-
تلك الشريعة.! فائتونا بمثلها
تلك الشريعة.! فائتونا بمثلها
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، أما بعد:
فإننا صرنا في زمان قد تجرأ فيه قوم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتا على دين الله سبحانه. وأصبحنا نسمع بين أظهرنا من ينتقد شرع الله وتطبيقه.
أو تتراءى لنا أشباح – إذ هم أموات بموت الدين في قلوبهم – تتغنى بالخروج عن دين الله، ومحاسن ذاك في المجتمع، ويرسمون عالماً ورديًّا لعامة الناس وجهلتهم مسلطين الضوء على الشهوات والملذات لجذب ضعاف القلوب واستقطابهم.
وإلى أمثال هؤلاء ومن يغتر بهم أسوق هذه الكلمات الرائعات لشيخ الإسلام ابن القيم؛ إذ يتكلم عن محاسن هذه الشريعة، وبعض ما تحققه من مصالح، وكل مصلحة فيها اعلم يقينًا
أن غيرها من المستوردات الفكرية؛ والتي لا أجد أي غضاضة أن أنعتها بالخَرِبة لن تحققها، وإن حققت بعضها، فقد فاتها معظمهما وخيرها.
يقول رحمه الله في كلام هو قلائد عقيان: "الشرائع كلها في أصولها وإن تباينت متفقة، مركوز حسنها في العقول، ولو وقعت على غير ما هي عليه لخرجت عن الحكمة والمصلحة والرحمة، بل من المحال أن تأتي بخلاف ما أتت به {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن}. وكيف يجوز ذو العقل أن ترد شريعة أحكم الحاكمين بضد ما وردت به؟... ثم شرع رحمه الله في ذكر محاسن العبادات الخمس، ثم جاء بما به قوام المجتمع المسلم، وهو ما يقض مضاجع القوم فقال:
وأما الجهاد فناهيك به من عبادة هي سنام العبادات وذروتها، وهو المحك والدليل المفرق بين المحب والمدعي، فالمحب قد بذل مهجته وماله لربه وإلهه، متقربًا إليه ببذل أعز ما بحضرته. يود لو أن له بكل شعرة نفسًا يبذلها في حبه ومرضاته، ويود أن لو قتل فيه ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي، فهو يفدي بنفسِه حبيبَه وعبدَه ورسولَه، ولسان حاله يقول:
يفديك بالنفس صبٌّ لو يكون له ... أعزَّ من نفسِه شيءٌ فذاك به
فهو قد سلم نفسه وماله لمشتريها، وعلم أنه لا سبيل إلى أخذ السلعة إلا ببذل ثمنها {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون}.
وإذا كان من المعلوم المستقر عند الخلق أن علامة المحبة الصحيحة بذل الروح والمال في مرضات المحبوب، فالمحبوب الحق الذي لا تنبغي المحبة إلا له، وكل محبة سوى محبته فالمحبة له باطلة؛ أولى بأن يشرع لعباده الجهاد الذي هو غاية ما يتقربون به إلى إلههم وربهم، وكانت قرابين من قبلهم من الأمم في ذبائحهم، وقرابينهم تقديم أنفسهم للذبح في الله مولاهم الحق، فأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة؟! ولهذا ادخرها الله لأكمل الأنبياء وأكمل الأمم عقلًا وتوحيدًا ومحبةً لله 0
وأما الضحايا والهدايا فقربان إلى الخالق سبحانه تقوم مقام الفدية عن النفس المستحقة للتلف؛ فديةً وعوضًا وقربانًا إلى الله، وتشبهًا بإمام الحنفاء وإحياءً لسنته أن فدى الله ولده بالقربان، فجعل ذلك في ذريته باقيًا أبدًا.
وأما الإيمان والنذور فعقود يعقدها العبد على نفسه، يؤكد بها ما ألزم به نفسه من الأمور بالله ولله، فهي تعظيم للخالق ولأسمائه ولحقه، وأن تكون العقود به وله، وهذا غاية التعظيم. فلا يعقد بغير اسمه، ولا لغير القرب إليه، بل إن حلف فباسمه تعظيمًا وتبجيلًا وتوحيدًا وإجلالًا، وإن نذر فله توحيدًا وطاعةً ومحبةً وعبوديةً، فيكون هو المعبود وحده، والمستعان به وحده.
وأما المطاعم والمشارب والملابس والمناكح فهي داخلة فيما يقيم الأبدان ويحفظها من الفساد والهلاك، وفيما يعود ببقاء النوع الإنساني؛ ليتم بذلك قوام الأجساد، وحفظ النوع، فيتحمل الأمانة التي عرضت على السموات والأرض، ويقوى على حملها وأدائها، ويتمكن من شكر مولى الأنعام ومسديه، وفرق في هذه الأنواع بين المباح والمحظور، والحسن والقبيح، والضار والنافع، والطيب والخبيث، فحرم منها القبيح والخبيث والضار، وأباح منها الحسن والطيب والنافع كما سيأتي إن شاء الله.
وتأمل ذلك في المناكح؛ فإن من المستقر في العقول والفطر أن قضاء هذا الوطر في الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات والجدات مستقبح في كل عقل، مستهجن في كل فطرة، ومن المحال أن يكون المباح من ذلك مساويا للمحظور في نفس الأمر، ولا فرق بينهما إلا مجرد التحكم بالمشيئة!!! سبحانك هذا بهتان عظيم.
وكيف يكون في نفس الأمر نكاح الأم واستفراشها مساويا لنكاح الأجنبية واستفراشها؟!! وإنما فرق بينهما محض الآمر! وكذلك من المحال أن يكون الدم والبول والرجيع مساويا للخبز والماء والفاكهة ونحوها، وإنما الشارع فرق بينهما فأباح هذا وحرم هذا مع استواء الكل في نفس الأمر! وكذلك أخذ المال بالبيع والهبة والوصية والميراث لا يكون مساويا لأخذه بالقهر والغلبة والغصب والسرقة والجناية، حتى يكون إباحة هذا وتحريم هذا راجعا إلى محض الأمر والنهى المفرق بين المتماثلين! وكذلك الظلم والكذب والزور والفواحش كالزنا واللواط وكشف العورة بين الملأ ونحو ذلك، كيف يسوغ عقل عاقل أنه لا فرق قط في نفس الأمر بين ذلك وبين العدل والإحسان والعفة والصيانة وستر العورة! وإنما الشارع يحكم بإيجاب هذا وتحريم هذا وهذا مما لو عرض على العقول السليمة التي لم تدخل ولم يمسها ميل للمثالات الفاسدة وتعظيم أهلها وحسن الظن بهم لكانت أشد إنكارا له وشهادة ببطلانه من كثير من الضروريات.
وهل ركب الله في فطرة عاقل قط أن الإحسان والإساءة، والصدق والكذب، والفجور والعفة، والعدل والظلم، وقتل النفوس وإنجاءها، بل السجود لله وللصنم سواء في نفس الأمر لا فرق بينهما، وإنما الفرق بينهما الأمر المجرد!! وأي جحد للضروريات أعظم من هذا؟! وهل هذا إلا بمنزلة من يقول أنه لا فرق بين الرجيع والبول والدم والقيء، وبين الخبز واللحم والماء والفاكهة والكل سواء في نفس الأمر، وإنما الفرق بالعوائد؟! فأي فرق بين مدعى هذا الباطل، وبين مدعى ذلك الباطل؟! وهل هذا إلا بهت للعقل والحس والضرورة والشرع والحكمة؟! وإذا كان لا معنى عندهم للمعروف إلا ما أمر به فصار معروفا بالأمر، ولا للمنكر إلا ما نهى عنه فصار منكرا بنهيه فأي معنى لقوله {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر}؟ وهل حاصل ذلك زائد على أن يقال يأمرهم بما يأمرهم به وينهاهم عما ينهاهم عنه، وهذا كلام ينزه عنه آحاد العقلاء فضلًا عن كلام رب العالمين. وهل دلت الآية إلا على أنه أمرهم بالمعروف الذي تعرفه العقول، وتقر بحسنه الفطر، فأمرهم بما هو معروف في نفسه عند كل عقل سليم. ونهاهم عما هو منكر في الطباع والعقول، بحيث إذا عرض على العقول السليمة أنكرته أشد الإنكار، كما أن ما أمر به إذا عرض على العقل السليم قبله أعظم قبول وشهد بحسنه.
كما قال بعض الأعراب وقد سئل: بم عرفت أنه رسول الله؟؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل: ليته ينهى عنه. ولا نهى عن شيء فقال: ليته أمر به.
فهذا الأعرابي أعرف بالله ودينه ورسوله من هؤلاء.. وقد أقر عقله وفطرته بحسن ما أمر به، وقبح ما نهى عنه، حتى كان في حقه من أعلام نبوته، وشواهد رسالته"[1].
تلك شريعتُنا قومَنا!! أفغير دين الله يبغون!
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[1] مفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم (2/870-874) بتصرف يسير.
الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها
التعديل الأخير تم بواسطة فداء الرسول ; 15-06-2013 الساعة 10:59 AM
تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة د/احمدالالفي في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 11-11-2012, 07:28 PM
-
بواسطة ريمون سامى في المنتدى استفسارات غير المسلمين عن الإسلام
مشاركات: 45
آخر مشاركة: 01-04-2011, 02:24 PM
-
بواسطة ريمون سامى في المنتدى استفسارات غير المسلمين عن الإسلام
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 21-03-2011, 07:59 PM
-
بواسطة dahab في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 03-03-2011, 12:26 PM
-
بواسطة عاشق المسجد الحرام في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 22-06-2010, 01:50 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات