ضع بصمتك واترك أثراً قبل الرحيل !!

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

ضع بصمتك واترك أثراً قبل الرحيل !!

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 46

الموضوع: ضع بصمتك واترك أثراً قبل الرحيل !!

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    1,557
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    22-12-2021
    على الساعة
    12:21 AM

    افتراضي رجال غيروا التاريخ


    رجال غيروا التاريخ



    الشيخ / سلطان العمري – يا له من دين


    إن التاريخ ذو عِبَر ولكن من الذي يفقه استنباط العبر؟!.

    إن التاريخ تغيَّر والتغيير سنة جارية له سواء كان التغيير للأحسن أو للأسوأ.

    إن أفذاذاً رجالاً أو نساء بل قد يكونوا غلماناً كانت لهم بصمة على التاريخ
    وممن وضع " أثراً " في حياته يرى هذا الأثر كل من يجيد النظر.

    فهذه سير الأنبياء بين يديك ألم يغيروا في تاريخ العالم،
    ولسِّيدهم
    رسولنا صلى الله عليه وسلم قصب السبق،
    فهو الذي يتبعه الآن نحو مليار ونصف مسلم فضلاً عن المسلمين
    في القرون السابقة، إنه رجل واحد ولكن بهمته وإرادته
    واستعانته بربه وصبره حصل له ما يريد، فأين المتشبهين به من أحبابه؟!.

    وانظر في وقفة أبي بكر يوم الردة ليثبت للتاريخ أن الإسلام دين عظيم
    ولا يرتبط بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته بل هو ثابت
    على مر الزمن، فيقاتل المرتدين ويدحرهم ويوقف مدهم.

    وانظر في وقفة ابن حنبل يوم الفتنة في خلق القرآن وما تعرض له
    من الفتن والجلد والسجن ولكنه واثق من منهجه وطريقته،
    فيثبت ويسجل التاريخ بكل شرف موقفه.

    وهذا أبو العباس ابن تيمية رجل بأمة، يكتب التاريخ لقباً له
    " شيخ الإسلام " لمواقفه وأعماله التي يعجز المئات أن يقوموا بها،
    وتكون خاتمته أسيراً ويموت في سجنه،
    ليعرف الناس أن للحق رجال يموتون لأجله،
    وهكذا يموت لينتشر علمه في الآفاق وعلى مر القرون
    تكون كتاباته مناهج للتعليم والتربية.
    فأي روح كان يحمل ذلك الرجل؟!.

    وتأمل في سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
    لتقف على أحد المجددين في التاريخ، ولكنه مجدد في تاريخ المعتقد،
    ومذكراً بمنهج الرسل " التوحيد " ويضحي لمنهجه ومبدئه
    ويرحل ويدعو ويرمونه بالاتهامات ومع ذلك كله ثبت وصمد،
    وكتب التاريخ إنجازاته بكل سرور ليكون سبباً في تصحيح عقائد
    مئات الآلاف ممن جاء بعده، فعجباً لرجال غيروا التاريخ.

    وانظر في حال فاقد البصر " ابن باز " العلامة البحر الذي جدد في
    العلم والتعليم وخدمة الإسلام، فسار الاسم في الآفاق،
    فكان اسمه كافياً في إقناع الناس بالحلال والحرام،
    وكانت رؤيته طاردة لكل باطل ومنكر، فرحمك الله يا فقيد العصر.

    ولن أنسى المجدد في علم الحديث " محمد ناصر الدين الألباني " رحمه الله تعالى
    الذي جعل حياته مع الحديث تصحيحاً وتضعيفاً ونشراً وشرحاً وحواراً ورداً،
    فكانت ساعاته في التخريج والتحقيق وبين الكتب والمخطوطات
    فأخرج العشرات من الكتب التي تميز الصحيح من الضعيف،
    وجدد للناس مبدأ التحقيق للنصوص النبوية،
    ويكفيك أن ترى اسمه عند تخريج غالب الأحاديث..
    فعجباً لذلك الألباني ماذا صنع في التاريخ؟ ورحم الله رجلاً ارتبط اسمه
    بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا يكون الشرف وإلا فلا،
    وعلى مثله فلتبك البواكي.

    وانتقل معي إلى أعجوبة المحاورين في باب دعوة غير المسلمين
    " أحمد ديدات " الرجل الذي أقلق مجلس الكنائس العالمي،
    الذي سافر وحاور المئات من القساوسة، وأسلم على يديه المئات،
    وزعزع عقيدة الآلاف فماذا صنعت يا ديدات؟!.

    رحمك الله رحمة واسعة،
    وجعل تلك الحوارات والنقاشات في ديوان الحسنات.

    وتعال معي إلى أفريقا المنسية إذ رحل إليها رجل واحد
    ولكنه يحمل هم أمة بأسرها إنه
    د. عبد الرحمن السميط الذي اختار أفريقيا
    لتكون هناك بصمته فمكث فيها نحو ربع قرن، داعية ومعلماً
    ففتح الله على يديه وأسلم على يديه نحو خمسة ملايين ممن عاصر،
    فكيف بالعدد بعد سنوات ممن سيخرج من نسلهم،
    وبنى نحو أربع جامعات، وتخرج عليه آلاف الدعاة، وبنى المراكز الصحية،
    يا الله أحقاً ما صنع السميط!.

    إنه رجل واحد اختاره الله ليكون مصححاً لعقائد الملايين،
    وهكذا يكون الاختيار والاصطفاء، هذا كله مع ضعف الإمكانات،
    وقلة التقنيات وندرة المعين من البشر، مع صعوبة الطرق
    وتنوع الديانات والثقافات وقلة موارد الحياة إلا أن هذه العقبات
    لم تقف في وجه البطل الصادق السميط.

    لقد سار شرقاً وغرباً، لقد خاض الأنهار التي تمتلئ بالتماسيح
    ودخل الغابات التي فيها الحيوانات ولكن الله علم صدقه
    فحفظه ورعاه وأيده وسدده،
    وفي قصته عجائب وحياته عبرة لكل متخاذل كسلان،
    فعجباً لرجل يُغيِّر قارة بأكملها.

    إن الحديث يطول عن الأبطال الذين كانت لهم بصمة حسنة في تغيير التاريخ،
    والنماذج بحمد الله عديدة، وما ذكرت إلا نزراً يسيراً
    وتركت الكثير ولم أقصد إلا الإشارة، لعلها تثير من تلحف بالكسل
    ورضي بالحال واحتج بالعوائق ووضع الصوارف.

    والله الذي لا إله غيره إن الكثيرين لهم مقدرة على تغيير التاريخ
    وإضافة الجديد في الواقع الإسلامي، ولكن من يجرؤ على ركوب البحر،
    ومزاحمة الأقوياء ومسابقة الأبرار؟!.

    إن الذي بقي من عمرك لا بأس به
    فليكن هو سلمك للفردوس،
    فانهض فقلم التاريخ يكتب.


    نسخة مجهزة للطباعة

    المصدر

    موقع عودة و دعوة
    التعديل الأخير تم بواسطة نعيم الزايدي ; 13-07-2010 الساعة 02:41 AM

  2. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    1,557
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    22-12-2021
    على الساعة
    12:21 AM

    افتراضي أترك أثر .... أم عبدالرحمن


    أترك أثر




    أم عبدالرحمن




    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    كم أتمنى لو كنت طائراً أحلق في السماء ..

    لأرسم البسمة

    وأمسح الدمعة

    وأعين صاحب الملمّة ..

    ولو بكلمة !

    [ فأترك أثر ]

    أتمنى بل أدعو دائماً أن أكون ذات [ أثر ]

    أثر على نفسي ..

    أثر على من حولي ..

    أثر على مجتمعي ...

    ولعلكم مثلي في ذلك ..

    إن مررت .. قيل هنا مرّت

    إن رحلت .. قيل لم ترحل .. !

    بقي [ أثرها الطيب ] أو سيقال : [أثرها الـ .. ]

    نعم .. فكما يكون هناك أثر طيب وايجابي هناك أثر سلبي

    وعلينا دائماً طلب الأول والتعوذ من الثاني

    دعونا نتعلم هذه الآيه :

    يقول ربنا عزّ وجل : "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ‏"

    يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره : "‏إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى‏"‏ أي‏:‏ نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الأعمال.."‏وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا‏" من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، ‏"وَآثَارَهُم"‏ وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرا، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدا، أو محلا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر‏.‏

    ولهذا‏:‏ ‏(من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة‏)‏ وهذا الموضع، يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك، ونزول درجة الداعي إلى الشر الإمام فيه، وأنه أسفل الخليقة، وأشدهم جرما، وأعظمهم إثما‏.‏

    ‏"‏وَكُلَّ شَيْءٍ‏"‏ من الأعمال والنيات وغيرها ‏"أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ‏" أي‏:‏ كتاب هو أم الكتب وإليه مرجع الكتب، التي تكون بأيدي الملائكة، وهو اللوح المحفوظ‏.‏

    إذا علم الإنسان أنه حتى [ أثره ] سيحاسب عليه ..فهل سيترك أثراً غير طيب في نفوس غيره .. ؟!

    قد يكون .. لجهله وغفلته أو لتكبره وعناده !

    ترك الأثر الطيب شيء جميل ..

    إما بكلمة .. أو نصيحة .. أو موقف .. أو مساعدة ومساندة ... أو .. أو ......

    حتى الإبتسامة قادرة على ترك أثر كبير لا يدركه إلا من تُبُسِم له !

    أو حتى نظرة تشجيع .. تؤثر فتكون وقوداً لمزيد من العطاء ..

    انظر إلى ذلك في نفسك عندما يتعامل معك من حولك ببعض القيم الطيبة

    وتفكر في عميق سعادتك ..

    وتأمل مقدار الهم الذي نفوه عنك ..

    والفرح الذي أحاطوا به روحك ..

    فبقي [ الأثر ] الذي تركوه وخلّفوه وراءهم !

    هل تفكرت؟

    هل تأملت؟

    هل أحسست فعلاً بطعم السعادة .. ؟!

    إذن لا تبخل على الآخرين وأذقهم ما ذقته

    ولتترك [ أثر ]

    هيّا لنحلق في كل سماء ونحط على كل أرض [ فنترك أثر ] :

    في أهلنا..في مجتمعنا..في أمتنا التي تنتظر منا الكثير..

