و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
أختنا الفاضلة الراجح أنه يجوز للمسلم أن يتزوج من أى محصنة يهودية أو نصرانية
و هناك من يقول أن من يحل لنا أن نتزوج منهن هن الموحدات من أهل الكتاب اللاتى يؤمن بعبودية المسيح لله و هو قول ضعيف
تفضلى بقراءة ما يلى :
حكم الزواج بالكتابية.
أما زواج المسلم بالمرأة الكتابية – وهي اليهودية والنصرانية فقط، على الصحيح من أقوال العلماء، فالكلام فيه ينحصر في الفصول الثلاثة الآتية:
[وقد رأى بعض العلماء، ومنهم ابن حزم رحمه الله، كما في المحلى (9/445) بأن حكم المجوسية حكم الكتابية، وهو رأي الإمام الشوكاني رحمه الله، كما في السيل الجرار (2/252-254). و راجع المغني لابن قدامة رحمه الله (7/130-131)]
الفصل الأول:
حكم
الزواج بالكتابية في دار الإسلام.
تمهيد:
ورد النهي صريحا في نكاح المشركات وعدم حلهن للمسلمين، في آية البقرة: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، وآية الممتحنة ولا تمسكوا بعصم الكوافر وظاهر النهي العموم في كل كافرة ومشركة.
وورد الإذن بحل طعام أهل الكتاب ونسائهم للمسلمين، على وجه الخصوص في قوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين [المائدة: 5]
وعندما نزلت هذه الآيات الحاظرة أو المبيحة، كانت الأرض تنقسم قسمين:
القسم الأول: دار الإسلام التي ترتفع فيها راية الإسلام، ويقام بها هذا الدين، وتنفذ فيها أحكام الشيعة.
القسم الثاني: دار الحرب التي بينها وبين المسلمين حرب لا يوقفها إلا دخول أهلها في الإسلام، أو خضوعهم لنظامه العام ودفع الجزية، مع بقائهم على دينهم، فيكونون بذلك أهل ذمة تدخل أرضهم في دار الإسلام.
ولم يكن المسلمون يسكنون في دار الحرب، لأن الله تعالى أمرهم بالهجرة منها إلى دار الإسلام، ونهاهم عن المقام بين ظهراني المشركين، لا فرق بين أهل مكة – قبل فتحها – وغيرها، والأصل أن الهجرة من بلاد الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة.
والمقصود من ذكر هذا التمهيد هنا، أن يعلم أن كلام علماء المسلمين في جواز نكاح الكتابية أو عدم جوازه، إذا أطلق يراد به نكاحها في دار الإسلام، أما دار الحرب، فإنهم يصرحون بذكر حكم الزواج فيها، ولم يكن يدخلها من المسلمين إلا الأسير، أو التاجر، أو الرسول، كما سيأتي الكلام على ذلك.
مذاهب العلم في زواج المسلم بالكتابية في دار الإسلام:
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم زواج المسلم بالكتابية في دار الإسلام:
المذهب الأول: مذهب الجمهور.
ومنهم الأئمة الأربعة: وهو جواز نكاح الكتابية في أرض الإسلام، مع الكراهة.
قال السرخسي رحمه الله: "ولا بأس أن يتزوج المسلم الحرة، من أهل الكتاب لقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب [المائدة 5 المبسوط (4/210)].
[لم أتغرض لحكم الأمة الكتابية، لانقراض ذلك في هذا العصر، بخلاف الحرائر]
وقال علاء الدين الكاساني رحمه الله: "ويجوز أن ينكح الكتابية لقوله عز وجل: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " [بدائع الصنائع (3/1414)].
وقال في تنوير الأبصار: "وصح نكاح كتابية" وقال شارحه في الدر المختار: "وإن كره تنزيها" [حاشية رد المحتار (3/45)].
وقال في الشرح الصغير على الدردير: "وحرمت الكافرة" أي وطؤها، حرة أو أمة بنكاح أو ملك" إلا الحرة الكتابية "فيحل نكاحها"بِكُرْهٍ"عند الإمام".
