خلق الأشجار وأخرج منها الثمار؟
    ج7: الله الذي خلق الأشجار وأخرج منها الثمار.
    (1/6)
    ________________________________________
    [أسئلة في التوحيد للمبتدئين (2) ]
    أنا أعبد الله
    أنا أحب الله
    الله خلق الناس لعبادته وطاعته
    عبادة الله وطاعته واجبة على جميع الناس س1: ما دينك؟
    ج1: ديني الإسلام.
    س2: ما الإسلام؟
    ج2: الإسلام هو توحيد الله، وطاعة الله، وترك مخالفة أمر الله تعالى.
    س3: ما أساس الإسلام؟
    ج3: أساس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
    س4: لماذا نقوم جميعا لأداء الصلاة عند سماع الأذان؟
    ج4: لأن الصلاة ركن من أركان الإسلام، ولا يكون الإنسان مسلما إلا بفعلها.
    (1/7)
    ________________________________________
    س5: مَن الرسول الذي أرسله الله إلينا؟
    ج5: النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الرسول الذي أرسله الله إلينا.
    س6: لماذا أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعًا؟
    ج6: أرسله الله إلى الناس ليعلمهم الإسلام.
    س7: ما الذي يدعو إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
    ج7: يدعو النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة غير الله.
    (1/8)
    ________________________________________
    [معرفة الأصول الثلاثة]
    رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا
    وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيا
    يجب علينا معرفة ثلاثة أصول:
    معرفة الرب تعالى والدين والرسول الأصل الأول: معرفة الربّ 1 - ربي الله الخالق المالك المدبِّر: قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] (1) .
    2 - أعرف ربي بآياته ومخلوقاته: قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت: 37] (2) .
    3 - الله هو المعبود المستحق للعبادة وحده لا شريك له: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] (3) .
    س1: لأي شيء خلقك الله؟
    _________
    (1) سورة الزمر آية: 62.
    (2) سورة فصلت آية: 37.
    (3) سورة البقرة آية: 21.
    (1/9)
    ________________________________________
    ج1: خلقني لعبادته، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (1) .
    س2: ما عبادته؟
    ج 2: عبادته توحيده وطاعته.
    س3: ما معنى لا إله إلا الله؟
    ج 3 معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحقٍّ إلا الله.
    الأصل الثاني: معرفة الدين 1 - الإسلام هو توحيد الله وطاعته، وترك مخالفة أمر الله: قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125] (2) .
    2 - الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس جميعا: قال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] (3) .
    3 - الإسلام هو دين الخير والسعادة والسرور: قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112] (4) .
    _________
    (1) سورة الذاريات آية: 56.
    (2) سورة النساء آية: 125.
    (3) سورة المائدة آية: 3.
    (4) سورة البقرة آية: 112.
    (1/10)
    ________________________________________
    س1: كم أركان الإسلام؟ وما هي؟
    ج1: أركان الإسلام خمسة وهي:
    1 - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
    2 - إقام الصلاة.
    3 - إيتاء الزكاة.
    4 - صوم رمضان.
    5 - حج بيت الله الحرام مع الاستطاعة.
    الأصل الثالث: معرفة النبي صلى الله عليه وسلم 1 - نبيي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
    2 - أرسل الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعا ليعلمهم الإسلام.
    3 - يجب عليّ طاعةُ النبي صلى الله عليه وسلم.
    قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] (1) .
    _________
    (1) سورة الحشر آية: 7.
    (1/11)
    ________________________________________
    [أصول عقيدتنا]
    أصول عقيدتنا ثلاثة
    معرفة ربنا وديننا ونبينا الأصل الأول: معرفة ربنا سبحانه 1 - ربنا الله سبحانه خالق السماوات والأرض: قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأعراف: 54] (1) .
    2 - ربنا الله الذي خلق الإنسان وأحسن خلقه: قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] (2) .
    3 - ربنا الله الذي يدبِّر الأمر: قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5] (3) .
    4 - خلق الله الجن والإنس لعبادته: قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (4) .
    5 - أمرنا الله بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله:
    _________
    (1) سورة الأعراف آية: 54.
    (2) سورة التين آية: 4.
    (3) سورة السجدة آية: 5.
    (4) سورة الذاريات آية: 56.
    (1/12)
    ________________________________________
    قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] (1) .
    6 - العروة الوثقى هي: لا إله إلا الله، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله.
    الأصل الثاني: معرفة ديننا الإسلامي 1 - ديننا هو الإسلام لا يقبل الله من أحد سواه:
    قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] (2) .
    2 - مراتب الدين الإسلامي ثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان.
    3 - الإسلام: هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله.
    4 - الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
    5 - الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 256.
    (2) سورة آل عمران آية: 85.
    (1/13)
    ________________________________________
    الأصل الثالث: معرفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 1 - هو محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الأنبياء وخاتمهم.
    2 - بلّغ نبينا صلى الله عليه وسلم هذا الدين، وأمرنا بكل خير، ونهانا عن كل شر.
    3 - يجب علينا الاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم واتِّباعه.
    قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (1) .
    4 - يجب علينا تقديم محبة نبينا صلى الله عليه وسلم على محبة الأمهات والآباء وجميع الناس.
    قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين» (2) ومحبته تكون باتِّباعه وطاعته.
    _________
    (1) سورة الأحزاب آية: 21.
    (2) أخرجه البخاري ومسلم.
    (1/14)
    ________________________________________
    [معاني الشهادتين]
    أشهد أن لا إله إلا الله
    وأشهد أن محمدًا رسول الله 1 - معنى شهادة أن لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله.
    2 - العبادة: هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال.
    3 - أنواع العبادة كثيرة منها: الدعاء، والخوف، والتوكل، والصلاة، والذكر، وبر الوالدين وغيرها.
    ودليل الدعاء قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] (1) .
    ودليل الخوف قوله تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] (2) .
    دليل التوكل قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] (3) .
    _________
    (1) سورة غافر آية: 60.
    (2) سورة آل عمران آية: 175.
    (3) سورة المائدة آية: 23.
    (1/15)
    ________________________________________
    ودليل الصلاة قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31] (1) .
    ودليل الذكر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] (2) ودليل بر الوالدين قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: 15] (3) .
    4 - تُصْرَفُ جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو كافر.
    قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] (4) 5 - خلق الله الجن والإنس لعبادته وحده.
    قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (5) .
    6 - من عبد الله تعالى حقًّا فسيجد سعادة عظيمة وسرورا كبيرا
    _________
    (1) سورة الروم آية: 31.
    (2) سورة الأحزاب آية: 41. .

    (3) سورة الأحقاف آية: 15.
    (4) سورة المؤمنون آية: 117. .

    (5) سورة الذاريات آية: 56.
    (1/16)
    ________________________________________
    وحياة طيبة.
    قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] (1) .
    1 - معنى شهادة أن محمدا رسول الله: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
    2 - اسمُ نبيِّنا: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، فهو أفضل العرب نسبا صلى الله عليه وسلم.
    3 - أرسل الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وافترض طاعته على جميع الناس.
    قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] (2) .
    4 - عاش النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، ودعا إلى التوحيد وعبادة الله وحده، ثم هاجر إلى المدينة النبوية، وأمر ببقية أحكام
    _________
    (1) سورة النحل آية: 97.
    (2) سورة الأعراف آية: 158.
    (1/17)
    ________________________________________
    الإسلام مثل الزكاة والصوم والجهاد وغيرها، وتوفي صلى الله عليه وسلم في المدينة وعمره ثلاث وستون سنة.
    5 - من خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو مستحق للعذاب الأليم.
    قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] (1) 6 - من أطاع النبي صلى الله عليه وسلم فسينال السعادة الكاملة، والفوز الكبير. قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132] (2) .
    وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54] (3) .
    _________
    (1) سورة النور آية: 63. .

    (2) سورة آل عمران آية: 132.
    (3) سورة النور آية: 54.
    (1/18)
    ________________________________________
    [أنواع التوحيد]
    أنواع التوحيد التوحيد: هو إفراد الله تعالى بالربوبية والألوهية وكمال الأسماء والصفات.
    أنواع التوحيد: ثلاثة، وهي توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.
    1 - توحيد الربوبية: وهو توحيد الله بأفعاله - سبحانه - مثل الخلق والرزق وتدبير الأمور والإحياء والإماتة ونحو ذلك.
    فلا خالق إلا الله، كما قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] (1) .
    ولا رازق إلا الله، كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] (2) .
    ولا مدبِّر إلا الله، كما قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5] (3) .
    _________
    (1) سورة الزمر آية: 62.
    (2) سورة هود آية: 6.
    (3) سورة السجدة آية: 5.
    (1/19)
    ________________________________________
    ولا محيي ولا مميت إلا الله، كما قال تعالى: {هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يونس: 56] (1) .
    وهذا النوع قد أقر به الكفار على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يدخلهم في الإسلام، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] (2) .
    2 - توحيد الألوهية: وهو توحيد الله بأفعال العباد التي أمرهم بها. فتصرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، مثل الدعاء والخوف والتوكل والاستعانة والاستعاذة وغير ذلك.
    فلا ندعو إلا الله، كما قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] (3) .
    ولا نخاف إلا الله، كما قال تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] (4) .
    _________
    (1) سورة يونس آية: 56.
    (2) سورة لقمان آية: 25.
    (3) سورة غافر آية: 60.
    (4) سورة آل عمران آية: 175.
    (1/20)
    ________________________________________
    ولا نتوكل إلا على الله، كما قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] (1) .
    ولا نستعين إلا بالله، كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] (2) .
    ولا نستعيذ إلا بالله، كما قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] (3) .
    وهذا النوع من التوحيد هو الذي جاءت به الرسل عليهم السلام، حيث قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (4) .
    وهذا النوع من التوحيد هو الذي أنكره الكفار قديما وحديثا، كما قال تعالى على لسانهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] (5) .
    3 - توحيد الأسماء والصفات: وهو الإيمان بكل ما ورد في
    _________
    (1) سورة المائدة آية: 23.
    (2) سورة الفاتحة آية: 5.
    (3) سورة الناس آية: 1.
    (4) سورة النحل آية: 36.
    (5) سورة ص آية: 5.
    (1/21)
    ________________________________________
    القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة من أسماء الله وصفاته التي وصف بها نفسه أو وَصفه بها رسوله على الحقيقة.
    وأسماء الله كثيرة، منها: الرحمن، والسميع، والبصير، والعزيز، والحكيم.
    قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (1) .
    _________
    (1) سورة الشورى آية: 11.
    (1/22)
    ________________________________________
    [صفات الفائزين]
    صفات الفائزين قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3] (1) .
    أقسم الله تعالى بالعصر وهو الزمان على أن الإنسان في خسارة وهلاك إلا من حقق أربع صفات:
    1 - الإيمان: وهو معرفة الله تعالى، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام.
    2 - العمل الصالح: مثل الصلاة والزكاة والصيام والصدق وبرّ الوالدين.
    3 - التواصي بالحق: وهو الدعوة إلى الإيمان والعمل الصالح، والترغيب في ذلك.
    4 - التواصي بالصبر: وهو الصبر على فعل الطاعات، والصبر عند وقوع المصائب.
    _________
    (1) سورة العصر الآيات: 1- 3.
    (1/23)
    ________________________________________
    [ما ينافي التوحيد ويضاده]
    ما ينافي التوحيد ويضاده 1 - أول ما فرض الله على الناس الإيمان بالله والكفر بالطاغوت.
    كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (1) .
    2 - معنى الطاغوت: كل ما عُبد من دون الله وهو راضٍ.
    3 - صفة الكفر بالطاغوت: أن تعتقد بطلان عبادة غير الله تعالى وتتركها وتبغضها، وتكفِّر أهلها وتعاديهم.
    4 - الشرك ضد التوحيد، فالتوحيد هو إفراد الله تعالى بالعبادة، والشرك هو صرف إحدى العبادات لغير الله تعالى، مثل أن يدعو غير الله، أو يسجد لغير الله.
    5 - الشرك أكبر الذنوب وأعظمها، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] (2) .
    _________
    (1) سورة النحل آية: 36.
    (2) سورة النساء آية: 48.
    (1/24)
    ________________________________________
    والشرك يبطل جميع الطاعات، ويوجب الخلود في النار وعدم دخول الجنة، كما قال تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88] (1) .
    وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72] (2) .
    6 - الكفر ينافي التوحيد، فالكفر أقوال وأعمال تخرج فاعلها عن التوحيد والإيمان.
    ومثال الكفر: الاستهزاء بالله تعالى، أو آيات القرآن، أو الرسول كما قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66] (3) .
    7 - النفاق ينافي التوحيد، فالنفاق: أن يظهر للناس التوحيد والإيمان ويبطن في قلبه الشرك والكفر.
    ومثال النفاق: أن يظهر بلسانه الإيمان بالله ويبطن الكفر كما
    _________
    (1) سورة الأنعام آية: 88.
    (2) سورة المائدة آية: 72.
    (3) سورة التوبة آية: 65، 66.
    (1/25)
    ________________________________________
    قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] (1) .
    أي يقولون بألسنتهم آمنا بالله وما هم بمؤمنين حقيقة في قلوبهم.
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 8.
    (1/26)
    ________________________________________
    [الإيمان بالله واليوم الآخر]
    الإيمان بالله واليوم الآخر معنى الإيمان باليوم الآخر: التصديق الجازم بوقوع هذا اليوم، فيؤمن كل واحد منا بأن الله تعالى يبعث الناس من القبور، ثم يحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم، حتى يستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.
    والإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان، فلا يصح الإيمان إلا به.
    والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور: 1 - الإيمان بالبعث والحشر: وهو إحياء الموتى من قبورهم، وإعادة الأرواح إلى أجسادهم، فيقوم الناس لرب العالمين، ثم يحشرون ويجمعون في مكان واحد، حفاة غير منتعلين، عراة غير مستترين، غرلا غير مختونين.
    ودليل البعث قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ - ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15 - 16] (1) .
    _________
    (1) سورة المؤمنون آية: 15 - 16.
    (1/27)
    ________________________________________
    ودليل الحشر قوله صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا» (1) .
    2 - الإيمان بالحساب والميزان: يحاسب الله الخلائق على أعمالهم التي عملوها في الحياة الدنيا، فمن كان من أهل التوحيد ومطيعا لله ورسوله فإن حسابه يسير، ومن كان من أهل الشرك والعصيان فحسابه عسير.
    وتوزن الأعمال في ميزان عظيم، فتوضع الحسنات في كفة، والسيئات في الكفة الأخرى، فمن رجحت حسناته بسيئاته فهو من أهل الجنة، ومن رجحت سيئاته بحسناته فهو من أهل النار.
    ودليل الحساب قولَه تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا - وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا - وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ - فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا - وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 7 - 12] (2) .
    _________
    (1) متفق عليه.
    (2) سورة الانشقاق آية: 7- 12.
    (1/28)
    ________________________________________
    ودليل الميزان قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] (1) .
    3 - الجنة والنار: الجنة هي دار النعيم المقيم، أعدها الله للمؤمنين المتقين، المطيعين لله ورسوله، فيها جميع أنواع النعيم الدائم من المأكولات والمشروبات والملبوسات وجميع أنواع المحبوبات.
    وأما النار فهي دار العذاب المقيم، أعدها الله للكافرين الذين كفروا بالله وعَصَوا رُسله، فيها من أنواع العذاب والآلام والنكال ما لا يخطر على البال.
    ودليل الجنة قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] (2) .
    _________
    (1) سورة الأنبياء آية: 47.
    (2) سورة آل عمران آية: 133.
    (1/29)
    ________________________________________
    وقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] (1) .
    وأما الدليل على النار فقوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] (2) .
    وقوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا - وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل: 12 - 13] (3) .
    اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل.
    _________
    (1) سورة السجدة آية: 17.
    (2) سورة البقرة آية: 24.
    (3) سورة المزمل الآيتان: 12 - 13.
    (1/30)
    ________________________________________
    [مقدمة عن العقيدة الإسلامية وأهميتها]
    مقدمة عن العقيدة الإسلامية وأهميتها إن الدين الإسلامي عقيدةٌ وشريعة، فأما العقائد فيراد بها: الأمور التي تصدق بها النفوس، وتطمئن إليها القلوب وتكون يقينا عند أصحابها لا شك فيها ولا ريب.
    والشريعة: تعني التكاليف العملية التي دعا إليها الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام وبر الوالدين وغيرها.
    وأسس العقيدة الإسلامية هي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
    والدليل على ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] (1) .
    وقوله تعالى في القَدَر: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ - وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 49 - 50] (2) .
    وقوله صلى الله عليه وسلم،: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 177.
    (2) سورة القمر الآيتان: 49، 50.
    (1/31)
    ________________________________________
    واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» (1) .
    * * * أهمية العقيدة الإسلامية: تظهر أهمية العقيدة الإسلامية من خلال أمور كثيرة منها ما يلي:
    1 - أن حاجتنا إلى هذه العقيدة فوق كل حاجة، وضرورتنا إليها فوق كل ضرورة؟ لأنه لا سعادة للقلوب، ولا نعيم، ولا سرور إلا بأن تعبد ربها وفاطرها تعالى.
    2 - أن العقيدة الإسلامية هي أعظم الواجبات وآكدها؛ لذا فهي أول ما يطالب به الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» (2) .
    3 - أن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الوحيدة التي تحقق الأمن والاستقرار، والسعادة والسرور.
    كما قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112] (3) كما أن العقيدة الإسلامية وحدها هي التي تحقق العافية والرخاء، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96] (4) .
    4 - أن العقيدة الإسلامية هي السبب في حصول التمكين في الأرض، وقيام دولة الإسلام.
    قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] (5) .
    _________
    (1) أخرجه مسلم.
    (2) أخرجه البخاري ومسلم.
    (3) سورة البقرة آية: 112. .

    (4) سورة الأعراف آية: 96.
    (5) سورة الأنبياء آية: 105.
    (1/32)
    ________________________________________
    [الإيمان بالله عز وجل]
    [الإيمان بوجود الله تعالى]
    الإيمان بالله عز وجل معنى الإيمان بالله عز وجل: هو التصديق الجازم بوجود الله تعالى، والإقرار بربوبيته وأُلوهيته وأسمائه وصفاته.
    فتضمن الإيمان بالله عزّ وجل أربعة أمور: 1 - الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى.
    2 - الإيمان بربوبية الله تعالى.
    3 - الإيمان بأُلوهية الله تعالى.
    4 - الإيمان بأسماء الله وصفاته.
    وسنتحدث عن هذه الأمور الأربعة تفصيلًا على النحو الآتي:
    1 - الإيمان بوجود الله تعالى: 1 - إن الإقرار بوجود الله تعالى أمرٌ فطريّ في الإنسان، وأكثر الناس يعترفون بوجود الله، ولم يخالف في ذلك إلا قلة قليلة من الملاحدة.
    (1/34)
    ________________________________________
    إن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تعليم، وها نحن نسمع ونشاهد من إجابة الداعين وإعطاء السائلين ما يدلُّ دلالة يقينية على وجوده تعالى كما قال سبحانه.
    {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9] (1) .
    ب - ومن المعلوم عند كل شخص أن الحادث لا بد له من مُحْدِث، وهذه المخلوقات الكثيرة والتي نشاهدها في كل وقت لا بد لها من خالقٍ أوجدها، وهو الله عز وجل، لأنه يمتنع أن تكون مخلوقة من غير خالقٍ خَلقها، كما يمتنع أن تخلق نفسها؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه.
    كما قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] (2) .
    ومعنى الآية: أنهم لم يُخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فيتعيّن أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى.
    جـ- إن انتظام هذا الكون بسمائه وأرضه ونجومه وأشجاره يدلّ دلالة قطعية على أن لهذا الكون خالقا موحَّدا وهو
    _________
    (1) سورة الأنفال آية: 9.
    (2) سورة الطور آية: 35.
    (1/35)
    ________________________________________
    الله سبحانه وتعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] (1) .
    فهذه الكواكب والنجوم - مثَلَا - تسير على نظام ثابت لا يختل، وكل كوكب يسير في مجال لا يتعداه ولا يتجاوزه.
    يقول تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] (2) .

    [الإيمان بربوبية الله تعالى]
    2 - الإيمان بربوبية الله تعالى: 1 - معنى الإيمان بربوبية الله تعالى: هو الإقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه، وأنه المحيي المميت النافع الضار، الذي له الأمر كله، وبيده الخير، وهو على كل شيء قدير، ليس له في ذلك شريك.
    والإيمان بربوبية الله هو التصديق الجازم بأن الله سبحانه وتعالى هو الربّ لا شريك له، وإفراد الله بأفعاله، بأن يعتقد أن الله وحده الخالق لكل ما في الكون، كما قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] (3) .
    _________
    (1) سورة النمل آية: 88.
    (2) سورة يس آية: 40.
    (3) سورة الزمر آية: 62.
    (1/36)
    ________________________________________
    وأنه الرزّاق لجميع المخلوقات، كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] (1) .
    وأنه المالك لكل شيء، حيث قال سبحانه: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ} [المائدة: 120] (2) .
    ب- قرر الله تعالى انفراده بالربوبية على جميع خلقه، فقال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] (3) .
    ومعنى ربّ العالمين: أي خالقهم ومالكهم ومصلحهم ومربيهم بأنواع نعمه وفضله.
    جـ- وقد فطر الله الخلق على الإيمان بربوبية الله تعالى، حتى مشركي العرب زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ - قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ (4) إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 86 - 89] (5) .
    _________
    (1) سورة هود آية: 6.
    (2) سورة المائدة آية: 120.
    (3) سورة الفاتحة آية: 2.
    (4) معنى يجير ولا يجار عليه: أي يدفع عن عباده المكاره، ولا يقدر أحد أن يدفع ما قدره الله.
    (5) سورة المؤمنون الآيات: 86- 89.
    (1/37)
    ________________________________________
    إن الإيمان بربوبية الله تعالى لا يكفي العبد في حصول الإسلام، بل لا بد أن يؤمن بألوهية الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاتل مشركي العرب مع إقرارهم بربوبية الله تعالى.
    د- إن جميع الكون بسمائه وأرضه، وكواكبه ونجومه، وشجره، وإنسه وجنه، كله خاضع لله تعالى.
    قال تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] (1) .
    فليس لأحد من المخلوقات خروج عن قدر الله تعالى، فإن الله تعالى هو مليكهم يصرِّفهم كيف يشاء وِفق حكمته، وهو خالقهم جميعا، وكل ما سوى الله مصنوع فقير محتاج إلى خالقه تعالى.
    هـ- إذا تقرر أن الله تعالى له الأمر كله، فلا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله، ولا مدبر للكون إلا الله وحده، فلا تتحرك ذرة إلا بإذنه، فإن هذا يوجب تعلق قلوبنا بالله وحده وسؤاله
    _________
    (1) سورة آل عمران آية: 83.
    وأخيراً أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل نافعاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم
    وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

    حياكم الله بموقع بداية الهداية الخطوة إلى طريق العلم الشرعي الصحيح
    http://www.musacentral.com/

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    2,649
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    23-07-2024
    على الساعة
    02:20 AM

    افتراضي

    والافتقار إليه، والاعتماد عليه، فهو سبحانه خالقنا ورازقنا، ومالكنا.

