صبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أذى الكفار
صبره على أنواع التهم في عقله وعرضه:
وقد صبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على اتهام كفار قريش له بالتكذيب: (وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ )ص:4..
(إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ )الفرقان:4.. ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً )الشورى:24..
يقولون هذا من جهة في مناسبات كثيرة، ومواقف متعددة، وهم في مناسبة أخرى وفي موقف آخر يعلمون ويعترفون بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بكذاب.
وفي صحيح البخاري لما سأل هرقل أبا سفيان في بداية مقابلته له، قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
فهذا هرقل جاءته لحظات من التجرد والإنصاف، ولقد هم أن يدخل هذا الدين لولا جشع الملك وحب الرئاسة، وخوفه من زوال سلطانه،
فرجع إلى الكفر، ولكنه قد رأى الحق بأم عينيه... قال أبو سفيان : لا.
ثم قال له في آخر مقابلته: وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا،
وأعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله؛ أي: أنت تقول أن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عهدت منه الكذب
على الناس قبل البعثة، فعلمتُ أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ثم يكذب على الله، والكذب على الله أصعب وأشد من الكذب على الناس، فعلم أنه صادق.
ولقد تولى القرآن الرد على هذه المزاعم فقال: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ )هود:13.. أي:
إذا زعمتم أنه كذاب فهاتوا عشر سور مثل سور القرآن: (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ )هود:13..
لكي تألفوا هذه السور؛ من سائر عظماء الشعراء وأهل النثر والبلاغة: (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )هود:13...
ثم تنزل القرآن في الرد عليهم إلى ما هو أدنى من ذلك، فقال الله عزوجل: ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ )يونس:38..
عظم التحدي ونقص المقدار، فظهر التحدي أعظم: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِه) يونس:38.. فعجزوا، ولما حاول الكذابون أن
يأتوا بسورة واحدة مثل سور القرآن؛ أتوا بأشياء مضحكة ليس هذا مجال سردها: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ) هود:35]..
( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ )السجدة:3..
ويسري القرآن عن نفس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويثبت الله به قلب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول:
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ ) الأنعام:34..
صبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تلقي الأذى في جسده:
ولقد صبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أذى المشركين في جسده صبراً عظيماً، روى البخاري رحمه الله عن عروة بن الزبير قال:
قلت لـعبد الله بن عمرو بن العاص : أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.
قال: (بينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبي معيط وهو من الكفار،
فأخذ بمنكب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً). عقبة بن أبي معيط يلوي الثوب حول
رقبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي: (ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً،
فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبه ودفع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
ثم قال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) غافر:28).
آذوه في بدنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ففي معركة أحد ماذا حصل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ الذي حصل له ..
أنه أُدمي حتى سال الدم من وجهه، وقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه : (أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أصيب
في أحد فسال الدم على وجهه، رجع إلى المدينة ولا زال النزف في وجهه عليه الصلاة والسلام، فقام علي رضي الله عنه على رأسه،
وفاطمة تأخذ من الإناء في يد علي فتغسل وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالماء، ولكن الجرح لم يرق، فأخذت حصيراً فأحرقته ووضعت
رماده على جرح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فتماسك الجرح قليلاً حتى وقف الدم).
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد..
قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال
فلم يجبني إلى ما أردت) الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما وجد ولياً ولا نصيراً، يريد من كفار قريش أن يجيبوه وينصروه فلا يجد.
(فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي).. (فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بـقرن الثعالب) وهو موضع قريب من مكة.
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هام على وجهه من الغم، وما أفاق إلى نفسه ليعرف إلى أين يسير إلا في قرن الثعالب ،
وليس ذلك لأجل إفلاس، ولا لذهاب تجارة، ولا لخسارة في صفقة، ولا لفقد وظيفة، كلا.
(فلم أستفق إلا وأنا بـقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول
قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد!
إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -أي: الجبلين العظيمين اللذين تقع بينهما مكة - فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل أرجو أن يخرج الله
من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً).
وعندما يكون الظلم من الأقرباء يكون وقعه شديداً على النفس.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء:214..
صعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعلى الصفا فجعل ينادي بطون قريش:
(يا بني عدي ... حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر في الأمر، فجاء أبو لهب وقريش
فاجتمعوا -ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصفا- فقال عليه السلام: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً ببطن الوادي
تريد أن تغير عليكم -جيش قريب من مكة يريد أن يغير عليكم- أكنتم مصدقي؟.
قالوا: نعم. ما جربنا عليك كذباً.
قال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم.. ألهذا جمعتنا).
وهذا أبو جهل لعنه الله وقف يوم بدر يبتهل إلى الله ويقول: اللهم أقطعنا للرحم -يعني الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة.
يوم بدر يقف أبو جهل لعنه الله يدعو الله أن يهزم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَلأنه قطع الرحم، وأتاهم بما لم يعرفوا،
فأنزل الله عز وجل: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ) الأنفال:19. كما في الصحيح المسند من أسباب النزول .
ولقد اتهموا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى في إنجابه، فعن ابن عباس قال: (لما قدم كعب بن الأشرف مكة -وكان كعب بن الأشرف يهودياً-
قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم -وكان هذا قبل الهجرة- قال: نعم. قالوا ألا ترى إلى هذا الصنبور ..).
والصنبور في لغة العرب: هو الرجل الفرد الضعيف الذليل الذي لا أهل له ولا عقب، ولا ناصر ينصره، قالوا:
(ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، وأهل السقاية، قال:
أنتم خير منه. فأنزل الله عز وجل: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) الكوثر:3) أي: إن شانئك وسابك يا محمد هو الأبتر الذي لا عقب له.
وأخيراً هذا الموقف الذي تحكيه لنا آية الأنفال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ) الأنفال:30.
لقد اجتمعوا في حجر إسماعيل بجانب الكعبة في مكة ؛ يدبرون ويخططون لثلاثة أشياء: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) ومعنى: يثبتوك:
يقيدوك ويحبسوك حتى لا تقوم بالدعوة. (أَوْ يَقْتُلُوكَ) ويضيع دمك بين القبائل.. (أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة ويطردوك حتى لا تكون بينهم.
روى ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
(دخلت فاطمة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تبكي، فقال: ما يبكيك يا بنيه؟ قالت: يا أبت! ما لي لا أبكي وهؤلاء
الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، لو قد رأوك لقاموا إليك ليقتلوك، وليس منهم إلا من
قد عرف نصيبه من دمك، فقال: يا بنيه! ائتيني بوضوئي، فتوضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم خرج إلى المسجد،
فلما رأوه قالوا: إنما هو ذا، فطأطئوا رءوسهم، وسقطت أذقانهم من بين أيديهم فلم يرفعوا أبصارهم -أعماهم الله-
فتناول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبضة من تراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافراً).
قال ابن كثير رحمه الله: قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ولا أعرف له علة. إن الإنسان ليزداد محبة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وإكباراً له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإجلالاً؛ حين يرى في سيرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صبره على الأذى،
ومن تحمله ذلك في سبيل الله لأجل شيء واحد: أن يبلغ رسالة الله إلى الناس، أن يبلغ الناس دين الإسلام؛ هذا هو الهدف،
هذا هو الغرض من الحياة، وإلا فإن الحياة بغير هذا الغرض حياة بهيمية. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك،
اللهم واجعلنا من دعاتك وجندك، اللهم وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم وآتنا الحجة على من عادانا،
اللهم وانصرنا على من بغى علينا، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم وصلِّ على نبيك محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً تامَّة ما بدا الليل والنهار،
اللهم صلَّ عليه صلاة تامة ما غربت شمس وما شرقت. اللهم اجعلنا من أهل شفاعته، اللهم أوردنا حوضه، اللهم وارزقنا مرافقته في الجنة.
لقد جاء خبر الصدق من الملك الحق المبين (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر : 3]
ليبقى كل شانئٍ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل معارض لدينه هو الأبتر المقطوع المنبوذ. أين أبو جهل هل بقي ذكره أم التصق به وصف الجهل في حياته وبعد مماته؟!
وأين أبو لهب لقد مات ومات ذكره فليس يعرف إلا باللهب؟! و(سيصلى ناراً ذات لهب) وأين ملوك الأكاسرة والقياصرة ..
أين ماركس ولينين وستالين وهتلر وكمال أتاتورك جبابرة الأرض وجلادي الشعوب... لقد طمرتهم الأرض ونُسيت رسومهم,
ولحقتهم اللعنات, وباءوا بثقل التبعات.
لقد مزق كسرى كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوسخر من رسوله, فدعاء عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأن يمزق الله ملكه,
فمزق وقتل على يد أقرب الناس إليه – ابنه – وروى البخاري في صحيحه من حديث أنس قال: "كان رجل نصراني, فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران ,
وكان يكتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فعاد نصرانياً , فكان يقول : لا يدري محمد إلا ما كتبت له , فأماته الله , فدفنوه , فأصبح وقد لفظته الأرض ,
فقالوا : هذا فِعْل محمدٍ وأصحابه , نبشوا عن صاحبنا فألقوه , فحفروا في الأرض ما استطاعوا , فأصبح قد لفظته , فعلموا أنه ليس من الناس , فألقوه " .
علَّق شيخ الإسلام ابن تيمية على الحديث فقال: فهذا الملعون الذي قد افترى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأنه لا يدري إلا ما كتب له ,
قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مراراً , وهذا أمر خارج عن العادة ’ يدل كل أحد على أن هذا كان عقوبة لما قاله , وأنه كان كاذباً ..الخ.
ويقول أيضا رحمه الله : " وإنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه ، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد ،
ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول ، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية،
لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه،
حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك،ثم يفتح المكان عنوة ،
ويكون فيهم ملحمة عظيمة ، قالوا : حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه ، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه .
وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل الغرب – يعني المغرب - حالهم مع النصارى كذلك.أهـ ( الصارم المسلول ص 116-117).
وبالمقابل فقد علم بعض ملوك النصارى أن إكرام كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقي فيه الملك ما شاء الله .
ذكر ابن حجر في فتح الباري ج1 ص44 عن السهيليُ أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيماً له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى
كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سِبطه ، فحدثني بعضُ أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين
اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب ، فلما رآه استعبر، وسأل أن يمكِّنه من تقبيله فامتنع.
ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب ، فأخرج منه مقلمة ذهب ،
فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه ، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير ، فقال : هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ، ما زلنا نتوارثه إلى الآن ،
وأوصانا آباؤُنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا ، فنحن نحفظه غاية الحفظ ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا " اهـ.
إن فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لا تكاد تحصى كثرةً فهو منّة الله على هذه الأمة (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً
مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) آل عمران : 164..
امتدحه ربه ورفع منزلته فهو أول من تنشق عنه الأرض, وأول من يدخل الجنة , وله المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون ,
والحوض المورود واللواء المعقود.. إلى غير ذلك من الفضائل والخصائص التي اختص بها عن غيره , وهي مدونة في كتب الدلائل والشمائل
والخصائص والفضائل , لقد شهد بفضل نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القاصي والداني والصديق والعدو , وأنَّى لأحد أن يكتم
فضائله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي كالقمر في ضيائها , وكالشمس في إشراقها وهو صلى الله عليه وسلم كا الشمس للدنيا وكالعافية للبدن.
يقول الشيخ جمال الدين الصرصري والذي قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية ج6 ص299: الصرصري المادح , الماهر ,
ذو المحبة الصادقة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه وقد قتله التتار حينما دخلوا بغداد سنة 656هـ. يقول:
محمد المبعوث للنــاس رحمةً *** يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح
لئن سبَّحت صُمُّ الجبـال مجيبةً *** لداود أو لان الحديـد المصفح
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه *** وإن الحصــا في كفه ليُسَبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا *** فمن كفه قد أصبح المـاء يَطفح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً *** سليمان لا تألـو تروح وتسرح
فإن الصبـا كانت لنصر نبينا *** ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت *** لـه الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنــوز بأسرها *** أتته فرَدَّ الـــزاهد المترجِّح
وإن كـان إبراهيم أُعطي خُلةً *** وموسى بتكليم على الطور يُمنح
فهـذا حبيب بل خليل مكلَّم *** وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا *** ويشفع للعـاصين والنار تَلْفح
وبالمقعد الأعلى المقرَّب نــاله *** عطـــاءً لعينيه أَقرُّ وأفرح
وبالرتبة العليـا الوسيلة دونها *** مراتب أرباب المواهب تَلمح
ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ *** لــه بـابها قبل الخلائق يُفْتَح
(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم)ٌ [التوبة 8]
المفضلات