إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله
إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و
جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين
أما بعد :
فيزعم الملاحدة أن
الجنة مكان للاستمتاع فقط بالملذات الجنسية و الخمور و الحور مالم يخطر على قلب
بشر ، و هذا الكلام فيه سوء أدب مع الله و ليس بعد الكفر ذنب و إذا لم يستح العبد
فإنه يفعل ما يشاء ، و لسوء فهم الملاحدة للنصوص
الواردة في نعيم أهل الجنة توهموا أن العلاقة بين من دخل الجنة من الرجال و بين
الحور العين علاقة محرمة لعدم تفريقهم بين ما أباحه الله من الزواج و بين ما حرمه
من الزنا .
و كل من يدخل الجنة من الرجال يزوجه الله تعالى من الحور العين ،
قال تعالى : ﴿ َكذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾[1] ، و قال تعالى : ﴿
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾[2]
.
و قال النبي : « إن
أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضواء كوكب دري في
السماء ، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، و ما في
الجنة أعزب ؟ »[3] ، و قد بين الحديث بعدم وجود أعزب في الجنة فلا يوجد رجل أو
امرأة في الجنة لم يتزوج مما يبعد شبهة الوقوع في العلاقات المحرمة تمام البعد
.
و ليس نعيم الجنة قاصرا على المتع الجنسية كما يدعي الملاحدة فالجنة فيها
كل ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين قال تعالى : ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ
الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ﴾[4] ، و قال تعالى : ﴿ و َلَكُمْ فِيهَا مَا
تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾[5] أى : و في الجنة التي
دخلوها كل ما تشتهيه الأنفس من أنواع المشتهيات ، و كل ما تتلذذ بين الأعين وتسر
برؤيته[6] .
و المشتهيات ليست قاصرة على النكاح بل هناك مشتهيات أخرى كالذهب
و الفضة و الأنعام و الخيل و الزرع و البحار و الأنهار و الطيور ، و عن سليمان بن
بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي فقال :
يا رسول الله هل في الجنة من خيل ؟ قال : إنِ اللهُ أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل
فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت ، قال : و سأله رجل فقال يا
رسول الله هل في الجنة من إبل ؟ قال : فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه ، قال : إن
يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك و لذت عينك[7] .
و ليس المقصد
من الزواج قضاء الوتر وحسب كما يصور الملاحدة فالزوجة بها يحصل الأنس و السكن ، و
تحصل المودة و الفرحة ، و يكون التمتع الروحي بالإضافة إلى التمتع الجنسي .
و ليس في الجنة شيء محرم كما يدعي الملاحدة بل كل ما فيها حلال و كل ما
يريده المؤمن في الجنة يعطى قال تعالى : ﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا
وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾[8] أي : لهؤلاء المؤمنين في الجنة ما يريدون, ولدينا على ما
أعطيناهم زيادة نعيم, أعظَمُه النظر إلى وجه الله الكريم[9] ، و أكل الجنة و شرب
الجنة بعيدا عن كل أذى قال تعالى : ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا
أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾[10] أي : يقال لهم : كلوا أكلا و
اشربوا شربًا بعيدًا عن كل أذى, سالمين من كل مكروه؛ بسبب ما قدَّمتم من الأعمال
الصالحة في أيام الدنيا الماضية[11] .
أما تحريم الخمر في الدنيا و تحليلها
في الآخرة فلأن الآخرة دار جزاء و ليست دار تكليف و لأن خمر الآخرة ليست كخمر
الدنيا و الله سبحانه و تعالى حرم الخمر في الدنيا ؛ لأن خمر الدنيا رجس من عمل
الشيطان ، تذهب عقل شاربها، فتشغله عن طاعة الله تعالى ، و توقعه في معصيته ، و
تورث العداوات و البغضاء في قلوب المؤمنين، قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ﴾[12] .
و خمر الآخرة لونها مشرق حسن بهيّ لا
كخمر الدنيا ذات المنظر البشع ، و خمر الآخرة لذيذة الطعم كما هى طيبة اللون و طيبة
الريح بخلاف خمر الدنيا خبيثة الطعم و خمر الآخرة لا تؤثر في الأجسام كما تؤثر خمور
الدنيا ، فلا تصدّع الرأس ، و لا تفسد العقل بالسكر كما يكون في خمر الدنيا[13] قال
تعالى : ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ
لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ﴾[14] قال السعدي :
و تلك الخمر تخالف خمر الدنيا من كل وجه، فإنها في لونها ﴿ بَيْضَاءَ﴾ من أحسن
الألوان، وفي طعمها ﴿ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾ يتلذذ شاربها بها وقت شربها وبعده،
وأنها سالمة من غول العقل وذهابه، ونزفه، ونزف مال صاحبها، وليس فيها صداع ولا كدر
[15] .
و كون الله وعد المؤمنين بالزواج من الحور عين فهذا فيه احترام للمتع
الجسدية لدى الإنسان ،و الإنسان جسد و روح و ليس روح فقط و بالتالي فالمنطق يقتضي
أن يكون النعيم للروح و للجسد أيضا و من أبلغ ما تشتهيه النفوس الزواج و عليه فلا
إشكال في وعد المؤمنين بالحور العين و لكن الإشكال عند الملاحدة الذين أباحوا
التبرج و السفور و الزنا و العلاقات اللا أخلاقية ،و لماذا لا يشنعوا على من يخرج
لرؤية ملكات الجمال و المغنيات و عارضات الأزياء ينظرون إليهن و يمتعون أنظارهم
بالنظرات المحرمة!! ،و لماذا لا يشنعوا على من يعري جسده و يمشي في الشارع عاريا
كيوم ولدته أمه ، و لماذا لا يشنعون على الزناة و من يمارس البغاء و لماذا لا
يشنعون على شاربي الخمر هدى الله الملاحدة هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم
الصالحات
المفضلات