السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين - أثابه الله -:
قرأت في إحدى الصحف هنا فتوى لأحد العلماء يقول فيها إن خدمة الزوجة لزوجها ليست واجبة عليها أصلاً وإنما عقده عليها للاستمتاع فقط، أما خدمتها له فذلك من باب حسن العشرة، وقال إنه يلزم الزوج إحضار خدم لزوجته لو كانت لا تخدمه أو تخدم نفسها لأي سبب. هل هذا صحيح وإذا كان غير صحيح فالحمد لله أن هذه الصحيفة ليست واسعة الانتشار، وإلا لأصبح الأزواج بعضهم عزابا عندما تقرأ بعض النسوة هذه الفتوى.
فأجاب: هذه الفتوى غير صحيحة ولا عمل عليها فقد كانت النساء صحابيات يخدمن أزواجهن كما أخبرت بذلك أسماء بنت أبي بكر عن خدمتها للزبير بن العوام، وكذا فاطمة الزهراء في خدمة علي - رضي الله عنهما - وغيرهما ولم يزل عرف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور وكذا
في سقي الدواب وحلبها وفي الحرث ونحوه كل بما يناسبه وهذا عرف جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير، ولكن لا ينبغي تكليفها بما فيه مشقة وصعوبة وإنما ذلك حسب القدرة والعادة والله الموفق
(فتاوى المرأة)
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي
ومن حقوق الزوجة على زوجها وهي الحقوق المادية الخدمة، والمراد بذلك خدمة المرأة لزوجها فإن الله- عز وجل - فطر المرأة وخلقها وجعل فهيا خصائص صالحة للقيام بشؤون البيت وتدبيره ورعاية أموره فإذا قامت المرأة بخدمة بيت الزوجية كما ينبغي قرت عين الزوج ورضي زوجها وأحس أن بيته قد حفظ حقه ورعيت مصالحه فيرتاح وترتاح نفسه، وقد أشار الله-U - إلى هذا من مجمل قوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي على النساء حقوق كما أن على الرجال حقوق.
وللنساء حقوق كما أن للرجال عليهن حقوقاً بالمعروف، والمعروف إما أن يكون العرف كما يقول جماهير العلماء فيرجع إليه ويحتكم إليه فعرف الصالحين وعرف المسلمين في كل زمان ومكان أن المرأة تخدم بيت زوجها فانظر إلى أمهات المؤمنين كن يقمن على خدمة بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها - قالت: كن نعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواكه وطهوره فيبعثه الله من الليل ما يشاء
وفي الحديث الصحيح عن أم ميمونة -رضي الله عنها - قالت: وضعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - غسل فاغتسل من الجنابة، ولذلك أجمع العلماء على مشروعية خدمة المرأة لزوجها جماهير أهل العلم إلا من شذ وهو قول ضعيف على أن المرأة تخدم زوجها وتقوم على رعايته؛ لأنه لا أفضل من أمهات المؤمنين وهذه بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكريمة بنت الكريم-صلوات الله وسلامه عليه-رضي الله عنها- فاطمة تخدم زوجها حتى أن يدها تقرحت بسبب طحنها للنوى-رضي الله عنها وأرضاها-.
قال بعض العلماء: إنها قد جلت يدها من كثر الطحن للنوى، والنوى يكون علفاً للدواب فكيف بالقيام على حق الزوج حتى ذكر بعض العلماء أنها تقوم حتى بما يحتاج إليه من مركبة إذا جرى العرف بذلك، كذلك أيضاً ثبت في الحديث الصحيح عن أسماء-رضي الله عنها- أنها كانت تخدم الزبير وكانت تخرج إلى مزرعته وتمشي أكثر من ثلثي الفرسخ وهي تحمل على ظهرها وهذا هو الذي عرف عن نساء المؤمنين وعرف في أزمنة المسلمين أن النساء يقمن بخدمة البيوت ورعايتها وأن هذه الخدمة لا تغض من مكانه المرأة ولا تنقص من قدرها ولكنها فطره الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، هذا الأمر الذي هو خدمة البيت قد يراه البعض شيئاً يسيراً أو شيئاً صغيراً؛ لكن عواقبه الحميده على نفسية الزوج حينما يخرج وهو يشعر أن بيته قد قامت برعايته والعناية به زوجه فيدخل وقد هيأت له أموره وارتحات نفسه واطمأن قلبه وكان أبعد ما يكون عن ما يشوش عليه أو ينغص عليه ويوجب وقوع المشكلات بينه وبين أهله فلما تنكب النساء عن هذه الفطرة السوية أصبحت بيوت المسلمين كأنها مهملة والرجل يدخل إلى بيته فيرى أموراً لا يسر بها الناظر ولربما أن الرجل بنفسه يقوم بكناسة بيته وغسل ثيابه وطهي طعامه
حتى قال الإمام ابن القيم- رحمه الله -: فإن ترفهت المرأة وقام الرجل بكنس بيته وطهي طعامه والعجن والخبز فذلك هو المنكر أي ذلك هو المنكر الذي لم يأذن الله به، فالمرأة تقوم بما فطرها الله عليه والرجل يقوم بما فطره الله عليه وليس من الفطرة أن الرجل هو الذي يخدم نفسه وهو الذي يقوم برعاية بيته. فإن قالت المرأة أخدم نفسك أو افعل ما تشاء فقد كبرت كلمة تخرج من فمها حينما تخرج عن فطرتها وتباً لها من امرأة تسيء إلى بعلها وتنتزع الرضا منه الذي يكون سببا في دخول جنة الله- عز وجل - قال- صلى الله عليه وسلم -: ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)).
فإذا أصبحت تحمله أن يقوم بأعباء بيته وتكون مترفة في البيت منعمة أو تطلب منه أن يأتي بمن يخدمه ويقوم عليه ولربما على وجه يوجب الفتنة له فذلك كله خلاف الفطرة؛ لكن إن وجدت الأمور التي تضطر المرأة إلى أن تطلب من يخدمها فحينئذٍ لا حرج، ولذلك جاءت فاطمة-رضي الله عنها- تسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن يعطيها خادم فقال- صلى الله عليه وسلم -: ((أولا أدلكما على خير لكم من خادم..الحديث))
فهذا يدل على أنه لا حرج أن تسأل لكن إذا وجدت الضرورة ووجدت الحاجة، أما أن تسأل ذلك ترفها واستكباراً أو ظناً منها أنها ما خلقت لهذا أو أن هذا ليس من شأنها فهو خلاف فطره الله وخلاف العشرة بالمعروف التي ينبغي على كل مؤمنة أن تحفظها لبعلها هذه الأمور كلها أمور مهمة ينبغي على المرأة أن تحفظها لبعلها وعلى المرأة الصالحة أن تعلم أنه لا أكمل من شرع الله، ولا أكمل من دين الله وأن من رضي بشرع الله-t وأرضاه- وأنه فمنا سمعت من الدعوات أو رأت من العادات من التقاليد والعادات مما يخالف شرع الله أو يتنكب عن فطره الله فإنه لا تأمن معه سوء العاقبة فمهما كان شيء طيباً في ظاهره لكن عواقبه وخيمة وما عليها لا أن تلتزم بهذه الأمور التي عرفتها في فطرتها وعرفتها في هدي الصالحات من سلف هذه الأمة التي كن يقمن على رعاية العشير وأداء حقه على الوجه الذي يرضى الله- جل وعلا -
قال ابن القيم - رحمه الله -:
فصل في حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في خدمة المرأة لزوجها
قال ابن حبيب في " الواضحة ":
حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وبين فاطمة - رضي الله عنها - حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة، خدمة البيت، وحكم على عليٍّ بالخدمة الظاهرة.
ثم قال ابن حبيب:
والخدمة الباطنة: العجين، والطبخ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كله.
وفي الصحيحين أن فاطمة - رضي الله عنها - أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادما فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة - رضي الله عنها -، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرتْه، قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: مكانكما، فجاء فقعد حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم.
قال علي: فما تركتها بعدُ، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
وصح عن أسماء أنها قالت كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت أحتش له، وأقوم عليه.
وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ.
فاختلف الفقهاء في ذلك:
فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت.
قال أبو ثور:
عليها أن تخدم زوجها في كل شيء.
ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها في شيء:
وممن ذهب إلى ذلك: مالك والشافعي وأبو حنيفة وأهل الظاهر.
قالوا: لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام وبذل المنافع، والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، فأين الوجوب منها؟.
واحتج من أوجب الخدمة:
بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله - سبحانه - بكلامه، وأما ترفيه المرأة، وخدمة الزوج، وكنسه، وطحنه، وعجنه، وغسيله، وفرشه، وقيامه بخدمة البيت: فمِن المنكر، والله - تعالى -يقول {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} البقرة 228 ، وقال: {الرجال قوامون على النساء النساء} النساء 34 ، وإذا لم تخدمه المرأة، بل يكون هو الخادم: فهي القوامة عليه.
وأيضا فإن المهر في مقابلة البضع، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه، فإنما أوجب - سبحانه - نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمتها، وما جرت به عادة الأزواج.
وأيضا: فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، والعرف: خدمة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الداخلة.
وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعا وإحسانا: يرده أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقل لعليٍّ: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يحابي الحكم أحدا.
ولما رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه: لم يقل له: لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، بل أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم، مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه.
ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه أشرف العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه الخدمة، فلم يُشكها.
وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المرأة " عانية "، فقال: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم "، والعاني: الأسير، ومرتبة الأسير: خدمة من هو تحت يده.
ولا ريب أن النكاح نوع من الرق، كما قال بعض السلف: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يُرق كريمته.
ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين، والأقوى من الدليلين.
المفضلات