٥. تكشف الطبيعة غير المرتّبة ولا السلسة لمادة التلمود، جانب القدم فيها؛ إذ إنّ من طبيعة الكتب التي يختلقها أفراد أو تصنعها بالكامل مجموعات متأخّرة، أن تكون (مسبوكة) لتخفي جانب الاختلاق. ولكن لا يمنع ما سبق من التقرير أنّ الخيال اليهودي كان له النصيب الأوفر في صناعة (الذاكرة الشفهيّة) الأجاديّة في التلمود.
٦. اضطرّ ((جايجر)) إلى أن يقول في ختام كتابه- تحسّبًا لما قد يُعترض به عليه - إنّه يقرّ أنّه ليس بالإمكان الزعم ببطلان جميع ما أوردته الأسفار اليهوديّة غير الرسميّة،وإن بدا في أذهاننا أنّ ما أوردته ليس إلاّ خرافة؛ لأنّه قد يكون له معنى آخر في صورته الأصليّة قبل أن يتغيّر شكله على ألسنة الناس ٥٢١ .. وهذه شهادة تحسب لنا، ولا يعكّر عليها أنّ صاحبها حبر يهودي؛ لأنّه كان في الحقيقة من (اليهود الإصلاحيين) الذين لا يرون قداسة هذه الأسفار على خلاف اليهود الأرثودكس.
________________
٥١٦
بسبب جهل المنصّرين العرب بالكتابات اليهوديّة وأقسامها؛ فقد توسّعت قائمة هذه التشا بهات!! ولعلّ من أسباب ذلك النقل عن الكتاب المتاح على النت ((خرافات اليهود)) للحبر ((لويس جنزبرغ))، دون معرفة منهج المؤلف في عرضه لمادته؛ إذ إنّه قد قام في المجلّدات الأربعة الأولى بعرض المادة المجمعة على شكل قصص متّصلة، وكان يضع في النسخة المطبوعة (على خلاف نسخة النت) رقمًا للإحالة، ثم قام في المجلدين الخامس والسادس بعرض مصادرالمادة التي أوردها سابقًا، وهي واسعة جدًا ليس التلمود بأقسامه إلاّ واحدًا منها.
٥١٧
قال الحبر ((عدين ستينزالص)) ((עדיןשטיינזלץ)) – أحد كبار العلماء اليهود المعاصرين (ولد سنة 1937 م )وهو ناقد وفيلسوف ومؤلّف اشتهر بتعليقه على التلمودين البابلي والأورشليمي وترجمتهما إلى العبريّة والفرنسيّة والروسيّة والإسبانيّة، وحاصل على العديد من شهادات الدكتوراه الفخريّة من الجامعات الغربيّة-: ((حفظتمادة التلمود في الذاكرة وتم تناقلها على مدى قرون))
The material of theTalmud was))
Adin Steinsaltz,
The) ((memorized and transmitted orally forcenturies
Talmud. TheSteinsaltz Edition. A Reference Guide
, N.Y.: Random
House, ١٩٨٩ (Quoted by, Jacob Neusner, The Reader’sGuide to the
Talmud, Leiden: Brill,2001.p.xv
وقال ((ب. أ. نوردل)): ((التلمود هو مستودع الشريعة، واللاهوت، والتفسير، والفلسفة، والقانون الطبيعي، والتعليم الطبي، والأخلاق، والسياسة، والاقتصاد المنزلي، كما فهمت ونوقشت في المدارس الحاخاميّة على مدى ما يقارب ألف سنة بعد العودة من بابل
P. A. Nordell, The Origin andthe Formal Contents) (of theTalmud, The HebrewStudent, Vol. ٢, No. ١ (Sep., ١٨٨٢), p.15
وقال الدكتور ((أحمد أبيش)): ((كان أول تدوين فعلي للتراث الديني اليهودي في القرن الخامس قبل الميلاد، على يد عزرا الكاتب עזרא הספר((عزرا هسوفير))، الذي يعده اليهود واحدًا من أنبيائهم الاخرونيم (أي التالين)، وله في العهد القديم سفر خاص به، ورد فيه لقبه: ((عزرا الكاهن الكاتب، كاتب كلام وصايا الرب)). وعلى ذلك، ما كان مجرد المدون الأول لأسفار اليهود، بل والمؤسس الفعلي لليهودية الباكرة المستندة إلى التوراه ( كتاب العهد) ספרהברית((سيفر هبريت)).
بعد عزرا، قام بمتابعة مهمة التدوين طائفة من الكتبة (أو كتبة الشريعة) عرفوا بالعبرية باسم ((سوفريم))، فجمعوا أسفارالتوراه وشرحوها، وربطوابها التراث المروي شفاهياً، وراحوا يتناقلونه كشرح متواتر. وعلى امتداد ٣٠٠ سنة، قامواباستنباط أحكام التوراه وتكييفها حتى أضحت شريعة تفاعلية، كما أنهم سنوا طائفة من الشرائع اصطلح على
تسميتها ((كلام السوفريم)). وبنهاية هذه المرحلة، كانت اليهودية الربانية أو الحاخمية قد تأسست بشكل واضح. ثم في بداية القرن الثاني قبل الميلاد، تألفت هيئة قضائية برئاسة ال((زوجوت)) זוגותأي المثاني من حكماء الدين - وصارت بمثابة سلطة هلخائية (تشريعية). ومن هؤلاء المثاني ظهر خمسة أجيال بين حوالي عام 150 - 30 ق.م قام أول جيل منهم بوضع الأسلوب المشنائي في تداول الشريعة الشفاهية. غير أن تدوين المشناه لم يتم في الواقع إلا بين القرنين الثاني والثالث، على يد الجيل الأخير من((الزوجوت)): هليل وشماي، في عصر التنائيم (معلمي المشناه) أواخرالقرن الأول ق.م. وهذه الفترة تميزت بمحاولات متكررة لجمع مواد المدراش والمشناه المبعثرة، فتم جمع المشناه بأكملها في مدرستي هليل وشماي مطلع القرن الثالث الميلادي، وتابعها حاخامات أخر مثل يوحنان بن زكاي (في مدرسته بيبنه)، والرابي عقيبا الذي جمع مواد متميزة من المدراش والمشناه والهجداه. بعد قيام الثورة اليهودية ضد الرومان بقيادة شمعون باركوخبا 132 - 135م تم إحياء السنهدرين (المحكمة التشريعية العليا)، فأقر رئيسها يهوداه هناسي (الرئيس) المجموعة التشريعية التامة للمشناه، وهي التي يضمها التلمود اليوم. ولم يتم آنذاك إضافة مواد من المدراش أو الهجداه، ثم شرع تلامذته يضيفون "البرايتوت" (المواد الدخيلة) ومنها التوسفتا( التذييل)، بينما تم جمع المدراشيم في مصنفات مستقلة. وخلال الثلاثة قرون التالية قام "الأمورائيم" بإضافة الجمار(الفلسطينية والبابلية)، حتى اكتمل جمع التلمود بصورة عامة في القرن السادس الميلادي.)) (التلمود، كتاب اليهود المقدس , ص , 26 - 27 )
٥١٨
رواه البخارى، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ح/ ( ٣٤٥٥ )، ومسلم،كتاب الإمارة، ( باب الوفاء ببيعة الخلفاء الأوّل فالأوّل، ح/ ( ١٨٤ ٥١٩
عدد المذكورين في الأسفار المقدّسة: خمس وخمسين، ويذهب التلمودإلى أنّ عدد الأنبياء يبلغ مئات الآلاف
Christine J. Haven, Conveyance of Eternal love,
Lulu.com,2007 .p.114
٥٢٠
انظر؛ حسن ظاظا، الفكر الديني الإسرائيلي، أطواره ومذاهبه، معهد البحوث والدراسات العربيّة، ١٩٧١ م،ص 95
٥٢١
A. Geiger, Judaism And Islam, p.161
المفضلات