    وليكن شعارنا : [ مؤمنٌ كالغيث أينما حللت .. نفعت ]

    جعلنا الله جميعاً من أصحاب الأثر الطيب ..

    فما أسعدنا يوم القيامة حين نحتاج حسنة واحدة .. فنجد [ آثارنا الطيبة ] تنهمر علينا

    وما أتعسنا حينها عندما نجد [ آثارنا الـ .. ] ترجح كفة السيئات لدينا .. !

    قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم ..

    وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ .. !



    نسخة مجهزة للطباعة


  3. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    1,557
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    22-12-2021
    على الساعة
    12:21 AM

    افتراضي قيود الأسر وفنون الأثر


    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    قيود الأسر وفنون الأثر

    عصام زيدان

    الاحد 16 ذو القعدة 1431 الموافق 24 أكتوبر 2010



    يقاس عمر الإنسان في هذه الحياة بأمرين اثنين, الأول عدد السنوات التي مرت عليه منذ ولادته, وهو يشترك في هذا المقياس مع غيره من الكائنات الحية وبني الإنسان, فلا تفاضل بين فرد وغيره في هذه المقياس, ولا يملك أن يغير فيه زيادة أو نقصانا.
    والثاني بالفعل والأثر الذي قدمه وسيتركه من بعده, ويظهر هنا تمايزه عن بني جنسه وعن غيره من الكائنات الأخرى, فقد يموت الإنسان وبموته ينتهي فعله وأثره, لان حدود تلك الفاعلية, وهذا الأثر, لم تكن تتجاوز ظله, وقد يخلف من بعده أثرا ضخما يدل عليه ويبقي ذكره بين الناس حيا, وإن فني منه الجسد ورمت العظام.

    وهذا الذي قضى حياته بمعيار الأيام والسنون, ولم يكن له كبير حظ من الفاعلية والأثر, لم يذق طعم الحياة حقيقة, وقضى على نفسه وذاته بالموت مبكرا, بعدما رضي بالبقاء في جُب الأسر, في ظل معوقات, وقيود, لم يبذل من جهده لإزالتها, وفي مقدمتها تلك القيود النفسية التي تجذبه إلى الدعة والسكون, ظنا أن في ذلك نجاة وحياة, والأمر على خلاف ذلك تماما, فهو الهلاك والموت.

    فقد ينظر الإنسان إلى نفسه نظره دونية, فيرى فيها قزما ضئيلا, لا يستطيع أن يحفر لذاته واقعا وأثرا, فيركن إلى عد الأيام والسنون لعلها تمر سريعا, فيمضى كما مضى الأولون, ولا يرنو ببصره إلى خارج نفسه ليرى أولئك العمالقة العظام كيف خطوا لأنفسهم أثرا قويا لا تمحوه الأيام والليالي.

    أو تراه يقتبس من حياة الآباء والأجداد قيودا يضعها في يديه وقدميه, ظنا أن تلك هي الحكمة والعقل وحسن التدبير, دون أن يفكر يوما في التخلص من أسر هذه القيود والقفز خارج قفص التبعية والابائية الذي نعاه الكتاب الكريم بقوله تعالي: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (البقرة:170 الآية).

    وقد يرى الكون من حوله بمنظار اليأس, فلا سبيل لفعل شيء ناجح, ولا لترك أثر جميل, فيغدو يُقعده اليأس عن الحراك والتأثير بفعل تجربة أو تجربتين مرا بهما, ولم يكن التوفيق فيهما حليفه, فظن أن في أعقاب كل تجربة فشلا وألما نفسيا كبيرا, فترك الحراك وأسلم نفسه لشيطان اليأس فأقعده, على الرغم من العذابات الأليمة التي تلاحقه من جراء هذا القعود وذاك اليأس.

    وهنا تجربه جد مفيدة قام بها أحد خبراء علم النفس لدراسة تأثير اليأسِ على الكائن الحي, حيث صمم صندوقا قسمه إلى جزأين:جزء معدني، وجزء خشبي، وكان يُجري تجربته على الكلاب، فيضع كلبا في هذا الصندوق، ويُغريه بالطعام في الجزء المعدني، ثم يُطلق تيارا كهربائيا، فتعلَّم الكلب أن يقفز من القسم المعدني إلى القسم الخشبي، بعد ذلك صار يُطلق صفارة ثم يطلق التيار الكهربائي بعد خمس ثوان، فتعلمت الكلاب أن صوت الصفارة تعقبه الصعقة، فكانت تقفز فور سماعها لصوت الصفارة وحتى قبل إطلاق التيار الكهربائي، بعد ذلك قام بربط الكلاب في الجزء المعدني، وعندما كانت الصفارة تنطلق كانت الكلاب تحاول الهرب ولكن القيود تمنعها، وكانت تحاول الهرب، ثم تأتي الصعقة فتتعذب الكلاب عذابا أليما شديدا، وهي تحاول المستحيل للهروب من قيدها وعذابها، ولكن دون جدوى، ومع التكرار أصابها اليأس، وأدركت أنه لا أمل مهما حاولت، فامتنعت عن الحركة حتى مع عذاب الصعق بالتيار الكهربائي، كانت تنام مستسلمة، وقد أدركت أن عذابها لا مفر منه، ولا جدوى من مقاومته.

    تكررت التجربة مرارا لعدة أيام، ثم فكَت قيود الكلاب، ولكنها مع ذلك لم تحاول الفرار عند سماعها للصوت الذي يسبق الصعقة، بل ولا تتحرك مع الصعقة نفسها فيما عدا حركات الصدمة الكهربية، ومهما ارتفع الصوت أو اشتدت الصعقات لم تكن الكلاب تتحرك؛ كانت قد تقوضت من الداخل، واكتسبت حالة من اليأس والخمود، والاستسلام والعجز الذي قضى على حياتها باكرا.

    وقد يكون المرء متلبسا بوهم كبير ملئ عليه حياته, وأقعده عن الفاعلية والأثر, من نحو الخوف من المخاطر والمجازفة, فلا يرى شيئا يستحق منه أن يتحلى بروح المغامرة والإقدام والريادة, ويبحث عن مبررات للركون والدعة والكسل الحياتي, مُقنعا نفسه, أو تاركا إياه تقتنع بأنه لا فائدة ولا شيء في الحياة كبيرة يستحق تلك الروح الوثابة المتحفزة.

    وهذا الذي يعيش في وهمه لا يبرحه, تراه يسعى ليصطاد من حياة الآخرين نماذج فاشلة ليؤكد قناعته بأن لا شيء يستحق الحراك, مغمضا عينيه وقلبه عن الآلاف من بني جنسه الذين تخلوا عن الأوهام وانطلقوا بنفوس كبيرة تبحث عن التحديات الكبرى وتتمناها ولا تلفت لشيء سواها ولا تلوي على شيء سوى الأثر الكبير.

    وإذا كنا نقول إن الحلم هو الإيمان بالذات وقدرتها على تحقيق شيء وكفاءتها واستعدادها وتأهيلها للنجاح، فالوهم هو عكس ذلك، فهو عدم الإيمان بالذات، وأن ينتقل الإنسان من حقيقته إلى شيء آخر وهمي، وكأنه يستمد منه قدرته وطاقته، ولذلك فإن الأوهام أن تكون إزدراء للنفس والذات.

    وإذا تركنا قيود الأسر لنبحث عن فنون الأثر لوجدنا نفوسا كبارا كسرت هذه القيود وانطلقت تغير مجرى الحياة من حولها في ثقة ويقين وعزم لا يلين, وما انفكت حتى غرست غرسها وتركت آثارها.

    ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الغرس الأكبر والأثر الأعظم, الذي جاء لبشرية تعيش في جهالات وظلمات بعضها فوق بعض, ووجد الصدود والإعراض والتكذيب, في بضع سنوات, هي قليلة في عمر هذا التاريخ الطويل, استطاع أن يغير من وجه البشرية جميعها.

    ونراه ما مضى إلى ربه إلا بعد أن علم البشرية كلها فنون الأثر حتى في اللحظة الأخيرة, ليس في عمر الإنسان, ولكن في عمر الحياة كلها, والساعة تقوم, في الإمكان أن نفعل فعلا ايجابيا مؤثرا, فلنفعل ولنترك أثرا...(إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها).(السلسلة الصحيحة:9)

    وهو يرشد البشرية كذلك إلى فن آخر من فنون الأثر, ويعلمهم أن موت الإنسان لا يعد انقطاعا لأثره في الحياة, فيستطيع وهو بين الأموات أن يؤثر أثرا كبيرا في حياة الأحياء, ويحصد من وراء هذا الأثر الشيء العظيم والكبير النافع له بين يدي ربه.. (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له).(مسلم:1631)

    وهذا الجيل الأول الذي تلقف تلك الكلمات, غدا ليكون الأنموذج والمثل في فنون الأثر والفاعلية, فما تعُد من أصحابة الأقربين أحدا إلا ووجدت له أثرا ماضيا وفاعلية تعدت حدود الزمن.

    فالصديق أثره في الدعوة في حياة النبي وبعدها أكبر من يعبر عنه القلم أو يحيط به قول، والفاروق من بعده نزع نزعا شديدا وأراده أثرا قويا فكان له ما أراد ففتحت في عهده الفتوح وبلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها..
    ولقد رأينا الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر لبعض هؤلاء النفر الكرام أثرهم الذي به يُعرفون (..أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أَبُو بكر، وأشدُّها حَيَاء عُثْمَان، وأعلَمُهَا بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله - تَعَالَى - أُبِيّ، وأعلَمُهَا بالفرائض زيد، وَلكُل أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هَذِه الأُمّة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح..) (السلسلة الصحيحة:1224).

    وتتوارث الفاعلية وفنون الأثر لمن خلفهم حتى رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمة الله ـ في عمره القصير الذي لم يتجاوز بضع وستون سنة أن يترك أثرا بالغا في حياة من تبعه..فمن منا لم يقرأ لابن تيمية.. ومن ذا الذي لم يستفد من علمه الواسع وكتبه العظيمة.. لقد بقي ابن تيمية بهذه الآثار العظيمة حيا, وإن وري الثرى منذ زمن بعيد.

    ولم يكن شيخ الإسلام بدعا في سجل العمالقة والكبار الذين استعلوا بنفوسهم عن الدنايا والصغائر وسموا إلى فنون الأثر والفاعلية, فالإمام النووي ـ رحمة الله ـ الذي وافت المنية في الأربعين من عمره, هو ذاك الشخص الذي ترك لنا هذه الآثار الضخمة, والمؤلفات العظيمة التي خطت أثرا بالغا في العقول والأفئدة.

