المبحث الأول : هل وصف أى علاقه بين الرجل و المرأه بأنها حلال أو حرام تتوقف على صفة " الزوجيه " أم تتوقف على الإباحه أو التحريم الآتى من الله ؟



يعترض المسيحى على " ملك اليمين " قائلا إن هذه علاقة خارج اطار الزواج , و ما خرج عن اطار الزواج فهو زنا لا محاله , و بالتالى ف " ملك اليمين " حرام لا محاله , هذه وجهة نظر المسيحى .



دعونا نناقش هذا الرأى , و نسأل الصديق المسيحى , هل الحلال و الحرام يتوقف على وصف " الزوجيه " ؟ , بمعنى أن كل علاقه بين الرجل و المرأه لها وصف " الزوجيه " فهى حلال , و كل علاقة تخرج عن وصف " الزوجيه " فهى حرام ؟



ربما يتسرع المسيحى و يجيب ب " نعم , بكل تأكيد " , و لكن هذه الإجابه غير صحيحه , فزواج الرجل من أكثر من امرإة فى الدين المسيحى نوع من الزنا بالرغم أنه كان مباحا عنده فى العهد القديم , اذن هذا زواج و لكنه حرام و زنا فى المسيحيه... و كذلك زواج الأخ من أخت زوجته المتوفاه نوع من الزنا فى المسيحيه بالرغم أنه كان مباحا فى العهد القديم , اذن هذا زواج و لكنه حرام و زنا فى المسيحيه ... الى آخر أنواع الزواج المحرمه فى المسيحيه .. و بالتالى فوصف " الزوجيه " بحد ذاته لا يعنى أن تلك العلاقه بين الرجل و المرأه حلال .



و نجد نفس الأمر أيضا فى الإسلام , فزواج الأخ من أخته الذى أبيح فى عهد سيدنا آدم يعتبر حاليا زنا و غير مسموح به , اذن هذا زواج و لكنه حاليا حرام و زنا , الى آخره من أنواع الزواج المحرمه فى الإسلام .


اذن فالخلاصة أن وصف " الزوجيه " لا يؤدى بطريقة أوتوماتيكيه الى أن هذه العلاقه حلال , و أيضا يتأكد أمام الجميع أن وصف " الحل " أو " الحرمه " يعود فى النهايه الى شىء واحد فقط , هو سماح الله بذلك أو تحريمه لهذا الأمر .




ما دمنا قد وصلنا الى هذه النتيجه التى لا مناص للمسيحى سوى أن يعترف بها , فنقول أن " ملك اليمين " لا يوصف بأنه حلال أو حرام اعتمادا على وصف " الزوجيه " الذى أثبتنا منذ قليل أنه ليس مربط الفرس أو المناط فى التحليل أو التحريم , بل يوصف بأنه حلال أو حرام بناء على سماح الله به أو تحريمه له .





و بالتالى اذا كان الله قد سمح بوجود علاقة بين الرجل و المرأه التى تكون فى ملك يمينه , اذن ليس للمسيحى أن يعترض على هذا , لأن مرد التحليل أو التحريم كما اثبتنا يعود الى ما يأذن به الله , و ليس الى وصف " الزوجيه " الذى أثبتنا أنه بحد ذاته لا يؤدى بطريقة أوتوماتيكيه الى التحليل أو التحريم , و على هذا ف " ملك اليمين " ليس زنا , بل علاقة مباحة يعترف بها الشرع الإسلامى , و الولد منها ينسب لأبيه و له حقوقه التى يكفلها له الشرع .



كما أن ملك اليمين أحكامها كأحكام الزوجة فى كثير من الأحكام , فنقرأ فى ( الأشباه و النظائر 1 – 270 ) :


للوطء بملك اليمين أحكام كأحكام الوطء بنكاح فيوجب تحريمها على أصوله وفروعه وتحريم أصولها وفروعها عليه ووجوب الاستبراء وحرمة ضم أختها إليها ويخالف الوطء بالنكاح في مسائل : لا يثبت به التحليل ولا الإحصان .


انتهى الاقتباس .




و بالتالى , فملك اليمين فى الإسلام له نظام دقيق ينظمه يشبه كثيرا نظام الزواج , و ليست المسأله كما يدعى أعداء الإسلام أنها بلا ضابط أو رابط .







المبحث الثانى : ملك اليمين فى الإسلام , زوجه درجه ثانيه فى الكتاب المقدس , اتحاد فى المفهوم و اختلاف فى الإصطلاح :



يؤمن النصارى أن الجوارى أو السرارى هن نوع من الزوجات , و لكنهن زوجات من درجة ثانيه , لا يقدم لهن مهر , و لا يحصلن على عقد زواج , و لا فترة خطوبه , أى أنه ليس لهن حقوق و لا مزايا الزوجه الأولى , و فى الغالب ما يكن من العبيد .



أما الإسلام فإنه يبيح نكاح نوعين من النساء , هن الزوجات ( و هن يساوين فى المرتبه زوجات الدرجه الأولى فى ايمان النصارى ) , و النوع الثانى هن " ملك اليمين " و هن يساوين ما يسميه النصارى " زوجات درجه ثانيه " .



اذن فالأمر يبدو كما لو أنه خلاف اصطلاحى ليس أكثر , فلو قارنا بين خصائص " الزوجه درجه ثانيه " , و بين " ملك اليمين فى الإسلام " , سنجد أن الخصائص متماثله ( باستثناء أن أولاد الجاريه فى الكتاب المقدس ينسبون لسيدتها لأن الجاريه و أولادها ملك لهذه السيده ) , و لكن الخلاف بيننا و بين النصارى اصطلاحى فقط .



قد يعترض النصرانى على هذا , و يقول أن كتابهم المقدس قد وصف العلاقه مع السريه أو الجاريه بأنها علاقة زيجه , بغض النظر عن كونها درجه ثانيه أو ثالثه أو حتى عاشره , و جوابنا على هذا أن الإصطلاح الإسلامى أدق , فمن المعروف أن الزواج له أركان و شروط لا تتوفر إلا فيما يعرف عندهم ب " الزوجه درجه أولى " أو عندنا فى " الزوجه " , و أن هذه الشروط لا تتوفر فى المرأه التى يسمونها " زوجه درجه ثانيه " , فكما قلنا أن هذه المرأه قد تشترى بمال بوصفها من العبيد , و أنه لا يقدم لها مهر , بل و عندهم أن الجاريه اذا ولدت يعتبر أولادها تبعا لسيدتها , فكيف يقال عن امرأة من العبيد تشترى و لا يقدم لها مهر أو كتاب زواج أنها زوجه ؟؟!!!!!





اذن فمواصفات " السرية " أو " الجاريه " تختلف كثيرا عن مواصفات الزوجه , و لهذا كان المصطلح الإسلامى أدق و أكثر افصاحا عن وضع هذه المرأه , فوصف " ملك اليمين " يبين امتلاك سيدها لها , و هذا ما لا يتوفر فى مصطلح " زوجه درجه ثانيه " الذى يستخدمه النصارى .





و قد عبر عدد من العلماء عن هذا الاضطراب الإصطلاحى فى النصرانيه , فقال العالم " فيكتور ب هاميلتون " Victor P Hamilton المتخصص فى الدراسات العبريه , أن مصطلح " سريه " يختلف معناه المستخدم فى سفر التكوين عن معناه الذى استخدم به فى عصر الملك داود و سليمان , فيقول الآتى فى كتابه عن سفر التكوين صفحة 445 و 446 :




فى الواقع تفرق العديد من الآيات بوضوح بين " الزوجات " و " السرارى " ( انظر سفر صموئيل الثانى 5 – 13 , صموئيل الثانى 19 – 6 , ملوك الأول 11 – 3 , أخبار الأيام الثانى 11 – 21 ) . أى أن مصطلحى " زوجه " و " سريه " مصطلحان متمايزان , و لا يعبر أحدهما عن الآخر مطلقا . لاحظ - على سبيل المثال - أنه فى سفر القضاه اصحاح 19و 20 تستخدم كلمة " سريه " أحد عشر مره , و لكن كلمة " زوجه " لا تستخدم مطلقا .




و لكن الأمر مختلف نوعا ما فى سفر التكوين , حيث نجد فى ثلاثة مواضع أن حيث توصف قرينة الرجل بكلا الوصفين " زوجه " و " سريه " . و كذلك نجد فى سفر أخبار الأيام الأول 1 – 32 أنه يسمى" قطوره " ب " سرية ابراهيم " , بينما يسميها سفر التكوين 25 – 1 ب " زوجة ابراهيم " .



نجد أيضا أن سفر التكوين 16 – 3 يسمى هاجر ب " زوجة ابراهيم " , بينما سفر التكوين 25 – 6 يسميها ( هى و قطوره ) " سرية ابراهيم " .



سفر التكوين 35 – 22 يسمى " بلهه " ب " سرية يعقوب " , بينما تسمى فى تكوين 30 – 4 و 37 – 2 ب " زوجة يعقوب " ( و أنا آخذ فى اعتبارى أن اللاوى المذكور فى سفر القضاه يسمى ب رجل أو زوج السريه ) .



بعكس باقى العهد القديم , حيث يسمى النساء بواحد فقط من مصطلحى " زوجات " أو " سرارى " , نجد فى سفر التكوين ثلاث مواضع ( هاجر , قطوره , بلهه ) تسمى فيها المرأه زوجه و سريه . قد يشير هذا أن سرارى ابرهيم و يعقوب لم يكن " سرارى " وفق المعنى الذى اكتسبته هذه الكلمه لاحقا , و لكن لم يكن يتوفر " مصطلح " يعبر عن هذا النوع من التسرى , و لهذا جرى استخدام مصطلحى " زوجه " و " سريه " كمصطلحين مترادفين يصفان هؤلاء النساء فى قصص البطاركه .

انتهى الاقتباس .




و أيضا يعبر العالم " س . رابين " C . Rabin عن هذه المشكله الإصطلاحيه فى حديثه عن أصل الكلمه العبريه التى تترجم " سريه " :



لقد حل الإشكال الإصطلاحى , باستخدام كلام المصطلحين سويا , و بينما يجدر بنا اليوم أن نضع المصطلحين بجوار بعضهما البعض مع خط قصير يفصل بينهما ( ملحوظه من المترجم : يقصد الكاتب أن تكون الكلمتان معا مصطلحا مركبا من جزئين بينهما خط فاصل ) , إلا أن هذا لم يكن ممكنا حدوثه فى لغة تستخدم المقابلة الوصفيه كثيرا مثل اللغه العبريه للكتاب المقدس , و التى عن طريق استخدام المصطلحين بالتبادل فى الإطار القصصى المفهوم بسهوله , تعبر عن هذا العلاقه " البين بين " .


انتهى الاقتباس




اذن فالعلماء يفسرون هذا الإضطراب الحادث فى سفر التكوين فى وصف ( هاجر و قطوره و بلهه ) أحيانا بأنهن زوجات , و أحيانا أخرى بأنهن " سريات " أو " جوارى " , يفسرونه بعجز كتبة هذا السفر عن ايجاد مصطلح يعبر عن الحاله الوسط لهؤلاء النساء , و هى الحاله ما بين " درجة الزوجيه " و " درجة التسرى " , و لهذا ذكروا تارة أنهن زوجات و تارة أخرى أنهن سرارى ليعبروا عن أنهن فى درجة وسط بين درجة " الزوجيه " و درجة " التسرى " , و ليس الغرض كما يدعى النصرانى أن الغرض من هذا هو بيان أن التسرى نوع من الزواج .


و بالتالى فالكتاب المقدس بحسب كلام هؤلاء العلماء يعبر عن ثلاثة أنواع من النساء :



1- الزوجات ( مثل ساره )


2- السريه - الزوجه ( و هى حاله وسط بين الزواج و التسرى , و أولادها ينسبون لسيدتها , مثل هاجر و قطوره و بلهه )


3- السريه ( مثلما نجد مثلا فى عصر الملك داود و سليمان )



و على أى حال , فلو تنزلنا جدلا مع النصرانى , و سلمنا له أن الشرع عنده سمى السريه " زوجه درجه ثانيه " , فلا ضير أن يسميها الشرع عندنا " ملك يمين " , ما دمنا قد اتفقنا أن الصفات المنسوبه لكليهما واحدة , و بالتالى يظل الخلاف اصطلاحيا كما قلنا سابقا .