نحو عرب مسلمين جدد
لقد كان الإسلامُ حركةً إنسانية في النفس، والمجتمع، والحضارة،
استلهم العربُ رُوحها، فهذبت أخلاقهم، ووقفوا يجاهدون خصومهم،
مع أنهم لم يملكوا من مظاهر الحياة المادية إلا القليل، لكن العالم احتاج إليهم
وإلى رسالتهم التي أنزل الله ذكرها وشرفها في كتابه:
{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10].
لقد صنع الإسلامُ من العرب قوةً عالمية حاملة لواءَ العلم والحضارة،
ونقلهم من ضعفهم وضيق حياتهم إلى عالم جديد من السيادة الخلقية والعلمية والسياسية،
فبغير الإسلام لم يكونوا ليصبحوا كيانًا تاريخيًّا مذكورًا، وبغير الإسلام لم يكونوا ليفلحوا.
إن رسالة العرب في الإسلام هي إعلاء كلمة الحق وتبليغها إلى الأمم من حولهم،
انطلاقًا من المقوّمات الرُّوحية والخلقية والحضارية التي يمتلكها، والمهم في مسيرة التغيير
القادمة أن يتحدوا ويتعاونوا تحت راية الإسلام الذي رفع شأنهم وأعلى قدرهم بين الأمم
والشعوب، ويعلموا ما يصلح لهم في عالم متغير، فهم أجدر الناس أن يحافظوا
على مكانتهم التاريخية والحضارية.
إن العرب الآن يعانون حربًا ضروسًا على دينهم وثوابتهم،
وعربيتُهم - في ظل الإسلام - نعمةٌ مهدرة ينبغي أن يهتموا بها؛ لتعود لهم
شخصيتُهم الحضارية، ويتجدد وعيُهم وَفق المبادئ والأهداف الإسلامية،
ويستنفروا طاقاتهم لأداء رسالتهم في الحياة، فلا يمتد العدو في فراغهم
الثقافي، والأدبي، والتنموي.
لقد جاء الاستعمارُ الحديث ليسلط قواه العسكرية عليهم،
ويمكّن للصهيونية في قلب ديارهم، مستأنفًا حربًا صليبيةً جديدةً
ضد الإسلام والمسلمين، تشيع الانحلال الخلقي والخلل الاجتماعي في
نسيج حياتهم، ولقد ترك آثارَه الفكرية والاجتماعية والنفسية، فانتشرت
العلمانية على نطاق واسع، فانحسرت الأخلاق والقيم، وفسدت مظاهر الحياة،
وانتشر الاختلاط، وشاع التبرج، مما يتنافى مع مواهب
ومقومات الشخصية الإسلامية.
إن العربي المسلم الحق هو الذي يؤمن بواسع أثره
وامتداده الحضاري بين المشرق والمغرب، وضخامة مسئوليته
نحو إعمار الأرض وتنميتها بالإيمان الصادق،
والعمل المتواصل.
فالمستقبل يمكن أن يكون لصالحه، شريطة عدم الاقتصار
على المعرفة وحدها، بل لا بد من وثبة روحية وأخلاقية لا تسمح
بالتخلي عن هويتنا ولو في أضيق الظروف.
فالعالم يحتاج إلى عربي مسلم جديد يرى فيه القدوة،
والتدين بالإسلام، والتمسك بالذات الحضارية، وأبرز معالمها
الجانب الخلقي الذي لفت أنظار العالم لهم، والجانب العلمي
الذي كان أحد عوامل نهضة أوربا الحديثة.
يحتاج العربُ في واقعهم المعاصر إلى الاعتبار بدراسة التاريخ،
واسترجاع الأحداث، والتنقيب في الآثار، والمنافسة الحضارية التي فرضت
طابعها الحضاري، وتبوأت موضعها وشخصيتها، وبثت الطمأنينة بين الناس،
قال الحق سبحانه وتعالى:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا
فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
ينبغي للعرب أن يودعوا واقعهم إلى الأبد في لحظة يقظة حاسمة
تجسد مقومات حضارة تريد أن تحيا وتتطور وسط الصراعات الدولية،
وإلا وقفوا في مكانهم.
العرب يمكنهم أن يسدوا الفراغ الروحي الذي دمر الحالة الأخلاقية في العالم؛
فهناك تعطش كبير لملء هذا الفراغ، ولن يملأه إلا أصحابُ حضارة الوسطية
التي تنطوي على الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر.
إن نهضتهم في المجال الدولي لا تحتاج إلى خطب وشعارات،
فالمشروعات الإسلامية العالمية عبر الإنترنت واسعة وشاملة وقوية،
لكنها تتحرك بطريقة بطيئة، فهم مطالبون بالتسلح بالعلم الشرعي، والفقه
الديني، والمعرفة الحضارية والدبلوماسية الواعية التي تحسن عرض
الإسلام، والمحاورة من أجل هيمنته في عالم الأرض.
منقول
المفضلات