قال القعيد ذلك فى حوار أجراه معه أحمد طايل بعنوان "حوار مع المواطن مصرى: الكاتب الكبير يوسف القعيد"، ونشره فى موقع "منتديات السعودية تحت المجهر": "من مخاوف تلك الأيام التى لا تنسى (يقصد أيام طفولته) كان تحذير أبى وأمى لى ألا أذهب إلىالكنيسة. سيخطفنى القسيس ويغطسنى فى البئر لأخرج نصرانيا، أى كافرا. من يومهاوالكنيسة هى أجمل مكان فى القرية بالنسبة لى. أمامها شجرة ذقن الباشا، التى تحولالمكان إلى جنة. ومن وراء الباب العالى عالم مجهول. ألم يقل أجدادنا أن كل ممنوعمرغوب؟".

* * *
هذا من ناحية المضمون، وأما من الناحية الفنية فالرواية مفككة وملزَّقة تلزيقا يبعث على القىء. ولنبدأ من حيث انتهت راجعين القهقرى إلى أن نبلغ نقطة البداية فيتضح التفكك البشع الذى يسم الرواية فى كل مفاصلها. لقد انتهت "قسمة الغرماء" بأن أسلمت مهرة نفسها للولد النصرانى الأجرب، وهو ما لا يمكن أن يقبله منطق، إذ كانت تحتقره وتنفر منه كما قلنا، وتتصور أن لمسه يفسد عليها وضوءها. فكيف تتغير مشاعرها بين عشية وضحاها كل ذلك التغير الضخم دون أى مسوغ؟ ذلك أنه كان قد تركها قبل أربع وعشرين ساعة. والإنسان لا يتحول كل هذا التحول فى هذا الوقت جِدّ القصير. ثم إنها امرأة ناضحة، وكانت مهوى أفئدة الرجال وشهواتهم يوما غير بعيد، وما زالت كلما خرجت إلى الشارع تدير الرؤوس وتبرجل العقول، أما هو فكان ولدا نيئا ليس فيه ما يغرى أية امرأة أو فتاة، فلا هو بالوسيم ولا هو بالأنيق ولا هو بالغنى ولا هو بالفحل ولا هو بالغَزِل ولا هو بالمشهور كلاعبى الكرة أو الممثلين مثلا ولا هو بصاحب التجارب فى دنيا الجنس أو العواطف، بل كان غبيا محدود الخبرة لم نره يفكر فى النساء طوال حياته مرة. صحيح أنه ذهب إلى زميل كليته إكرامى ليأخذ منه شريطا إباحيا قبل ذهابه قبل ذلك إليها بيوم، لكن هذا الأمر لا يزيد عن أن يكون تلفيقة أخرى من تلفيقات القعيد الكثيرة التى تطفح بها الرواية والتى لا تقنع أحدا. ذلك أنه لم يكن صديقا لإكرامى حتى يفكر فى الذهاب إليه وأخذ هذا الشريط منه. كما أن الفارق الاجتماعى والمادى والمسكنى بينه وبين إكرامى مما كان ينبغى أن يكون حجر عثرة يمنعه، هو نزيل اللوكاندة الشعبية البائسة الكئيبة والعاجز هو وأمه بسبب الفقر الذَّكَر عن تدبير معيشتهما إلى آخر الشهر فى يوم من الأيام، من التفكير فى زيارته. ثم إنه لم يكن لديه جهاز عرض للأشرطة المرئية بل ولا تلفاز أصلا أو حتى مذياع، بل لم تكن حالتهم المالية تسمح له بالتفكير فى ترف التطلع إلى مشاهدة فلم إباحى. قد يقول متنطع: ولكنه وضع فى ذهنه أن يشاهده عند مهرة. والرد على ذلك أبسط من البساطة، إذ لم تعامله مهرة يوما على نحو يجعله يمكن أن يفكر فى طلب هذا منها. بل إنه لم يكن يعرف أن لديها جهاز فيديو أصلا. وطبيعة علاقته بها لا تتحمل شيئا من هذا أبدا، إذ كان يذهب إلى بيتها فى كل شهر مرة ليقبض منها المبلغ الذى كان أبوه يرسله له هو وأمه عن طريقها ثم يعود ولا يمكث عندها إلا ريثما يأخذ الفلوس. ولا ننس أنه نصرانى، وهى سيدة مسلمة، وفوق ذلك سيدة متدينة متشددة فى الدين. ولم يكن يدور بينه وبينها أى حديث من أى نوع. وكله كوم، وأن يكون الشريط شريطا جنسيا إباحيا كوم آخر. إننا لو كنا فى أمريكا ما جرؤ مراهق مثله أن يطلب من أية امرأة حتى لو كانت جارته أن تسمح له بمشاهدة مثل ذلك الشريط فى بيتها. هذا كلام يدل على خلل فى العقل وفى الفن على السواء.
