-
نظرة تحليليه (عقليه و نقليه) الى نبوة سيدنا محمد .......(موضوع غير مسبوق..لا يفوتك أبدا)
نقلا عن أخى أبو كنزى :
بسم الله الرحمن الرحيم
دلائل صحة نبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم العقلية والنقلية
"الأنوار البهية في اثبات نبوة سيد البرية"
لقد قدم لنا النبي محمد - صلى الله علية وسلم - من خلال دعوته المباركة ، شواهد كثيرة ومتنوعة ، شكّلت بمجموعها دليلاً وبرهاناً قاطعاً على صدق نبوته صلىالله علية وسلم ، وهي كما يلي:
أولاً : إقرار الله تعالى له ولدعوته
ثانياً: وعوده المستقبلية الصادقة
ثالثاً : الحقائق العلمية
رابعاً : نشأته في بيئة أمية وإتيانه بعلوم إلهية
خامساً: هل يعقــل ؟!!
سادساً : مخالفة القرآن لطبع الرسول ، وعتابه له
سابعاً: مآثر لا يمكن أن تجتمع إلا لنبي مؤيد من الله
ثامناً : عاش بين أصحابه وأهله وزوجاته
تاسعاً : يتحدى وينتصر باسم الرب!
عاشراً : يوم الفرقان يوم التقى الجمعان
الحادي عشر : لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم
الثاني عشر : استعداده للملاعنة والمباهلة على من خالفه
الثالث عشر : دليل الإلزام
الرابع عشر : قالوا عنه صلى الله عليه وسلم
الخامس عشر : علامات الساعة
السادس عشر : التمييز بين الصادق من الكاذب فيم دون دعوى النبوة فكيف بدعوى النبوة ؟!
الحاشية
سيتم مناقشة كل محور بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالى
التعديل الأخير تم بواسطة نيو ; 06-12-2013 الساعة 12:09 PM
-
-
خامساً: هل يعقــل ؟!! :
محمد صلى الله عليه وسلم رجل أثارت دعوته إلى التوحيد حفيظة المشركين وحميتهم بحيث شكلوا خطراً حقيقياً على حياته منذ اللحظة الأولى التي جهر فيها بدعوته، وكلنا يتذكر الاضطهاد والأذى اللذان تعرض لهما فترة إقامته بمكة، وكذلك إجماع المشركين على قتله ليلة الهجرة،
كما لم تكن حياته، صلوات الله وسلامه عليه، في المدينة المُنورة بعد الهجرة أكثرُ أمناً ولا أرغد عيشاً فقد أثارت دعوته حقد اليهود ومكرهم، حيثُ تشابكت أيدي اليهود والمشركين فشكلوا خطرا مُزدوجاً على حياة هذا النبي الكريم،
وكثُرت المؤامرات الهادفة إلى اغتياله كتلك التي حاول اليهود فيها إلقاء صخرة عليه وهو في زيارة لحيَهم ، كما حاولوا تسميمه عن طريق إطعامه بعضاً من شاة مسمومة أثناء زيارته لخيبر، ولا ننسى غزوة الأحزاب التي اتحد فيها المشركون واليهود لمحاربة الإسلام واستئصاله، وغيره كثير من المؤامرات الهادفة للقضاء عليه وعلى دعوته.
لا يُمكن لعاقل أن يُصدق أن رجل مثل محمد، صلى الله عليه وسلم، والذي انشغل بدعوة الناس دعوة عملية .. وانشغل بأعدائه ... وانشغل بتأسيس الدولة الإسلامية ... وانشغل بفتوحاته المقدسة ... رجل عانى في حياته الخاصة،
لا يُمكن لعاقل ان يُصدق أن هذا الرجل استطاع في ظل هذه المحن والمشاغل أن يأتي بكتاب يتناول فيه جوانب مختلفة من العلوم والمعارف البلاغية والأدبية ، والتربوية ، والتشريعية ، والعلمية ، وغير ذلك. لا يمكن لعاقل أن يتخيل أن كل هذا من نتاج فكر رجل عاش حياة كتلك التي عاشها محمد صلى الله عليه وسلم ...
لقد كانت حياته مليئة بالمحن والمشاغل التي تتطلب انشغال الذهن بأمور بعيده كل البعد عن الإخبار عن حقائق علمية أو التأسيس لمناهج تربوية ... لكنه الله سبحانه وتعالى الذي علم رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وأوحى إليه ما أوحى ..
سادساً : مخالفة القرآن لطبع الرسول ، وعتابه له :
ان من أدلة صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نجده من مخالفة القرآن الكريم لطبع الرسول ، و عتابه له في المسائل المباحة ، وأخرى كان يجيئه القول فيها على غير ما يحبه ويهواه ؛ فيخطئه في الرأي يراه ، ويأذن له في الشيء لا يميل إليه كقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ". [التحريم:1]
وقوله تعالى : " وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ". [ الأحزاب : 37 ]
وقوله : " عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ". [التوبة : 43 ]
وقوله : " عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى " [ عبس :5-10 ] .
أيُعقل أن يؤلف محمد - صلى الله عليه وسلم - الكتاب ثم يوجه العتاب إلى نفسه ؟
ألم يكن له في السكوت عنها استبقاء لحرمة آرائه ؟
بل إن هذا القرآن لو كان يفيض عن وجدانه , لكان يستطيع عند الحاجة أن يكتم شيئاً من ذلك الوجدان ، و لو كان كاتماً شيئاً لكتم أمثال هذه الآيات ، و لكنه الوحي لا يستطيع كتمانه "وما هو على الغيب بضنين" [ التكوير الآية : 24 ] .
وقد أقر بهذا الدليل بعض المستشرقين ، مثل المستشرق (ليتنر) حيث قال : مرة أوحى الله إلى النبي وحيا شديد المؤاخذة ؛ لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى , ليخاطب رجلا غنيا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان محمد كاذبا - كما يقول أغبياء النصارى بحقه - لما كان لذلك الوحي من وجود [5].
سابعاً: مآثر لا يمكن أن تجتمع إلا لنبي مؤيد من الله :
لقد اجتمعت في النبي - صلى الله عليه وسلم - مآثر عظيمة مجموعها يدلك على صدق نبوته ، وهي كالآتي :
- كان نبياً يتنبأ كما مر معنا في الدليل الثاني .
- وسياسياً ناجحاً بنى أساس أمة و دولة من لا شيء ، من قبائل و شراذم متفرقة لا تعرف إلا الثأر و التفاخر بالاحساب و الأنساب.
- ومشرعاً وضع قانوناً يشمل الأحوال الشخصية والعقوبة الجنائية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
- وقائداً عسكرياً ناجحاً وهو ما اقر به خصومه إذ يقول القس يوسف درة الحداد و هو من اعتي خصوم الإسلام : " كان محمد عبقرية عسكرية و من أعظم قواد العالم العسكريين فى التصميم و التنفيذ .. و هو يقود الغزوات و الحملات بذاته يعرف كيف يهيىء الحملة و كيف يقودها و كيف يعود منها غالبا و كيف ينقلب مغلوبا ، و التصرف في حال الهزيمة ابرع من نشوة الظفر ، يتوسع بالجهاد كلما ازداد قوة ، و لا يعلن عن أهدافه إلا متى حان وقتها.
يعرف كيف يستشير و كيف يأخذ برأي صائب , و كيف يفرض رأيه في الظرف الحاسم و لو خالف رأى زعماء الصحابة كما حدث في أسرى بدر و صلح الحديبية و غزو تبوك و يكون هو بذاته الأسوة الحسنة في المعركة ، فلولا موقفه البطولي في هزيمة أُحد [6] ، وحصار المدينة [7] لقضي على الإسلام ، و لولا موقفه الجريء في معركة حنين لخسر فتح مكة و نصر الإسلام " .
- وكان صلى الله عليه وسلم إدارياً موفقاً [8] .
- ومُعلماً دينياً.
- وربانياً عابداً [9].
- ولُقب بالأمين فكان مثلاً أعلى في الخلق الكريم [10].
- وفوق هذا و ذاك هو صاحب معجزة عقلية بيانية ألا وهي القرآن الكريم.
من ذا يسامى هذه المآثر أو يظفر بمثل هذه المنزلة ؟
لقد كان الاسكندر فاتحا عسكرياً مظفراً , و تتلمذ على يد أعجوبة البشرية أرسطو و لكنه لم يكن المشرع و لم يكن النبي ..
و كان أعجوبة البشرية أرسطو فريداً في الفلسفة و المنطق و الآداب و العلوم ، و لكنه لم يكن رجل الدولة و لا رجل الدين و لا القائد العسكري .
و كان قيصر رجل دولة و رجل سياسة و آداب و قائداً منتصراً ، و لكنه لم يكن رجل الدين أو المشرع ...
وكان نابليون رجل دولة و رجل سياسة و قائداً عسكرياً و مشرعاً ، و لكنه لم يكن صاحب الدين أو رجل اللغة و الأدب أو المثل الأعلى في الأخلاق .
و كان كل من شكسبير و جوته علما من أعلام الأدب و الشعر و المسرح و لكنهما كانا أصفاراً في السياسة و التشريع و القيادة العسكرية أو الرسالة الدينية .
أين كل هؤلاء الآن وما هو تأثيرهم وأين نبي الله محمد ومدى تأثيره !!!!!
ان الشخصية الباهرة غير العادية للرسول قد فرضت نفسها .. و كل هذا يصدر من عربي .. فإذا لم يكن هذا وحياً و إذا لم يكن محمد نبياً فان البديل الوحيد هو أن يكون محمد كما كان يرى اليونان و الرومان إلهاً أو نصف اله !
-
ثامناً : عاش بين أصحابه وأهله وزوجاته :
لقد عاش محمد بين أصحابه وأهله وزوجاته ، لذلك لم تكن تصرفاته تخفى على أحد ، فكان كالكتاب المفتوح بينهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ..
وقد تنبه لذلك ( الكاتب الإنكليزي هـ. ج ويلز ) حين قال : ان من أدفع الأدلة على صدق محمد كون أهله واقرب الناس إليه يؤمنون به، فقد كانوا مطلعين على أسراره، ولو شكوا في صدقه لتركوا الإيمان به. قلت : ولتركوا التضحية بالموت من أجل دعوته.
خصوصا وانهم عاشوا معه فترات كان الإسلام فيها ضعيفاً ، لم يكن له مال يبذله لهم ولا سيف يخيفهم به.
يقول ( ميخائيل طعمه ) : لو لم يكن خلق محمد عظيماً لأنقلب عليه محيطه ، ولو لم يكن خلق محمد عظيماً لضعف أمام ما اعترضه من العقبات ، .. ولما قوي على إحداث ما أوجده من الانقلاب العظيم ، فبدل الضلال بالهدى ، والجهل بالعلم والهمجية بالمدنية [12] .
ولقد عايش الصحابة رضوان الله عليهم صفة الصدق فيه - صلى الله عليه وسلم - فلولا صدقه - صلى الله عليه وسلم - لما استمر الصحابة رضوان الله عليهم في دعوته باذلين من أجلها المال والنفس والتضحية
تاسعاً : يتحدى وينتصر باسم الرب!
لم يكتفي هذا النبي العظيم بدعوى النبوة ، بل أخذ يتحدى باسم الرب مناوئيه من العرب الذين كانوا يتفاخرون فيما بينهم بالشعر والخطابة وحب الكلمة ، تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن الذي يسمعونه منه ، إذ قرأ عليهم : " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ". [ الإسراء : 88 ]
والتحدي هنا هو انهم لا يستطيعون أن : " يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ ".
والقرآن اسم للألفاظ والمعاني، والله جل وعلا تحدى أن يؤتى بمثل هذا القرآن، وهذه المثلية إنما هي باللفظ وبالمعنى جميعاً وبصورة الكلام المتركبة.
وكون النبي منصوراً في جميع المواضع، ومنها مواضع التحدي التي تتم باسم الرب كما في سور (الطور : 33 ، هود 13 ، يونس : 38 ، البقرة : 23) فهذا يُعد تصديقاً وشهادة وعلامة من الرب على صدق أقوال هذا النبي ، ومن المحال على الله سبحانه وتعالى أن يصدّق الكاذب. لأن تصديق الكاذب كذبٌ، والكذب لا يجوز على الله.
وعلى الرغم من أن هذا التحدي قد أُعيد عليهم بقوالب مختلفة من اللفظ والأسلوب كما في السور المذكورة آنفاً ، وهم ما هم عليه من أنفة ، وفيهم ما فيهم من الشعراء والخطباء وفرسان الكلام ، ومع حرصهم الشديد على إبطال دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ قد سفه أصنامهم وعاب طريقتهم في الدين ، وجعل القرآن الكريم موجباً لطاعته والانقياد له ، إلا أنهم قد وقفوا أمامه موقف العاجز المهزوم ، ولم يستطع أحداً منهم المواجهة ...
علماً بأن جميع آيات التحدي وعددها خمس آيات قد نزلت في زمن ضعف المسلمين وقلة عددهم ، إذ أن أربع آيات منها نزلت في مكة أي في بدايات الدعوة الإسلامية ، وآية واحده نزلت في المدينة وقد اشتملتها سورة البقرة ، وهي من أوائل السور التي نزلت بعد الهجرة في وقت لم تظهر للإسلام فيه القوة ولا المنعة بعد.
لقد هزموا أمام هذا التحدي الذي أعلنه النبي باسم الرب ، وكان المؤمنون في ذلك الوقت يسمعون آيات التحدي ويقرأونهاولو ظهرت أي معارضة فعلية للقرآن لأهتزت قضية الدين عندهم، ولضاع الدين وانتهى وهو في بداية ظهوره ولما آمن بهذا القرآن أحد ، ولأنطفأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم واختل حاله بين العرب ، إلا ان أمره صلى الله عليه وسلم كان يعلوا شيئاً فشيئاً وأتباعه يتزايدون حالاً فحالا ...
ولو صح من العرب انهم قبلوا التحدي فعارضوا القرآن الكريم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لترتب عليه سقوط دعوته بعد ظهور هزيمته وانهيار حجته و بطلان معجزته ، فما كان لهذا القرآن ان يدخل في نفوس الناس في بدايات الدعوة في مكة والمدينة ، باذلين من اجله النفس والمال والولد ، يوم لم تكن للإسلام القوة والمنعة بعد ، وثمة معارضون للقرآن من العرب الاقحاح ، يأتون بمثله للناس مظهرين فساد دعوى التحدي في تلك الآيات .. فتأمل !
قال الجاحظ : لو تكلف بعضهم ذلك - يريد المعارضة - فجاء بأمر فيه أدني شبهة ، لعظمت القصة على الأعراب وأشباه الأعراب .. ولكثر القيل والقال ، وان سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أسرع في تفريق أتباعه [13] وتبعه الباقلاني فذكر أنهم لو كانوا عارضوه بما تحداهم إليه لكان فيه توهين أمره ، وتكذيب قوله ، وتفريق جمعه ، وتشتيت أسبابه ، وكان من صدق به يرجع على أعقابه ويعود في مذهب أصحابه .. ورأى صاحب المغني : أن المعارضة لو وقعت لكان فيها اضطراب لنفوس أصحابه [14]
ولما لم يكن شيئاً من هذا قد حدث فإننا على يقين تام بأن العرب قد وقفوا أمام هذا التحدي موقف العاجز المهزوم ، وقد دفع هذا العجز بأهل الاستكبار منهم أن يصفوا هذا القرآن الكريم بقولهم : " هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ " كما في سورة الزخرف المكية آية : 30 ،
وبقولهم :" إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ " كما في سورة المدثر المكية آية : 24 ،
وذهبوا ينعتون هذا الرسول الذي جاءهم بما أعجزهم بقولهم : " إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ " كما في سورة يونس المكية آية : 2 ،
وكذلك قولهم : " هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ " كما في سورة ص المكية آية : 4 ،
وليس كل ذلك إلا لهزيمتهم وقصور قرائحهم أمام القرآن الكريم ، ومدى تأثيره العجيب في نفوسهم . .
وقد ذهبوا يتواصون على عدم سماع القرآن والمشاغبة والتشويش عليه قائلين فيما بينهم :" لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ .. " فصلت : 26 ،
ونلاحظ من هذه الآية الكريمة انهم أرادوا الغلبة من خلال عدم السماع لهذا القرآن ، وليس من خلال قبولهم التحدي لأنهم قد فهموا حقيقته وانه خارج عن مقدرتهم ،
ولذلك لما قال البعض منهم على سبيل الكذب والوقاحة : " لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " كان هو قول منهم بلا فعل .. يغرون به أنفسهم ومن تبعهم على باطلهم.
هذا ولقد كانت آيات التحدي تُقرأ في قوالب مختلفة من اللفظ والأسلوب - كما ذكرنا – ولو لم تكن تلك الآيات حقيقة واقعة في حياته - صلى الله عليه وسلم - لسارع كبار الصحابة من بعده والمؤمنون به وكتاب الوحي وكبار الحفظة القراء وقت جمع القرآن الكريم إلى إنكارها ورفضها ، كيف لا ، وقد ضحوا بأموالهم وأنفسهم شرقاً وغرباً في سبيل نشر هذا الكتاب الذي جاءهم به - صلى الله عليه وسلم - إذ لا مصلحة في تحمل الأذى في سبيل دين باطل يكذب عليهم ...
والآن اسأل نفسك أخي القارئ ، هل من المعقول أن يترك الله شخصاً ما ، ادعى النبوة وأخذ يتقول عليه كذباً ويتحدى الناس باسمه بدون عقاب؟ وإذا افترضنا جدلاً بأنه قد افترى على الله كذباً ، وزعم أن الله أوحى إليه بهذا التحدي ، فهل يُحقق الله كلام ذلك الكذاب ويتمم له فعلاً هذا التحدي فيهزم به أعدائه ويكثر به أتباعه؟
-
عاشراً : يوم الفرقان يوم التقى الجمعان :
غزوة بدر الكبرى ....هي تلكم الغزوة العظيمة التي وقعت بين الحق والباطل ، في يوم الفرقان ، وهو السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية للهجرة ، وقد بلغ من شرف هذه الغزوة وعظم شأنها ، أن سمى الله يومها يوم الفرقان لأنه سبحانه فرق فيه بين الحق والباطل : " ... وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ". ( الأنفال : 41 )
كان جيش المشركين فيه أضعاف جيش المؤمنين عدداً وعدة ، ألف مشرك مقابل 300 مسلم ... سبعون فرس مقابل فرسين اثنين للمسلمين .... كل المقاييس العملية تؤكد هزيمة المسلمين - فئة قليلة بسلاح قليل - إلا أن المعركة انتهت بنصر مؤزر للحق وهزيمة منكرة للباطل ، وكافأ الله فيها المؤمنين على صدقهم وثباتهم ، وجازى الكافرين على عتوهم وكفرهم ، ولقى صناديدهم مصرعهم ، وعلى رأسهم أبو جهل .
وبهذه النتيجة تبين للجميع أن الحق مع محمد - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه إذ كيف ينتصر الأقلون المستضعفون على الأكثرين المتجبرين ؟ يقول الله سبحانه وتعالى ممتناً ومذكراً : " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ " أي بقلة العدد والسلاح : " فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ". ( آل عمران : 123 )
ومما يزيد من روعة هذا النصر انه جاء نتيجة وعد سابق أعلنه النبي عن ربه ، إذ تقول الآية السابعة من سورة الانفال ، في المؤمنين من أهل بدر : " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ". [ الأنفال : 7 ] والمعنى كما قال الطبري رحمه الله : " واذكروا أيها القوم" إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ " يعني إحدى الفرقتين : "أنَّهَا لَكُمْ" أي إن ما معهم غنيمة لكم.
ولو لم يكن هذا الوعد قد صدر فعلاً ، لأعترض المؤمنون آن ذاك من أهل بدر على الآية الكريمة، ولقالوا : كيف يُخبر القرآن عن وعود نحن لم نأخذها؟ ولاتهموا النبي بالكذب ... ولضاع الدين وانتهى .... فتأمل.
ومما يزيد من روعة هذا الوعد هو انه قد صدر في وقت كان المسلمون فيه قلة قليلة أمام الاكثرية المتجبرة ، حتى انه - صلى الله عليه وسلم - تلا عليهم قوله سبحانه ممتناً ومذكراً : " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ " أي بقلة العدد والسلاح : " فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ". ( آل عمران : 123 )
وتلا عليهم قوله سبحانه : " إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَوَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ .. " ( الانفال : 9 )
فانظر أيها القارىء الكريم كيف يصف استغاثتهم وما كان قد وعدهم به من الظفر بإحدى الطائفتين قبل اللقاء وما نصرهم به على ذلك التفصيل. ولا يجوز أن يقول لهم : قد كنت وعدتكم وقد كنتم خائفين مستضعفين ، فأزلت خوفكم ، وطيبت نفوسكم ، وأنزلت عليكم الماء ، وغشيتكم بالنعاس أمنةً منـي ، ونصرتكم بالملائكة . وهو يعلم أنهم يعلمون أنه كاذب ، وأن ذلك لم يكن ، وهذا القول يسمعه العدو والوليُّ ، وهو يمتن به على الصحابة وأتباعه ، ويحتج به على العدو والوليّ ، هذا لا يقع من عاقل ، ولا يتوهمه عاقل تدبر وفكر ، فكيف بمن يدعي النبوة والصدق ، ويريد من كل أحد سمع قوله أن يتبعه ويعتقد ذلك منه ويطيعه. وهؤلاء الذين اتبعوه وأطاعوه وبذلوا أموالهم ودماءهم ، إنما فعلوا ذلك لما اعتقدوه من نبوته ، وعرفوه من صدقه ، وتحققوه من قوله.
الحادي عشر : لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم :
يقول الله سبحانه وتعالى : " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ". ( الانفال : 63 )
قوله تعالى : "وألَّف بين قلوبهم" يعني: الأوس والخزرج، وهم الأنصار، سكان المدينة المنورة التي هاجر اليها النبي صلى الله عليه وسلم ، صاروا أنصاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعواناً يقاتلون عنه ويحمونه بعد أن كانت العداوة بينهم في الجاهلية شديدة، فألَّف الله بينهم بالإسلام ، وحصلت المحبة والألفة ، وهذا مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ... ولا يتيسر لنبي كاذب ..
وصار ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرة باهرة دالة على صدقه ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين : " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلالا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ .. " ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " وَلَكِنَّ اللَّه أَلَّفَ بَيْنهمْ إِنَّهُ عَزِيز حَكِيم ".
الثاني عشر : استعداده للملاعنة والمباهلة على من خالفه :
يقول الله سبحانه وتعالى : " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ،الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ". ( آل عمران : 61 )
والمعنى : فمن جادلك يا محمد في شأن عيسى بغير حق ، من بعد ما جاءك من الوحي والخبر بحقيقة الأمر، فقل لهم : هلموا لنجتمع جميعاً مع الأولاد والنساء ، ثم ندعو الله خاشعين ، ونقول : اللهم العن الكاذب في شأن عيسى عليه السلام .
وهنا تتجلى - أخي القارئ - ثقة النبي - صلى الله عليه وسلم - الكاملة في دينه ومن أرسله جل وعلا، إذ من كان في قلبه أدنى شك في معتـقده لا يمكن أن يقدم على مثل هذا المهلكة إلا أن يعتقد اعتقاداً جازما في صدق ما يقول ، ولذلك عندما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أساقفة نجران أن يبتهلوا وهو معهم إلى الله سبحانه وتعالى كي ينزل لعنته على الكاذب في شأن المسيح عيسى - عليه السلام - فإنهم أحجموا وأبوا ، إذ أن مثل هذا الموقف لن يُقبل عليه الا من عنده عميق الإيمان واليقين، أما الذي لا يملك يقيناً فلن يقبل على المباهلة بل لا بد ان يرجع عنها.
الثالث عشر : دليل الإلزام :
نريد أن نسأل اليهود : كيف آمنتم برسولكم موسى عليه السلام ؟
فإن قالوا : بسبب معجزاته ، أو أخلاقه ، أو تشريعه ، أو تأييد الله له ونصرته ، أو استجابة دعائه ، أو عدم رغبته في المصلحة الذاتية ، أو غير ذلك من الأدلة .
قلنا : كل ما ذكرتموه هو موجود في النبي صلى الله عليه وسلم .
وكذلك النصارى نسألهم هل هم يؤمنون بنبوة موسى عليه السلام ؟، فإن الجواب سيكون :نعم .
قلنا: كيف استدللتم على نبوته ؟ . فإن قالوا: لأنه قد ذكره لنا عيسى.
قلنا : هل هناك دليل آخر؟ .
إن قالوا : لا يوجد دليل آخر على نبوة موسى عليه السلام .
قلنا: إذن أنتم صَحَّحْتم مذهب مَن كفر بموسى عليه السلام من قومه ؛ حيث إن موسى عليه السلام لم يأت بدليل على رسالته ، ولم ينزل عيسى عليه السلام في ذلك الوقت ، وأثبتم لمن آمن به أنه آمن بغير بينة ولا علم ولا دليل ، وأن رسالة موسى علقت عن التصحيح قروناً متطاولة حتى بعث الله عيسى عليه السلام .
فإن قالوا : نعم، هناك أدلة أخرى على رسالة موسى عليه السلام.
قلنا : كل دليل استدللتم به على نبوة موسى عليه السلام هو موجود في محمد صلى الله عليه وسلم.
فلا حجة إذن لرجل يهودي أو نصراني لا يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن صدق الله إذ يقول : "وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ" [ الأعراف : 198 ] [15]
-
الرابع عشر : قالوا عنه صلى الله عليه وسلم:
- المستر جون ديفد لبوت مستشرق بريطاني توفي 1902 : " هل بالإمكان إنكار فضل محمد نبي العرب الذي قام بإصلاحات غريبة وعظيمة ، فكانت خالدة لبلاده ، فقد جعل أهلها يعبدون الله ، ويهجرون عبادة الأصنام، وهو الذي منع قتل الموءودة ، وحرم شرب الخمر ، وفعل الميسر ، وترك لأمته مبدأ لا يزال، وعليه يعمل الملايين ". [16]
- الفرنسي لوزن في كتابه ( الله والسماء ) ، توفي 1937 : " ليس محمد نبي العرب وحدهم ، بل هو أفضل نبي قال بوحدانية الله ، وان دين موسى وإن كان من الأديان التي أساسها الوحدانية إلا أنه كان قومياً محضاً ، وخاصاً ببني إسرائيل ، وأما محمد فقد أعلنه لعموم البشرية في أنحاء المسكونة..". [17]
- كارل ماركس الألماني المتوفى 1883 : " إن الرجل العربي الذي أدرك خطايا المسيحية واليهودية ، وقام بمهمة لا تخلو من الخطر بين أقوام مشركين ، يعبدون الأصنام ، يدعوهم إلى التوحيد ، ويزرع فيهم أبدية الروح ، ليس من حقه أن يُعد بين صفوف رجال التاريخ العظام فقط ، بل جدير بنا أن نعترف بنبوته ، وأنه رسول السماء إلى الأرض ". [18]
- استاذ الفلسفة ( راما كريشنا راو ) في كتابه ( محمد النبي ) : " لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها، ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبي، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلاً ". [19]
- لامارتان : " هذا هو محمد - صلى الله عليه وسلم - الفيلسوف ، الخطيب ، النبي ، المشرع ، المحارب ، قاهر الأهواء .. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض ، وإمبراطورية روحانية واحدة. إذا التـفتـنا إلى كل المستويات التي يمكن أن تقاس بها العظمة الإنسانية فإننا نتساءل بحق هل يوجد من هو أعظم منه ؟ [20]
- مايكل هارت : " إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي ... إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معاً يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية ". [21]
- فيليب حتى : " إذا نحن نظرنا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - من خلال الأعمال التي حققها ، فإن محمداً الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد ، يبدو لنا بكل وضوح واحداً من أقدر الرجال في جميع أحقاب التاريخ ، لقد نشر ديناً هو الإسلام، وأسس دولة هي الخلافة ، ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية الإسلامية ، وأقام أمه هي الأمة العربية، وهو لا يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة الملايين من البشر ". [22]
- السير تشارلس ارمان البريطاني المتوفي 1940 : " لم تنتج بلاد العرب قبله ولا بعده فرداً أثر في مجموع تاريخ العالم ..". [23]
- المستر وينتروب كيهمبال ( باحث انجليزي ) : " أعجبني من الإسلام أنه دين بسيط معقول ، ليس فيه ما في غيره من نظريات معقدة .. ، وطقوس لا معنى لها ، وقديسين يكادون يبلغون في ادعائهم درجة الألوهية ".
- فاليري ( مفكرة غربية ) : " لقد فرضت الأديان على من يدينون بها معتقدات ثقيلة ، يصعب القيام بأعبائها ، وذلك لبعدها عن الأفهام ، على حين كان الدين الإسلامي عجيباً في سهولته ، صريحاً في فروضه ، .... دون الحاجة إلى التطويل في شرحه أو التلطف في الدعاية له ".
- الباحث الفرنسي ( كليمان هوارت ) في كتابه ( محمد في الآداب العالمية المنصفة ) : " لم يكن محمد نبياً عادياً بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه ... نبي ليس عادياً ، يقسم أنه لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها! ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في نشر الدعوة لأصبح العالم مسلماً ".
أخي القارىء :
قلي بربك .... أيمكن لرجل أن يغامر و يزعم أنه نبي و يؤمن بجميع الأنبياء من قبله من أول آدم مرورا بموسى و عيسى عليهما السلام و يجعل الكفر بواحد منهم كالكفر بالجميع ثم يتحدى أهل الكتاب من اليهود و النصارى الموجودين في عهده – بل إلى قيام الساعة – و يناقشهم في أخص أمور دينهم بل و يفضحهم و يواجههم بتحريفهم لكتب أنبيائهم حتى أنه لما هاجر توجه إلى أحد معاقل اليهود في الجزيرة العربية و هي يثرب -و كان يمكنه أن يهاجر إلى أرض ليس بها أهل كتاب؟ ما الذي دعاه إلى ذلك لو كان من الكاذبين؟
قل لي بربك .... لو كان هذا الدين من عند نفسه و ليس من عند الله فما حاجته للإيمان بالأنبياء السابقين و يدخل في هذه المواجهات مع اليهود و النصارى بل و يعلن أن إلـهه و إلـههم واحد و لكنهم هم الذين غيروا شريعته و بدلوا و حرفوا. [24].
الخامس عشر : علامات الساعة :
وإخبار محمد - صلى الله عليه وسلم - بغيب علامات الساعة قبل 1400 عام ، التي لم تظهر أماراتها إلا في زماننا ، يشهد له بصدق الرسالة ، كما يشهد بأن الساعة حق. وستلاحظ - أخي القارىء - كيف ان الحديث عن هذه العلامات قد ورد على سبيل الجزم والقطع، لا الظن والحدس.
ومن العلامات التي ظهرت ما يلي :
1 – كثرة الكتابة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إن بين يدي الساعة ـ وذكر منها ـ ظهور القلم" [ رواه أحمد ح (3860) ، والبخاري في الأدب المفرد ح (1049)، وصححه الحاكم (4/110)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (647). ]
وعن عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن من أشراط الساعة : أن يكثر التجار ، ويظهر القلم" [ رواه ابو داود الطيالسي في مسنده ]
2 – تطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان :
ومن هذه الأخبار العجيبة الباهرة إخباره صلى الله عليه وسلم بتطاول هذا الصنف من الناس في البنيان ، ففي صحيح مسلم بعد أن سُأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمارات الساعة، قال صلى الله عليه وسلم : " .. أن ترى الحفاة العراة العالةَ رِعاء الشاء يتطاولون في البنيان " أي أنهم سيتركون هذا الذي هو لهم، ويتجهون للتطاول في البنيان .
3 – زخرفة البيوت :
روى البخاري في الادب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : "لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتاً يوشُّونها وشي المراحيل" ومعنى « يوشونها » ينقشونها ويصبغونها بأنواع الالوان المختلفة كما تنقش الثياب والفرش ومعنى: « المراحيل » الثياب المنقوشة بنقوش تشبه رحال الابل.
4 – تقارب الزمان و الاسواق :
قال رسول صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق السعفة" [ رواه أحمد واسناده صحيح على شرط مسلم ]
وقال صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ويتقارب الزمان ويكثر الهرج، قيل وما الهرج، قال : القتل. " [ رواه الإمام أحمد ، ورواته ثقات ].
ان تقارب الزمان المذكور في الحديث يفسر بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقصر المسافة بينها بسبب اختراع الطائرات والسيارة والإذاعة وما إلى ذلك والله أعلم .
وأما تقارب الأسواق ، فقد جاء تفسيره في حديث ضعيف بأنه كسادها وقلة أرباحها ، والظاهر – والله أعلم – أن تقارب الأسواق إشارة إلى ما وقع في زماننا من تقارب أهل الأرض بسبب وسائل النقل والكتابة السريعة التي صارت أسواق الأرض متقاربة بسببها ، فلا يكون تغيير في الأسعار في قطر من الأقطار إلا ويعلم به التجار في جميع أرجاء الأرض ، ويذهب التاجر في السيارات إلى أسواق المدائن التي تبعد عنه مسيرة أيام ، فيقضي حاجته منها ، ثم يرجع في يوم أو بعض يوم ، ويذهب في الطائرات إلى أسواق المدائن التي تبعد عنه مسيرة شهر فأكثر ، فيقضي حاجته منها ، ويرجع في يوم أو بعض يوم . [ أشراط الساعة - يوسف الوابل - بتصرف ]
ولو طبقت – أخي القارىء - ما في هذا الحديث من تقارب الزمان وتقارب الأسواق لوجدته مطابقاً لما في الإنترنت خصوصاً إذا علمنا أن بعض المواقع تحوي (300 ألف) سلعة تستطيع أن تطلع عليها جميعاً بمجرد كتابة عنوان ذلك الموقع والاتصال عليه .
5 – فشو التجارة :
روى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تشارك المرأة زوجها في التجارة"
6 – تسمية الخمور بغير اسمها :
قال صلى الله عليه وسلم : "ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" [ رواه أحمد والنسائي وابن ماجة ] وقد صدق الصادق المصدوق فقد أطلق على الخمر أسماء كثيرة كالعرق ونحوه ، و تسمى في زماننا بالمشروبات الروحية !!
وقد سمعنا عن من يشرب الخمر ويقول هذه بيرة ليست خمراً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
7 – المرأة تنكح وسط الطريق :
قال عليه الصلاة والسلام : "لا تقوم الساعة حتى توجد المرأة نهاراً تنكح وسط الطريق، لا ينكر ذلك أحدٌ، فيكون أمثلهم يومئذ الذي يقول لو نحيتها عن الطريق قليلاً" [ رواه الحاكم عن ابي هريرة ].
وهذا الأمر مشاهد في أمريكا وأوروبا أعاذنا الله من ذلك . وقال عليه الصلاة والسلام : "لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس تسافد البهائم في الطرق" . [ رواه الطبراني عن ابن عمر ]
8 – ظهور أمراء يقولون ولا ينكر عليهم أحد :
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "تكون أمراء يقولون ولا يرد عليهم يتهافتون في النار يتبع بعضهم بعضاً" [ رواه أبو يعلى والطبراني عن معاوية : وهو في صحيح الجامع رقم (2990) ، والصحيحة (1790) ]
9 – ظهور الكاسيات العاريات المائلات المميلات :
كان هناك بعض الصعوبة في فهم حالة النساء اللائي وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهنّ سيخرُجن في آخر هذه الأمة، وأنهنّ كاسيات عاريات. وقد يحتار الإنسان ، كيف تكون المرأة كاسية ، و عارية في آنٍ واحد حتى رأينا ذلك في زمننا، فللمرأة كساء ، ولكنه ضيق أو شفاف يصف الجسم ، ويظهره ( أولها الملابس الكثيرة ، و لكنها تفصّلها قصيرة ) أو تكون لابسة كاسية في بعض الأماكن، متعرية في أماكن أخرى . و هن أيضاً مائلات مميلات ، وقد اكتمل الميل عن طريق المستقيم، والتمايل بالأجساد ، حتى وضعوا لهن في أحذيتهن كعوباً عالية ، لاستكمال الميل في الأجسام ، و هنّ بهذا الميل مميلات لكثير من الشباب مضلات لهم بفتنتهن المعروضة...
و رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة : أي كأسنمة الجمال المائلة . وهذا ما نشاهده في زماننا ، مصدقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كشف الله له هذا الغيب ، قبل ألف و أربعمائة عام ، فقال عليه و على آله الصلاة والسلام : "صِنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس – الذين يعتدون ظلماً على الناس فيضربونهم بالسياط [25] – و نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلون الجنة ، و لا يجدون ريحها" [ رواه أحمد ومسلم.]
10 – انتشار التعامل بالربا :
قال عليه الصلاة و السلام : "ليأتينّ على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا ، فمن لم يأكله أصابه من غباره" [ رواه النسائي وأبو داود ، وابن ماجه . ]
قال السندي متحدثاً عن هذه البلية : " هو زماننا هذا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وفيه معجزة بينة له صلى الله تعالى عليه وسلم". [ حاشية السندي على النسائي (7/243).]
وهو في زماننا أظهر وأبين، فقد أضحت البنوك الربوية ملاذاً يحفظ الناس فيه من الضياع أموالهم، بل ينالون منها رواتبهم وحقوقهم، وعن طريقها يدفعون أثمان بضائعهم وغيره، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
11 – تعطيل السيف من الجهاد :
رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أشراط الساعة سوء الجوار ، و قطيعة الأرحام ، و أن يعطل السيف من الجهاد" [ رواه ابن مردويه عن أبي هريرة و أبو نعيم في تاريخ أصبهان ]
12– ترك الأذان على الضعفاء :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم" [ رواه ابن ابي حاتم ] .
وقد حدث فمن الذي يؤذن سوى الضعفاء بين القوم الآن ؟ وهي ظاهرة منتشرة بالخليج ..
وبعد : فهذا قليل من كثير ، مما أخبر به رسول ربنا - صلى الله عليه وسلم - قبل ألف وأربعمائة عام ، يشهد بصدق نبوته ، وبأنه نذير لنا وبشير بين يدي عذاب شديد ، فكما رأينا علامات الساعة اليوم فسنرى الساعة غداً ، لأن المُخبر بها واحد ، وهو الصادق المصدوق ، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . [ من كتاب الايمان - مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت ]
السادس عشر : التمييز بين الصادق من الكاذب فيم دون دعوى النبوة فكيف بدعوى النبوة ؟!
لاشك أن التميز بين الصادق من الكاذب له طرق كثيرة في غير دعوى النبوة ، فكيف بدعوى النبوة التي هي أشرف العلوم وأشرف الأعمال ، لذلك استدلّ النجاشي ملك الحبشة على صحة نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآمن به بعد أن سألهم عما يخبر به، واستقرأهم القرآن فقرؤوه عليه ، فقال : " إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ ".
ان سيرته صلى الله عليه وسلم هي من أعظم الدلائل على صدقه ، فمن يقرأها متجرداً عن الهوى سيعرف أنها ليست سيرة كاهن ولا شاعر ولا كذاب ولا مجنون ولا سيرة ملك من طلاب الدنيا.
كان عليه الصلاة والسلام أبعد ما يكون عن سيرة الملوك وعيشة الملوك وحياة الملوك، كان يعيش على البساطة والتواضع وحينما دخل عليه رجل فارتعد هيبة له صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام : " هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ".
ما كان ملكاً، كان يأكل ما تيسر له ويلبس ما تيسر له وقالت زوجه عائشة : " إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلالِ ثُمَّ الْهِلالِ ثَلاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ. فقال لها ابن أختها عروة : يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ قَالَتْ الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ".
وقال أصحابه : " مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ ثَلاثًا تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ".
تقول عائشة : " كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا - جلد - حَشْوُهُ لِيفٌ ".
ودخل عليه ذات مرة عمر بن الخطاب وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال له عمر : يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أَوْثَرَ من هذا فقال صلى الله عليه وسلم : " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا."
نعم - أخي القارىء - الدنيا ليست دار مقر وإنما هي دار مفر، الارتحال عنها ضروري وسريع وقريب.
تم بحمد الله
الحاشية
[1] يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " وشهادة الله تعالى لرسوله بالحق نوعان شهادة قولية وشهادة فعلية أما الشهادة القولية فإن الله تعالى قال في القرآن الكريم : " لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ". فهذه شهادة قولية بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وأما الشهادة الفعلية فهي تمكين الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في الأرض ونصره إياه وإدالته على أعدائه فإنه إن كان صلى الله عليه وسلم غير صادق فيما جاء به من الرسالة والنبوة ما مكن الله له لأن الله تعالى لا يمكن أن يمكن لظالم في أرضه كما قال الله تعالى : " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ". وقال تعالى : " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ". ولهذا كل من ادعى النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى لا يمكن له ولا ينصره بل يخذله ويبين كذبه حتى يظهر للناس أمره وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم. [ مكتبة الفتاوي : فتاوي نور على الدرب ( نصية ) : التفسير ]
[2] أورد هذه الرواية القاضي عبد الجبار بن احمد المتوفى سنة 415 هـ في كتابه "تثبيت دلائل النبوة"
[3] أما ما ذهب إليه البعض ان هناك آيات في القرآن الكريم تدل على ان نبي الإسلام لم يمتلك معجزة سوى القرآن الكريم واستدلالهم بالآية 59 من سورة الإسراء التي تقول : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } , وكذلك بالاية 90 إلى 93 من سورة الإسراء والتي جاء فيها : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلا ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا }. فالجواب عن ذلك بالآتي :
أن هؤلاء المشركين لم يكن يقترحون ويسألون عن تلك المعجزات اِسْتِرْشَادًا وطلباً للحق وإِنَّمَا كانوا يَطْلُبُونَ ويقترحون ذلك كُفْرًا وَعِنَادًا فعند طلب أمثال هذه المعجزات مع الإعراض عن المعجزة الحقيقية لنبينا صلى الله عليه وسلم والمعجزات الأخرى ، عند ذلك لم يستجيب الله عز و جل لطلب المشركين ، إذ أن طلبهم ليس لعدم قيام الحجة الكافية بل هو نوع من التعنت والتعجيز ، وقد كانوا كلما رأوا معجزة يقولون : (( سِحْرٌ مُبِينٌ )) كما ذكرنا سالفاً … وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ } [ الحجر : 14 ] فحتى لو نزلت هذه الآيات فلسوف يعيدون ذلك القول.
يقول أهل التفسير في قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } أي وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحها أهل مكة إلا أن كذب بها الأولون لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذبوا بها واستحقوا الإهلاك وقد حكمنا بإمهالهم لإتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وعن الحسن في قول الله تعالى :{ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } قال : رحمة لكم أيتها الأمة , إنا لو أرسلنا بالآيات فكذبتم بها , أصابكم ما أصاب من قبلكم.
[4] [ أخرجه البخاري في المغازي ومسلم في الجهاد والسير والترمذي في الجهاد وغيرهم ]
[5] [ دين الإسلام ، للايتنر ، ترجمة عبدالوهاب سليم (ص:132) ، المكتبة السلفية ، دمشق، 1423هـ.، وذكر أن لايتنر هو باحث انجليزي حصل على أكثر من شهادة دكتوراة في الشريعة والفلسفة واللاهوت ، زار الأستانة عام 1854م. ]
[6] من المعلوم ان انهزام المسلمين في معركة أحد كان بسبب مخالفة الرماة لتعليمات الرسول بلزوم أماكنهم وعدم التحرك منها مهما كانت أطوار القتال ... وقد شرح الله سبحانه وتعالى هذه القصة في سورة آل عمران ، حيث يقول المولى تبارك وتعالى : " وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ". فأخذ المسلمون من ذلك الدرس العميق في قيمة الطاعة. وبعد انتهاء معركة أحد ، ورحيل قريش جاءت الأخبار إلى المدينة بأن قريشاً تريد العودة لتستأصل المسلمين في مدينتهم ، فما كان من القائد القدوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن دعا أصحابة للخروج لتعقب قريش ، وزرع الخوف في قلب من يفكر بالاعتداء على المدينة الآمنة، فسار هو وأصحابه حتى وصلوا حمراء الأسد على بعد ثمانية أميال من المدينة مرهبا بذلك العدو وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم . وبالفعل فقد تزعزع عندها جيش المشركين وانسحب إلى مكة خيفة ان يفقد انتصاره الذي كسبه سهلاً في أحد .. ويعود الجيش الإسلامي وقد استرد شيئاً من حميته وكرامته التي أهدرتها الهزيمة .. ولا يعرف وزن هذا الكسب النفسي إلا كل عسكري محترف .. وقد أثنى القرآن الكريم على الصحابة بهذا الخروج طاعةً لرسولهم الكريم فقال الله تعالى : " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ " [ آل عمران : 172 ] .
وكان من نتائج غزوة أحد أن تجرأ الأعراب حول المدينة على المسلمين ، وظهر ذلك في التجمعات التي قام بها بنو أسد ، وبنو هذيل مستهدفين غزو المدينة طمعاً في خيراتها وانتصاراً لشركهم ومظاهرة لقريش وتقرباً إليها وكان ذلك في شهر محرم من السنة الرابعة للهجرة كما في طبقات ابن سعد 2 : 50 وزاد المعاد 2 : 121 ، فما كان من القائد القدوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن أرسل إليهم أبا سلمة بن عبد الأسد بمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار ، الأمر الذي جعلهم يتركون إبلهم وماشيتهم بيد المسلمين من هول المفاجأة [ طبقات ابن سعد 2 : 50 ] ، [ السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم العمري - مكتبة العبيكان ]
[7] وأما موقفه البطولي في حصار المشركين للمدينة فيتجلى في ثباته صلى الله عليه وسلم رغم طول الحصار وحفره للخندق مع أصحابه وهو يبشر ويرفع من عزائم الصحابة . وكان لمشاركته صلى الله عليه وسلم - بصورة فعلية - وليست رمزية - أثر كبير في الروح التي سادت موقع عمل الخندق. واستمرت هذه الروح إلى أن فشل حصار المشركين للمدينة ، عندها قال الرسول - صلى الله عليه وسلم في رؤية سياسية عظيمة : " الآن نغزوهم ولا يغزوننا " [ صحيح البخاري 5 : 48 ] ، [ صحيح السيرة النبوية - د : أكرم العمري - مكتبة العبيكان ]
[8] المتواتر عن محمد صلى الله عليه و اله و سلم انه كان فى القمة في أمور الإدارة , و لن تجد في زمانه و بيئته مثله ، يقول القس الحداد : " كان محمد عبقرية إدارية في تنظيم شئون الحياة الدينية و الاجتماعية و السياسية و الحربية "
و يقول الاستاذ العقاد : " كان يوصى بالرياسة حيثما وجد العمل الاجتماعي أو العمل المجتمع الذي يحتاج إلى تدبير , و من حديثه المأثور : " إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا احدهم " و من أعماله المأثورة انه كان يرسل الجيش و عليه أمير و خليفة للأمير و خليفة للخليفة إذا أصيب من تقدمه بما أقعده عن القيادة , و كان قوام الرئاسة و الإمامة عنده شرطان هما جماع الشروط فى كل رئاسة , و هما الكفاءة و الحب : " أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس علم ان فى العشرة افضل ممن استعمل فقد غش الله و غش رسوله و غش جماعة المسلمين " ( الجامع الصغير ) " و أيما رجل أم قوما و هم له كارهون لم تجز صلاته اذنيه " ( الجامع الصغير )
و كان إلى عنايته بإسناد الأمر إلى المدير القادر عليه حريصا على تقرير التبعات فى الشئون ما كبر منها و ما صغر , على النهج الذي أوضحه صلوات الله عليه حيث قال : " كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته "..
و قد كانت أوامر الإسلام و نواهيه معروفة لطائفة كبيرة من المسلمين أنصارا كانوا او مهاجرين و لكنه عليه السلام لم يترك أحدا يدعى لنفسه حقا في إقامة الحدود , و إكراه الناس على طاعة الأوامر و اجتناب النواهي غير من لهم ولاية الأمر و سياسة الناس ..
و ما أكثر ما سمعنا في أيامنا الأخيرة عن الأمن و النظام و توطيد أركان الشريعة و القانون , و لكننا لا نعرف في كل ما قيل كلاما هو أجمل لوجوه الصواب في هذه المسالة من قول النبى : " السمع و الطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية فلا سمع و لا طاعة " .. [ الجامع الصحيح : 2955 ]
[9] لا يشك أي مطلع منصف للقرآن الكريم بأن محمد صلى الله عليه واله و سلم قد بلغ القمة في الربانية و العبادة و الذكر للخالق و الدعاء و تعليم الناس أن يعبدوا خالقهم و يذكروه , بل لا يوجد إنسان مشى على الأرض قاد الناس إلى عبادة الله و معرفته و ذكره و كافح في سبيل ذلك مثل محمد صلى الله عليه و اله و سلم و مع ذلك يرتاب بعض من عميت بصائرهم في انه كان يفترى على الله !!!
[10] يشهد لذلك واقعة تحكيم قريش الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في رفع الحجر عندما دخل عليهم فصاحوا : " قد جاء الأمين " . [ صحيح السيرة النبوية لإبراهيم علي - دار النفائس ] وكيف أن الناس كانوا يودعون عنده أماناتهم - صلى الله عليه وسلم - لما يُعلم من صدقه وأمانته ، وحينما أراد - عليه الصلاة والسلام - الهجرة من مكة إلى المدينة، كانت أمانات المشركين عنده، فخلف علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وراءه من أجل أن يؤدي الأمانات إلى أهلها. [ السيرة النبوية لابن هشام - الجزء الثالث - هجرة الرسول ]، وثبت في صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } صعد على الصفا - جبل صغير في مكة - فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي – لبطون قريش – حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال: " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي" قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال: أبو لهب: " تبا لك ألهذا جمعتنا.." والأمثلة كثيرة .
[11] [ منتدى التوحيد - مشاركة الأخ الغزالي - بتصرف ]
[12] [ عن جريدة الكرمل من كتاب يا أهل الكتاب لعلي محمد علي ]
[13] [ نقلاً عن إعجاز القرآن للدكتور حسين نصار - مكتبة مصر - الفجالة ]
[14] [ المصدر السابق ]
[15] [ من كتاب الطعن في القرآن والرد على الطاعنين للشيخ : عبد المحسن المطيري ]
[16] من كتاب يا أهل الكتاب - دار الهادي - بيروت
[17] المصدر السابق
[18] المصدر السابق
[19] المصدر السابق
[20] الرسول في عيون غربية منصفة - دار الكتاب العربي - دمشق - القاهرة
[21] لا مرتين من كتاب تاريخ تركيا ، باريس، مارس 1854 الجزء الثاني ص 276 .
[22] الرسول في عيون غربية منصفة - دار الكتاب العربي - دمشق - القاهرة
[23] الرسول في عيون غربية منصفة - دار الكتاب العربي - دمشق - القاهرة
[24] [ من رسالة وصلت لموقعنا بعنوان رسالة إلى العقل والقلب ]
[25] قال النووي رحمه الله : وهذا الحديث من معجزات النبوة ، فقد وقع ما أخبر صلى الله عليه وسلم ، فأما أصحاب السياط ، فهم غلمان والي الشرطة. [ شرح النووي لمسلم 17 : 190 ]
تم بحمد الله
-
للرفع.....................
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة نيو في المنتدى الإعجاز العلمي فى القرأن الكريم والسنة النبوية
مشاركات: 17
آخر مشاركة: 22-03-2014, 05:14 PM
-
بواسطة رحلة الذاكرين في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 18-07-2012, 07:00 AM
-
بواسطة شعشاعي في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 18-02-2012, 05:58 PM
-
بواسطة عبدالمعز في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 11-08-2010, 03:07 AM
-
بواسطة ابومزهر في المنتدى منتديات محبي الشيخ أحمد ديدات
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 08-07-2010, 10:08 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات