في الذكرى المئوية لرحيل اديب روسيا الشهير... هل اسلم تولستوي
ليو تولستوي والذي توفي عام 1910 يعتبر من ابرز روائيي روسيا والعالم في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 حيث تميزت كتاباته بقدرة فنية كبيرة وخيال واسع مبدع وجرأة شديدة.. سواء فيما كتبه من مقالات او دراسات او روايات فقد كانت افكاره مثالية في أمور الدين والمجتمع اذ انه ركز على فضح الظلم والشر الذي يمارسه الآخرون المتسلطون على الضعفاء والمساكين لذا فقد اعلى من قيمة الايمان بالله ومحاربة الاشرار وجعل الانسان محبا لأخيه الانسان وقد تميزت اعماله بنزعة انسانية كبيرة.
وكان تولستوي قد نشأ في اسرة نبيلة وثرية وورث املاكا واسعة اراد توزيعها على الفلاحين والفقراء وقد عمل في احقر المهن تواضعا وشعورا مع البسطاء.
وقد الف ونشر اشهر رواياته مثل الحرب والسلام وآنا كارينينا وكتب اخرى احدثت ضجة واسعة مثل ما هو الفن واعترافات وماذا نفعل الآن.
اسلام تولستوي
وفي دراسة فريدة من نوعها نقرأ للدكتور معمر الفار في مجلة دبي الثقافية الصادرة في حزيران من هذا العام بعض تلك المواقف التي تذهب الى شبه التأكيد من ان تولستوي قد أسلم في اواخر سنوات عمره وحول ذلك نقرأ الفقرات التالية من بحث د. الفار:عندما كان تولستوي في سن 23 سنة ذهب الى الشيشان وكتب اول كتاب له عام 1851 وكان حول ذكريات طفولته تحت عنوان الطفولة وانعكس تأثره بطراز واسلوب حياة الشعب القفقاسي في روايته الحاج مراد وروايته الاخرى الكازاك وانغمس على الفور في حميم حياة الشيشانيين، وكان لديه اصدقاء بينهم حيث اكدوا في شهاداتهم ان تولستوي قد صلى معهم على الملأ.
ويكرر تولستوي ذكر موقفه من الاسلام للعديد من اصدقائه فيما بعد فمثلا نرى طبيبه الخاص د. ب ماكا فينسكي عندما نشر كتابه عن تولستوي سجل فيه الحوارات التي تبادلها تولستوي مع اصدقائه الزائرين له وقد نشر هذا الكتاب في موسكو عام 1979 في اربعة مجلدات وافرد المؤلف المجلد الثالث لمسامرات تولستوي مع اصدقائه وفي هذا المجلد يقول تولستوي لقد ظهر لدي بأن محمدا كان يسمو على المسيحية في كل وقت انه لم يعتبر الانسان الها ولم يعادل بينه ويبن الله حيث يقول المسلمون لا اله الله محمد رسول الله حيث لا توجد هناك معضلة او سر غامض لذلك اقول ان الاسلام افضل واسمى وعندما نقارن بين الاسلام وبقية الاديان نجد ان الاسلام يسبقهم ويسمو عليهم جميعا ولقد ساعدني الاسلام كثيرا والدين الاسلامي اقل هذه الاديان تعرضا للخرافات واكثرها صفاء ويقول د. الفار ان بداية اهتمام واتصال تولستوي بالشرق يعود الى سنوات شبابه المبكر حين اختار اللغتين العربية والتركية تخصصا للمستقبل ودرسهما لمدة عامين على ايدي اساتذة متخصصين وقد ايقن منذ بداية طريقه الادبي الاهمية الفريدة التي يحتلها التراث الروحي للشرق فاقبل بنهم على دراسة فكره وفلسفاته التي كان يبحث فيها بشكل خاص عن مفهوم بعض المفكرين لمغزى الحياة غير ان اهتمام تولستوي بالشرق يرتبط بالدرجة الاولى بالاديان فقد امن باصالة الفكر الديني النابع من الشرق وهو الفكر الذي كان يرى فيه حصيلة جامعة للقيم الاخلاقية التي اختبرت لقرون عديدة والتي يجب ان تظل الحقيقة الراسخة الوحيدة في مسيرة الشعوب.
كانت للاديب والعبقري تولستوي مراسلات مع عدد من الشخصيات الاسلامية التاتارستانية في روسيا وكذلك مع عدد من الشخصيات العربية مثل الشيخ محمد عبده كما كانت له مراسلات حميمة بصفة خاصة مع بسطاء الناس من العالم العربي وكان يكن اعمق الاحترام للاسلام ولمفكري المسلمين في عصره.
وفي عام 1904 طلب تولستوي من ابنه الذي كان موجودا في مصر ان يمده بمعلومات عن بسطاء الناس في الدول العربية وتضم مكتبته مؤلفات تاريخية تحمل الكثير من ملاحظاته وتاشيراته مما يدل على تبحره في دراسة تاريخ الادب والتراث والفلكلور العربي وقد تبوأ الاسلام مكانة مرموقة بين العقائد التي اقبل تولستوي على دراستها وقد اشار بنفسه الى ذلك (كنت ادرس البوذية ورسالة محمد من خلال الكتب اما المسيحية فمن خلال الكتب والناس الاحياء المحيطين بي) وقد احتوت مكتبته الشخصية على العديد من المراجع التي تتناول الاسلام بالشرح والتفسير واستحوذت معاني القرآن الكريم على اهتمامه كما استاثرت احادث الرسول صلى الله عليه وسلم بحبه وعنايته لانه وجد فيها الكثير من افكاره التي كان يؤمن بها ويدعو اليها ومن ثم وجد لزاما عليه التعريف بالاسلام.
ويتصدر كتاباته في هذا المجال كتيب بعنوان حكم النبي محمد وهو كتيب جمع فيه احادثا للرسول انتقاها بنفسه واشرف على ترجمتها الى اللغة الروسية ومراجعتها والتقديم لها ويشير في مقدمة الكتاب الى عقيدة التوحيد في الاسلام والى الثواب والعقاب والدعوة الى صلة الرحم فيقول وجوهر هذه الديانه يتلخص في ان لا اله الا الله وهو واحد احد ولا يجوز عبادة ارباب اخرى وان الله رحيم عادل ومصير الانسان النهائي يتوقف على الانسان وحده فاذا سار على تعاليم الله فسيحصل على الجزاء اما اذا خالف شريعة الله فسينال العقاب وحسبما يرى الاسلام فان كل شيء في هذه الدنيا زائل ولا يبقى الا وجه الله وبدون الايمان بالله واتمام وصاياه لا يمكن ان تكون هناك حياة حقيقية وان الله تعالى يامر بمحبته ومحبة ذوي القربى ومحبة الله تكون بالصلاة ومحبة ذوي القربى تكون في مسائلتهم ومشاركتهم معنويا وفي الصفح عنهم الخ.
جريدة الرأي - 29/7/2010 6:13 م
المفضلات