سيقول السخفاء من النقاد الانتهاكيين وأشباههم: ولكن لا تنس أنها كانت فى مأزق العجز عن تدبير ثلاثمائة الجنيه التى أرسلها أبوه إليها كالعادة والتى أنفقتها ثم عجزت عن تعويضها. وردى هو أنه لا أحد، عاقلا أو غير عاقل، سيصدق أن تدبير مبلغ كهذا يمكن أن يشكل مأزقا فى الوقت الحاضر، فهو من التفاهة بمكان، وبخاصة بالنسبة إلى واحدة كمهرة كانت ممثلة ومذيعة شهيرة يبلغ صيتها أبعد الآفاق، ولها اتصالات بكبار القوم من فنانين وإعلاميين ورجال أعمال، وفوق ذلك فاتنة الجمال وغاية فى الأناقة حتى إنها، حين تخرج إلى الشارع رغم ابتعادها عن الأضواء ومظاهر الترف واكتفائها فى ملابسها بالحد الأدنى، تبرجل الشارع كله وتجعله يمشى على رأسه. فهل مما يقبله عقل أن يقال إنها اضطرت إلى اللجوء إلى إغواء هذا الـجُرَذ الأجرب وتسليم نفسها إليه؟ (والجُرَذ: مفرد "جِرْذان" مع الاعتذار للقذافى يا عشاق البيان). ولسوف تجد بدل الشخص مليون شخص على استعداد تام لتوصيل المبلغ إلى منزلها مع الرغبة الشديدة فى نوال الرضا السامى من طرفها. والواقع أن هذه أول مرة أسمع فيها أن امرأة فى مثل ظروف مهرة تبيع عرضها بثلاثمائة أهيف! وذلك يذكرنى بفلم "أشرف خاطئة" لطيّبة الذكر نجوى فؤاد، وهو من الطراز ذاته الذى يفقع الـ... أم أقول لكم؟ لا داعى لإكمال الجملة، فالطيب أحسن!
أما لو افترضنا مع السخفاء أنها لم تجد غضاضة فى التفريط فى عرضها رغم ذلك كله، فضلا عن أنها كانت من التائبات المتطهرات المتنطسات، لقد كان فى تفريطها فى عرضها مع واحد من الكبار الثقال الجيوب مندوحة عن اجتراحه مع ذلك الـجُرَذ الأجرب. أليس كذلك؟ ألم يقولوا فى الأمثال: إن خطبت فاخطب قمرا، وإن سرقت فاسرق جملا؟ وعلى هذا فإن كان لا بد أن تَزِلّ مهرة فَلْتَزِلَّ مع فحل من الفحول لا مع فأر هزيل مسلوخ. والمضحك أن القعيد أَقْصَدَها قبل ذلك زوجَها وطليقَها وعشيقَها السابق مصطفى نور الدين تطلب منه المبلغ، لكنه خيب رجاءها، بل رفض أن يقرضها إياه ولو بالربا، وأدخلها بدلا من ذلك فى متاهة من التحليلات المتكلَّفة المتنطعة السمجة كأى شىء آخر فى الرواية قائلا إن من الممكن أن يكون مرسل المال الشهرى لماجد وأمه عصابة إرهابية للإيقاع بها فى حبائلها، ثم نصحها أن تبتعد عن هذا الشَّرَك. أرأيت أيها القارئ سقما فى الخيال كهذا السقم؟ عصابة إرهابية (مسلمة طبعا!) تنصب فخا لشخص بثلاثمائة جنيه ويتداخل فيها المسلم والنصرانى! لقد دخلنا فى مستنقع "الـمَعْيَلَة" إذن. والمضحك أن مصطفى نور الدين قبيل هذا كان ضابطا فى إدارة حساسة بالجيش يوشك أن يُرَقَّى إلى رتبة عالية. ترى أهذا هو مستوى هؤلاء الضباط عندنا؟ إن كان فعليكِ يا مصر السلام! لكن لم الاستغراب ما دام عصرنا هو العصر الذى يلمع فيه أمثال القعيد المحروم من الموهبة والقدرة على الإبداع الأدبى المعتبر حتى ليكتب مثل هذه الرواية ذات المستوى المنحط؟
