كان روح بن حاتم المُهلِبي والياً علي البصرة ،فخرج إلي أعداء العباسيين من جنود الخراسانية ،وكان معه في البصرة أبو دلامة فأمره بالخروج معه .
وفي ميدان المعركة خرج فارس خراساني كأنه النار المتأججة خرج طالبا المبارزة ،فخرج إليه جماعة من جنود روح ولم يرجع منهم أحد قتلهم جميعا . فأمر روح أبو دلامة بالخروج لمقاتلة الفارس ،فأمتنع . فألزمه ، فاستعفاه فلم يعفه فأنشد أبو دلامة :
إني أعوذ بروح أن يقدمنــــــي = إلي القتال فيخزي بي بـــــــنو أسـد *(1)
بنـي المهلب حب الموت أورثكم = وما ورثت ُ اختيار الموت عن أحـــــــــد
إن الدنوَ إلي الأعداء أعـــــــرفه = مما يفرق بين الروح والجـــــــــــسد
فأقسم عليه روح ليخرجن وقال :له لماذا تأخذ عطايا السلطان ؟ فقال : لأقاتل عنه . قال روح لما لا تبرز إلى عدو السلطان فقال أبو دلامة :
أيها الأمير إن خرجت إليه لحقت بمن قتلهم هذا الفارس الملعون ،وليس الشرط لاخد عطية السلطان أن أقتل بل لأقاتل عنه .
فحلف روح : لتخرجن فتقتله أو تأسره أو تقتل دون ذلك
. فلما رأى أبو دلامة أن لا مفر من الخروج قال : أيها الأمير
، إنك تعلم أنه أول يوم لي في أيام الآخرة ،ولا بد لي فيه بالزاد ،فأمر له برغيف مطوي علي دجاجة ولحم وفاكهة
،فشهر سيفه وخرج وكان تحته فرس جواد .فأقبل يجول ويلعب بالرمح وكان مليحا في الميدان ، والفارس الخراساني يلاحظه ،ويتحين منه غرة(2) ،حتى إذا وجدها اقبل عليه كالإعصار في غبار كالليل سواداً
فأغمد أبودلامة سيفه وفال للفارس : لاتعجل واسمع من-عافاك الله –كلمات إليك: أتيتك فإنما أتيتك في مهم ،فدنا الفارس منه فقال :وما المهم ؟ قال : اوما تعرفني ؟ قال :
أنا أبو دلامة قال سمعت بك حياك الله . فكيف برزت إلي وطمعت في بعد أن رأيت من قتلتهم من أصحابك ؟ فقال أبو دلامة : ما خرجت لأقاتلك ولكني رأيت لباقتك وشهامتك (3) فاشتهيت أن تكون لي صديقا ً ، وإني لادلك علي من هو أحسن من قتالنا قال الفارس :قل –علي بركة الله . قال إني أراك وقد تعبت وأنت بدون شك سغبان (4) ظمآن فقال : نعم .
فقال :فما شأننا بجند خراسان وجند العراق ؟ إن معي لحما ً وخبزاً ونقلاً كما يتمني المتمني . وقدير ماء نمير بالقرب منا ،فنخرج إليه علي شطه نأكل ونشرب وأترنم لك بشيء من شعري ، قال الفارس هذه غاية أملي.
فخرجا من حلقة القتال ،وجلسا إلي الغدير فأكلا وشربا وقال أبو دلامة للفارس إن روحاً-كما علمت من أبتاء الكرام فإن ذهبنا إليه سيعطيك خلعة (5) فاخرة ،وفرس وجوادا ومركبا (6) مفضضاً وسيفا ً محلى ورمحا ً طويلاً ،فقال الفارس: سر بنا علي بركة الله . فسارا حتى إذا قدما من وراء العسكر ، ودخلا علي روح فقال له : أين كنت يا أبا دلامة ؟ فال فيما أرسلتني إليه قال : روح وما ذاك ؟ قال: أما قتل الرجل فما أطقته ،وأما سفك دمي فما طبت به نفسا ، أما الرجوع خائبا فلم أقدم علية وقد تلطفت وأتيتك بالفارس أسير كرمك وعفوك .
فعفا عنه روح ، وجعله من قواده :فأنقلب الخراساني يقاتل الخراسانية ،فكان من أكبر أسباب ظفر روح بأعدائه . أما أبودلامة فقد أجزل له العطاء .
المفضلات