معرفة الخير لا تكفي لإلزام الناس به

معرفة الخير لا تكفي وحدها لإلزام الناس به ،ومعرفة الشر لا تكفي وحدها لصرف الناس عنه فقد لا يعمل الشخص بما علم بسبب هوى في النفس أو شبهة أو مغالطة أو تعلق قلبه بشيء آخر ،وعلى سبيل المثال كثير ممن يدخن يعلم الآثار السيئة للتدخين ومع ذلك يدخن ،ومن يقتل شخصا يعلم أن القتل مجرم قانونيا ومع ذلك يقتل ،و الناس تعلم و تتيقن أن النار محرقة و بعضهم يحرق نفسه بالنار و بعض الناس تعلم أن الزنا يكون سبابا في العديد من الأمراض الجنسية و مع ذلك يرتكبه .

و إذا كانت معرفة الخير لا تكفي وحدها لإلزام الناس به ،ومعرفة الشر لا تكفي وحدها لصرف الناس عنه فلا معنى لمعرفة الخير دون إلزام بفعله ،و لا معنى لاستحسان الخير دون إلزام بفعله إذ بدون الإلزام لا يهتم الإنسان بفعل الخير ولا يعيره اهتماما و بانعدام الإلزام تنعدم المسؤولية التي تلزم الإنسان بعمل الخير ، وإذا انعدمت المسؤولية التي تلزم الإنسان بعمل الخير ،ولا يوجد ما يحمل الإنسان على الالتزام بفعل الخير يضيع الخير فكل شخص يفعل ما يحلو له .



من طبيعة النفس البشرية التصرف في كثير من الأحيان وفق الخوف و الطمع

من طبيعة النفس البشرية التصرف في كثير من الأحيان وفق الخوف و الطمع ،وهذا ليس عيبا فيها بل هو من طبيعتها و مما جبلت عليه كما جبلت على حب البقاء و الجمال والتكاثر .

و كثير ما تفعل النفس البشرية الخير لأجل جلب مصلحة أو لدفع مفسدة أو للاثنين معا ،وقلما تفعل لأجل الخير ذاته .

وتجد الواحد من الناس يفعل أمرا طمعا في شيء معين و لا يفعل أمر آخر خوفا من شيء معين ،و على سبيل المثال يعمل الإنسان طلبا للمال ويزيد في عمله ويجد في عمله طمعا في الحوافز والترقيات ولا يتأخر عن عمله خوفا من الجزاءات والعقوبات ،والطالب يذاكر طمعا في النجاح و خوفا من الرسوب ،والسائق يلتزم بإشارات المرور خوفا من الغرامة وحفظا على السلامة .

والملحد نفسه يتصرف في حياته اليومية وفق الخوف والطمع فهو يذاكر أملا في النجاح وخوفا من الرسوب ويعمل طلبا للمال وأملا في حسن المعيشة وهل وجدنا ملحدا يعمل ولا يريد أجرا على عمله ؟!! ،وهل وجدنا ملحدا يتفوق في الامتحان ،ولا يريد شهادة تقدير على تفوقه ؟!! ،ولو قال الملحد أنا لا أسرق ؛ لأني لا أحب أن يسرقني أحد فهو يريد أن يعامل بالمثل ،ومن ثم يريد مقابل معاملته معاملة مثلها و بالتالي فهو لا يسرق ؛ لأن السرقة شر لكن لا يسرق ؛ لأنه يريد ألا يسرقه أحد .

أسلوب الترغيب والترهيب يتفق مع طبيعة النفس البشرية

أسلوب الترغيب و الترهيب يتفق مع طبيعة النفس البشرية فالنفس البشرية تحب ما فيه نفعها ومصلحتها وتقبل عليه وتكره ما يضرها ويؤذيها وتنفر منه ،والترغيب في الخير يحث الناس و يدفعهم إلى فعله ،والترهيب من الشر يحث الناس على تركه و يدفعهم إلى اجتنابه .

استعمال أسلوب الترغيب و الترهيب في الحياة اليومية

يعد أسلوب الترغيب و الترهيب من أكثر الأساليب المستخدمة في حياتنا اليومية ولما لا و هذا الأسلوب يوافق الفطرة و طبيعة النفس البشرية .

و من أمثلة استعمال أسلوب الترغيب و الترهيب في الحياة اليومية : المدرس في المدرسة يحض الطلبة على المذاكرة بالترغيب والترهيب،والأستاذ في الجامعة يحض الطلبة على المذاكرة والبحث بالترغيب والترهيب ،والأب والأم في المنزل يحضا ابنهما على عمل شيء معين بالترغيب والترهيب ،والبائعون يروجون سلعتهم بالترغيب و الترهيب ،ومدير العمل يحفز موظفيه على الالتزام بالعمل بالترغيب و الترهيب .

وما زال الدعاة و المصلحون و القادة و الإعلاميون يستعملون أسلوب الترغيب و الترهيب في حمل الناس على فعل الخير و التحلي بالفضائل ،وحمل الناس على ترك الشر و ترك اقتراف الرذائل .

أهمية أسلوب الترغيب و الترهيب

يكتسب أسلوب الترغيب والترهيب أهمية بالغة لشدة أثره و تأثيره على الناس في حملهم على فعل الخير و ترك الشر ،ولذلك كثر في القرآن و السنة الترغيب بالجنة والترهيب من النار، وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار، ورجاء هذه والهرب من هذه فترت عزائمه، وضعفت همته، ووهى باعثه، وكلما كان أشد طلبا للجنة، وعملا لها كان الباعث له أقوى، والهمة أشد، والسعي أتم. وهذا أمر معلوم بالذوق[1].


وربط عمل الخير بالجزاء ،والمكافأة أمر ضروري؛ لأنه يزيد قيمة عمل الخير كما تزيد قيمة الشجرة ثمرتها والجزاءات المترتبة على عمل الخير و ترك الشر تعد من أقوى الحوافز والدوافع القوية إلى الالتزام الدائم بعمل الخير و ترك الشر ذلك أنه بقدر ما يعرف الإنسان قيمة الشيء يلتزم به وبقدر ما يعرف العواقب الوخيمة لعمل الشر يجتنبه ،وعمل الخير من غير جزاء ومكافأة عمل جاف لا طعم فيه أو قليل الفائدة وناقص القيمة .


و أي نظام لا يطبق فيه مبدأ الثواب والعقاب و الترغيب والترهيب فهو نظام قصير الأجل لا يصمد إلا فترة وجيزة من الزمن .

و دون الترغيب و الترهيب لا يشجع الناس على فعل الخير و ترك الشر ،ومن ثم يقل الخير و يزداد الشر والخبث .

دوافع عمل الخير عند المسلم

يخطئ من يتوهم أن المسلم يفعل الخير طلبا للجنة وخوفا من النار فقط فدوافع عمل الخير أكثر من ذلك ،و إن كان الله – سبحانه وتعالى - يحب من عباده أن يسألوه جنته، ويستعيذوا به من ناره، فإنه يحب أن يسأل. ومن لم يسأله يغضب عليه. وأعظم ما سئل الجنة وأعظم ما استعيذ به من النار فالعمل لطلب الجنة محبوب للرب، مرضي له. وطلبها عبودية للرب. والقيام بعبوديته كلها أولى من تعطيل بعضها [2].

ومن دوافع عمل الخير عند المسلم :
عمل الخير طاعة لله فالله قد أمرنا بكل خير و نهانا عن كل شر ،وبالتالي فعلنا للخير يكون امتثالا لأمر الله .
وعمل الخير حبا لله ،وابتغاء وجه الله والمسلم يحب الله ، و الذي يحب شيئا يطيعه ويفعل ما يحب حبيبه .
وعمل الخير من أجل رضا الله فالله يرضى عمن يطيعه و يفعل الخيرات و يجتنب المنكرات .
وعمل الخير شكرا لله على نعمه التي لا تعد ولا تعصى فمن شكر النعم استعمال نعم الله في مرضاة الله و التي منها عمل الخير .
وعمل الخير من أجل حب الله لنا فالله يحب المطيعين له .
وعمل الخير اتقاءا لغضب الله .
وعمل الخير طمعا في زيادة الحسنات و تكفيرا للسيئات فالحسنات يذهبن السيئات .
يقول الدكتور : عمر الأشقر : " العباد يقصدون ربهم من جوانب مختلفة، فمنهم الذي يعبده تعظيما له وتوقيرا، ومنهم الذي يقصد الدخول في طاعته وعبادته، ومنهم الذي يطلب رضوانه ورضاه، ومنهم الذي يقصد الأنس به، والتلذذ بطاعته وعبادته، ومنهم من يرجو التنعم برؤيته في يوم لقياه، ومنهم من يطلب ثوابه من غير أن يستشعر ثوابا معينا، ومنهم من يطلب ثوابا معينا، ومنهم من يخاف عقابه من حيث الجملة غير ناظر إلى عقاب معين، ومنهم من يخشى عقابا معينا.

وتنوع المقاصد باب واسع، والعبد قد يقصد هذا مرة، وهذا مرة، وقد يقصد أكثر من واحد من هذه المقاصد، وكلّها تنتهي إلى غاية واحدة، وتعني في النهاية شيئًا واحدا، أنّ العبد يريد الله سبحانه، ولا يريد سواه، وكل ذلك محقق للإخلاص. وأصحاب هذه المقاصد على الصراط المستقيم، وعلى الهدى والصواب، وإن كان العبد لا ينبغي أن يخلي قصده من الحبّ والخوف، فإن قوام العبادة بهما، ومدارها عليهما " [3].

ومن هنا يتبين خطأ الملاحدة في دعواهم أن محرك فعل الخير عند المسلمين هو الطمع في الجنة والخوف من النار فقط ،والواحد من الناس قد يطيع أباه حبا لأبيه و خوفا من عقابه وطمعا في إحسانه و من أجل إرضائه و ومن أجل ألا يغضبه فهناك أكثر من دافع و أكثر من محرك على الطاعة و كذلك المسلم مع ربه مع الفارق بين الرب و الأب .

و لتعدد دوافع عمل الخير عند المسلم أثر كبير في زيادة عمل الخير في البلاد التي تلتزم بتعاليم الإسلام حيث يعم الخير و السعادة و الرخاء هذه البلاد ،و صدق الله القائل : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (النحل:97) ، و القائل : ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ( طه :123-124 ) ،والقائل : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ ( الأعراف : 96 ).



[1] - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم 2/79


[2] - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم 2/79


[3] - مَقَاصِدُ المُكَلفينَ فيمَا يُتعَبَّدُ به لِرَبِّ العَالمين للدكتور عمر سليمان الأشقر ص 409