ثانياً : تنزيه الصفات :
معناه أن تنزه صفاته سبحانه عن أمران :
1- عن مماثلة المخلوقين
2- عن النقص في الصفات
1- تنزيه الله عن مماثلة المخلوقين :
فالخالق له صفات والمخلوق له صفات , ولا تشابه بين الصفات إلا من جهة التسمية والألفاظ فقط لا من حيث الحقيقة
ووجود هذه الصفات في الله كاملة غاية الكمال ,
ووجودها في المخلوقين ناقصة غاية النقص ,,
لذلك لا مماثلة بين صفات الخالق وصفات المخلوق .
مثال
* صفة الوجود : الله تعالى له وجود وأنت لك وجود .. لكن وجود الله تعالى ليس كوجودك , فوجودك مسبوق بعدم أما وجوده – سبحانه – ليس مسبوق بعدم لأنه أزلي قديم ووجود الله ذاتي , أما وجود الانسان موهوب , لذلك ينتهي بموته ثم يوهب له الوجود مرة أخرى يوم القيامة .
● الله تعالى له وجه ... لكن ليس كوجه المخلوق ، قال تعالى ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) " القصص:88 "
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ويُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لاحرقت سُبُحات وجهه كل شيء أدركه بصره ) صحيح مسلم
● والله تعالى له يدان .. لكن ليس كيداك ، قال تعالى ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) " المائدة:64 "
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن عزّ وجلّ وكلتا يديه يمين ) صحيح مسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يطوي الله عزّ وجلّ السموات والأرض يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك )
أخرجه مسلم
● والله تعالى له عينان .. ولكنها ليست جارحة كأعيننا فهي عين حقيقية تليق بعظمته وجلاله قال تعالى ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) " طه:39 "
وذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة وذكرها بالجمع كما في قوله ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) " القمر:14 "
ليس معناه أن له أعين كثيرة وإنما الجمع للتعظيم كقوله " إنّا " " ونحن"
والسُنة قد بينت أنه سبحانه له عينان اثنتان لحديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الدجال . قال: ( إن الله لا يخفى عليكم أن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه وأن المسيح الدجال أعور العين اليمنى )
فينبغي أن نؤمن بهذه الصفات وغيرها مما ورد في القرآن والسُنة وننزه الله تعالى عن مماثلة المخلوقين في هذه الصفات .. ولا نؤول معناها كقول القائل : اليد معناها القدرة والعين معناها العلم .. إلخ
فإذا قرأنا قوله تعالى ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) أي بمرأى منا بأعيننا , وبذلك نثبت الرؤية ونثبت العين
أما إذا قلت المراد بالآية : العلم والإحاطة فأنت تثبت الرؤية ولا تثبت العين , ولو أراد الله العلم فقط لقال تجري بعلم منا ، ولكن الآية تشير إلى ثبوت العين لله , وليس معنى الآية أن السفينة تجري في عين الله وإنما معناه أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتحفظها
وكذلك كقوله تعالى ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) ليس معناه أن الملك في يد الله ولكن المعنى أنه في تصرفه مع ثبوت اليد له سبحانه ، فالخطأ أن تقول بيده أي أمره بدون أن تثبت اليد
والأصل في تنزيه صفات الله عن مماثلة المخلوقين هو تنزيه ذاته عن سائر الذوات فطالما اختلفت الذوات فلا يمكن أن تتماثل الصفات
فأنت تقول : عين إنسان , عين الماء , عين الحيوان , عين حلوان ...
ولا تشابه حقيقي بين كل ما سبق , كما أنه لا تشابه بين رأس الإنسان ورأس الحيوان ورأس المال فلا تشابه إلا في الأسماء وذلك لاختلاف الذوات
فتنزيه الصفات مبنياً على تنزيه الذات
وحينئذ لا عجب أن تعلم أن الله مستو على عرشه ومع ذلك يتنزل في سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل.
فتنزله لا يكون سبباً لخلو عرشه منه , واستواءه على العرش لا يمنع من تنزله , لأن تنزله ليس كتنزل المخلوقين فهو يتنزل نزول حقيقي لكنه نزول يليق بجلاله
وكذلك معيته للخلق لا تتناقض مع علوه وكونه في السماء لأن معية الله ليست كمعية المخلوق للمخلوق
فمعية الله لا تقتضي أن يكون الله تعالى مختلطاً بالخلق أو حالاً في أمكنتهم فهو سبحانه مع خلقه وهو على عرشه يعلم أحوالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويدبر أمورهم.
فالعلو لا ينافي المعية والعرب تقول: ما زلنا نسير والقمر معنا .. وهم يسيرون في الأرض والقمر في السماء ، فالله سبحانه معنا معية حقيقية ولكنه غير مختلط بنا .
فهذا هو تنزيه صفات الله عن مماثلة صفات المخلوقين
2- أما تنزيه صفاته عن النقص فمعناه :
أن صفاته كاملة غاية الكمال.
● فسمعه كامل : يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء لا يشغله سماع جماعة عن سماعه لجماعة أخرى
لهذا حين جلست المرأة المجادلة تحادث رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد كنت في طرف الحجرة وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها.
فهو سبحانه يسمع كل شيء .. إن تكلمت في ملأ سمعك , وإن تحرك لسانك بالقول دون صوت يسمعك , بل وإن حدثت نفسك فهو يعلم ولهذا قال في الحديث القدسي ( من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيرٌ منه )
● وبصره كامل : فهو يرى كل شيء وان خفي وان بَعُد , لا يغيب عنه شيء , يرى ما تحت الأرضين السبع ويرى ما فوق السموات السبع.
● وقدرته كاملة : فلا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير
● وعلمه كامل : لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى ( وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) " يونس:61 "
فهو سبحانه لا يغيب عن علمه مثقال ذرة ولا أصغر منها
وقال تعالى ( وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )
" الأنعام: 59 "
هكذا كل صفاته سبحانه كاملة غاية في الكمال ... أما صفات المخلوق ناقصة
مثال : علم الإنسان .. ناقص ابتداءً وانتهاءً وشمولاً
ناقص ابتداءً .. لأنه مسبوق بجهل
ناقص انتهاءً .. لأنه ملحوق بنسيان
ناقص شمولا .. لقوله تعالى ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) " الإسراء:85 "
أما عِلم الله فهو كامل ابتداءً وانتهاءً وشمولاً
فهو كامل ابتداء لأنه موصوف بالعلم أزلاً فهو غير مسبوق بجهل ، وانتهاءاً ( لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) " طه:52 "
وشمولاً لأنه شامل لكل شيء لقوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) آل عمران:5
* وفى صحيح مسلم فى قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح جاء فيها :
( وجاء عصفور فوقع علىطرف السفينة فنقر فى البحر نقرة فقال له الخضر عليه السلام: ما نقص علمى وعلمك منعلم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر )
ونقر العصفور ليسبنقص للبحر , فكذلك علمنا لا ينقص من علمه شيئا.
إذن : تنزيه الله تعالى فى الصفات معناه ان تنزهه عن النقص فى
الصفات فتثبت له الكمال وتنزهه عن مماثلة المخلوقين .
المفضلات