تعريف الحوار لغةً
قال ابن منظور في لسان العرب: ”الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء،
وهم يتحاورون: أي يتراجعون بالكلام .
إذاً فالحوار هو تراجع الكلام والتجاوب فيه
تعريف الحوار اصطلاحاً
مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين أو أكثر، وعرفه بعضهم بأنه نوع في الحديث بين شخصين، أو فريقين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة، فلا يستأثر أحدهما دون الآخر ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب، وهو ضرب من الأدب الرفيع وأسلوب من أساليبه
الفرق بين الحوار والجدال والمناظرة والمناقشة
الجدال: من الجدل، وهو شدة الفتك،
والجادل من الإبل الذي قوي ومشى مع أمه،
والأجدل الصقر،
ورجل جدل إذا كان قوي الخصام
إذاً فأصل كلمة الجدل في اللغة تدل على القوة والشدة ويقصد بالجدل شدة الخصومة .
والجدل الإصطلاحي : هو دفع خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه وهو الخصومة في الحقيقة
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في المجادلة : (وهي في اصطلاحهم – أي المناطقة – المنازعة، لا لإظهار الحق بل لإلزام الخصم)
فالحوار والجدال يلتقيان في أنهما حديث أو مناقشة بين طرفين لكنهما يفترقا بعد ذلك.
أما الجدال فهو على الأغلب الرد في الخصومة وما يتصل بذلك، ولكن في إطار التخاصم في الكلام، فالجدال والمجادلة والجدل، كل ذلك ينحو منحى الخصومة ولو بمعنى العناد والتمسك بالرأي والتعصب له
وفي القرآن ما يدل على هذا الفرق، فقد ورد لفظ الجدل في القرآن الكريم تسعة وعشرين مرة كلها في سياق الذم، إلا في ثلاثة مواضع وهي
قوله تعالى :
(إدْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
، وقوله تعالى:
(وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
، وقوله تعالى:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)
أما بقية المواضع في القرآن الكريم فإما أن تكون في سياق عدم الرضا عند الجدال وإما عدم جدواه، أو لأنه يفتقد شروطاً أساسية كطلب الحق أو الجدال بغير علم أو يطلقه الكفار على الرسل كما قال تعالى:
(قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا)
فالجدل لم يؤمر به ولم يمدح في القرآن الكريم على الإطلاق، وإنما قيد المباح منه بأن يكون بالحسنى والرفق واللين والمعروف
فلفظة الجدل مذمومة إلا إذا قيدت بالحسنى
ومما يؤكد ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (ما ضل قوم بعد هدى كان عليه إلا أتوا الجدل، ثم قرأ الآية : مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)
الفرق بين الحوار والمناظرة
هناك توافق بين الحوار والمناظرة إذ أن المناظرة نوع من أنواع الحوار، ولكن عند الرجوع إلى تعريف المناظرة يتضح أنها تعتمد على الدقة العلمية، والشروط المنطقية، أكثر من اعتماد الحوار على ذلك، فالمناظرة مشتقة في أصل اللغة من النظير أو من النظر
وفي الإصطلاح : هى طريقة للبحث بين المتعارضين أو المتخاصمين، يكون ترتيب البحث بينهما على وجه الصواب حتى يظهر الحق بينهما
الفرق بين الحوار والمناقشة
النقاش في اللغة معناه : النقش أى رسم الكلام.
ويأتي النقاش أيضاً بمعنى المحاسبة والإستقصاء ومنه الحديث الشريف: (من نوقش الحساب هلك)
فالمناقشة هي نوع من التحاور بين شخصين أو طرفين ولكنها تقوم على أساس استقصاء الحساب، وتعرية الأخطاء، وإحصائها، ويكون هذا الاستقصاء في العادة لمصلحة أحد الطرفين فقط، الذي يستقصي محصياً ومستوعباً كل ما له على الطرف الآخر .
أصول وآداب الحوار
لابد من التفريق بين (أصول الحوار) و(آداب الحوار)
فإن الأصول هي عبارة عن القواعد الرئيسية الثابتة التي تضبط مسار الحوار،
أما الآداب فهي الأخلاقيات التى يجب أن يتحلى بها المتحاورون
الأصل الأول : أن يراد بالحوار وجه الله تعالى، أي إظهار الحق والوصول إليه، وهذه الرغبة يجب أن تكون موجودة عند الطرفين لا أن تكون الغاية مجرد الغلبة والظهور.
الأصل الثاني : العلم، لابد للمحاور أن يكون عالماً بالمسألة التي يريد أن يحاور فيها ومطلعا على مراجع كافية بشأنها لتعزيز موقفه
الأصل الثالث : أن يكون هناك تكافؤ بين المتحاورين، أي أن يكونا متقاربين في السوية العلمية والثقافية، وفي العقل والفهم، وإلا فإن الغلبة الظاهرية ستكون للجاهل !!!!
حيث ستخرج المناظرة عن مسارها وتتحول إلى ما يشبه التهريج وقد يتم التراشق بالألفاظ من قبل الجاهل فى حين يمتنع العاقل عن الرد احتراما لمبادئه وأخلاقه وسيطمس الحق في هذه المناظرة، ولا يظهر للمتحاورين ولا للحاضرين،
ولذلك يقول الشافعي رحمه الله : (ما ناظرت عالماً إلا غلبته، وما ناظرني جاهل إلا غلبني) !!!!
الأصل الرابع : تحديد موضوع الحوار ونقطة الإختلاف والسير فى المناظرة خطوة بخطوة
قال الربيع بن سليمان رحمه الله : (كان الشافعي إذا ناظره إنسان في مسألة فغدا إلى غيرها، يقول : نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد)
الأصل الخامس : قطعية النتائج ونسبيتها، فمن المهم أن نعرف في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبي الدلالة على الصواب أو الخطأ، والذين لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغون هو وحى عن ربهم سبحانه وتعالى، وما عدا ذلك فيندرج تحت المشهورة : (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
وبناءً عليه فليس شرط التحاور الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الآخر، فإن تحقق هذا واتفقا على رأي فنعم المقصود، وهو منتهى الغاية، وإن لم يكن فالحوار ناجح على كل حال .
أهم النقاط الأساسية في أدب الحوار والمناقشة
أولا :عدم إلجاء المناقش أو المحاور إلى الإعتراف الفوري بخطئه وهزيمته.
ثانيا :عليك أن تعطيه الفرصة للتراجع عن الرأي الخاطئ.
ثالثا : عليك أن تؤسس نقاشك على ما تتفقان عليه. ولا تخرج أبدا عن موضوع النقاش وإذا استلزم الأمر ذلك لتوضيح شىء فليكن فى أضيق الحدود ووافقه على بعض آرائه إن جاز لك ذلك.
رابعا : عليك أن تختار ألفاظك التي توجهها إليه بعناية بحيث تدل على كل تهذيب واحترام فالكلمة الطيبة ساحرة المفعول.
خامسا : أعطه فرصة للتفكير ولا تتعجل الرد الفورى لأن جوَّ النقاش غالبا ما يكون مشحونا بالتوتر الذى يؤثر بالطبع على صفاء الذهن وسلاسة التفكير وبالطبع ... يصعب على كل منَّ المتحاورين أن يُخذَل أمام المجموع.
سادسا : عليك بالهدوء المفتَعَل وضبط الأعصاب أثناء الحِوار حتى ولو استثارك الآخرعمدا لاختبار أعصابك. لكن ذلك طبعا فى حدود عدم إساءة الأدب التى يجب أن تقابل (بالحزم المحترم).
سابعا : لا تتعالى على من تناقشه ولو كان الحق معك ولو كان علمك أغزر منه وكانت الحجة بجانبك فالتواضع له دوره في شدِّ وجذب الجمهور من الحاضرين إليك وحبهم لشخصيتك وأخذهم بآرائك فضلا عن كونه خصلة حميدة فمن تواضع لله رفعه.
ثامنا : تجنب الأحكام الجاهزة المسبقة فأنت فى الحوار والمناظرة لست بحاكم ولا قاضٍ تفرض أحكامك بالقوة والعنف وقصص الأنبياء مليئة بالحوار الهادئ والمجادلة المثمرة البنَّاءة بين الرسل وأقوامهم وهؤلاء صلى الله عليهم وسلم هم قدوتنا الحسنة.
تاسعا : حاول أن تستبدل صيغة الأمر بصيغة الإقتراح أو الرجاء كقولك مثلا : إذا لم تقتنع بكلامي فأقترح أن (أو أرجو أن) ترجع إلى مصدر كذا وكذا أو أن تشاور من يعجبك رأيهم وتثق بعلمهم وخِبرتهم.
ولا تتعصَّب إلا للحق.
عاشرا: عود نفسك حسن الإستماع والإنصات للآخرين حتى يُكْملوا الإفصاح عن فكرتهم ثم الكَر ُّعليها بالنقد والتفنيد فقد خلق الله تعالى لك لسانا واحدا وأذنين
إن كثيراً من الناس يخفقون في ترك أثر طيب في نفوس من يقابلونهم لأول مرة، لأنهم لا يصغون إليهم باهتمام، إنهم يحصرون همهم فيما سيقولونه لمستمعيهم ومشاهديهم، فإن تكلم المستمع لم يلقوا له بالاً، علماً بأن أكثر الناس يفضلون المستمع الجيد على المتكلم الجيد
وبراعة الاستماع تكون بإنصات الأذن، وتركيز العين، وحضور القلب، وإشراقة الوجه، وعدم الإنشغال بتحضير الرد،
وإن كان الآخَر مكابرا أو صاحب هوى أو متعصبا تحاول محاورته بهدوء وردَّه إلى الصواب حتى يزول الغبش وتنجلي الفكرة وتتضح الحجة ويبدو الموقف جليا
واستمسك دائما بقول الله تعالى في محكم كتابه :
(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)
(قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون)
حادى عشر : إياك ثم إياك أن تحاور أو تناقش لمجرد الزهو بالغلَبة والانتصار والفوز والظفر فإن ذلك محبط للعمل مدمر للأجر ماحق للثواب جالب للمقت
وليكنْ علمك والدعوة إليه والجهاد في سبيل توضيحه خالصا لله وحده ومن أجل الله فقط ثم لإظهار الحق وردِّ الباطل ودمغه فإذا هو زاهق.
ثانى عشر : تحل بالعدل والإنصاف و الحلم والصبر
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المفضلات