    وبقي السؤال بعد هذا التطواف في قيود الأسر, وفنون الأثر..أين أنت؟
    أنت بداخلك عملاق ضخم يحن إلى أن تطلقه من أسره الطويل وتعلمه فنون الأثر..
    أنت قادر على أن تصنع معجزات وتمضي على الأثر, لتصنع أثرا كما مضى الصحب الكرام ومن تبعهم..
    فقط أيقظ ذلك العملاق وانطلق ولا تصغ السمع إلا لصوت الأمل وفنون الأثر..



  4. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    7,692
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    09-08-2017
    على الساعة
    09:57 AM

    افتراضي

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    388
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    27-02-2011
    على الساعة
    10:57 AM

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا ونفع بكم الاسلام والمسلمين
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #16
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    1,557
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    22-12-2021
    على الساعة
    12:21 AM

    افتراضي فاز من حياته إنجاز .... لـ د. سعد البريك





    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    فاز من حياته إنجاز

    محاضرة لفضيلة الشيخ د. سعد البريك





    لسماع و تحميل المحاضرة

    اتبع الرابط التالي .... هنــــــا

  7. #17
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    5,272
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-09-2024
    على الساعة
    07:55 PM

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاك الله خيراً أخي في الله
    المسلم بالذات صاحب رسالة
    فلينظر ويختار الوسيلة المناسبة لإيصال رسالته
    وبذلك يترك أثراً ولو بسيطاً
    ينير به دروب الآخرين
    بارك الله فيك
    موفق بإذن الله
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #18
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    1,557
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    22-12-2021
    على الساعة
    12:21 AM

    افتراضي سلمان العودة: اترك لنفسك أثرًا في الحياة ولو بكلمة طيبة


    سلمان العودة: اترك لنفسك أثرًا في الحياة ولو بكلمة طيبة



    الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك
    الاحد 01 ذو الحجة 1431الموافق 07 نوفمبر 2010



    أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ على ضرورة أن يكون الإنسان له أثر وبصمة في الحياة، مشيرًا إلى أن ذلك قد يكون بكلمة طيبة، أو بموقف متجاوب، أو بتجاوز عن مسيء، أو بنظافة وحسن ذوق في النفس والذات والبيت والأسرة من حولك.

    وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "أثر" ـ: إنه من المهم أن يكون عند الإنسان فكرة أن يترك بصمة أو أثرًا بعد الموت، متسائلًا: ماذا لو أن الإنسان يفكر ما الذي سيحدث بعد عشرين سنة؟، لافتًا إلى أنه سيجد أن هناك أشياء كثيرة جدًا هو مهتم بها الآن، ولكنه بعد عشرين سنة لن يكون لها ذكر إطلاقًا، وستكون مجرد أشياء عابرة، ولكن هناك أشياء لها بقاء وأثر وخلود؛ ولذلك قال أحمد شوقي:

    دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني

    فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني

    وأوضح الدكتور العودة أن عادة الإنسان عندما يصل إلى الأربعين من عمره، كما يقول تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً)(الأحقاف: من الآية15) أنه يقول: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ)(الأحقاف: من الآية15)، ويبدأ يفكر ليس في حاضره فقط؛ بل يفكر في المستقبل، سواء ما يتعلق بالآخرة وما أعد فيها أو حتى في الدنيا، وأن يذكره الناس بخير أو يدعون له، لأنه قدّم خيرًا، يقول تعالى: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (الشعراء:84).

    ولفت فضيلته الانتباه إلى أن الإنسان يمكن أن يؤسس له أثرًا في حياته ويرعاه، بحيث يكون هذا الأثر له بقاء وخلود حتى بعد مماته.

    وفيما يتعلق بأن مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله- يقول: (من لم يزد شيئًا على الدنيا فهو زائد عليها)، قال الشيخ سلمان: هذا صحيح، لأن الإنسان في هذه الحالة يكون زائدًا على الدنيا، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون الإنسان له أثر وبصمة في الحياة، لافتًا إلى أننا لا نتحدث عن أثر خيالي، وذلك أن البعض عندما يسمعون كلمة (أثر)، يتخيل أنه أمام حاكم أو عالم مبتكر وعظيم وعبقري أو تاجر ملياردير، ولذلك هو لا يصنف نفسه ضمن هؤلاء.

    وأضاف فضيلته: ولكن علينا أن ننظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»، فربما كل واحد منا أو الكثير منا عنده ولد أو بنت، فالولد يطلق على الذكر والأنثى، وعندما تحسن تربيته، فإن هذا استثمار ضخم وعظيم، كما أن هذا الإنسان يمكن أن يكون مبدعًا أو عبقريًا أو وزيرًا أو حاكمًا أو تاجرًا أو متفوقًا في أي مجال من مجالات الحياة، ويحفظ الله تعالى اسمك وذكرك به أو يدعو لك ويكون عنده قدر من الخير والصلاح.

    وأردف الدكتور العودة أن الله تعالى يبارك ولو في القليل من المال، وذلك إذا كان هناك نية صالحة، وأفضل الصدقة جهد المقلّ، والنبي -عليه السلام- يقول: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ»، كما أننا يجب علينا أن نجزئ عملية الأثر، ولا نجعلها كأنها قضية نهائية لا يملكها إلا أفراد قلائل من الناس، ولكن نجعلها متاحة للفقير والمسكين والمغفل، والطفل الصغير والرجل والمرأة والموظف وغير الموظف والطالب والمعلم، فكل هؤلاء يمكن أن يصنعوا أثرًا وبصمة فيمن حولهم وربما هذا الأثر لا يستطيع أن يصنعه غيرك أحيانًا.

    معنى الأثر

    وفيما يتعلق بمعنى الأثر قال الشيخ سلمان: إن الأثر هو ما يبقى بعد الشيء، ولذلك فإن أثر الإنسان قد يكون خطواته كما قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ)(يّـس: من الآية12)، حيث قال مجاهد: هي خطواتهم، وقد جاء الحديث في الصحيحين عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ». قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ «يَا بَنِى سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ» أي: ابقوا حيث أنتم وتعالوا إلى المسجد، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كره أن يُعروا المدينة، وهو معنى جميل، أي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كره أن يقترب الناس وأن يكونوا بقرب المسجد فتبقى أحياء المدينة مكشوفة أو عارية.

    وأوضح الدكتور العودة أننا يمكننا أن نلتقط من ذلك معنى رائعًا وجميلًا لكلمة (أثر)، وهو أن يبقى الإنسان مع الناس، ويدخل ويسكن ويجلس معهم، لكن ليكن له أثر حميد فيهم، مؤكدًا أن هذا أفضل من أن تبتعد عنهم أو تنزوي وتكون حول المسجد، ولذلك جاء في حديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الأَبْعَدُ فَالأَبْعَدُ - أَفْضَلُ أَجْرًا - عَنِ الْمَسْجِدِ»، في حين أن الكثير من الناس يتصورون أن قربهم من المساجد يكون أفضل، مشيرًا إلى أن هذا قد يكون لكن في حالات خاصة.

    وأردف فضيلته: ولكن الأصل أن الإنسان الذي يريد أن يحدث بصمة على الناس عليه ألا ينزوي عنهم أو يبتعد أو يضع شروطًا معينة والناس يأتونه وفق هذه الشروط، وإنما عليه أن يندمج مع الناس ويختلط معهم ويُحدث الأثر فيهم، لافتًا إلى أن هذا ملموس من حديث: «دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ»، فمن ذلك آثار المشي وآثار التأثير على الناس أيضًا، ولهذا كره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُعروا المدينة، وهذا معنى ربما يكون مرتبطًا جدًا بكلمة الأثر.

    وذكر الشيخ سلمان أن كلمة (أثر) من حيث اللغة قد تطلق على بقية العلم، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ)(الأحقاف: من الآية4)، أي: أثر من علم سابق، مشيرًا إلى أننا الآن كثيرًا ما نجد أناسًا قد يستشهدون بأشياء يظنون أنها أحاديث نبوية، وعلى سبيل المثال، فإن كثيرًا من الناس يعتقدون أن مقولة "اطلبوا العلم ولو في الصين" حديث نبوي، أو (الأقربون أولى بالمعروف)، في حين أن هذه ليست أحاديث نبوية.

    وأشار فضيلته إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وهذا حديث متواتر، و«مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ».

    وأكد الدكتور العودة أن الرواية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- شديدة؛ ولذلك فإنه من المخارج الجميلة أن يقول الإنسان: "وفي الأثر"، "اطلبوا العلم ولو في الصين"، مشيرًا إلى أن هذا الأثر قد يكون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة أو السلف أو الحكماء.

    وتابع فضيلته: ولكن بدلًا من أن يتورط الإنسان برواية وقد يكون خطيبًا على منبره أو متحدثًا في قناة أو في مجلس عام أو قد يكون شخصًا وزيرًا أو شهيرًا أو أميرًا وربما لا يدقق في مثل هذه المعاني، فإن اللجوء إلى كلمة "وفي الأثر" يُفترض أن يكون أولى وأفضل وأحسن.

    طول العمر

    وتعقيبًا على مداخلة، تتحدث عن كلمة الأثر في القرآن والسنة، قال الشيخ سلمان: إن كلمة الأثر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية لها استخدامات كثيرة جدًا، منها: الحديث المشهور أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»، فالذي يفهم أن المقصود بالأثر في هذا الحديث طول العمر، فقوله: (وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ) أي: في عمره أو في أجله فيطول عمره (فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).

    وأضاف فضيلته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: فليطل الصلاة أو فليكثر من الصوم، وإنما قال: (فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، فاعتبر طول العمر مرتبطًا بتكافل ذوي الرحم وتقاربهم.

    معانٍ ثلاثة لحديث فليصل رحمه

    وأردف الدكتور العودة، قائلًا: لقد خطر في بالي ثلاثة معاني لهذا الحديث:

    المعنى الأول: أن المقصود أن يبارك الله في عمره فيكون العمر فيه بركة، وهذا معنى صحيح وإن كان ليس هو الظاهر.