ومع ذلك لقد كان الأمر أبسط من هذا كله، إذ كان بمكنة مهرة أن تأخذ المال من أقاربها، وهى من أسرة غنية، إلا أن سقم خيال قعيد أفندى قد ضرب عن ذكر أهلها صفحا كأنها امرأة مقطوعة من شجرة بعدما كان لها أهل وعزوة، ثم تبخر هذا كله تبعا لأوامر سيدنا المنتهك وناقدنا راعى الانتهاكيين. وعبثا تبحث عنهم سلقط فى ملقط، أو ملقط فى سلقط فلن تجد منهم أحدا، ولن تسمع لأى منهم رِكْزا، فكأنهم فص ملح وذاب. أما أين ذاب فلا ينبغى أن تشغل نفسك به، بل عليك أن تكبّر دماغك. وكم ذا فى رواية القعيد من المضحكات، ولكنه ضحك كالبكا! أما إذا كان أهل مهرة قد أخذتهم شوطة كشوطة الفراخ كما قد يقول لك القعيد ودفنوهم فى مقبرة جماعية طبقا لما يحدث فى مثل هذه الحالة بعدما رشوا عليهم مادة مطهرة حتى لا تنتقل الشوطة إلى أحد من الأحياء، فعندى حل آخر: أن تتمترس مهرة فى بيتها ولا تفتحه للفأر الأجرب حين يأتى للسؤال عن المبلغ، أو تطرده وتنهره حتى لا يريها وجهه مرة أخرى وتنكر أنها تعرفه أو أن له عندها شيئا. وهل هناك دليل على أنها كان تقبض من أبيه مبلغا شهريا لتوصيله إليه؟ ولنفترض أن الأب عاد وطالبها بالجنيهات الثلاثمائة التى لم تسلمها لابنه، فهل هناك إيصال بتوقيعها يمكنه أن يقاضيها بناء عليه؟ وهذا إن عاد، وإلا فهل نسيتم المسلمين الإرهابيين الذين يرابطون له فى صالة المطار منذ استطاعته الفرار منهم فى الخفاء؟ فليضع رجله إذن فى المطار، وأنا موقن أنهم سوف يأكلونه هَمّ يا مَمّ. ثم إنه لم تكن ثمة صلة بين مهرة وبينه، وبخاصة أنهما من عالمين مختلفين تمام الاختلاف، علاوة على أنه كان هاربا حسبما تقول الرواية من تهديدات المسلمين المتشددين، الذين مهرة واحدة منهم. فكيف اختارها للقيام بتوصيل المبلغ إلى ابنه؟ وكيف لم يكن يحول المبلغ إلى زوجته أو ابنه مباشرة؟ ألم يكن يخشى، جَرَّاء ما تلقاه من تهديدات، أن يخطف المسلمون ابنه أو يشوهوا وجه زوجته بالنار إذا ظلا مرتبطَيْن بهم على هذا النحو بسبب المبلغ الذى يرسله إليهما كل شهر عن طريقها؟ فلماذا يحرص على أن يربط مصيرهما بالمسلمين، وأمامه الطريق المستقيم، الذى عرّفونا فى الهندسة (تخصُّص ابنه ماجد بالمناسبة) أنه أقصر خط بين نقطتين يما يترتب على ذلك من أن المشى فيه يتطلب أقل جهد يمكن أن يبذله الإنسان؟ أم تراه كان من ذلك النوع النكد الذى لا يستريح إلا إذا نكّد على نفسه وأوقعها فى المشاكل ثم ذهب يشكو لمن حوله ظلم القضاء والقدر؟
ثم إذا كان عبود قد انخبط فى عقله وركب دماغه رغم ذلك كله فعرَّض ابنه بسلوكه هذا الغريب غير المفهوم إلى الخطر الإرهابى الإسلامى، فهل انخبطت زوجته هى أيضا فى عقلها فلم تتذكر أن لها أو له هو أهلا يمكن أن تلجأ إليهم ليساعدوها فى تربية الولد؟ هل أخذتهم هم أيضا شوطة كالتى أخذت أهل مهرة؟ ولنفترض أن هذا قد وقع فعلا، وهو بالتأكيد لم يقع ولا يمكن أن يقع، إذ المصادفات لا تقع فى الحياة على هذا النحو المضحك الذى يشيع فى بعض الأفلام المصرية وكل الأفلام الهندية المتخلفة، وكذلك فى روايات القعيد، التى تفوقت بحمد الله على كلا النوعين من الأفلام، فأين ذهبت الكنيسة؟ وكيف تركتها هى وابنها يقاسيان الفقر وذل الحاجة واحتمال تعرضهما لغواية التحول إلى الإسلام، لا لما فى الإسلام من حق والعياذ بالله (حتى ينبسط كل شيوعى حقير!) بل للضغوط التى يمارسها الإرهابيون ذوو اللحى المتذبذبة غضبا حين يصعدون إلى نزلاء اللوكاندات من أمثالها ويتساخفون عليهم طالبين منهم لا بسيف الحياء بل بسيف الإرهاب أن يأمروا أبناءهم المحاريس (جمع "محروس" لا جمع "محراث" كما قد يظن بعض الكتاب ممن يكتبون "الذبيب" بالذال بدلا من الزاى) بالنزول لـيصلوا الجمعة "حاضرا": لا فرق بين مسلم منهم ونصرانى أو يهودى أو حتى مجوسى أو هندوسى. والزَّنّ على الآذان أمرّ من السحر كما نعرف فى مصر، أجارك الله! والكنيسة، حسبما يعلم الجميع، قلبها رهيف على رعاياها، وبخاصة إذا كان فى الأمر شبهة احتمال التعرُّض لذلك الضرب من الغواية. وقديما قيل: الباب الذى يجىء منه الريح سُدَّه فتستريح! وبحمد الله فالكنيسة لا تشكو فقرا، والبركة فى أموال أقباط المهجر، ودعنا من أموال أقباط الداخل، الذين يسيطرون على نسبة هائلة من اقتصاديات البلد، ورغم هذا لا يكفون هم وأقباط الخارج عن الشكوى والنياحة من اضطهاد المسلمين الإرهابيين لهم. وأرجو ألا تحاسبنى على استخدام كلمة "الأقباط" للنصارى حصريا، فهم أصحاب البلد، أما نحن المسلمين فضيوف، وكيف يكون الضيف على مصر قبطيا؟ أم للسيد القعيد رأى آخر؟ من هذا كله نرى كيف تقوم حبكة الرواية على السخف الذى لا يدخل العقل أبدا ولا بالطبل البلدى، ومهما أخذ السيد القعيد مائة ألف جنيه جائزة على هذا السخف الانتهاكى حتى لو تكرر هذا الأخذ يوميا من هنا حتى مطلع الشمس من مغربها!
كذلك كان باستطاعة الأم أن تشتغل مدرّسة فى المدارس النصرانية كما كانت تفعل من قبل رغم أنها ليس عندها أية شهادات والحمد لله سوى شهادة الميلاد (أما شهادة "لا إله إلا الله" فلا تملكها بطبيعة الحال). ولا يحبّكنَّها بعض القراء فيقولوا: كيف تشتغل مدرّسة وهى إنما تفك الخط بشق الأنفس، فنحن فى روايات يوسف القعيد، وهو حر فى رواياته، ومَنْ حَكَم فى رواياته ما ظلم. وواحدٌ واضعٌ يده تحت ذقنه، فلماذا يغضب الآخرون؟ أما إذا أصر بعض القراء على تحبيك الأمور فمن الممكن أن تشتغل الأم فى مساعدة ربات البيوت فى الأعمال المنزلية، وهى تدر دخلا معقولا بدلا من سكنى اللوكاندات البائسة التى تجلب الهم والغم، وتجلب أيضا اللحى الإرهابية المتذبذبة من الغضب والغيظ لأن الابن المحروس لا ينزل لصلاة الجمعة "حاضرا". أما إذا لم ينفع شىء من هذا كله فمن الممكن أن تلجأ إلى بعض أهل الخير، ولن تضيع إن شاء الله، فالخير موجود فى الدنيا دائما أبدا رغم كل الفساد الموجود فى مصر المحروسة. بل إن كثيرا من المسلمين لعلى استعداد لمساعدة أمثالها لا يشترطون فى ذلك أن تدخل الإسلام. ألم يكن عمر بن الخطاب يعطى أهل الكتاب من الصدقات؟ أما إذا لم تنفع هذه أيضا فليس أمام الإنسان إلا أن يشق هدومه غيظا من قعيد وتحبيكات قعيد، وهو ما لا يفعله المسلم، وإذن فسوف يطقّ من أجنابه!
وهذا يذكّرنى بقريب لى كان مجندا فى القاهرة، فكان يأتى وينام عندنا فى الغرفة المفروشة التى نؤجرها فى العباسية عقب نصر رمضان المجيد على إسرائيل عام 1973م (لاحظ التاريخ الميلادى من فضلك!)، وكنت أحثه على الصلاة، فيعتذر بحذاء الجيش الذى يرتديه، فأنظر فأرى حذاء طويلا جدا يصل إلى صدره وقد ربطه برباط يبلغ عدة أمتار أنفذه من خلال عشرات الخروم، فيظن أنه قد أفلت منى. إلا أن العبد لله لا يستسلم بهذه السهولة، وكيف أستسلم وأنا قد درست الفقه فى الأزهر؟ أم ترانا كنا نلعب؟ فأقول له: بسيطة يا أبا السِّىء (حسبما كنا نناديه على سبيل المزاح بدلا من أبو السِّيد، إذ كان اسمه "سيد" كما لا أحتاج أن أقول). يمكنك أن تتوضأ ولا تخلع حذاءك الطويل هذا الذى يدفئ صدرك خوفا من إصابتك بالبرد (أقول له هذا رغم أننا كنا أيامها فى عز الصيف!)، بل تمسح عليه وتصلى. لكن أبا السىء لا يسكت بل يرد على قريبه الذى هو أنا قائلا كأنه أتى بالذئب من ذيله: وكيف أصلى بالحذاء؟ هذا لا يليق! يقول أبو السِّىء هذا وهو ينظر لى من تحت لتحت كأن الحياء يغلبه، فأقول له: ولكن يليق طبعا ألا تصلى أصلا. أليس كذلك؟ ثم أقهقه أنا وزملاء الشقة على المنطق العجيب لأبى السىء، لا ساءكم الله! نسيت فى زحمة الكلام أن أقول إن أبا السِّىء لم يكن يكتفى بالمجىء وحده إلى الغرفة التى نسكنها من الشقة المفروشة، بل كان يأتى ومعه زميل له مجند لا نعرفه (بحذاء طويل أيضا. خذوا بالكم)، ويأتى زميله هذا بأبيه (ببلغة هذه المرة. بَصْرَة!)، فكنا نخاف أن يأتى الأب بالأم، وتأتى الأم بالأولاد لأنها لا تستطيع أن تفارقهم (يا ولداه!)، ويأتى فى ذيل الأولاد بقية أقاربهم فى القرية لإرواء غلة الشوق إلى الصغار، الذين هم أحباب الله كما تعرفون... وهكذا حتى كدت أفقد عقلى ويأخذوننى إلى العباسية، وهى على بُعْد فركة كعب منا ليس إلا لأُشَرِّف إسماعيل المهدوى هناك، وبهذا يتجاور الرجعى الظلامى المتخلف مع التقدمى الاشتراكى المتنور. ولا أريد أن أمضى فأحكى بقية طرائف أبى السىء معنا، وإلا ما انتهيت


يتبع