    [الإيمان بألوهيَّة الله تعالى]
    [معنى الإيمان بأُلوهيَّة الله تعالى]
    3 - الإيمان بألوهيَّة الله تعالى: 1 - معنى الإيمان بأُلوهيَّة الله تعالى: التصديق الجازم بأن الله تعالى وحده المستحق لجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، مثل الدعاء والخوف والتوكل والاستعانة والصلاة والزكاة والصيام، فيعلم العبد يقينا أن الله هو المعبود لا شريك له، فلا معبود بحق إلا الله تعالى، كما قال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] (1) .
    فأخبر تعالى أن الإله إلهٌ واحد، أي معبود واحد فلا يجوز أن يُتّخذ إله غيره، ولا يعبد إلا إياه.
    ب - إن الإيمان بأُلوهيَّة الله: هو الاعتراف بأن الله وحده الإله الحق لا شريك له، والإله.
    بمعنى المألوه أي المعبود حبا وتعظيما، فهو إفراد الله بجميع أنواع العبادة، فلا ندعو إلا الله، ولا نخاف إلا الله، ولا نتوكل
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 163.
    (1/39)
    ________________________________________
    إلا على الله، ولا نسجد إلا لله، ولا نخضع إلا لله، فلا يستحق العبادة إلا هو سبحانه، تحقيقا لقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] (1) .

    [أهمية الإيمان بألوهيَّة الله تعالى]
    جـ - أهمية الإيمان بألوهيَّة الله تعالى: تبدو أهمية الإيمان بألوهية الله تعالى من خلال ما يلي:
    1 - أن الغاية من خلق الجن والإنس هو عبادة الله وحده لا شريك له، حيث قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (2) .
    2 - أن المقصود من إرسال الرسل عليهم السلام وإنزال الكتب السماوية هو الإقرار بأن الله هو المعبود الحق، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (3) .
    3 - أن أول واجب على كل شخص هو الإيمان بألوهيَّة الله تعالى، كما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل - رضي الله
    _________
    (1) سورة الفاتحة آية: 5.
    (2) سورة الذاريات آية: 56.
    (3) سورة النحل آية: 36.
    (1/40)
    ________________________________________
    عنه - لما أرسله إلى اليمن قائلًا له: «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» (1) .
    أي: ادعهم إلى إفراد الله بجميع أنواع العبادة.

    [معنى لا إله إلا الله]
    د- معنى لا إله إلا الله: هذه الكلمة العظيمة هي أول واجب على كل شخص، كما أنها آخر واجب، فمن مات على هذه الكلمة فهو من أهل الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة» (2) .
    ولذا فإن وجوب معرفة لا إله إلا الله أعظم الواجبات وأهمها.
    ومعنى لا إله إلا الله: أي لا معبود بحق إلا الله وحده، فهو نفي الإلهيَّة عما سوى الله تبارك وتعالى، وإثباتها كلها لله وحده لا شريك له.
    فمعنى الإله: هو المعبود، فمن عبد شيئا فقد اتخذه إلها من دون الله، وجميع ذلك باطل إلا إله واحد وهو الله وحده.
    _________
    (1) أخرجه البخاري ومسلم.
    (2) أخرجه مسلم.
    (1/41)
    ________________________________________
    والله تعالى هو الإله الذي تعبده القلوب محبة وإجلالا وتعظيما، وذلا وخضوعا وخوفَاَ وتوكلا عليه، ودعاءً له.
    وليس للقلوب سرور ولا سعادة إلا بتحقيق معنى لا إله إلا الله؛ فإن السرور التام والحياة الطيبة والنعيم إنما هو في إفراد الله تعالى بالعبادة.

    [أركان لا إله إلا الله]
    هـ- أركان لا إله إلا الله: لهذه الكلمة العظيمة ركنان هما: النفي والإثبات.
    فالركن الأول: "لا إله" وهو نفي العبادة عما سوى الله، وإبطال الشرك، ووجوب الكفر بكل ما يعبد من دون الله.
    والركن الثاني: "إلا الله" وهو إثبات العبادة لله وحده، وإفراده سبحانه بجميع أنواع العبادة.
    والدليل على ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] (1) .
    فقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} [البقرة: 256] معنى الركن الأول (لا إله) ، وقوله: {وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة: 256] هو معنى الركن الثاني
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 256.
    (1/42)
    ________________________________________
    (إلا الله) .

    [شروط لا إله إلا الله]
    و شروط لا إله إلا الله: لا بد في شهادة أن لا إله إلا الله من سبعة شروط لا تنفع قائلها إلا باجتماعها، وهي كالتالي:
    1 - العلم بمعنى لا إله إلا الله: كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] (1) .
    2 - اليقين: أن يكون قائلهما مستيقنا بما تدل عليه، فإن كان شاكّا مرتابا بما تدلّ عليه لم تنفعه. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15] (2) .
    3 - القبول: لما دلّت عليه هذه الكلمة من عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، فمن قالها ولم يقبل عبادة الله وحده كان من الذين قال الله فيهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ - وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 35 - 36] (3) .
    4 - الانقياد: لما دلت عليه، قال تعالى:
    _________
    (1) سورة محمد آية: 19.
    (2) سورة الحجرات آية: 15.
    (3) سورة فصلت، الآيتان: 35، 36.
    (1/43)
    ________________________________________
    {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22] (1) .
    ومعنى {يُسْلِمْ وَجْهَهُ} [لقمان: 22] أي ينقاد ويخضع، والعروة الوثقى هي: لا إله إلا الله.
    5 - الصدق: وهو أن يقول هذه الكلمة صدقا من قلبه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرّمه الله على النار» (2) .
    6 - الإخلاص: وهو تصفية العمل من جميع شوائب الشرك، بأن لا يقصد بقولها طمعا من مطامع الدنيا. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرَّم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله» (3) .
    7 - المحبة لهذه الكلمة: ولما تدل عليه، ولأهلها العاملين بها. قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] (4) .
    _________
    (1) سورة لقمان آية: 22.
    (2) أخرجه البخاري ومسلم.
    (3) أخرجه البخاري ومسلم.
    (4) سورة البقرة آية: 165.
    (1/44)
    ________________________________________
    فأهل لا إله إلا الله يحبون الله حبا خالصا، وأهل الشرك يشركون فيحبون مع الله غيره من المعبودات الأخرى، وهذا ينافي معنى لا إله إلا الله.

    [معنى العبادة]
    ز- معنى العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، مثل محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والخوف من الله، والتوكل على الله، وسؤال الله تعالى، والصلاة، والزكاة، وبر الوالدين، وذكر الله تعالى، وجهاد الكفار والمنافقين، وغير ذلك.
    فأنواع العبادة كثيرة تشمل كل أنواع الطاعات كتلاوة القرآن والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين، والصدق، والأمانة، والكلمة الطيبة.
    والعبادة شاملة محل تصرفات المؤمن إذا نوى بها التقرب إلى الله تعالى، بل لو أكل أحدنا أو شرب أو نام بقصد التقوّي على طاعة الله تعالى؛ فإنه يثاب على ذلك، فهذه العادات مع النية الصالحة والقصد الصحيح تصير عبادات يثاب عليها، فليست العبادة قاصرة على الشعائر المعروفة كالصلاة والصيام ونحوهما.
    (1/45)
    ________________________________________
    حـ- إن العبادة هي التي خلق الله الخلق من أجلها: قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ - مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ - إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58] (1) .
    فأخبر سبحانه أن الحكمة من خلق الجن والإنس هي قيامهم بعبادة الله، والله تعالى غني عن عبادتهم، وإنما هم المحتاجون إلى عبادته، لفقرهم إلى الله تعالى.
    إن فقر العبد إلى الله بأن يعبد الله لا يشرك به شيئا، أعظم من فقره وحاجته إلى الماء والطعام.
    إن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله تعالى والإخلاص له، لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك، ولا ألذّ ولا أطيب، ولا يخلص أحد من آلام الدنيا ومشاكلها إلا بتحقيق العبودية لله تعالى.

    [أركان العبادة]
    ط- أركان العبادة: إن العبادة التي أمر الله بها قائمة على ركنين مهمين:
    الأول: كمال الذل والخوف، والثاني: كمال الحبّ.
    _________
    (1) سورة الذاريات الآيات: 56 - 58.
    (1/46)
    ________________________________________
    فالعبادة التي فرضها الله على عباده لا بد فيها من كمال الذل لله والخضوع له والخوف منه، مع كمال الحب وغايته، والرغبة إليه ورجائه.
    والمحبة وحدها التي لم يكن معها خوف ولا تذلل - كمحبة الطعام والمال - ليست بعبادة، وكذلك الخوف بدون محبة - كالخوف من حيوان مفترس - لا يعدّ عبادةً، فإذا اجتمع الخوف والحب في العمل كان عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله وحده.