    المعنى الثاني: وهو الظاهر أن المقصود (وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ)، أي: يُطوّل عمره، وهذا معنى مروي عن جماعة من السلف، والله -سبحانه وتعالى- يمحو ما يشاء ويُثبت، مشيرًا إلى أنه يوجد ما يسمى بـ"القضاء المبرم" و"القضاء المعلق" أو "القضاء المبدئي"، فقد يكون عند الملَك أن هذا الإنسان إن أطاع ووصل رحمه فعمره كذا، وإن لم يصل رحمه فعمره كذا مع أن هذا لا ينافي ما عند الله تعالى، فإن الله تعالى يعلم ويحيط بالأشياء، ويعلمها علمًا قطعيًا على نهاياتها، فيعلم ماذا سوف يكون إليه أمر هذا الإنسان من بر أو قطيعة، ومن صلة أو قطع، ولكن المقصود أن يطول عمر الإنسان بسبب البر.

    المعنى الثالث: وهو أن يكون المقصود من قوله: (فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) أنه لا يتعلق فقط بالفرد، ولكن حتى الأسرة أو القبيلة أو الدولة أو الجماعة من الناس إذا كان بينهم تواصل وبر وإحسان للضعيف والفقير والصغير وتواصل بالمال والكلام الطيب فإن هذا مدعاة إلى أن يكون لهم استمرار وديمومة في الحياة.

    وفيما يتعلق بأن هذا المعنى الأخير له شواهد أخرى، منها "مجتمع العدل "، قال الشيخ سلمان: إن مجتمع العدل لا يلزم أن يكون دولة فقط، ولكن الأسرة والقبيلة أو الجماعة من الناس إذا كان بينهم صلة ومحبة وإحسان ورعاية للفقير والضعيف والمسكين وتلمّس الحاجات فإن هذا مدعاة إلى أن يبقوا ويستمروا، وذلك بخلاف آخرين ربما يكونون كثرةً ولكن بسبب القطيعة والعقوق والمفاصلة بينهم، فإنهم سرعان ما يتفرقون ويصبحون شتى، ولا يُعرفون بأنهم من أسرة واحدة.

    اقتفاء.. وأثر

    واستطرد الدكتور العودة: لقد خطر في بالي وأنا أتأمل في القرآن الكريم أن الله -سبحانه وتعالى- ذكر عن الكفار قوله: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (الصافات:70،69)، فقوله (يُهْرَعُونَ) أي: يُسرعون. وقال عن الأنبياء: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)(الحديد: من الآية27)، حيث لاحظت أن هناك فرقًا ما، قال -سبحانه وتعالى-: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا) ، مشيرًا إلى أن القفو فيه معنى الاتّباع الصالح، والبصيرة، والوعي، والاتّباع الرشيد المبني على عقل وحجة وفهم، والاتّباع الهادئ الناضج الذي فيه تراكم.

    وأضاف فضيلته: بينما بالنسبة للكافرين والضالين قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (الصافات:70،69) مما يشير إلى أن هناك نوعًا من الإسراع والركض والعماية، فبمجرد أنهم كان لهم آباء أو أجداد حتى وإن كانوا ضالين، إلا أنهم يركضون وراءهم دون أن يفكروا أو يتأملوا أو يكون عندهم بصيرة وفرز ما بين النافع والضار والصالح وضده، فهذا فرق بين تأثير البيئة أو تأثير الآباء والأجداد إن كانوا صالحين أو غير صالحين.

    وذكر الشيخ سلمان أن هناك أثرًا موقوف على عثمان -رضي الله عنه-،: "ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه"، وهذا معنى رائع، يصلح أن يكون سيرة ودستورًا لنا، حيث يشير إلى أن الأشياء الباطنة الموجودة داخل قلب الإنسان وفي ضميره لها انعكاسات خارجية، فهو يريد أن يقول أنك "يمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت لكن لا يمكن أن تخدع كل الناس كل الوقت".

    وأضاف فضيلته أن هذا يؤكد أن الإنسان إذا كان في داخله صفاء، وحب الخير للناس، والسلامة، والنية الطيبة، فإن هذا سيظهر في فلتات لسانه حتى لو لم يتقصّد إظهار ذلك وعلى صفحات وجهه، ولذلك فإنهم يقولون -أحيانًا- في السياسة أن ما يسمى بالكلمات التي هي أخطاء أو فلتة غير مقصودة من رئيس ربما تعبر عن السياسة -أحيانًا- أكثر مما يعبر خطاب مكتوب ومدروس، لأن الخطاب المدروس ربما يكون مقصودًا فيه إظهار شيء آخر، لكن هذه الفلتات تعبر عن المكنون وتعبر عن اللاوعي، ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن الناس دائمًا سيكونون في مقام الخداع أو التمثيل، ولكن الذي في باطن قلوبهم سوف يظهر على ملامح الوجوه وعلى فلتات اللسان.

    صدقة جارية

    وردًّا على سؤال يقول: ما الذي يبقى من الإنسان بعد مماته وفق ما تكلم به النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال الشيخ سلمان: إن الله -سبحانه وتعالى-: عندما يقول: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ )(يّـس: من الآية12) أي: آثارهم بعد الموت، مما يشير إلى أن هناك أثرًا للإنسان بعد موته، مشيرًا إلى أن هناك أربعة أشياء من هذه الآثار؛ منها ثلاثة ذكرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث، وهي:

    1 ـ المال: فالإنسان الذي يملك أموالًا ضخمة تؤثر لأنها تورث من بعده ويظل اسمه خالدًا لفترة طويلة، وهذا ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ..)، فالصدقة لا تكون إلا عن مال، وخاصة إذا كانت صدقة جارية وبقيت، وهذا يشير إلى ضرورة حسن توظيف المال في المصالح العامة، وخدمة الناس، وفي المؤسسات المدنية والأهلية، وفي البرامج، والمشاريع، والتعليم، والطب، والإنفاق، وهذا معنى رائع وجميل.

    وأردف الدكتور العودة قائلًا: إنني يخطر في بالي سؤال مشروع، وهو: أنه يوجد في السعودية ربما أموال ضخمة وهائلة جدًا، ومجموعات من أرصدة مالية وكاش غير عادي، وبناءً عليه فإن هناك زكوات أيضًا (اثنين ونصف في المائة) وهو رقم غير قليل، ولكن السؤال: أين آثار هذه الزكاة؟!!

    وأوضح فضيلته أن الكثير من الناس عندهم تقوى ويخرجون هذه الزكاة، لكن أين آثارها الملموسة؟ مشيرًا إلى أن هذا السؤال ربما ليس من السهل الإجابة عليه، لافتًا إلى أن السبب قد يكون هو عدم الإفلاح في ترشيد المال ووضعه في مواضعه المناسبة، حيث دائمًا يكون في حالة استهلاك، حتى مال الزكاة.

    2 ـ العلم: وهو شيء عظيم، فالإنسان ربما يخلد بكتاب ألّفه من مئات أو آلاف السنين، ما لا يخلد بحكم أو سلطان ولا بغيره، حيث تجد العلماء الذين لهم بصمة أو نظرية، ومنهم على سبيل المثال: الأئمة الأربعة، وابن خلدون ونظريته في العمران، وابن تيمية -رحمه الله، ورحمهم جميعًا- وأثره وتلاميذه، وأعداد كبيرة من المصنفين والمؤلفين، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ).

    وأشار فضيلته إلى أنه يدخل في هذا أيضًا العلم الدنيوي، ومن ذلك الذين قدّموا علومًا فيها مصالح للناس في البناء أو تشييد المدن أو ابتكارات الطيران أو السيارات أو في الأجهزة، فلو كان أحد من هؤلاء عنده نية طيبة لله -سبحانه وتعالى- وفي الدار الآخرة كم سيصله من الأجور؟!!

    3 ـ التربية: وذلك يظهر من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ)، حيث عبّر بالصلاح، مشيرًا إلى أن عادة صلاح الولد هو من صلاح الآباء ومن جهدهم في التربية، كما أن التعبير بالدعاء هو نموذج من إيصال الخير للابن، ولكن هناك ما هو أبعد من ذلك فهو يذكره بخير وربما تصدّق عنه، وعمل أعمالًا كثيرة، ويظل الدعاء هو من فعل الإنسان نفسه.

    4 ـ العمران: حيث تجد الملوك غالبًا تبقى آثارهم في البناء الذي شيدوه، مثل قصر الحمراء أو الجامع الأموي أو بيت المقدس أو غيرها من المباني الضخمة

    أثر البيئة

    وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الشارع بوصفه بيئة تربوية معينة يمكن أن يكون له أثر مخلد على الإنسان لا يستطيع أن ينفك عنه -أحيانًا-، قال الشيخ سلمان: إننا إذا نظرنا إلى البيئة، فإننا سنجد أنه حتى البيئة الجغرافية، أي: المناخ، أو الحرارة، أو الجفاف، أو بيئة الصحراء، لها تأثير ضخم على الإنسان، حيث يعبرون عنها أحيانًا بالبيئة القاسية، مشيرًا إلى أنه وإن كان في هذا التعبير تحفظ، لكن البيئة القاسية ربما تجعل الإنسان أقل عاطفة، إلا أنها -أحيانًا- ربما تجعله أكثر إبداعًا، لأنه يشعر بالتحديات، فربما يبدع أو يبتكر أشياء كثيرة.

    وأضاف فضيلته أن هذه البيئة ربما تكون قاسية وكريمة في الوقت ذاته، وعلى سبيل المثال، فإن البيئة ربما تكون قاسية وتجف فيها العاطفة نوعًا ما، ولكنها في نفس الوقت بيئة معطاءة، فلا يحتاج الإنسان إلى أن يبحث عن الرزق، حيث يجد أن ألوان الرزق موجودة من حوله، من النفط أو الخيرات.

    بيئة الإبداع

    وأوضح الدكتور العودة أن قدرة الإنسان على الإبداع ربما في البيئة القاسية، وذلك لأن بعض الآباء يكون عندهم قسوة في التربية وتعوّد الابن على الكذب وعدم الثقة بالنفس، وكذلك الأمر إذا كانت البيئة السياسية فيها نوع من الشدة أو من القسوة التي تجعل الإنسان لا يعبر عن نفسه، مشيرًا إلى أن هذا فرق -أحيانًا- ما بين العالم الغربي والعالم الثالث، لافتًا إلى أن البيئة السياسية والاجتماعية والداخلية والخارجية فيها تراكم، ولذلك فنحن لا نستطيع أن نقول إنها بيئة سياسية، وأن المسئولية هي مسؤولية الحاكم فقط.

    وتابع فضيلته أن توظيف الحاكم أو الرئيس لكل الشعراء والمبدعين والرسامين والنحاتين والتجار من أجل الحديث عنه، يؤثر تأثيرًا سلبيًا في عدم تعبير الناس عن أنفسهم بشكل صحيح، بينما إذا كانت البيئة أيًا كانت سياسية أو اجتماعية تشجع الإنسان على أن يعبر عن نفسه وأن يتحدث عن انطباعاته بعيدًا عن النفاق، والتزلف، وبعيدًا عن أن يكون الإنسان مزدوجًا، وعنده وجهان؛ وجه يتحدث به أمام الناس والوجه الآخر يعبر به عن نفسه أو في مجالسه الخاصة، فإنها في هذه الحالة سوف تكون بيئة للإبداع.

    نجاح حقيقي

    وذكر الشيخ سلمان أن الإنسان نفسه مؤثر في البيئة ومتأثر بها، وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان نشأ عادة عند الأنهار ومساقط المياه، وهذه مصادر الحضارات في العالم كله، كما تجدها في العراق واليمن، وفي أماكن شتى من العالم، لكن هذا الإنسان، وهو إنسان واحد، استطاع ـ هذا جانب يُذكر بقدر من الثناء ـ أن يعيش في الصحراء، والجبال، وفي أطراف الأرض، وفي المناطق شديدة البرودة، بل في مناطق تصل إلى الدرجة الجليدية، حيث استطاع الإنسان أن يتكيف مع كل هذه الأشياء، لافتًا إلى أن تكيف الإنسان مع البيئات المختلفة هو شيء إيجابي.

    ولفت فضيلته إلى أن النجاح الحقيقي هو ذلك النجاح الذي يستطيع الإنسان أن يُحقق فيه ما يريد في كل الظروف، وليس فقط في ظرف خاص، حتى لو تغيرت عليه الظروف فإن الإنسان ربما تكون لديه القدرة على أن يحقق النجاح، وبالتالي يدرك الإنسان أن نجاحه ليس من عنده هو فقط، ولكن البيئة والظروف التي حوله لها تأثير في النجاح.

    تأثير.. وتأثر

    وأردف الدكتور العودة: لقد قال الله -سبحانه وتعالى- عن قارون: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من الآية78)، حيث نسب النجاح إلى نفسه، مشيرًا إلى أنه على الإنسان ألا يشعر بأن النجاح الذي يحققه من عمله هو فقط، وأن يدرك أن من حوله من والدين وأهل وزوجة وأولاد وأصدقاء بل حتى من خصوم، ساعدوه على تحقيق النجاح.

    وأكد فضيلته أن الإنسان يؤثر في البيئة ويتأثر بها من حوله، سواء في مشاعره، أو في أساطيره التي يتناقلها الناس، والتحديات، والإبداع، والمشاعر، بل حتى في عادات البيئة أو الأرض، حيث ربما يتعوّد الإنسان على أن يكون زارعًا أو صيادًا أو راعيًا أو صانعًا، فالعادات تختلف بين هذه المجتمعات بعضها وبعض، بل إن الإنسان يتأثر من حيث شكل الجسم وقوته البنية وطريقة اللفظ بالكلام، وغيرها أشياء كثيرة جدًا يتأثر فيها الإنسان بالبيئة من حوله.

    أعمق الناس أثرًا

    وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن أعمق الناس أثرًا هو من يستطيع أن يؤثر في بيئات مغلقة، أصبحت التراكمات فيها، ولها فعل الزمن، قال الشيخ سلمان: إن الناس أحيانًا إذا نجحوا ينسبون النجاح لأنفسهم، وإذا فشلوا نسبوا فشلهم إلى البيئة، مشيرًا إلى أن هذا من طبيعة الإنسان، لأنه لا يريد أن يواجه نفسه، لافتًا إلى أن هناك فرقًا بين الإنسان الواعي والإنسان المتخلف.

    وأضاف فضيلته أن الإنسان الواعي ربما عنده مقاييس صحيحة للنجاح والفشل، ويدري أن النجاح والفشل ليس شيئًا دائمًا، وعلى سبيل المثال، فإن الذي نجح في حفر قناة السويس فشل في حفر قناة بنما، ولذلك ينبغي أن ندرك أن هناك معايير صحيحة للفشل والنجاح، وألا نعتمد سياسة الهروب من مواجهة التبعات.

    وأوضح الدكتور العودة أن هناك أشخاصًا قد يكونون أساتذة جامعات أو أطباء أو تجارًا كبارًا، حيث تجد أن الواحد منهم إذا نجح تحدث بكثير من الإطراء لذاته، وتكلم عن سيرته الذاتية بحبور ضخم، وكأنه يريد أن يقول: إن النجاح راجع له هو ذاته، فيتكلم عن الصبر الذي صبره، وتضحياته، وإصراره، والصعوبات التي واجهها؛ ولذلك يكون حريصًا على أن يذكر بداياته، وكيف أنها كانت بدايات ضعيفة جدًا، وأن النهاية كانت ضخمة جدًا، حتى يبين الفارق الكبير ما بين البداية المحرقة والنهاية المشرقة.

    وأشار فضيلته إلى أنه يكون للإنسان فضل إذا كان كذلك، ولكن البيئة من حوله ينبغي أن يكون لها أثر في هذا النجاح، حتى لو كان أثرًا عكسيًا، فالبيئة هي التي تصنع التحدي في بعض الأحيان، وعلى سبيل المثال، فإن الابن الذي نشأ في بيت والده مدمن مخدرات وتحول هذا الابن إلى مهندس ناجح، ستجده يقول إنه شعر بمسؤوليته في البيت عن الأم والبنات والأسرة، ولذلك فإن هذا التحدي حفزه إلى أن ينجح في عمله، مما يشير إلى أن البيئة في كثير من الأحيان تكون محفزة ودافعة للنجاح.

    وأردف الشيخ سلمان أنه ليس من العدل أن نتحدث دائمًا عن البيئة بقدر من العيب أو الازدراء أو التنقص أو أن البيئة ليس فيها فائدة وأمل، مشيرًا إلى أننا لو نظرنا إلى تجارب العالم في الهند أو الصين أو فنلندا أو غيرها، وقارنّا حال التخلف بحال التقدم لوجدنا أن هناك قدرًا كبيرًا من التحدي والأمل.

    وتابع فضيلته أن الإنسان ربما إذا قرأ حال التخلف الذي كانت عليه هذه المجتمعات ربما ظن أنه لا أمل في النجاح، ولكن بقدرة الله -سبحانه وتعالى- ثم بجهود رجالها ومخلصيها وإصرارهم حققت هذه المجتمعات قدرًا من التفوق.

    وراثي.. وبيئي

    وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أنه من التوازن أن نستطيع توصيف البيئة بما لها وما عليها، فلا نسلبها منجزاتها، ولا نتجاوز عن الإشكالات الموجودة في بيئة الشارع والبيئة الاجتماعية، قال الشيخ سلمان: إن البيئة الاجتماعية لها أثر ضخم جدًا على الإنسان من دون شك، فهي تصنع الكثير من التأثيرات، مشيرًا إلى أن العلماء يقولون: إن الإنسان يتأثر بشيئين:

    1 ـ تأثير وراثي: أو ما يسمونه بالجانب البيولوجي أو الجينوم الذي ورثه الإنسان، سواء فيما يتعلق بالأشياء الجسدية، مثل: حدقة العين أو لون الجلد أو لون الشعر وغيرها من الأشياء الكثيرة الموروثة، وهذا قدر متفق عليه، أو قدر من الأشياء الحسية والمعنوية، مثل: طريقة الكلام، أو بعض الجوانب الفطرية المعنوية التي هي موروثة، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ».

    2 ـ تأثير بيئي: سواء تأثير المجتمع أو تأثير الأسرة، خصوصًا في السنوات الأولى، أو تأثير المدرسة، أو تأثير الشارع والأصدقاء، وهذا أيضًا من المتفق عليه عند علماء النفس والاجتماع والتربية، لكن الشيء الغريب هو أن هؤلاء العلماء يقولون: إنه من الصعب الفصل بين تأثير الوراثة والجينات وتأثير البيئة أو تأثير المجتمع، كما أنهم يعتبرون أن الفصل بين الاثنين يعد نوعًا من التزييف، وأنه لا يمكن الفصل لأن هناك تداخلًا شديدًا جدًا بين هذه الأشياء، كما أنهم لا يعرفون على وجه الدقة والتحديد أيها أكثر تأثيرًا.

    خلوة مع النفس

    وأردف الشيخ سلمان: لكنني يمكنني إضافة شيء آخر وهو تأثير الإنسان نفسه على نفسه، وهذا لم أجد تركيزًا علميًا كبيرًا عليه، مع أنني لاحظت أن الإنسان عندما يكبر ويتجاوز مرحلة المراهقة ويصل إلى درجة الوعي ربما يصبح عنده يقظة تجاه نفسه، فهو في هذه المرحلة ربما يبدأ ممارسة تأثير على نفسه، مشيرًا إلى أن هذا التأثير قد يكون نوعًا من الامتناع عن تأثير البيئة السلبي عليه، أو قد يكون نوعًا من معرفة العيوب التي تكون موجودة، والتي منها عيوب وراثية ورثها الإنسان من الأب أو الأم، أو تلقاها في المحاضن الأولى وانعكست عليه عندما كبر، من خلال اختلاطه بالناس وقدرته على صنع حفريات.

    وأكد فضيلته أن الخلوة لها تأثير كبير على الإنسان، سواء كانت خلوة باعتكاف شرعي أو خلوة بقصد، مثل: أن يكون الإنسان عنده فاصل بينه وبين الناس، أو خلوة اضطرارية من خلال سجن يؤول إليه الإنسان، مما يعطيه فرصة لأن يعمل حفريات داخل نفسه، ويتعرف عليها، وعلى حسناته، وفضائله فينميها، وعلى عيوبه فيحاول أن يتخلص منها، وأن تكون لديه القدرة على تصحيح هذا العيب أو التخلص منه يقينًا.

    واستطرد الدكتور العودة: لقد رأيت أكثر الناس ليس عندهم القدرة على معرفة الأخطاء أو العيوب ومحاولة تصحيحها أو التخلص منها، ولكنني وجدت عندهم فكرة إلقاء التبعة على الآخرين في الفشل، وذلك لأنها أسهل، حيث إن القيام بعمل حفريات داخل النفس وتصحيح العيوب عملية صعبة، حيث إن الإنسان ربما بعد عشر سنوات من المجاهدة يقع مرة أخرى في هذا الخطأ، ويشعر الإنسان بأنه لا فائدة، مع أنه في الواقع هناك فائدة.

    وذكر فضيلته أن الإنسان يمكن أن يعرف بعكس الشيء الذي هو عليه في الحقيقة، وعلى سبيل المثال، فإنني أعرف شخصًا غضوبًا إلى حد أنه -أحيانًا- إذا غضب يغمى عليه، ولكن الذين من حوله يعرفون أنه مثال للحلم، وذلك لأنه من خلال إدراكه لهذا العيب في نفسه حاصره وضبطه وحاول أن يُقدّم العكس، ولا يكون في المواقف التي تدعوه إلى الغضب والانفعال، ونجح في ذلك بنسبة كبيرة.

    أثر.. وإخلاص

    وتعقيبًا على مداخلة تتحدث عن المواءمة بين الرغبة في تحقيق الأثر وقصد الإخلاص لله -عز وجل-، وهل الإنسان يعمل ليوجِد أثرًا يذكره به الناس أم يعمل لله -عز وجل-؟ قال الشيخ سلمان: إن العمل الصالح والعمل العبادي هو لله -سبحانه وتعالى-، فلأَن يعمل الإنسان عملًا صالحًا فإنَّ أخلصه وأصوبه أن يكون لله -سبحانه وتعالى- وأن يكون على السُّنة، ولكن كلما كان العمل العبادي خالصًا لله كان أثره أعظم، وهذا من الحكمة والعدل الإلهي، فالإنسان الذي يتعمد أن يظهر عمله ربما لا يكون لهذا العمل أثر، مثلما إذا تعمد أن يخفيه وأظهره الله -سبحانه وتعالى-، فـ (ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وعلى فلتات لسانه).

    وأضاف فضيلته: كما أن هناك كلمة تُنسب إلى بعض السلف أنه (من صحّ جنانه فصح لسانه)، مشيرًا إلى أنه عندما يكون الإنسان قلبه سليمًا كما قال تعالى: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:89)، فإن أثر هذا يظهر على رأيه ولسانه وكلامه وعلى تأثيره على الآخرين؛ ولذلك فإن أعظم الناس تأثيرًا هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

    وأوضح الدكتور العودة أنه ليس مطلوبًا من الإنسان أن يُظهر ما يقوم به، ولكن الأمر بالعكس، فكلما أخفى العمل التعبدي كان هذا أفضل، ولذلك فالله -سبحانه وتعالى- قال في الصدقات: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة: من الآية271)، مما يشير إلى أن الأصل هو الإخفاء؛ حتى لا يتعرض العمل للرياء أو السمعة وقصد فعل الناس، لكن هناك أعمال لا يمكن إخفاؤها تمامًا لأنها مرتبطة بالناس.

    وضرب فضيلته مثالًا لذلك بالصدقات، حيث يجب على الإنسان أن يخفيها عن الناس بدلًا من أن يعلن في المجالس أو في الصحف، ولكن الناس الذين استفادوا منها ووصل إليهم معروف الإنسان وجميله، فإنهم عرفوا ذلك وتحدثوا عنه وتسامعوا به، مما يشير إلى أنه ليس هناك إخفاء مطلق، وإنما هو عدم تعمد إظهار هذا الفعل، لافتًا إلى أن الإنسان إذا قصد أن يُظهر الفعل ونيته إظهار القدوة والأسوة أو جمْع الناس عليه، مثل أن يتبنى مشروعًا ويدعو إليه عددًا من الأثرياء يشتركون معه فيه، فيكون الإظهار مقصودًا فيه حفز الناس، وهذا معنى مشروع أيضًا.

    وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن المبادرات المؤسسية في المجتمعات الناشئة يكون لها وقع كبير جدًا على حاضر ومستقبل هذه المجتمعات، قال الشيخ سلمان: إن الناس بحاجة إلى مثل هذه المبادرات، لافتًا إلى أن قيام الإنسان بمبادرة يعني أن هناك مجموعة سينضمون إليه، ودعوة الناس الذين لا يملكون أن يبادروا بأنفسهم إلى أن يشاركوا في مبادرة، وهذا شيء مهم.

    وأضاف فضيلته أن كثيرًا من الناس ربما لا يعرفون الطريق أو يظنون أن الطريق مغلق وأن الأبواب مسدودة، فإذا سمعوا أن هناك مبادرات أُعلنت ربما حفزهم هذا على أن يقوموا بمبادرات من قِبل أنفسهم، مشيرًا إلى أن مثل هذه المبادرات في مجتمعاتنا الناشئة، والتي تتطلع لنوع من تطوير الذات، يعد أمرًا في غاية الأهمية.

    فشل.. ونجاح

    وتعقيبًا على مداخلة تقول: هنالك فن لا يجيده ربما إلا القلائل؛ هو فن إزالة التأثير السلبي، قال الشيخ سلمان: إنه لابد أن يكون عند الإنسان القدرة على تقبل الفشل، وأن يكون عنده روح رياضية كما يقولون، وأن يتذكر الإنسان أن لا يكثر من عتب أو لوم النفس، مشيرًا إلى أن بعض الناس إذا فشل في شيء تجده يوبخ نفسه، وكأنه يأخذ عليها تعهدًا أن لا تكرر المحاولة، بينما الفشل ليس هو أن يخفق الإنسان، فهذه دورة تدريبية يحصل الإنسان منها على التجربة والخبرة، وما من أحد إلا مر في حياته بمراحل فشل أو إخفاق، فالفارق ليس هو أن هذا فاشل وهذا ناجح، ولكن أن هذا مستسلم وهذا مصابر ومواصل.

    وأضاف فضيلته: ولذلك على الإنسان أن يعتبر أن الفشل هو بداية النجاح، وأن يتقبله بروح رياضية، وذلك بدلًا من أن يشعر الإنسان بالحزن ويضحك الناس عليه، وعلى سبيل المثال، فإنه إذا عثر إنسان في الدرج وسقط، فإن الناس يضحكون عليه، كما تجد الإنسان يقوم وهو منتقع الوجه متغير اللون مطأطئ الرأس، لأنه أصبح أضحوكة، لكن لو أنه شاركهم الضحك وابتسم بصدق وحبور، واستطاع أن يحول الموقف إلى موقف عفوي وليس محرجًا، فإن هذا هو الأفضل.

    النية الصالحة

    وتعقيبًا على مداخلة تقول: ليست النية الصالحة مربوطة فقط بعمل أخروي عبادي، ولكنها ممتدة في البناء الاجتماعي والأعمال المؤسسية والتطوعية، قال الشيخ سلمان: إن أثر النية الصالحة ضخم جدًا، مشيرًا إلى أن النية الصالحة ليست شيئًا معجزًا، وعلى سبيل المثال، فقد تذكرت الأسبوع الماضي نعم الله علينا وأنه (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)(النحل: من الآية53)، فاستحضرت مقام شكر هذا المنعم الذي أعطانا رزقًا وصحة وعمرًا وأمهلنا حتى نتوب ونستغفر، كما أعطانا أولادًا وأزواجًا وخيرًا كثيرًا.

    وأضاف فضيلته أنه إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يمنع أن يكون عند الإنسان عمل صالح يقصد فيه إظهار وتقديم نعمة الشكر، وعلى سبيل المثال، أن يحج الإنسان هذا العام بدافع الشكر، وألا يكون دافع الحج الأساسي الشوق إلى البيت الحرام، أو الطمع في الازدياد من الحسنات.

    وأردف الدكتور العودة: ولكن ينوي أن يحج وقصده الأساسي ودافعه الأكبر في الحج هو تقديم واجب الشكر لله -سبحانه وتعالى-، وأن يقول شكرًا بكل ما يستطيع بلسانه وعينه وقلبه وعقله وجوارحه كلها، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا)(سـبأ: من الآية13).

    وتابع فضيلته: إن هذا الإنسان سوف يتطلع إلى معنى آخر بعد الحج، وسينتظر المزيد، فإن التوفيق والرزق والنجاح ليس له حدود، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(إبراهيم: من الآية7)، لذا فإن الإنسان سينتظر بعد هذا العمل أو هذه العبادة التي يقوم بها المزيد من فضل الله تعالى وعطائه.

    كاريزما مهلكة؟!!

    وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن العديد من الشخصيات ذات الكاريزما العالية والقدرة على التأثير قادت العالم إلى الهلاك، قال الشيخ سلمان: إن هذا يشير إلى الأثر السيئ لأناس كبار ربما ظنوا أنهم يغيرون وجه التاريخ، مشيرًا إلى أن هؤلاء الناس غالبًا لم يكن عندهم قدرة ذاتية داخلية على معرفة أخطائهم، كما أن هناك مجتمعات معينة تشجع أحيانًا على الطغيان والعدوان، كما تشجع الإنسان على أن يأخذ في ذاته مقلبًا فيندفع وهو يشعر بأنه يُغيّر وجه التاريخ، وأنه يعيد صياغة البشرية من جديد، وأنه سيعيد ترتيب الأوراق أو رسم الخارطة.

    وأضاف فضيلته: ولكن هذا الإنسان يكتشف بعد ذلك ربما في مواقف صعبة أنه انقاد إلى طريق غير سليم، مشيرًا إلى أن الآخرين الذين يزجون بهؤلاء الناس أو يدفعونه دفعًا إلى الهاوية هم مسئولون، ولكن الإنسان ذاته في الغالب هو الذي استجاب، (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)(إبراهيم: من الآية22)

    إيجابية.. وتفاؤل

    وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن من أكثر الأشياء الحافزة على العمل الإيجابي أن يتذكر الإنسان مواقف إيجابية في حياته، وذلك عندما يتعرض لأزمة ما، قال الشيخ سلمان: إن المواقف الإيجابية والمتفائلة لها أعظم الأثر على نفس الإنسان، وعلى سبيل المثال فإننا إذا نظرنا إلى الأمراض بدءًا من نزلة البرد ونهايةً بالسرطان والتليف والأمراض الخطيرة، سنجد أن كل ذلك يتأثر جدًا بروح الإيجابية والتفاؤل وحسن الظن التي توجد في داخل الإنسان.

