بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متى نُقبل على الله ؟ لو دخل الناس القبور أحياء لدخلوها وهم متلبسون بالمعاصى
إن من رحمة الله تعالى أن جعل الأيام دول .
فحياة الإنسان تتقلب بين الفقر والغنى .
وبين الطفولة والشباب والكهولة .
وبين الملك والعدم .
وبين الحزن والسرور .
وبين الأفراح والأتراح .
وبين السعادة والهموم .
وبين الشدة والرخاء .
وبين العسر واليسر .
وبين المنشط والمكره .
وبين الضيق والسعة .
وبين الإقامة والترحال .
وبين الليل والنهار .
وبين الجوع والشبع .
وبين الرى والعطش .
وبين الضعف والقوة .
وبين الصحة والمرض .
وبين الحياة والموت .
فأنا أتخيل لو أن الله عز وجل لم يجعل هذه الأحوال المتغيرة وجعل الإنسان يعيش حياة بلا موت ينتقل بعد هذه الحياة إلى حياة البرزخ والقبور كما هو حيا بجسده وقوته كما كان فى الدنيا دون سابق إنذار ولكن فجأة وجد هذا الإنسان ملك الموت أمامه قابضا عليه كالشرطى الذى يقبض على الجانى فأنا أعتقد أنه لو كانت الحالة كذلك لدخل الناس القبور وهو متلبسون بالمعاصى إلا من رحم الله .
فإنه مع وجود هذه الأحوال والمتغيرات التى تنذر الإنسان وتنبهه فإننا نرى كثير من الناس تنتهى آجالهم وهم قائمون على معصية الله .
أيها الشيخ الكبير ها أنت قد رأيت الصغار قد ماتوا قبلك فماذا تنتظر ؟
أيها الفقير ها أنت قد رأيت صاحب الأموال قد مات قبلك فماذا تنتظر ؟
أيها الضعيف المريض ها أنت قد رأيت الصحيح السليم قد مات قبلك فماذا تنتظر ؟
أيها الجائع ها أنت قد رأيت الشبعان قد مات قبلك فماذا تنتظر ؟
أيها الحزين ها أنت قد رأيت أصحاب الفرح والسرور قد ماتوا قبلك فماذا تنتظر ؟
أيه المعدوم ها أنت قد رأيت الملوك قد ماتوا فماذا تنتظر ؟
فكيف لو لم توجد هذه الأحوال والمتغيرات ؟
فإن الله عز وجل إنما جعل هذه الأحوال حتى يتجهز الإنسان من دار الفناء والزوال إلى دار الإقامة والقرار .
فمتى نُقبل على الله ؟
فالسعيد من وعظ بغيره والشقي من كان عظة لغيره .
** فمن الطرق التي يوقظ الله بها الأمم، والأسباب التي يدفع بها عنها النقم أنه عز وجل يهلك جيرانهم حتى يعتبروا بهم، كما قال عز وجل: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الأحقاف:27] فانظر إلى هذه الأمم والدول والشعوب التي أهلكها الله عز وجل، وتبصر بسبب هلاكهم حتى تتجنب هذه الأسباب، فالسعيد من وعظ بغيره، ولذلك كان من دعاء بعض الصالحين، أنه كان يقول: اللهم لا تجعلنا عبرة لغيرنا، لأنه كما أن الله عز وجل يهلك غيرنا لنعتبر، فلا مانع أن يهلكنا الله عز وجل، ليعتبر بنا غيرنا .[1]
أقبلوا على الله حتى يوفقكم قال تعالى : { والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ }
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً .[2]
** وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ ك تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ .[3]
قال ابن القيم : وأما محبة الرب سبحانه فشأنها غير الشأن؛ فإنه لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها؛ فهو إلهها، ومعبودها، ووليها، ومولاها، وربها، ومدبرها، ورازقها، ومميتها، ومحييها؛ فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفس، وقوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون، وعمارة الباطن؛ فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة، والعقول الزاكية أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسرَّ، ولا أنعم من محبته، والأنس به، والشوق إلى لقائه.
والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتم من كل نعيم، واللذة التي تناله أعلى من كل لذة .
إلى أن قال: ووجدان هذه الأمور وذوقُها هو بحسب قوة المحبة وضعفها، وبحسب إدراك جمال المحبوب، والقرب منه، وكلما كانت المحبة أكمل، وإدراك المحبوب أتم، والقرب منه أوفر_كانت الحلاوة، واللذة، والسرور، والنعيم أقوى.
فمن كان بالله سبحانه وأسمائه، وصفاته أعرف، وفيه أرغب، وله أحب، وإليه أقرب_وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يعرف إلا بالذوق والوجد.
ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حباً لغيره، ولا أنساً به.
وكلما ازداد له حباً ازداد له عبودية، وذلاً، وخضوعاً ورقَّاً له وحرية عن رق غيره .
إلى أن قال: وما من مؤمن إلا وفي قلبه محبة لله تعالى وطمأنينة بذكره، وتنعم بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوق إلى لقائه، وأنس بقربه، وإن لم يَحُسَّ به؛ لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به؛ فوجود الشي غير الإحساس والشعور به .
إلى أن قال : إذا عرف هذا فالعبد في حال معصيته واشتغاله عنه بشهوته ولذته تكون تلك اللذة والحلاوة الإيمانية قد استترت عنه، وتوارت، أو نقصت، أو ذهبت؛ فإنها لو كانت موجودة لما قدم عليها لذة أو شهوة .
** ويتذكر محمد إقبال تاريخنا القديم، تاريخ محمود بن سبكتكين ، السلطان العادل الكبير، الذي فتح ألف ولاية في المشرق، ودخل بستمائة ألف من الجيش، ولما أتى إلى الهند ، رأى الأصنام من ذهب، فقال له ملك الهند : خذ هذه الأصنام واتركنا في ديارنا، قال: يا سبحان الله! يدعوني الله يوم القيامة: يا بائع الأصنام! لا.
بل أريد أن أدعى يوم القيامة: يا مكسر الأصنام! والله لا أشتري بـ(لا إله إلا الله) ثمناً، ولو جمعت لي الدنيا وما فيها ذهباً وفضة.
ثم أمر جيشه أن يهرعوا إلى الأصنام ليكسروها .[4]
فأقبلوا على الله يا عباد الله .
أخوكم ومحبكم فى الله
طالب العفو الربانى
محمود بن محمدى العجوانى
[1] دروس للشيخ سلمان العودة
[2] صحيح مسلم -
[3] صحيح مسلم
[4] دروس للشيخ عائض القرني
المفضلات