    [التوحيد سبب قبولِ العبادة]
    ي- التوحيد سبب قبولِ العبادة: إن العبادة التي أمر الله بها لا تسمى عبادةً إلا مع توحيد الله تعالى، فلا تصح العبادة مع الشرك، ولا يوصف أحد بأنه عبد لله تعالى إلا مع تحقيقه التوحيد، وإفراد الله تعالى وحده بالعبادة، فمن عَبَد الله تعالى وأشرك معه غَيْرَه فليس عبدا لله.
    فتوحيد الله تعالى، وإخلاص العبادة لله وعدم الإشراك به، هو الشرط في قبول العبادة عند الله، إضافة إلى أن العبادة لا تكون مقبولة إلا بموافقة الشرع، وعلى وفق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
    فشرطا كل عمل ليكون مقبولا عند الله تعالى هما: 1 - أن لا يعبد إلا الله وحده (وهو التوحيد) .
    (1/47)
    ________________________________________
    2 - أن لا يعبد إلا بما أمر الله به (وهو الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم) .
    كما قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112] (1) .
    ومعنى {أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112] أي: حقق التوحيد فأخلص عبادته لله.
    ومعنى {وَهُوَ مُحْسِنٌ} [البقرة: 112] أي: مُتَّبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    [الشرك]
    ك- الشرك: الشرك يناقض الإيمان بألوهيَّة الله وحده. وإذا كان الإيمان بألوهية الله تعالى وحده، وإفراد الله بالعبادة أهم الواجبات وأعظمها، فإن الشرك أكبر المعاصي عند الله تعالى، فهو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] (2) .
    وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] (3) .
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 112.
    (2) سورة النساء آية: 48.
    (3) سورة لقمان آية: 13.
    (1/48)
    ________________________________________
    ولما «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك» (1) .
    والشرك يفسد الطاعات ويبطلها كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88] (2) . .
    ويوجب الشرك لصاحبه الخلود في نار جهنم، حيث قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72] (3) .
    والشرك نوعان: أكبر وأصغر.
    والشرك الأكبر: وهو أن يصرف العبد إحدى العبادات لغير الله تعالى، فكل قول أو عمل يحبه الله تعالى، فصرفه لله توحيد وإيمان، وصرفه لغيره شرك وكفر.
    ومثال هذا الشرك: أن يسأل غير الله رزقا أو صحة، أو يتوكل على غير الله، أو يسجد لغير الله.
    قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] (4) .
    _________
    (1) أخرجه البخاري ومسلم.
    (2) سورة الأنعام آية: 88.
    (3) سورة المائدة آية: 72.
    (4) سورة غافر آية: 60.
    (1/49)
    ________________________________________
    وقال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] (1) .
    وقال تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] (2) .
    فإذا كان الدعاء والتوكل والسجود من العبادات التي أمر الله بها، فمن صرفها لله كان موحدا مؤمنَاَ، ومن صرفها لغير الله كان مشركا كافرا.
    والشرك الأصغر: هو كل قول أو عمل يكون وسيلة إلى الشرك الأكبر، وطريقا للوقوع فيه.
    ومثاله: اتخاذ القبور مساجد، وهو أن يصلي عند القبور، أو يبني مسجدا على أحد القبور، فهذا محرم، وصاحبه متوّعد باللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (3) .
    فاتخاذ القبور مساجد محرم لا يجوز، ووسيلة لدعاء الموتى وسؤالهم، ودعاء الموتى شرك أكبر.
    _________
    (1) سورة المائدة آية: 23.
    (2) سورة النجم آية: 62.
    (3) أخرجه البخاري ومسلم.
    (1/50)
    ________________________________________
    [الإيمان بأسماء الله وصفاته]
    4 - الإيمان بأسماء الله وصفاته: 1 - وهو: إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بالله تعالى.
    وهو سبحانه ليس له مثيل في أسمائه وصفاته كما قال تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (1) فالله تعالى منزّه عن مماثلة أحد من مخلوقاته في جميع أسمائه وصفاته وأسماء الله تعالى كثيرة، ومنها: الرحمن، البصير، العزيز.
    قال تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] (2) .
    وقال تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (3) .
    وقال تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [لقمان: 9] (4) .
    _________
    (1) سورة الشورى آية: 11.
    (2) سورة الفاتحة آية: 3.
    (3) سورة الشورى آية: 11.
    (4) سورة لقمان آية: 9.
    (1/51)
    ________________________________________
    ب- ثمرات الإيمان بأسماء الله وصفاته: من ثمرات الإيمان بأسماء الله وصفاته ما يلي:
    1 - التعرّف على الله تعالى، فمن آمن بأسماء الله وصفاته ازداد معرفة بالله تعالى، فيزداد إيمانه بالله يقينا، ويقوى توحيده لله تعالى.
    2 - الثناء على الله بأسمائه الحسنى، وهذا من أفضل أنواع الذكر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] (1) .
    3 - سؤال الله ودعاؤه بأسمائه وصفاته، كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] (2) ومثال ذلك أن يقول: اللهم إني أسألك بأنك الرزاق فارزقني. . .
    4 - السعادة والحياة الطيبة في الدنيا، ونعيم الجنة في الآخرة.
    _________
    (1) سورة الأحزاب آية: 41.
    (2) سورة الأعراف آية: 180. .
    (1/52)
    ________________________________________
    [آثار الإيمان بالله تعالى]
    آثار الإيمان بالله تعالى إن الإيمان بالله تعالى له آثار طيبة، في الدنيا والآخرة، فإن خيرات الدنيا والآخرة، ودفع الشرور كلها من آثار هذا الإيمان.
    ومن آثار الإيمان ما يلي:
    1 - أن الله يدفع عن المؤمنين جميع المكاره، وينجيهم من الشدائد، ويحفظهم من مكايد الأعداء، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38] (1) .
    2 - أن الإيمان سبب الحياة الطيبة والسعادة والسرور. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] (2) .
    3 - أن الإيمان يطهّر النفوس من الخرافات، فمن آمن بالله تعالى حقا فإنه يعلِّق أمره بالله تعالى وحده، فهو رب العالمين، وهو الإله الحق لا إله غيره، فلا يخاف من مخلوق، ولا يعلّق
    _________
    (1) سورة الحج آية: 38.
    (2) سورة النحل آية: 97.
    (1/53)
    ________________________________________
    قلبه بأحد من الناس، ومن ثم يتحرر من الخرافات والأوهام.
    4 - من آثار الإيمان الفوز والفلاح، وإدراك كل مطلوب والسلامة من كِل مرهوب، كما قال تعالى عن المؤمنين: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] (1) .
    5 - وأعظم آثار الإيمان: الحصول على مرضاة الله تعالى، ودخول الجنة، والفوز بالنعيم المقيم، والرحمة الكاملة.
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 5.
    (1/54)
    ________________________________________
    [الإيمان بالملائكة]
    الإيمان بالملائكة 1 - معنى الإيمان بالملائكة: التصديق الجازم بوجود الملائكة، وأنهم نوع من مخلوقات الله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. قال تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ - لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26 - 27] (1) .
    - والإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور: 1 - الإيمان بوجودهم.
    2 - الإيمان بمن علمنا اسمه منهم كجبريل عليه السلام، ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالا.
    3 - الإيمان بما علمنا من صفاتهم.
    4 - الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى كتسبيحه والتعبد له ليلا ونهارا بدون تعب أو فتور.
    _________
    (1) سورة الأنبياء آية: 27.
    (1/55)
    ________________________________________
    - والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان: قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ} [البقرة: 285] (1) .
    وقال صلى الله عليه وسلم عن الإيمان: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (2) .
    ب- صفات الملائكة: - من صفات الملائكة الخَلْقية ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنهم خلقوا من نور، فقال عليه الصلاة والسلام: «خلقت الملائكة من نور. . .» (3) .
    - وأخبر الله تعالى أنه جعل للملائكة أجنحة يتفاوتون في أعدادها فقال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1] (4) .
    «ورأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السلام له ستمائة جناح» (5) .
    - وقد يتحول المَلَكُ بقدرة الله تعالى إلى هيئة رجل، كما حصل لجبريل عليه السلام حين أرسله الله إلى مريم على صورة بشر، وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم ولوط عليهما السلام كانوا على صورة رجال.
    - إن الملائكة عالم غيبي، مخلوقون عابدون لله تعالى، فليس لهم من صفات الربوبية والألوهية شيء، بل هم عباد الله منقادون تماما لطاعة الله، كما قال سبحانه عنهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] (6) .
    ج- أنواع الملائكة وأعمالهم: إن للملائكة أعمالا يقومون بها في هذا العالم، وهم أنواع، ولكل نوع منهم عمل، فمنهم:
    1 - الموكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله عليهم السلام، وهو جبريل عليه السلام.
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 285.
    (2) أخرجه مسلم.
    (3) أخرجه مسلم.
    (4) سورة فاطر آية: 1.
    (5) أخرجه البخاري ومسلم.
    (6) سورة التحريم آية: 6.
    (1/56)
    ________________________________________
    2 - الموكل بالمطر وتصاريفه.
    3 - الموكل بالصُّور (1) وهو إسرافيل عليه السلام.
    4 - الموكل بقبض الأرواح، وهو ملك الموت وأعوانه.
    5 - الموكلون بحفظ عمل العبد وكتابته سواءً كان خيرا أو شرا، وهم الكرام الكاتبون.
    6 - الموكلون بحفظ العبد في إقامته وسفره، ونومه ويقظته، وفي جميع حالاته، وهم المعقِّبات.
    - ومنهم خَزَنة الجنة، ومنهم خزنة النار، ومنهم ملائكة متنقِّلون يتبعون مجالس الخير والذكر، ومنهم الموكل بالجبال، ومنهم ملائكة صُفوف لا يفترون، وقيامٌ لله لا يتعبون، وما يعلم جنود ربك إلا هو سبحانه.
    د- آثار الإيمان بالملائكة: للإيمان بالملائكة أثار عظيمة في حياة المؤمن، نذكر منها ما يلي:
    1 - العلم بعظمة الله وقوته وكمال قدرته، فإن عظمة
    _________
    (1) الصور: قرن ينفخ فيه.
    (1/58)
    ________________________________________
    المخلوق من عظمة الخالق، فيزيد المؤمن تقديرا لله وتعظيما له، حيث يخلق الله تعالى من النور ملائكة ذوي أجنحة.
    2 - الاستقامة على طاعة الله تعالى، فمن آمن بأن الملائكة تكتب أعماله كلها فإن هذا يوجب خوفه من الله تعالى، فلا يعصيه، لا في العلانية، ولا في السر.
    3 - الاستقامة على طاعة الله، والشعور بالأنس والطمأنينة. عندما يوقن المؤمن أن معه في هذا الكون الفسيح أُلوفا من الملائكة تقوم بطاعة الله على أحسن حال وأكمل شأن.
    4 - شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم، حيث جعل من الملائكة من يقوم بحفظهم وحمايتهم.
    5 - الانتباه إلى أن هذه الدنيا فانية لا تدوم حين يتذكر ملك الموت المأمور بقبض الأرواح حين يتوفاها الله، ومن ثم يحرص على الاستعداد لليوم الآخر بالإيمان والعمل الصالح.
    (1/59)
    ________________________________________
    [الإيمان بالكتب]
    الإيمان بالكتب 1 - معنى الإيمان بالكتب: التصديق الجازم بأن لله تعالى كتبا أنزلها على رسله إلى عباده، وأن هذه الكتب كلام الله تعالى تكلّم بها حقيقة كما يليق به سبحانه، وأن هذه الكتب فيها الحق والنور والهدى للناس في الدارين.
    والإيمان بالكتب يتضمن ثلاثة أمور:
    الأول: الإيمان بأن نزولها من عند الله حقَاَ.
    الثاني: الإيمان بما سمّى الله من كتبه كالقرآن الكريم الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والتوراةِ التي أنزلت على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام.
    الثالث: تصديق ما صح من أخبارها كأخبار القرآن.
    والإيمان بالكتب أحد أركان الإيمان، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء: 136] (1) .
    _________
    (1) سورة النساء آية: 136.
    (1/60)
    ________________________________________
    فأمر الله بالإيمان به وبرسوله وبالكتاب الذي نزّل على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو القرآن، كما أمر بالإيمان بالكتب المنزلة من قبل القرآن.
    وقال صلى الله عليه وسلم عن الإيمان: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» (1) .
    ب - مزايا القرآن الكريم: إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المنزل على نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن المؤمن يعظّم هذا الكتاب، ويسعى إلى التمسك بأحكامه، وتلاوته وتدبّره.
    وحسبنا أن هذا القرآن هو هادينا في الدنيا، وسبب فوزنا في الآخرة.
    وللقرآن الكريم مزايا كثيرة وخصائص متعددة ينفرد بها عن الكتب السماوية السابقة، منها:
    1 - أن القرآن الكريم قد تضّمن خلاصة الأحكام الإلهية، وجاء مؤيِّدا ومصِّدقا لما جاء في الكتب السابقة من الأمر بعبادة الله وحده.
    _________
    (1) أخرجه مسلم.
    (1/61)
    ________________________________________
    قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] (1) .
    ومعنى: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 48] أي يصدّق هذا القرآن ما في هذه الكتب من الصحيح، ومعنى {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] أي مُؤْتَمِنا وشاهِدا على ما قبله من الكتب.
    2 - أن هذا القرآن العظيم يجب على جميع الناس التمسك به، ويتعيّن على جميع الخلق اتباع القرآن والعمل به، بخلاف الكتب السابقة فهي لأقوام معينين. قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] (2) 3 - أن الله تعالى قد تكفّل بحفظ القرآن الكريم، فلم تمتد إليه يد التحريف، ولا تمتد إليه، كما قال سبحانه. {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] (3) .
    جـ- واجبنا نحو القرآن الكريم: إذا عرفنا بعض المزايا العظيمة والخصائص الفريدة لهذا
    _________
    (1) سورة المائدة آية: 48.
    (2) سورة الأنعام آية: 19. .

    (3) سورة الحجر آية: 9.
    (1/62)
    ________________________________________
    القرآن الكريم، فما واجبنا نحو القرآن؟
    - يجب علينا محبة القرآن، وتعظيم قدره واحترامه إذ هو كلام الخالق عز وجل، فهو أصدق الكلام وأفضله.
    - ويجب علينا تلاوته وقراءته، وأن نتدّبر آيات القرآن سوره، وأن نتفكر في مواعظ القرآن وأخباره وقصصه.
    - ويجب علينا اتباع أحكامه، والطاعة لأوامره وآدابه.
    سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: «كان خلقه القرآن» (1) .
    ومعنى الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو التطبيق العملي لأحكام القرآن وشرائعه، فقد حقق صلى الله عليه وسلم كمال الاتباع لهدي القرآن، ومن يتعيّن علينا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة الحسنة لكل واحد منا، كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] (2) .
    د - تحريف الكتب السابقة: أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم أن أهل الكتاب من اليهود
    _________
    (1) أخرجه مسلم.
    (2) سورة الأحزاب آية: 21.
    (1/63)
    ________________________________________
    والنصارى قد حرّفوا كتبهم، فلم تعد في صورتها التي أنزلها الله تعالى.
    فحرّف اليهود التوراة، وبدّلوها، وغيرّوها، وتلاعبوا بأحكام التوراة، قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46] (1) .
    كما حرفّ النصارى الإنجيل، وبدّلوا أحكامه، قال تعالى عن النصارى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78] (2) .
    فليست التوراة الموجودة الآن هي التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، ولا الإنجيل الموجود الآن هو الإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام.
    إن التوراة والإنجيل التي في أيدي أهل الكتاب تشتمل على عقائد فاسدة، وأخبار باطلة، وحكايات كاذبة، فلا نصدِّق من
    _________
    (1) سورة النساء آية: 46.
    (2) سورة آل عمران آية: 78.
    (1/64)
    ________________________________________
    هذه الكتب إلا ما صدّقه القرآن الكريم، أو السنة الصحيحة، ونكذب ما كذّبه القرآن والسنة.
    هـ- آثار الإيمان بالكتب: للإيمان بالكتب آثار متعددة نذكر منها:
    1 - العلم بعناية الله تعالى بعباده، وكمال رحمته حيث لكل قوم كتابا يهديهم به، ويحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة.
    2 - العلم بحكمة الله تعالى في شرعه، حيث شَرَع لكل قوم ما ينسب أحوالهم ويلائم أشخاصهم، كما قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] (1) .
    3 - شكر نعمة الله في إنزال تلك الكتب، فهذه الكتب نور وهدي في الدنيا والآخرة، ومن ثم فيتعيّن شكر الله على هذه النعم العظيمة.
    _________
    (1) سورة المائدة آية: 48.
    (1/65)
    ________________________________________
    وأخيراً أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل نافعاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم
    وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

    حياكم الله بموقع بداية الهداية الخطوة إلى طريق العلم الشرعي الصحيح
    http://www.musacentral.com/

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    2,649
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    23-07-2024
    على الساعة
    02:20 AM

    افتراضي

    [الإيمان بالرسل]
    [حاجة الناس إلى الرسالة]
    الإيمان بالرسل 1 - حاجة الناس إلى الرسالة: الرسالة ضرورية للعباد، لا بدّ لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأيّ صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمةٌ إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، ولا سبيل إلى السعادة والفلاح في الدارين إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيِّب والخبيث على التفصيل إلا من طريقهم.
    لقد سمى الله رسالته روحا، والروح إذا عدم فقدت الحياة، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52] (1) .
    والإيمان بالرسل أحد أركان الإيمان، قال سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285] (2) .
    _________
    (1) سورة الشورى آية: 52.
    (2) سورة البقرة آية: 285.
    (1/66)
    ________________________________________
    فدلًت الآية على وجوب الإيمان بجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام دون تفريق، فلا نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعض كحال اليهود والنصارى.
    «وقال صلى الله عليه وسلم عن الإيمان: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» (1) .
    وإن ما تعانيه الدول - التي يسمونها دولا متقدمة ومتحضرة - من أنواع الاضطراب والهموم والشقاء والتفكك، إنما هو بسبب الإعراض عن الرسالة.

    [معنى الإيمان بالرسل]
    ب- معنى الإيمان بالرسل: هو التصديق الجازم بأن الله بعث في كل أمة رسولا منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن الرسل كلهم صادقون مصدّقون، أتقياء أمناء، هداة مهتدون، وأنهم بلّغوا جميع ما أرسلهم الله به، فلم يكتموا ولم يغيّروا، ولم يزيدوا فيه من عند أنفسهم حرفا ولم ينقصوه، كما قال سبحانه: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النحل: 35] (2) .
    _________
    (1) أخرجه مسلم.
    (2) سورة النحل آية: 35.
    (1/67)
    ________________________________________
    وإن جميع الأنبياء كلهم كانوا على الحق المبين، وأنه قد اتفقت دعوتهم إلى عقيدة التوحيد، كما قال سبحانه {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (1) .
    وقد تختلف شرائع الأنبياء في الفروع من الحلال والحرام، كما قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] (2) .
    والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
    الأول: الإيمان بأن رسالتهم حقّ من الله تعالى، فمن كفر برسالةِ واحد منهم فقد كفر بالجميع.
    الثاني: الإيمان بكل من سمى الله من الأنبياء، مثل: محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، وأما من لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالا.
    الثالث: تصديق ما صح من أخبار الرسل.
    الرابع: العمل بشريعة الرسول الذي أرسل إلينا وهو أفضلهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
    _________
    (1) سورة النحل آية: 36.
    (2) سورة المائدة آية: 48.
    (1/68)
    ________________________________________
    [تعريف النبي والرسول]
    جـ - تعريف النبي والرسول: النبي لغة: المُخبر، مشتق من النبأ وهو الخبر، فالنبي مُخبر عن الله تعالى. أو مشتق من النَّبْوَة وهي ما ارتفع من الأرض، فالنبيّ أشرف الخلق وأرفعهم منزلة.
    وأما تعريف النبيّ اصطلاحا: فهو إنسان حرّ، ذكر، اختاره الله وخصّه بتبليغ الوحي إليه.
    والرسول لغةً: المتابع لأخبار من أرسله.
    وأما تعريف الرسول اصطلاحا: فهو إنسان حر ذكر، نبّأه الله تعالى بشرع، وأمره بتبليغه إلى قوم مخالفين.
    - وأما الفرق بينهما فإن الرسول أخص من النبي، فكل رسولٍ نبي، وليس كل نبي رسولا، فالرسول يؤمر بتبيلغ الشرع إلى من خالف دين الله، أو لا يعلم دين الله، وأما النبي فيبعث بالدعوة لشرع من قبله.

    [صفات الرسل وآياتهم]
    د- صفات الرسل وآياتهم: من صفات الرسل عليهم السلام أنهم بشر، فيحتاجون لما يحتاج إليه البشر من الطعام والشراب.
    (1/69)
    ________________________________________
    قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 7] (1) .
    كما أن الرسل يصيبهم ما يصيب البشر من الأمراض، ويأتيهم الموت كسائر الخلق.
    فليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، ولكنهم بشر بلغوا الكمال في الخِلقة الظاهرة، كما بلغوا الذروة في كمال الأخلاق، كما أنهم خير الناس نسبا ولهم من العقول الراجحة، واللسان المبين ما يجعلهم أهلًا لتحمل تبعات الرسالة والقيام بأعباء النُبوَّة.
    وتظهر لنا الحكمة من إرسال الرسل بشرا، وذلك حتى تتمثلَ القدوةُ للبشر في واحدٍ من جنسهم، ومن ثم فإن اتباع الرسول والاقتداء به هو في مقدورهم وفي حدود طاقتهم.
    ومن صفات الرسل أن الله خصهم بالوحي دون بقية الناس، كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] (2) .
    فقد اختارهم الله واصطفاهم من بين سائر الناس، وكما قال
    _________
    (1) سورة الأنبياء آية: 7.
    (2) سورة الكهف آية: 110.
    (1/70)
    ________________________________________
    تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] (1) .
    ومن صفات الرسل أنهم معصومون فيما يبلِّغون عن الله، فهم لا يخطئون في التبليغ عن الله، ولا يخطئون في تنفيذ ما أوحى الله به إليهم.
    ومن صفات الرسل: الصدق، فالرسل عليهم السلام صادقون في أقوالهم وأعمالهم، قال تعالى: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52] (2) .
    ومن صفاتهم: الصبر، فالرسل كانوا مبشرين ومنذرين، يدعون إلى دين الله تعالى، وقد أصابتهم صنوف الأذى وأنواع المشاق، ومع ذلك فقد صبروا وتحمّلوا في سبيل إعلاء كلمة الله، قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] (3) .
    وأما آيات الرسل فإن الله تعالى قد أيّد رسله عليهم السلام بالمعجزات البينة والبراهين القاطعة الدالة على صدقهم، وصحة نبوَّتهم ورسالتهم، فأجرى الله على أيدي رسله
    _________
    (1) سورة الأنعام آية: 124.
    (2) سورة يس آية: 52.
    (3) سورة الأحقاف آية: 35.
    (1/71)
    ________________________________________
    المعجزات الخارقةَ التي ليست في مقدور البشر من أجل تقرير صدقهم وإثبات نبوتهم.
    وتعريف آيات الرسل ومعجزاتهم: هي أمور خارقة للعادة يظهرها الله تعالى على أيدي أنبيائه ورسله على وجه يعجز البشر عن الإتيان بمثله.
    ومن أمثلة تلك المعجزات والآيات: إخبار عيسى عليه السلام قومَهُ بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم، ومثل تحويل عصا موسى عليه السلام حية، ومثل انشقاق القمر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    [الحكمة من إرسال الرسل]
    هـ- الحكمة من إرسال الرسل: - أرسل الله الرسل لتعريف الناس بمعبودهم الحق، ولدعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
    وأرسل الله الرسل لإقامة الدين، والنهي عن التفرّق فيه، يقول تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] (1) .
    _________
    (1) سورة الشورى آية: 13.
    (1/72)
    ________________________________________
    - وأرسل الله الرسل للتبشير والإنذار، فقال سبحانه:
    {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [الكهف: 56] (1) .
    وتبشير الرسل وإنذارهم دنيوي وأخروي، فهم في الدنيا يبشرون الطائعين بالحياة الطيبة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] (2) .
    ويحذرونهم العذاب والهلاك الدنيوي: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] (3) .
    وفي الآخرة يبشرون الطائعين بالجنة ونعيمها: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: 13] (4) .
    ويخوّفون المجرمين والعصاة عذاب الله في الآخرة: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14] (5) .
    _________
    (1) سورة الكهف آية: 56.
    (2) سورة النحل آية: 97.
    (3) سورة فصلت آية: 13.
    (4) سورة النساء آية: 13.
    (5) سورة النساء آية: 14.
    (1/73)
    ________________________________________
    - وأرسل الله الرسل لإعطاء الأسوة الحسنة للناس في السلوك القويم، والأخلاق الفاضلة والعبادة الصحيحة، كما قال تعالى في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] (1) .

    [الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا]
    و الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا: - نؤمن بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله، وأنه سيّد الأولين والآخرين، وهو خاتم الأنبياء فلا نبي بعده، وقد بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده.
    - ويجب أن نصدقه فيما أخبر به، ونطيعه فيما أمر، ونبتعد عما نهى عنه وزجر، وأن نعبد الله على وفق سنته صلى الله عليه وسلم، وأن نقتدي به دون غيره، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] (2) .
    - ويجب أن نقدّم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة الوالد والولد وجميع الناس كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ
    _________
    (1) سورة الأحزاب آية: 21.
    (2) سورة الأحزاب آية: 21.
    (1/74)
    ________________________________________
    إليه من والده وولده والناس أجمعين» (1) .
    ومحبته الصادقة تكون باتباع سنته والإقتداء بهديه.
    والسعادة الحقيقية والاهتداء التام لا يتحقق إلا بطاعته، كما قال سبحانه: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54] (2) .
    - يجب علينا قبول ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ننقاد لسنته، وأن نجعل هديه محل إجلال وتعظيم، كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] (3) .
    - علينا أن نحذر من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم لأن مخالفة أمره سبب للفتنة والضلال والعذاب الأليم، حيث قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] (4) .
    _________
    (1) رواه البخاري ومسلم.
    (2) سورة النور آية: 54.
    (3) سورة النساء آية: 65.
    (4) سورة النور آية: 63.
    (1/75)
    ________________________________________
    [خصائص الرسالة المحمدية]
    ز- خصائص الرسالة المحمدية: تختص الرسالة المحمدية عن الرسالات السابقة بجملة من الخصائص، نذكر منها:
    - الرسالة المحمدية خاتمة للرسالات السابقة، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] (1) .
    - الرسالة المحمدية ناسخة للرسالات السابقة، فلا يقبل الله من أحد دينا إلا باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يصل أحد إلى نعيم الجنة إلا من طريقه، فهو صلى الله عليه وسلم أكرم الرسل، وأمته خير الأمم، وشريعته أكمل الشرائع.
    قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] (2) وقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت
    _________
    (1) سورة الأحزاب آية: 40.
    (2) آل عمران آية: 85. .
    (1/76)
    ________________________________________
    به إلا كان من أصحاب النار» (1) .
    - الرسالة المحمدية عامةٌ إلى الثقلين: الجن والإنس.
    قال تعالى حكاية عن قول الجن. {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف: 31] (2) .
    وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] (3) .
    وقال صلى الله عليه وسلم: «فضلتُ على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم، ونُصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي لأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» (4) .

    [أثار الإيمان بالرسل]
    حـ - أثار الإيمان بالرسل: للإيمان بالرسل آثار عظيمة، نذكر منها:
    1 - العلم برحمة الله تعالى وعنايته بعباده حيث أرسل
    _________
    (1) أخرجه مسلم.
    (2) سورة الأحقاف آية: 31.
    (3) سورة سبأ آية: 28.
    (4) أخرجه مسلم.
    (1/77)
    ________________________________________
    الرسل إليهم ليهدوهم إلى الطريق الصحيح، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله؛ لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك، قال تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] (1) .
    2 - شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
    3 - محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم قاموا بعبادة الله وتبليغ رسالته والنصح لعباده.
    4 - اتباع الرسالة التي جاءت بها الرسل من عند الله، والعمل بها، فيتحقق للمؤمنين في حياتهم الخير والهداية والسعادة في الدارين.
    قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 123 - 124] (2) .
    _________
    (1) سورة الأنبياء آية: 107.
    (2) سورة طه آية: 124.
    (1/78)
    ________________________________________
    [الإيمان باليوم الآخر]
    [معنى الإيمان باليوم الآخر]
    الإيمان باليوم الآخر 1 - معنى الإيمان باليوم الآخر: معناه التصديق الجازم بإتيانه لا محالة والعمل بموجب ذلك، ويدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها لا محالة، وبالموت وما بعده من فتنة القبر وعذابه ونعيمه، وبالنفخ في الصور وخروج الخلائق من القبور، وما في موقف القيامة من الأهوال والأفزاع وتفاصيل المحشر ونَشْر الصحف، ووضع الموازين، وبالصراط والحوض والشفاعة فيرها، وبالجنة ونعيمها الذي أعلاه النظر إلى وجه الله عز جل، وبالنار وعذابها الذي أشده حجبهم عن ربهم عز وجل.

    [اهتمام القرآن بهذا الركن وحكمته]
    ب- اهتمام القرآن بهذا الركن وحكمته: ولقد حفل القرآن الكريم بذكر اليوم الآخر، واهتم بتقريره كل موقع، ونبّه إليه في كل مناسبة، وأكد وقوعه بشتى أساليب العربية، ومن أنواع هذا الاهتمام بهذا اليوم العظيم في كتاب الله، أنه كثيرا ما ربط الإيمان به بالإيمان بالله عز وجل.
    (1/79)
    ________________________________________
    ومثاله في قوله تعالى: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 232] (1) - ومن أنواعه أيضا، إكثار القرآن من ذكر اليوم الآخر، حتى إنك لا تكاد تمر على صحيفة من صحائف القرآن إلا وتجد فيها حديثَاَ عن اليوم الآخر، وما سيكون فيه من الأحداث والأحوال، وبأساليب كثيرة ومتنوعة.
    - ومن أنواع هذا الاهتمام أن الله قد سمي هذا اليوم بأسماء كثيرة ومتعددة؛ التي تدل على تحقق وقوع هذا اليوم، مثل: الحاقة، والواقعة، والقيامة.
    وبعض هذه الأسماء يدل على ما سيقع فيه من الأهوال مثل الغاشية والطامة والصاخَّة والقارعة.
    ومن أسماء اليوم الآخر في القرآن: يوم الدين، ويوم الحساب، ويوم الجمعة، ويوم الخلود، ويوم الخروج، ويوم الحسرة، ويوم التناد.
    - وأما حكمة ذلك الاهتمام البالغ بهذا الركن فمنها: أن
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 232. .
    (1/80)
    ________________________________________
    الإيمان باليوم الآخر له أشد الأثر في توجيه الإنسان وانضباطه والتزامه بالعمل الصالح وتقوى الله عز وجل.
    ويشير إلى هذه الحكمة أسلوب القرآن في الربط بين الإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح في كثير من الأحيان، من ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18] (1) {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92] (2) .
    ولعل من حكمة الاهتمام البالغ بالتذكير باليوم الآخر؛ كثرة نسيان البشر له، وغفلتهم عنه، بسبب تثاقلهم إلى الأرض، وحبهم لمتاع الدنيا، فيكون الإيمان به وبما فيه من عذاب ونعيم مخفِّفا من الغلو في حبّ الدنيا، ودافعا إلى التنافس في فعل الطاعات، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38] (3)
    _________
    (1) سورة التوبة آية: 18.
    (2) سورة الأنعام آية: 92.
    (3) سورة التوبة آية: 38. .
    (1/81)
    ________________________________________
    إنه لا شيء يرفع الإنسان من ثقلة الأرض - بعد الإيمان بالله - إلا الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بأن كل متاع زائد يتنازل عنه الإنسان في الحياة الدنيا - طاعةً لله والتزاما بأمره - يعوض عنه في الآخرة متاعا أعلى وأخلد وأبقى، والإيمان في ذات الوقت بأن كل خروج على أمر الله في الحياة الدنيا من أجل متاع الأرض الزائل - سيجازى عليه في الآخرة عذابا أليما.
    وحين يؤمن الإنسان باليوم الآخر، فإنه سيوقن بأن كل نعيم في الدنيا لا يقاس إلى نعيم الآخرة، ولا يساوي من جهة أخرى غمسة واحدة من أجله في العذاب، وكل عذاب في الدنيا - في سبيل الله - لا يقاس إلى عذاب الآخرة، ولا يوازي من جهة أخرى غمسة واحدة من أجله في النعيم.

    [فتنه القبر]
    جـ- فتنه القبر: نؤمن بأن الموت حق، قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11] (1) .
    وهو أمر مشاهد لا يجهله أحد، وليس فيه شك ولا تردد،
    _________
    (1) سورة السجدة آية: 11.
    (1/82)
    ________________________________________
    ونؤمن أن كل من مات أو قتل أو بأي سبب كان حتفه، أنّ ذلك بأجله لم ينقص منه شيئا، قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] (1) .
    ونؤمن بفتنة القبر: وهو سؤال الميت بعد دفنه عن ربه ودينه ونبيه، فيثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فيقول المؤمن: ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويضل الله الظالمين، فيقول الكافر: هَاه هَاه لا أدري، ويقول المنافق أو المرتاب: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
    ونؤمن بعذاب القبر ونعيمه، فأما عذاب القبر فيكون للظالمين من المنافقين والكافرين، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93] (2) وقال في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] (3) .
    _________
    (1) سورة الأعراف آية: 34.
    (2) سورة الأنعام آية: 93.
    (3) سورة غافر آية: 46.
    (1/83)
    ________________________________________
    وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمعه منه"، ثم أقبل بوجهه فقال: "تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر".»
    وأما نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] (1) .
    وقال تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ - وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ - وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ - فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ - تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ - فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 83 - 89] (2) وعن البراء بن عازب «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: "ينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي
    _________
    (1) سورة فصلت آية: 30.
    (2) سورة الواقعة آية: 83 - 89.
    (1/84)
    ________________________________________
    فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة"، قال: "فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره» رواه أحمد وأبو داود من حديث البراء بن عازب الطويل.
    ولقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلًا، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذه الدار.
    كما أن أحوال القبر من أمور الغيب التي لا يدركها الحس، ولو كانت تدرك بالحس لفاتت فائدة الإيمان بالغيب، وزالت حكمة التكليف، ولما تَدافن الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لولا أن لا تَدافَنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع» (1) ولمَّا كانت هذه الحكمة منتفية في حق البهائم سمعته وأدركته.

    [أشراط الساعة]
    د- أشراط الساعة: مما يجب الإيمان به، أن نؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن موعدها لا يعلمه إلا الله، أخفاه عن الناس كلهم، يقول
    _________
    (1) رواه مسلم.
    (1/85)
    ________________________________________
    تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187] (1) .
    وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في بيان علامات الساعة وأشراطها وأماراتها.
    فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه ذكر للساعة علامات صغرى معظمها يدور حول فساد الناس، وظهور الفتن بينهم، وانحرافهم عن صراط الله المستقيم.
    فمن العلامات الصغرى: «ما جاء في حديث جبريل أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة. . .» (2) .
    ومن علامات الساعة الصغرى «أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ فقال: "إذا ضُيِّعَت الأمانة فانتظر الساعة". قال:
    _________
    (1) سورة الأعراف آية: 187.
    (2) متفق عليه.
    (1/86)
    ________________________________________
    وكيف إضاعتها؟ قال: " إذا أسند الأمر لغير أهله فانتظر الساعة» (1) .
    وأما العلامات الكبرى، وهي الأمارات القريبة الكبيرة التي تعقبها الساعة، وأنها تتابع كنظام خرزات انقطع سلكها.
    فقد جاء في الأخبار الصحيحة ذكر عشر منها، وذلك كحديث حذيفة بن أسيد الغفاري، حيث قال: «اطَّلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟ " قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات". فذَكَر الدُخان والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» (2) .
    ونتحدث - على سبيل المثال - عن أحد هذه الأمارات الكبرى، فمن هذه الأشراط: ظهور الدجال، والدجال منبع الكفر والضلال وينبوع الفتن والأوجال، قد أنذرت به الأنبياء
    _________
    (1) رواه البخاري.
    (2) رواه مسلم.
    (1/87)
    ________________________________________
    أقوامها، وحذرت منه أممها ونعتته بالنعوت الظاهرة، ووصفته بالأوصاف الباهرة، وحذّر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونعته لأمته نعوتا لا تخفى على ذي بصر.
    فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي إلا قد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر» (1) .
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أحدثكم حديثَاَ عن الدجّال ما حدث به نبي قومه: إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه» (2) .
    ولا نجاة من فتنة الدجال إلا بالعلم والعمل، أما العلم فبأن يعلم أنه جسد يأكل ويشرب، ثم إنه لخسَّته وعجزِهِ أعور، وموسوم بين عينيه أنه كافر، وأما العمل فبأن يستعيذ بالله من فتنته في التشهد الأخير من كل صلاة، وأن يحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حفظ عشر آيات من أول سورة
    _________
    (1) رواه الشيخان.
    (2) أخرجه الشيخان.
    (1/88)
    ________________________________________
    الكهف عصم من الدجال» (1) .

    [البعث]
    هـ- البعث: إن الإيمان بالبعث مما دلّ عليه الكتاب والسنة، والعقل والفطرة السليمة، فنؤمن يقينا بأن الله يبعث من في القبور، وتعاد الأرواح إلى الأجساد، ويقوم الناس لرب العالمين.
    قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ - ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15 - 16] (2) .
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا» (3) .
    وقد أجمع المسلمون على ثبوته، وهو مقتضى الحكمة؛ حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معادا يجزيهم فيه على كل ما كلفهم به على ألسنة رسله، قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] (4) .
    _________
    (1) رواه مسلم.
    (2) سورة المؤمنون الآيتان: 16.
    (3) متفق عليه.
    (4) سورة المؤمنون آية: 115.
    (1/89)
    ________________________________________
    وقد أنكر الكافرون البعث بعد الموت زاعمين أن ذلك غير ممكن، وهذا الزعم باطل دلّ على بطلانه الشرع والحس والعقل.
    أما من الشرع: فقد قال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] (1) .
    وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: 3] (2) .
    وقد اتفقت جميع الكتب السماوية عليه.
    وأما الحس: فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا، وفي سورة البقرة خمسة أمثلة على ذلك، نذكر الأول منهما: وهو أن قوم موسى حين قالوا له: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأماتهم الله تعالى، ثم أحياهم.
    وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبا بني إسرائيل: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ - ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 55 - 56] (3) .
    _________
    (1) سورة التغابن آية: 7.
    (2) سورة سبأ آية: 3.
    (3) سورة البقرة آية: 56.
    (1/90)
    ________________________________________
    وأما بقية الأمثلة، فالمثال الثاني هو قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ليخبرهم بمن قتله. وكذلك قصة القوم الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، فأماتهم الله تعالى، ثم أحياهم. والمثال الرابع في قصة الذي مر على قرية فاستبعد أن يحييها الله تعالى فأماته الله مائة عام ثم أحياه. والخامس قصة طيور إبراهيم عليه السلام (1) وأما دلالة العقل على إمكان البعث فمن وجهين:
    أحدهما: أن الله تعالى فاطر السماوات والأرض وما فيهما، خالقُهما ابتداءً، والقادر على ابتداء الخلق لا يعجز عن إعادته، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] (2) .
    وقال تعالى آمرا بالرد على من أنكر إحياء العظام وهي رميم: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79] (3) .
    _________
    (1) انظر سورة البقرة، آية: 73، آية: 243، آية: 259، آية: 260.

    (2) سورة الروم آية: 27.
    (3) سورة يس آية: 79.
    (1/91)
    ________________________________________
    الثاني: أن الأرض تكون ميتة هامدة ليس فيها شجرة خضراء فينزل عليها المطر، فتهتز خضراءَ حيَّةً فيها من كل زوج بهيجٍ، والقادر على إحيائها بعد موتها قادر على إحياء الموتى. قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ - وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ - رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 9 - 11] (1) .
    وإن كل عاقل يعلم أن من قَدَر على العظيم الكبير فهو على ما دونه بكثير أقدرُ وأقدرُ، وأن الله سبحانه وتعالى قد أبدع السماوات والأرض على عظم شأنهما وسعتهما، وعجيبِ خلقهما، ومن ثَمّ فهو أقدر على أن يحيي عظاما قد صارت رميما، قال تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 81] (2) .
    وأخيراً أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل نافعاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم
    وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

    حياكم الله بموقع بداية الهداية الخطوة إلى طريق العلم الشرعي الصحيح
    http://www.musacentral.com/

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    2,649
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    23-07-2024
    على الساعة
    02:20 AM

    افتراضي

    [العرض والحساب وقراءة الكتاب]
    و العرض والحساب وقراءة الكتاب: ونؤمن بالعرض، حيث يُعْرَض الناس على ربهم كما قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ - وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ - وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ - يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 15 - 18] (3)
    _________
    (1) سورة ق آية: 9 - 11.
    (2) سورة يس آية: 81.
    (3) سورة الحاقة الآيات: 15 - 18. .
    (1/92)
    ________________________________________
    وقال عز وجل: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف: 48] (1) .
    ونؤمن بالحساب، حيث أن الله يحاسب الخلائق، ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة، وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة مَن توزن حسناته وسيئاته، فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقرَّرون بها.
    يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ - فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا - وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا - وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ - فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا - وَيَصْلَى سَعِيرًا - إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا - إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ - بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} [الانشقاق: 6 - 15] (2) .
    _________
    (1) سورة الكهف آية: 48.
    (2) سورة الانشقاق الآيات: 6- 15.
    (1/93)
    ________________________________________
    وروى البخاري في صحيحه «عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هَلَك" فقلت يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 7 - 8] (1) .
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك العرْض، وليس أحد يناقَش الحسابَ يوم القيامة إلا عُذِّب".»
    ونؤمن بأن كل إنسان سيعطى كتاب أعماله، وإذا اطلع المؤمن على ما تحويه صحيفته من التوحيد وصالح الأعمال سُرّ واستبشر، وأعلن هذا السرور، قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ - إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ - فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ - فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ - قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ - كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 19 - 24] (2) .
    وأما الكافر والمنافق وأهل الضلال؛ فإنهم يؤتون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم، وعند ذلك يدعو الكافر بالويل والثبور، وعظائم الأمور، كما قال سبحانه:
    _________
    (1) سورة الانشقاق الآيتان: 7، 8.
    (2) سورة الحاقة الآيات: 19 - 24.
    (1/94)
    ________________________________________
    {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ - وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ - يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة - مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ - هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ - خُذُوهُ فَغُلُّوهُ - ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة: 25 - 31] (1)

    [الميزان والصراط]
    ز- الميزان والصراط: ونؤمن بالميزان، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] (2) .
    وقد دلت السنة النبوية على أن ميزان الأعمال له كفتان حسِّيتان مشاهدتان.
    ووزن الأعمال يكون بعد انقضاء الحساب، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها.
    ونؤمن بالصراط وهو الجسر المنصوب على ظهر جهنم طريقا إلى الجنة، حيث يمر جميع الناس على هذا الصراط حسب أعمالهم.
    _________
    (1) سورة الحاقة الآيات: 25 - 31. .

    (2) سورة الأنبياء آية: 47.
    (1/95)
    ________________________________________
    فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من يُخطف خطفا ويُلقى في جهنم، فإن الجسر عليه كلاليب (1) تخطف الناس بأعمالهم، فمن تجاوز الصراط دخل الجنة.
    ويجب أن يُعلم أن من استقام على صراط الله الذي هو دينه الحق في الدنيا، استقام على هذا الصراط في الآخرة، ومن حاد عن الصراط المستقيم في الدنيا، فلن يصمد على صراط الآخرة.
    وعند الصراط في يوم الآخرة يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلَّفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحال بينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم.

    [الجنة والنار]
    ح- الجنة والنار: نؤمن بالجنة التي أعدها الله للمؤمنين، ونؤمن بالنار التي
    _________
    (1) جمع كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة. وهو حديدة معقوفة الرأس.
    (1/96)
    ________________________________________
    أعدها الله للكافرين، فالجنة والنار كلاهما حق لا ريب فيهما، فالنار دار أعداء الله، والجنة دار أوليائه.
    قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ - وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 24 - 25] (1) .
    ولقد جاء وصف الجنة والنار، ووصف النعيم والعذاب في مواضع كثيرة جدا من القرآن، كلما ذكر الجنةَ عطف عليها بذكر النار، والعكس، وتارة يرغِّب في الجنة ويدعو إليها، ويرهِّب من النار ويحذر منها، وتارة يخبر عما أعدَّ في الجنة من النعيم لأوليائه، ويخبر عما أرصد في النار من العذاب الأليم لأعدائه.
    ونعتقد يقينا أن الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآنَ.
    قال الله تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] (2) .
    _________
    (1) سورة البقرة الآيتان: 24، 25.
    (2) سورة آل عمران آية: 133.
    (1/97)
    ________________________________________
    وقال عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] (1) .
    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مَقْعَدُه بالغداة والعشي، فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار» (2) .
    ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية في إثبات ذلك كثيرة جدا، ولذا فقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن الجنة والنار مخلوقتان مُوجدتان الآن.
    كما نؤمن بأن الجنة والنار لا تفنيان أبدا ولا تبيدان، وقد دلت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على ذلك.
    يقول تعالى عن الجنة: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: 35] (3) .
    ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت» (4) .
    ومن أدلة بقاء النار وعدم فنائها، قوله تعالى:
    _________
    (1) سورة البقرة آية: 24.
    (2) رواه البخاري.
    (3) سورة الرعد آية: 35.
    (4) رواه مسلم.
    (1/98)
    ________________________________________
    {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة: 37] (1) وقوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36] (2) .
    اللهم إنّا نسألك رضاك والجنة وما قرّب إليهما من قول وعمل، ونعوذ بك من سخطك والنار وما قرّب إليهما من قول وعمل.
    _________
    (1) سورة المائدة آية: 37.
    (2) سورة فاطر آية: 36.
    (1/99)
    ________________________________________
    [الإيمان بالقدر]
    [معنى الإيمان بالقدر]
    الإيمان بالقدر 1 - معنى الإيمان بالقدر: هو التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره، وأنه الفعّال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا مَحيد لأحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خُط في اللوح المسطور، وأنه خالق أفعال العباد والطاعات والمعاصي، ومع ذلك فقد أمر العباد ونهاهم، وجعلهم مختارين لأفعالهم، غير مجبورين عليها، بل هي واقعة بحسب قدرتهم وإرادتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
    والإيمان بقدر الله تعالى أحد أركان الإيمان، كما في جواب الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن
    (1/100)
    ________________________________________
    بالقدر خيره وشره» (1) .
    وقال صلى الله عليه وسلم: «لو أن الله سبحانه عذّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهبا أنفقته في سبيل الله تعالى ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار» (2) .
    والقدر - بفتح الدال -: هو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته.

