الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على خير خلق الله أجمعين سيدنا محمد و على آله و صحبه و بعد ،،
تحفل العديد و العديد من المواقع النصرانية على شبكة الأنترنت ، و كذلك المطبوعات المختلفة كالجرائد و الكتيبات بل و المنشورات الطاعنة في الإسلام و التي ، مع الأسف ، أصبحنا نجدها في الأسواق في متناول يد الجميع بالعديد و العديد من الشبهات التي وضعتها أذهانهم متخيلة أنها تنال من الإسلام و من نبيه الكريم صلى الله عليه و سلم .
و من أغرب هذه الشبهات تلك التي يزعمون فيها بأن القرآن الكريم كتاب يعج بالأخطاء النحوية ، و بالتالي فهذا أكبر دليل على أصله البشري !!.. فالبشر خطاؤون .. و لو كان من عند رب العالمين ، و لا يزال الكلام عن لسانهم ، لما كانت به هذه الأخطاء التي اكتشفها عباقرة و أفذاذ علم النحو من نصارى القرن الواحد و العشرين !!
و غالبا ما يلجأ من يرد على هذه الشبهة من الأخوة المسلمين بأن يفتح كتاب اعراب القرآن و يبدأ في أن ينقل منه ردود علماء النحو العرب الأوائل كسيبويه و غيره ممن تكلموا من قبل في هذه الشبهة ، و لكن النصارى قد لا يقتنعون بل و يقولون أن المسلمين يحاولون اخفاء ما لديهم من عيوب ببعض البهلوانات الجدلية !!..
هلم بنا ، أخي القاريء ، نعرف المزيد عن هذه الشبهة و تاريخها و كيف نشأت ؟...
تاريخ هذه الشبهة :
يلجأ بعض النصارى إلى الإستناد لبعض الأحاديث الضعيفة لإثبات قدم هذه الشبهة منها حديث السيدة عائشة ، رضي الله عنها ، عندما سئلت عن لحن القرآن في بعض آياته ؛ و هو الإسم القديم لتلك الشبهة ، فردت : يا ولدي إن القرآن لا يلحن ، إنه من عمل النسّاخ !..
و قد ضعفه الشيخ الألباني في الترغيب و الترهيب ج4 ، كذلك يعلق الدكتور غازي عناية على ذلك فيقول : كيف للسيدة عائشة و قد اشتهرت بفصاحة اللسان أن تقول هكذا ! – راجع نص المقالة : ( موقع الموسوعة الإسلامية – بلاغ ) .
و عندما بدأ تأليف شروح القرآن أورد الأئمة في شروحهم لتلك الأيات مذاهب علماء النحو و أرائهم في إعراب تلك الأيات التي رأى بعض الناس أنها قد أتت على غير الشائع لغويا فكان ذلك متمما لعملهم في إيراد الأحكام المختلفة لآيات القرآن الكريم ، و عنها نقل بعض المستشرقين الأوروبيين في القرن الثامن عشر و التاسع عشر أن بعض أيات القرآن قد اختلفت عن شائع لغة العرب و ذلك في كتبهم العديدة التي تقطر حقدا على الإسلام و المسلمين ، و عنهم نقل نصارى القرن الواحد و العشرين أن القرآن الكريم به أخطاء نحوية !!
نعم ، أخي القاريء ، فإن هؤلاء النصارى الذي لا يعترفون بالقرآن و لا يؤمنون به ككتاب من عند الله ، لا تصدق أنهم قد تدارسوا كتاب الله حتى وجد جهابذتهم هذه الأخطاء !.. لأن عجمة ألسنتهم و قلوبهم و قصور تفكيرهم لا يمكِّنهم من ذلك أبدا !! بل هم في الواقع مجرد ناقلين قد لا يراجعوا ما ينقلوا من سطور أن يكون بها بعض الأخطاء . و تعالَ معي الأن نعرف حقيقة هذه الشبهة .