وقال محققه: "وإنما حكم مالك بالكراهة في بلد الإسلام، لأنها تتغذى بالخمر والخنزير وتغذي ولدها به، وزوجها يقبلها ويضاجعها، وليس له منعها من التغذي ولو تضرر برائحته، ولا من الذهاب إلى الكنيسة، وقد تموت وهي حامل، فتدفن في مقبرة الكفار، وهي حفرة من حفر النار " [الشرح الصغير (2/420) بتحقيق الدكتور كمال وصفي]
وقال النووي رحمه الله: "ويحرم نكاح من لا كتاب لها … وتحل كتابية، لكن تكره حربية، وكذا ذمية على الصحيح". وقال المحشي: [وكذا] " تكره ذمية على الصحيح" [لما مر من خوف الفتنة] [المنهاج (3/187) وراجع روضة الطالبين (7/135-137)]
وقال الخرقي رحمه الله: "وحرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم حلال للمسلمين" وقال ابن قدامة رحمه الله – بعد أن ذكر أقوال العلماء وناقشها: "إذا ثبت هذا فالأولى أن لا يتزوج كتابية" [المغني (7/129)]
وقد استدل الجمهور لما ذهبوا إليه من الجواز بالكتاب والأثر والمعقول:
أما الكتاب، فقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم كما مضى، ورأوا أن هذه الآية – وهي آية المائدة – إما مخصصة لعموم قوله تعالى في سورة البقرة ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، وإما ناسخة لها، لأن نزول سورة المائدة متأخر عن نزول سورة البقرة، وإما أن لفظ المشركين لا يتناول أهل الكتاب. [راجع في هذا المغني لابن قدامة (7/129) والسيل الجرار (2/252) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (22/178) وجامع البيان عن تأويل القرآن لابن جرير (2/326) والجامع لأحكام القرآن (3/69)]
وأما الأثر فما ورد في نكاح الصحابة الكتابيات من اليهوديات والنصرانيات، منهم طلحة بن عبيد الله، وحذيفة بن اليمان، وعثمان بن عفان، رضي الله عنهم. [جامع البيان عن تأويل القرآن (2/332-376) وأحكام القرآن للجصاص (1/332/336)]
وأما المعقول، فإن الكتابية – وقد آمنت -في الجملة- بالله وبعض كتبه واليوم الآخر - وبعض الرسل – قد تميل إلى الإسلام إذا عرفت حقيقته، فرجاء إسلامها أقرب من رجاء إسلام الوثنية، كما قال الكاساني: "إلا أنه يجوز نكاح الكتابية لرجاء إسلامها، لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل، بناء على أنها أخبرت عن الأمر على خلاف حقيقته. فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة الأمر تنبهت، وتأتي بالإيمان على التفصيل، على حسب ما كانت أتت به في الجملة، وهذا هو الظاهر من حال التي بُنِيَ أمرها على الدليل دون الهوى والطبع، والزوج يدعوها إلى الإسلام وينبهها على حقيقة الأمر، فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها، فيجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة، بخلاف المشركة، فإنها في اختيارها الشرك، ما ثبت أمرها على الحجة، بل على التقليد بوجود الآباء على ذلك …" [بدائع الصنائع (3/1414)]
وقال في حاشية المنهاج للنووي: "وقد يقال باستحباب نكاحها، إذا رجي إسلامها، وقد روي أن عثمان رضي الله عنه، تزوج نصرانية فأسلمت وحسن إسلامها، وقد ذكر القفال أن الحكمة في إباحة الكتابية ما يرجى من ميلها إلى دين زوجها، إذ الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات، ولهذا حرمت المسلمة على المشرك " [المنهاج مع الحاشية (3/187)]
المذهب الثاني: تحريم الزواج بالكتابية على المسلم في دار الإسلام.
