النجومُ المضيئةُ والدررُ البهيجة .. المنثورةُ على طريقِ السيدة خديجة؛ صاحبةِ النسبِ والحسب والشرف والجمال والمال ..
بحثٌ في سيرة أم المؤمنين
« الطاهرة خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها
« إني قد رزقت حبّها »
[ أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ]
تمهيد :
رجلٌ يقود أمة على إختلاف ألسنتها ومواطنها ويهدي بشر على إختلاف أعراقهم وأصولهم؛ رجلٌ يخبر الناس كافة بمنهاج جديد للحياة وفق رؤية الخالق لما يجب وينبغي أن تكون عليه البشرية لنعيش جميعاً في سلام وطمأنينة وسعادة في الدنيا ونحيَّ في جنة عرضها السموات والأرض اعدت للمتقين؛ رجلٌ هذا دوره مع ا لعالمين وهكذا تنبئُ دعوته؛ لحري به أن يخبرنا عن كيفية تنظيم العلاقات الثلاث؛ علاقة المخلوق بالخالق ، وعلاقة الخالق بنفسه ، وعلاقة المخلوق بغيره من المخلوقات، بتنسيق رباني آلهي فننعم بالسعادة وننال رضوان الها تعالى ذكره وتقدست اسماؤه جل وعلا.
وعلاقة المخلوق بغيره من المخلوقات أصابها الكثير من العطب وألمَ بها الكثير من الخروقات والتجاوزات، ومع هذا الواقع نعرض نموذجا نادرَ الحدوث بل مستحيل الوجود؛ فيصير المقصود من العرض والبحث أن نقترب من النموذج قدر الطاقة البشرية وعلى مقدار القوى العاقلة داخل الكيان الإنساني ولنقتصر ـ هنا ـ على علاقة الرجل بالمرأة ـ الزوج ـ ؛ إذ أن سفينة سلسلة هذا البحث في سيرة أمنّا أم المؤمنين السيدة خديخة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها قد رست بنا اليوم على شاطئ العلاقة الزوجية بين المرأة الأولى في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وما قاله عنها؛ الرجل المحب والزوج العاشق قدوة العالمين وصاحب المنهاج الوحيد الصالح لهداية البشر أجمعين نبي آخر الزمان وخاتم الأنبياء وآخر المرسلين من قِبل رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والملفت للأذهان أن المقولة صدرت من الفم الطاهر بل قل وهي الحقيقة خرجت من قلب المحب الذي ما نسى العهد وما فتر في وجدانه الشوق وليس من باب التذكر بل من باب الحقيقة الماثلة أمام العين؛ فالطاهرة هي الطاهرة في عيشها بين يديه أو في مخيلته وهي تسكن بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب في جنة رب الأرباب القادر المحي الوهاب الآله الحسيب الذي على كل شئ رقيب وهو لكل دعاء مجيب، يقسم النبي وهو بين نسائه على أنه مازال يحبها .. يحب العفيفة الشريفة؛ المرأة الوحيدة التي عاش معها فترة شبابه وعنفوانها، ليس أمام العين سواها وليس في القلب إلا هي وليس على لسانه الرطب بذكر الله إلا اسمها.. محياها شمس نهاره وعيونها تنير له الدرب وعقلها يدرك الأمور على حقيقتها فتعينه على أرهاصات بداية الوحي وشدته عليه فتقوي عزيمته وببصيرتها تعلم أنه نبي آخر الزمان وفي قلبها فرشت له جنة الدنيا ومن رحمها نبع له سلالة النبي المصطفى آل بيت رسول الله عليهم جميعاً رضوان الله وعلى صدرها الحنون هدأت أفكاره وجوارحه فيستعيد نشاطه من جديد في تحنث دائم أو إعمال فكر ونظر منتظم في ملكوت السموات والأرض، سكبت قطرات عسل حبها المصفى الممزوج بماء زمزم على قلبه قبل مسامعه فينشرح صدره لغد جديد مشرق، وقفت خلفه وكأنها أمامه ترفع عنه اضطراب طارئ أو وجل طارق، أحبته من سويداء قلبها ـ ومَن منا لا يحبه إذا راه أو سمع به ـ فوضعته على عرش فؤادها وتوجت به كله عرش جمالها، من أنامل اصابعها شرب وارتوى ومن يدها اطعم واغتذى .. وبعد كل هذه يقول قولته المشهورة :" إني قد رزقت حبها " ؛ فاعتبر هذا الحب رزقا يساق إليه فيشكر المولى الوهاب على رزقه وعطاءه.
واتساءل : مَن منا استخدم هذه الجملة البلاغية في التعبير عن عواطفه وأحاسيسه!!؟ ، بل يكاد البعض يخجل أن يتحدث بكلمة طيبة في مجلسه ويظنها حالة ضعف وخوار.
لا يوجد في قواميس اللُغة مثل هذه التعبيرات المحمدية، وقد نفى عنه القرآن بأنه شاعر أو كاهن ، وهو الذي يقول عن نفسه :" ادبني ربي فأحسن تاديبي" فتكون البلاغة هنا تعبير حقيقي خالص عن جزء هام من آحدى العلاقات الثلاث :
"علاقة الرجل بالمرأة " ،
ليتعلم رجال ـ ولا أقول ذكور ـ العالم كيف نعامل النساء ـ شقائقنا ـ
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأت فقط لتعليم أحكام الصلاة والزكاة والحج، أو لتعليم أحكام الطهارة والحيض والنفاس، ولم يأتي لتعليم أحكام المعاملات والعقود، ولم يأتي لتعليم أحكام العقائد والمبادئ فحسب بل هو جاء ليكون رحمة للعالمين، وهذا مانحتاج لترجمته في سلوك عملي ظاهر؛ فعباد الصوامع ودعاة القشور من دين الزوايا ليس لهم موضع قدم في الترجمة العملية لسيرة النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم .
حب النبي لخديجة.. والوفاء لها :
فكان حقًّا أن يكون لهذه الطاهرة فضل ومكانة عند رسول الله، تسمو على كل العلاقات، وتظل غُرَّة في جبين التاريخ عامَّة وتاريخ العلاقات الأسرية خاصَّة؛ إذ لم يتنكَّر لهذه المرأة التي عاشت معه حلو الحياة ومرها، بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها؛ وفاءً لها وردًّا لاعتبارها :" إني قد رزقت حبها " .
يعترف بحبّها وفضلها على سائر أمهات المؤمنين وأمامهنَّ فيقول : « إني قد رزقت حبّها » [رواه مسلم]؛ فقد روت السيدة عائشة بنت أبي بكر؛ صديق هذه الأمة؛ رضي الله عنها وعن أبيها أنها قالت :" ما غرتُ على نساءِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا على خديجةَ، وإني لم أدركها . قالت :" وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذبح الشاة فيقول « أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة» قالت :" فأغضبته يوماً، فقلت [كأنها مستنكرة!!!] :" خديجة !؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « إني قد رزقت حبها ». وفي رواية : إلى قصة الشاة . ولم يذكر الزيادة بعدها .[صحيح مسلم- الحديث صحيح ].
وأمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ؛ زوج النبي محمد لم تدركها ولم تراها ولا تعرفها فقط سمعت عنها، وهنا قمة آخرى من قمم العلاقات الإنسانية السوية ؛ العلاقة الأولى علاقة الإنسان النبي محمد بخديجة وإن غادرت الدنيا ، والقمة الثانية علاقة أمنا عائشة وهي تعاشر الزوج محمد النبي صلى الهم عليه وآله وسلم .
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم مبيناً قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « رزقت حبها» فيه إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت.
**
تعظيمها والثناء عليها :
حفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها ذلك الفضل، فلم يتزوج عليها في حياتها وكان يذكرها ويُبالغ في تعظيمها والثناء عليها، بنص قول زوج النبي السيدة عائشة نفسها إذ روى البخاري في صحيحه قولها رضي الله عنها:" ما غرتُ على امرأةٍ لرسول الله كما غرتُ على خديجةَ، لكثرةِ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وثنائه عليها، وقد أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبشرها ببيت لها في الجنة من قصب . [صحيح البخاري - الحديث: صحيح] .
ثناء محمد على خديجة :
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة ما لم يثنِ على غيرها وذلك في حديث عائشة؛ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة فقلت:" هل كانت إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها"، فغضب ثم قال:" لا والله ما أبدلني الله خيراً منها؛ آمنت إذ كفر الناس ؛ وصدقتني إذ كذبني الناس؛ وواستني بمالها إذ حرمني الناس؛ ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء". قالت عائشة فقلت في نفسي لا أذكرها بعدها بسبة أبدا [ أخرجه أبو عمر ] .
يذكر فضلها دائماً :
وقد كان يذكرها دائماً فروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنه قالت :" ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن" . [صحيح البخاري ، الحديث: صحيح] .
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفضلها على سائر زوجاته، وكان يكثر من ذكرها بحيث أن عائشة كانت تقول :" ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له :" كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة " ، فيقول :" إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد . [ البخاري - الجامع الصحيح ] .
الزمن لم يغير ما في قلبه :
ومرور الزمن على بعدها عنه لم يغير ما في قلبه حيالها ، وأمنا أم المؤمنين السيدة عائشة تحدد الزمن الذي تزوجها فيه في الحديث الذي رواه البخاري فقد قالت:" ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، قالت : وتزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربه عز وجل، أو جبريل عليه السلام، أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب . [صحيح البخاري - الحديث: صحيح] . فمرور السنوات بعد وفاتها ابقى شمعة الوفاء لها والحفاظ على عهدها كما هي تضئ جنبات كيانه.
القلادة ...
أنتحدث عن أحجار كريمة أم نتكلم عن أخلاق كريمة، أنتحدث عن ذكريات تمر بالخاطر مضت وانتهت ونستحلبها لنقول ذكريات، أم أننا نذكر مواقف رجال أصحاب همم عالية جلودهم أرق من الحرير الهندي وإن حرمنا أرتداءه ، حناجرهم تنساب منها كلمات الدفء والحنان وإن كبروا وحوقلوا وسبحوا مع سيدات المجتمع العالمي الراقي، أنتكلم عن علاقة تنتهي بقضاء الوطر وإنكسار الرغبة وإنتهاء الشوق أم نُدرس للعالم أجمع دروسا من مدرسة النبوة ذات المؤهلات العالية سواء من رجال فرسان النهار وعباد الليل أم نساء يمطرنَّ الحبيبَ العاشق قطرات الندى ويسكرنَّه بحبات الكرم بعد أن تمر الحبة تلو الحبة على ريقهنّ العذب الطاهر، مثال واحد أذكره لنتعلم :
ما حدث في غزوة بدر، دليل على وفائه لها بعد موتها؛ بل دليل على أنها تعيش في كيانه وتمتلك جميع وجدانه وإن مرت السنوات وتلاحقت الأعوام وإن تغيرت الأحداث والمواقف، فهل للعواطف النبيلة والأشواق العالية موضع ما إثناء تلاقي السيف بالسيف فتقطع الرأس أو يعانق الرمح بالرمح فينفتح الصدر ودم هنا يسال ودم آخر يراق : فحين أسر أبا العاص بن الربيع زوج ابنة الحبيب المصطفى وقد تركته لكفره في مكة لكنه خرج مع المشركين لقتال المسلمين، وما أن علمت بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأسره في المعركة وهي سليلة الكمال البشري وبنت سيدة نساء الأمة بلا منازع أو مدعي ، وهي الوفية التي لا تنسى الإحسان ولا تجحد الجميل إلا أن أرسلت من مالها ما تفتدي به زوجها، يحارب أباها وتفتديه بمالها؛ أنهنَّ نساء بلغنَّ عنان السماء بأخلاقهنَّ وجلسنَّ متربعات تحت سدرة المنتهى لكمالهنَّ؛ وامثالهن كثير أن فتشن عنهن ... فكان فيما قدمته ابنة الرسول قلادة كانت هدية لها من خديجة أمها رضي الله عنها في ليلة زفافها، فلما رآها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رق لها، وتذكر خديجة الوفية وقال لأصحابه رضوان الله عليهم بعد أن تحركت مشاعره للمحبوبة :" إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها قلادتها فافعلوا "، فسارعوا بتلبية رغبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلله در هذه الطاهرة المعطاءة أمنا خديجة .
و... أخت السيدة خديجة ... هالة بنت خويلد
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت هالة أخت خديجة تذكّر صوت زوجته فيرتاح لذلك، كما ثبت في الصحيحين . فقد حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :"اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ (1) لِذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ فَغِرْتُ فَقُلْتُ وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ(2) هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ فَأَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا ".
و .... إني لأحب حبيبها
جاء في كتاب الذرية الطاهرة للدولابي من طريق وائل بن أبي داود عن عبدالله البهي عن عائشة وفي الصحيح أيضاً عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول:" أرسلوا إلى أصدقاء خديجة"، فقال فذكرت له يوماً فقال:" إني لأحب حبيبها" .
جاء في الروض الأنف ، السهيلي :
وَرَوَى يُونُسُ عَنْ عَبْدِالْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَخْزُومِيّ قَالَ حَدّثَنَا أَبُو نَجِيحٍ قَالَ :" أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَزُورٌ أَوْ لَحْمٌ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَظْمًا مِنْهَا، فَنَاوَلَهُ الرّسُولُ بِيَدِهِ فَقَالَ اذْهَبْ بِهَذَا إلَى فُلَانَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ غَمَرْت يَدَك ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُغْضَبًا :" إنّ خَدِيجَةَ أَوْصَتْنِي بِهَا "، فَغَارَتْ عَائِشَةُ وَقَالَتْ لَكَأَنّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ امْرَأَةٌ إلّا خَدِيجَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُغْضَبًا، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللّهُ ثُمّ رَجَعَ فَإِذَا أُمّ رُومَانَ [أم عائشة] قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَك وَلِعَائِشَةَ ؟ إنّهَا حَدَثَةٌ وَإِنّك أَحَقّ مَنْ تَجَاوَزَ عَنْهَا، فَأَخَذَ بِشِدْقِ عَائِشَةَ وَقَالَ أَلَسْت الْقَائِلَةَ :" كَأَنّمَا لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ امْرَأَةٌ إلّا خَدِيجَةُ؛ وَاَللّهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إذْ كَفَرَ قَوْمُك، وَرُزِقْت مِنّي الْوَلَدُ وَحُرِمْتُمُوهُ ".[الروض الأنف، السهيلي ]
و ... أصدقاء خديجة
وعن عروة عن أبيه عن عائشة رضيَ الله عنها قالت :" ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت :" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول صلى الله عليه وآله و سلم :" أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة "، قالت :" فأغضبته يوماً فقلت :" خديجة!! "، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" إني قد رزقت حبها " [ صحيح مسلم ( 4 / 1888) . وكان يحب من يحبها، بل ومن يذكره بها وأيامها العطرة .
و ... جثامة المزنية
ومن وفائه صلى الله عليه وآله وسلم لها أّنه كان يصل صديقاتها بعد وفاتها ويحسن إليهنّ، وعندما جاءت جثامة المزنية لتزور النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسن استقبالها، وبالغ في الترحيب بها، حتى قالت عائشة رضي الله عنها :" يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ؟ "، فقال :" إنها كانت تأتينا زمن خديجة؛ وإن حسن العهد من الإيمان" رواه الحاكم .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه لم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها، إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها؛ تروي السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول :" ما غِرْتُ على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة رضي الله عنها، فربما قلت له :" كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ". فيقول :" إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد " .
**
يتبع إن شاء الله تعالى....
الجزء السابع
ملف من إعداد
الرمادي
ذو القعدة 1431 هــ~ أكتوبر 2010م
ــــــــــ
الملاحق والمراجع :
(1.) قَوْلُهَا :" فَارْتَاحَ لِذَلِكَ " أَيْ هَشَّ لِمَجِيئِهَا ، وَسُرَّ بِهَا لِتَذَكُّرِهِ بِهَا خَدِيجَةَ وَأَيَّامَهَا . وَفِي هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ لِحُسْنِ الْعَهْدِ، وَحِفْظِ الْوُدِّ، وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِبِ وَالْعَشِيرِ فِي حَيَاتِهِ وَوَفَاتِهِ، وَإِكْرَامِ أَهْلِ ذَلِكَ الصَّاحِبِ . [السهيلي ، الروض الأنف]
(2. ) قَوْلُهَا : " عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ " : مَعْنَاهُ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ جِدًّا حَتَّى قَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا مِنَ الْكِبَرِ، وَلَمْ يَبْقَ لِشِدْقِهَا بَيَاضُ شَيْءٍ مِنَ الْأَسْنَانِ، إِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ حُمْرَةُ لَثَاتِهَا . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْغَيْرَةِ مُسَامَحٌ لِلنِّسَاءِ فِيهَا، لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِنَّ فِيهَا؛ لِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ تُزْجَرْ عَائِشَةُ عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي : وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَةَ لِصِغَرِ سِنِّهَا، وَأَوَّلِ شَبِيبَتِهَا، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ .[السهيلي؛ الروض الأنف]. وقالت عائشة رضي الله عنها :" كان إذا ذكر خديجة؛ أثنى عليها فأحسن الثناء . قالت [ عائشة ] :" فغرت يوما فقلت :" ما أكثر ما تذكر حمراء الشدق، قد أبدلك الله خيرا منها ! قال :" ما أبدلني الله خيرا منها؛ قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء " . [الهيثمي- مجمع الزوائد، الحديث إسناده حسن ] . وجاء عند السهيلي :" مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ حَمْرَاءَ الشّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدّهْرِ قَدْ أَبْدَلَك اللّهُ خَيْرًا مِنْهَا، فَغَضِبَ وَقَالَ :" وَاَللّهِ مَا أَبْدَلَنِي اللّهُ خَيْرًا مِنْهَا ; آمَنَتْ بِي حِينَ كَذّبَنِي النّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النّاسُ وَرُزِقْت الْوَلَدَ مِنْهَا، وَحُرِمْته مِنْ غَيْرِهَا ". [ الروض الأنف؛ السهيلي ]
المفضلات