آداب المسجد 1
قال تعالى: { يا بني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [الأعراف:31] أي عند كل صلاة، وقال صلى الله عليه وسلم:«من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى المكتوبة فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد، غفر الله له ذنوبه» [رواه مسلم].
ومن آداب حضور المساجد:
1- النهي عن حضور المساجد لمن أكل الثوم أو البصل ونحوهما:
يجب على من أكل بصلاً أو ثوماً نيئاً أن يجتنب المساجد حتى لا يؤذي المصلين برائحته الخبيثة، ومن آذى المصلين فقد آذى الملائكة.. فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو قال: فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته» [رواه البخاري]. وعنه رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: «من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس» [رواه البخاري، ومسلم]، ومع صراحة الأحاديث في نهي آكل الثوم والبصل عن حضور المساجد ورفع الإثم عنه لأجل تركه شهود الجماعة؛ إلا أن هناك طائفة من الناس أبت إلا المخالفة.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عذابٌ ألِيمٌ } [النور:63].
تنبيه: يقاس على الثوم والبصل والكراث كل رائحة خبيثة تؤذي المصلين، (كالدخان)، أو الروائح الكريهة التي تنبعث من الجسد، أو الملابس المنتنة.
فعلى المصلي تفقد نفسه قبل حضور المساجد، حتى لا يؤذي المصلين فيأثم بذلك.
فائدة: إذا تعاطى آكل البصل والثوم شيئاً يمنع رائحتهما الخبيثة، فإنه لا يمنع من شهود المساجد، ولكن ليتحقق الآكل أن الرائحة قد زالت بالكلية وأنها لا تؤذي المصلين. وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من اتخاذ (معجون الأسنان) كمزيل لرائحة البصل والثوم، فهذا خطأ، لأن رائحة البصل والثوم تنبعث من المعدة وليست من الفم فقط.
2- استحباب التبكير إلى المساجد:
رغب النبي صلى الله عليه وسلم في التبكير إلى المساجد والمسارعة إليها، فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً»[رواه البخاري]، وعند مسلم: «لو تعلمون أو يعلمون ما في الصف المقدم لكانت قرعة» . ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على فضل وعظم أجر التبكير إلى المساجد، وذلك يتضح من إبهام الرسول صلى الله عليه وسلم لأجر المبكر إلى المسجد، فإنه يدل على أن المبكر إلى المسجد قد حاز أجراً عظيماً. ثم اقتراعهم على الصف الأول فيه دلالة قوية - أيضاً- على عظم هذا الأجر
3- المشي إلى الصلاة بخشوع وسكينة:
يستحب للماشي إلى الصلاة، أن يكون مشيه إليها في خشوع وسكون وطمأنينة، لأن من قَدِمَ إلى الصلاة وهو مطمئن في مشيه؛ كان ذلك أدعى لخشوعه في صلاته وإقباله عليها، وعكسه من جاء إليها مسرعاً مستعجلاً فإنه يدخل في صلاته وهو مشتت الفكر والذهن. ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يسعوا إلى صلاتهم حتى ولو أقيمت الصلاة. فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: «بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: فلا تفعلوا . إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» [البخاري ومسلم]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» [رواه البخاري ومسلم].
4- ما يُقال من الدعاء عند المشي إلى الصلاة:
يستحب للماشي إلى الصلاة أن يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الصلاة. ففي حديث مبيت ابن عباس عند خالته ميمونة رضي الله عنهما، قال- في آخره-: فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ وكان في دعائه: «اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، وعظم لي نوراً..» [رواه مسلم].
5- الدعاء عند دخول المساجد وعند الخروج منها:
أ- يستحب للداخل إلى المسجد أن يقول: اللهم صل وسلم على محمّد وعلى آل محمّد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج يقول: اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد، اللهم إني أسألك من فضلك. تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم عند دخوله المسجد وعند خروجه منه. فعن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك»[رواه مسلم]. وعند أبي داود: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك» .
ب- ويستحب للداخل إلى المسجد- أيضاً- أن يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم.
جاء ذلك في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ، قال [راوي الحديث]: أقط؟. قلت: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم» [رواه أبو داود].
6- استحباب تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد، واليسرى عند الخروج منه:
يستحب للداخل إلى المسجد أن يقدم رجله اليمنى؛ لأن ذلك هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن المسجد أشرف الأماكن، فناسب تقديم اليمنى لشرفه. وعند الخروج منه تقدم الرجل اليسرى لفعله صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الأماكن غير المسجد دونه في الشرف. ومن عادة الشرع أن جعل اليد والرجل اليمنى لمباشرة الأشياء الفاضلة الكريمة، وجعل الشمال لمباشرة الأشياء الوضيعة. والقاعدة العامة في هذا الباب هو حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن: في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شانه كله» [رواه البخاري ومسلم].
وفي دخول المسجد سنة ذكرها أنس رضي الله عنه قال: «من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى» [رواه الحاكم].
7- استحباب أداء تحية المسجد عند دخول المسجد:
يستحب لداخل المسجد أن يبدأ بركعتين هما: تحية المسجد. وهي ليست واجبة، ولكنها سنة مؤكدة لأمره بها صلى الله عليه وسلم أصحابه في كذا موضع، كحديث أبي قتادة السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» [رواه البخاري ومسلم].
8- فضل القعود في المسجد:
مما جاء في فضل القعود في المساجد وانتظار الصلاة، قوله صلى الله عليه وسلم: «... فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيها، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث» [رواه البخاري ومسلم]. وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وجزيل كرمه؛ أن رتب على جلوسهم في المساجد وانتظار الصلاة، كأجر المصلي. ثم جعل ملائكته يدعون لمنتظر الصلاة في المسجد، بالرحمة والمغفرة والتوبة !
تنبيه: يفرط كثير من الناس بالوقت الفاضل وقت انتظار الصلاة (بين الأذان والإقامة)، فتجدهم يقلبون أعينهم في المصلين أو التالين، وبعضهم يرسل بصره وعقله في تأمل نقوش المسجد وعمارته إلى غير ذلك، ولو أنهم اغتنموا هذا الوقت الفاضل بقراءة القرآن، أو ذكر الله تعالى، أو الاجتهاد في الدعاء لأنه وقت إجابة لكان فيه خيرٌ كثيرٌ.
المفضلات