    [مراتب الإيمان بالقدر]
    ب- مراتب الإيمان بالقدر: الإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور:
    الأول: الإيمان بأن الله تعالى عَلِم بكل بشيء جملةً وتفصيَلَا، وأنه تعالى قد عَلِم جميع خلقه قبل أن يخلقهم وعلم أرزاقهم وآجالهم وأقوالهم وأعمالهم، وجميع حركاتهم وسكناتهم، وأسرارهم وعلانيَّاتهم، ومن هو منهم من أهل
    _________
    (1) أخرجه مسلم.
    (2) أخرجه أحمد.
    (1/101)
    ________________________________________
    الجنة، ومن هو منهم من أهل النار.
    قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر: 22] (1) .
    وقال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] (2) .
    الثاني: الإيمان بكتابة ذلك، وأنه تعالى قد كتب جميع ما سبق به عِلْمُه أنه كائن في اللوح المحفوظ.
    ودليلُه قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] (3) .
    وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة» (4) .
    الأمر الثالث: الإيمان بمشيئة الله النافذة التي لا يردُّها شيء، وقدرته التي لا يعجزها شيء، فجميع الحوادث وقعت بمشيئة الله وقدرته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
    _________
    (1) سورة الحشر آية: 22.
    (2) سورة الطلاق آية: 12.
    (3) سورة الحديد آية: 22.
    (4) أخرجه مسلم.
    (1/102)
    ________________________________________
    ودليله قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] (1) .
    وقوله تعالى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27] (2) .
    الأمر الرابع: الإيمان بأنه سبحانه هو الموجد للأشياء كلها، وأنه الخالق وحده، وكل ما سواه مخلوق له، وأنه على كل شيء قدير.
    ودليلُه قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] (3) .
    وقوله سبحانه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] (4) .
    ويجب أن نعلم أن القدر قُدرة الله سبحانه وتعالى، وأن كل شيء يجري بتقديره، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن.
    كما يجب أن نعلم أن أصل القدر هو سر الله تعالى في خلقه، لم يطَّلع على ذلك ملك مقرَّب، ولا نبيٌّ مُرسل.
    إن المؤمن يصف ربّه بصفات الكمال، فتراه مؤمنا بأن كل
    _________
    (1) سورة الإنسان آية: 30.
    (2) سورة إبراهيم آية: 27.
    (3) سورة الرعد آية: 16.
    (4) سورة الفرقان آية: 2.
    (1/103)
    ________________________________________
    عمل لا يحدث إلا وله حكمة، وإذا غابت عنه الحكمة الإلهية في أمر من الأمور، عرف جهله أمام علم الله - المحيط بكل شيء - وترك الاعتراض على الحكيم الخبير العليم الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.

    [حكم الاحتجاج بالقدر في ترك ما أمر الله به]
    جـ- حكم الاحتجاج بالقدر في ترك ما أمر الله به: إن الإيمان بالقدر على ما وصفنا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية، وقدرة عليها، لأن الشرع والواقع دالان على إثبات ذلك له.
    أما الشرع، فقد قال الله تعالى في المشيئة: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} [النبأ: 39] (1) .
    وقال تعالى في القدرة: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] (2) .
    وأما الواقع فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل، وبهم يترك، ويفرِّق بين ما يقع بإرادته كالمشي وما يقع بغير إرادته كالارتعاش، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان
    _________
    (1) سورة النبأ آية: 39.
    (2) سورة البقرة آية: 286.
    (1/104)
    ________________________________________
    بمشيئة الله تعالى وقدرته، لقول الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] (1) ولأن الكون كله مُلك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته.
    والإيمان بالقدر على ما سبق تقريره لا يمنح العبد حُجّةً على ترك ما أمر الله به أو فِعل ما نهى الله عنه، فمن احتج بالقدر على فعل المعاصي فهذا احتجاج باطل من وجوه:
    الأول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة". فقال رجل من القوم: ألا نتكل يا رسول الله؟ " قال: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (2) . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل ونهى عن الاتكال على القدر.
    الثاني: أن الله تعالى أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع، قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] (3) .
    ولو كان العبد مجبورا على الفعل، لكان مكلفا بما لا يستطيع الخلاص منه، وهذا باطل، ولذلك إذا وقعت منه
    _________
    (1) سورة الإنسان آية: 30.
    (2) أخرجه البخاري ومسلم.
    (3) سورة التغابن آية: 16.
    (1/105)
    ________________________________________
    المعصية بجهل أو نسيان أو إكراه فلا إثم عليه، لأنه معذور.
    الثالث: أن قَدَرَ الله تعالى سرٌ مكتوم لا يُعْلَم إلا بعد وقوع المقدور، وإرادة العبد لما يفعله سابقةٌ على فعله، فتكون إرادته الفعل غيرُ مبنيةٍ على علم منه بقَدَر الله، وحينئذ تنتفي حُجته بالقدر؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه.
    فإذا اعترض العاصي وقال: إن المعصية كانت مكتوبة عليّ، فيقال له: قبل أن تقترف المعصية، ما يدريك عن علم الله تعالى؛ فما دمتَ لا تعلم ومعك الاختيار والقدرة، وقد وُضِّحت لك طُرُق الخير والشر، فحينئذ إذا عصيت فأنت المختار للمعصية، المفضل لها على الطاعة، فتتحمل عقوبة معصيتك.
    الرابع: أن المحتج بالقدر على ما تركه من الواجبات أو فعله من المعاصي لو اعتدى عليه شخص، فأخذ ماله، أو انتهك حرمته، ثم احتج بالقدر، وقال: لا تلمني فإن اعتدائي كان بقدر الله، لم يَقبل حجته، فكيف لا يقبل الاحتجاج بالقدر في اعتداء غيره عليه، ويحتج به لنفسه في اعتدائه على حق الله تعالى؟!

    [آثار الإيمان بالقدر]
    د- آثار الإيمان بالقدر: إن الإيمان بالقدر مع أنه عقيدة يجب الإيمان بها، وركن من
    (1/106)
    ________________________________________
    أركان الإيمان يَكفُر مُنكره، إلاَّ أن له آَثارا محسوسة في حياة الناس، ومن هذه الآثار ما يلي:
    1 - القدر من أكبر الدواعي التي تدعو الفرد إلى العمل والنشاط والسعي بما يرضي الله في هذه الحياة، والإيمان بالقدر من أقوى الحوافز للمؤمن لكي يعمل، ويُقدم على عظائم الأمور بثبات ويقين.
    إن المؤمنين مأمورون بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، والإيمان بأن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله، لأن الله هو الذي خلق الأسباب، وهو الذي خلق النتائج.
    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير، إحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» (1) .
    وحين أراد المسلمون تغيير الواقع بالجهاد، أخذوا بأسباب الجهاد كلها، ثم توكلوا على الله تعالى، ولم يقولوا إن الله قدّر نصر المؤمنين وهزيمة الكافرين واكتفوا بذلك عن
    _________
    (1) رواه مسلم.
    (1/107)
    ________________________________________
    الاستعداد، والجهاد والصبر وخوض المعارك، بل فعلوا كل هذه الأمور فنصرهم الله وأعز الله بهم الإسلام.
    2 - ومن آثار الإيمان بالقدر أن يَعْرِف الإنسان قَدْر نفسه، فلا يتكبر ولا يَبْطُر ولا يتعالى أبدا؛ لأنه عاجز عن معرفة المقدورِ، ومستقبل ما هو حادث، ومن ثم يقرّ الإنسان بعجزه وحاجته إلى ربه تعالى دائما.
    3 - إن الإنسان إذا أصابه الخير بَطَر واغتر به، وإذا أصابه الشر والمصيبة جزع وحزن، ولا يعصم الإنسان من البطر والطغيان إذا أصابه الخير، والحزن إذا أصابه الشر، إلا الإيمان بالقدر، وأن ما وقع فقد جرت به المقادير، وسبق به علم الله.
    يقول أحد السلف: من لم يؤمن بالقدر لم يتهنَّ بعيشه.
    4 - والإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تعصف بالمجتمعات، وتزرع الأحقاد بين المؤمنين، وذلك مثل رذيلة الحسد، فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ لأن الله هو الذي رزقهم وقدّر لهم ذلك، وهو يعلم أنه حين يحسد غيره إنما يعترض على القدر.
    5 - إن الإيمان بالقدر يبعث في القلوب الشجاعة على
    (1/108)
    ________________________________________
    مواجهة الشدائد، ويقوي فيها العزائم، فتثبت في ساحات الجهاد، ولا تخاف الموت؛ لأنها توقن أن الآجال محدودة لا تتقدم ولا تتأخر لحظة واحدة.
    ولما كانت هذه العقيدة راسخةً في قلوب المؤمنين ثبتوا في القتال وعزموا على مواصلة الجهاد، فجاءت ملاحم الجهاد تحمل أروع الأمثلة على الثبات والصمود أمام الأعداء مهما كانت قوَّتهم، ومهما كان عددهم؛ لأنهم أيقنوا أنه لن يصيب الإنسان إلا ما كتب له.
    6 - الإيمان بالقدر يغرس في نفس المؤمن حقائق الإيمان المتعددة، فهو دائم الاستعانة بالله، يعتمد على الله ويتوكل عليه مع فعل الأسباب، وهو أيضا دائم الافتقار إلى ربه تعالى يستمد منه العون على الثبات، وهو أيضا كريم يحب الإحسان إلى الآخرين فتجده يعطف عليهم ويسدي المعروف إليهم.
    7 - ومن آثار الإيمان بالقدر أن الداعي إلى الله يصدع بدعوته، ويجهر بها أمام الكافرين والظالمين، لا يخاف في الله لومة لائم، يبين للناس حقيقة الإيمان ويوضح لهم مقتضياته، كما يبين لهم مظاهر الكفر والنفاق ويحذَرهم منها، ويكشف
    (1/109)
    ________________________________________
    الباطل وزيفه، ويقول كلمة الحق أمام الظالمين، فإن المؤمن يفعل كل ذلك وهو راسخ الإيمان واثق بالله، متوكل عليه، صابر على كل ما يحصل له في سبيله؛ لأنه موقن أن الآجال بيد الله وحده، وأن الأرزاق عنده وحده، وأن العبيد لا يملكون من ذلك شيئا مهما وجد لهم من قوة وأعوان.
    هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اَله وصحبه أجمعين.
    وأخيراً أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل نافعاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم
    وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

    حياكم الله بموقع بداية الهداية الخطوة إلى طريق العلم الشرعي الصحيح
    http://www.musacentral.com/

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    2,649
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    23-07-2024
    على الساعة
    02:20 AM

    افتراضي

    حياكم الله
    وأخيراً أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل نافعاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم
    وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

    حياكم الله بموقع بداية الهداية الخطوة إلى طريق العلم الشرعي الصحيح
    http://www.musacentral.com/

اسهل عقيده اسلاميه لاطفل المسلم من الكتاب: التوحيد للناشئة والمبتدئين المؤلف: عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. سؤال عن كيفية اتلتعامل مع غير المسلم فى دوله اسلاميه
    بواسطة مصرمصر في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 29-01-2012, 01:18 PM
  2. شرح كتاب التوحيد الدرس الاول كامل--عبد العزيز ال عبد اللطيف---------
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-12-2010, 02:37 AM
  3. شرح كتاب التوحيد -7- عبد العزيز بن العبد اللطيف المجد العلميه
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-11-2010, 03:54 AM
  4. يا أيها المسلم كيف تصلي من روائع الشيخ عطاء عبد اللطيف
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-07-2010, 07:20 AM
  5. إنا لله وإنا إليه راجعون توفي يوم الاثنين المحدث / محمد عمرو عبد اللطيف
    بواسطة شبكة الحقيقة الاسلامية في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 26-01-2008, 09:43 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

اسهل عقيده اسلاميه لاطفل المسلم من الكتاب: التوحيد للناشئة والمبتدئين المؤلف: عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف

اسهل عقيده اسلاميه لاطفل المسلم من الكتاب: التوحيد للناشئة والمبتدئين المؤلف: عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف