بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحببت ان أكتب هذا الموضوع بعدما وردتني رسالة خاصة على صفحة قناة الزحف المقدس على الفيسبوك لأحد الإخوة المبتدئين في علم الاديان المقارن،
يقول بأنه قرأ في المنتديات مواضيع كثيرة عن بولس ومراحل تأليه المسيح والأسفار القانونية والغير قانونية، وبأنه مرتبك وضائع بسبب كثرة المعلومات ويريد شرح مبسط عن المراحل التاريخية الاساسية لتحريف رسالة المسيح عليه السلام. فهذا الموضوع يحكي عن تلك المراحل بطريقة مختصرة ومفيدة وجامعة للأفكار. ويمكن أن يكون المنطلق للأبحاث الأكبر والتفاصيل الأخرى.
1-بدعة تأليه المسيح سبقت بولس (لعنه الله).
الإرهاصات الأولى لفكرة تأليه المسيح لم تبدأ مع بولس لعنه الله.
فولادته الإعجازية ونطقه في المهد (التي تناقلتها حينها ألسنة الآباء لأبنائهم) ومعجزاته الكبيرة في إقامة الأموات وشفاء المرضى، والتي شهدت عليها جموع اليهود وجنود الرومان الوثنيين المستعمرين آنذاك لفسلطين،
وحادثة الصلب وما تلاها حيث أن الناس رأت رجلاً بهيئة المسيح قد صلب وقتل. فيما البعض الآخر قد رأى المسيح حياً بعض تلك الحادثة (كما ورد في انجيل برنابا وغيره)... أسست الأرضية الخصبة لانطلاق الشائعات حول تلك الشخصية الغريبة. هل هو اله؟ هل هو ابن اله؟ تلك الاسئلة تمخضها الخليط العقائدي الاجتماعي بين الوثنية الرومانية واليهودية الابراهيمية. فنشأت حينها مجموعات دينية أولية تقول بأن ذاك النبي الذي من أرض الجليل
هو اله متجسد ويجب أن يعبد.
2-من هو بولس (لعنه الله).
-هو شاول بن كيساي البنياميني (أي من سبط بنيامين) الطرسوسي (نسبة الى مدينة طرسوس في تركيا اليوم).
-لقب بـ"بولس" أي، صغير وقليل .
-أصل أبويه من مدينة جيسكالا في الجليل وهاجرا الى طرسوس، أي انه من يهود المهجر وليس يهود فلسطين.
-ولد على الأرجح بين عامي 5 و 10 ميلادي.
-كان على المذهب الفريسي وذات ميول متطرفة.
-تعلم حرفة صناعة الخيم، ثم ذهب الى القدس ودرس الشريعة على يد رجل يدعى غمالائيل، أحد أشهر رجال الدين اليهود مدرسي الشريعة حينها.
-من المرجح أنه كان يسكن في أورشليم عند اخته المتزوجة.
-كان ابن عائلة ميسورة، ذو مركز اجتماعي رفيع، له نفوذ بين كهنة السنهدريم وقادة اليهود.
-كان له رعاية رومانية خاصة، لدرجة أنهم أعطوه ما يشبه الجنسية في عصرنا هذا. فيحصل على حقوق من الدولة الرومانية كأي مواطن روماني آخر.
-كان مثقفاً جداً، مطلعاً على الثقافة الاغريقية والديانات الاسيوية الشرقية، مكانته الثقافية والعلمية حينها كانت مثل مكانة حاملي شهادة الدكتوراه في عصرنا هذا.
-كان يتقن الاقناع في الكلام، وكان له كاريزما خاصة ويعرف كيف يؤثر على الناس.
-كان مريضاً بمرض "صرع الفص الصدغي" Temporal Lobe Epilepsy
راجع هذه المواضيع:
https://www.ebnmaryam.com/vb/t187043.html
https://www.ebnmaryam.com/vb/t188497.html
-لم يلتقي المسيح في حياته كلها، ولم يكلمه ولم يكن من اتباعه.
-كان يشارك في حملات الاعتقال والاضطهاد والتعذيب ضد اتباع عيسى عليه السلام (قبل "التحول" المزعوم)
-رفع المسيح الى السماء عام 33 ميلادي. وحوالي العام 35 ميلادي، اختفى أثر بولس في القدس وفلسطين ولم يعد يراه أحد.
-في العام 37 ميلادي ظهر بولس مجدداً في القدس، وبدأ يخبر الناس قصة غربية عجيبة بأن شبح المسيح ظهر له في الرؤيا على طريق دمشق وكلفه بأن يكون رسوله، وبأنه سكن بعد ذلك لمدة سنتين في البلاد العربية.
وبأنه أتى الى القدس ليشارك بنشر رسالة المسيح.
-لم يقبله الحواريون في جمعهم حتى توسط له برنابا (والذي كان مخدوعاً به حينها) واقنعهم بأن يقبلوه فنخدعوا ورحبوا به.
-بعد تلك المرحلة بدأت رحلات بولس الدعوية حيث كان يرافق برنابا، وبعد مدة من الوقت، أظهر انحرافات عقائدية خطيرة، فتركه على اثرها برنابا الذي كان يرافقه دائماً، وتبرئ منه الحواريون وبدؤوا يحذرون الناس منه ومن تعاليمه الكفرية الضالة.
المصادر: دائرة المعارف الكتابية - قاموس الكتاب المقدس كنيسة الانبا تكلا هيمانوت - موقع ويكيبيديا - كتاب "المسيحية دين الله الذي انزله على المسيح أم هي ديانة بولس" للمهتدي نبيل نيقولا جورج بو خاروف - سفر اعمال الرسل - مصادر اخرى
3-إنحرافات بولس (لعنه الله) الثلاثة
قام بولس لعنه الله بثلاث انحرافات عقائدية خطيرة جداً، قلبت رسالة المسيح رأساً على عقب وحرفتها وبدلتها وجعلت منها دين غريب وشاذ عن كل المفاهيم الابراهيمية الاساسية:
1- تأليه المسيح عليه الصلاة والسلام: فالمسيح بحسب بولس هو اله متجسد ورب. وانه صلب تكفيراً عن الذنوب، مؤيداً بذلك كل ارهاصات التأليه الاولى التي تحدثنا عنها. فجعل منها نظرية ثابتة، وكتب رسائله الدعوية على قاعدتها.
(ملاحظة: بولس لم يقل بالتثليث بل بالتأليه، قضية التثليث اخترعت لاحقاً بعد هلاك بولس وأقرتها المجامع المسكونية)
2- نقض الشريعة: فالشريعة اصبحت عند بولس بحكم الملغاة، ولا قيمة لها، وتحدث عن مفاهيم جديدة للشريعة لها طابع رمزي وروحاني لا قيمة ولا واقعية له على الارض .
ولهذا السبب، نجد البولسيون لاحقاً قد دسوا قصص مفتراة عن المسيح كقصة رجم المرأة الزانية في انجيل يوحنا التي يستشهدون بها لنقض الشريعة رغم ثبوت بطلانها وعدم اصالتها في المخطوطات.
3-بتر النبوة: حيث جعل النبي المنتظر والمسيح المنتظر هما شخص واحد!! وخالف بذلك فهم اليهود حينها عن اختلافهما كما ورد في يوحنا 1، وجعل الفارقليط المنتظر هو الروح القدس الذي يحل على المؤمنين وينير عقولهم لفهم الدين ، اصبحت فكرته ذات طابع فلسفي وغير علمي وغير واقعي. لهذا نجد أن كتاب انجيل يوحنا الذين كتبوه حوالي العام 90 ميلادي ، اي بعد دخول بولس على خط العقيدة المسيحية بحوالي الـ50 سنة، قد نقلوا نبوءة المسيح عن الفارقليط ممزوجة بتفاسيرهم البولسية الخاصة، فاصبح الفارقليط هو نفس الروح القدس.
