السلام عليكم
الاخوة الأعزاء اسمحوا لي أن أبدأ المشاركة في هذا المنتدى بالرد على احدى اسخف الشبهات التي يروج لها أعداء الاسلام، وهي سرقة القرآن من الشعر الجاهلي أو تحديدا سرقة بعض آيات القرآن من الشعر الجاهلي وتحديدا شعر امرئ القيس.. وحاشى لنبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أن يفعل مثل هذا، وإنما اتهمه المبطلون بذلك لأن الخبث طبعهم، وكلٌ يرى الناس بعين طبعه.
ونبدأ باسم الله..
يقول هؤلاء، ومنهم الحاقد الناقم، ومنهم من حسنت نيته وأراد حسب ضنه مجرد "كشف الحقيقة" دون حتى التاكد منها أو التفكير فيها قليلا واعمال عقله فيها.. يقولون أن رسول اللاسلام صلى الله عليه وسلم قد "سرق" من الشعر الجاهلي ابياتا وأضافها الى القرآن الذي كتبه هو حسب ادعائهم. ولن نناقش مسألة كتابته للقرآن من عدمه لأن ذلك موضوع يطول وإنما نرد على واحد من الدعائم التي بنى عليها هؤلاء نظريتهم الوهمية حول كتابة الرسول للقرآن، وهي استعانته بالشعر الجاهلي في كتابة هذا الكتاب العظيم.
ويقتبس هؤلاء قصائد شعرية سنتعرض لبعضها،وسنثبت في هذا الرد الحقيقة ليعرفها الجميع ومنهم هؤلاء المبطلون و"يحِلوا عنا" ويتوقفوا عن هذه الترهات. من تلك الأشعار، وهي أهم ما ادعى به المدعون، هي اشعار امرئ القيس ومنها:
دنـت الساعـة وانشـق القمــر.................... عـن غـزال صاد قـلبي ونفــر
أحـورٌ قـد حِـرتُ في أوصافـهِ.................... نـاعــس الطـرف بعينيه حـوَر
مـرَّ يــوم العيـد بـي في زينة.................... فـرمـانـي فـتعـاطـى فـعـقر
بسهــام مـن لحــاظٍ فـاتـك.................... فـرَّ عنــي كهشيــم المحـتظر
وإذا مــا غــاب عـني ساعـة.................... كانت الساعــة أدهــى وأمــر كُــتب الحُـسن على وجـنـتـه.................... بسحــيق المسـك سطرا مُخـتصر
عـادةُ الأقمـارِ تسري في الدجـى.................... فـرأيــتُ الليل يسري بالقمـــر
بالضحى والليــل مــن طرتـه.................... فـرقـه ذا النــور كم شيء زهر
قلــت إذ شــقَ العــذار خـده.................... دنــت الساعــة وانشـق القمـر
وقوله ايضا، اي امرئ القيس:
أقـبـل والعُشـاق مـن خـلفــهِ ................... كأنهم من كُـل حـدب ينسلـون
وجــاء يــوم العيــد في زينته ................... لمثــل هذا فليعمــل العامـلون
والابيات الملونة بالاحمر هي آيات قرآنية وهي التي يبني عليها هؤلاء نظريتهم حول ان نبي الاسلام قد سرقها من قصائد امرئ القيس واضافها للقرآن كما يدعون، ونجد تلك الآيات في:
- القمر (آية:1): اقتربت الساعه وانشق القمر
- القمر (آية:29): فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر
- الصافات (آية:61): لمثل هذا فليعمل العاملون
- الانبياء (آية:96): حتى اذا فتحت ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون
وهكذا يتبين اخواني أن هؤلاء النقاد والمحرضون يستعينون بهذه الابيات من قصائد "امرئ القيس" ويدّعون بأن نبي الاسلام صلى الله عليه وسلم قد "سرقها"، وحاشاه ان يفعل، ووضعها في القرآن..