واشتهر هذا المذهب عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال السرخسي رحمه الله: "ولا بأس أن يتزوج المسلم الحرة من أهل الكتاب، لقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب الآية. وكان ابن عمر لا يُجَوِّز ذلك، ويقول: الكتابية مشركة". [المبسوط (4/210)]
وقال ابن حزم رحمه الله: "وروينا عن ابن عمر تحريم نساء أهل الكتاب جملة، – ثم ساق بسنده عن نافع – أن ابن عمر سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية؟ فقال: إن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله عز وجل" [المحلى (9/445)]
ونقل ابن جرير رحمه الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ما يدل على عدم صحة نكاح المسلم الكتابية، فقال: "وقد نكح طلحة بن عبيد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية، فغضب عمر غضبا شديدا، حتى هم بأن يسطوَ عليهما، فقالا: نحن نُطَلِّق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، فقال: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن، ولكن أنتزعهن منكم صغرة قماء "! [يعني صغارا وذلة]
ثم رد ابن جرير رحمه الله ما نقل عن عمر من التفريق بين طلحة وحذيفة وامرأتيهما بالإجماع على خلافه، وذكر أنه قد نقل عن عمر خلاف ذلك بإسناد أصح [جامع البيان (2/376)]
كما ذكر ابن جرير رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما، يفهم منها أنه يقول بالتحريم، فقال: "بل أنزلت هذه الآية – يعني آية البقرة – مرادا بها كل مشركة، من أي أصناف الشرك كانت، غير مخصوص منها مشركة دون مشركة، وثنية كانت أو مجوسية أو كتابية، ولا نسخ منها شيء. – ثم ذكر بسنده عن ابن عباس – يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرم كل ذات دين غير الإسلام، و قال الله تعالى: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله [نفس المرجع]
ومن الذين حرموا نكاح الكتابية الإمامية، كما نص على ذلك في متن الأزهار، فذكر من المحرمات في النكاح "المخالفة في الملة" وقد أطال الشوكاني رحمه الله في الرد عليهم بمخالفة كتاب الله في ذلك. [راجع السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (2/252-254) وستأتي أدلة هذا المذهب ومناقشتها في الحلقة الآتية]
أدلة القائلين بتحريم زواج المسلم الكتابية:
استدل القائلون بهذا المذهب بأدلة:
الدليل الأول: من القرآن الكريم.
وفيه آيتان صريحتان في النهي عن زواج المسلم المشركات، والكتابيات مشركات، والنهي عن إمساك المسلمين نساءهم الكوافر، وقد كان هذا مسكوتا عنه في أول الإسلام.
الآية الأولى: آية البقرة، وهي قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون [البقرة 221]
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن نكاح كل امرأة مشركة، وجعل غاية النهي عن ذلك إيمانهن، والإيمان إذا أطلق في القرآن والسنة هو الإيمان الشرعي الذي نزل به القرآن والسنة، فكل مشركة داخلة في هذا العموم، والكتابيات مشركات، بدليل وصف الله تعالى أهل الكتاب بالشرك، كما في قوله تعالى: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا سبحانه وتعالى عما يشركون [التوبة: 30، 31 وراجع كتاب أضواء البيان (1/204-205) لشيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله]
فقد وصف اليهود والنصارى بأنهم يشركون به تعالى. وعلى هذا القول تعتبر آية البقرة ناسخة لآية المائدة – على عكس ما ذهب إليه أهل المذهب الأول.
وقد ذكر ابن حيان قولا لابن عباس: "أن آية البقرة هذه عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات، وكل من على غير دين الإسلام، ونكاحهن حرام، والآية محكمة على هذا ناسخة لآية المائدة، و آية المائدة متقدمة في النزول على هذه الآية في سورة البقرة، وإن كانت متأخرة في التلاوة، ويؤيدها قول ابن عمر في الموطأ: ولا أعلم شركا أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى …. " [التفسير الكبير (2/164) وراجع فتح الباري (9/416-417)]
ومعنى هذا أن سورة المائدة، وإن كانت من أخر سور القرآن نزولا، فلا يمنع ذلك من أن تكون بعض آياتها متقدمة على بعض آيات سور نزلت قبلها، ومنها سورة البقرة، إلا أنه يشكل على ذلك عمل عامة الصحابة والتابعين بعدهم بحكم آية المائدة، إذ لو كانت منسوخة لكان عمل عامة المسلمين على خلافها، وهذا بعيد.
ولهذا قال ابن حيان – بعد ذكره ما تقدم: "ويجوز نكاح الكتابيات، قاله جمهور الصحابة والتابعين: عمر وعثمان وجابر وطلحة وحذيفة، وعطاء وابن المسيب والحسن وطاووس وابن جبير والزهري، وبه قال الشافعي، وعامة أهل المدينة والكوفة. قيل أجمع علماء الأمصار على جواز تزويج الكتابيات، غير أن مالكا وابن حنبل كرها ذلك مع وجود المسلمات والقدرة على نكاحهن …"
وأجيب عن دعوى نسخ الآية بآية البقرة بأمرين:
الجواب الأول: عدم وجود دليل على تأخر آية البقرة على آية المائدة، ودعوى نسخ آية البقرة بأية المائدة أولى، لأن سورة المائدة متأخرة عن سورة البقرة باتفاق بين العلماء [راجع مجموع الفتاوى (32/178) وما بعدها، لابن تيمية رحمه الله]
وعلى فرض عدم تأخر آية المائدة على آية البقرة، فإن الأولى المصير إلى الأمر الثاني الآتي.