(اشير الى أنه حينها، كانت هناك عشرات الفرق النصرانية المتناقضة والمتناحرة عقائدياً، وكل فرقة كانت تتناقل سيرة المسيح واقواله ممزوجة بتفاسيرها الخاصة مشافهة أو كتابة، لهذا نجد في التاريخ اسماء لعشرات الاناجيل والاسفار من العهد الجديد الغير قانونية أو القانونية، ومنها الاناجيل والاسفار البولسية التي نجدها في العهد الجديد اليوم)
ورغم أنهم حرفوا معنى الفارقليط، تبقى البشارة بنبي جديد واضحة وجلية :
راجع هذا الموضوع:
https://www.ebnmaryam.com/vb/t190828.html
ولهذا السبب يعتقد الباحثون أن ما نقل عن لسان بطرس بأنه اعترف بأن يسوع هو نفسه النبي المنتظر في التثنية هو محض كذب وافتراء، اذ إن ناقل كلامه هو كاتب اعمال الرسل لوقا الطبيب، الصديق الأكثر قرباً من بولس وأمنيه على دينه. فالبولسيون حينها ورغم معارضة الحواريين لهم، كانوا بحاجة الى التقرب منهم والاستشهاد باقوالهم لأنهم اتباع المسيح وتلاميذه الذين رافقوه طيلة وجوده على الارض. فكما حرفوا كلام المسيح، حرفوا ايضاً كلام الحواريين في مناطق الدعوة البعيدة عن فلسطين.
4-نبوءة المسيح عن بولس (لعنه الله)
https://www.ebnmaryam.com/vb/t188230.html
5-معارضو بولس (لعنه الله)
1-الحواريون الاثنا عشر: وهذا الموضوع يحاول نصارى اليوم اخفاؤه وتمييعه . ولمعرفة الحقيقة انصح بقراءة كتاب الباحث هيم ماكبي (بولس وتحريف المسيحية)، ورسالة بولس الى غلاطية (وهي رسالته الاولى) لا سيما الاصحاحات الاولى منها وتفاسيرهم المختلفة.
2-الابيونيون والناصريون: عام 52 ميلادي، ظهرت فرق عقائدية لمواجهة فكر بولس الدخيل، وقالت بأن المسيح هو مخلوق والشريعة مستمرة وبولس كذاب. اتباع هذه الفرق كانوا من يهود فلسطين الذين اتبعوا المسيح وعاشوا معه واستمعوا مباشرة الى اقواله وشاهدوا معجزاته.. واستمرت تلك الفرق حتى النصف الاول من القرن الثاني، وانتشرت في فلسطين اولاً ثم توسعت الى قبرص واسيا الصغرى وروما. ومن هذه الفرق عرف الابيونيون والناصريون الذين كان لهم اناجيل خاصة لا تعترف بها الكنيسة الحالية.
ومن اناجيلهم انجيل متى العبري، وهو مختلف عن النسخة اليونانية البولسية الموجودة حالياً بين الاناجيل الاربعة، واقدم منه، وهو انجيل ضائع لم يبقى منه اي مخطوطة او بردية.
وهناك ايضاً انجيل الناصريين (انجيل الاثني عشر رسولاً) الذي نجد فيه بأن المسيح قد بشر بنبي من بعده. فنعرف هنا بأن الفارقليط المنتظر هو نبي وليس كما فسره البولسيون:
يقول المهندس فاضل سليمان الذي كتب رسالة ماجيستير عن الاريوسية بأن التلاميذ الاثني عشر هم انفسهم كانوا من الابيونيين والناصريين.
6-المرحلة الزمنية الواقعة بعد هلاك بولس (لعنه الله) وقبل ظهور النبي الاعظم محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام
في هذه المرحلة انقسمت النصرانية الى فرعين رئيسيين:
-البولسيون: بدؤوا مع بولس كمؤلهين للمسيح وناقضين للشريعة وباترين للنبوة وتطورت عقيدتهم الى التثليث في المجامع المسكونية .
-الموحدون: بدؤوا مع الحواريين والابيونيين والناصريين، وظهر منهم الاريوسيين لاحقاً.
وكان هناك ايضاً طوائف وبدع تمزج افكار وعقائد من الفريقين: كمن يعترف برسولية بولس ولك يرفض التثليث مثل شهود يهوى اليوم وغيرهم ممن مر في التاريخ...
وافضل محاضرة معمقة للكلام عن هذه المرحلة هي حلقات المهندس فاضل سليمان عن الاريوسية:
المفضلات