وعلى كل حال يتبين لأهل الخبرة والعلم ان هؤلاء المحرضون جهلة بشعر امرئ القيس وانهم اغبياء هكذا ببساطة. ولا أقول هذا بداعي الشتم أو التشهير بل لوصف حقيقة واقعة، وكان يجب أن يكتشفوا بعقولهم أن تلك التهمة غير معقولة لو قرؤوا تلك الأبيات جيدا، واليكم الدليل على غبائهم والغائهم لعقولهم:
"اقتربت الساعة وانشق القمر من غزال صاد قلبي ونفر"
دعونا نتساءل بالعقل ما المراد بالساعة واقترابها؟ فإن كان المراد بالساعة يوم القيامة، فالجاهليون لم يكونوا يؤمنون بها، فضلا عن أن يذكروه في أشعارهم أو يضعوه في قصائدهم. وإن كان المراد ساعة لقاء الحبيبة كما يزعم البعض، فما المراد حينئذ بقوله ( وانشق القمر ) فإن كان المراد انشقاق القمر فعلاً، فهذا كذب، إذ لم ينشق القمر في عهدهم أبدًا، بل انشق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءت بذلك الروايات، وإن كان المراد بالقمر ذكر المحبوبة، فليس من عادة العرب التعبير عن جمال المحبوبة بانشقاق القمر، وأي جمال في انشقاق القمر إذا انشق، وما وجه الحسن في انشقاقه ليشبه به المحبوبة، وقد دأب العرب على تشبيه حسن النساء بالبدر حين اكتماله، لا بانشقاق القمر، ثم انظر إلى ركاكة الأسلوب في البيت السابق. هذا التفسير العقلي المبسط يجعلنا أمام حقيقة أن ذلك البيت "دنت الساعة وانشق القمر" قد الصق الصاقا ببقية القصيدة وقد ادى معنى غريبا ركيكا دل على أنه غريب عن بقية الابيات... تماما الحال بالنسبة لبقية الابيات المشبهة بآيات القرآن. وكل هذا يجعلنا أمام حقيقة أن هناك من غرس تلك الآيات في قصائد ونسبها لامرئ القيس أو غيره من الشعراء للادعاء زورا على نبي الاسلام واتهامهم بأنه سرقها من امرئ القيس.. وما دل ذلك الا على عجزهم بالاتيان بحجج حقيقية فأصبحوا يلصقون تهما خرافية تزيد من كشف حقيقتهم وأكاذيبهم...
لكن دعونا نتساءل، كم امرئ قيس يوجد؟؟؟ سؤال مفاجئ للكثيرين.. والجواب هو كُثر. فأيهم صاحب تلك القصائد؟؟؟ وهل وجد واحد منهم بعد نبي الاسلام؟ الأمر الذي يعني أن هذا الشاعر هو من اقتبس من القرآن الكريم؟؟ للإجابة عن هذا السؤال دعوني اعرفكم بـ:
1- إمرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي , شاعر جاهلي وهو أشهر الشعراء على الإطلاق , عاش من سنة 130 قبل الهجرة الى سنة 80 قبل الهجرة وهو المقصود في بحثنا هذا حيث نسبوا إليه الأبيات المدعاة.
2- إمرؤ القيس السكوني وهو شاعر جاهلي اسمه امرؤ القيس بن جبلة السكوني وهو ممن لم يصلنا الكثير من شعره.
3- إمرؤ القيس الكلبي وهو إمرؤ القيس بن حمام بن مالك بن عبيدة بن عبد الله وهو شاعر جاهلي عاصر المهلهل بن ربيعة.
4- امرؤ القيس الزهيري وهو امرؤ القيس بن بحر الزهيري شاعر جاهلي وأيضا هو ممن وصلنا القليل من شعره.
5- امرؤ القيس بن عابس بن المنذر بن امرئ القيس بن السمط بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتح بن معاوية بن الحارث بن كندة الكندي. وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وثبت على إسلامه ولم يكن فيمن ارتد من كندة وكان شاعراً نزل الكوفة وهو الذي خاصم الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للحضرمي: " بينتك وإلا فيمينه قال: يا رسول الله إن حلف ذهب بأرضي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مالاً لقي الله وهو عليه غضبان فقال امرؤ القيس: يا رسول الله ما لمن تركها وهو يعلم أنها حق قال: " الجنة " قال: فأشهدك أني قد تركتها له " ومن شعر امرئ القيس هذا :
قف بالديار وقوف حابس********* وتأن إنك غير آيس
لعبت بهن العاصفات***********الرائحات من الروامس
ماذا عليك من الوقوف*********بهالك الطللين دارس
يا رب باكية علي*********ومنشد لي في المجالس
أو قائل: يا فارساً *********ماذا رزئت من الفوارس
لا تعجبوا أن تسمعوا *********هلك امرؤ القيس بن عابس
وهو يا جماعة الخير على أرجح الأقوال مؤلف تلك الأبيات التي اقتبس فيها من القرآن الكريم وليس ذلك كفرا منه أو تحديا وإنما حبا في كلام الله حتى وضع منه في قصائده والله أعلم.
فالجزم أن امرئ القيس الجاهلي والمشهور والذي سبقت وفاته مولد النبي، فالجزم انه هو صاحب تلك الأبيات امر غير علمي ودقيق بل هو استهتار ومزاح بليد، لا يتعمده بعد قراءة هذا البحث الا منافق أو عابث أو ساعٍ وراء الكراهية والاحقاد وساكنا في وهم خرافي لا أساس لصحته.
ودعونا نساءل من جديد، وبالعقل، كيف تكون تلك الأبيات لإمرؤ القيس ثم يظهر رسول الله في قريش التي هي أفصح العرب وأحفظهم لشعر الشعراء حتى أنهم يضعون أشهر سبع قصائد مطولات على جدران الكعبة وتسمى المعلقات , ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتيهم بكلام "مسروق من شعر امرؤ القيس حسب زعم البعض" ولا يخرج منهم رجل حافظ للشعر , واحد فقط , ويقل له أنت يا محمد نقلت تلك الأبيات من إمرؤ القيس , ثم يأت سفيه بعد ألف واربعمائة سنة ليقول لنا: "خذوا تلك أبيات إمرؤ القيس التي نقلها نبيكم في القرآن".. اي حمق وغباء هو هذا؟؟
ودعوني ازيدكم عن بحث الباحثين ودراسة الدارسين لشعر امرئ القيس، حيث أن أي متخصص وباحث في الأدب العربي، وشعر امرئ القيس على وجه الخصوص يعلم أن شعر امرئ القيس قد وجد عناية خاصة، وتضافرت جهود القدماء والمحدثين على جمعه وروايته ونشره، وهناك العديد من النسخ المشهورة لديوانه كنسخة الأعلم الشنتمري ، ونسخة الطوسي ، ونسخة السكري ، ونسخة البطليوسي ، ونسخة ابن النحاس وغيرها، ولا يوجد أي ذكر لهذه الأبيات في هذه النسخ، لا من قريب ولا من بعيد، فهل كان هؤلاء أعلم بشعر امرئ القيس ممن عنوا بجمعه وتمحصيه ونقده . ثم إنه حتى الدراسات المعاصرة التي عنيت بشعر امرئ القيس وديوانه، وما نسب إليه من ذلك، لم يذكر أحد منهم شيئاً من هذه الأبيات لا على أنها من قوله، ولا على أنها مما نحل عليه – أي نسب إليه وليس هو من قوله – ومنها دراسة للأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في أكثر من 500 صفحة حول شعر امرئ القيس ، وقد ذكر فيه ما صحت نسبته إليه وما لم يصح، وما نحل عليه ومن نحله، ولم يذكر مع ذلك بيتاً واحداً من هذه الأبيات السابقة .
ثم ازيدكم أن امرأ القيس وغيره من الشعراء قد نُحلت عليهم العديد من القصائد فضلا عن الأبيات، بل نحل على بعضهم قصص كاملة لا زمام لها ولا خطام، وقضية نحل الشعر ونسبته لقدماء الشعراء أمر معروف لا يستطيع أحد إنكاره، وقد عرف عن حماد الراوية و خلف الأحمر أنهم كانوا يكتبون الشعر ثم ينسبوه إلى من سبقهم من كبار الشعراء، وقد ذكر ابن عبد ربه – وهو من المتقدمين توفي سنة 328 هـ - في كتابه ( العقد الفريد ) في باب عقده لرواة الشعر، قال: " وكان خَلف الأحمر أَروى الناس للشِّعر وأعلَمهم بجيّده....وكان خلف مع روايته وحِفظه يقول الشعر فيُحسن، وينَحله الشعراء، ويقال إن الشعر المَنسوب إلى ابن أخت تأبّط شَرّاً وهو:
إنَّ بالشِّعب الذي دون سَلْع لقتيلاً دَمُه ما يُطَلُّ
لـ خلَف الأحمر ، وإنه نَحله إياه، وكذلك كان يفعل حمّاد الرواية، يَخلط الشعر القديم بأبيات له، قال حماد : ما مِن شاعر إلا قد زِدْتُ في شعره أبياتاً فجازت عليه إلا الأعشى ، أعشى بكر، فإني لم أزد في شعره قطُّ غيرَ بيت فأفسدتُ عليه الشعر، قيل له: وما البيتُ الذي أدخلته في شعر الأعشى ؟ فقال:
وأنكرتْني وما كان الذي نَكِرتْ من الحوادث إلا الشَّيبَ والصلعَا " ا.هـ
المصدر [ العقد الفريد 821 ]
ومن اراد منكم يا اخواني التعمق اكثر ومعرفة 20 دليلا على ان سرقة القرآن من الشعر الجاهلي هي مجرد اباطيل فإنني ادعوه الى زيارة هذا الموقع وفيه التفصيل الدقيق لكل شيء:
http://www.islamweb.net/ver2/archive...ang=A&id=79229
واختم بالقول، ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا والحمد لله الذي وفقنا الى هذا واسأله سبحانه أن يهدي قلوب من يحبهم من عباده اليه، فإنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام
أخوكم مجاهد بالقلم
المفضلات