غزوة أُحُدٍ
سيطر المسلمون على الطرق التجارية المؤدية من مكة المكرمة إلى الشام والعراق سيطرة تامة ، ومنعوا قوافل قريش من سلوك هاتين الطريقين ، فلم يبق أمام قريش إلا التجارة مع الحبشة ، وهي تجارة غير رابحة بالنسبة إلى التجارة مع الشام ومع العراق ، وبذلك حل بتجارة قريش الركود.التي تعتمد عليها في حياتها كل الاعتماد كما سيطر المسلمون على المدينة المنورة وجعلوا منها ( قاعدة أمنية ) لدعوتهم وحركتهم العسكرية .
قبل المعركة
ا – حرصت قريش منذ نكبتها الكبرى في بدر على الأخذ بثأرها من المسلمين وصممت على الاستعداد عسكريا لاستعادة كرامتها وشرفها ، سلكت طريق مكة المدينة ، حتى وصلت موضعا قريبا من المدينة يسمى ( الصمغة ) فأطلقت أبلها وخيلها ترعى زرع الأنصار هناك ، وتابعت سيرها حتى بلغت ( العقيق ) ثم نزلت بعض السفوح من جبل ( أُحُدٍ ) على بعد خمسة أميال من المدينة المنورة .
ب – كان على ميمنة خيل المشركين خالد بن الوليد[1] ، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل[2] ، وكان اللواء عند طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار.
ج – نظم المشركون قوتهم للقتال بأسلوب ( الصف ) وأمنوا حماية ميمنة الصفوف وميسرتها بالفرسان .
د – بذلت نساء قريش- خاصة هند بنت عتبة زوج أبي سفيان – أقصى جهودهن لتشجيع قريش وبعث الحماس في نفوسهم لأخذ الثأر من المسلمين[3] على أثر ذلك وإصرار قريش على القضاء على الإسلام.
ا – جمع الرسول e أهل الرأي من المسلمين صباح يوم الجمعة 15 شوال من السنة الثالثة للهجرة لاستشارتهم في كيفية لقاء العدو .كان رأي النبي e أن يتحصنوا بالمدينة المنورة وأن يدعوا قريشا خارجها ، فإذا دخلتها قاتلهم فيها قتال الشوارع في منطقة يعرفها المسلمون كل المعرفة ولا تعرفها قريش مما يساعد المسلمين على ضرب قريش وإيقاع الخسائر القادمة بها ، وكان رأي كبار الصحابة مثل هذا الرأي كما كان هذا رأي عبد الله بن أبي .ولكن الشباب الذين لم يشهدوا بدرا ، تحمسوا للخروج من المدينة وملاقاة قريش خارجها وأيدهم رجال اشتركوا ببدر ، فرأي الرسول e أن الأكثرية تؤيد الخروج ، فقال لهم : ("إنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الْهَزِيمَةَ ").[4] فنزل على رأي الأكثرية ، لأن الشورى كانت أساس نظامه الذي لا يحيد عنه .
ج – أمر الرسول e صحابته أن يتهيئوا للخروج، ودخل داره وتقلد سيفه وارتدى عدة القتال ، ثم خرج إلى الناس.شعر القوم أنهم استكرهوا الرسول e على رأيهم ، وأظهروا الرغبة في النزول على رأيه ، إلا أن النبي e وجد اختلاف في أراء شتى والتردد فقال " ماينبغى لنبي أن يضع أداته[5] بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه و بين عدوه " وكان قد ذكر لهم قبل أن يلبس الأداة أني رأيت أني في درع [6]حصينة فأولتها المدينة .[7] ثم طلب إليهم الصبر عند البأس .
د – تقدم النبي e بألف رجل ، حتى نزل ( الشيخين )[8] موضع من ضواحي المدينة وهناك رأى كتيبة لها صوت وجلبة فقال: ما هذه؟ فقالوا: هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبي بن سلول من يهود فقال e: "لَا نَسْتَنْصِرُ بِأهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أهْلِ الشِّرْكِ"[9] فعادوا إلى المدينة .وانسحب بعدهم عبد الله بن أبي مع ثلاثمائة من أنصاره المنافقين ، فتبقي النبي e ومعه سبعمائة من أصحابة يستعد بهم لقتال ثلاثة ألاف مقاتل من المشركين .
