أختي المسلمة: من أهم ما يتميز به المسلم والمسلمة اللذان تعلق قلباهما بالله وطبقا في حياتهما شرعه، وامتثلا أمره، تلك الراحة النفسية والاطمئنان القلبي، فلا تراهما إلا مبتسمين حتى في أحلك الظروف وأقسى الحالات، فهما يدركان أن ما أصابهما لم يكن ليخطئهما، وأن ما أخطأهما لم يكن ليصيبهما، فلا يتحسران لفوت محبوب، ولا يتجهمان لحلول مكروه، فربما كان وراء المحبوب مكروهاً، ووراء المكروه محبوباً { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 216]
ا
· لا تغرهما زخارف الدنيا وإن كانا لا يتركان نصيبهما منها { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } [القصص:77].
لمعرفتهما أن الدنيا يقصر عمرها وامتلائها بالغصص والنكد لا تستحق أن يغضب الإنسان من أجلها، ولا أن يتحسر لفوت شيء منها، فهي لا تساوي شيئاً مع الآخرة دار القرار، حيث النعيم الأبدي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، للمؤمنين الصادقين.
أختي المسلمة: لو صفت الدنيا من الأكدار، وخلت من المصائب – وذاك محال – فإن مجرد تذكر الموت يجعل حلوها مراً، وكثيرها قليلاً، وطويلها قصيراً، وصفوها كدراً، هذا لو ضمن الإنسان عمراً طويلاً، فكيف وهو إذا أصبح خشي ألا يمسي، وإذا أمسى خشي ألا يصبح، وإذا أنقشعت سحابة مصيبة أقبلت أخرى، يروعه فقد الأقربين، وموت الأصدقاء، وعندما يحس بألم عارض في عضو من أعضائه، أو يخيل إليه زيادة في خفقان قلبه، أو يحس بقلة شهية للطعام، يرتسم شبح الموت أمام ناظريه، فإذا هو يفزع ويخاف فيزداد مرضاً وتخيم عليه الوحشة، وكأن ذلك الخوف مانع من نزول الموت أو مبعد له.
يا لضعف الإنسان، ما أحقره وأقل شأنه.
تراه شاباً مكتمل الحيوية والنضارة والنشاط، ممتلئ الجسم فلا يلبث العمر أن يطوح به إلى خريفه فإذا هو محدودب الظهر، متغضن الوجه، يتعبه أدنى جهد، ويهده أقل عمل.
وتراه غنياً يسكن القصر الشامخ، ويركب السيارة الفارهة، ويجلس على الفراش الوثير، ثم تنقلب به الأيام فإذا هو يسكن ما كان يأنف من سكناه، ويركب ما كان يزدري ركوبه، ويلبس ما كان يستخشن لبسه، ويأكل ما كان يعاف أكله.
إن لذة الحياة وجمالها وقمة السعادة وكمالها لا تكون إلا في طاعة الله التي لا تكلف الإنسان شيئاً سوى الاستقامة على أمر الله وسلوك طريقه، ليسير الإنسان في الحياة مطمئن الضمير، مرتاح البال، هادئ النفس، دائم البشر، طلق المحيا، يعفو عمن ظلمه، ويغفر زلة من أساء إليه، يرحم الصغير ويوقر الكبير، يحب قضاء حاجات الناس، ويكون في خدمتهم، ويتحمل أذاهم ، ثم هو لا يفرط في صغير ولا كبير من أمر الله، بل يحرص على كل عمل يقربه إليه ويدنيه منه، فإذا نزلت به المصائب تلقاها بصبر ورضا، وإذا جاء الموت رأى فيه خلاصاً من نكد الدنيا، ورحلة إلى دار الخلود.
أختي المسلمة: في هذه الصفحات مجموعة إرشادات، وثلة توجيهات عندما تطبقينها في واقع حياتك، وتحرصين على التشبث بها، وتندمين على فواتها، ستنقلب حياتك من شقاء إلى راحة، ومن تعاسة إلى سعادة، بل ستحسين للحياة طعماً آخر، وتنظرين لها نظرة أخرى، وقد دفع إلى كتابتها حب الخير وابتغاء الأجر والرغبة في الإصلاح، فإلى تلك الأزاهير وفقك الله.
الكـــلام
أختي المسلمة:
1. احذري الثرثرة وكثرة الكلام، قال تعالى: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ } [النساء: 114].
واعلمي أن هناك من يحصي كلامك ويعده عليك: { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 17-18]
وليكن كلامك مختصراً وافياً بالغرض الذي من أجله تتحدثين.
2. اقرئي القرآن الكريم، واحرصي أن يكون لك ورد يومي منه، وحاولي أن تحفظي منه قدر ما تستطيعين، لتنالي الأجر العظيم يوم القيامة.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صل الله عليه وسلم قال: يقال لصاحب القرآن: « اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها » صحيح سنن الترمذي (2329).
3. ليس جميلاً أن تتحدثي بكل ما سمعت، فإن في هذا مجالاً للوقوع في الكذب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: « كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع » . (رواه مسلم).
4. إياك والتباهي (الافتخار) بما ليس عندك لأجل التكثر والارتفاع في أعين الناس، فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله، أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني؟ قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور » (متفق عليه).
5. إن لذكر الله تأثيراً عظيماً في حياة المسلم الروحية والنفسية والجسمية والاجتماعية، فاحرصي – أختي المسلمة أن تذكري الله كل حين على أي حالة كنت، فقد مدح الله عباده المخلصين بقوله: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ } [آل عمران: 191]
وذكر عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: « لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله » صحيح سنن الترمذي { 2687 }.
6. إذا أردت الحديث فإياك والتعاظم والتفاصح والتقعر في الكلام، فهي صفة بغيضة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم حيث يقول: « وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون » صحيح سنن الترمذي، { 1642 }.
7. ليكن لك أسوة برسول الله صل الله عليه وسلم من إطالة الصمت وطول الفكر، وعدم إكثار الضحك والإستغراق فيه؛ فعن سماك قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صل الله عليه وسلم؟ قال: " نعم، فكان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه يذكرون الشعر وأشياء من أمورهم فيضحكون وربما تبسم " المسند { 5/86 }.
وليكن حديثك – إن تحدثت – بخير وإلا فالصمت أولى بك؛ قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت » رواه البخاري { 8/60 }.
8. إياك ومقاطعة الناس أحاديثهم أو ردها عليهم أو إظهار الاستخفاف بها، وليكن حسن الاستماع أدباً لك، والرد بالتي هي أحسن شعاراً لشخصك.
9. احذري كل الحذر من السخرية بطريقة كلام الآخرين؛ كمن يتلعثم في كلامه أو عنده شيء من التأتأة أو اللثغة، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } [الحجرات: 11].
وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: « المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره.. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم » [روام مسلم].
10. إذا سمعت قراءة القرآن الكريم فاقطعي الحديث أياً كان موضوعه؛ تأدباً مع كلام الله، وامتثالاً لأمره حيث يقول: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأعراف: 204].
11. اجتهدي على وزن الكلمة في نفسك قبل أن يقذفها لسانك، واحرصي أن تكون الكلمة صالحة طيبة في سبيل الخير، بعيدة عن الشر وما يوصل إلى سخط الله، فللكلمة مسئولية عظيمة، فكم من كلمة أدخلت صاحبها إلى الجنة، وكم من كلمة هوت بصاحبها في قعر جهنم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنة عن النبي صل الله عليه وسلم قال: « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم » رواه البخاري، (6487)
وفي حديث معاذ رضي الله عنه عندما سئل النبي صل الله عليه وسلم: "و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟"
قال صل الله علية وسلم: « ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم » صحيح سنن الترمذي (2110).
12. استعملي لسانك –وهو النعمة العظيمة من الله عليك – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، قال تعالى: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ } [النساء: 114]
وصل الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المفضلات