    وأضاف فضيلته: ولذلك فإنه من المهم التربية على التفاؤل، وأن كل مشكلة لها حل التربية، وعلى النظر الإيجابي للمستقبل، وقراءة الأشياء والصفات الإيجابية عند الآخرين، مشيرًا إلى أن ذلك مما يحدث الأثر الإيجابي في نفس الإنسان.

    إحياء السُّنة

    وردًّا على سؤال من مشاركة تقول: كيف نجعل من إحيائنا لسنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- أثرًا إيجابيًا في حياتنا؟ قال الشيخ سلمان: إننا ينبغي علينا أن نعيد مفهوم إحياء السُّنة أو نوسّع هذا المفهوم، مشيرًا إلى أن بعض الناس يظنون أن إحياء السُّنة هو فقط في أثناء أداء الصلاة، وكيف تصلي كما كان النبي-عليه الصلاة والسلام- يصلي، أو في الحج، وهذا لا شك أنه من السُّنة في المجال التعبدي.

    وأضاف فضيلته: لكن قصر السُّنة على هذا المعنى خطأ كبير، مشيرًا إلى أنه من إحياء السُّنة التعامل الجيد مع الزوج، والأبناء، والأحفاد، والأطفال، وبشكل عام، كما تعامل النبي -عليه السلام- مع الحسن والحسين أو عبد الله بن الزبير أو غيرهم من صبيان المدينة.

    وأردف فضيلته أنه من إحياء السُّنة صفاء القلوب، والتعامل مع الخصوم، كما تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين في المدينة، أو كما تعامل مع المشركين الذين حاربهم بمكة وقال: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»، مشيرًا إلى أن الاقتداء بهذه المعاني العظيمة والأخلاقية، هو من إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    وتابع فضيلته: بل حتى المعاني الحياتية من معاني العيش والاستمتاع بطيبات الحياة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يترك طعامًا أو شرابًا أو طيبًا من الطيبات لأنه طيب وإنما إن وجده أخذه وإن لم يجده لم يتكلف البحث عنه، مشيرًا إلى أن السُّنة معنى عظيم وواسع ينبغي أن نوسعها بهذا الإطار ونجعل لكل أحد منها قدرًا.


    مقابلة.. وابتسامة

    وردًّا على سؤال يقول: أليست الابتسامة فرصة جميلة لأن يكرس الإنسان في ذاكرته شخصًا التقاه مرة وقد لا يلتقيه مرة أخرى؟ قال الشيخ سلمان: هذا صحيح، حيث يجب علينا أن نتعود على الابتسامة، مشيرًا إلى أن بعض الناس يريد أن يبتسم لكنه يشعر بالخجل.

    وأضاف فضيلته: أنه من الجميل أن يتعوّد الإنسان على أن يبتسم وهو يقابل شخصًا للحظة عابرة وربما لا يلتقيه مرة أخرى، أو حتى يقابل شخصًا كل مرة وكلما قابله ابتسم له.

    التكبير في عشر ذي الحجة

    وتعقيبًا على مداخلة تقول: ونحن نتحدث عن موسم عشرة ذي الحجة الذي في آخره أيضًا الحج، ونتحدث عن الأثر وآثار العبادة وآثار التقرب إلى الله -عز وجل-، ماذا يمكن أن نقول؟ قال الشيخ سلمان: وكذلك آثار الصوت، والإعجاب بجمال الصوت، يقول صلى الله عليه وسلم «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ»، فنحن نريد حسن الصوت، وأن يتغنى بالقرآن، ويجهر به صوت الأب وصوت الأم، لافتًا إلى أن الصوت المحبوب والجميل ليس بين الشريعة وبينه معاندة، بل يقول صلى الله عليه وسلم: «أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ».

    وأضاف فضيلته أن الصوت في العشر من ذي الحجة يكون بالتكبير المطلق والجهر به، فقد كان أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى السوق ويكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، وكذلك التكبير المقيّد من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق في أدبار الصلوات المكتوبات "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد"، حيث يسمعه الكبار والصغار وحتى الجدران والبيئة والطبيعة من حولك، من خلال الصوت الجميل الذي تتجاوب أصداؤه في كل مكان.

    تلبية.. ومعانٍ ايجابية

    وأردف الدكتور العودة: وكذلك صوت التلبية للحاج وللمعتمر، حيث يقول: "لبيك اللهم لبيك"، والجهر بهذا الصوت يقصد به الإعلان لله -سبحانه وتعالى- بالاستجابة والإيمان به ربًا وبنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- عبدًا ورسولًا، وهذا معنى عظيم جدًا، مشيرًا إلى أن العشر الأول من ذي الحجة هي أيام مباركة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهِنَّ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْعَشْرِ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ قَالَ فَأَكْبَرَهُ قَالَ «وَلاَ الْجِهَادُ إِلاَّ أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تَكُونُ مُهْجَةُ نَفْسِهِ فِيهِ».

    وذكر فضيلته أنه من الأعمال الطيبة في هذه الأيام أن يقوم الإنسان بصيامها، وإن لم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صامها، ولكن إن صامها الإنسان فحسن، وهذا من العمل الصالح، والمحافظة على الفرائض في الصلوات، وكذلك المحافظة على النوافل والذكر والنية الطيبة.

    وتساءل الشيخ سلمان: كم من الناس من يوصينا بالنية الطيبة، وكم من الناس من يوصينا بالتسامح في هذه العشر، وبأن نعيد العلاقة مع الناس الذين قاطعناهم بغير سبب أو حتى بسبب، فالقطيعة ليست خيرًا ولا فضيلة، يقول تعالى: (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(البقرة: من الآية27)، والله يأمر بصلة الأرحام والأقارب والجيران والأحبة والأصدقاء والناس جميعًا، والتأثير عليهم التأثير الإيجابي، مشيرًا إلى أننا يجب أن نتواصل من خلال هذه المعاني في هذه العشر مع الحج أيضًا، يقول صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» ويقول أيضًا: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».

    واستطرد فضيلته أن هذه معانٍ إيجابية رائعة في هذه العشر التي ربما هي أفضل أيام السنة، فيوم عرفة هو خير يوم طلعت عليه الشمس، فالحاج يحج ويضحي لربه ويدعو وغير الحاج يصوم «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ»، كما صح بذلك الأثر عن النبي عليه الصلاة والسلام.

  9. #19
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    1,557
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    22-12-2021
    على الساعة
    12:21 AM

    افتراضي ما أثارك بعد الموت ؟!




    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    ما أثارك بعد الموت ؟!

    أمير بن محمد المدري


    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين؛ حمداً باقياً على مر الدهور والسنين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:
    أخي الكريم :

    انك في هذه الحياة الدنيا من حين استقرت قدمك على الأرض وأنت مسافر إلي الله عز وجل ، مسافر إلى الدار الآخرة ، وانَّ مدة سفرك هي عمرك الذي كتبه الله عز وجل لك ، والأيام والليالي مراحل هذا السفر ، فكل يوم وليلة مرحلة من هذه المراحل ، فلا تزال تطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر .

    قطعت شهور العمر لهواً وغفلةً --- ولم تحترم فيمـا أتيت المحرّما
    فلا رجب وافيت فـيه بحقه --- ولا صمت شهر الصوم صوماً متمما
    ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي --- مضى كنت قواماً ولا كنت محرما
    فهل لك أن تمحي الذنوب بـتوبةٍ --- وتبكي عـليها حسرةً وتندما


    أخي الكريم :
    هب أنك مت الآن ؟
    أخبرني ما هي أثارك بعد الموت ؟
    ما هي الأعمال المباركة التي ستنسب إليك بعد موتك ،وستنال عليها أجراً عظيماً؟
    ما هي آثارك الخيَّرة في هذه الحياة؟
    من لا أثر له لا وجود له , من لا أثر له لا حياة له .
    أخي الحبيب :
    إنَّ الأعمار مضروبة ، و الآجال مقسومة ، و كل واحد منا قد قُسم له نصيبه في هذه الحياة ، فهذا يعيش خمسين سنة ، و ذاك يعيش ستين سنة ، و ذاك يعيش عشرين سنة ،و أنت منذ أن خرجت إلى الدنيا ، و أنت تهدم في عمرك و تُنقص من أجلك.

    أخي الكريم :

    هب أنك الآن في عداد الموتى.
    ما هي الكلمات التي تتوقع أن يصفك الناس بها بعد موتك ؟

    هل سألت نفسك
    ما هو المشروع الذي تريد أن يُثبت في صحيفة عملك بعد وفاتك؟
    تأمل مشوار حياتك
    كم مسلماً علّمته من الخير ؟
    كم تائهاً إلى طريق الخير هديت ؟
    كم كلمةً طيبة غرست؟
    كم حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلمبلّغت ؟
    كم مرةٍ بين متخاصمين أصلحت ؟

    أخي الكريم:
    الناس في رحلتهم خاسرون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
    فكن ذلك الرجل المبارك في حله وترحاله ، كالغيث أينما وقع نفع , وليكن لك قلبٌ عامر وعقلٌ يثابر .
    تقيُ خفي ، نقي أبي .
    نفعه متعد ، وخيره عام .
    يتجذر هداه في كل أرض أقام فيها .
    إذا قال أسمع ، وإذا وعظ جعل القلوب لربها تخشع .

    كن مسلماً مُحمَّدي الخُلق ، صِدّيقيّ الإيمان ، عُمَريّ الشكيمة ، عُثمانيّ الحياء ، علويّ الصلابة. .

    مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات

    يقول جل وعلا على لسان إبراهيم عليه السلام :-
    {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} الشعراء83-84
    يقول الطبري في تفسيرها :
    "واجعل لـي فـي الناس ذكراً جميلاً، وثناءً حسناً، بـاقـياً فـيـمن يجيء من القرون بعدي".

    روى أشهب عن مالك قال قال الله عز وجل: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ } لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحاً ويُرى في عمل الصالحين إذا قصد به وجه الله تعالى؛ وقد قال الله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} (طه: 39) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـنُ وُدّاً} (مريم: 96) أي حبا في قلوب عباده وثناء حسنا، فنبّه تعالى بقوله: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ }
    قال ابن العربي: قال المحققون من شيوخ الزهد في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن.

    وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ }.
    وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ أي في حياتهم وَآثَارَهُمْ أي ما تركوه بعد وفاتهم.ونظيره قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } (الانفطار: 5) وقوله: {يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } (القيامة: 13)، وقال: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (الحشر: 18 )
    فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير أو شر يجازى عليها: من أثر حسن؛ كعلمٍ ٍعلَّموه، أو كتاب صنَّفوه،أو بناءٍٍ بنوه من مسجدٍ أو رِباط أو نحو ذلك. أو أثرٍٍ سيء كإعانة ظالم , ، أو صدّ عن سبيل الله ,أو غير ذلك مما يُغضب الله وتبقى آثاره ,وقيل :المراد بها في الآية آثار المشَّاءين إلى المساجد.

    ولقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: ((مَنْ سَنَّ في الإِسْلام سُنةً حَسنةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وأَجْرُ منْ عَملَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينْقُصَ مِنْ أُجُورهِمْ شَيءٌ ، ومَنْ سَنَّ في الإِسْلامِ سُنَّةً سيَّئةً كَانَ عَليه وِزْرها وَوِزرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بعْده مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزارهمْ شَيْءٌ )) رواه مسلم .

    وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً سبعة ً يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعد ما يموت , وذلك فيما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته :من عَلّم علماً, أو أجرى نهراً , أو حفر بئراً , أو غرس نخلاً , أو بنى مسجداً , أو ورّث مصحفاً , أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته )) حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم :3596

    وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    (( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره , وولداً صالحاً تركه , ومصحفاً ورثه أو مسجداً بناه , أو بيتاً لابن السبيل بناه , أو نهراً أجراه , أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته ))حسنه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه برقم 198

    الآثار بعد الموت
    1-علمٌ علّمه ونشره:
    إن الإسلام حث على العلم ورغّب فيه، وجعل طلبه فرضا على التعيين أو الكفاية، وهذا يقتضي أن يكون هناك علماء يعلمون، وطلاب علم يتعلمون.
    وقد أخذ الله الميثاق على العلماء أن يعلّموا العلم ولا يكتموه، قال تعالى: {َإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } آل عمران:187.
    وتوعّد الذين يكتمون فقال: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة:159-160.
    ولقد كان صلى الله عليه وسلم يُرغِّب في نشر العلم وتعليمه، فكان يقول:
    ((بلِّغُوا عَنِّي ولَوْ آيَةً )) رواه البخاري .
    ((نَضَّرَ اللَّه امْرءاً سمِع مِنا شَيْئاً ، فبَلَّغَهُ كما سَمعَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعى مِنْ سَامِع )) . رواهُ الترمذيُّ وقال : حديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ .
    ((منْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ منْ تَبِعَهُ لا ينْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئاً)) رواه مسلم
    (( أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلعون مَا فيها ، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّه تعالى ، ومَا وَالاَه وَعالماً وَمُتَعلِّماً )) .
    رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
    ((إنَّ اللَّه وملائِكَتَهُ وأَهْلَ السَّمواتِ والأرضِ حتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وحتى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلى مُعلِّمِي النَّاسِ الخَيْرْ)) رواهُ الترمذي وقالَ : حَديثٌ حَسنٌ .
    فيا شباب الإسلام، تعلّموا وعلّموا، فإن هذا والله جهاد عظيم، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122
    وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : "تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة".
    والله – يا طالب العلم – ((لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم)) متفقٌ عليهِ، وهنيئا لك تموت ويظلّ أجر ما قدّمت من التعليم، وما أخرت من العلم، يأتيك إلى يوم القيامة.

    2- ولدٌ صالح تركه:
    وهذا الإطلاق يفيد انتفاع الوالد بولده الصالح سواء دعا له أم لا. كمن غرس شجرةً فأكل منها الناس، فإنه يحصل له بنفس الأكل ثواب، سواءً دعا له من أكل أم لم يدع. فالوالد ينتفع بصلاح ولده مطلقاً، وكل عملٍ صالح يعمله الولد فلأبويه من الأجر مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيء، لأن الولد من سعي أبيه وكسبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه))، والله عز وجل يقول: { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }النجم:39.
    وهذا يوجب على الآباء أن يجتهدوا في تربية أبنائهم، وإصلاح أحوالهم، حتى ينتفعوا بصلاحهم، وإلا فمجرد وجود الولد بعد الوالد لا ينفعه في آخرته، فإن لم يكن الولد صالحاً لم ينفع أباه ولم يضره، لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، لكن إن صلح انتفع أبوه بصلاحه، وذلك فضل الله، والأول عدله.
    ومن ذلك تربية الأجيال وفق شرع الله .

    3- مصحفٌ ورَّثّه:
    فمن اشترى مصحفاً ووضعه في البيت ليقرأ فيه أولاده أو وضعه في المسجد ووقفه لله تعالى، فإنه يأتيه من ثواب ذلك المصحف بعد موته ويلحق بالمصحف كتب العلم الشرعي، ككتب العقيدة الصحيحة، والتفسير، والحديث، والفقه، ونحوه ذلك من العلوم الشرعية، فإذا اشترى الرجل كتباً منها ووضعها في بيته ليقرأ فيها أولاده، أو وضعها في المسجد ووقفها لله تعالى، فإنه لا يزال يأتيه من ثواب هذه الكتب إلى يوم القيامة.
    فاحرصوا – رحمكم الله – على إنشاء مكتبات في بيوتكم وفي مساجدكم، وساهموا فيها بشراء المصاحف والكتب، فإنها مما ينفعكم بعد موتكم.

    4- مسجدٌ بناه: إن الله تعالى اتخذ في الأرض بيوتاً لعبادته:
    {يسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِِ رجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} النور:36-37
    ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغّب في بناء المساجد فيقول: ((من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة)). البخاري : في الصلاة ، باب من بنى مسجدا 648 / 1.
    فجودوا – رحمكم الله – على بيوت الله ولا تبخلوا، فما تضعونه في بيوت الله من أموالكم يأتيكم ثوابه بعد موتكم، وتجدون بره وثوابه يوم الدين.
    ويلحق بالمساجد المدارس ونحوها مما يعود نفعه على المسلمين.

    5- بيتٌ لابن السبيل بناه: فمن بنى بيتاً ووقفه على ابن السبيل يأوي إليه وينزل فيه في سفره فإنه يأتيه من ثواب ذلك بعد موته.
    ومعنى ذلك أن الإسلام يُرغِّب في بناء بيوت المسافرين – التي تُعرف بالفنادق – تطوعاً، لينزل فيها المسافرون مجاناً، لأن الغالب على المسافرين الحاجة وقلة المال، ولذا كثر في القرآن الكريم الوصية بابن السبيل.

    6- نهرٌ أجراه:
    إنَّ أهمية الماء في الحياة لا تخفى على أحد، فقد جعل الله من الماء كل شيء حي.
    والإسلام يُرغِّب في العمل على توفير الماء للمحتاجين , وسقاء العطشى ,فمن أجرى نهراً يشرب منه الناس ويستقوا، فإن له الجنة، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال: ((من حفر بئر ذرومة فله الجنة)). وكانت لرجلٍ من بني غفار عين في المدينة ، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال: يا رسول الله! ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان بن عفان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي فيه ما جعلته له؟ فقال: نعم، قلل: قد جعلتها في المسلمين)).
    فمن استطاع منكم أن يُجري نهراً، أو يحفر بئراً , ويجعلها للمسلمين فليفعل وله مثل ذلك في الجنة.
    7- صدقة أخرجها من ماله: حالة كونه يخشى الفقر ويأمل الغنى، فإن هذه الصدقة يأتيه من ثوابها بعد موته ما شاء الله .
    صدقة جارية ومنها المشاريع الاقتصادية التي ينفع الله بها الأمة.
    فالبدار البدار..والمسارعة إلى أن تدَّخر لك أخي الكريم عند الله ما ينفعك غداً
    {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ اِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }الشعراء89-88

    نسير إلى الآجال في كل لحظةٍ --- وأعمارنا تطوى وهن مراحلُ
    ترحل من الدنيا بزاد من التقى --- فعمرك أيـام وهن قلائـلُ

    فالأيام تطحن الأعمار طحن القمح في الرحى.. ثم تذرى الأعمال أدراج الرياح؛ ولا يبقى إلا ما رضيه الله سبحانه، وأحبه من الأقوال والأفعال.

    إنا لنفرح بالأيام نقطـعها --- وكل يوم مضى يدني من الأجل
    فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً --- فإنما الربح والخسران في العمل

    أخي الحبيب :
    بادر الأيام بالعمل الصالح، وأملأ خزائنها بالفرائض والنوافل قبل أن تبادرك هي بموتٍ أو عجز، وقبل أن تجدها فارغة خاوية تقول :
    {يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }الفجر24

    أخي الكريم :

    خذ لك زادين من سيرةٍ --- ومن عملٍ صالح يُدّخر
    وكن في الطريق عفيف الخُطا --- شريف السماع كريم النظر
    وكن رجلاً إن أتوا بعده --- يقولون مرّ وهذا الأثر

    هذا وصلي اللهم على محمد وعلى اله وصحبه وسلم.

    أخوكم/أمير بن محمد المدري
    أمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن - عمران
    Almadari_@hotmail.com

    أضغط هنا لتحميل الموضوع على هيئة مطوية

    المصدر: موقع صيد الفوائد

    التعديل الأخير تم بواسطة نعيم الزايدي ; 03-12-2010 الساعة 12:37 AM

  10. #20
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,738
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    08-09-2024
    على الساعة
    03:34 PM

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا اخي الكريم


    يثبت الموضوع

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 ... الأخيرةالأخيرة

ضع بصمتك واترك أثراً قبل الرحيل !!

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الرحيل
    بواسطة نذير المثالي في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14-12-2010, 01:28 PM
  2. ضع بصمتك
    بواسطة مريم في المنتدى قسم الأطفال
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-07-2010, 08:14 PM
  3. اترك أثراً قبل الرحيل - عربي
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-02-2010, 02:00 AM
  4. حجة النبى عليه الصلاة والسلام (((((((اترك بصمتك ولك الاجر))))))))
    بواسطة الحاجه في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15-11-2008, 09:41 PM
  5. وانتهت المناظرة على هذا الحوار واترك لكم الحكم .. والتعليق
    بواسطة صقر قريش في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 12-12-2006, 11:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

ضع بصمتك واترك أثراً قبل الرحيل !!

ضع بصمتك واترك أثراً قبل الرحيل !!