هـ - رد الرسول e جماعة من المسلمين نحو سبعة عشر لصغر سنهم منهم أسامة بن زيد و عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري والنعمان بن بشير ورافع بن خديج وسمرة بن جندب )[10]وعسكر المسلمون بالشعب في موضع ( أُحُدٍ ) في منطقة عودة الوادي ، جاعلين ظهرهم إلى جبل ( أُحُدٍ ) ، وكانت مجمل خطة الرسول e للقتال .
1 – وضع خمسين من الرماة بأمرة بقيادة (عبد الله بن جبير ) وقال لهم " انْضَحْ الْخَيْلَ[11] عَنّا بِالنّبْلِ ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا ، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا ، فَاثْبُتْ مَكَانَك لَا نُؤْتَيَنّ مِنْ قِبَلِكِ " [12]. وفي رواية (إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ).[13]
2 – نظم أصحابه صفوفا للقتال بهم بأسلوب ( الصف ) وتخير الأشداء ليكونوا طليقة الصفوف .
3 – أصدر أوامره بألا يقاتل أحد إلا بأمر منه .
4 – أخذ يشجع أصحابه ويحثهم على الصبر في القتال .
ز – ولبعث التنافس الشريف بينهم في إظهار البطولة ، أخذ الرسول e سيفا بيده ، فقال مخاطبا أصحابه : (مَنْ يَأخُذْ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ) [14]؟ فقام إليه رجال فأمسكه عنهم، حتى قام" أبو دجانة سماك بن خرشة" أخو بني ساعدة فقال: و ما حقه يا رسول اللّه؟ فقال: أن تضرب به في العدوّ حتى ينحني. و كان أبو دجانة رجلا شجاعا له عصابة حمراء، إذا اعتصب[15] بها علم الناس أنه سيقاتل وأنه أخرج عصابة الموت. فأخذ السيف و أخرج عصابته وعصب بها رأسه، و جعل يتبختر بين الصفّين على عادته إذ يختال عند الحرب. فلمّا رآه محمد يتبختر قال:«إنها لمشية يبغضها اللّه إلا في هذا الموطن»[16].بدء المشركون القتال قامت مفرزه من قوات قريش بقيادة "أبي عامر عبد عمرو بن صيفي " بالهجوم على قوات المسلمين فنشبت الحرب . ونشب القتال بين الطرفين بعد أن أذن الرسول e بذلك .
( [1] ) خالد بن الوليد (21 000 ه = 000 - 642 م) خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي: سيف الله الفاتح الكبير، الصحابي. كان من أشراف قريش في الجاهلية، يلي أعنة الخيل، وشهد مع مشركيهم حروب الإسلام إلى عمرة الحديبية، وأسلم قبل فتح مكة (هو وعمرو بن العاص) سنة 7 ه، فسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاه الخيل. ولما ولي أبو بكر وجهه لقتال مسيلمة ومن ارتد من أعراب نجد. ثم سيره إلى العراق سنة 12 ه، ففتح الحيرة وجانبا عظيما منه. وحوله إلى الشام وجعله أمير من فيها من الأمراء. ولما ولي عمر عزله عن قيادة الجيوش بالشام وولي أبا عبيدة بن الجراح، فلم يثن ذلك من عزمه، واستمر يقاتل بين يدي أبي عبيدة إلى أن تم لهما الفتح (سنة 14 ه) فرحل إلى المدينة، فدعاه عمر ليوليه، فأبى. ومات بحمص (في سورية) وقيل بالمدينة. كان مظفرا خطيبا فصيحا. يشبه عمر بن الخطاب في خلقه وصفته. قال أبو بكر: عجزت النساء أن يلدن مثل خالد ! روى له المحدثون 18 حديثا.( الأعلام للزركلي (2/ 300)
( [2] ) عكرمة بن أبي جهل (000 - 13 ه = 000 - 634 م) عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي القرشي: من صناديد قريش في الجاهلية والاسلام. كان هو وأبوه من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وأسلم عكرمة بعد فتح مكة. وحسن إسلامه، فشهد الوقائع،وولي الاعمال لابي بكر. واستشهد في اليرموك، أو يوم مرج الصفر، وعمره 62 سنة. وفي الحديث: " لا تؤذوا الاحياء بسبب الموتى " قال البرد: فنهي عن سب أبي(الأعلام للزركلي (4/ 244)
( [3] ) الرسول القائد اللواء الركن/ محمود شيت خطاب ص 173 - 174
( [4] ) مكة والمدينة في الجاهلية وعهد للرسول [ص 354] حياة محمد صلي الله عليه و سلم [1 /394] ج 9 ، ص : 250إمتاع الأسماع بما للنبى من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع [9 /250]
( [5] ) الدِّرْع . وقيل : السِّلاح . ولأمَةُ الحَرب : أدّاتُه[النهاية في غريب الأثر 4/ 414]
( [6] ) الدِّرْع : الزَّرَدِيَّة وهي قميص من حلقات من الحديد متشابكة يُلْبَس وقايةً من السلاح[دلائل النبوة للبيهقي 3/ 239]
( [7] ) روضة المحدثين [7 /338] السيرة النبوية [3 /19]
( [8] ) الشيخان: مكان بين المدينة و أحد، نزله رسول اللّه في طريقه إلى غزوة أحد.(المعالم الأثيرة فى السنة و السيرة، ص: 255)
( [9] ) نصب الراية لأحاديث الهداية ، اسم المؤلف: عبدالله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعي الوفاة: 762 ، دار النشر : دار الحديث - مصر - 1357 ، تحقيق : محمد يوسف البنوري ج 3 ص 423- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ، اسم المؤلف: محمد بن يوسف الصالحي الشامي الوفاة: 942هـ ، دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت - 1414هـ ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض ج 4 ص 186-السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون ، اسم المؤلف: علي بن برهان الدين الحلبي الوفاة: 1044 ، دار النشر : دار المعرفة - بيروت - ج 2 ص 383
( [10] ) سيدنا محمد e للشيخ / محمد رشيد رضا .
( [11] ) دفعها عنا
( [12] ) السيرة النبوية لابن هشام ، اسم المؤلف: عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري أبو محمد الوفاة: 213 ، دار النشر : دار الجيل - بيروت - 1411 ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : طه عبد الرءوف سعد. ج 4 ص 12
( [13] ) (صحيح) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم 3039، وأخرجه أبو داود في سننه حديث رقم 2662، وأخرجه أحمد في مسنده حديث رقم 18120
( [14] )(صحيح) أخرجه أحمد في مسنده حديث رقم 11826، وأخرجه الحاكم في المستدرك (ج3:ص226)،(ج3:ص227)، وأخرجه سعيد بن منصور في سنن سعيد بن منصور حديث رقم 2877، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى(ج9:ص153)، وأخرجه البزار في البحر الزخار حديث رقم 979، وأخرجه أبو بكر البزار في البحر الزخار بمسند البزار 10-13 حديث رقم 6975، وأورده ابن حجر في المطالب العالية حديث رقم 4261، وأورده البوصيري في إتحاف الخيرة حديث رقم 6247، وأخرجه عبد بن حميد في مسنده حديث رقم 1327، وأخرجه نور الدين الهيثمي في كشف الأستار حديث رقم 1785، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف حديث رقم 33051,37777، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير حديث رقم 14، وأخرجه الحربي في غريب الحديث (ج3:ص903)، وأخرجه محمد بن إبراهيم بن المنذر في تفسير القرآن لابن المنذر حديث رقم 861,1039، وأخرجه ابن سعد في الطبقات (ج3:ص285)، وأخرجه الطبري في التاريخ حديث رقم 600، وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة حديث رقم 3654,6612). إسناده متصل ، رجاله ثقات ، رجاله رجال البخاري عدا حماد بن سلمة البصري روى له البخاري تعليقًا)
( [15] ) ( اعتصب ) شد العصابة ويقال اعتصب بالتاج واعتصب بالعمامة لفها ولواها على رأسه والقوم صاروا عصبة[المعجم الوسيط 2/ 603]
( [16] ) السيرة لابن حبان [ص 218] البداية والنهاية 4/15 سيرة ابن إسحاق [3 /305]حياة محمد e [1 /397] 1423 المنتقى - شرح الموطأ [4 /310] الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء [2 /59]
التعديل الأخير تم بواسطة الناصح ; 16-04-2017 الساعة 08:45 AM
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة الناصح في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 05-09-2014, 10:59 AM
-
بواسطة الناصح في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 23-01-2013, 04:48 PM
-
بواسطة نعيم الزايدي في المنتدى المنتدى الطبي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 11-06-2011, 03:00 AM
-
بواسطة امه مسلمة في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 06-11-2010, 11:17 AM
-
بواسطة muad في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 09-12-2007, 01:44 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات