-
الفصل التاسع
ضوابط العمل
لم تثر حكاية خروج المرأة للعمل - عندنا - إلا كرد فعل على ما حدث فى الغرب رغم أن ظروفنا تختلف تمامًا عنهم، لكنه التقليد الأعمى الذى دفع العلمانيين وأذناب الاستعمار والمفتونين بحضارة زائفة إلى إثارة قضية لا وجود لها عندنا فى ظل الإسلام الذى يكفل المرأة طوال عمرها.
يقول محمد قطب: "إن الثورة الصناعية شغّلت النساء والأطفال، فحطمت روابط الأسرة وحلت كيانها. ولكن المرأة هى التى دفعت أفدح الثمن من جهدها وكرامتها، وحاجاتها النفسية والمادية. فقد نكل الرجل عن إعالتها من ناحية، وفرض عليها أن تعمل لتعول نفسها حتى لو كانت زوجة وأمًّا، واستغلتها المصانع أسوأ استغلال من ناحية أخرى، فشغّلتها ساعات طويلة، وأعطتها أجرًا أقل من الرجل الذى يقوم معها بذات العمل فى ذات المصنع.
ولا تسأل لماذا حدث ذلك، فهكذا هي أوروبا، جاحدة بخيلة، لا تعترف بالكرامة للإنسان من حيث هو إنسان ولا تتطوع بالخير حيث تستطيع أن تعمل الشر وهى آمنة.
تلك طبيعتها على مدار التاريخ، في الماضي والحاضر والمستقبل إلا أن يشاء الله لها الهداية والارتفاع.
وإذا كان النساء والأطفال ضِعَافًا، فما الذي يمنع استغلالهما والقسوة عليهما إلى أقصى حد؟ إن الذي يمنع شيء واحد فقط، هو الضمير، ومتى كان لأوروبا ضمير؟!!
ومع ذلك فقد وُجدت قلوب إنسانية حية لا تُطيق الظلم، فهبت تدافع عن المستضعفين من الأطفال. نعم الأطفال فقط! فراح المصلحون الاجتماعيون ينددون بتشغيلهم فى سن مبكرة، وتحميلهم من الأعمال ما لا تطيقه بنيتهم الغضَّة التي لم تستكمل نصيبها من النمو، وضآلة أجورهم بالنسبة للجهد العنيف الذى يبذلونه. ونجحت الحملات، فرفعت أجورهم،ورفعت رويدًا رويدًا سن التشغيل، وزادت الأجور وخفضت ساعات العمل.
أما المرأة فلم يكن لها نصير. فنصرة المرأة تحتاج إلى قدر من ارتفاع المشاعر لا تطيقه أوروبا! لذلك ظلَّت في محنتها تنهك نفسها فى العمل - مضطرة لإعالة نفسها - وتتناول أجرًا أقل من أجر الرجل، مع اتحاد الإنتاج والجهد المبذول.
وجاءت الحرب العظمى الأولى ثم الثانية، وقتل عشرات الملايين من الشباب الأوربيين والأمريكان. وواجهت المرأة قسوة المحنة بكل بشاعتها. فقد وجدت ملايين من النساء بلا عائل، إما لأن عائلهن قد قتل فى الحرب، أو شُوِّه، أو فسدت أعصابه من الخوف والذعر والغازات السامة الخانقة، وإما لأنه خارج من حبس السنوات، يريد أن يستمتع ويرفه عن نفسه، ولا يريد أن يتزوج ويعول أسرة تكلفه شيئا من المال والأعصاب.
ومن جهة أخرى لم تكن هناك أيدٍ عاملة من الرجال تكفى لإعادة تشغيل المصانع لتعمير ما خرَّبته الحرب. فكان حتمًا على المرأة أن تعمل وإلا تعرَّضت للجوع هي ومن تعول من العجائز والأطفال. وكان حتمًا عليها كذلك أن تتنازل عن أخلاقها. فقد كانت أخلاقها قيدًا حقيقيًا يمنع عنها الطعام! إن صاحب المصنع وموظفيه لا يريدون مجرد الأيدى العاملة، فهم يجدون فرصة سانحة، والطير يسقط من نفسه - جائعًا - ليلتقط الحَب، فما الذي يمنع من الصيد؟
وما دامت قد وجدت - بدافع الضرورة - امرأة تبذل نفسها لتعمل، فلن يتاح العمل إلا للتى تبذل نفسها للراغبين. ولم تكن المسألة مسألة الحاجة إلى الطعام فحسب.
فالجنس حاجة بشرية طبيعية لا بد لها من إشباع. ولم يكن فى وسع الفتيات أن يشبعن حاجتهن الطبيعية ولو تَزَوَّج كل من بقى حيًا من الرجال، بسبب النقص الهائل الذى حدث فى عدد الرجال نتيجة الحرب. ولم تكن عقائد أوربا وديانتها تسمح بالحل الذى وضعه الإسلام لمثل هذه الحالة الطارئة، وهو تعدد الزوجات. لذلك لم يكن بُدٌّ للمرأة أن تسقط راضية أو كارهة لتحصل على حاجة الطعام وحاجة الجنس، وترضى شهوتها إلى الملابس الفاخرة، وأدوات الزينة، وسائر ما تشتهيه المرأة من أشياء.
وسارت المرأة فى طريقها المحتوم، تبذل نفسها للراغبين، وتعمل في المصنع والمتجر، وتشبع رغباتها عن هذا الطريق أو ذاك. ولكن قضيتها زادت حِدَّة. فقد استغلت المصانع حاجة المرأة إلى العمل، واستمرَّت في معاملتها الظالمة التى لا يبررها عقل ولا ضمير، فظلت تمنحها أجرًا أقل من أجر الرجل الذى يؤدى ذات العمل في ذات المكان.
ولم يكن بد من ثورة. ثورة جامحة تحطِّم ظلم أجيال طويلة وقرون. وماذا بقى للمرأة؟ لقد بذلت نفسها وكبرياءها وأنوثتها، وحرمت من حاجتها الطبيعية إلى أسرة وأولاد تحس بكيانها فيهم، وتضم حيواتهم إلى حياتها، فتشعر بالسعادة والامتلاء. أفلا تنال مقابل ذلك - على الأقل - المساواة فى الأجر مع الرجل وهو حقها الطبيعي الذي تقرره أبسط البديهيات؟
ولم يتنازل الرجل الأوربى عن سلطانه بسهولة. أو قُلْ: لم يتنازل عن أنانيته التى فُطر عليها. وكان لا بد من احتدام المعركة، واستخدام جميع الأسلحة الصالحة للعراك.
استخدمت المرأة الإضراب والتظاهر. واستخدمت الخطابة فى المجتمعات. واستخدمت الصحافة. ثم بدا لها أنها لا بد أن تشارك فى التشريع لتمنع الظلم من منبعه، فطالبت أولاً بحق الانتخاب، ثم بالحق الذى يلى ذلك بحكم طبائع الأشياء، وهو حق التمثيل فى البرلمان. وتعلمت بذات الطريقة التي يتعلم بها الرجل؛ لأنها صارت تؤدى ذات العمل، وطالبت كنتيجة منطقية لذلك أن تدخل وظائف الدولة كالرجل، ما داما قد أُعدَّا بطريقة واحدة، ونالا دراسة واحدة.
تلك قصة "كفاح المرأة لنيل حقوقها" فى أوروبا. قصة مسلسلة، كل خطوة فيها لا بد أن تؤدى إلى الخطوة التالية، رَضِيَ الرجل أو كره، بل رضيت المرأة أو كرهت، فهي نفسها لم تعد تملك أمرها فى هذا المجتمع الهابط المنحل الذى أفلت منه الزمام.
ومع ذلك كله فقد تعجب حين تعلم أن انجلترا - أم الديمقراطية -لا تزال إلى هذه اللحظة تمنح المرأة أجرًا أقل من أجر الرجل فى وظائف الدولة، رغم أن فى مجلس العموم نائبات محترمات!!" انتهى[1].
ونضيف إلى ما قاله الأستاذ محمد قطب: أن المرأة تنال أجرًا أقل من الرجل فى الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا وفى كل دول أوروبا وليست بريطانيا فقط. وما زالت تكافح- حتى وقتنا هذا -في كل دول الغرب للمساواة فى الأجور مع الرجال دون جدوى!!
موسى مع ابنتى شعيب
إن موقف الإسلام من عمل المرأة توضحه تمامًا قصة سيدنا موسى مع ابنتى شعيب - عليهم جميعًا السلام:
فقد خرج موسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - من مصر هاربًا من بطش فرعون. اجتاز - عليه السلام - صحراء سيناء وحيدًا جائعًا خائفًا يتلفَّت حوله بين الحين والآخر ليرى إن كان هناك مَن يتبعه أو يطارده. ووصل إلى بئر ماء فى منطقة "مدين" خارج حدود مصر الشرقية.رأى حول الماء عددًا كبيرًا من الرعاة يتزاحمون لسقى مواشيهم وأغنامهم. بعيدًا عن زحام الرعاة من الرجال كانت هناك امرأتان تُبعدان أغنامهما عن البئر حتى يفرغ القوم من السقي. ولأن النبي هو كالأب للأُمَّة فإن موسى - عليه السلام - توجَّه إلى المرأتين ليطمئن على حالهما. قالتا له أن أباهما شيخ كبير فى السن، وصحته لا تحتمل أن يأتى هو لسقى الأغنام، ولهذا اضطرت الفتاتان إلى القيام بتلك المهمة - سقى ورعى الأغنام - لعدم وجود أخ أو زوج يحمل عنهما هذا العبء. وكان عليهما الانتظار إلى أن يفرغ الآخرون وينصرفون، حتى يتجنبا الاختلاط بالرجال الغرباء. هنا تحرك خلق المروءة والرحمة فى نفس كليم الله ورسوله إلى أهل تلك الفترة، فتطوَّع فورًا بسقي الأغنام حتى يُعفى الفتاتين من هذه المشقة وذلك الاختلاط بغرباء. انتهى - عليه السلام - من العمل فانصرفت الفتاتان شاكرتين وجلس هو فى ظل شجرة قريبة يدعو ربه ويناجيه.
بعد قليل رأى - عليه السلام - إحدى الفتاتين قادمة تكاد تتعثر وتقع على الأرض من شدة الحياء. كانت تغطى وجهها بالنقاب ولا ترفع بصرها عن الأرض، وهى تخبره أن أباها قد علم بما فعله لمساعدة ابنتيه، ويرغب في استضافته وشكره على تصرفه النبيل. مشى موسى - عليه السلام - أمامها إلى حيث الأب الذى رحَّب به وأكرم ضيافته وعلم قصته مع فرعون وقومه. وهنا اقترحت الفتاة التى دعته لمقابلة الأب أن يستأجر أبوها موسى - عليه السلام - للعمل برعي وسقى الأغنام بدلاً منهما، وأخبرت أباها بقوته وأمانته - وهما صفتان أساسيتان فى أى أجير كفء - وقد توصلت الفتاة الذكية إلى معرفة ذلك بالفطنة وقوة الملاحظة. فقد رأت موسى يرفع وحده الصخرة التى تغطى فوهة البئر، وهى صخرة يعجز عن رفعها عدد من الرجال. وأما أمانته فدليلها أنه طلب منها أن تمشى خلفه وتلفت انتباهه إلى الطريق، حتى لا يضطر إلى المشى خلفها فتعبث الريح بثيابها فيرى تفاصيل جسمها، وهى أجنبية عنه ليست من محارمه. وهدى الله أبا الفتاتين إلى فكرة عبقرية عرضها على موسى فوافق. وكان العمل 8 أو 10 سنوات هو المهر مقابل زواج موسى من إحدى البنتين طبقًا للاقتراح الذي قبله كليم الله. وتم الزواج وعمل موسى أجيرًا عند شعيب 10 سنوات مقابل طعام بطنه وعفة فرجه.
هذه هي قصة موسى مع ابنتى شعيب، وقد حكاها القرآن الكريم فى سورة القصص، كما وردت أيضًا فى التوراة:
قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [القصص: 23- 28].ويعجز القلم عن الإحاطة بكل ما فى هذه الآيات الست من عبر وآداب وتشريعات تكفل السعادة الكاملة فى الدنيا والآخرة[2]. ولكننا سنحاول - بتوفيق الله وحده - التركيز على ما يتعلق منها بموضوعنا هنا، وهو ضوابط عمل المرأة خارج المنزل ودور كل الأطراف فى رعايتها والآداب والواجبات المطلوبة من الجميع رجالاً ونساءً:
( أ ) لا يجوز للمرأة الخروج للعمل خارج المنزل إلا فى حالات الضرورة القصوى. وأهم تلك الحالات عدم وجود رجل من المحارم يكفيها مئونة العمل. فقد ذكرت الفتاتان أن الأب يعانى من أمراض الشيخوخة وغير قادر على العمل بدلاً منهما ﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾، ومن الواضح أنه لم يكن لهما أخ أو عم أو خال يقوم مقام الأب فى العمل، فاضطرت الفتاتان إلى الخروج لسقى الأغنام حتى لا تهلك عطشًا.
(ب) وإذا اضطرت المرأة للخروج للعمل فليكن ذلك بكل إحتشام وعفة، وعليها تجنب الاختلاط بالرجال الأجانب - من غير المحارم - فقد كانتا تُبعدان الأغنام عن البئر، وتحرصان على عدم السقى إلى أن يفرغ الرعاة وينصرفون كلهم من المكان، وبذلك لا يجد أى متطفِّل أو فاسق أية فرصة للتقرب منهما، ويُغْلق الباب تمامًا فى وجه الشيطان والفتنة ودواعى الرذيلة. كما أنهما لم تتحدَّثا مع أحد مطلقاً، ولولا أن موسى - عليه السلام - هو الذي بادر وسألهما بكل أدب عن أمرهما - ليساعدهما - لما تحدثت إليه إحداهما. وقد تركتا له أداء العمل الشاق.
(جـ) الكلام مع الرجال الأجانب للضرورة فقط، وبالقدر اللازم لشرح الحال دون زيادة. كما نلاحظ إلتزام الحياء التام:﴿ تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾. وروى عن عمر بن الخطاب أن الفتاة جاءت تُبلِّغه دعوة أبيها، وكانت منتقبة عفيفة ليست بكثيرة الخروج والتنقل من مكان إلى آخر بلا ضرورة.
( د ) على الحاكم أو القادرين من الرجال فى المجتمع أن يبذلوا كل ما فى وسعهم لإعفاء النساء من مشقة العمل خارج المنزل، وصونهن عن الاحتكاك والاختلاط بغير محارمهن. فقد قام موسى - عليه السلام - فورًا بسقي الأغنام بدلاً من الفتاتين.ولو طبقِّنا ما فعله - عليه السلام - في أيامنا هذه لتجنّب المجتمع كثيرًا من المشاكل والمصائب التى يعلمها الجميع. وعلى المرأة أن تحمد الله - تعالى - على نعمة وجود من يكفيها مشقة العمل خارج البيت.
(هـ) نلاحظ أيضًا أن الفتاتين قَبِلتا شاكرتين مساعدة كليم الله. وحرصت المرأة على استثمار الفرصة التي سنحت لها لترتاح من عناء العمل الخارجي، فاقترحت على أبيها أن يستأجر ذلك الشاب القوى الأمين للعمل بدلاً منهما.
ولم تقل له مثلاً: لا يا أبى، أعطنا الفرصة للاستقلال وتحقيق الذات والاستغناء عن تحكُّم الرجال!! أو أن المرأة كالرجل تمامًا فى العمل إلى آخر هذا التخريف والضلال الذى نسمعه من عضوات المؤتمرات والجمعيات النسائية فى هذا الزمن العصيب!!
(و) قام ولى الأمر فورًا باستئجار القوى الأمين لأداء العمل وإعفاء ابنتيه من التعب والامتهان والتعرض للفتن خارج البيت. بل عَلَّمنا شعيب - عليه السلام - أيضًا أن نخطب لبناتنا الشباب التقى الأمين، فلا عيب فى أن يخطب الرجل لابنته شابًّا صالحًا يتزوَّجها ويرعاها ويُعِفُّها الله به ويصونها عن الحرام وكل مكروه.
ونلاحظ حكمة الأب ومرونته فى تيسير أمر الزواج من ابنته، فقد خرج موسى - عليه السلام - من مصر بلا مال، ولم يكن باستطاعته دفع أى مهر، فاهتدى إلى الحل الأمثل، وهو أن يكون مهر ابنته هو أن يعمل موسى معه أجيرًا 8 أو10 سنوات حسب طاقته. وبذلك تحققت مصالح جميع الأطراف، وتم حل جميع المشاكل دفعة واحدة بتوفيق الله للبنت فى اقتراح استئجاره، وتوفيق الله للأب بعرض زواج موسى من إحدى البنتين مقابل عمله. فكفى الله الفتاتين العمل الشاقَّ خارج المنزل، وارتاح الأب كذلك من القلق على مصيرهن فى كل مرة يخرجن فيها لسقى الأغنام، كما وجد موسى عملاً شريفًا وزوجة ومأوى أيضًا، ورزق الله إحدى البنتين بالزوج الصالح.
وفى القصة أيضًا آداب يجب أن يتحلى بها كلا الجنسين. فالكلام بقدر الحاجة والضرورة فقط كما أشرنا.
ويجب تجنب إثارة الريبة والشبهات، فقد أخبرته أن الدعوة من أبيها وليست هى التى تدعوه.
كما أمرها هو أن تمشى خلفه وليس بجواره أو أمامه حتى لا يرى أردافها وتفاصيل جسدها وعوراتها،وأيضًا لتجنب إثارة القيل والقال بين سكان مدين.
ومن المعلوم أن شرع مَنْ قَبلنا هو شرع لنا نعمل به ما لم يأتِ في شريعتنا ما يخالفه أو يلغيه. ولهذا فإن هذه الضوابط لعمل وخروج المرأة فى شريعة موسى عليه السلام تنطبق على كل المسلمين إلى يوم القيامة. وكل الرسالات السماوية جوهرها واحد وهو التوحيد ومكارم الأخلاق[3].
وقد أكدت السُنَّة وسيرة بنات النبى - صلى الله عليه وسلم - ونسائه وتراجم الصحابيات والتابعيات تلك الضوابط الشرعية لعمل المرأة، وسوف نكتفي ببعض الأمثلة لأن المقام لا يتسع للحديث عنهن جميعًا - عليهن رضوان الله:
• فقد استأجرت السيدة خديجة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في شبابه لصدقه وأمانته ليتَّجر لها، وأرسلت معه غلامها ميسرة إلى رحلة الشام كما هو معلوم من السيرة. وهو درس لكل سيدات الأعمال، فلا خلوة مع الرجال من موظفيها ولا سفر معهم بحجة العمل!! لاحظ أنها أرسلت معه غلامها، ولم تنتهز الفرصة لتتبادل الأحاديث معه بنفسها بحجة التجارة، اللهم إلا بعد أن عرضت عليه صديقتها الزواج من خديجة ووافق وجاء لعقد القران مع أعمامه، ولم يجلس معها حتى تم الزواج.
• وروى البخاري في باب (عمل المرأة في بيت زوجها) حديثين عن على - رضي الله عنه - يحكى فيهما كيف أن زوجته السيدة فاطمة كانت تتعب من كثرة عملها فى البيت. وكانت الرحى وهى أداة طحن الحبوب البدائية تؤذى يديها - يسبب استعمال الرحى تشقُّقات وخشونة في الجلد وغير ذلك من آثار على يديها - فسألت أباها - عليه السلام - أن يعطيها خادمًا لمساعدتها فقال: "ألا أخبرك ما هو خير لك منه؟ تُسبِّحين الله عند منامك ثلاثًا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثًا وثلاثين وتُكَبِّرين الله أربعًا وثلاثين". والشاهد هنا هو أن السيدة فاطمة كانت تباشر أعمالها المنزلية. ورُوى فى كتب التراجم أن عليًّا اتَّفق مع فاطمة على أن تعمل هى داخل المنزل، ويكفيها وأمه العمل خارجه. وهذا هو الأصل والأسلوب الأمثل لاستقرار الحياة الزوجية وحسن تربية الأطفال.
وما ظنك بتربية علمين جليلين ونجمين ساطعين مثل الحسن والحسين؟ هل هذه وظيفة أقل شأنًا من اكتساب الطعام والشراب والثياب؟!!
يتبع إن شاء الله ...
قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)
قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .
قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).
-
• وكذلك روى البخاري وغيره حديثًا مهمًّا في باب "الغيرة" يتضمَّن عددًا من الدروس والحِكَم البليغة وضوابط خروج المرأة من المنزل للعمل أو لغير ذلك من الضرورات.
يحكى الحديث قصة وقعت للسيدة أسماء بنت أبى بكر الصديق - رضي الله عنهما - كانت أسماء زوجة للزبير بن العَّوام - رضي الله عنهما - وهاجرت لتعيش معه فى المدينة؛ حيث لم يكن لهما أى مال سوى جمل يجلب عليه الماء من بئر بعيدة إلى البيت، وفرس يركبه للقتال والسفر مع النبى - صلى الله عليه وسلم - كان الزبير يسعى خارج البيت فى طلب الرزق، بينما تقوم أسماء بالأعمال المنزلية ومنها عَلْف - إطعام - الفرس. ونظرًا لضيق الحال كانت تخرج وتمشى حوالى ثلاثة كيلومترات إلى قطعة أرض صغيرة أعطاها النبى - عليه السلام - للزبير، لتحضر منها نوى التمر إلى البيت لتطحنه وتعلف به الفرس. وذات مرة كانت أسماء تحمل النوى على رأسها عائدة إلى البيت فقابلها النبى - صلى الله عليه وسلم - ومعه بعض أصحابه، فأناخ ناقته لتركب أسماء خلفه رحمة بها من ثقل ما تحمل على رأسها. لكن أسماء استحت، وتذكرت شدَّة غيرة زوجها الزبير - رضي الله عنه - وكان أغير الناس بنصِّ كلام أسماء- عند البخاري - وأدرك النبي - عليه السلام - بفطنته الأمر فمضى بغير كلام معها وتركها وشأنها. وعندما جاء زوجها الزبير حكت له ما جرى وأنها أبت الركوب مع النبى - صلى الله عليه وسلم - تجنبًا لإثارة غيرته، فقال لها الزبير: والله لحملك النوى كان أشد علىَّ من ركوبك معه. وأضافت أسماء أن أباها أرسل إليها بعد ذلك خادمًا لرعاية وإطعام الفرس فأراحها من هذا العناء، وعلى حد وصفها "فكأنما أعتقنى" تعني أنه أراحها من عمل شاق كالعبيد خارج البيت.
من هذا الحديث يمكن إيجاز بعض الضوابط ليس لعمل المرأة فقط بل لخروجها من البيت لأية حاجة:
1- لم تخرج أسماء لإحضار النوى من أرض بعيدة عن البيت - ثلاثة كيلومترات - إلا لأن الزبير لم يكن موجودًا، ولا مفرَّ من إطعام الفرس بهذا النوى الذى تجلبه من هذا المكان، كما أنها لم تستغرق من الوقت إلا القدر الضرورى فقط لإنجاز المهمة دون زيادة. وبطبيعة الحال فإن ابنة أبى بكر لا شكَّ أنها كانت تخرج بكل الوقار والاحتشام مرتدية حجابا كاملا يغطى كل شيء.
2- لم تتحدث السيدة أسماء مع أحد من الرجال الأجانب، ولا تحدث معها أحد من الصحابة الذين كانوا برفقة النبى - صلى الله عليه وسلم - بل هي لم تتحدث حتى مع النبى المعصوم الذى هو فوق مستوى الشبهات، وهو زوج أختها، ورغم كل هذا استحت كما قالت بالنص: "فاستحييت أن أسير مع الرجال"، كما احترمت مشاعر زوجها - رضي الله عنه - وراعت غيرته فى غيابه كما لو كان حاضرًا بالضبط. والزبير هو ابن عمة النبى - عليه السلام - وهو أيضًا أحد السابقين الأولين والعشرة المبشرين بجنات النعيم - وما كان مثل هذا الصحابى الجليل ليشك لحظة أو أقل من ذلك فى صاحب الخُلُق العظيم، تماما كما قال عمر - رضي الله عنه - في حديث للبخاري في ذات الباب (الغيرة): "بأبي أنت وأمي يا نبي الله.. أو عليك أغار؟"؛ أي: هل أغار منك وأنت أعف وأطهر وأعظم البشر؟!!
3- ورغم أن النبى معصوم، وهو كالأب للأمة، إلا أنه يعلمنا احترام خصوصية النساء اللاتى تضطرهن الظروف للخروج لعمل أو علاج أو غير ذلك، وأنه لا مبرر للاختلاط، بل ينبغي ترك النساء فى حالهن. وليس كما نرى هذه الأيام النَّحِسات من ثرثرة ومزاح ونِكَات ومخالفات تقع من الموظفين والموظفات!!!
وهكذا تركها النبي - عليه السلام - تمضى لشأنها بلا كلام، كما أنه راعى بدوره غيرة زوجها، وأقرَّ بذلك قاعدة ضرورة احترام الجميع لمشاعره.
4- وبدوره علمنا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - درسًا في هذه الواقعة، إذ علم بمعاناة ابنته فأرسل إليها خادمًا لعلف الفرس وسياسته رحمة بها. وهذا يوضح الدور المطلوب من كل مسئول - الأب أو الزوج أو الحاكم - فى كفالة النساء وإعفائهن من العمل الشاقِّ خارج المنزل، وإعانتهن على التفرغ لما هو أهم بكثير وهو رعاية وتنشئة الأطفال وحسن القيام على راحة زوجها وشؤون بيتها.
وبمثل هذه الأخلاق والقيم ربَّت أسماء فحلين من فحول الإسلام هما ولداها الخليفة البطل عبد الله بن الزبير، والفقيه العظيم عروة بن الزبير - رضي الله عن الجميع.
5- وفضلاً عن الاحتشام وتجنب الاختلاط ورعاية مشاعر الزوج تُعَلِّم السيدة أسماء نساء الأمة أن يسارعن بقبول أى حل أو وسيلة لتجنب العناء، وأن العمل خارج البيت كان لضرورة هى عدم وجود من يقوم به غيرها، فلما أذن الله بالفرج فرحت بذلك، واعتبرت إعفاءها من العمل الخارجى نعمة كبرى مثل نعمة العتق بالنسبة للعبيد والجواري: "فكأنما أعتقني" تقصد تفضل أبيها بإرسال خادم[4].
والخلاصة أنه يجوز الخروج للعمل فى حالات اضطرار المرأة إليه، وبشرط الاحتشام، وأمن الفتنة، وأن يكون العمل مشروعًا فى حد ذاته، وتجنب الاختلاط بالرجال الأجانب، وعدم تأثير ذلك سلبًا على بيتها وأطفالها وحقوق زوجها.
ضرورات اجتماعية
كما يجب على بعض النساء العمل فى التخصصات الضرورية مثل طب النساء والولادة وختان الإناث والتدريس للنساء فى جميع مراحل التعليم. وهناك أمثلة من السيرة العطرة للمجالات التى يجب أن تعمل فيها النساء:
(أ) فالمجال الطبى - كما ذكرنا فى الفصل الثانى - عملت فيه المرأة فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فكانت "أم عطية" الأنصارية قابلة وخاتنة؛ أي: تمارس التوليد وعمليات ختان الإناث مثل طبيبات وممرضات النساء والولادة فى عصرنا. وكانت رُفيدة الأسلمية خبيرة فى الجراحات والإسعافات الأولية، وأذن لها النبى - صلى الله عليه وسلم - بإقامة خيمة داخل مسجده بالمدينة - وكانت عيادة - فى أوقات الطوارئ مثل غزوة الأحزاب، وكانوا ينقلون إليها الجرحى لتتولى إسعافهم. ومن الواضح أنه لم يكن بالمدينة - فى ذلك الوقت - رجال متخصِّصون في هذا المجال، ولو كان هناك أطباء لأمرهم النبى بعلاج سعد بن معاذ - رضي الله عنه - لكنه أمر - للضرورة - بنقل سعد إلى عيادة رفيدة التى حاولت إنقاذ حياته، ولكن قدر الله سبق جهودها المُكَثَّفة. ولا خلاف إذًا في ضرورة عمل النساء بالطب والتمريض لعلاج بنات جنسهن من مختلف الأمراض.
(ب) ولا نحسب أن هناك خلافًا كذلك فى جواز - بل ضرورة - عمل بعض النساء بالتدريس فى مختلف المراحل التعليمية لبنات جنسهن. وقد تقدَّم - بالفصل الثانى - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر الشفَّاء بنت عبد الله بتعليم السيدة حفصة الرُقية كما ذكر ابن سعد[5]، أو تحسين الخط كما ذكر آخرون.
وهذا دليل على وجوب أن تتولى النساء تعليم أخواتهن. ونعتقد أنه لا يجوز أن يتولى التدريس للنساء رجل طالما توافرت معلمات فى ذات التخصص وذات المرحلة الدراسية. ومَن لا يعجبه هذا فليراجع تقارير خبراء التعليم فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الذين طالبوا بالفصل بين الجنسين فى جميع مراحل التعليم لتجنب المشاكل العديدة التى تحدث بسبب الاختلاط. ثم لماذا الإصرار على التعامل مع الجنس الآخر إذا كان هناك مَن يستطيع القيام بذات العمل من النساء لأخواتهن، ومن الرجال لإخوانهم؟!!
(جـ) يمكن للنساء العمل في ميدان الإمدادات الغذائية والطبية للجيوش فى حالة قلة أعداد الرجال. روى البخاري وغيره عدة أحاديث تثبت مشاركة النساء فى الأعمال المساعدة للجيش فى الغزوات. ومنها أن عمر - رضي الله عنه - أعطى ثوبًا غاليًا لأم سليط وهى والدة أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنهما - ورفض أن يعطى الثوب لزوجته أم كلثوم بنت على، وقال الفاروق العظيم: "أم سليط أحق به"، وعلل هذا بأنها ممن بايع النبى - صلى الله عليه وسلم - وكانت تُصْلح القِرَبَ - أوانى للشرب - للناس فى غزوة أحد. وروى البخاري عن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها - قالت: كنا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - في الغزو نسقى ونداوى الجرحى ونرد القتلى إلى المدينة؛ أي: نقل أجساد الشهداء.
وروى البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "لما كُنَّا يوم أُحد انهزم الناس عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ولقد رأيت عائشة بنت أبى بكر وأم سليم، وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما - الخلاخيل - تنقلان القِرَب على متونهما - تحملان الماء - ثم تفرغانه فى أفواه القوم، ثم ترجعان فتملأنها - من البئر - ثم تجيئان فتفرغانه - الماء - فى أفواه القوم.
ومن هذه الأحاديث وغيرها نستدل على جواز عمل المرأة فى ميدان الإغاثة والإمدادات الغذائية والطبية عند الحاجة والاضطرار إلى ذلك لانشغال الرجال بالقتال أو فى أوقات الكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير والبراكين وغيرها.
(د) أسند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مهمة الإشراف على سوق المدينة وضبط الأسعار والضرب على أيدى التُجَّار المتلاعبين للسيدة الشفَّاء بنت عبد الله، وكانت تجيد القراءة والكتابة والحساب، وكانت شديدة الحزم مع المنحرفين وأرباب الغش والاستغلال، وحققت نجاحًا باهرًا فى منع احتكار السلع وتوفير المواد التموينية للمسلمين.
(هـ) وقد رَغَّبَ الإسلام فى كفالة الأرامل والمساكين ليصونهن عن المذلة والمهانة وربما سلوك طريق الرذيلة إن لم يجدن عونًا من المجتمع الإسلامي. روى البخاري وأبو داود قوله عليه السلام : "الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله أو كالذى يصوم النهار ويقوم الليل" فأى أجر أعظم من أجر الجهاد أو العبادة الدائمة طوال العمر؟!!
وروى البخاري - في باب غزوة الحديبية - عن أسلم مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه: "خرج مع الفاروق إلى السوق فلحقت به امرأة شابة وقالت له: يا أمير المؤمنين هلك زوجى - مات - وترك صبية صغارًا، والله لا يُنْضِجون كُراعًا - أي: لا يجدون حتى حوافر شاة أو عظامًا يطبخونها - ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضَّبُع، وأنا بنت خُفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبى الحديبية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف معها عمر ولم يمضِ - لم يواصل السير - وقال: مرحبًا بِنَسَب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير - قوى الظهر - فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا - جوالين ملأهما بالدقيق والتمر وغيره من الطعام - وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها خطام البعير ثم قال اقتاديه - بما عليه - فلن يفنى - الطعام الذى أعطاها - حتى يأتيكم الله بخير" يعنى أنه سيعطيهم طعامًا ونفقة أخرى قبل أن ينفد ما أعطاهم. وهناك قصته الشهيرة مع الأعرابية التى وضعت ماءً على النار لتعلل به صبيانها الجياع حتى يناموا، فحمل عمر الطعام إليهم على ظهره - رضي الله عنه - كما تقدم فى فصل الحقوق المالية. وهذا يدل على وجوب قيام الدولة بإعاشة الأرامل والأيتام من الخزانة العامة أو بيت مال المسلمين. فلو قامت الدولة الإسلامية بواجباتها تجاه هؤلاء الأرامل والأيتام والمساكين ما احتاجت النساء إلى العمل خارج البيت، وهذا إن لم يكن لها ولى. فإن كان للأرملة أو المطلقة أب أو أخ أو ابن ميسور الحال فإن عليه أن يعولها وبذلك لا تحتاج إلى العمل بدورها.
وهكذا نجد أن المرأة - إذا طبّقنا ما جاء به الإسلام كاملاً - لن تحتاج إلى بذل ماء وجهها وربما ما هو أكثر. فسوف يكون لها فى كل الحالات من يكفيها مئونة طلب العيش والارتزاق خارج بيتها.
تقسيم فطرى
ليست النصوص وحدها هى التى تضع تقسيم العمل بين الرجال والنساء على هذا النحو، بل الفطرة السليمة والتفكير العقلى والعلمى البحت أيضًا.. وتسأل كل امرأة عاقلة سوية: ما هو الأفضل عندك: أن تجدي من يرعاك ويلبى كل احتياجاتك وأطفالك، فترتاحين في ظله من التعب والعناء والشقاء خارج البيت، وتتفرغين لرعاية وتربية وتنشئة فلذات أكبادك - وهم أغلى ما تملكين - أم أن تكونى وحدك فى صراع جنونى لتوفير الطعام والشراب والكساء والدواء وغيرها من ضروريات الحياة؟! وقطعًا ستضطرين إلى الابتعاد عن أطفالك معظم ساعات اليوم، ويظل القلق عليهم والهواجس بشأنهم تعصف بك إلى أن تعودين ليلاً مرهقة مكدودة غير قادرة على تأدية أية أعمال منزلية أو مساعدة الأطفال على الاستذكار أو حل أية مشاكل تواجههم؟!
وهل تتحملين - فى سبيل العمل خارج البيت - أن يحدث لأطفالك ما نطالعه فى وسائل الإعلام يوميًا - من جرائم قتل وخطف واغتصاب لأطفال لم يكن معهم أحد من ذويهم؟!
لا أظن أن جواب أية سيدة عاقلة سيكون شيئًا آخر سوى الرفض المطلق حتى لمجرد الخروج من البيت وترك الأطفال بمفردهم لأى سبب. ونحسب أن غريزتها كأم لن تتغلب عليها أية مزاعم علمانية من قبيل الاستقلال عن الرجال أو تحقيق الذات أو التمتع بالحريات إلى آخر هذه السخافات. وإذا كانت الحكمة هى وضع الشىء المناسب فى موضعه المناسب، فإن عين الحكمة فى مجال العمل أن يتم إسناد رعاية وتربية وتعليم الأطفال إلى الأم، فهي أقدر من الرجل وأكثر براعة - بحسب قدراتها ومؤهلاتها الفطرية - على القيام بهذه المهمة الجليلة، ولا شك أن الرجل يفشل فى هذا المضمار، لأن الله - تعالى - خلقه - بحسب الغالب -خشنًا صلبًا مؤهلاً للقيام بالأعمال الشاقة ذات المجهود البدنى والعقلي، أما هي فخلقها الله حنونًا ناعمة دافئة المشاعر ليؤوى إليها الصغار، وينامون على صدرها فى سكينة وسعادة لا تُقدران بكل ما فى الوجود من أموال وأعمال. ولن تستطيع الخادمة أو دور الحضانة أن تكون بديلاً للأم فى هذا المضمار، فليست النائحة المُستأجرة كالثكلى كما قيل بحق.
ومَن لا يعجبه هذا فليقل لنا: لماذا جعل الله الحمل والولادة ثم الإرضاع من مهام المرأة ولم يجعل للرجل شيئًا من ذلك؟! أليس هذا دليلاً كافيًا على أن الله خلقها لوظائف هامة تختلف عن تلك التى كَلَّف بها الرجل؟!
أرجو ألا يكون الجواب هو المطالبة بتعديلات جسدية وعمليات جراحية لإجبار الرجال على الحمل والولادة والإرضاع لتحقيق المساواة العلمانية الخيالية بين الجنسين!!!
ثم لماذا يُضطر 70% من العاملات فى أمريكا وحدها إلى ترك العمل ومحاولة إيجاد وظائف أخرى؟! تقول الإحصاءات أن السبب الرئيسى فى معظم الحالات هو تعرضهن للاغتصاب أو التحرُّش الجنسي من الزملاء الرجال، ويحدث هذا حتى للشرطيات هناك!!! وهذا كافٍ لإظهار عظمة النظام الإسلامى فى حماية المرأة وصونها داخل البيت فلا تعمل إلا للضرورة القصوى!!
ولا يعلم كثيرون أن عددًا من المفكرين البارزين فى الغرب قد توصلوا إلى أن الأفضل هو تفرغ المرأة لبيتها وأطفالها.
• ومنهم الفيلسوف الفرنسى الكبير "أجوست كومت" مؤسس علم العمران والفلسفة الوضعية الذى قال فى كتابه "النظام السياسي" ما يلي: "ينبغى أن تكون حياة المرأة فى بيتها، وألا تُكلَّف بأعمال الرجال؛ لأن ذلك يحول بينها وبين وظيفتها الطبيعية ويفسد مواهبها الفطرية. ويجب على الرجال أن ينفقوا على النساء دون أن ينتظروا منهن عملاً ماديًّا، كما ينفقون على الكُتَّاب والشعراء والفلاسفة. فإذا كان هؤلاء يحتاجون لساعات كثيرة من الفراغ لإنتاج ثمرات قرائحهم، كذلك تحتاج النساء إلى مثل تلك الأوقات ليتفرغن فيها لأداء وظيفتهن الاجتماعية من حمل ووضع وتربية. ومن جهة أخرى فإنه لو سمحنا للنساء - على ضعفهن - أن يشتغلن خارج بيوتهن، فإنهن سيتعرضن لمنافسة قوية من جانب الرجال، فلن ينلن - فى وجود الرجال - سوى الأعمال الدنيئة التى ينصرفون عنها، وسيحصلن على أجور متواضعة، فيقعن في الفاقة، ولن يجدن إلا الفتات، فضلاً عن الضرر الفادح الذى يلحق بمجتمعاتهن بسبب خروجهن على نظام الطبيعة، وعصيانهن لنواميس الحياة الصحيحة"[6] انتهى.
ونلاحظ أن هذا الفيلسوف الكبير قد توصَّل بعقله وتفكيره المنطقى البحت إلى صحة وعظمة النظام الإلهى للأسرة، وأن أنسب حياة للمرأة هى تلك التى يكفلها لها الإسلام رغم أنه لم يكن مسلمًا. ولعله لم يجد الفرصة أو المعلومات الكافية فى عصره عن ضوابط عمل المرأة فى القرآن والسُنَّة النبوية المُطهرة. وهذا أبلغ فى الحُجَّة على المستشرقين، إذ هو مفكر وفيلسوف كبير من بنى جلدتهم ومن غير المسلمين، وقاده تفكيره - من حيث لا يدرى - إلى تأييد ما جاء به الإسلام من قرار المرأة فى بيتها إلا للضرورات، وتكليف الرجال بالإنفاق عليهن ورعايتهن وأطفالهن، وحمايتهن من الشقاء والعناء والفتن خارج البيوت.. ولو كان هذا المُفَكِّرُ مُسْلمًا لانهالت عليه قذائف العلمانيين والعلمانيات من كل مكان، ولكن لأنه من ذوى الدم الأزرق فلم يتجرَّأ كلب واحد على النباح أو حتى المواء أمامه كقطة مذعورة!!!
• ويعترف الباحث الروسى "أنطون لمالاف" - فى دراسة عن الاختلافات الفطرية بين الرجل والمرأة - باستحالة تحقيق المساواة بين الجنسين. يقول أنطون: "ينبغي ألا نخدع أنفسنا بزعم إقامة المساواة بين الجنسين فى الحياة العملية. فقد بذلنا فى الاتحاد السوفيتى ما لم يفعله أحد فى الدنيا ووضعنا القوانين فى هذا الإطار، ولكن الحق أن أوضاع المرأة فى الأسرة والمجتمع لم تتغير كثيرًا".
• ويقول "إليكسى كرين": "هناك فوارق بين المرأة والرجل من حيث الأفكار والإعداد الذهنى لتلقى المعلومات".
• وتقول "أنا ديما" المفوضة الأوروبية للشؤون الاجتماعية: إن مشاركة المرأة فى الشؤون الاجتماعية تزيد لكن ببطء شديد، ويُظهر عالم التجارة والأعمال التفاوت بين الجنسين بصورة واضحة، فإن عدد الرجال فى الشركات يبلغ أضعاف عدد النساء الموظفات فى كل أنحاء أوروبا!! وتضيف المفوضة الأوروبية بالنص: "التوفيق بين العمل والحياة الأسرية يعتبر عقبة كبيرة للموظفات فى الشركات، وكذلك مشكلة انخفاض أجر المرأة بأكثر من 16% عن أجر الرجل"!!
والطريف أنهم أقاموا احتفالاً كبيرًا فى سويسرا بمناسبة اليوم العالمى للمرأة. وكان من بين اللاتى تم تكريمهن فى هذا الاحتفال السيدة "براندا بارنيس" التى قررت التخلى عن وظيفتها المرموقة فى شركة عالمية للمشروبات، وكانت تتقاضى راتبًا سنويًّا قدره مليونا دولار!! وقالت براندا تفسيرًا لقرارها بالاستقالة رغم الراتب الضخم الذى خسرته: "اكتشفت أن راحة زوجى وأبنائى الثلاثة أهم من المنصب ومن ملايين الدولارات، وأن المنزل هو المكان الوحيد الذى أرتاح فيه وهو أكثر انسجامًا مع فطرتى وتكويني"!!
وذات الموقف تكرر فى انجلترا، فقد استقالت "بن هابى نيس" رئيس فرع شركة عالمية للمياه الغازية؛ لأنها تريد أن تنجب طفلاً وتصبح أمًا وتتفرغ لرعايته!!
والأغرب من هاتين الحالتين، أن رئيس تحرير مجلة (هى) المعروفة بدفاعها المستميت عن ضرورة خروج المرأة للعمل قد قدمت استقالتها لتجلس فى بيتها مع أولادها!!! وقالت رئيس التحرير المستقيل "ليندا كيسلى": "أنا لم أترك عملى بالمجلة بسبب حاجة أولادى إلىَّ، بل بسبب حاجتى أنا إليهم أكثر!! أريد أن أعيش مع أولادى فى بيتنا بهدوء وسكينة"!! وهكذا أنطق الله نساء الغرب بالحق وتحوَّلن إلى مدافعات عن نظام الأسرة كما وضعه الإسلام ولو بدون قصد أو علم منهن بذلك!!!
• وقال "صمويل سميث" المفكر البريطانى المعروف: "إن نظام تشغيل المرأة فى المعامل والمصانع مهما تسبب فى زيادة الإنتاج، فإن أضراره أكثر وأخطر؛ لأنه يهدم أركان المنازل ويُدَمِّر الأسر".
• وقالت جريدة لندن سروث: "البلاء كل البلاء فى خروج المرأة من بيتها لالتماس أعمال الرجال، فتكثر الشاردات عن أهاليهن، وتتضاعف أعداد اللقطاء من الأطفال غير الشرعيين فيصبحون عارًا وعبئًا ثقيلاً على المجتمع، وهكذا فإن مزاحمة الرجال ستلحق بنا الدمار".
• وقالت كاتبة شهيرة هى "مس أنى رود" فى مقال بجريدة ستون ميل: "عمل بناتنا فى البيوت خير وأخف بلاء من اشتغالهن فى المعامل والمصانع. أتمنى أن تكون بلادنا مثل بلاد المسلمين، تنعم المرأة فيها بالطهر والعفاف ورغد العيش ولا تمس فيها الأعراض بسوء" انتهى[7].
وكلام هؤلاء الكتّاب ومشاهير الغرب لا يحتاج إلى أى تعليق.
[1] محمد قطب - شبهات حول الإسلام - من ص 108-111 - طبعة دار الشروق - القاهرة - مصر.
[2] انظر تفسير الآيات المذكورة فى فتح القدير - الشوكانى - الجزء الرابع ص 218 وما بعدها - طبعة دار الوفاء بمصر، وتفسير ابن كثير - الجزء الثالث - ص 363-365 - طبعة المكتبة القيِّمة - مصر، والمنتخب في تفسير القرآن الكريم - ص 685و686 - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر، وتفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبى.
[3] انظر" قصص الأنبياء" لابن كثير وأيضًا " قصص الأنبياء" المعروف بعرائس المجالس للثعلبى.
[4] راجع ترجمتها فى الطبقات الكبرى لابن سعد - الجزء الأخير.
[5] ترجمة السيدة حفصة - الطبقات الكبرى لابن سعد - الجزء الثامن - ص95 - الطبعة المصرية بتحقيق الدكتور حمزة النشرتى والدكتور عبد الحميد مصطفى والشيخ عبد الحفيظ فرغلى.
[6] أجوست كومت - النظام السياسى على مقتضى الفلسفة الوضعية - مشار إليه فى كتاب "من معالم الإسلام" - محمد فريد وجدى - ص134 - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن مشروع مكتبة الأسرة.
[7] محمد صالح المنجد - وليس الذكر كالأنثى - ص49 وما بعدها - طبعة مكتبة سلسبيل - مصر - 2005م.
يتبع إن شاء الله ...
قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)
قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .
قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).
-
الفصل العاشر
ولاية المرأة
( أ ) الرسل من الرجال
هناك سؤال يطرحه بعض العلمانيين والعلمانيات: لماذا كان كل الرسل والأنبياء من الرجال ولم تكن بينهم "نبية" أو رسول من النساء؟ أليس هذا انحيازًا للرجال ضد النساء؟
ونرد على هؤلاء من عِدَّة أوجه:
إن اختصاص الرجال بالرسالات السماوية كان رحمة ولطفًا من الله - تعالى - بالنساء وليس ظلمًا لهن أو انحيازًا ضدهن.. ويتَّضح ذلك بالرجوع إلى سِيَر وتاريخ الرسل والأنبياء[1]. فقد لقوا جميعًا - عليهم السلام - كل أنواع الأذى والاضطهاد والتكذيب والنفى والتشريد والقتل أيضًا، وما كانت المرأة لتحتمل شيئًا من ذلك. وعلى سبيل المثال: قتل اليهود - لعنهم الله - كثيرًا من الأنبياء والأولياء والصالحين.. ألم يقتلوا يحيى وأباه زكريا - على نبينا وعليهما الصلاة والسلام؟ ألم يُلقِ الطاغية النمرود بأبينا إبراهيم - عليه السلام - في النار؟ وبعد أن نجَّاه الله -تعالى - منها نفاه من العراق إلى الشام؟
وكان الأنبياء والرسل هم أشدّ الناس ابتلاء بالمِحَن والمصائب في الدنيا كما هو معلوم لكل من طالع قصصهم - عليهم السلام.. ألم يُبتلَ يوسف - عليه السلام - بأن رماه إخوته صغيرًا فى جُبٍّ بالصحراء ثم بالرق ثم بالسجن بضع سنين؟ ألم يُبتلَ أيوب - عليه السلام - بالمرض وفقد الأولاد والمال سنين؟
ألم يُبْتَلَ يعقوب - عليه السلام - بالعمى وفقد الولد يوسف ثم بنيامين سنين؟ ألم يبتلَ الحبيب محمد بالاضطهاد والتكذيب ومحاولات الاغتيال الواحدة تلو الأخرى ومات كل أولاده وبناته فى حياته - باستثناء فاطمة - ثم اضطر إلى الهجرة من أحب البلاد إليه مكة؟ فهل كانت المرأة ذلك المخلوق الرقيق الضعيف لتطيق شيئًا من تلك الأهوال والابتلاءات؟!
وقد أعفى الله - تعالى - المرأة من المسؤوليات والتَّبِعات الثقيلة للنبوة والرسالة بسبب طبيعة تكوينها التي لا يجادل بشأنها عاقل فضلاً عن عالم أو منصف ولو كان من غير المسلمين.
فالمرأة تحيض وقد تمتدُّ فترة الحيض ونزول الدم وما يصاحبه من توتر نفسى وعصبى وضعف بدنى إلى أسبوعين.. وهناك آلام الحمل تسعة أشهر ثم آلام الولادة وفترة النفاس التى قد تتجاوز شهرًا ثم الإرضاع ورعاية الوليد عامين حتى الفطام.. فهل من الحكمة أن تكون المرأة حاملة لأخطر وأهم المسؤوليات - وهى تبليغ رسالات الله - في ظل تلك العوارض التى تعتريها كل تلك الأوقات؟!!
إن آلام الحيض والحمل والولادة تُذهل كثيرًا من النساء عن أنفسهن، فهل يتصوَّر عاقل أن يعهد إليها بأية مسؤوليات خطيرة وهى على هذا الحال؟!! أليست كل الرحمة وكل العطف وكل الشفقة فى إعفائها من هذه التبعات التى - أشفقت وخافت منها - وهربت من تحمُّلها حتى الجبال فى الأرض والنجوم فى السماء؟!!
وينسى أولئك الذين يتباكون على النساء أو يتناسون أمرًا مهمًّا هو أن المرأة وإن لم تكن رسولاً أو نبيًّا فإنها "أم" أو "زوجة" أو "بنت" أو "أخت" أو "خالة" أو "عمة" أو "جدة" لكل الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
أليست "أم النبي" امرأة؟!!
ألا يكفى المرأة شرفًا أنها حملت الأنبياء والرسل فى بطنها ثم ولدتهم وأرضعتهم ورعتهم حتى شبُّوا عن الطوق وحملوا تلك الرسالات العُظمى؟! أليس أولادها قِطَع منها وبالتالي فإن شرفهم ومنزلتهم الرفيعة هى شرف ومنزلة عليا وتكريم لا مزيد عليه لها بدورها؟!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، ألم تُشرف أُمُنا حواء بكونها زوجًا لنبى رسول هو آدم - عليه السلام - ثم هي أيضًا جدّة لجميع الأنبياء - عليهم السلام؟!
أو لم تُشرف السيدة "سارة" بكونها زوجًا لأبى الأنبياء إبراهيم ثم أمًّا لإسحاق وجدة ليعقوب ويوسف وكل أنبياء بنى إسرائيل عليهم السلام؟!!
أليس شرفًا للسيدة "هاجر" أنها قرينة أبينا إبراهيم، ثم أصبحت أمًّا لإسماعيل، وهى جدة سيد البشر وخاتم الأنبياء والمرسلين حبيبنا محمد عليه وعلى جميع الأنبياء أزكى الصلاة والسلام؟!! أليس شرفًا للسيدة "مريم" أنها صِدِّيقة اصطفاها الله - تعالى - وذكرها في كتبه المقدسة ثم هى أم عيسى وبنت خالة يحيى - عليهم السلام؟
أليس الشرف كل الشرف للسيدة "خديجة بنت خويلد" أنها زوجة الرسول فى الدنيا والآخرة، وأنها كانت أول من أسلم وظلت أيامًا أو أسابيع هي وبناتها "كل الأمة" قبل إسلام الرجال بعدهن؟ ألم تقم - عليها السلام - بدور عظيم هام فى دعم النبى والزوج بنفسها ومالها وقبيلتها على نحو يعجز عن مثله ملايين الرجال؟!
وكذلك تشرَّفت باقى زوجاته - عليه السلام - بالاقتران به ثم نقل علمه وحديثه الشريف إلى الأمة جيلاً بعد جيل، كما شرفهن الله بزواج النبى فى الجنة أيضًا، وجعلهن أمهات للمؤمنين إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.. أليس تشريفًا لعائشة أنها زوج محمد وابنة الصديق وأنها روت عن زوجها العظيم ألفى حديث، وكان أكابر الصحابة والتابعين من الرجال يتعلَّمون منها ما يجهله ملايين الرجال؟!! وكذلك كانت حفصة زوجًا لسيد البشر - عليه السلام - وابنة للفاروق عمر - رضي الله عن الجميع - وكانت صفية بنت حُيى زوجًا للنبى وابنة – حفيدة – لهارون وعمها موسى - عليهم الصلاة والسلام أجمعين[2].
ولو شئنا أن نمضى فى ذكر من شرَّفهن الله - تعالى - بالإسلام لما كفانا هذا الكتاب - بل كتب مُطوَّلة - لكننا نكتفى بتلك الأمثلة فإن فيها كفاية وعبرة لمن أراد الحق والإنصاف.
(ب) إمامة المرأة
لماذا يمنع الإسلام المرأة من الإمامة فى الصلاة؟
نرد أولاً بأن الإسلام العظيم قد أباح للمرأة أن تكون إمامًا للنساء والأطفال الصغار الذين لم يبلغوا الحلم - سن الاحتلام - في المنزل وكل مكان آخر لا يوجد فيه رجال. فيجوز لها أن تكون إمامًا لهن فى الصلاة وأن تعظهن وتعلمهن أمور دينهن، بل يجب عليها ذلك إن كانت من أهل العلم والفقه فى الإسلام، وهذا كله مما لا خلاف عليه.
لكن إمامة المرأة للرجال تحول دونها محاذير لا يُجادل عاقل منصف بشأنها.
منها أن صوت المرأة الناعم الرخيم من شأنه حتمًا أن يثير بعض الرجال، ومعلوم أن الإمام يرفع صوته فى التكبير والتسليم فى كل الصلوات، بالإضافة إلى الجهر بالقراءة فى أوَّل ركعتين من الصلوات الجهرية وهى الفجر والمغرب والعشاء. ومن شأن صوتها أن يفسد حتمًا الجو الروحانى والخشوع اللازم للصلاة بالنسبة لبعض الرجال المأمومين إن لم يكن أكثرهم.
ولمَن يعترض على هذا أو لا يفهمه نذَكِّر الجميع ببعض الحقائق فى الديانات والمذاهب الأخرى غير الإسلامية:
• تقول الموسوعة اليهودية: "صوت المرأة يعتبر إثارة جنسية تمامًا مثل شعرها وقدميها", وتقول ذات الموسوعة أيضًا: "الخوف من المرأة بإعتبارها مصدرًا للغواية والإغراء.. ربما بسبب الانفلات الكبير في الأمور الجنسية بين عامة الشعب". ولهذا نجد كل حاخامات اليهود من الرجال، ولم يحدث مطلقًا أن إمرأة قادت صلاة فى معبد يهودى على مدار التاريخ.
• وليس الحال بأفضل من هذا فى كنائس النصارى على الإطلاق.. يقول بولس: "ليصمت نساؤكم فى الكنائس؛ لأنه ليس مسموحًا أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس" [كورنثوس11:11].ويقول بولس أيضًا بكل وضوح: "ولكن إذا رغبن فى تعلم شيئ فليسألن أزواجهن فى البيت، لأنه عار على المرأة أن تتكلم فى الجماعة". [كونثوس 25:24]. ولم يحدث أبدًا أن امرأة قادت الصلوات فى الفاتيكان، ومنصب البابا هناك يتولاَّه رجل على مدار تاريخه، وذات الأمر بالنسبة للمذاهب والطوائف النصرانية كلها.
• وحتى في العقائد والمذاهب غير السماوية، نجد أن منصب "الدلاى لاما" مثلاً لم تتولاَّه امرأة أبدًا، وذات الأمر فى البوذية والهندوكية والزرادشتية، وكل طقوس هؤلاء وغيرهم يترأَّسها دائمًا رجل.. فلماذا يتجاهل الحاقدون كل هذه الحقائق فى كل الديانات والمذاهب الأخرى، ويحاولون رشق الإسلام وحده بسهامهم الطائشة الخبيثة؟!!
وهناك أسباب أخرى غاية فى الحكمة والوجاهة لمنع إمامة المرأة للرجال:
فكل مَن يعرف مبادئ الصلاة فى الإسلام وكيفية أدائها، يعلم أن الإمام ينحنى للركوع قبل المأمومين كما أن الرجال يقفون فى الصفوف الأمامية خلف الإمام مباشرة.. فإذا كان الإمام امرأة فإنها سوف تنحنى للركوع أولاً حتمًا قبل المأمومين الرجال خلفها.. وإذا استطاع بعض الرجال غض بصره، فإن آخرين سوف يرون تفاصيل أرداف المرأة - الإمام - وهى تنحنى للركوع، فهل هذه الإثارة برؤية تفاصيل أردافها - تتناسب مع جو الخشوع والروحانية اللازمة والمفترضة فى الصلاة التى هى مناجاة وصلة بين العبد وربه؟!! إن أى منصف ولو كان من غير المسلمين سوف يدرك حتمًا أن الإسلام العظيم كان حكيمًا وأصاب كل الحق بمنع مثل هذه الفتنة فى المساجد.
ثم إن الإمام والمأمومين جميعًا يحصلون على ذات الثواب من أداء الصلاة فى جماعة،لكن الإمام هو أثقلهم مسؤولية، لأنه يتحمل تبعات أى خطأ أو سهو يقع فى الصلاة. فإذا كان الإسلام قد أعفى المرأة من هذه التبعات الثقيلة فإنه يكون قد رحمها وترفق بها، وحرص على أن تنال أجرها كاملاً بالصلاة مع المأمومين، وتنجو بذلك من إثم الخطأ الذى تحمله الرجل الإمام وحده.
ثم ماذا يحدث لو سمحنا للمرأة بأن تكون إمامًا للرجال فى الصلاة وخطبة الجمعة فى المسجد ثم فاجأها دم الحيض أوالولادة وهى على المنبر أو فى المحراب تصلى بالناس؟!
ألن تفسد صلاة الجميع فى هذه الحالة؟!
ولنا أن نتخيَّل مدى الفوضى والاضطراب واللغو والضوضاء الناتجة عن بدء صراخ الإمام - المرأة - حين تدهمها آلام بدء الولادة - الطلق - أو سيل من دماء الحيض الذى لا يمكن لها أن تسيطر عليه أو أن تمنعه أو أن تتوقَّع وقتًا محددًا لمجيئه!! وهذا وحده سبب كاف لإعفائها من الإمامة لو كانوا يعقلون.
(ج) حدود الولاية
أثار الخصوم شبهة خبيثة حول حديث شريف صحيح قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لن يفلح قوم وَلَّوا أمرهم امرأة", وقد رواه جماهير أهل السنن ومنهم البخارى والترمذى والنسائى وأحمد بن حنبل - رضي الله عنهم أجمعين - وبالإضافة إلى الرواية التى ذكرناها هناك روايات أخرى لذات الحديث منها: "لن يُفلح قوم تملكهم امرأة" وأيضًا: "لن يُفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة"، ولا سبيل إذًا إلى التشكيك فى صحة الحديث من حيث الإسناد.
لكن البعض يحاول أن يقصر معناه على المناسبة التى قاله فيها النبى - عليه الصلاة والسلام - وهى أنه أخبر بذلك عن مملكة فارس عندما بلغه أنهم وَلَّوا عليهم "بوران" بنت كسرى بعد هلاك أبيها. وبالفعل يُعتبر هذا الحديث من الأدلة على نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ لم تمضِ سنوات على قوله هذا حتى انهارت مملكة الفرس، وذهب مُلكهم إلى غير رجعة. ومن هنا يحاول البعض أن يقصر مدلول الحديث ويحصره فقط فى إطار كونه مجرد نبوءة سياسية تحققت بالفعل، لكنه - كما يقولون - ليس حكمًا تشريعيًا عامًّا يحول دون تولى المرأة المناصب العامة[3]. والولاية لغة هى النُصرة والسلطان كما يقول الأصفهانى[4] وهى فى هذا الحديث تعنى تولي امرأة للسلطة في الدولة.
ونحن لا نتفق مع أصحاب هذا الرأى فى تضييق معنى الحديث وقصره على نبوءة بزوال مُلَّك الفرس. فألفاظ الحديث الشريف عامة وواضحة وقاطعة الدلالة. والقاعدة الأصولية المتفق عليها هى أن العبرة بعموم اللفظ وليست بخصوص السبب. وكل من يعرف لغة العرب يدرك على الفور أن معنى "لن يفلح قوم تملكهم امرأة", أو "لن يفلح قوم وَلَّوا أمرهم امرأة" هو نفى للفلاح والنجاح عن أية جماعة من الناس ترأسها امرأة سواء كانوا الفرس أم غيرهم، كقولك: "لن يدخل الجنَّة مَن لا يؤمن بالله" إذا أخبرك شخص عن مستشرق أجنبي أنه ملحد مثلاً، فهذا القول يشمل هذا الشخص وغيره من الكافرين. ثم إن التخصيص أو تقييد الحكم يحتاج إلى دليل يصرف النص عن العموم. ولا دليل هنا على قصر الحكم على الفرس سوى اجتهاد أصحاب هذا القول برأيهم، ولا رأى ولا قول لأحد - كائنًا مَن كان - إذا صح الحديث ووضح معناه كهذا الحديث الذى يحظر صراحة تولى المرأة رئاسة الدولة. ونُذكِّر هؤلاء – وأنفسنا - بأن الله ورسوله أعلم، وأنه لا ينبغى أن نُهدر نصًّا أو نحاول صرفه عَن معناه العام والقاطع والصريح لمجرد الرد على الخصوم بما لا يصادم عقولهم.
وجماهير فقهاء السلف تأخذ بمنطوق ومفهوم هذا الحديث الشريف، فيذهبون إلى اشتراط الذكورة فيمَن يتولى الخلافة أو الإمامة العظمى لدار الإسلام، لكنهم اختلفوا فيما عداها من الولايات الفرعية والجزئية ومنها تولى القضاء.
• يقول ابن رشد - الحفيد - أن العلماء: "اختلفوا في اشتراط الذكورة بالنسبة للقاضى أيضًا..وقال الجمهور: هى - أي الذكورة - شرط فى صحة الحكم. وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضيًا فى الأموال، أي: القضايا المالية والتجارية.
• وقال الطبري: يجوز أن تكون المرأة حاكمًا على الإطلاق فى كل شيء!! فمَن رد قضاء المرأة - أي: رفض توليها القضاء - شَبَّهه بالإمامة الكبرى - التى لا يجوز للمرأة توليها - ومَن أجاز حكمها فى الأموال فتشبيهًا - قياسًا - على جواز شهادتها فى الأموال، ومَن رأى حكمها نافذًا فى كل شىء - الطبرى - قال أن الأصل هو أن كل مَن يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز إلا ماخصَّصه الإجماع من عدم جواز توليها الإمامة الكبرى" انتهى[5].
وهكذا يلمس الباحث المنصف ثراء وتنوع آراء كبار علماء السلف - رضوان الله عليهم - ومنهم مَن جاء بآراء لصالح المرأة لعلها أفضل وأكثر إنصافًا لها من آراء مفكرى الغرب وفلاسفته الذين احتقروا المرأة وكانوا يتنازعون الرأى حول ما إذا كان لها روح أم لا إلى عهد قريب!!
ألم يكن العظماء من علمائنا أكثر تحضُّرًا وتحرُّرًا من أولئك الذين كانوا يرون المرأة شرًّا خلقه الله في العالم وأفضل وأسلم ما يكون الرجل أبعد ما يكون عنها؟!!
أليس أبو حنيفة - رضي الله عنه - أكثر احترامًا لها من فلاسفة اليونان؛ حيث أجازلها تولى القضاء فى الشؤون المالية والتجارية، بينما رأها اليونان مجرد آلة للشهوات والإنجاب ولا تصلح لشىء سوى ذاك؟!!
ألم يكن الإمام الطبرى رضي الله عنه - وإن كان رأيه مرجوحًا- أعظم تقديرًا للمرأة حين أفتى بجواز أن تكون "حاكمًا على الإطلاق فى كل شيء"؟!
أيهما أنصف المرأة: الطبري الذي أجاز لها الحكم بإطلاق، أم فلاسفة الرومان الذين قالوا: "قيد المرأة لا يُنزع ونيرها لا يُرفع"؟!!
ولا ينفى ما سبق تمتع المرأة بالولاية على بيتها وأولادها بنص الحديث الصحيح: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" والذى جاء فيه: "والمرأة راعية على بيت بعلها - زوجها - وولده وهى مسئولة عنهم" رواه البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل.
ولو كان الخصوم يعقلون لأدركوا فورًا أن الإسلام قد عهد إلى المرأة بأعظم الولايات وأهم وأخطر المسؤوليات، وهى تنشئة وتربية ورعاية الأطفال الذين هم المستقبل وهم أمل الأمة. فهل يظن عاقل أن اليوم أهم من الغد؟!!
(هـ) أمان النساء
وهناك مكرُمة أخرى للنساء فى الإسلام يتجاهلها الخصوم، وهى أن الله ورسوله - عليه السلام - أجازا أمان المرأة وجوارها، وهو تصرفها في تأمين وضمان سلامة أحد الأعداء المحاربين لنا إن كان أمانها له سبب وجيه. فإذا أعطت المسلمة أمانًا لشخص من الأعداء فإنه يجب على جميع المسلمين فى كل مكان احترام أمانها وعدم المساس بالمستأمن المستجير، وعدم إيذائه بقول أو فعل. والأمان أو الجوار من مكارم الأخلاق التى سبق بها الإسلام كل الشرائع والقوانين فى العالم، وأساسه الشرعي قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾ [التوبة: 6]. ومعناها - كما ذكر المفسرون - أنه إذا طلب منك أحد الكفار أن تحميه وتُؤَمِّنه من اعتداء أحد عليه-تُجيره- فيجب عليك أن تُجيره وتحميه من أي تعرض أو إيذاء إلى أن يخرج من بلادنا ويصل إلى مكان يأمن فيه على نفسه وماله. ومن الواضح أن حق الجوار أو إعطاء الأمان هو تصرف سياسى أيضًا، وقد أجازهالنبي - عليه السلام - للمرأة، وبذلك يلتزم كل المسلمين رجالاً ونساءً باحترام جوارها وحماية المستجير بها.
وقد وضع البخارى بابًا عنوانه (أمان النساء وجوارهن) روى فيه قصة أم هانئ بنت أبى طالب التى أجارت أحد المشركين من بنى هبيرة عام الفتح، وحاول أخوها على بن أبى طالب - رضي الله عنه - قتله فدافعت عنه، وأسرعت تستنجد بالنبى - عليه السلام - ليكف عنهما عليًّا.
وبالفعل أيَّد الرسول - صلى الله عليه وسلم - موقفها ونصرها على أخيها، وقال صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ". وثبت من السيرة العطرة كذلك أن السيدة زينب بنت النبى - صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها - أجارت زوجها العاص بن الربيع - وكان لم يسلم بعد - عندما هرب من مطاردة بعض المسلمين له واستجار بزوجته التى كانت قد انتقلت للعيش مع أبيها فى المدينة.
وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - جوار ابنته لزوجها المشرك واحترم المسلمون جميعًا هذا الجوار حتى انصرف أبو العاص إلى مكة، فَرَدَّ إلى الكُفَّارِ أموالهم ثم أعلن دخوله فى الإسلام[9].
ورغم كل هذا نقول بملء الفم أن بيوتهن خير لهن، وأولادهن أولى بجهودهن لو كن يعلمن. ويا لضيعة وبؤس مَن تكسب منصبًا مهما بلغ شأنه على حساب مستقبل أطفالها وصحتهم البدنية والنفسية التى يلحقها الدمار بسبب غياب الأم.
ويا لخيبة وخسارة مَن تكسب عرش ممالك الأرض كلها، ولكنها تخسر مملكتها الأصلية بيتها ودفء أحضان أطفالها وزوجها!!
وقد أثنى القرآن الكريم على "بلقيس" ملكة سبأ - وهى امرأة - لأنها كانت تُطَبِّق الشورى، فلا تتخذ قرارًا إلا بعد الرجوع إلى أهل الحِل والعقد - الخبراء والعلماء وأهل الفضل - ولم تنفرد بالحكم دون إرادة شعبها: ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل: 32]. بينما ذمَّ القرآن الكريم فرعون - وهو رجل - لأنه كان طاغية مستبدًّا جبَّارًا في الأرض يحكم البلاد بالحديد والنار: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29].
وقد تقدم أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أسند الولاية على السوق للشفَّاء بنت عبد الله،وهى ليست ولاية عظمى، بل هي ولاية فرعية صغيرة تتناسب مع إمكانيات المرأة وتكوينها وظروفها.
ولا يخفى أنه من العسير قبول ولاية المرأة على الجيش أو المخابرات مثلاً. فحتى في أكبر الدول الغربية لا يُسنِدون وزارة الدفاع إلى النساء لخطورة ذلك على الأمن القومى للبلاد.
إذ ماذا يكون الحل لو أن هجومًا نوويًّا مفاجئًا وقع من دولة معادية، وكانت السيدة "وزير الدفاع" أو السيدة رئيس البلاد فى غرفة العمليات بالمستشفى، لأن آلام الوضع قد داهمتها أثناء وقوع الهجوم المُعادى؟!!
لماذا المكابرة والجدال بالباطل، والكل يعلم تمامًا أن الولايات الكبرى لا تتناسب مع مَن تعانى آلام الحيض والولادة والنفاس ثم الإرضاع سنوات طوال تكون خلالها فى حالة نفسية وعصبية بل فى حالة ضعف عامٍّ لا يمكن إنكارها؟!!
وإذا كان هذا يُمثِّل خطرًا أكيدًا على أمن ومصالح البلاد، فإنه يُمثِّل أيضًا جهدًا مضنيًا، وأعباء لا طاقة للمرأة بها، خاصة إذا علمنا أن أى رئيس دولة أو مسئول عسكري أو أمنى يعمل عادة ما لا يقل عن 15 أو 16 ساعة يوميًا!!
أليست رحمة من الإسلام أن يعفيها من كل هذا العناء والبلاء؟!!
[1] انظر قصص الأنبياء لابن كثير، وقصص الأنبياء للثعلبي.
[2] راجع تراجم أمهات المؤمنين فى الطبقات الكبرى لابن سعد - الجزء الثامن - طبعة القاهرة.
[3] حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين - المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر - ص 590 وما بعدها.
[4] الراغب الأصفهانى - المفردات فى غريب القرآن – طبعة دار التحرير - القاهرة 1991م.
[5] بداية المجتهد ونهاية المقتصد - القاضى محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد - ص 747 - طبعة مكتبة الشروق الدولية - القاهرة - مصر.
[6] سيرة ابن هشام، والبداية والنهاية لابن كثير، وحياة الصحابة للكاندهلوى، وسير أعلام النبلاء للذهبي، وانظر: سيرة الرسول - للدكتور مصطفى مراد – ص 201 طبعة دار الفجر للتراث - مصر، وتراجم أصحاب بيعة العقبة فى كتاب: الاستيعاب لابن عبد البر.
[7] انظر ما جاء عن صلح الحديبية فى كتب السيرة المشار إليها سابقًا، والرحيق المختوم للمباركفورى.
[8] تفسير المنتخب - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر - ص 862. وانظر تفسير الآيتين الكريمتين عند ابن كثير والقرطبى والشوكانى والنسفى والطبرى والسعديوالرازي والبغوى وغيرهم.
[9] سيرة ابن هشام وغيرها من كتب السيرة المشار إليها من قبل.
يتبع إن شاء الله ...
التعديل الأخير تم بواسطة فداء الرسول ; 30-09-2012 الساعة 10:57 AM
قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)
قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .
قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).
-
الفصل الحادي عشر
الشهادة
من المقولات الشائعةفي الغرب أن المرأة تساوى نصف رجل في الإسلام، لأن شهادة امرأتين تعادلان شهادة رجل واحد!!
وللرد على هذه المقولة الخاطئة نقول أيضًا أنهم يقتطعون هنا آية واحدة أو حديثًا واحدًا بمعزل عن باقي النصوص والأدلة الشرعية، وهذا ما يؤدى بهم إلى هذا الفهم الخاطئ إما جهلاً وإما بقصد الكيد والتشهير بالإسلام والله يرد كيدهم إلى نحورهم.
ونقول إجمالاً أن الشهادة لها أحوال كثيرة ومتعددة.
• وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة النساء، بل شهادة امرأة واحدة ورفض الأخذ بقول الرجل المخالف لها. وذلك في حالة الرضاعة.
• وتُقبل شهادة النساء ولا اعتبار لشهادة الرجال في مسائل الولادة والحيض وغيرها من الشئون النسائية التي لا يطلع عليها الرجال.
• وتساوى شهادة المرأة شهادة الرجل تمامًا في مسألة اللعان كما سيأتي بالتفصيل. فقد روى الإمام البخاري وأبو داود رضي الله عنهما أن صحابيًا اسمه عقبة بن الحارث تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب، وقال عقبة: فدخلت علينا امرأة سوداء فزعمت أنها أرضعتنا جميعًا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض عنى، فقلت: يا رسول الله إنها لكاذبة، قال: "وما يدريك وقد قالت ما قالت؟ دعها عنك". وهذا اللفظ لأبى داود نص على أن العبرة في الشاهد هي بالدراية والخبرة والعلم والإطلاع وليست الذكورة أو الأنوثة.
كما نلاحظ أن النبي عليه السلام أهدر قول الرجل وأخذ بقول المرأة الشاهدة، وقضى عليه بأن يفارق زوجته التي رضعت معه.
وللقاضى أن يحكم بما اطمأن إليه ضميره سواء بشهادة رجل أو امرأة أو رجلين أو امرأتين أو بيمين من أحد طرفي الدعوى أو الاعتراف وغير ذلك من الأدلة بغير نظر إلى ذكورة أو أنوثة.
ثم إن الإسلام يقبل قول المرأة الواحدة فيما هو أهم وأخطر من الدراهم والدنانير وهو أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.. ألم ترو السيدة عائشة رضي الله عنها وحدها أكثر من ألفي حديث عن زوجها عليه السلام، وقبلت الأمة سلفًا وخلفًا روايتها وحدها؟
أنقبل شهادتها وروايتها لأحاديث العقيدة والشريعة والسيرة ولا نقبل شهادتها في دراهم معدودة؟!! وقد أثنى العلماء على الصحابيات والتابعيات الجليلات ومن بعدهن من النساء الراويات لحديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف من أية شهادة تتعلق بحطام الدنيا الفاني.
قال الإمام الذهبي رضي الله عنه: "لم يؤثر عن امرأة أنها كذبت في حديث"[1]. وقال الإمام الشوكانى: "لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سُنَّة قد تلقتها الأمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السُنَّة"[2]. ويؤكد ابن رشد أن جمهور العلماء يقبل شهادة النساء منفردات: "وأما شهادة النساء منفردات - أعنى النساء دون الرجال - فهي مقبولة عند الجمهور في حقوق الأبدان التي لا يطلع عليها الرجال غالبًا مثل الولادة واستهلال المولود - صراخه لإثبات أنه وُلد حيًا - وعيوب النساء"[3].
قال تعالى في أية الدَّين من سورة البقرة ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282].
يقول الشيخ محمد محمد المدني من كبار علماء الأزهر تعليقًا على الآية: "ينبغي أن نفهم أن هذه الآية واردة في تنظيم شأن الاستيثاق عند التعامل بالدين، وأن الله تعالى يرشدنا فيها إلى الطريق التي يحسن أن نتبعها عندما يريد شخص أن يستدين من غيره، فمن هذا الإرشاد الإلهي أن نستشهد شهيدين من الرجال، فإن لم يكونا رجلين، استشهدنا رجلاً وامرأتين.
ونحن نسلم أن الآية جعلت المرأة في هذا الموقف على النصف من الرجل ولكن هذا في موقف التحمل للشهادة، لا في موقف الأداء. وتوضيح هذا أن الشاهد له موقفان:
أحدهما: موقفه حين يحضر الواقعة ويشهدها، أي يراها ويعلم كيف وقعت، ويقف على التصرف الذي حصل عند حصوله، وهذا هو موقف التحمل.
والموقف الثاني: هو موقفه وهو يدلى بهذه الشهادة أمام المحاكم أو القاضي وهذا هو موقف الأداء.
والآية واردة في الموقف الأول، وهو موقف التحمل. و ليس هناك ما يمنع القاضي أو الحاكم من قبول شهادة رجل وامرأة في موقف الأداء إذا رأي هذه الشهادة جديرة بالاعتبار، وبذلك تكون المرأة في موقف الأداء مساوية للرجل، وليست ناقصة عنه.
وقد يؤخذ الدليل على هذا التساوي من الآية نفسها، إذ هي تفرض أن إحدى المرأتين قد تضل، أي تنسى فتذكرها الأخرى، وإذن فالاعتماد عند الحكم هو على شهادة الأخرى التي ذَكَّرَت صاحبتها، أي أن الأمر قد آل إلى الحكم بشهادة رجل وإحدى المرأتين في الواقع. وبذلك يتبين أن القرآن يُسَوِّى في موقف الأداء بين الرجل والمرأة.
ثم نعود إلى موقف التحمل الذي يُفَرِّق فيه القرآن بين المرأة والرجل ويتطلب إشهاد امرأتين في مقابل رجل واحد، فنقول وبالله التوفيق: "إن موقف التحمل هو موقف استيثاق واحتياط من صاحب الحق لحقه، والدائن والمدين حين التصرف يكونان في سعة من أمرهما، ويمكنهما أن يتطلبا من الشهود ما تتحقق به الصورة المثلى والضمان الأكمل.
فالموقف هنا موقف احتياط ومبالغة في الضمان، بدليل أن الآية تطلب الكتابة، ثم تطلب الشهادة زيادة في اتخاذ وسائل الحيطة وفي درء ما عسى أن يكون في المستقبل من مشكلات.
ولما كان شأن المرأة في المجتمع الإسلامي المُقِّر لتقاليد العروبة السليمة في نظره يختلف عن شأن الرجل، إذ الرجل هو الذي يغلب أن يكون هو المتعامل، الذي يأخذ ويعطى، ويبيع ويشترى، ويدين ويستدين، ويضرب في الأسواق بالتجارة ونحوها. أما المرأة فالشأن الغالب عليها أنها مُتَصَوِّنة مُتَرَفِّعة عن أن تلي بنفسها ما يكون فيه امتهان لها أوتبذل. وقد جرت العادة بأن تكل إلى الرجال القيام عنها بمصالحها عن طريق التوكيل، لا لنقص فيها، ولا لضعف يظن بها، ولكن تمكينًا لها من التصون والتحفظ، وابتعادًا عما لا يتناسب مع مركزها.
لما كان الأمر كذلك، كانت المرأة في شئون التعامل ليست بذات سليقة وملكة مساوية للرجل، قادرة على أن تتحمل الشهادات بالدقة التي لا تكون إلا حيث تكون التجربة ومداخلة الأمور، ففرض فيها - دون أن يعيبها ذلك أو يغض من شأنها - أنها أقل ضبطًا، وأن ذهنها لا يتحفظ كثيرًا على صور المعاملات وملابساتها، فمن شأنها وهي غير مشغولة بها، أن تنساها وتضل عنها. لذلك أرشدنا الله تعالى إلى تطلب أخرى تنضم إليها عند الاستيثاق وتحمل الشهادة لتؤازرها، ولتقل فرصة النسيان، فإن ما يحتمل أن ينسى من واحدة بنسبة النصف مثلاً، يقل احتمال نسيانه، وتنزل نسبة هذا الاحتمال أو تزول إذا انضمت إلى الواحدة ثانية.
وإذن فليس على المرأة من بأس في هذا ولا ينبغى أن يعد هذا انتقاصًا للمرأة، أو تمييزًا للرجل، وإنما هو وضع للأمور في نصابها، وحكم عادل صادر عن درس لنفسية المرأة بحسب ما تزاوله من الأعمال، وطبيعة مركزها في المجتمع، ذلك المركز القائم على الضن بها أن تُمتهن وتُبتذل. انتهي[4]. ومن الناحية العلمية ينقل الدكتور سمير بو راس الأستاذ بطب الجزائر حقائق علمية مذهلة أثبتها باحثون غربيون من غير المسلمين. يقول بوراس:" الشهادة أمر متعلق بالذاكرة التي هي جزء من العقل وقد يعبر عن الجزء بالكل في لغة العرب , فنقص العقل هنا ليس نقصا شاملا وإنما مقيد بالذاكرة, بل بنوع معين من الذاكرة. ومن الأسباب التي تجعل ذاكرة الرجل أفضل في شهادة الدين وتبين الفروق في الذاكرة بين المرأة والرجل ما يلى:
1- نقص الاهتمام بأمر ما سبب مهم لنسيانه ولاشك أن هذا الأمر(التداين) له علاقة بالتنافس ولا يدخل في اهتمامات المرأة عادة, لهذا حتى لو شهدت فعدم تذكر الأمر كثيرا وتثبيته بصورة جيدة في الذاكرة قد يؤدي إلى نسيانه "الاهتمام بأمر ما وتذكره كثيرا يثبته في الذاكرة(الاستدعاء المتكرر لعصبون neurone يدعو إلى تكون بروتينات عديدة في المخ تؤدي إلى وصلات عصبية جديدة مع عصبونات أخرى والتي هي مصدر الذاكرة البعيدة الأمد) ". وهناك تجربة سويدية عن الذاكرة البعيدة الأمد للمرأة وهي ذاكرة أقوى فيما يخص الكلام و الصور والأحداث اليومية ذات الشق العاطفي، و للرجل ذاكرة أقوى فيما يخص التجارب المهنية والتي لها علاقة بالمنافسة والنشاطات الجسمية,أشياء رمزية ومعطيات غير لغوية visuo-spatial memory.
2 - الذاكرة العاطفية قوية عند المراة التي قد تفسر الانهيارات العصبية وذلك باسترجاع الاحداث السيئة (وانبه الى أن تذكرشيء مع الاهتمام بنقله والتعبير عنه غيرالعاطفة) و يعطي العلماء لتفسير هذا الأمر وتبسيطه مثال الانتحار: “ لأن محاولات الانتحار عند المرأة عشرة أمثالها عند الرجل، فهذا تعبير عن الشعور, بينما نسبة الانتحار ونجاحها عند الرجل أكبر بكثير وهذا هو الشعور نفسه". أما تجربة الصور التي لها تأثير عاطفي تتذكرها النساء بنسبة 75% ويتذكرها الرجال بنسبة % 60 فقط Canli 2002 psychologiemagazine. وقد أجرى فريق من الاطباء النفسانيين الأمريكان تجربة على رجال ونساء بإعطائهم صورا ذات مواضيع متعددة، و بعد مدة أجروا اختبارات لهم مع عمل تصوير رنين مغناطيسي ورؤية تأثير الصور واسترجاعها على نشاط المخ فوجدوا أن استجابة المرأة للصور ذات الطابع العاطفي أكثر من الرجل.
وهناك دراسة أخرى أثبتت أن:مخ المراة أكثر تنظيما لتذكر واستقبال العواطف، ويكون تذكر المراة للمؤثرات العاطفية بنسبة أكبر من الرجل في تخزين التجارب العاطفية وتشفيرها في الذاكرة ومن الواضح أن ذاكرة المرأة أقوى من الرجل في هذا الأمر.
3- تأثر وظائف المخ الايسر بسبب الهرمونات الانثوية:hippocampe تحت تأثير الهرمونات الجنسية- التستسترون عند الرجل- و الاستروجين والبروجسترون عند المرأة أي حسب الدورة الشهرية. ولوحظ أن المخ الأيمن أكثر تطورا عند الرجل تحت تأثير الهرمونات الجنسية وتركيزه الأكبر على كل ما له علاقة بالتنافس (التستسترون ينمي هذا) وأن المخ الأيسر أكثر تطورا عند المرأة ولكنها تستعمل الاثنين، وتميل أكثر إلى كل ما يتعلق بالكلام والاتصال(بفعل الاستروجين) [8].
4- تأثر الذاكرة بمستوى الهرمونات الجنسية حسب الدورة الشهرية في المرحلة الجيبية (follicular stape) يرتفع الاستروجين ((œstradiol الذي له تأثير سلبي على الذاكرة. و حسب مجموعات من الباحثين الايطاليين و البرازيليين يؤثر الحيض على الحالة النفسية ومزاج المرأة، و يعتبر تقلب المزاج من أهم أسباب النسيان في مرحلة الاسترجاع، وهذا يوضح لماذا أرشدت الاية الكريمة الى الاستعانة بشاهدتين معا لتذكر احداهما الأخرى.
5- تاثير الحمل والولادة: طبقا لدراسة استرالية paththrouh life project تمت بعد فحص 2500 امراة في سن مابين 20 و 24 سنة من سنة 1999 الى سنة 2007.منهن 223 أصبحن أمهات و 72 حملن، أكدت البروفسورpr hellen christensen " أن ولادة المولود في حد ذاته تؤذي الذاكرة عند بعض النساء نتيجة تغيرات بيئية وليس نفسية"؟؟ و أثبتت أن الولادة تؤثر بغض النظر عن السبب. وهناك دراسة استرالية أخرى قام بها فريق من العلماء في سيدني نشرت نتائجها في شبكتي BBc وCNNوكان عنوانها: "هل الحمل يؤدي إلى فقدان الذاكرة"؟؟ وأثبتت الخبيرة جوليا هنري Psychologist في هذه الدراسة أن:" الحمل يحدث اضطرابا في الذاكرة وقد يستمر لمدة عام وربما أكثر، وهذا لتناقص عدد خلايا الذاكرة" بينما تبقى الأسباب مجهولة كما يقول الدكتور هنري و د.راندل (تغير هرمونات الجسم والتغير السريع في نمط الحياة؟؟) وهذه الدراسة نشرت أيضا في Journal ofClinical and .Experimental Neuropsychology
6- تأثير الهرمونات بعد سن اليأس على عمل الذاكرة Hormonothérapie de substitution ثبت أن النساء التي تتعاطى هرمونات بعد سن اليأس تحدث لهن أعراض جانبية كثيرة ومنها التاثير السلبي على الذاكرة. وهذه الدراسة نشرت في the medical journal of the American Academy of Neurology..
7 - نقص أيون الحديد في الدم يؤذي ذاكرة المرأة: وهذا ما أثبتته تجارب أمريكية جرت بجامعة Pennsylvanie usa على 149 امرأة في سن مابين 18 و35 سنة وكانت نتيجتها:أن نقصان الحديد يبطئ من تفكير المرأة وذاكرتها. تجدر الإشارة إلى أن هناك حوالي %20 من نساء العالم المتقدم و%40 من نساء العالم الثالث مصابات بنقص حاد في الحديد، فكم عدد اللاتي يعانين من نقص معتدل؟!!و للعلم فان من أهم أسباب النقص عوامل شبه ملازمة للمرأة في سن الخصوبة كالحمل والعادة الشهرية (خاصة إذا كانت مدتها طويلة مع نزيف حاد).
8 - نقص النوم وأثره في عدم تثبيت المعلومات: النوم عامل مهم جدا في آلية الذاكرة ويتم في بعض مراحله تثبيت وتنظيم المعلومات consolidation)),والتخلص من المعلومات غير مهمة في الذاكرة.ولاشك أن المرأة معرضة لهذا النقص أكثر من الرجل بسبب الحمل و الرضاع والسهر على الأولاد ونحو ذلك.
9 - نقص الحركة و التمارين الجسمانية والمشي تضعف الذاكرة. فهذه الرياضة هي التي تقوي وتنمي الوصلات العصبية المسؤولة عن الذاكرة.
10- تأثير القلق: القلق من العوامل التي لها تأثير سلبي على الذاكرة خاصة في مرحلة التسفير والتمتين (consolidation)ق تقول الدكتورة francoise Dorn والدكتورة Elisabeth Couzon وهما مختصتان في علم النفس: " مع كل التقدم الذي عرفته المرآة ومسيرتها إلا أنها تبقى معرضة للقلق ثلاث أضعاف تعرض الرجل "، كما نعرف أنه عند القلق يتم إفراز هرمون الكورتيزون cortisol أو هرمون القلق كما يسمى وأثبتت الدراسات أنه يؤذي الذاكرة في حالة القلق والاضطراب.
وأثبت Robert M. Sapolsky Pr أن القلق يؤذي الحصين مركز الذاكرة بفعل هرمون الكورتزون. و يقول الكاتب الفرنسي Paul Dewandre وهو من المنظرين في العلاقات الإنسانية "أن المرأة تقوم بعدة مهام في نفس الوقت ولا تنتظر الانتهاء من واحدة حتى تبدأ الأخرى وهذا بفعل استعمالها للمخين" ويشاطره في هذا بعض الأطباء النفسانيين ومنهم Elisabeth Couzo.
وأظهرت الدراسة التي قامت بها Gloria Mark بجامعة كاليفورنيا أن القيام بأعمال متعددة في نفس الوقت يجعل الإنسان يعمل أكثر وينتج أقل, وفي النهاية نحصل على مستوى عال من القلق و الجهد و الضغط. وتظهر دراسة أخرى أن تفوق ملكة تعدد المهام بالنسبة للمرأة له "علاقة بحبها لفعل أشياء متعددة في نفس الوقت". وحسب قول باحث آخر فان ظروف الحياة هي التي تجعل القلق يسيطر على كل كيان المرأة فهي:" فريسة لأنواع متعددة من القلق (Stress de multi-taches ) كما تقول Elisabeth Couzon.
ولا يمكن تفسير قيامها بأشياء كثيرة في نفس الوقت بحبها لفعل هذا مع كل العواقب المعروفة.
11- الأمراض النفسية والعصبية: ثبت أن 4/5 الانهيارات تصيب النساء، وغنى عن البيان ما لهذه الانهيارات العصبية من تأثير سلبي على الذاكرة.كما أن بعض الأدوية, كمضادات الاكتئاب تؤدي إلى نقص في الوسائط العصبية(acétylcholine) التي لها دور كبير في التذكر".انتهي[5].
أقوال علماء السلف:
وممن فهموا الإرشاد الوارد في آية الدين لتوثيق وحفظ الحقوق المالية والتجارية في حالة خاصة وليس في مجال الشهادة أمام القضاء الإمامان العظيمان ابن تيمية وتلميذه النجيب ابن القيم رضي الله عنهما.فقد ذكرا كلاما نفيسا عن "البينة" التي يحكم القاضي بناء عليها والتي وضع قاعدتها الشرعية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "البَيِّنَة على المُدِّعى، واليمين على من أنكر" رواه البخاري والترمذي وابن ماجه. قال ابن تيمية - فيما يرويه عنه ابن القيم: "إن البَيِّنَة، في الشرع، اسم لما يُبيّن الحق ويُظهره، وهي تارة تكون أربعة شهود، وتارة ثلاثة بالنص في بَيِّنَة المُفلِس، وتارة شاهدين، أو شاهد واحد، أو امرأة واحدة، أو تكون نُكولاً[6]، أو يمينًا، أو خمسين يمينًا، أو أربعة أيمان، أو تكون شاهد الحال. فقوله، صلى الله عليه وسلم: "البَيِّنَة على المُدعى"، أي عليه أن يظهر ما يُبَيِّن صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكم له.."[7].
فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد، أو أكثر، تقوم بشهادة المرأة الواحدة، أو أكثر، وفق معيار البينة التي يطمئن ضمير الحاكم - القاضي - إليها.
وتحدث ابن تيمية عن التمييز بين طرق حفظ الحقوق، التي أرشدت إليها ونصحت بها آية الإشهاد - الآية 282من سورة البقرة - وهي المُوَجَّهَة إلى صاحب "الحق - الدين"- وبين طرق البَيِّنَة، التي يحكم الحاكم - القاضي - بناء عليها.. وينقل ابن القيم تفصيل ابن تيمية بهذا الخصوص تحت عنوان [الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه] قائلاً:
"إن القرآن لم يذكر الشاهدين، والرجل والمرأتين في طرق الحكم التي يحكم بها الحاكم، وإنما ذكر النوعين من البَيِّنَات في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه، فأمرهم - سبحانه - بحفظ حقوقهم بالكتابة[8]، وأمر من عليه الحق أن يُملى الكاتب. فإن لم يكن ممن يصح إملاءه أملى عنه وليه، ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين، فإن لم يجد فرجل وامرأتان، ثم نهي الشهداء المُتحملين عن التخلف عن إقامتها إذا طُلبوا لذلك، ثم رَخَّصَ لهم في التجارة الحاضرة ألا يكتبوها، ثم أمرهم بالإشهاد عند التبايع، ثم أمرهم إذا كانوا على سفر، ولم يجدوا كاتبا، أن يستوثقوا بالرهان المقبوضة.
كل هذا نصيحة لهم، وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم، وما تحفظ به الحقوق شئ وما يحكم به الحاكم -[القاضي]- شئآخر، فإن طرق الحكم أوسع من الشاهدين والمرأتين، فإن الحاكم يحكم بالنكول، واليمين المردودة - ولا ذكر لهما في القرآن - وأيضًا، فإن الحاكم يحكم بالقرعة - بكتاب الله وسنة رسوله الصريحة الصحيحة- ويحكم بالقافة [9]- بالسنة الصريحة الصحيحة، التي لا معارض لها - ويحكم بالقسامة[10] - بالسنة الصحيحة الصريحة - ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان متاع البيت والدكان، ويحكم، عند من أنكر الحكم، بالشاهد واليمين، بوجود الآجر في الحائط، فيجعله للمدعى إذا كان جهته - وهذا كله ليس في القرآن، ولا حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه.. فإن قيل: فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بدل عن الشاهدين، وأنه لا يُقْضَى بهما إلا عند عدم الشاهدين.
قيل: القرآن لا يدل على ذلك، فإن هذا أمر لأصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم، فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق، فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها.. وهو سبحانه لم يذكر ما يحكم به الحاكم، وإنما أرشدنا إلى ما يُحفظ به الحق، وطرق الحكم أوسع من الطرق التي تُحفظ بها الحقوق[11].
قلت - أي ابن القيم -: وليس في القرآن ما يقتضى أنه لا يُحْكَم إلا بشاهدين، أو شاهد وإمراتين، فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النصاب، ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به، فضلا عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك. ولهذا يحكم الحاكم بالنكول، واليمين المردودة، والمرأة الواحدة، والنساء المنفردات لا رجل معهن، وبمعاقد القُمُط[12]، ووجوه الآجرّ، وغير ذلك من طرق الحكم التي لم تُذكر في القرآن.. فطرق الحكم شيء، وطرق حفظ الحقوق شيء آخر، وليس بينهما تلازم، فتُحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه، ولا خطر على باله.."[13]، وعن حالات الشهادات التي يجوز للقاضي - الحاكم - الحكم بناء عليها يقول ابن القيم: "إنه يجوز للحاكم - القاضي- الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه، في غير الحدود، ولم يوجب الله على الحكام ألا يحكموا إلا بشاهدين أصلاً، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين، أو بشاهد وامرأتين، وهذا لا يدل على أن الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك، بل قد حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشاهد واليمين، وبالشاهد فقط، وليس ذلك مخالفًا لكتاب الله عند من فَهِمَه، ولا بين حكم الله وحكم رسوله خلاف.. وقد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة الأعرابي وحده على رؤية هلال رمضان، وتسمية بعض الفقهاء ذلك إخبارًا، لا شهادة، أمر لفظي لا يقدح في الاستدلال، ولفظ الحديث يَرُدّ قوله. وأجاز - صلى الله عليه وسلم - شهادة الشاهد الواحد في قضية السَّلَب[14] , ولم يُطالب القاتل بشاهد آخر، ولا استحله، وهذه القصة - وروايتها في الصحيحين - صريحة في ذلك.. وقد صرح الأصحاب: أنه تُقبل شهادة الرجل الواحد من غير يمين عند الحاجة، وهو الذي نقله الخرَقي (334هـ 945م) في مختصره، فقال: وتُقبل شهادة الطبيب العدل في المُوضّحة[15] إذا لم يقدر على طبيبين، وكذلك البيطار في داء الدابة.."[16].
ويضيف ابن تيمية فيما نقله عنه ابن القيم: "وقد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، وقد شهدت على فعل نفسها، ففي الصحيحين عن عقبة بن الحارث: "أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب، فجاءت أمَةٌ سوداء، فقالت: قد أرضعتكما. فذكرتُ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأعرض عنى، قال: فتنحيتُ فذكرت ذلك له، قال: "فكيف؟ وقد زعمت أن قد أرضعتكما"!.
وقد نص أحمد على ذلك في رواية بكر بن محمد عن أبيه، قال: في المرأة تشهد على ما لا يحضره الرجال من إثبات استهلال الصبي[17]، وفي الحمّام، يدخله النساء، فتكون بينهن جراحات.
وقال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد، في شهادة الاستدلال: تجوز شهادة امرأة واحدة في الحيض والعدة والسقط والحمّام وكل ما لا يطّلع عليه إلا النساء؟
فقال: تجوز شهادة امرأة إذا كانت ثقة، ويجوز القضاء بشهادة النساء منفردات في غير الحدود والقصاص عند جماعة من الخَلف والسلف. وعن عطاء أنه أجاز شهادة النساء في الحدود، وقال أحمد بن حنبل: قال أبو حنيفة: تجوز شهادة القابلة وحدها، وإن كانت يهودية أو نصرانية.."[18].
ذلك أن العبرة هنا - في الشهادة - إنما هي الخبرة والعدالة، وليست العبرة بجنس الشاهد - ذكرًا كان أو أنثى - ففي مهن مثل الطب.. والبيطرة.. والترجمة أمام القاضي.. تكون العبرة "بمعرفة أهل الخبرة"[19].
وذكر ابن تيمية - في حديثه عن الإشهاد التي تحدثت عنه آية سورة البقرة - أن نسيان المرأة، ومن ثم حاجتها إلى أخرى تذكرها﴿ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282] ليس طبعًا ولا جبلة في كل النساء، وليس حتمًا في كل أنواع الشهادات.. وإنما هو أمر له علاقة بالخبرة والمران، أي أنه مما يلحقه التطور والتغيير.. وحكى ذلك ابن القيم فقال:
"قال شيخنا ابن تيمية - رحمه الله - قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282] فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط.. فما كان من الشهادات لا يُخاف فيه الضلال في العادة لم تكن فيه على نصف الرجل.."[20].
فحتى في الإشهاد، يجوز لصاحب الدَّين أن يحفظ دَينه - وفق نصيحة وإرشاد آية سورة البقرة - بإشهاد رجل وامرأة، أو امرأتين، وذلك عند توافر الخبرة للمرأة في موضوع الإشهاد.. فهي - في هذا الإشهاد - ليست شهادتها دائمًا على النصف من شهادة الرجل.
ولقد أكد ابن القيم هذا في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين) أثناء حديثه عن "البَيِّنَة"، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البَيِّنَة على المُدعى واليمين على من أنكر" خلال شرحه لخطاب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعري في قواعد القضاء وآدابه فقال: "إن البينة في كلام الله ورسوله، وكلام الصحابة اسم لكل ما يُبَيِّن الحق.. ولم يختص لفظ البَيِّنَة بالشاهدين.. وقال الله في آية الدَّين: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ﴾ [البقرة: 282] فهذا في التحمل والوثيقة التي يحفظ بها صاحب المال حقه، لا في طرق الحكم وما يحكم به الحاكم، فإن هذا شيء وهذا شيء، فذكر سبحانه ما يحفظ به الحقوق من الشهود، ولم يذكر أن الحكام لا يحكمون إلا بذلك.. فإن طرق الحكم أعم من طرق حفظ الحقوق.. وقال سبحانه: ﴿ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾ [البقرة: 282] لأن صاحب الحق هو الذي يحفظ ماله بمن يرضاه..".
وعلل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين - في هذه الحالة - تعدلان شهادة الرجل الواحد، بأن المرأة ليست ممن يتحملون عادة مجالس وأنواع هذه المعاملات.. لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها، كانت شهادتها - حتى في الإشهاد على حفظ الحقوق والديون - مساوية لشهادة الرجل.. فقال: "ولا ريب أن هذه الحكمة في التعدد هي في التحمل، فأما إذا عقلت المرأة، وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات، ولهذا تُقبل شهادتها وحدها في مواضع، ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب في أصح القولين، وهو قول مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد.
والمقصود أن الشارع لم يقف الحكم في حفظ الحقوق البتة على شهادة ذكرين، لا في الدماء ولا في الأموال ولا في الفروج ولا في الحدود.. وسر المسألة ألا يلزم من الأمر التعدد في جانب التحمل وحفظ الحقوق الأمر بالتعدد في جانب الحكم والثبوت، فالخبر الصدق لا تأتى الشريعة برده أبدًا"[21].
ومن علماء الخلف من أكد هذا الاجتهاد الصائب لعلماء السلف رضي الله عن الجميع. يقول العالم الجليل الشيخ محمود شلتوت رحمه الله: "أن قول الله - سبحانه وتعالى -﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ﴾ [البقرة: 282] ليس واردًا في مقام الشهادة التي يقضى بها القاضي ويحكم، وإنما هو في مقام الإرشاد إلى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282]. فالمقام مقام استيثاق على الحقوق، لا مقام قضاء بها. والآية ترشد إلى أفضل أنواع الاستيثاق الذي تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقهما.
وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء اللاتي ليس معهن رجل، لا يثبت بها الحق، ولا يحكم بها القاضي، فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو "البيّنة".
وقد حقق العلامة ابن القيم أن البيّنة في الشرع أعم من الشهادة، وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره، هو بيّنة يقضى بها القاضي ويحكم. ومن ذلك: يحكم القاضي بالقرائن القطعية، ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها.
واعتبار المرأتين في الاستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها، الذي يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثرًا له، وإنما هو لأن المرأة "ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، ومن هنا تكون ذاكرتها فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية التي هي شغلها، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل، ومن طبع البشر عامة أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويمارسونها، ويكثر اشتغالهم بها.
والآية جاءت على ما كان مألوفًا في شأن المرأة، ولا يزال أكثر النساء كذلك، لا يشهدن مجالس المداينات ولا يشتغلن بأسواق المبايعات، واشتغال بعضهن بذلك لا ينافي هذا الأصل الذي تقضى به طبيعتها في الحياة.
وإذا كانت الآية ترشد إلى أكمل وجوه الاستيثاق، وكان المتعاملون في بيئة يغلب فيها اشتغال النساء بالمبايعات وحضور مجالس المداينات، كان لهم الحق في الاستيثاق بالمرأة على نحو الاستيثاق بالرجل متى اطمأنوا إلى تذكرها وعدم نسيانها على نحو تذكر الرجل وعدم نسيانه.
هذا وقد نص الفقهاء على أن من القضايا ما تُقْبَل فيه شهادة المرأة وحدها، وهي القضايا التي لم تجر العادة بإطلاع الرجال على موضوعاتها، كالولادة والبكارة، وعيوب النساء والقضايا الباطنية. وعلى أن منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده، وهي القضايا التي تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها، على أنهم قد رأوا قبول شهادتها في الدماء إذا تعينت طريقًا لثبوت الحق واطمئن القاضي إليها، وعلى أن منها ما تقبل فيه شهادتهما معًا.
وما لنا نذهب بعيدًا، وقد نص القرآن على أن المرأة كالرجل - سواء بسواء- في شهادات اللعان، وهو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقول شهود﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 6 - 9].
أربع شهادات من الرجل، يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويقابلها ويبطل عملها، أربع شهادات من المرأة، يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين.. فهذه عدالة الإسلام في توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة، وهي عدالة تثبت أنهما في الإنسانية سواء.."[22].
وأخيرًا فإن ابن القيم يستدل بالآية القرآنية ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾[23] على أن المرأة كالرجل في هذه الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السُنَّة النبوية.. فالمرأة كالرجل في "رواية الحديث، التي هي شهادة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم".
وإذا كان ذلك مما أجمعت عليه الأمة، ومارسته راويات الحديث النبوي جيلاً بعد جيل - والرواية شهادة - فكيف تُقبل الشهادة من المرأة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا تُقْبَل على واحد من الناس؟!.. إن المرأة العَدْل بنص عبارة ابن القيم كالرجل في الصدق والأمانة والديانة"[24].
كما قالرضي الله عنه: "وما أثبت الله ورسوله قط حكمًا من الأحكام يُقطع ببطلان سببه حسًا أو عقلاً، فحاشا أحكامه سبحانه من ذلك، فإنه لا أحسن حكمًا منه، سبحانه وتعالى، ولا أعدل. ولا يحكم حكمًا يقول العقل: ليته حكم بخلافه، بل أحكامه كلها مما يشهد لها العقل والفطرة بحسنها ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها، وأنه لا يصلح في موضعها سواها" انتهي.
يتبع إن شاء الله....
قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)
قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .
قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).
-
[1] الحافظ الذهبى - مقدمة كتابه "الميزان".
[2] نيل الأوطار للشوكانى - ص 58 و 122.
[3] بداية المجتهد ونهاية المقتصد - ابن رشد - طبعة مكتبة الشروق الدولية - مصر - ص 751.
[4] الشيخ محمد محمد المدنى - وسطية الإسلام - طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر - 2009م - ص 92-96.
[5] الدكتور سمير بو راس-العلم اليقين في شرح حديث ناقصات عقل ودين - مقال منشور بموقع موسوعة الاعجاز العلمى في القراّن والسنة
[6] النكول: هو الامتناع عن اليمين.
[7] ابن القيم "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" ص 34 - تحقيق محمد جميل غازى - طبعة القاهرة - 1977م.
[8] البقرة: 282.
[9] القافة: مفردها قائف - هو الذي يعرف الآثار - آثار الأقدام - ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه عن طريق فحص أقدامهم.
[10] القسامة: الأيمان، تُقَسَّم على أهل المحلة الذين وُجد المقتول فيهم.
[11] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" ص 103-105، 219، 236.
[12] مفردها قِمْط - بكسر القاف وسكون الميم -: ما تشد به الأخصاص ومكونات البناء ولبناته.
[13] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" ص 198.
[14] السَّلب - بفتح السين مشددة وفتح اللام - هو متاع القتيل وعدته، يأخذه قاتله.. وفي الحديث: "من قتل قتيلاً فله سلبه"، وذلك في تقسيم الغنائم بعد المعركة.
[15] المُوَضَّحَة: هي من الجراحات التي هي أقل من قتل النفس.
[16] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" ص 98، 113، 123.
[17] استهلال الصبى: هو أن يحدث منه ما يدل على حياته - ساعة الولادة- من رفع صوت أو حركة عضو أو عين، وهو شرط لتمتعه بحقوق الأحياء.
[18] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" ص 115-117.
[19] المصدر السابق: ص 188، 193.
[20] المصدر السابق: ص 221.
[21] إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم ج1 ص 90-92، 94، 95، 103، 104 - طبعة بيروت 1973م.
[22] "الإسلام عقيدة وشريعة" للشيخ محمود شلتوت - ص 239-241 - طبعة القاهرة 1400هـ - 1980م..
[23] سورة البقرة الآية 143.
[24] "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" ص 244، 236، ص 329.
يتبع إن شاء الله ...
قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)
قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .
قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).
-
الفصل الثاني عشر
العنف ضد المرأة
يحاول الخصوم إيهام الرأي العام العالمي أن المرأة في الإسلام هي مخلوق من الدرجة الثانية، وإظهار الرجال المسلمين وكأنهم أجلاف غلاظ الأكباد لا عمل لهم سوى ضرب النساء والفتك بهن ليل نهار!!
وسوف نعرض هنا بعض الحقائق والأرقام من واقع الإحصاءات الرسمية في دول الغرب التي ينتمي إليها المفترون على الإسلام، حتى لا تبقى لأحد منهم حُجَّة:
• ففي يوم 20 مايو 2009م تناقلت وسائل الإعلام العالمية اعترافات الكنيسة الأيرلندية بتورُّط مئات من القساوسة والكَهَنَة في جرائم اغتصاب آلاف من النساء والأطفال الأيتام!! وكان الفاتيكان بدوره قد اعترف بوقوع آلاف من جرائم الاغتصاب التى كان من ضحاياها عدد من الراهبات في الكنائس والأديرة التابعة له، وتعرض بعضهن للقتل خشية افتضاح الأمر!! وأصدرت عشرات الكنائس الأمريكية اعترافات مماثلة واعتذارات وتعويضات بمئات الملايين من الدولارات لعدد من الضحايا ومعظمهم من النساء والأطفال!! وذات الفضائح تفجَّرت في بلجيكا واستراليا وانجلترا. كما تورَّطت شبكات من غير المسلمين في جرائم خطف وتهريب فتيات من مصر وتشاد ودول أخرى إلى أمريكا وأوروبا.
• وفى 21 مايو 2009م أصدرت محكمة أمريكية حكمًا بسجن جندي أمريكي اغتصب مع زملائه وقتلوا الفتاة العراقية عبير الجنابى - 14 سنة - وقتلوا كذلك أمها وأختها الصغيرة - 9 سنوات - وأبوها أيضًا!! ولم يجد المُحلفون الأمريكيون في قتل 3 نساء بالإضافة إلى رب الأسرة ما يكفى للحكم على الجندي الأمريكي بالإعدام!!! هذه هي مكانة المرأة وحقوق الإنسان عندهم!!حياة 4 أشخاص- 3 نساء ورجل- لا تساوى أكثر من السجن بضع سنين!! وقد أفلت مئات الألوف من المجرمين الأمريكيين والبريطانيين الذين ارتكبوا مئات الألوف من جرائم القتل والاغتصاب المماثلة من أية مساءلة أو عقاب من أي نوع.. ومحاكمة هذا الجندي مع بعض المتهمين الآخرين تمت فقط لمحاولة تهدئة الرأي العام العالمي الذي ثار بعد كشف فظائع سجن "أبو غريب" وسلخانة "جوانتانامو". ورغم هذا جاء الحكم الهزيل ليفضح النفاق الرخيص الذي أدمنه الغرب.
• وفى الأسبوع الأول من يوليو 2009م قتل مجرم ألماني متعصب الصيدلانية المصرية د. مروة الشربينى بسبب ارتدائها للحجاب في مدينة "درسدن" الألمانية!! ولم يتورع المجرم العنصري عن طعن المسلمة المسكينة بالسكين 16 طعنة داخل قاعة المحكمة حتى استشهدت تحت سمع وبصر الشرطة والقضاة الألمان!! وهذا هو احترام القوم لحقوق الإنسان، وذلك هو تقديرهم المزعوم للمرأة!! وكل ما فعلوه هو محاولة إلصاق صفة الجنون بالمتهم في محاولة يائسة لتمكينه من الإفلات من العقاب!!!
ضحاياهم بالأرقام
ويكفى أن نذكر أن جريمة واحدة على الأقل تقع ضد امرأة في أمريكا كل 3 ثوان.. وهذا يعنى أن عشرين امرأة أمريكية يقتلن أو يتعرضن للضرب المُبرِّح أو الجرح أو الاغتصاب كل دقيقة في بلاد الحرية المزعومة.
وأكد باحثون من الغرب أن العنف الأسرى بشتَّى أنواعه يلحق بأضعف أعضاء الأسرة أي النساء والأطفال. ولا يزال الكتمان وعدم كفاية الأدلة والحواجز الاجتماعية والقانونية تجعل من الصعب الحصول على بيانات مضبوطة عن العنف المنزلي الموجه ضد المرأة، والذي يعتقد علماء الاجتماع أنه أقل ما يتم الإبلاغ عنه من أنواع الجرائم. ومعظم البيانات عن العنف الموجه ضد المرأة تُجمع من دراسات صغيرة، ولا تعطى غير لمحة فحسب عما يفترض أنه ظاهرة واسعة الانتشار عالميًّا، ولا يمكن استخدامها في توفير مؤشرات دقيقة عن مدى العنف الموجَّه ضد المرأة، ولكنها تبين بشكل قاطع أن العنف في البيت أمر شائع، وأن المرأة هي ضحيته في أكثر الحالات.
ويشير شتراوس إلى أن حوادث العنف الزوجي منتشرة في حوالي 60% من العائلات في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين قدر راسل هذه النسبة بـ 21%، وذكرت باغلو أنها تتراوح ما بين 25- 35%. وأورد أبلتون في بحثه الذي أجراه على 620 امرأة أمريكية أن 35% منهن تعرضن للضرب مرة واحدة على الأقل من قِبَل أزواجهن. ومن جهتها أشارت والكر استنادًا إلى بحثها إلى خبرة المرأة الأمريكية الواسعة بالعنف الجسدي، وأن 41% منهن كن شهودًا لحوادث الاعتداء الجسدي من آبائهن على أمهاتهن. وتضيف الدراسات أنه في كل عام يُقتل عشرات الألوف من الأشخاص على يد أحد أفراد العائلة. وإذا اعتبرنا ضحايا القتل الإناث وحدهن، نجد أن ثلثهن لقين حتفهن على يد زوج أو شريك حياة، وكان الأزواج مسئولين عن قتل 20% من النساء اللاتي قُتِلن، في حين أن القَتَلة كانوا من رفاقهن الذكور في 10% من الحالات.
وقد ثبت أن ضرب المرأة من قِبَل شريك ذكر لها، هو السبب الأوسع انتشارًا لجروح المرأة، وضحاياه هن أكثر عددا من كل ضحايا حوادث السيارات والسلب و السطو و الاغتصاب مجتمعة.
وفى دراسة أخرى تبين أن امرأة واحدة من بين كل أربع نساء- يطلبن العناية الصحية من قبل طبيب العائلة- يُبلغن عن التعرض للاعتداء الجسمانى من قِبَل شركائهن.
وكشفت 37% منهن عن كونهن من الناجيات من حوادث التعذيب الجنسي في مرحلة الطفولة، و29% أبلغن أنه تم الاعتداء عليهن جنسيًّا بعد البلوغ، والنساء اللواتي كن ضحية لمثل هذه الاعتداءات الجنسية أكثر اكتئابًا من اللواتي لم يتعرضن لها. و ثبت أنأربعة ملايين امرأة أمريكية على الأقل تعرّضن لاعتداءات عنيفة من قِبَل أزاوجهنَّ أثناء فترة 12 شهراً فقط.
ربما يقول البعض إن هذه اتهامات قاسية تُوجَّه إلى المجتمع الأمريكي و أن العنف الموجه ضد النساء ظاهرة عالمية، فممارسو العنف من الرجال لا يقتصر وجودهم على طائفة دينية أو ثقافية معينة..
و الحقيقة أن امرأة واحدة من كل ثلاث نساء حول العالم تتعرّض للضرب، أو للاغتصاب، أو تقع لها إساءة ما خلال حياتها، فالعنف الموجَّه ضد النساء أمر يتخطى اعتبارات الدين أو الثروة أو الطبقة أو لون الجلد أوالثقافة.
وحَذَّر الأطباء المتخصصون من أن الأطفال الذين شهدوا عنف آبائهم، يصبحون عدوانيين ومعتدين على زوجاتهم بأكثر ثلاثة أضعاف المرات من الذين لم يشهدوا العنف في طفولتهم. أمَّا أولياء الأمور الشرسون جدًا فأطفالهم مرشحون -أكثر من الأطفال الآخرين بألف ضعف - ليكونوا معتدين على زوجاتهم في المستقبل.وأكثر من ثلاثة ملايين طفل في السنة هم عرضة لخطر العنف الصادر عن الأبوين، ويعتقد أن الرقم الحقيقي أضعاف ذلك. وقد أبلغت أربعة ملايين أمريكية عن تعرضها لاعتداء خطير، من قِبَل شريك أو قريب لها خلال سنة، وقرابة 1 من 3 نساء بالغات، يواجهن تجربة الاعتداء عليهن جسمانيًّا على الأقل مرة واحدة من قبل شريك في فترة النضج. وفى عام 1993 تم توقيف 575000 رجل أي ما يزيد عن نصف مليون رجل لارتكابهم العنف ضد النساء. وهناك إحصاءات أخرى تؤكد ما يلي:
(أ) يُغتصب يوميًا في أمريكا 1900 فتاة منهن 20% يغتصبن من قِبَل آبائهن!!
(ب) يُقتل سنويًا في أمريكا مليون طفل إمَّا بإجهاض متعمَّد، أو قتل فور الولادة، فضلاً عن وفاة مئات الألوف من الأمهات أثناء الإجهاض أو بعده.
(ج) هناك 170 شابَّة في بريطانيا تحمل سفاحًا كل أسبوع.
(د) سجَّلت الشرطة في أسبانيا أكثر من 500 ألف بلاغ اعتداء جسدي على المرأة في عام واحد، وأكثر من حالة قتل واحدة كل يوم.
(هـ) في الولايات المتحدة الأمريكية سجَّلت الإحصائيات الرسمية أن 79% من الرجال يضربون زوجاتهم ضربًا يؤدى إلى عاهة. ونشرت مجلة التايم أن حوالي أربعة آلاف زوجة تنتهي حياتهن نتيجة لذلك. وأشار مكتب التحقيقات الفيدرالى إلى أن 40% من جرائم القتل ضد النساء يرتكبها الأزواج. وجاء في دراسة للمستشفيات الأمريكية أن 25% من حوادث انتحار الزوجات يسبقها ماضٍ حافل بضربٍ من أزواجهن. وهناك إحصاءات حديثة تؤكد تعرض ستة ملايين امرأة أمريكية للضرب أو الجرح أو الاغتصاب أو التحرش الجنسي على الأقل سنويا!!
(و) كشف عدد من مراكز الدراسات والبحوث في أمريكا التفاصيل الإحصائية المثيرة التالية:
أولا: أصبح ما يزيد على 80% من الزوجات منذ 15 سنة مطلّقات.
ثانيا: 80 بالمائة من جرائم الاغتصاب وقعت في محيط الأسرة والأصدقاء.
ثالثا: 27% من الرجال يعيشون على نفقة النساء. وتتعرض النساء في تلك الحالات للضرب المُبرِّح لإجبارهن على دفع النقود للأزواج وأغلبهم ممن أدمنوا المخدرات أو الخمور!!!
حمامات الدم
ومن المعروف أن أعلى معدلات الجنون وانتحار المرأة موجود في السويد والدانمارك وليس في أية دولة عربية أو إسلامية.. وتُصاب النساء في تلك الدول الاسكندنافية بالجنون وغيره من الأمراض النفسية والعصبية. وتُقدم آلاف منهن على الانتحار كل عام رغم الثراء والوفرة الاقتصادية هناك!! وهذا دليل قاطع على افتقارهن إلى الشعور بالأمان أو السعادة أو حتى مجرد الراحة، فالمستوى المعيشي المرتفع هناك لا يُغْنيهن ولا يسد الحاجات الروحية والنفسية التي لا إشباع لها بغير الإسلام. كما أن انهيار مؤسسة الأسرة هناك والانحلال والشذوذ المنتشر يضاعف إحساسهن بالضياع وفقدان أي هدف أو قيمة للحياة.
وتقول تقارير أخرى أن نسبة من 90% إلى 95% من ضحايا العنف العائلي هم من النساء. وتشير الدراسات أيضًا إلى أن الأطفال الذين يعيشون في منازل يتم فيها اعتداء الأزواج على بعضهم، معرضون للإيذاء بنسبة تفوق الأطفال الآخرين بـ 1500 مرة، وأن حوالي من 40% إلى 60% من الرجال الذين يسيئون معاملة زوجاتهم يعتدون على الأطفال أيضًا.
ولوحظ أن الآباء الذين يضربون الأمهات يميلون أكثر مرتين من الأزواج المسالمين للحصول على طلب رعاية الأطفال بعد الطلاق.
وأشارت دراسة واحدة إلى أن 27% من ضحايا القتل داخل العائلة هم من الأطفال، وأن حوالي 90% من الأطفال الذين يقتلون تحت سن العاشرة يقتلون خلال خلاف عائلي، و56% من الأطفال الضحايا هم دون الثانية من العمر. وتبين في معظم الحالات من الملايين الذين تلقوا الإسعاف في غرفة الطوارئ- بسبب الجروح التي نتجت عن العنف - أن قريب للعائلة هو السبب، وفاق عدد ضحايا الإناث ضحايا الذكور بعدة أضعاف.
وهناك على الأقل أربعة ملايين تقرير عن حوادث العنف العائلي ضد المرأة كل عام في فترة التسعينيات أواخر القرن الماضي، وقرابة 20% من هذه الحوادث حصلت في المنازل. والرقم الآن يقترب من التسعة ملايين امرأة كل عام طبقًا لآخر إحصاءات منظمات حقوق الإنسان العالمية. وقالت تقارير أخرى أنه في 95% من الاعتداءات الناتجة عن العنف العائلي ثبت أنها ترتكب من قبل الرجال ضد النساء. كما أن الأزواج والعشاق المؤذين يضايقون 74% من النساء المتعرضات للضرب، إما بطريقة مباشرة أو مضايقات عبر الهاتف. وفى العلاقات الحميمة تفوق الضحايا من النساء المتعرضات للعنف الضحايا من الرجال بعشر مرات.وتقول آخر الإحصائيات أن أعلى معدلات جرائم العنف ضد المرأة تقع في بريطانيا. وهى بذلك تكون قد تجاوزت الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وجنوب إفريقية وكلها دول غير إٍٍسلامية. ونحمد الله على ذلك وإلا كانت الأفاعي الحاقدة قد ازدادت سعارًا ونهشًا فينا!!ففي بريطانيا أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك. وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد. كما وجد أن 25% من النساء يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو شركائهن. وتتلقى الشرطة البريطانية 100 ألف مكالمة سنويًا لإبلاغ شكاوى من اعتداء على زوجات أو شريكات، علمًا بأن الكثيرات منهن لا يبلغن الشرطة إلا بعد تكرار الاعتداء عليهن عشرات المرات. وتشير جين لويس إلى أن ما بين ثلث إلى ثلثي حالات الطلاق تُعْزَى إلى العنف في البيت، وبصورة رئيسية إلى تعاطى المسكرات وهبوط المستوى الأخلاقي.
وأظهرت الاستطلاعات في بريطانيا، تزايد العنف ضد النساء عامًا بعد الآخر. ففي استطلاع شاركت فيه سبعة آلاف امرأة قالت 28% من المشاركات أنهن تعرضن لهجوم من أزواجهن. ويفيد تقرير بريطاني آخر أن الزوج يضرب زوجته دون أن يكون هناك سبب يبرر الضرب، ويشكل هذا 77% من عمليات الضرب. ويستفاد من التقرير نفسه أن امرأة ذكرت أن زوجها ضربها ثلاث سنوات ونصف السنة منذ بداية زواجها، وقالت: لو قلت له شيئًا إثر ضربي سيضربني ثانية لذا أبقى صامتة، وهو لا يكتفي بنوع واحد من الضرب بل يمارس جميع أنواع الضرب من اللطم واللكم والركل والرفس وضرب الرأس بعرض الحائط، ولا يبالى إن وقعت ضرباته في مواقع حسّاسة من الجسد. وأحيانًا قد يصل الأمر ببعضهم إلى حد إطفاء السجائر في جسد المرأة، أو تكبيلها بالسلاسل والأغلال ثم إغلاق الباب عليها وتركها على هذه الحال لساعات طويلة!! وتُقَدَّر حالات الإبلاغ عن العنف الجنسي فى مرحلة الطفولة بما يتراوح بين 60% إلى 62% بين الإناث.
جرائم ضد الفرنسيات!!
وفى فرنسا تتعرض حوالي مليوني امرأة للضرب سنويًا. وأمام هذه الظاهرة -التي تقول الشرطة أنها تشمل حوالي 10% من العائلات الفرنسية- أعلنت الحكومة أنها ستبدأ حملة توعية لمنع أن تبدو أعمال العنف هذه كأنها ظاهرة طبيعية. وقالت أمينة سر الدولة لحقوق المرأة مشال أندريه: "حتى الحيوانات أحيانًا تُعَامل أحسن منهن. فلو أن رجلاً ضرب كلبًا في الشارع فسيتقدم شخص ما بشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان، ولكن إذا ضرب رجل زوجته بالشارع فلن يتحرك أحد"!! وأضافت في تصريح لوكالة فرانس برس: "الضرب مسألة يجب أن تخضع للعدالة. أريد أن يتم التوقف عن التفكير بأن هذا الأمر عادى، إن عالمنا يُقر بأن هنالك مُسيطِرًا ومُسيطَرًا عليه.. إنه منطق يجب إيقافه".
ونقلت صحيفة فرانس سوار عن الشرطة: أن 92.7%من عمليات الضرب التي تتم بين الأزواج تقع في المدن، وأن 60% من دعوات الاستغاثة الهاتفية التي تتلقَّاها شرطة النجدة في باريس، هي نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن. وذكرت أمانة سر الدولة لحقوق المرأة أن هناك أنواعًا من العنف الذي يمارس مع المرأة منها المعنوي - تهديدات وإهانات - ومنها الجسدي - ضرب أو قتل.
ولاحظت جمعية تُسمى :"نجدة النساء اللواتي يتعرضن للضرب" أن النساء اللواتي تستقبلهن تتراوح أعمارهن بين 25 - 35 سنة، ولهن أطفال ومستواهن التعليمي متدنٍّ، وهن غالبًا معزولات عن عائلاتهن أو جيرانهن. وكثيرًا ما أدت ذريعة مثل المرض، أو إدمان الكحول، أو البطالة إلى تفاقم العنف الذي يمارس ضدهن، ولكن قليلات من الضحايا لا يتجرَّأن على فضح عمليات العنف هذه بسبب الخوف من الانتقام أو بسبب نقص الشجاعة.
وهناك سيدة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا تحملت عامين من ضرب زوجها، وعندما قيل لها أن تترك المنزل قالت: "في فرنسا لا نتحدث عن حياتنا الزوجية، فلا يمكن لأحد أن يأتمن أصدقاءه أو أي أحد على أسراره الشخصية"!! ولقد شبَّه الكاتب الفرنسي الكسندر دوما الفرنسيات - ذات مرة - بشرائح اللحم قائلا: "كلما ضربتهن أصبحن أكثر طراوة"!!
ولو قالها أحد الكتَّاب أو المفكِّرين المسلمين لقامت الدنيا ضدنا ولم تقعد!!
وفى كندا أيضًا!!
ذكرت إحصائية شملت النساء المتزوِّجات أن العاصمة شهدت ارتفاعًا حادًّا في معدَّلات الاعتداءات على الزوجات أكثر من أي مكان في كندا، وأن 36% من الزوجات صرَّحن بأنه قد تم الاعتداء عليهن بشكل أو بآخر لمرة واحدة على الأقل منذ بلوغهن سن السادسة عشرة. و في 81% من الاعتداءات التي رصدها جهاز الشرطة، تبين تورُّط معتدٍ ذكر، و في 9 % كانت معتدية أُنثى، و في 10% من الحالات تورط معتدٍ ذكر وأنثى معًا. وفيما يزيد عن النصف - 53% من هذه الحوادث - ثبت أن طرفًا واحدًا على الأقل كان تحت تأثير شرب الكحول.
نيوزلندة
وفقًا لإحصائية رسمية لرصد العنف العائلي ساهمت فيها سوزان سنايفلى وفريقها تبين تعرُّض أكثر من 300 ألف امرأة وطفل لجرائم العنف العائلي. وأشارت دراسة أعدَّها مقدِّمو الخدمات في نيوزلندة إلى أن معدل انتشار العنف العائلي يبلغ قرابة 14%. وأشارت دراسات أخرى مشابهة أن معدل الانتشار هو 1: 10 أو 1: 7. وبالرجوع إلى عدد السكان في نيوزلندة في آخر شهر آذار 1994 نجد أن نسبة طفل واحد من سبعة تساوى 129556 طفلاً، وامرأة واحدة من سبعة تساوى 172125 امرأة، وهذا مجموعه 301691 ضحية للعنف من النساء والأطفال.
النمسا
أشارت الدراسات في النمسا إلى العنف المنزلي كعامل مساعد في فشل الزواج في 59% من 1500 قضية طلاق. وبين تلك الحالات نلاحظ أن 38% من الزوجات المنتميات إلى الطبقة العاملة استدعين الشرطة ردًّا على الاعتداء عليهن بالضرب المبرِّح، وهناك 4% من المنتميات إلى الطبقة العليا. ولا تشكِّل نسبة الجرائم المُبلغ عنها سوى 10% فقط مما يقع فعليًّا من جرائم ضد النساء بالنمسا.
ألمانيا
ذكرت دراسة ألمانية أن ما لا يقل عن مائة ألف امرأة تتعرَّض سنويًا لأعمال العنف الجسدي أو النفساني التي يمارسها الأزواج، أو الرجال الذين يعاشرونها مع احتمال أن يزيد الرقم الحقيقي عن المليون. وقالت الدراسة أن الأسباب المؤدية إلى استخدام العنف هي البطالة زمنًا طويلاً، والديون المالية، والإدمان على المشروبات الكحولية، والغيرة الشديدة. وقد وضعت الوزارة الألمانية الاتحادية لشؤون الشبيبة والأسرة والصحة مشروعًا لتقديم المساعدة من قبل منظمة خيرية على أن يتم ذلك خلال عامين.
تعليق
هذه نبذة مختصرة للغاية عن الجرائم البشعة وإهدار آدمية النساء في دول الغرب التي ينتمي إليها الحاقدون الذين يتطاولون على الإسلام والمسلمين!! ومما يثير السخرية حقا أن يجد هؤلاء الجرأة وصفاقة الوجه للإدعاء بأن المرأة مظلومة في الدول الإسلامية أو أن الإسلام قد قلل من شأن المرأة أو سمح باضطهادها!! إننا نحمد الله - تعالى - لأن معدلات الجرائم ضد النساء في سائر البلاد العربية والإسلامية لا تبلغ خمسة بالمائة من هذه الأرقام الرهيبة المفزِعة لمعدلات جرائم العنف في الغرب، وكلها - بالمناسبة - أرقام رسمية صادرة هناك أو دراسات أجراها باحثون غربيون من غير المسلمين.
ونشير أيضًا إلى حقيقة تاريخية مهمة وهى أن عقوبة الجلد كانت موجودة في كل جيوش الغرب حتى عهد قريب. وكانوا يجلدون الجنود رغم وجود عقوبات أخرى مُمْكِنة مثل الخَصم من المرتب أو العزل أو الحرمان من الترقية أو حتى الحبس.
ومعظم تشريعات العالم تنص على عقوبة الإعدام وهى أشد العقوبات الجسدية والنفسية المُمْكِنة.
ولا وجه للمقارنة بين القضاء على المجرم بسلبه الحياة ومجرد ضرب بسيط لتقويم زوجة متمرِّدة بعد فشل الوعظ والنصيحة ثم الهجر في الفراش في تأديبها.
وما زالت الشرطة في كل دول الغرب تستخدم العنف والضرب المُبرِّح وكل أساليب القمع الوحشي للسيطرة على المتظاهرين أو المتهمين المطلوبين، والعالم يرى ذلك يوميًّا على شاشات القنوات الفضائية.. فلماذا المغالطات والافتراءات على الإسلام طالما أن أيديهم ملطَّخة بالدماء في كل زمان ومكان؟!!
ولم نسمع صوتًا لهؤلاء المتباكين على أحوال النساء المسلمات عندما اعتقلت عصابات الصرب - الأرثوذكس - عشرات الألوف من النساء المسلمات في البوسنة وكوسوفو، وقاموا باغتصاب أكثر من أربعين ألفًا منهن في إطار سياسة التطهير العرقي المنظَّم. وكانوا يجبرونهن على الاحتفاظ بالأجِنََّة الناتجة عن الاغتصاب لإذلالهن وذويهن فيضطرون جميعًا إلى الهرب، وبذلك تخلو البلد للصرب النصارى!!
أين حقوق النساء هنا؟! وأين النسوة العلمانيات المنافقات اللاتي يصدعن رؤوسنا ليل نهار باضطهاد مزعوم للنساء في البلاد الإسلامية؟! لماذا تجاهل الجميع إهدار آدمية عشرات بل مئات الألوف من النساء والأطفال في قلب أوروبا؟ هل لأن الضحايا من المسلمات والجناة المجرمون من النصارى الأرثوذكس أو الكروات؟!
و حتى الآن تتغافل الجمعيات النسائية وأذناب الغرب عن الجرائم البشعة التي تقع يوميًّا ضد أخواتنا في فلسطين المحتلة.
وماذا عن تلك التي ارتكبها الجنود الأمريكان والإنجليز ضد مئات الألوف من أخواتنا العراقيات والأفغانيات، وتتراوح ما بين الاعتقال والضرب والجرح والتعذيب والاغتصاب والقتل لأتفه الأسباب.
أو ليس للنساء في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان وكشمير حقوق أيضًا، أم أن هذه الحقوق للنساء الغربيات فقط؟!
إن ازدواجية المعايير والنفاق الصارخ الخسيس هو سياسة منهجية يتبعها الآخرون في كل قضايانا ومنها قضايا المرأة، وبالتالي فمن الخطأ الفادح أن نثق بهؤلاء الذين بدت البغضاء من أفواههم، وكما أخبرنا مولانا حقًّا وصدقًا، فإن ما تخفى صدورهم السوداء أخطر وأسوأ وأكبر بكل يقين.
وماذا عن ملايين النساء اللاتي اختطفتهن عصابات المافيا - وما زالت تفعل - من بلاد شرق أوروبا وآسيا وأفريقيا الفقيرة لاستغلالهن في تجارة الجنس في دور الدعارة والملاهي الليلية في كُبْرَيات المدن الأوروبية والأمريكية؟!
وتكفى نظرة سريعة على تقارير لجان الأمم المتحدة ومنظمة مكافحة العبودية-ومقرها لندن - لإدراك حجم هذه الكارثة وتزايد عدد ضحاياها من النساء الفقيرات اللاتي يختطفن للاستعباد طوال العمر للترفيه عن أثرياء الغرب!!
تأديب الناشز
يتصايح الخصوم: كيف يأمر القرآن الرجال بضرب النساء؟! أليست هذه وحشية وتخلفًا؟!!
ونقول في البداية أن هناك مغالطة وتعميمًا خاطئًا، فليس "كل" الرجال مباحًا لهم أن يضربوا "كل" النساء، ولا حتى في كل الوقت أو في كل الظروف، وهناك ضوابط صارمة لاستعمال هذه الرخصة.
فالأم امرأة ورغم هذا فإن إقدام الابن أو البنت على ضرب الأم هو جريمة من أشد الجرائم وذنب من كبائر الذنوب.. بل لا يجوز مطلقًا أن يؤذى الابن أمه ولو بكلمة، ولو بشطر كلمة "أف"، ولو بإظهار الضيق أو النقد أو الغضب في حضورها. وفضلاً عن ذلك عليه أن يرحمها ويلين لها إلى درجة إظهار الذل والخضوع بين يديها ولو كانت كافرة، وهذا كله معلوم من الدين بالضرورة.
أما ضرب الرجل لأيَّة امرأة أجنبية عنه فهو جريمة شرعية فيها القصاص أو التعويض إن تنازلت عن القصاص أو تعفو عنه، فهذا متروك لاختيارها.
ولنتأمل قوله - تعالى -: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 34].
لقد بدأ الله - تعالى - أولاً بمدح النساء الصالحات، وهؤلاء الصالحات لا سبيل عليهن ولا يجوز مطلقًا ضربهن، بل لهن كل الحقوق وخاصة حسن العشرة.
والآية الكريمة تتحدث بعد ذلك عن حالة خاصة استثنائية لا قياس عليها ولا يجوز التوسُّع فيها بأي حال، وهى حالة الزوجة الناشز. والواقع أن الخصوم يتجاهلون أو يغفلون بداية الكلام ﴿ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ... ﴾ وهى قاطعة الدلالة على أن إجراءات التأديب تُتَّخذ فقط ضدَّ مَن يتحقق نشوزها وعوجها وتمردها.
ولا يمتد حكم الآية إلى غيرها من النساء الصالحات الفاضلات، بل إن كل النصوص تأمر الأزواج بالإحسان إليهن والرفق بهن ومعاشرتهن بالمعروف.
ثم إن الآية الكريمة واضحة الدلالة على أن الضرب ليس هو الحل الأول، ولا حتى الأفضل.. بل لا بُدَّ من التدرُّج في علاج تمرُّد الزوجة.
ويحظر على الرجل اللجوء إلى الضرب قبل استخدام الأسلوبين السابقين، فعليه الوعظ أولاً ثم هجرها في الفراش أي تجنب مجامعتها إلى أن تعود إلى الصواب والرشد. فإذا تأكد الزوج من فشل الوعظ ثم الهجر في إصلاح الحال هنا فقط يمكنه اللجوء إلى الضرب الخفيف كحل أخير، "وآخر الدواء الكي" كما يقولون.
ويظل الضرب الخفيف في هذه الحالة الاستثنائية أفضل بلا شك من الطلاق وخراب البيت، وخاصة في حالة وجود أطفال صغار.
وقد أجمع العلماء في كل العصور - سَلَفًا وخَلَفًا - على أن الضرب المُرَخَّص فيه للضرورة القصوى يجب ألا يتسبَّب في أيَّ إضرار بصحة أو بدن المرأة، ويكون باستخدام السواك كما قال ابن عباس - رضي الله عنه - أو بمنديل ملفوف كما قال آخرون. ويشترط ألا يكسر لها عظمًا أو يُسبِّب عاهة أو يُحدث مضاعفات صحية سلبية عليها، كما أن عليه أن يتجنب الوجه، وألا يوالى الضرب في مكان واحد على التفصيل الذي سيأتي في أقوال المفسرين والفقهاء.
رسول الرحمة
ويكفينا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يضرب امرأة قط طوال عمره الشريف، وهو وحده قدوتنا، والمثل الأعلى للنُبل البشرى ومكارم الأخلاق.وتروى كل كتب السيرة والحديث أنه عليه السلام لم يضرب امرأة ولا خادمًا قطُّ كما روى مسلم عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - فهو لم يستخدم القوة البدنية إلا في حالة واحدة اضطرارية هي حالة القتال في الميدان كأي فارس نبيل دفاعًا عن النفس. وتلك النقطة وحدها كافية للرد على الخصوم.
ولا أحد حُجَّة على الإسلام بعد النبي - عليه السلام - وطالما أنه - عليه السلام - لم يضرب إحدى زوجاته قطُّ، فهذا دليل قاطع على أن رخصة الضرب إنما هي للأحوال الاستثنائية الاضطرارية، وفى أضيق الحدود، وبأقل قدر ممكن من الأُذى كالدواء المرير الذي يتناول المريض قدرًا ضئيلاً منه على كره واضطرار لإنقاذ حياته، فإذا شُفِى من مرضه يتوقَّف تمامًا عن تعاطيه. وهنا أيضًا يستخدم الزوج رخصة الضرب اليسير عندما تفشل كل الوسائل الأخرى من الوعظ والهجر في الفراش والترغيب والترهيب. لكنه يجب أن يستخدمها بحرص وحكمة بالغَين كالطبيب الماهر بجرعات محدودة، وفى وقت محدَّد لعلاج حالة غير عادية، وعليه التوقف فورًا عندما يجد أن أعراض التمرُّد والعصيان قد زالت، وعادت الزوجة إلى صوابها، فهنا لا سبيل له عليها بأي حال من الأحوال، ويحرم عليه الاستمرار في توقيع العقاب عليها.
ثم إن الرسول - عليه السلام - صَرَّح في عِدَّة أحاديث بقوله: "ولن يضرب خياركم" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الحاكم وابن حبان.
وفى رواية لابن ماجه وأبو داود والنسائي قال - صلى الله عليه وسلم - عمن يضربون النساء: "ليس أولئك بخياركم". و قد استنكر - صلى الله عليه وسلم - أن يضرب الرجل امرأته ثم بعد قليل يجامعها، وفى ذلك روى البخاري ومسلم حديث:"لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم"!!!
و لعله يكون من المفيد أن نعرض هنا مقتطفات مما قاله المفسرون شرحا للآية الكريمة:
قال الطبري: "لا يهجرها إلا في المبيت في المضجع، ليس له أن يهجر في كلام ولا شيء إلا في الفراش.. فلا يكلِّفها أن تحبَّه، فإن قلبها ليس في يديها، ولا معنى للهجر في كلام العرب إلا على أحد ثلاثة أوجه، أحدها هجر الرجل كلام الرجل وحديثه، وذلك رفضه وتركه، يقال منه: هجر فلان أهله يهجرها وهجرانًا. والآخر الإكثار من الكلام بترديد، كهيئة كلام الهازئ، يقال منه: هجر فلان في كلامه يهجر هجرًا إذا هذى ومدد الكلمة، وما زالت تلك هجيراه وأهجيراه، والثالث هجر البعير، إذا ربطه صاحبه بالهجار، وهو حبل.
قال حيان: حدثنا ابن المبارك. قال أخبرنا يحيى بن بشر سمع عكرمة يقول فى قوله: ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ ضربًا غير مبرح قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "واضربوهن إذا عصينكم في المعروف، ضربًا غير مبرح". ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ يقول: "فإن أطاعتك فلا تبغ عليها العلل"[1].
وجاء في تفسير الزمخشرى المتوفى سنة 538هـ "نشوزها أو نشوصها أن تعصى زوجها ولا تطمئن إليه، وأصله الانزعاج "في المضاجع" أي: في المراقد، أي: لا تداخلوهن تحت اللحاف، وهو كناية عن الجماع. وقيل هو أن يولِّيها ظهره في المضجع، وقيل في المضاجع في بيوتهن التي يبتن فيها أي: لا تبايتوهن. وقرئ في المضجع والمضطجع. ولتعرف أحوالهن وتحقق أمرهن في النشوز أمر بوعظهن أولاً، ثم هجرانهن، ثم بالضرب إن لم ينجح معهن الوعظ والهجران. وقالوا يجب أن يكون ضربًا غير مبرِّح لا يجرحها ولا يكسر لها عظمًا ويتجنب الوجه.
﴿ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ فأزيلوا عنهن التعرض بالأذى والتوبيخ والتجني وتوبوا عليهن واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن بعد رجوعهن إلى الطاعة والانقياد وترك النشوز"[2].
وجاء في تفسير القرطبي[3] المتوفى سنة 671هـ: قوله تعالى: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ ﴾ قرأ ابن مسعود والنخعى وغيرهما "في المضجع" على الإفراد، كأنه جنس يؤدى على الجميع، والهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها عن ابن عباس وغيره. وقال مجاهد: تجنبوا مضاجعتهن فيتقدَّر على هذا الكلام حذف، ويعضده ﴿ اهْجُرُوهُنَّ ﴾ من الهجران وهو البعد، يقال: اهجره، أي: تباعد ونأى عنه. وقال معناه إبراهيم النخعى والشعبي وقتادة والحسن البصري، رواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك، واختاره ابن العربي وقال: حملوا الأمر على الأكثر الموفى ويكون هذا القول كما تقول: هجره في الله. وهذا أصل مالك.
قلت: هذا قولٌ حسن ، فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت محبّة للزوج فذلك يشقُّ عليها فترجع للصلاح، وإن كانت مبغضة فيظهر النشوز منها، فيتبيَّن أن النشوز من قِبَلها. وقيل: ﴿ اهْجُرُوهُنَّ ﴾ من الهجر وهو القبيح من الكلام. أي: غلِّظوا عليهن في القول وضاجعوهن للجماع وغيره، قال معناه سفيان، وروى عن ابن عباس. وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أسرَّ أمرًا إلى حفصة فأفشته إلى عائشة، وتظاهرتا عليه، ولا يبلغ به الأربعة أشهر التي ضرب الله أجلاً عذُرًا للمولى.
وقوله - تعالى -: ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾: أمر الله أن يبدأ بالموعظة أولاً، ثم بالهجران، فإن لم ينجعها فالضرب، فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه. والضرب في هذه الآية هو ضرب بالأدب غير المُبَرِّح، وهو الذي لا يكسر لها عظمًا ولا يشين جارحة كاللكز ونحوه، فإن المقصود منه الصلاح لا غير. فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان، وكذلك القول في ضرب المؤدب غلامه لتعليم القرآن والأدب. وفى "صحيح مسلم": "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فُرُشَكم أحدًا تكرهونه. فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح" الحديث أخرجه من حديث جابر الطويل في الحج. أي: لا يدخلن منازلكم أحدًا تكرهونه من الأقارب والنساء والأجانب. وعلى هذا يجعل ما رواه الترمذي وصححه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه وذكَّر ووعظ فقال: "ألا واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عَوَان عندكم لا تملكون منهن شيئًا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. ألا إن لكم على نسائكم حقًا، ولنسائكم عليكم حقًّا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن". قال: حديث حسن صحيح. فقوله: ﴿ بِفَاحِشَة مُبَيّنة ﴾ يريد لا يدخلن مَن يكرهه أزواجهن، وليس المراد بذلك الزنا، فإذًا ذلك مُحَرِّم ويلزم عليه الحد. فقال - عليه السلام -: "اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربًا غير مُبَرِّح"، قال عطاء: قلت لابن عباس ما الضرب غير المُبَرِّح؟ قال: بالسواك ونحوه. وروى أن عمر - رضي الله عنه - ضرب امرأته فعُذِل في ذلك فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يُسأل الرجل فيمَ ضرب أهله".
وأما قوله - تعالى -: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ﴾ أي: تركن النشوز ﴿ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ أي: لا تبغوا عليهن بقول أو فعل، فهذا نهى عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن، والتمكُّن من طاعتهن، وقيل: المعنى لا تكلِّفوهن الحب لكم فإنه ليس بالهين".
وقال الإمام النسفى المتوفى سنة 710 هـ: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ ﴾ في المراقد أي: لا تدخلوهن تحت اللحاف وهو كناية عن الجماع أو هو أن يوليها ظهره في المضجع لأنه لم يقل عن المضاجع. ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ ضربًا غير مبرح. بدأ بوعظهن أولاً، ثم بهجرانهن في المضاجع، ثم بالضرب إذا لم ينجع فيهن الوعظ والهجران.. ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ﴾ بترك النشوز ﴿ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ فأزيلوا عنهن التعرُّض بالأذى.. وهو من بغيت الأمر أي طلبته، أي: إن علت أيديكم عليهن فأعلموا أن قدرته عليكم أعظم من قدرتكم عليهن فاجتنبوا ظلمهن. ﴿ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ وإنكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم. فأنتم أحق بالعفو عمن يجنى عليكم إذا رجع"[4].
وذكر ابن كثير المتوفى سنة 744هـ ما يلي: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ ﴾ قال على بن أبى طلحة عن ابن عباس: يعظها فإن هي قبلت و إلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يؤدِّ نكاحها، وذلك عليها شديد. وقال مجاهد والشعبي وإبراهيم ومحمد بن كعب ومقسم وقتادة: الهجر هو ألا يضاجعها. وقال أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن مسلمة عن على بن زيد عن أبى مرة الرقاشى عن عمه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع"، قال حماد يعنى النكاح. وفى السنن والمسند عن معاوية القشيرى أنه قال: يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تهجر إلا في البيت". وقوله: ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ إذا لم يستجبن للموعظة ولا الهجران فلكم أن تضربوهن ضربًا غير مبرِّح كما ثبت في "صحيح مسلم" عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع: "واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف". وكذا قال ابن عباس وغير واحد: ضربًا غير مبرّح. قال الحسن البصري: يعنى غير مؤثر. قال الفقهاء: هو ألا يكسر لها عضوًا ولا يؤثر شيئًا. وقال على ابن أبى طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع فإن أقبلت، وإلا فقد أذن الله أن تضربها ضربًا غير مُبَرِّح ولا تكسر لها عظمًا، فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله عنها الفدية. وقال سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبى دؤاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تضربوا إماء الله"، فجاء عمر - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: زأرت النساء على أزواجهن فرخَّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشتكين أزواجهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم"؛ رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان ابن داود يعنى أبا داود الطيالسى حدثنا ابن عوانة عن داود الأودى عن عبد الرحمن السلمي عن الأشعث بن قيس قال: "حللت ضيفا على عمر - رضي الله عنه - فتناول امرأته فضربها فقال: "يا أشعث احفظ عنى ثلاثًا حفظتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تسأل الرجل فيمَ ضرب امرأته، ولا تنم إلا على وتر، ونسى الثالثة"، وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن حديث عبد الرحمن بن مهدى عن أبى عوانة عن داود الأودى. وقوله - تعالى -: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ أي: إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك وليس له ضربها وهجرانها. وقوله: ﴿ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ تهديد للرجال إذا بغوا على النساء بغير سبب فإن الله هو العلى الكبير وهو ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن". انتهى[5].
وجاء في تفسير الألوسى المتوفى سنة 1270هـ: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى المَضَاجِعِ ﴾ أي: مواضع الاضطجاع، والمراد اتركوهن منفردات في مضاجعهن فلا تدخلوهن تحت اللحاف ولا تباشر وهن فيكون الكلام كناية عن ترك جماعهن، وإلى ذلك ذهب ابن جبير، وقيل: المراد اهجروهن في الفراش بأن تولُّوهن ظهوركم فيه ولا تلتفتوا إليهن وروى ذلك عن ابن جعفر - رضي الله تعالى عنه - ولعله كناية أيضًا عن ترك الجماع. وقيل: المضاجع المبايت أي: اهجروا حجرهن ومحل مبيتهن. وقيل: "في" للسببية أي: اهجروهن بسبب المضاجع، أي: بسبب تخلفهن عن المضاجعة وإليه يشير كلام ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فيما أخرجه عنه ابن أبى شيبة من طريق ابن الضمى، فالهجران على هذا بالمنطق، قال عكرمة: بأن يغلظ لها القول. ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ يعنى: ضربًا غير مبرح كما أخرجه ابن جرير عن حجاج عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفسر غير المُبَرِّح بألا يقطع لحمًا ولا يكسر عظمًا. وعن ابن عباس أنه الضرب بالسواك ونحوه. والذي يدل عليه السياق والقرينة العقلية أن هذه الأمور الثلاثة مترتبة. فإذا خيف نشوز المرأة تُنْصَح، ثم تُهْجَر، ثم تُضْرَب، إذ لو عكس استغنى بالأشد عن الأضعف، وإلا فالواو لا تدل على الترتيب وكذا الفاء ﴿ فَعِظُوهُنَّ ﴾ لا دلالة لها على أكثر من ترتيب المجموع، فالقول بأنها أظهر الأدلة على الترتيب ليس بظاهر. وفى الكشف الترتيب مستفاد من دخول الواو على أجزاء مختلفة في الشدة والضعف مترتبة على أمر مُدَرَّج فإنما النقص هو الدال على الترتيب.
هذا وقد نص بعض أصحابنا أن للزوج أن يضرب المرأة على أربع خصال وما هو في معنى الأربع: ترك الزينة والزوج يريدها، وترك الإجابة إذا دعاها لفراشه، وترك الصلاة - وفى رواية الغسل - والخروج من البيت إلا لعذر شرعي.
يتبع إن شاء الله ...
قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)
قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .
قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).
-
ولا يخفى أن تحمُّل أذى النساء والصبر عليهن أفضل من ضربهن إلا لداعٍ قوى. فقد أخرج ابن سعد والبيهقى عن أم كلثوم بنت الصديق - رضي الله عنه - قالت: "كان الرجال نهوا عن ضرب النساء ثم شكوهن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخلى بينهم وبين ضربهن ثم قال: "ولن يضرب خياركم". انتهى[6].
وجاء في تفسير الشيخ الجاوى المتوفى في القرن الثالث عشر الهجري: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ ﴾ أي: حوِّلوا عنهن وجوهكم في المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحاف إن علمتم النشوز ولم تنفعهن النصيحة. ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ إن لم ينجع الهجران ضربًا غير مبرح ولا شائن، والأولى ترك الضرب، فإن ضرب فالواجب أن يكون الضرب بحيث لا يكون سببًا لهلاكها بأن يكون مُفَرَّقًا على البدن، وألا يكون في موضع واحد، وأن يكون بمنديل ملفوف، وألا يوالى به، وأن يتقى الوجه". انتهى[7].
وقال أصحاب "المنتخب": "الزوجات اللاتي تظهر منهن بوادر العصيان فانصحوهن بالقول المُؤَثِّر، واعتزلوهن في الفراش، وعاقبوهن بضرب خفيف غير مُبَرِّح ولا مُهين عند التمرُّد. فإن رجعن إلى طاعتكم بأي سبيل من هذه السبل الثلاث، فلا تتطلبوا السبيل التي هي أشد منها بغيًا عليهن. إن الله فوقكم وينتقم منكم إذا آذيتموهن أو بغيتم عليهن" انتهى[8].
[1] تفسير الإمام الطبري.
[2] تفسير أبى القاسم بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشرى.
[3] الجامع لأحكام القرآن لأبى عبد الله بن محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي.
[4] تفسير عبد الله بن أحمد بن محمود النسفى "مدارك التنزيل وحقائق التأويل".
[5] تفسير الإمام عماد الدين أبى الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي.
[6] تفسير أبى الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسى المسمى "روح المعاني".
[7] تفسير الشيخ محمد نووي الجاوى.
[8] المنتخب في تفسير القرآن الكريم - تأليف لجنة من كبار علماء الأزهر الشريف - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر - ص 137.
يتبع إن شاء الله ...
قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)
قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .
قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).
-
جزاك الله خير اختي ام عبد الله
حريا بالامر المسلمة ان تهتم بالرد على الشبهات التي يستغلونها فيها
يثبت الموضوع لشموليته واهميته
دمت عزيزة بالاسلام
تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين
-
جزاكِ الله خيرا أختي فداء ووفقك الله لما يحب الرحمن
ويرضى اللهم آمين .
وشكرا على التثبيت .
قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)
قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .
قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).
-
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة أُم عبد الله في المنتدى العقيدة والتوحيد
مشاركات: 15
آخر مشاركة: 31-01-2013, 11:43 PM
-
بواسطة ismael-y في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 6
آخر مشاركة: 27-12-2006, 11:31 PM
-
بواسطة سمية العامرية في المنتدى شبهات حول المرأة في الإسلام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 07-04-2006, 10:52 PM
-
بواسطة ismael-y في المنتدى شبهات حول المرأة في الإسلام
مشاركات: 9
آخر مشاركة: 29-12-2005, 10:48 PM
-
بواسطة أبـ مريم ـو في المنتدى شبهات حول المرأة في الإسلام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 18-04-2005, 09:07 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات