بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده والصلاه والسلام على من لا نبي من بعده , محمد النبي الامي , الذي بلغ عن ربه اليقين , المعصوم عن النطق بهوى الجاهلين , الحجةُ في قوله وفعله وسكوته على العالمين, حجهٌ على الاولين , وحجه على الاخرين , والشهيدِ على اهل الدنيا يوم الدين , صاحب الشفاعه , ومبين طريق اقامه الجماعه , عليه اصلي واسلم , فصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد :
اهل السنه والجماعه مصطلح َكُثرَ مستخدميهِ في هذه الايام , واطلق كثير من الناس على انفسهم بانهم اهل سنه وجماعه , وكثير منهم لا يعلمون معناه , ولا يعون دقائقه , فرأيت ان ابينه لهم , مؤسساُ كلامي على كتاب الله وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم , حتى تتم الفائده لنا ولهم باذن الله , فأقول :
السُنَةُ هي كل ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير , ويترتب على هذا سؤال من هم اهل السنه , هل هم الذين اشتغلوا بعلوم الحديث , ام ان اهل السنه هم الذين يطبقونها على انفسهم , واظن انه لاحاجه لمناقشه ان الراي الثاني وهو الصواب , فعليه , اهل السنه هم المطبقون لها , والذين يقيمونها في شعائرهم .
اما الجماعه فانها لفظ كثر استخدامه في السنه وألآثار , فمما ورد في السنن حديث ابن عباس المتفق عليه , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( من رأى من اميره شيئاً فكرهه فليصبر فانه ليس احد يفارق الجماعه شبراً فيموت
الا مات ميته جاهليه ))
وحديث ابي هريره عند مسلم والنسائي , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
((من خرج من الطاعه وفارق الجماعه , فمات , مات ميتةً جاهليه))
وأخرج احمد من حديث فضاله بن عبيد الانصاري , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :
((ثلاثه لا تسأل عنهم , رجل فارق الجماعه , وعصى امامه , و ومات عاصيا ....))
وعند احمد ايضاً حديث النعمان بن بشير قال صلى الله عليه وسلم :
((.... والجماعه رحمه , والفرقه عذاب ))
وأخرج مسلم عن عرفجه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((من أتاكم وامركم جميع على رجل واحد , يريدُ ان يَشُقَ عصاكم , ويفرق جماعتكم فأقتلوه ))
وعند مسلم ايضا من حديث حذيفه بن اليمان من حديث السؤال عن الخير والشر
(( كان الناس يسالون الرسول عن الخير وكنت اساله عن الشر مخافه ان يدركني....
...دعاه على ابواب حهنم من استجاب لهم قذفوه فيها , فقلت يا رسول الله : وما تأمرني ان ادركني ذلك , فقال تلزم جماعه المسلمين وامامهم ... ))
وعن عمر عند النسائي وابن ماجه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((...... , فمن أحبَ منكم ان ينال بحبوحه الجنه فليلزم الجماعه ))
واخرج احمد والترمذي والنسائي وابو داوود , عن الحارث الاشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :
((وأنا آمركم بخمسٍ الله أمرني بهن , بالجماعه , والسمع والطاعه , والهجره , والجهاد في سبيل الله , فأنه من خرج من الجماعه قيد شبر فقد خلع رَبِقَةَ الاسلام من عنقه الا ان يرجع ومن دعا بدعوى الجاهليه فهو من جُثى جهنم . قالوا يا رسول الله , وان صام وصلى ؟؟؟ قال وان صام وصلى وزعم انه مسلم ))
فلفظ الجماعه الوارد في هذه الاحاديث, ورد مقيداً أما بالالف واللام , واما بالاضافه الى المسلمين واما الى الضمير العائد اليهم ,
فَوَرَدَ : (( الجماعه )) , (( جماعه المسلمين )) , (( جماعتكم )) , ولم يرد على لسان الرسول عليه السلام لفظ (( الجماعه )) الا مقيداً غير مطلق .
وهو وان ورد على لسان بعض الصحابه مطلقا فانه يُحمل على المقيد , كما تنص على ذلك القاعده الشرعيه , كقول سعيد بن زيد الذي يرويه الطبري : (( ...... كرهوا ان يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعه ))
وكلام علي الذي اخرجه البخاري : ((( اقضوا كما كنتم تقضون فاني اكره الخلافَ , حتى يكون للناس جماعه او اموت كما مات اصحابي ))
هذا وان ورد مطلقا الا ان آخرين من الصحابه والتابعين كانوا يستعملونه مقيداً , كما روى ابن عبد البر في التمهيد عن ابي الدرداء قال :
(( كان يقال خمسٌ كان عليها اصحاب محمد والتابعون لهم باحسان : لزوم الجماعه , واتباع السنه , وعمارة المساجد , وتلاوه القرآن , والجهاد في سبيل الله ))
فحيث ما ورد لفظ (( جماعه )) مطلقا غير مقيد , فانه يحمل على المقيد , من باب القاعده الشرعيه .
وعلى هذا فان الجماعه التي امر الرسول بالالتزام بها ليست مطلق جماعه , لان النصوص تصرح بجماعه مقيده , اي جماعه معهوده مقيده , ذات مواصفات خاصه , لا مطلق جماعه .
وهنا مساله : ما هي مواصفات هذه الجماعه التي امر الرسول بها وكيف نعرفها ؟؟
نعود الى احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم اتحدد لنا مواصفات وتعريف هذه الجماعه .
فحديث عرفجه السابق الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم : ((من أتاكم وامركم جميع على رجل واحد , يريدُ ان يَشُقَ عصاكم , ويفرق جماعتكم فأقتلوه ))
وحديث حذيفه الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم : (( تلزم جماعه المسلمين وامامهم ))
قرن الرسول الجماعه بالامام , وحديث ابن عباس المتفق عليه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من رأى من اميره شيئاَ فكرهه , فليصبر , فانه ليس احد يفارق الجماعه شبراً فيموت , الا مات ميتهً جاهليه )) , فعدم الصبر على الامير وخلع طاعته مفارقهٌ للجماعه , وحديث ابي هريره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من خرج من الطاعه وفارق الجماعه )) فالخروج من طاعه الامام , مفارقهٌ للجماعه ,
وحديث فضاله (( رجل فارق الجماعه وعصى امامه )) , فعصيان الامام مفارقه للجماعه .
فكل هذه الاحاديث تدل دلاله واضحه على ان الجماعه المطلوبه شرعا , (( هي الجماعه على الامام )) .
ويؤيد هذا اجماع الصحابه على تسميه عام 41 للهجره , عام الجماعه , لان الناس اجتمعوا على معاويه .
فالمطلوب شرعا ان يكون المسلمون جميعاً او جماعه على رجل واحد هو الامام , لان المطلوب كما اسلفنا جماعه معهوده , مقيده , لا مطلق جماعه , والا فانه يجوز ان نطلق على مجموعه من الناس في طائره , والقبيله المجتمعه على رجل تصدر عن رايه جماعه , والحزب الذي يجتمع على رجل يطيعونه جماعه , وهذا مخالف للنصوص اعلاه , فالمطلوب ليس مطلق جماعه , بل جماعه محددة مقيده , معهوده , هي الجماعه على الامام في دار العدل .
وهنا مساله اخري ما هو الحكم الشرعي في وجود هذه الجماعه ؟؟
معلوم اخي عند اكثر الفقهاء ان مجرد الامر والطلب في الادله لا يفيد الوجوب والفرض , بل لابد من قرائن تصرف الامر والطلب الى الفرض والوجوب ,
والرسول في هذه الاحاديث امر بالالتزام بالجماعه , و ونصوص هذه الاحاديث ورد فيها مايلي
1) في حديث ابن عباس قوله عليه السلام (( الا مات ميته جاهليه ))
2) في حديث فضاله قوله عليه السلام (( لا تسال عنهم ))
3) في حديث النعمان قوله عليه السلام (( والفرقه عذاب ))
4) في حديث عرفجه قوله عليه السلام (( فأقتلوه ))
5) في حديث الحارث قوله عليه السلام (( فقد خَلَعَ رَبِقَةَ الاسلام من عنقه ))
فهذه كلها قرائن على ان الطلب في الاحاديث للجماعه طلب جازم , فالرسول (( عليه السلام )) :
لايصف ميته لمسلم بالجاهليه ويصف فرقته بانها عذاب ويامر بعدم السؤال عنه ويامر بقتله ويقول عنه انه خلع ربقه الاسلام من عنقه الا اذا كان هذا المسلم قد ارتكب حراما او ترك فرضا , اما تارك المندوب فلا يوصف بهكذا اوصاف.
فالخلاصه ان الالتزام بجماعه المسلمين فرض , وتارك هذا الفرض اثم شرعا , ولا خلاف.
وبقيت لى مساله اخيره اخي .
واخيراً اذكر الكلام الجامع المانع في هذه القضيه كلام سيدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ((( يا معشر العريب : الارض , الارض , انه لا اسلام الا بجماعه , ولا جماعه الا بامام , ولا امام الا بطاعه )))
المفضلات