القرآن الكريم و علم النحو :
بداية يجب أن نقول إن حاجة القدماء إلى وضع علم النحو قد بدأت عندما دخل الأعاجم في لغة العرب و قد شق عليهم أن يستقيم لسانهم في الحديث . فوضع العلماء بعض القواعد التي يتبعونها في حديثهم و كتابتهم حتى يستقيم لسانهم . أيضا يجب أن نعلم جيدا أن علم النحو قد بني على الإستقراء ؛ بمعنى أن سيبويه و تلامذته عندما وضعوا قواعد النحو و أصوله قد تدارسوا العديد و العديد من النصوص العربية القديمة كالشعر و القصائد و المعلقات و الرسائل بل و درسوا لهجة بعض قبائل العرب من أهل الوبر ( أي الذين يعيشون على رعي الأغنام و ليس على التجارة فلا تختلط لغتهم بلغات أخرى ) فوجدوا أن الفاعل مثلا يُنطق مضموم النهاية في حالة المفرد ، و بالألف في حالة المثنى ، و بالواو في حالة الجمع . فخرجوا من ذلك بقاعدة أن الفاعل يكون مرفوعا ، أيضا وجدوا ( كان و أخواتها ) يرفعون ما بعدهم من اسم ، و ينصبون الخبر و العكس بالنسبة لـ( إن و اخواتها ) و كذلك بالنسبة للأسماء المنونة ( المصروفة ) و غيرها إلى أن خرجوا بمعظم القواعد التي نعرفها الأن . أي أن قواعد النحو ليست وضعية من فعل البشر ، بل مستقرأة من لغة الأقدمين .
و بعد ذلك أخذ النحاة في تطبيق تلك القواعد المستقرأة على آيات القرآن الكريم ، بل و ترجيح كفة القرآن إذا ظهر خلافا بينه و بين مذاهب العلماء ؛ فيتأكد العلماء من صحة تلك القواعد بورودها في القرآن الكريم في أي قراءة متواترة كقراءة حفص أو ورش أو غيرهما ، و بذا يكون القرآن الكريم هو الحاكم على قواعد النحو و ليس العكس ، يجب أن تفهم ، أخي القاريء هذه الحقيقة تماما .
و من المعروف أن لهجات العرب قد أتت مختلفة عن بعضها البعض ، و لا نقول هنا أن لكل قبيلة قواعد النحو الخاصة بها بل أن لهجات معظم القبائل قد أتفقت في ( أغلب ) قواعد النحو المعروفة و المشهورة و لكنها أبدا لم تتفق في ( كل ) القواعد حيث أتي بعض الكلام عند بعض القبائل على غير الشائع لدى البعض الأخر ، و على الرغم من صخر حجم هذا الإختلاف المشار إليه ألا إنه معلومة هامة في دراسة علم النحو بالنسبة للدارس المتخصص و لا نقول للغالبية العظمى من الدارسين . فأي دارس متخصص في اللغة العربية في أي جامعة يدرس الإختلافات و المذاهب النحوية ، و يعي جيدا بم كانت تتميز مدرسة البصرة عن مدرسة الكوفة ، و ماذا قال سيبوية و ماذا قال الخليل ، .. و غير ذلك . و لما كان القرآن الكريم أصدق صورة للغة عصره ، فقد أتى حاويا لكافة لهجات العرب ، مصداقا لقول رسول الله ، صلى الله عليه و سلم : " إن هذا القرأن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه " – حديث شريف . و من هنا كانت بعض أياته في عين قليل الدراسة بها اختلاف عما يعرف من قواعد النحو . أي أنه يحكم على القرآن بدراسته التي تعلمها في المرحلة الإبتدائية دون أن يعي أراء علماء النحو الذين وضعوا تلك الكتب التي تعلم منها .
كلمة خاتمة :
خلاصة القول ، إن هؤلاء النصارى الذين يحكمون على القرآن الكريم بالخطأ قد احتكموا أولا إلى عقولهم و نيتهم المبيّتة أى أن الحقيقة الراسخة في عقله أن محمدا ، صلى الله عليه و سلم ، لم يكن تلميذا نجيبا في النحو !.. و بذا يكون القرآن الكريم به أخطاء نحوية !!.. و لكن في الواقع هذا الجهل المدقع ناتجا عن عدم علم بنشأة علم النحو و كيفية استقراء القواعد النحوية . الطريف أن أغلب هؤلاء النصارى قد يعترضون على ما يسمونه بأخطاء القرآن النحوية دون معرفة من الذي رصدها !!
أسأل الله العلي القدير أن ترد مقالتي هذه عن تلك الشبهة الواهية ، و أن يقتنع الجاهلون بجهلهم و يكفون عن محاولاتهم النيل من كتاب الله المكنون الذي يشبه سندان الحداد الذي تحطمت عليه العديد و العديد من المطارق دون أن يبلى أو يصيبه شيء !!
و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، و صلى اللهم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ..
كتبه الأخ / طارق
المفضلات