بسم الله الرحمن الرحيم
كنت في انتظار مولودتي الأولى بفرحة غامرة، أخذت في التحضير لاستقبالها، حرصت على شراء احتياجاتها من أجود الأنواع، وبعد البحث والاستشارة اشتريت رضاعة أطفال مستوردة ممهورة بجملة "BPA Free"، أيّ خالية من مادة "بيسفينول A" الضارة بصحة الرضع، رغم أن ثمنها خمسة أمثال سعر الرضاعات الأخرى، ولكن في النهاية اشتريت الوهم.
بدأت تجربتي الشخصية من أمام أرفف الدواء داخل الصيدليات، حيث تتراص عبوات "رضاعات الأطفال" البلاستيكية، جُلت بنظري بين العبوات، حتى أوقفتني تلك الجملة الملصقة على بعض منها، واختفت من البعض الآخر "BPA Free".
خالجتني أسئلة كثيرة حول تلك المادة وخطورتها وتأثيرها على رضيعتي الأتية إلى الحياة قريباً، وعن العبوات الأخرى التي لا تضع الملصق.. ببحث سريع على الإنترنت وجدت تحذيرات من خطورة تلك المادة على صحة الإنسان عامة وعلى الرضع خاصة، ومن تلك اللحظة بدأت رحلة البحث وراء "BPA" وحقيقة وجودها في الرضاعات.
يوثق هذا التحقيق طرح علامات تجارية كبرى رضاعات أطفال بلاستيكية غير مطابقة للمواصفات المصرية، تحتوى على نسب متفاوتة من مادة "بيسفينول A" الضارة، رغم شعار "BPA Free" الممهور عليها، ما يمثل غشًا تجارياً.إضافة إلى المخاطر الصحية لمادة "بيسفينول A" على الرضع، والتي حذر منها الاتحاد الأوروبي، وسط ضياع المسؤولية بين الجهات الرقابية.
"بيسفينول A"
مادة كيميائية تساهم في صناعة المواد البلاستيكية وخاصة أوعية تخزين الأطعمة والمشروبات، إذ تعطيها القوة والصلابة والقدرة على تحمل درجات الحرارة والرطوبة، وبدأ استخدمها منذ ستينات القرن الماضي.
وخطورة المادة في الانتقال من البلاستيك المُستخدم في زجاجات التغذية إلى السوائل بداخلها، وتأثيرات تناولها على صحة الإنسان، إذ تتسبب في العديد من اضطرابات الغدد الصماء بما في ذلك العقم عند النساء والرجال والبلوغ المبكر، إلى جانب أورام الهرمونات مثل سرطان الثدي والبروستاتا والعديد من اضطرابات التمثيل الغذائي، وذلك وفقًا لدراسات أجراها باحثون في جامعة "Gdnsk" في بولندا، وباحثون في جامعة أصفهان.
يُولد في مصر أكثر من مليوني طفل سنوياً، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إذ بلغ عدد المواليد 2,382,362 مولود خلال عام 2018، و2.313.904 مولود خلال عام 2019، وزادت الرضاعة الصناعية زيادة مطردة عن الرضاعة الطبيعية في مصر خلال السنوات الأخيرة.
هنا أبو الغار، أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة، تقول إنَّ الاعتماد على الرضاعة الصناعية بات أكبر بالمقارنة بالرضاعة الطبيعية المطلقة. مشيرة إلى أن تقديرات اليونسيف لحجم الرضاعة الطبيعية المطلقة في مصر (لا تدخل معها اللبن الصناعي أو الأعشاب) أقل من 30%.
أبو الغار توضح أن أهم أسباب زيادة الرضاعة الصناعية عن الطبيعية هو تسرع الأم في إدخال اللبن الصناعي إلى الطفل في اليوم الأول بعد الولادة لقلة لبن السرسوب، وقلة معرفتها بأن اللبن يبدأ في التدفق بوفرة إلى ثدي الأم بعد 3 : 5 أيام من بداية الرضاعة الطبيعية.هذا إلى جانب توافر اللبن الصناعي في الصيدليات، وصرفه للأمهات بدون روشتة طبيب.
نسبة الاعتماد المطلق على الرضاعة الطبيعية للأطفال في عمر 4-5 أشهر.
نسبة البدء المبكر في الرضاعة الطبيعية في الساعة الأولى للولادة.
نسبة الاعتماد الكلي على الرضاعة الصناعية للأطفال في عمر 4-5 أشهر.
معدل إدخال التغذية التكميلية في الوقت المناسب من عمر 6- 9 أشهر.
[COLOR=#EAE7E7 !important]المصدر: تقرير اليونيسف[/COLOR]
الزيادة المطردة في الاعتمادية على الرضاعة الصناعية، زاد من نسبة مبيعات رضاعات الأطفال في ظل الاحتياج إليها كوعاء للبن الصناعي والأعشاب من اليوم الأول بعد الولادة، وفي عام 2016 أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن مصر تشتري سنوياً رضاعات للأطفال، بما قيمته 176 ألف دولا، بخلاف ما يصنع محلياً.
وتفضل الأمهات الرضاعات البلاستيكية عن الزجاجية، وتفسر رضوى طنطاوي، مهندسة، وأم لطفلة عمرها عامين، بإنها غير قابلة للكسر، وتقول "أحيانا لم أكن أركز في وجود شعار خالية من بنسيفول A، رغم أني قرأت عن خطورتها"، وتعتمد على الماركات مشهورة وتعتبرها بالضرورة آمنة.
تفضيل الرضاعات البلاستيكية يُظهره أيضا استبيان أجريته على 120 سيدة ليكشف:
وتسبب "BPA" المستخدمة في صناعة الرضاعات البلاستيكية أضراراً صحيّة متنوعة مثل أورام الغدة الثديية والبروستاتا، واضطراب الجهاز المناعي، والتأثير على عمل الغدد وإفراز الهرمونات، كما يمتد تأثير تناولها لمدة طويلة إلى الإصابة بالعقم، بحسب الباحث بالمركز الإقليمي للأغذية التابع لمركز البحوث الزراعية، محمد جمال.
من المشاركات يفضلن الرضاعة البلاستيك عن الزجاج لصعوبة كسرها، وأخف في الوزن وعملية.
التأثير على الرضع
الأطفال في عمر ثلاث سنوات الأكثر تتضرراً بالتعرض لمادة "BPA"، وتفسر الباحثة في المركز الإقليمي للأغذية، راندا حسن، بأن الأطفال الرضع في هذا العمر لم تُكون أجسامهم بعد إنزيم "Glucuronidases"، والذي يساعد على ربط هذه المادة بمركبات أخرى ما يسهل تصريف نسباً منها مع البول وخروجها من جسم الإنسان من دون إحداث أيّ أضرار صحيّة.
نشرت الباحثة راندا حسن دراسة في ديسمبر/ كانون الأول 2018، عن "مستويات مادة بيسفينول Aفي زجاجات الأطفال ومدى تأثرها بالحرارة ومرات الاستخدام"، وخلال إجراء التجارب على فئران، أظهرت أن مستوى السمية لـ "BPA" يأخذ شكل الـ U، وتفسر: "أيّ أن تركيز 50 ميكروجرام على سبيل المثال يحدث نفس تأثير 1000 ميكروجرام" على جسم الإنسان والحيوان.
كما أظهرت الدراسة: "تزداد هجرة بيسفينول A كلما ارتفعت درجة حرارة السوائل، ويزداد الأمر أكثر في الحليب مقارنة باليانسون أو الماء، وتفسر: "بروتينات الحليب تحفز هجرة BPA من بلاستيك الرضاعة إلى لبن الأطفال".
لمعرفة تركيز انحلال المادة الضارة إختار/ي درجة الحرارة وعدد مرات استخدام الرضاعة
تجربة
عبر جولة على منافذ على الصيدليات في محافظة القاهرة الكبرى، جمعنا عينات عشوائية من رضاعات الأطفال لأربع علامات تجارية مختلفة، لإجراء اختبار معملي على نسبة هجرة مادة "BPA" إلى السوائل بداخلها.
تراوحت أسعار العينات العشوائيّة محل الاختبارات ما بين 25 جنيهاً و200 جنيه، وتضمنت أبرز الماركات التي يفضلها الأمهات المشاركات في الاستبيان.
شاركت الباحثة سارة أمين في تجهيز العبوات بطريقة علمية قبل إخضاعها للاختبار، واتبعت الخطوات التي تحددها المواصفة رقم "13130" الخاصة بإجراء التحاليل المعملية، إذ أنها أجرت من قبل رسالة الماجستير على تحاليل مماثلة لتقدير تركيز مادة بيسفينول A.
بدأت "أمين" بملء دورقين من الماء بالمادة المحاكية للغذاء (الماء المقطر)، وزجت بها إلى فرن حراري على درجة 121 درجة مئوية لمدة ساعة.
بعد الانتهاء من تسخين المادة المحاكة وضعتها الباحثة داخل عينات الرضاعات التي جُمعت من الصيدليات، وأغلقتها بورق ألومنيوم، وتركتها لمدة ساعة قبل أن تضع جزءاً من تلك المواد في قارورة زجاجية تمهيداً لاختبارها في معمل التحاليل الدقيقة في جامعة القاهرة.
في 18 أغسطس/ آب 2019 أظهراختبار معمل التحاليل الدقيقة بجامعة القاهرةباستخدام جهاز HPLC، مستويات نسبة الـ PBA وعدم مطابقة الأربع عينات العشوائية للمواصفة المصرية رقم 7595 لعام 2013 للاشتراطات الكيميائية واختبارات زجاجات تغذية الأطفال. وحددت المواصفة نسبة هجرة المادة للمواد الغذائية بـ" 0.03 ميكروجرام/ مليجرام". Bob toon
Bob toon
تركيز المادة : 0.681
مكان الشراء-الموزع:صيدلية عزبة النخل
الحجم:250
ALG
ALG
0.535
مكان الشراء-الموزع:صيدلية في منطقة السيدة زينب
لا تضع علامة خالي من البيسفينول A
الحجم: 240
chicco
chicco
تركيز المادة : 0.446
مكان الشراء-الموزع:موزع معتمد الدقي
لا تضع علامة خالي من البيسفينول A
الحجم:330 ملي
Philips Avent
Philips Avent
0.719
مكان الشراء-الموزع:موزع معتمد
لا تضع علامة خالي من البيسفينول A
الحجم:260
وللتأكد من دقة نتائج الاختبار الأول، أخضعنا ست عينات عشوائية أخرى للمرة الثانية بعد مرور شهر، وأظهرت نتائج معمل التحاليل الدقيقةفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2019 أن العينات الستة غير مطابقة للمواصفات المصرية أيضا. lovely
lovely
تركيز المادة : 0.172
مكان الشراء-الموزع:الحلمية الجديدة
الحجم:280 ملي
سفاري
سفاري
تركيز المادة : 0.277
مكان الشراء-الموزع:صيدلية - عزبة النخل
الحجم:250 ملي
ريكينج
rikang
تركيز المادة : 0.329
مكان الشراء-الموزع:عزبة النخل
الحجم:280 ملي
Bubbles
Bubbles
تركيز المادة : 0.916
مكان الشراء-الموزع:صيدلية القصر العيني السيدة زينب-جاردن سيتي
الحجم:260 ملي
Canpol babies
Canpol babies
تركيز المادة : 0.756
مكان الشراء-الموزع:المنيرة
الحجم:250 ملي
NUk
NuK
تركيز المادة : 0.569
مكان الشراء-الموزع:صيدلية الإسعاف
الحجم:300 ملي
أجرى قسم صحة الطفل بالمركز القومي للبحوث سلسلة من الأبحاث ضمن مشروع بحثي على مدار ثلاث سنوات عن التأثيرات الصحيّة المحتملة للتعرض لبيسفينول A، كمادة مثبطة لعمل الغدد الصماء لدى الأطفال، إذ تعطل عمل الغدة الدرقية والبنكرياس، وتحدث إرتباكاً داخل جسم الرضيع.
[COLOR=white !important]يستقبل جسم الإنسان "BPA" بوصفها هرمون، وهو ما يسبب خللاً في عمل الغدد المختلفة في الجسم.
[COLOR=white !important]وذلك بحسب ما تقول الباحثة بقسم صحة الأطفال بالمركز القومي للبحوث.
مي يوسف[/COLOR]
[COLOR=var(--mGrey)]واحدة من دراسات المركز القومي للبحوث كشفت عن ارتباط زيادة نسبة تركيز مادة BPA في بول الأطفال، بزيادة تركيز نسبة "الجلوكوز" و"الأنسولين" في الدم، ما يزيد من خطر الإصابة بمرحلة ما قبل السكري.[/COLOR]
[COLOR=var(--mGrey)]بحسب الباحثة في قسم صحة الأطفال بالمركز القومي للبحوث.
ابتسام صلاح[/COLOR]
[/COLOR]أرسلنا خطابات بالبريد المسجل بعلم الوصول إلى خمس شركات مصنعة ومستوردة لعينات التجربة، كما أرسلنا خطابات إلى الشركات المصنعة خارج مصر لعينات لم تضع عنواناً للوكيل المحلي، لنعرض عليهم ما توصل له التحقيق، ومنحهم حقاً للرد.
لم يصلنا سوى رد من شركة "نك" في مصر، في 6 فبراير/ شباط 2020، أبلغونا بإرسال استفساراتنا إلى المصنع صاحب العلامة التجارية في ألمانيا، ولكن لم يصلنا شيئاً منهم مرة أخرى حتى نشر التحقيق.
ولكن العلامتان "ريكينج" و"بوب تون" لم تحملا أيّ بيانات تعريفية عن المصنع أو المستورد، أو وسائل للتواصل، في مخالفة للمواصفة المصرية رقم 7595 لعام 2013، والتي تلزم العبوات المطروحة في الأسواق وضع عنوان الموزع والمصنع أو المستورد.
https://www.scientificamerican.com/a...baby-bottles/?
المفضلات