الأمر الثاني: أن الجمع بين النصين – إذا أمكن - أولى من إعمال أحدهما وإهمال الأخر، والجمع هنا ممكن، وهو ما ذهب إليه الجمهور من اعتبار آية البقرة عامة تشمل جميع المشركات، بما فيهن الكتابيات، وآية المائدة خاصة استثنت الكتابيات من النهي فبقين على الجواز.
الآية الثانية، وهي قوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر [الممتحنة 10] لفظها عام يتناول كل كافرة، فلا تحل كافرة بوجه من الوجوه، ولا عبرة بخصوص سبب نزولها في نساء المسلمين من مشركات مكة، بل العبرة بعموم لفظها.
وأجيب عنها بما أجيب به عن سورة البقرة، بأن الكتابيات مستثنيات بأية المائدة، ودل على ذلك عمل الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتابعين. [راجع الجامع لأحكام القرآن (18/65) للإمام القرطبي رحمه الله]
الدليل الثاني على تحريم الزواج بالكتابية:
ما ورد من الآثارعن بعض الصحابة رضي الله عنهم من النهي عن زواج المسلم بالكتابيات، كما مضى عن عمر وابنه عبد الله وابن عباس، رضي الله عنهم. فقد نهى عمر رضي الله عنه طلحة وحذيفة عن إمساك امرأتيهما الكتابيتين، وغضب غضبا شديدا عليهما بسبب ذلك الزواج، وهم أن يسطو عليهما، وعندما قالا له: نحن نطلق ولا تغضب، قال لهما: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن، ولكن أنتزعهن منكم صغرة قماء، وهذا يدل على أن نكاح الكتابيات باطل من أصله عند عمر.
ونقل ابن جرير عن ابن عباس ما يدل على تحريم نكاح الكتابيات، كغيرهن من الوثنيات.
وأما ابن عمر فقد صرح بأنه لا يعلم شركا أعظم من قول النصرانية: ربها عيسى وهو عبد الله. فهذه الآثار واضحة في دلالتها على التحريم.
وأجاب الجمهور عن هذا الدليل، فقالوا: إن عمر رضي الله عنه، إنما كره زواج المسلم بالكتابية، ولم يحرمه، وقد صرح بعدم التحريم عندما أمر حذيفة أن يفارق امرأته اليهودية، فكتب إليه حذيفة: أحرام هي؟ فكتب إليه عمر: لا، ولكن أخاف أن تواقعوا المومسات منهن. [أحكام القرآن (1/333) للجصاص]
وذكر ابن جرير رحمه الله عن ابن عباس رواية أخرى، تدل على أنه يرى جواز نكاح المسلم الكتابية، فقد روى بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن: ثم استثنى أهل الكتاب فقال: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب حل لكم إذا آتيتموهم أجورهن.
وذكر ابن جرير كذلك عن عمر رضي الله عنه القول بالجواز، فروى بسنده عن زيد ابن وهب، قال: قال عمر: المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة. ثم قال – ابن جرير: وإنما كره لطلحة وحذيفة - رحمة الله عليهم – نكاح اليهودية والنصرانية، حذرا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك، فيزهدوا في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني، فأمرهما بتخليتهما.
ثم روى – ابن جرير – بسنده عن شقيق قال: تزوج حذيفة يهودية، فكتب إليه خل سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن. [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (2/376-378)]
فهذه الروايات تدل على أن غاية ما قصده عمر وابن عباس، هي الكراهة، ولم يريدا التحريم، وبذلك يُجمَع بين الروايات عنهما.
وأما ابن عمر، فقد روي عنه الكراهة، كما روى عنه نافع أن كان لا يرى بأسا بطعام أهل الكتاب، وكره نكاح نسائهم، ولما سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية، قال: إن الله حرم المشركات على المسلمين قال: فلا أعلم من الشرك شيئا أكبر – أو قال -: أعظم من أن تقول ربها عيسى وهو عبد ممن عباد الله.
قال الجصاص: رحمه الله – بعد أن ساق الروايتين -: فكرهه في الحديث الأول ولم يذكر التحريم، وتلا في الحديث الثاني الآية ولم يقطع فيها بشيء، وإنما أخبر أن مذهب النصارى شرك، ثم ذَكَر عنه رواية أخرى استنبط منها أن ابن عمر رضي الله عنهما كان متوقفا في الحكم، فروى بسنده عن ميمون بن مهران قال: قلت لابن عمر: إنا بارض قوم يخالطنا فيها أهل الكتاب، فننكح نساءهم ونأكل طعامهم، قال: فقرأ عليَّ آية التحليل و آية التحريم. قال: قلت: إني أقرأ ما تقرأ، فننكح نساءهم ونأكل طعامهم، فأعاد عليَّ آية التحليل وآية التحريم. ثم قال الجصاص: قال أبو بكر: عُدُولُه بالجواب بالإباحة والحظر إلى تلاوة الآية دليل على أنه كان واقفا في الحكم، غير قاطع فيه بشيء.
وما ذكره عنه من الكراهة يدل على أنه ليس على وجه التحريم، كما يكره تزويج نساء أهل الحرب من الكتابيات. [أحكام القرآن (1/332-333)]
تلك هي الآثار التي استدل بها القائلون بالتحريم، وهذه أجوبة من رأى الإباحة.
وبهذا يعلم أنه لم يوجد دليل يقوى على معارضة آية المائدة الدالة على الإباحة.
تنبيه:
حَمْلُ النحاسِ كلامَ ابنِ عمرَ على الكراهة التنزيهية، أو على التوقف، خلاف ظاهر كلامه، ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وقال أبو عبيد: المسلمون اليوم على الرخصة، وروي عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن، وزعم ابن المرابط تبعا للنحاس وغيره، أن هذا مراد ابن عمر أيضا، لكنه خلاف ظاهر السياق، ولكن الذي احتج به ابن عمر يقتضي تخصيص المنع بمن يشرك من أهل الكتاب، لا من يوحد، وله أن يحمل آية الحل على من لم يبدل دينه منهم " [فتح الباري (9/416-417)]
هذا وقد يستدل مستدل على تحريم زواج المسلم بالكتابية، بالنصوص الدالة على وجوب معاداة المسلمين للكفار وعدم موالاتهم، وبخاصة ما ورد في معاداة أهل الكتاب، كقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين [المائدة: 51]
والموالاة تشمل المحبة والنصرة، والزوج لا بد أن يحب امرأته، وقد يميل إلى بعض ما تهوى مما لا يقره الإسلام، ولكن الاستدلال بهذا بعيد لأمور:
الأمر الأول: أن الله تعالى الذي نهى المسلمين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، هو الذي أحل نساء أهل الكتاب للمسلمين، وهو يعلم تعالى ما يترتب على ذلك، والمؤمن مأمور أن يتقي الله ما استطاع.
الأمر الثاني: أن محبة الزوج لامرأته، هي من نوع المحبة الطبيعية التي لا تدخل في المحبة المنهي عنها، وهي المحبة الدينية أي أن يحبها لدينها وأخلاقها وعاداتها التي تخالف سريعة الإسلام، فلا يضره أن يحب امرأته المحبة الطبيعية.
وحكم امرأته الكتابية التي أحلها الله له، كحكم أمه وأبيه وأقاربه المشركين، الذين قال الله تعالى في شأنهم: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون [الممتحنة 7-9] والبر هو الصلة الدنيوية.
الأمر الثالث: أن الأصل في المسلم الذي يتزوج الكتابية، أن يجتهد في دعوتها إلى الإسلام، لأن من أهم أهداف حلها له، أن يرغبها في الإسلام لتدخل فيه ن كما قال علاء الدين الكاساني "فكان في نكاحه إياها رجاء إسلامها، فيجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة، بخلاف المشركة.. " [بدائع الصنائع (3/1414) وراجع حاشية منهاج النووي (3/187)]
والخلاصة: أن زواج المسلم بالكتابية التي لم تخرج عن دينها إلى الوثنية أو الإلحاد، جائز مع الكراهة، إذا تزوجها في دار الإسلام – وهي الذمية –
وبهذا يعلم أن الراجح هو مذهب الجمهور لما مضى من الأدلة.
وسبب القول بالكراهة خشية تأثير الكتابية على زوجها المسلم وأسرته وأولاده، بمعتقدها أو عاداتها وأخلاقها التي تخالف الإسلام.
والله أعلم.
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/43.htm
المفضلات